دعوى الالغاء في القانون الاداري
يعتبر مبدأ المشروعية المرتكز الأساسي لدولة القانون وسمة من سمات الدولة الحديثة,ويقصد بها سيادة حكم القانون من حيت خضوع الحكام و المحكومين له,فهي توجب على الدولة احترام القواعد القانونية الملزمة لها,مما يترتب عليه خضوع الدولة في تصرفاتها للقانون ساري المفعول.
ومبدأ سيادة القانون ينطبق على الدولة بغض النظر عن نظامها السياسي, كما أنه لا يوجد ارتباط للنظام الاجتماعي والاقتصادية الذي تأخذ به الدولة لمدى احترامها لمبدأ
المشروعية, فالدولة الرأسمالية و الدولة الاشتراكية توجب عليها الخضوع للقواعد القانونية فيما تأتيه من أعمال وتصرفات,بحيث تلتزم في أعمالها حدود القواعد القانونية الملزمة للإدارة لا يكفي لاحترام الإدارة لهذه القواعد,مما يستوجب وجود ضمانة تجبر الإدارة على احترام هذه القواعد القانونية الملزمة,بحيث تلتزم الدولة في تصرفاتها بالقانون,مما يسهل على الأفراد رقابة الدولة في أدائها لأعمالها وتصرفاتها,كما يؤدي إلى إلغاء التصرفات التي تخرج عن الحدود التي رسمها القانون.
ومن المعلوم أنه, تتم الرقابة على أعمال وتصرفات الإدارة من خلال ثلاثة أشكال:الرقابة السياسية و الرقابة الإدارية ثم الرقابة القضائية.
وبهذا فان دراسة طرق الرقابة القانونية العمال الإدارة وخاصة الرقابة القضائية مهمة لكونها منوطة بجهة مستقلة ومحايدة عن أطراف الخصومة الإدارية.
ومن خلال ما سيق, جاءت أهمية دراستنا لدعوى الإلغاء باعتبارها محور و أساس المنازعات الإدارية وذلك باستعمال المنهج المقارن للإجابة عن التالية:
هل استطاع المشرع المغربي تحقيق التوازن بين السلطة و الحرية من خلال التسلسل التاريخي ومجموع الإصلاحات في القضاء الإداري؟وهل يمكن اعتبار قضاء الإلغاء المغربي يحقق الغاية المنشودة في ضمان وصيانة الحقوق و الحريات كمثيله الفرنسي؟
كلها أسئلة سنحاول من خلال دراستنا المتواضعة الإجابة عنها ودلك من خلال المنهجية المقترحة التالية.
سنحاول في المبحث الأول إعطاء نظرة على السياق التاريخي لدعوى الإلغاء كمنطلق أساسي في مناقشة أسباب ونشأة دعوى الإلغاء في كل من المغرب وفرنسا (المطلب الأول ),وسنبرز المميزات والخصائص التي تميز دعوى الإلغاء(المطلب الثاني),ثم سننتقل في المبحث الثاني إلى تقييم دعوى الإلغاء من الناحية القانونية من خلال الشروط المعتمدة لقبول دعوى الإلغاء(المطلب الأول)وأوجه الطعن بالإلغاء(المطلب الثاني) في إطار المقارنة بين النموذجين المغربي و الفرنسي.
المنهجية
المقدمة
المبحث الأول:الإطار المفاهيمي لدعوى الإلغاء
المطلب الأول:السياق التاريخي لدعوى الإلغاء
المطلب الثاني:مفهوم دعوى الإلغاء و خصائصها
المبحث الثاني:الوسائل القانونية للقضاء في إطار رقابته على القرار الإداري
المطلب الأول:شروط قبول دعوى الإلغاء
المطلب الثاني:أوجه الطعن بالإلغاء
الخاتمة
المبحث الأول:الإطار المفاهيمي لدعوى الإلغاء
نعلم على أن الرقابة القضائية تمتاز عن كل من الرقابة الإدارية و السياسية,من خلال أنها لا تقوم إلا بناءا على تظلم من الأفراد أو الهيئات.فالرقابة القضائية لا يحركها القضاء من تلقاء نفسه,بل ترفع بها دعوى لكي يتدخل القضاء ويمارس رقابته على أعمال الإدارة.
المطلب الأول:السياق التاريخي لدعوى الإلغاء
تختلف الدول في الطريقة التي تنظم بها الرقابة القضائية على أعمال الادارة,فمنها مايأخذ بالنظام القضائي الموحد,حيث لاوجود لقضاء إداري مستقل عن القضاء العادي ,ومنها ما يأخذ بالنظام القضائي المزدوج,حيث توجد جهتان قضائيتان ,إحداهما تختص بالنزاعات بين الأفراد وهي المحاكم العادية,والثانية تختص بالنظر في النزاعات الإدارية ممثلة بالمحاكم الإدارية.
وأساس النظام المزدوج في فرنسا التي ستعد مهد للقضاء الإداري يرجع إلى أساسين,أولهما سياسي دستوري حيث يرى مبتدعو هذا النظام بأنه تطبيق لمبدأ فصل السلطات الذي نادى به مونتسكيو,واعتنقه من بعده مشرعو الثورة الفرنسية,كما أنه ومن جهة أخرى يعتبر بمثابة رد فعل لسلطة المحاكم التي تعتدي على الإدارة وتعيق نشاطها .وثانيهما تاريخي,حيث عرف ا لفرنسيون قبل الثورة الفرنسية وجود سلطات الحكم في يد الملك حيث نظام الملكية
المطلقة,ووجدت في هذه الفترة محاكم قضائية تدعى البرلمانات Parlements وهي ممثلة للملك في وظائفه القضائية,حيث كانت تمارس سيطرة رجعية على الإدارة وتتدخل في شؤونها وتعارض وتعرقل كل حركة إصلاحية ,مما حدى برجال لثورة الفرنسية إلى منع لامحاكم القضائية القائمة من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلط .
وصدر قانون 16-24 غشت 1790 ملبيا لهذا الاتجاه حيث ألغى هذه المحاكم القضائية(البرلمانات) وإنشاء الإدارة القاضية(الوزير القاضي)كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي,ومنع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها,وأصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصل في هذه المنازعات.
واستمرت مرحلة الإدارة القاضية إلى غاية 12 ديسمبر 1797 بنشوء مجلس الدولة في عهد نابليون بونابرت,حيث وضعت اللبنة الأولى للقضاء الإداري الفرنسي ,مع أن اختصاص المجلس كان أول الأمر استشاريا يتطلب تصديق القنصل.
وفي الوقت ذاته ثم إنشاء محاكم أو مجالس إقليمية Les conseils de Prefecture التي كانت تصدر أحكاما لا تحتاج إلى تصديق,إلا أن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل.وبه فالمجلس لم يكن له سلطة القضاء وإصدار الأحكام فسمي بذلك بالقضاء المقيد Justice Retenue إلى غاية 1872 حيث أصبح قضاء مفوض حيث صدر قانون يمنح المجلس الاختصاص في البث نهائيا في المنازعات الإدارية دون تعقب جهة أخرى.
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام المجلس.حدد المشرع اختصاصه على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30 شتنبر 1953.وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى بالمجالس الإقليمية صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية .
ونجد على أنه في المغرب,وفي الفترة ماقبل الحماية قد عرف القانون الإداري الذي من خلاله نستشف وجود قضاء إداري من خلال ولاية المظالم التي كانت من المهام التي يضطلع بها السلطان بصفته القاضي الأسمى.إلا أن هذا لايعني الحديث عن دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة ,بسبب عدم وجود استقلال للسلط أو على الأقل لعدم استمرار ولاية المظالم في أداء مهامها مدة كافية لتطويرها إلى يصل القضاء الإداري بمعناه الحديث .بالإضافة أنه وفي عهد الحماية لم تعرف دعوى الإلغاء ذلك بأن الفصل الثامن من ظهير 12 غشت 1913 كان يمنع على المحاكم أن تعرقل أعمال الإدارة أو تلغي قراراتها .
وجاء حال المغرب تباعا للسياق الذي كانت تعرفه فرنسا ومنه لم يصبح من حق المغاربة طلب الالغاء امام القضاء الا بعد احداث المجلس الاعلى بظهير 27 شتنبر 1957 و الذي له مهمة مزدوجة. (9 )
وفي الاصلاح القضائي لسنة 1974 الذي استند الى مبدا اساسي يمكن تقريب القضاء من المتقاضين ثم تسهيل مسطرة التقاضي في مجال دعوى الالغاء،فجعل الطعن الاداري الذي يسبق الطعن القضائي اختياريا بعدما كان في المسطرة السابقة اجباريا.
و تم احدات المحاكم الادارية التي شرعت في العمل في 4 مارس 1994 التي اصبحت تبت في كل من القضاء الشامل و قضاء الالغاء بمقتضى قانون 90-41 و استمر الحال الى غاية 14 فبراير 2006 باحدات محاكم الاستئناف الادارية بموجب قانون 80.03 لتحل محل الغرفة الادارية بالمجلس وبموجب احداث هذه المحاكم الاستئناف الادارية المختصة في استئناف احكام
الاعلى التي مارست اختصاصات هاته المحاكم استثناء منذ تاسيس المحاكم الادارية سنة 1993.
المحاكم الادارية و اوامر رؤسائها و تكون القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الادارية قابلة للطعن بالنقض امام المجلس الاعلى ماعدا القرارات الصادرة في المنازعات الانتخابية و كذا في تقدير شرعية القرارات الادارية.
ودعوى الإلغاء في التجاوز لاستعمال السلطة تمثل ضمانة أساسية لتحقيق المشروعية حماية لحقوق الأفراد و حرياتهم لما يتوفر عليه القاضي من
ضمانات الحياد و الاستقلال وتعتبر دعوى الإلغاء رقابة فعالة من خلال ما يتضمنه أحكام القضاء بحجية الشئ المقضي به بالحسم في النزاع بصفة نهائية و بسبب ما تتمتع به السلطة الإدارية في الوقت الراهن من القدرة على التنفيذ الجبري بالإضافة إلى الامتيازات و السلطات التقديرية و الاستثنائية المعترف بها للإدارة كانت الحاجة للامان بالرقابة القضائية و التعمق و الوعي بها لضمان الحقوق والحريات.
- 10 عفاف ملوك دعوى الالغاء بسبب تجاوز السلطة لعيب الانحراف في استعمال السلطة ص 15 طبعة اولى 2006 دار القلم.
-11 وهي الرباط الدار البيضاء مراكش اكادير فاس مكناس وجدة
- 12 باعتبار محاكم ادارته كدرجة اولى و الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى كدرجة الاستئناف.
- 13 عبد الكريم الطالب التنظيم القضائي المغربي دراسة علمية،ص 58 الطبعة 2006 مضبوعات المعرفة.
- 14 مادة 5 من القانون 80.03 المحدث بموجبه محاكم الاستئناف الادارية .
- 15 مادة 16 من قانون 80.03 .
- 16 الحسن سيمو قضاء الالغاء و الاعمال المادية للادارة ص 93 الندوة الاولى للقضاء الاداري 18 ماي 1995 تحت عنوان المحاكم الادارية دعامة من دعائم دولة القانون المعهد الوطني للدراسات القضائية.
المطلب الثاني: مفهوم دعوى الإلغاء وخصائصها
الفرع الأول: مفهوم دعوى الإلغاء
إن أول إشكالية تصادفنا هو تحديد مفهوم كلمة الشطط أو التجاوز، فإذا نحن رجعنا إلى قاموس لغوي سنجد أن الشطط مرادف للتجاوز، لذلك نلاحظ أن المشرع المغربي قبل صدور قانون المحاكم الإدارية كان يسميها بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ، أما بعد صدور هذا القانون فإنه استعمل مصطلح دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.
فاصطلاح التجاوز في استعمال السلطة هو مرادف بعدم الشرعية، لأن القاضي لا يلغي القرار إلا إذا كان غير شرعي، فدعوى التجاوز في استعمال السلطة هي الوسيلة القضائية التي تمكن القاضي لمراقبة عمل الإدارة قصد إلغاء قراراتها بعدم الشرعية.
فهنا يجدر بنا أولا تعريف دعوى الإلغاء التي استقر الفقه والقضاء على تعريفها، بأنها دعوى قضائية يرفعها أحد الأفراد أو إحدى الهيآت للقضاء الإداري للمطالبة بإلغاء أو إعدام قرار إداري صدر مخالفا للقانون فدعوى الإلغاء باعتبارها دعوى مشروعية يكون موضوعها دائما قرارا إداريا يفصل القاضي في مدى مشروعية أيا كانت السلطة التي أصدرت، ويمكن القول بأن دعوى الإلغاء تعتبر بمثابة مخاصمة القرارا لإداري، ولا تخاصم فيها جهة الإدارة، بمعنى أن الطعن يوجه أصلا للقرار الإداري وليس للسلطة الإدارية التي أصدرت .
أما في القضاء الإداري الفرنسي، فدعوى الإلغاء هي دعوى قضائية ترفع إلى القضاء لإعدام قرار إداري صدر بخلاف ما يقضي به القانون، وتسمى أيضا دعوى تجاوز السلطة مثلها مثل المغرب . كما أنها تعد من أهم الوسائل حماية المشروعية وقد كان للقضاء الفرنسي الريادة في إنشاء دعوى الإلغاء وكان مجلس الدولة صاحب الولاية العامة بالنظر في الدعاوي الإدارية منذ 1872 وكانت تنظر في درجتين: تعرض الأولى أمام المحاكم الإدارية، والدرجة الثانية أمام مجلس الدولة بوصفه محكمة الاستئناف.
وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن دعوى الإلغاء ليست دعوى بين الأطراف، ولكنها دعوى موجهة لهذا القرار، وأنه إذا كان هناك مدع في إجراءات دعوى الإلغاء فإنه لا يوجد بالمعنى الدقيق للكلمة المدعى عليه.
الفرع الثاني: خصائص دعوى الإلغاء
تعتبر دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة من الدعاوي الحديثة العهد بالقياس إلى غيرها من الدعاوزي فهي تتميز بخصائص من بينها أنها من صنع المجلس الأعلى وذلك عير صدور ظهير 27 شتنبر 1957 الذي عمل على تنظيم الجهازالقضائي، وإصلاحه، وبهذا فقد أصبح المجلس الأعلى رأس جميع المحاكم الموجودة في المغرب، على اختلاف درجاتها وأنواعها وله مهمة مزدوجة، فهو من جهة يعتبر محكمة نقض في جميع القضايا حتى الإدارية، ومن جهة أخرى تعتبر غرفته الإدارية محكمة إلغاء بالنسبة للقرارات الصادرة عن السلطات، أما بفرنسا فدعوى الإلغاء من صنع مجلس الدولة الفرنسي.
تتميز دعوى الإلغاء أنها دعوى قضائية، أي أنها ترفع إلى الجهة القضائية ويبث فيها قضاة تابعون للسلطة القضائية فهي ليست تظلما إداريا، مثلها مثل فرنسا، لأنها وإن كانت تشترك مع الرقابة من حيث الهدف الذي يتمثل في مراقبة أعمال الإدارة من أجل ضمان حقوق الأفراد وحياتهم، إلا أنها تختلف في عدة نواحي .
من الخصوصيات التي تتمتع بها دعوى الإلغاء في التشريع المغربي كونها معفية من الرسوم القضائية إلا أنها غير معفية من المؤازرة بالمحامي على خلاف المشرع الفرنسي، الذي جعل هذه الدعوى أكثر شعبية والأكثر تنازلا بين الأفراد، فإعفءها من الرسوم ومن المؤازرة بالمحامي فدعوى الإلغاء هي من طبيعتها أهنها دعوى موضوعية عينية، وهذا ما ما أقرت إليه الغرفة الإدارية بأن دعووى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة ليست دعوى بين الخصوم، ولكنها دعوى ضد قرار السلطة الإدارية بقصد التوصل إلى إلغائه بأثر قبل الكافة، وهذا ما نراه في فرنسا بأن دعوى الإلغاء تقوم على مخاصمة القرار الإداري الغير المشروع، يتعين لقبولها أن يكون القرار قائما ومنتجا لأثره عند إقامة الدعوى، فهي إذا موجهة ضد القرار المطعون، كما أنها تتميز في أن الحكم فيها يتمتع بحجية قبل الكافة، فإذا تضمن الحكم بإلغاء القرار الإداري موضوع الدعوى فسنعتبر أن جميع التصرفات القانونية والإدارية التي تمت بموجبه ملغاة من تاريخ صدور تلك القرار مثله مثل القانون المغربي.
ومن الجدير بالذكر أن سلطة القاضي المغربي في دعوى الإلغاء يقتصر دوره فقط على التأكد من شرعية القرار المطعون فيه ومراقبته بحيث أن سلطته تقف عند الحكم بالإلغاء في مجال السلطة المقيدة للإدارة، فلا يمكن له أن يعقب
على القرار أو يعدله أو يستبدله بغيره، لأنه لو وضع ذلك سيتحول إلى رئيس إداري له سلطة رئاسية على متخذ القرار، وهذا انتهاك لمبدأ فصل السلط .
أما في فرنسا فهي هنا مثل المغرب تنحصر في التحقق من صحة ومشروعية القرار الإداري ومدى موافقته للقانون، فإذا رفع أحد الأفراد إلى القضاء الإداري بطلب إلغاء قرار إداري فإن هذه الدعوى تخول القاضي فحص مشروعية القرار الإداري، فإذا تبين مخالفته للقانون حكم بإلغائه ولكن دون أن يمتد حكمه إلى أكثر من ذلك، فليس له تعديل القرار المطعون فيه أو استبداله بغيره، وعلى هذا الأساسا يكون قضاء الإلغاء على كس القضاء الشامل الذي يخول للقضاء السلطات الكاملة لحسم النزاع، فالقاضي لا يقتصر على إلغاء قرار غير مشروع وإنما يترتب على الوضع غير المشروع جميع نتائجه القانونية لأنه يتعلق بالحقوق الشخصية لرفع الدعوى فله أن يحكم بإلغاء القرار والتعويض عن الأضرار التي ألحقها بالمدعي، ومن ذلك فإن المنازعات المتعلقة بقضاء التعويض عن أعمال الإدارة الضارة هذا بالإضافة أنها تنتمي إلى قضاء المشروعية أي أنها تعمل على حماية مبدأ المشروعية وهذا ما نراه في المغرب أن الهدف من هذه الدعوى هو إلغاء الحكم كليا أو جزئيا تبعلا للعيب الذي شابه والدفاع عن المصلحة العامة وحمايتها وإلغاء الحكم كليا أو جزئيا تبعا للعيب الذي شابه، وهذا كله في ظل احترام مبدأ الشرعية .
المبحث الثاني: الوسائل القانونية للقضاء في إطار رقابته على القرار الإداري
بالرجوع الى قانون رقم 41 90 المحدث بموجبه المحاكم الادارية فانه لقبول دعوى الالغاء لابد من رفعها امام المحكمة الادارية بمقتضى مقال مكتوب وبواسطة محام ودالك طبقا للمادة 3 والتي نصت انه ترفع القضايا الى المحكمة الادارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيات المحامين بالمغرب وبمقتضى المادة 20 الدي نصت على ان كل قرار اداري صدر من جهة غير مختصة او لعيب في شكله او الانحراف في السلطة او لانعدام التعليل او لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه امام الجهة الادارية المختصة وكدا نصت المادة 21 يجب ان يكون طلب الالغاء بسبب تجاوز السلطة مصحوبا بنسخة من القرار الاداري المطلوب الغاءه وادا سبقه تقديم تضلم اداري يتعين ان يصحب طلب الالغاء ايضا بنسخة من القرار الصادر برفض التضلم او بنسخة وثيقة تشهد بايداع التظلم ان كان رافضه ضمنيا ونصت المادة 22 يعفى طلب الالغاء بسبب تجاوز السلطة من اداء الرسم القضائي ونصت المادة 23 يجب ان تقدم طلبات الغاء القرارات الصادرة عن السلطات الادارية بسبب تجاوز السلطة داخل اجل ستين يوما يبتدئ من نشر القرار المطلوب الغاؤه الى المعني بالامر ويجوز للمعنيين بالامر ان يقدمو قبل انقضاء الاجل المنصوص عليه في رفع طلب الالغاء الى المحكمة الادارية داخل اجل ستين يوما يبتدئ من تبليغ القرارالصادر صراحة برفض التضلم الاداري كليا او جزئيا ونجد في القانون الفرنسي مرسوم 30 سبتمبر 1953 الذي اصبح نافذاً في يناير 1954
وانطلاقا من المواد المدكورة اعلاه يمكن عرض شروط قبول دعوى الالغاء من خلال القانون المحدث للمحاكم الادارية وقصد تحديد شروط قبول دعوى الالغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة لا بد من احترام المشروعية واقرار الجزاء ضد التصرفات الادارية غير المشروعة
وتنقسم شروط دعوى الالغاء الى شروط شكلية واخرى موضوعية
الشروط الشكلية هي التي ادا ثبت للقاضي عدم نوفر بعضها حكم بعدم قبول الدعوى اما الشروط الموضوعية فهي التي تكون ضرورية للحكم بالالغاء وتسمى باسباب بطلان قرار الادارة او حالات عدم الشرعية وسنخصص لكل منهما مطلبا مستقلا
المطلب الاول شروط قبول دعوى الالغاء الشروط الشكلية
أولا الشروط الشكلية لقبول دعوى الالغاء في قانون المحاكم الادارية
دراسة مقارنة
يقصد بشروط قبول دعوى الالغاء الشكلية تلك التي ينبغي للقاضي التحقق من توافرها في العناصر المختلفة للدعوى قبل الانتقال الى فحص موضوعها وهده الشروط منصوص عليها في القانون قانون المسطرة المدنية وقانون المحاكم الادارية وهده الشروط الشكلية لا تختلف عن الشروط الشكلية التي يجب يجب توافرها عموما في دعوى الالغاء سواء في النظام المغربي ام الفرنسي وهي :
1 ان يكون طلب الالغاء مكتوبا
2 ان يقدم بواسطة محام
3 ان يرفق الطلب بنسخة من القرار الاداري المطعون فيه او برسالة التظلم
4 ان يقدم طلب الالغاء داخل الاجل القانوني
5 ان لا يكون في وسع الطاعن تقديم دعوى موازية
وفيما يلي نتحدث بايجاز عن كل شرط على حدة
الشرط الاول تقديم دعوى الالغاء بواسطة مقال مكتوب
يجب أن ترفع دعوى الإلغاء بواسطة مقال مكتوب، وترفق بهذا المقال نسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه ، أو نسخة من قرار رفض التظلم، أو ما يثبت تقديمه في حالة سكوت الجهة الإدارية المعنية، وغيرها من المستندات التي يريد صاحبها إرفاقها بالمقال ، وإلا قضي بعدم قبول طلب الإلغاء .
فالطابع الكتابي للدعوى، كان سائدا في ظل ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي، وتطبيقا لقاعدة تقريب القضاء من المتقاضين، خفف من شدته، حيث أباح المشرع في ظل ظهير 28 شتنبر 1974 بشأن قانون المسطرة المدنية استعمال الشفوية، ومع ذلك فإن المسطرة الكتابية تسود كل:
1-"...القضايا التي تتعلق بالمسؤولية الناجمة عن الجريمة أو شبه الجريمة بالنسبة لأحد الأطراف..."
كما أن المادة 3 من القانون المحدثة بموجبه محاكم إدارية، أوجبت بدورها قاعدة الكتابة بنصها على ما يلي: "ترفع القضايا إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب..."
ولهذا يتعين على كل من المدعي أو المدعى عليه أن يعزز ادعاءاته كتابة، حتى ولو سمح له بتقديم ملاحظات شفوية في الجلسة.
ويخضع مقال دعوى الإلغاء لمجموعة من الشكليات، كان يرفع المقال ضد مقرر موصوم بأحد عيوب المشروعية، وبالنسبة لكل طاعن على حدة.
والهدف من وراء ذلك، أن هذه البيانات تسمح للقاضي بفتح الباب أمام تطبيق الإجراءات المسطرية، وبالتالي قد يستعين بها أثناء التحقيق، بل قد يتقيد بها ولا يبت سوى فيما يطلبه الأطراف.
الشرط الثاني: تقديم دعوى الإلغاء بواسطة محام
إن موضوع الاستعانة بمحام أمام المحاكم الإدارية قد أثار جدلا فقهيا حادا، تعلق بالخصوص بالحالة التي يكون فيها المدعي محاميا.
وبما أن الأمر قد لا يقف عند هذا الحد، فستنتناول الموضوع من كافة جوانبه، فإما أن يكون رافع القضية إلى المحكمة الإدارية شخصيا عاديا من أشخاص القانون الخاص، وإما أن يكون شخصا من أشخاص القانون العام (الإدارة)، وإما أن يكون محاميا.
ومن جهة أخرى، قد يتم الجواب عن المقال المقدم إلى المحكمة الإدارية من دون الاستعانة بمحام، سواء تعلق الأمر بأشخاص القانون الخاص، أو بأشخاص القانون العام، أو بالمحامين، عندما يكون هؤلاء هم المدعى عليهم.
أولا: مدى إلزامية المحامي أمام المحاكم الإدارية بالنسبة لأشخاص القانون العام
يقصد بأشخاص القانون العام الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها، وكافة المؤسسات العمومية، وبصفة عامة، كل شخص اعتباري يتمتع بالسلطة العامة...
فإذا كانت الإدارة مدعية أمام المحاكم الإدارية، فهل تلزم برفع دعواها بواسطة محام، وإذا لم تفعل فما مصير دعواها هاته؟
ذهب بعض الفقه في المغرب إلى القول بأن الإدارة غير مستثناة من ضرورة الاستعانة بمحام أمام المحاكم الإدارية، اعتمادا على المادة الثالثة من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية، وأن نفس الشيء يقال بالنسبة لأشخاص القانون الخاصن حتى ولو كانوا محتاجين ، وإنه، لا يمكن الركون إلى مقتضيات المادة 33 من قانون المحاماة الصادر بتاريخ 10/9/1993، التي بمقتضاها تعفى الدولة، طالبة كانت أو مطلوبة من وجوب الاستعانة بمحام... طبقا لقاعدة التشريع الحديث يلغي التشريع السابق فيما يقع بينهما من تعارض" ، مضيقا ما يلي: "ولعل عدم استثناء الدولة والمؤسسات العمومية من الاستعانة بمحام ضمن نصوص القانون المحدث للمحاكم الإدارية، راجع إلى كون المدعى عليه أمام المحاكم الإدارية يكون دائما سلطة إدارية..." .
ثانيا: مدى الاستعانة بالمحامي بالنسبة لأشخاص القانون الخاص إذا استثنينا الدولة بمفهومها العام، الذي يقصد به "الإدارة" في مصطلح القضاء الإداري، واستثنينا المحامي، الذي نتحدث عنه فيه المطلب الموالي، فإن المقصود بأشخاص القانون العام هم من دون الإدارة والمحامي .
فهل يلزم الأفراد (أشخاصا طبيعيين كانوا أو اعتباريين) بالاستعانة بالمحامسي عند طرق باب المحكمة الإدارية كمدعين؟ وإلا، فهل بإمكانهم الحصول على الإذن بالتقاضي بأنفسهم؟
إن المادة الثالثة موضوع النقاش صريحة في ضرورة الاستعانة بالمحامي عند تقديم المقال الافتتاحي، أمام المحكمة الإدارية، بالنسبة لكل متقاض، عدا الإدارة، وفق ما سبق توضيحه قبله، وأنه في هذه الحالة بالذات لا يوجد إلا قانون المحاماة الذي ينظم المسألة في المادتين 31 و32 منه.
فالمادة31 تلزم كافة المتقاضين بالاستعانة بالمحامي في جميع القضايا، "باستثناء القضايا الجنائية وقضايا النفقة أمام المحاكم الابتدائية والاستئنافية والقضايا التي تكتفي المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا" .
والمادة 32 تعطي الحق "لمن يتوفر على الكفاءة القانونية اللازمة قصد مباشرة المسطرة في المرحلة الابتدائية بنفسه أو بواسطة أحد الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 33 من قانون المسطرة المدنية، وذلك أمام المحاكم التي لا يستقر بدائرتها القضائية عدد كاف من المحامين، وأن الاستثناء المذكور لا يطبق أمام محاكم الاستئناف، كما أنه من الناحية العملية، لا توجد في المغرب محكمة لا يتسقر بدائرتها عدد كاف من المحامين، اللهم في القضايا التي يكون المحامي طرفا فيها، حين يمنع المحامون من الدفاع ضد أحد زملائهم من الناحية الأدبية.
ومن ثم، فلم يعد بإمكان أي متقاض (غير الإدارة)اللجوء إلى المحكمة الإدارية بصفته مدعيا إلا عن طريق الاستعانة بالمحامي.
ثالثا: مدى الاستعانة بالمحامي من طرف المحامي نفسه
لقد بتت المحكمة الإدارية بالرباط في هذه المسألة ، بأن قضت بعدم قبول الطلب الذي قدم أمامها من طرف محام ينوب عن نفسه، بعدما أشعر من قبل المحكمة بضرورة تنصيب محام، وأمهل لذلك ولم يفعل، وقد تم تأييد هذا الحكم الغرفة الإدراية بالمجلس الأعلى.
رابعا: مدى ضرورة الاستعانة بمحام أمام المحاكم الإدارية بالنسبة للمدعى عليه
بالرجوع إلى المادة 3 موضوع التعليق، نجدها تلزم المدعي وحده بالاستعانة بالمحامي أمام المحاكم الإدارية، بدليل أن المشرع اقتصر على استعمال عبارة" مقال "عندما نص على ما يلي، "ترفع القضايا إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب..." والمدعى عليه هنا، معفى من ضرورة الاستعانة بالمحامي، سواء أكان محاميا أو غير محام، أما الدولة فمعفاة بقوة القانون (طالبة كانت أو مطلوبة) أمام القضاء الإداري وغيره، ولو أمام المجلس الأعلى.
ولو أراد المشرع إلزام الطرف المدعى عليه يتنصيب محام لنص على ذلك صراحة، إذ من المعلوم أن الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة، ما لم ينص صراحة على خلاف هذا المبدأ، وهذا ما يقصد بمفهوم المخالفة لنص المادة 3 أعلاه في نظرنا.
الشرط الثالث: وجوب إرفاق طلب الإلغاء بنسخة من القرار الإداري المطعون فيه أو برسالة تظلم
إن الأصل في دعوى الإلغاء هو أن تقدم رأسا إلى المحكمة الإدارية المختصة محليا، حسبما يستفاد من نص المادة 23 من القانون المحدثة بموجبه محاكم إدارية ، ما لم ينص قانون ما على خلاف ذلك، وهو ما نصت عليه الفقرة الأولى من نفس المادة.
وإذا كان الأصل في دعوى الإلغاء هو أن تقدم إلى أن المحكمة الإدارية مباشرة ولو دون سولك مسطرة التظلم ، فإنه عند اختيار الطاعن سلوك هذه المسطرة فإنه عنئذ يجب عليه أن يدلي للمحكمة (بمناسبة تقديم دعوى الإلغاء أمامها) إما بنسخة من القرار الإداري المطعون فيه، إذا كان رفض التظلم صريحا، وإما بنسخة من رسالة التظلم، مع ما يشهد بإيداعه لدى الجهة الإدارية المعنية أو تقديمه إليها بأي طريقة كانت، إذا كان رفض التظلم ضمنيا .
والتظلم الإداري، أن يصدر قرار إداري معيب أو غير ملائم على الأقل في نظر ذي المصلحة، فيتقدم المعني بالأمر إلى الجهة التي أصدرته إلى جهة رئاسة طالبا سحبه أو تعديله .
واللجوء إلى التظلم الإداري في التشريع المغربي، سواء أكان تظلما استعطافيا أو رئاسيا قبل سلوك طريق التظلم القضائي، بعد مسألة اختيارية غير
ملزمة ، بحيث إنه يجوز للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي مباشرة قبل مروره على طريق التظلم الإداري.
والحكمة من وجود نظام التظلم الإداري هي أن الإدارة قد تقتنع بوجهة نظر مقدم التظلم، وتعترف بعدم مشروعية قرار ما فتقوم بسحبه أو تعديله، فيمكن بذلك حل كثير من النزاعان بطريقة ودية دون تدخل القضاء، كما أن التظلم الإداري قد يدفع الإدارة إلى سحب قرارها أو تعديله لعدم الملاءمة، وهو ما قد لا يمكن إداركه عن كطريق القضاء الذي يقتصر دوره في الأصل على رقابة المشروعية.
إلا أن العمل أثبت أن كثيرا من الإدارات العمومية لا تكلف نفسها عناء الجواب على التظلمات المقدمة إليها.
ويتشرط في التظلم لكي يؤدي إلى قطع مدة الطعن أن تتوفر فيه الشروط التالية:
-يجب أن يقدم التظلم بعد صدور القرار الإداري، وذلك حتى تتمكن الإدارة من إعادة النظر في قرار صدر فعلا واتصحت معامله، ولا يعتد بالتظلم السابق لصدور القرار، وإلا يكون مصير الطعن فيه عدم قبول الطلب قضائيا.
-يجب أن يقدم التظلم إلى السلطة الإدارية التي أصدرت القرار، أو إلى السلطات الرئاسية لها، وهذا ما أكدته المحاكم الإدارية، عندما اعتبرت بأن الرسالة الموجهة إلى وزير الداخلية الرامية إلى الإذن بمقاضاة جماعة حضرية أو قروية طبقا للفل 43 من ظهير 30/9/1976 لا تعتبر بمثابة تظلم، لأن هذه الجهة الإدارية لا تعتبر سلطة رئاسية بالنسبة للمجلس الجماعي، وإنما هي مجرد
سلطة وصاية . أما إذا قدم التظلم إلى جهة إدارية غير مختصة، فإن القضاء في المغرب لا يعتبر هذا التظلم قاطعا لمدة الطعن.
-يجب أن يقدم التظلم خلال المدة التي جيوز فيها رفع دعوى الإلغاء .
-يجب أن يكون التظلم واضحا ومحدد المعنى
-يجب أن يكون في مقدور سلطة الإدارة عمل شيء اتجاه ذلك القرار الإداري، وذلك بسحبه أو تعديله مثلا، فإذا تبين أنه ليس في مقدور الإدارة المساس قانونا لعدم وجود سلطة رئاسية تملك التعقيب على الجهة الإدارية التي أصدرته، فإن التظلم في هذه الحالة يصبح عديم الجدوى .
وإذا كان المشرع ضمن المسطرة المدنية (الفصل 360)، قد نص على أن سلوك مسطرة التظلم الإداري قبل رفع دعوى الإلغاء إجراء اختياري، إلا أن الراجح في هذا المجالا لتقيد بإجراء التظلم الإداري بعد تقديمه، وذلك بمقتضى أحكام الظهير المحدث بموجبه المجلس الأعلى الذي يعتبرا لتظلم الإداري إجراء إلزاميا لرفع دعوى الإلغاء وهذا ما تم تأكيده ضمن القانون رقم 90.41 .
ويكتسي التظلم في إطار المنظومة الإدارية ثلاث صبغ مختلفة، وهي كالتالي:
1
-التظلم الاستعطافي، وهو عبارة عن رسالة عادية يوجهها المعني بالأمر إلى الجهة المسؤولة عن إصدار القرار، يلتمسها إعادة النظر في القرار المذكور نظرا لمجانبته وجه الصواب، وذلك بتعديله أو سحبه.
2-التظلم الرئاسي، وهو مجرد طلب عادي يوجهه المعني بالقرار المعيب، إلى الرئيس الأعلى المسؤول عن القرار، يلتمس فيه سحب أو تعديل القرار، موضوع النزاع، لما يتسم به هذا الأخير من عيوب.
3-التظلم أمام اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، يوجه التظلم في بعض الحالات إلى اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء قصد إعادة النظر وإبداء الرأي بشأن القرار المتنازع حوله، وخصوصا القرارات التي تتخذ بناء على رأي هذه اللجان كقرارات التأديب والترقي...
ومنه فالتظلم امر اختياري ادا ما لجأ إليه صاحب المصلحة لمطالبة الإدارة بإعادة النظر في قرارها دون أن يلزمه القانون بذلك. والتظلم الاختياري هو الأصل في فرنسا والمغرب حيث أن القاعدة فيها أن التظلم هو أمر اختياري
الشرط الرابع: وجوب تقديم طلب الإلغاء داخل الأجل القانوني
يجب تقديم دعوى الإلغاء داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية على الخصوص ، مع التمييز بين ما إذا كان الطلب المقدم مباشرة أمام المحكمة وبين ما إذا سبقه تظلم إداري.
-فإذا قدم طلب الإلغاء مباشرة أمام المحكمة، يجب أن يقدم داخل أجل 60 يوما من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه إلى المعني بالأمر، أو من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، أو في جريدة وطنية أو غيرها من وسائل النشر المعهودة ما لم تحل ظروف قاهرة دون الاطلاع على الجريدة المنشورة فيها ذلك القرار، وما لم يكن الطاعن عالما بالقرار المطعون فيه علما يقينيا.
والعلم اليقيني، كما عرفه القضاء الإداري في كل من فرنسا والمغرب، هو العلم بفحوى القرار الإداري ومضمونه بشكل ينفي الجهالة، وهو الذي يستمتج من طرف المحكمة من خلال أي وثيقة أو قرينة أو واقعة تستشفها من أوراق الملف الرائج أمامها.
أما إذا سبق للطاعن أن تقدم بتظلم إداري (علما بأن التظلم اختياري)، فلا يخلو الأمر من احتمالين:
الاحتمال الأول: يتوصل الطاعن بالقرار المطعون فيه أو ينشر هذا القرار على الوجه المذكور، فله في الحالتين أجل 60 يوما من تاريخ التبليغ أو النشر لتقديم تظلمه للإدارة المعنية، تحت طلائلة عدم قبول طلبه، وللإدارة أجل 60 يوما كذلك للجواب على هذا التظلم، وعندما يتوصل الطاعن بجوابها له أيضا ستين يوما أخرى لتقديم دعوى الإلغاء.
الاحتمال الثاني: أن يصدر القرار دون أن يبلغ به الطاعن بأي شكل من الأشكال المذكورة، فهنا، لابد له، لقبول دعغواه، من اللجوء إلى التظلم الإداري من أجل الحصول على قرار إداري ضمني بالرفض .
وهناك احتمال ثالث، حيث يتقدم الطاعن للحصول على قرار إداري غير موجود أصلا، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لشخص يطلب من الإدارة تسوية وضعيته الإدارة، لأنه يرى أنه أهل للترقية ولم تنتبه الإدارة إلى حالته، فيتقدم إليها بطلبه المذكورة وتجيبه صراحة أو ضمينا بالرفض، وفي جوابها قرار صريح، أما رفض جوابها فهو القرار الإداري الضمني بالرفض.
وبالمقابل فقد حدد المشرع الفرنسي بدء ميعاد الطعن في الأمر الصادر في 31/7/1945 الذي أعاد تنظيم مجلس الدولة الفرنسي بشهرين من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو النشرات التي تعتمدها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به . ونجد في القضاء الإداري في الفرنسي كم المغربي على أن رفع الدعوى أمام جهة قضائية غير مختصة يقطع سريان مدة الطعن أمام القضاء الإداري ويستمر هذا الانقطاع حتى صدور حكم بعدم الاختصاص وصيرورته نهائياً حيث يسري الميعاد الجديد. ولا يؤثر هذا الخطأ في الاختصاص في الميعاد إلا مرة واحدة والحكمة من هذا الانقطاع في الميعاد لا ترجع إلى أن رافع الدعوى قد كشف عن رغبته في مهاجمة القرار المطعون فيه وإنما لان الدعوى في هذه الحالة هي بمثابة تظلم قدم في الميعاد للإدارة.
ويشترط في رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة حتى يكون صالحاً لقطع ميعاد دعوى الإلغاء أن يتم رفع الدعوى في الميعاد العادي لرفع دعوى الإلغاء أي خلال مدة الستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه أو العلم به علماً يقينياً.
الشرط الخامس: انتفاء الدعوى الموازية
لا يقبل الطعن بسبب التجاوز في استعمال السلطات إذا كان في وسع المعني بالأمر أن يلجأ إلى القضاء الشامل، سواء أمام المحاكم الإدارية نفسها أو أمام المحاكم القضائية (ابتدائية كانت أو تجارية)، للحصول على النتيجة نفسها، وذلك تجنبا لازدواجية التقاضي، وتفاديا لتباين وجهات النظر، وتخفيفا على قضاء الإلغاء من تراكم القضايا، وتأخير البت فيها ، وبالتالي فالدعوى الموازية هي دعوى قضائية أخرى غير دعوى الإلغاء، يمكن اللجوء إليها بطريق الدعوى المباشرة لإلغاء العمل غير المشروع أو منع تطبيقه، وبالتالي فإنه لا يمكن قبول دعوى الإلغاء إذا ما كان في وسع الطرف المدعي أن يلجأ إلى طريق قضائي آخر يحقق له نفس النتائج التي يريد الوصول إليها عن طريق دعوى الإلغاء، وهذا ما جرى عليه مجلس الدولة الفرنسي منذ القدم .
وقد عرف الأستاذ الدكتور عبد الله حداد الدعوى الموازية بأنها عبارة عن دعوى قضائية أخرى تمارس لدى جهة أخرى غير الجهة المألوفة لممارسة دعوى الإلغاء.
ويعتبر هذا الشرط من النتائج المنطبقة لتوزيع الاختصاص بين المجلس الأعلى والمحاكم الإدارية من جهة أخرى، وإذا لم ينتف هذا الشرط، فإن الغرفة الإدارية والمحاكم الإدارية، ستجد نفسها أمام مجموعة من القضايا هي أساس من اختصاص المحاكم العادية.
وقد تأثر المشرع المغربي بنظيره الفرنسي، حيث كانت الحكمة من وضع هذا الشرط في فرنسا، هو عدم اعتداء جهة القضاء الإداري على جهة القضاء العادي، ولكن عندما لم يبق أثر للخوف من انتهاك قواعد الاختصاص، بعدما استقل كل من القضاء العادي والقضاء الإداري عن الآخر، فقد شرط انتقاء الدعوى الموازية أهميته ، هذا على الأقل من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية، فلعل شرط انتفاء الدعوى الموازية، ولو أمام المحاكم الإدارية ذاتها، يقصد به المشرع تجنب اللجوء إلى قضاء الإلغاء، لما يمتاز به من خصوصيات، من بينها عدم أداء الرسوم القضائية، وإلا ضاعت على خزينة الدولة مداخيل هامة.
ومجالات تطبيق شرط انتقاء الدعوى الموازية عديدة سواء قبل صدور قانون المحاكم الإدارية أو بعده .
وعليه، فإن شرط انتفاء الدعوى الموازية من النتائج المنطقية لتوزيع الاختصاص بين كلا من القضاء الإداري وباقي المحاكم، ذلك أن هذا الأمر يحول دون تراكم القضايا، مما يؤدي إلى ضياع الوقت للتأخير في الحكم وتعقد الأمور.
هذا، ويجب أن تتوافر في الدعوى الموازية شروط معينة، حتى تعتبر سببا لعدم قبول طلب الإلغاء، وترتكز هذه الشروط في شرط أساسي جامع، مع ضرورة تعادل النتائج التي تحققها الدعوى الموازية مع نتائج دعوى الإلغاء، ويتحلل هذا الشرط إلى الشروط التالية:
1
-لكي تطبق نظرية الدعوى الموازية، ولا يقبل طلب الإلغءا، يجب أن يكون الطريق الآخر الذي نظمه القانون لصاحب الشأن دعوى، لا مجرد دفع، أي أن يكون أداة هجوم وليس فقط مجرد وسيلة للدفاع .
2-يجب أن تكون الدعوى الموازية دعوى قضائية، ومن تم فإن التظلم الإداري لا يمنع من قبول طلب الإلغاء، سواء أكان في صورة التماس موجه إلى مصدر القرار، أو في شكل طعن رئاسي مرفوع إلى السلطة الرئاسية، وسواء أكان التظلم مقررا تطبيقيا للقواعد العامة، أو بغير نص، أو كان اختياريا أو إجباريا، وكل ما يترتب على كونه إجباريا هو أن يعلق قبول طلب الإلغاء في هذه الحالة على شرط سلوك طريق التظلم الإداري أولا، واتباع الإجراءات ومراعاة المواعيد التي يحددها القانون .
3-ويجب كذكل، لكي يدفع بعدم قبول طلب الإلغاء، ويحكم به من قبل المحكمة الإدارية، أن تكون الدعوى الموازية محققة لنفس المزايا التي تحققها دعوى الإلغاء، أي أنه يجب أن تؤدي إلى حول المدعي على مركز معادل للمركز الذي يمكنه الحصول عليه بواسطة دعوى الإلغاء.
فلا يكفي في هذا الصدد أن تكون الدعوى الموازية مؤدية إلى مجرد الحكم التعويض عن النتائج الضارة المترتبة على القرار الإدارية غير المشروع، بل يجب أن يترتب عليها إزالة أو محو نتائج هذا القرار.
فدعوى التعويض عن الأضرار الناجمة عن قرار إداري غير مشروع، لا تعتبر دعوى موازية تمنع من قبول دعوى إلغاء هذا القرار.
وعليه، تكون الحماية التي توفرها دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة أكبر من تلك التي تأتي عن طريق المحاكم العادية، أو القضاء الشامل بوجه عام
وأصل الدعوى الموازية يعود لقضاء مجلس الدولة الفنرسي، فبعد صدور مرسوم 02 نونبر 1864 الذي تقرر بموجبه الإعفاء من رفع الرسوم القضائية وتوكيل محام مجانيا، في رفع دعوى الإلغاء أمام المجلس نفسه، وتراكمت القضايا المتعلقة بإلغاء قرارات الإدارة غير المشروعة، مما دفع الاجتهاد القضائي نحو البحث عن حل قضائي آخر يخفف من عدد قضايا الإلغاء من جهة، وتعويض المحامين المتضررين من جراء حرمانهم من امتيازاتهم بسبب صدور المرسوم المذكور من جهة أخرى .
فوجود هذه الدعوى، أبعد رفع دعوى الإلغاء، لأنها قد تحقق للمواطن المغبون بقرار إداري غير مشروع نفس مزايا دعوى الإلغاء، كإلغاء أو تنفيذ القرار الإداري المعيب، ولأن هذه الدعوى تعتبر على خلاف الطعن الرئاسي أو الاستعطافي أو الدفع بعدم الشرعية، دعوى قضائية مباشرة وركنا من أركان صحة دعوى الإلغء، لأن القاضي، بمجرد ما يعرض على أنظاره مقال الدعوى، ينظر ما إذا كان هذا الشرط قائما أو لا، قبل البت في الموضوع، وإذا كان كذكل، فهو يحكم بعدم القبول .
وفرضية عدم القبول طرحت عدة إشكالات، فبالإضافة إلى كونها من النظام العام، حيث يمكن للقاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه أو بطلب من ممثل الإدارة، في أي مرحلة من مراحل التقاضي، فإن وجودها نفسها يبعد قيام دعوى التجاوز في استعمال السلطة استنادا إلى طبيعة القرار الإداري المطعون فيه، وعلى موضوع الطلبات المقدمة من قبل المشتكين، فبعد إحداث المحاكم الإدارية ارتبطت الدعوى الموازية بضرورة صيانة النظام العام واحترام توزيع الاختصاص بين القضاء الإداري والعادي .
ثانيا: شروط قبول دعوى الإلغاء في قانون المسطرة المدنية دراسة مقارنة نصت المادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية السالف الذكر على ما يلي: "تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية، ما لم ينص قانون على خلاف ذلك".
بمقتضى هذه المادة، فإن إجراءات الدعوى بوجه عام أمام المحاكم الإدارية هي نفس الإجراءات المطبقة أمام المحاكم العادية الأخرى، ابتدائية كانت أو استنافية أو تجارية أو استئنافية تجارية.
وباستقراء نصوص قانون المسطرة المدنية، وخاصة تلك التي تنطبق على الدعوى أمام المحكمة الإدارية وغيرها من المحاكم المذكورة، يمكن إجمال تلك الإجراءات فيما يلي:
1
-جوب تقديم الطلب أو المقال من شخص ذي أهلية وصفة ومصلحة (الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية) .
2-وجوب تضمين مقال الدعوى البيانات المنصوص عليها في الفصل 32 من نفس القانون.
الشرط الاول: وجوب تقديم الطلب أو المقال من شخص ذي أهلية وصفة ومصلحة
يجب أن تقدم دعوى الإلغاء من ذي صفة وأهلية ومصلحة، كما يجب أن تقدم ضد ذي فة أيضا، وذلك عملا بمقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية، المحال عليه بنص المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
وقد قضت محكمة الرباط الإدارية بعدم قبول الطلب لخرق مقتضيات الفصل 32 المذكور في عدة أحكام صدرت عنها، من ذلك مثلا، حكم قضى بعدم القبول شكلا لعدم الإدلاء بالعدد الكافي من نسخ المقال مساوية لعدد الأطراف المدعى عليها .
أ-الصفة: منها توفر صفة موظف لمن يطلب تسوية وضعيته الإدارية مثلا، هذا ويشترط المشرع، أ، يكون الطاعن صاحب الدعوى مقصودا بالقرار
الإداري المطعون فيه، ومن هذا الحيز كان لزاما عدم قبول دعوى الطاعن الذي لا يتوفر على وكالة من صاحب الصفة.
ب-الأهلية: يقصد بها أهلية المتقاضي وشرعيته القانونية، فلا يسوغ للشخص القاصر أو المجنون أو المعتوه... أو غير المتوفر على وضعية قانونية ومعترف بها، أن يترافع أمام الغرفة الإدارية أو المحكمة الإدارية، ويقتضي هذا الشرط أن يكون المتقاضي متمتعا بكامل قواه العقلية خاليا من السفه متمتعا بالأهلية المدنية .
ويشترط في اهلية التقاضي، إذا لم يكن أهلاً لمباشرة الدعوى بنفسه لنقص في أهليته، تعين على القاضي رد الدعوى إذ أن صاحب الصفة في إقامتها في هذه الحالة نائبه أو وصيه ويتعين على هذا الأخير أن يبرز الوثائق القانونية التي تثبت أنه يتصرف نيابة عن صاحب المصلحة فاقد الأهلية أو ناقصها قبل مباشرة الدعوى . وقد حدد المشرع المغربي سن الرشد باتمام ثماني عشرة سنة ميلادية.
ج-المصلحة ، يتطلب هذا الشرط أن يكون الطاعن صاحب مصلحة في إقامة دعوى الإلغاء، وذلك انسجاما والقاعدة الفقهية "حيث لا مصلحة لا دعوى" وشرط المصلحة ينسجم مع الغرض من دعوى الإلغاء، ذلك أن هذه الأخيرة تهدف إلى مراقبة مشروعية القرارات الإدارية، باعتبار أن هذه القرارات المخالقة لمبدأ المشروعية تضر بصالح الأفراد وحقوقهم، كما أن دعوى الإلغاء عندما تراقب مشروعية القرارات الإدارية تستهدف إيجاد إدارة صالحة.
ومن خلال تتبع اجتهادات قضاء الإلغاء، فإن شرط المصلحة قد استعمل في مجالين مختلفين، الأول كوسيلة للحد من رقابة القضاء لأعمال الإدارة، والثاني كوسيلة لتوسيع رقابته على أعمالها .
ومفهوم المصلحة في رفع الدعوى في إطار الطعن بالإلغاء لم يخصه القانون بتعريف، فالأحكام الصادرة عن القاضي هي التي سمحت شيئا فشيئا بتحديد هذا المفهوم.
لهذا يجب أن تتجسد مصلحة رافع الدعوى بشكل ملموس في وضعية مادية أو معنوية، تكون مهددة من جراء القرار الإداري، مما يضطر معه المعني بالأمر إلى رفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة، وتعد هذه الدعوى وسيلة الفرد في الدفاع عن نفسه وعن كل ما يتمسك به بشكل ملموس.
وهنا مجلس الدولة الفرنسي، الذي اشترط توافر المصلحة عند تقديم طلب الإلغاء فقط .
وفي ذلك يقول الدكتور محمد أنس طعفر: "يكتفي بتوافر شرط المصلحة وقت رفع الدعوى، دون تطلب استمرارها حتى صدور حكم فيها... رغم أن القضاء الإداري لم يأخذ بذلك إلا في القليل من أحكامه... ونستند في ذلك إلى ما بين دعوى الإلغاء والدعاوى العادية ودعوى التعويض من فروق شاسعة..." ،ويؤيده في نفس الراي الدكتور محمد كامل ليلة، الذي يرى أن "الراي الراجح هو الاكتفاء بتوافر شرط الملحة عند رفع الدعوى فقط، وهذا الرأي هو الذي يتفق مع طبيعة دعوى الإلغاء والهدف منها..." ، وأيضا الدكتورة سعاد الشرقاوي التي ترى أن "العبرة بتوافر المصلحة عند رفع الدعوى، حتى لو زالت هذه المصلحة بعد رفع الدعوى وأثناء نظرها، اللهم إلا إذا كان تصحيح الوضع يجعل الخصومة غير ذات موضوع..." .
وعزز هذا الاتجاه أن المشرع الفرنسي في القانون الأساسي الذي نظم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 24/2/1872، وفي القانون الحالي في للمجلس لم يشترط توفر المصلحة لدى الطاعن في دعوى الإلغاء ثم ليس للقضاء أن يقيد الدعوى بهذا الشرط، مما دفع جانب من الفقه إلى القول بأن دعوى الإلغاء دعوى حسبة .
غير أن جانب أخر منهم ذهب إلى أن صمت المشرع الفرنسي عن اشتراط المصلحة في دعوى الإلغاء يعود إلى أنه قد ترك لقضاء مجلس الدولة أمر تنظيم دعوى الإلغاء، فهذه الدعوى في معظم أحكامها هي من خلق القضاء .
وأياً كان الأمر فأن القضاء الإداري في فرنسا والمغرب قد اشترط توافر المصلحة لدى الطاعن بالإلغاء لقبول دعواه .
وقد استقر مجلس الدولة الفرنسي على الاكتفاء بقيام المصلحة وقت رفع الدعوى وعدم اشتراط استمرارها إلى وقت الفصل فيها . فإذا زالت هذه المصلحة يستمر في نظر الدعوى وإصدار حكمه .
وأيد الفقه هذا التوجه من المجلس على أساس أن دعوى الإلغاء دعوى موضوعية توجه إلى ذات القرار الإداري وتهدف إلى حماية مبدأ المشروعية وسيادة القانون وهي ترفع لتحقيق مصلحة الجماعة بالإضافة إلى المصلحة الخاصة للطاعن .
الشرط الثاني: وجوب تضمين مقال الدعوى البيانات المنصوص عليها في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية
نص الفصل المذكور على ما يلي: "يجب أن يتضمن المقال.. الأسماء العائلية والشخصية، وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي، وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال.. اسمها ونوعها ومركزها.
يجب أن يبين بإيجاز في المقالات والمحاضر، علاوة على ذلك، موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة، وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء.
إذا قدم الطلب بمقال مكتوب ضد عدة مدعى عليهم، وجب على المدعي أن يرفق المقال بعدد من النسخ مساو لعدد الخصوم.
يطلب القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية عند الاقتضاء، تحديد البيانات غير التامة أو التي وقع إغفالها".
ويمكن إبداء الملاحظات التالية على هذا الفصل، بحسب كل فقرة على حدة من فقراته الأربع بإيجاز شديد فيما يلي:
وقبل إبداء الملاحظات المذكورة، نود الإشارة إلى أن الفقرات الثلاث أعلاه وردت على سبيل الوجوب، وبالتالي فأحكامها تعتبر قواعدها قانونية آمرة لا يمكن الاتفاق على ما يخالفها.
أما ملاحظاتنا فهي كالآتي:
أ-إن البيانات المشار إليها في الفقرة الأولى من الفصل 32 محل التعليق لم يذكرها المشرع عبثا، وإنما فعل ذلك لأجل مصلحة الطرفين معا، ولأجل حسن سير العدالة أيضا.
فمن حيث مصلحة الطرفين، فإن ذكر أسمائهما بدقة في المقالة وباقي البيانات الأخرى، إنما ورد لأجل صدور الحكم لفائدة شخص معين بذاته أيضا، الشيء الذي يمكن من تنفيذ الحكم على أحسن وجه، ويمكن المدعى عليه من إبداء أوجه دفاعه على الوجه المطلوب، احتراما لمبدأ حقوق الدفاع.
أما من حيث المصلحة العامة، فإن من شأن ذكر تلك البيانات تأكد المحكمة من تقاضي المدعي بحسن نية، وتمكين المدعى عليه من غالدفاع عن نفسه أو عن موكله عملا بمبدأ احترام الدفاع كذلك أو ما يسمى بمبدا التقاضي في مواجهة الخصوم.
ب-أملا ضرورة تضمين المقال موضوع الدعوى أو وقائعها فمعناه عرض النزاع بشكل ينفي الجهالة على المحكمة وعلى المدعى عليه أيضا.
وكذكل الإشارة إلى الوسائل المثارة في المقالة ضرورة، لأنه بناء عليها يتضح سبب رفع الدعوى من أصلها، ويمكن المدعى عليه من الجواب على وسيلة على حدة، كما أن المحكمة نفسها ملزمة بالرد على كل وسيلة على حدة، تحت طائلة وصف حكمها بنقصان التعليل الموازي لانعدامه، فيكون مصيره الإلغاء أو النقض بحسب الأحوال.
أما إرفاق الطلب بالمستندات المعززة له، فمعناه إثبات المدعي ما يدعيه أمام المحكمة، تحت طائلة عدم قبول طلبه أو رفضه...
ج-ووجوب إرفاق المقال بعدد كاف من النسخ مواز لعدد الخصوم، معناه تمكين كافة المدعى عليهم، إن تعددوا، من نسخة من المقال، حتى يجيبوا عنه، احتراما لحقوق الدفاع، وأما النسخة الأصلية فيحتفظ بها بملف المحكمة.
د-لقد أضيفت الفقرة الأخيرة من الفصل 32 أعلاه بمقتضى التعديل الذي طرأ على قانون المسطرة المدنية بموجب الظهير الشريف الصادر بتاريخ 10/09/1993، وبمقتضاه أصبح للقاضي الحق في توجيه الخصوم في حدود ما منح له من سلطة تقديرية في إطار ما يسمى "بالقاضي المتحرك" فلو رجع استدعاء المدعى عليه بملاحظة أن عنوانه ناقص مثللا، فإن القاضي المقرر ينذر المدعي أو نائبه بالإدلاء بالعنوان الصحيح، وإذا لاحظ المقرر أن الطاعن في دعوى الإلغاء قدم دعواه دون محام أنذره بضرورة تنصيبه، تحت طائلة عدم قبول طلبه... وهكذا، ونفس عمل المقرر يمكن أن يقوم به رئيس الهيئة أثناء الجلسة العلنية إن حضرها المعني بالأمر.
ثالثا: الشروط الشكلية لقبول دعوى الإلغاء في الاجتهاد القضائي الإداري
من المعلوم أن القضاء الإداري هو قضاء منشئ للقاعدة القانونية، حتى قبل عن حق بأن القانون الإداري هو قانون قضائي.
وبالرغم من تدوين أغلب الاجتهادات القضائية الصادرة عن القضاء الإداري في المغربي وفي غيره من الدول التي تعرف ازدواجية القضاء، وخاصة فرنسا ومصر، فإن هناك عدة مبادئ أقرها ذلك القضاء دون أن تدون بعد.
ومن بين الإجراءات الواجب توفرها في طلب الإلغاء على الوجه المذكور سلفا، أن يقدم داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، هذه المادة التي بمقتضاها يحسب أجل دعوى الإلغاء من تاريخ التبليغ أو النشر، وفضلا عن ذلك، أضاف الاجتهاد القضائي الإداري ما يسمى بنظرية العلم اليقيني، فما المقصود به إذن؟
العلم اليقيني، هي نظرية بمقتضاها يعتبر القضاء الإداري أن الطاعن قد أصبح على علم بدعوى القرار الإداري المطعون فيه، من خلال القراءن وما في حكمها من وثائق ووقائع مادية، وقد صدرت عن المحاكم الإدارية بالمغرب عدة أحكام في هذا الاتجاه.
كما أن العلم اليقينيهو علم ذي المصلحة بصدور القرار المعيب وبأسبابه ومضمونه بصورة تجعله يتمكن من تحديد مركزه القانوني، ولما كان النشر والتبليغ هما وسيلتان للعلم من قبل صاحب الشأن بالقرار، فإذا تحقق علم ذي المصلحة بالقرار عن غير طريق التبليغ أو النشر، فإنه يمكن القول ببدء سريان المدة .
وقد أكد المجلس الأعلى في عدة قرارات، أن العلم اليقيني لا يقوم مقام التبليغ إلا إذا شمل جميع عناصر المقرر المطلوب إلغاؤه، بما فيه تاريخه وتعيين صاحبه وما قضى به والأسباب التي ارتكز عليها، حتى يتأتى للمعني بالأمر أن يستعمل حقه في الدفاع عن مصالحه .
كما أفاد أن الإدارة إذا لم تدل بما يفيد تبليغ المعني بالمقرر المطعون فيه، أو بما يفيد علمه به علما يقينيا وبسائر عناصره، فإن تاريخ تحرير رسالة التظلم هو تاريخ بدء علمه بالمقرر المطعون فيه ، وعبء إثبات النشر أو التبليغ أو العلم اليقيني يقع على عاتق الإدارة .
كما أن المحاكم الإدارية بدورها أصدرت عدة أحكام في الموضوع منذ شروعها في العمل وإلى اليوم .
لائحـــة المــراجع
+عفاف ملوك, دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة لعيب الانحراف في استعمال السلطة في ضوء الاجتهاد القضائي المغربي, الطبعة الأولى 2006 دار القلم.
+محمد محجوبي,الوجيز في القضاء الإداري المغربي بعد إحداث المحاكم الإدارية,الطبعة الأولى 2002 ,دار القلم.
+محمد المنتصر الداودي,الإشكاليات القانونية والواقعية في اختصاص القضاء الإداري,الطبعة الأولى 2005 ,دار القلم.
+مليكة الصروخ,القانون الإداري دراسة مقارنة,الطبعة 1990 ,مطبعة النجاح,
+عبد الله حداد,تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي,الطبعة الثانية 2002 ,منشورات عكاظ.
+عبد الكريم الطالب,التنظيم القضائي المغربي,دراسة عملية,الطبعة الثانية 2006,مطبوعات المعرفة.
+المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية:
*محمد الأعرج,القانون الإداري المغربي,الجزء الثاني,عدد 61 مكرر,الطبعة 2009.
*ثورية لعيوني,موقع القضاء الإداري المغربي من نظيره الفرنسي و المصري,عدد 65,الطبعة 2005.
+الندوة الأولى للقضاء الإداري ,المعهد الوطني للدراسات القضائية,18 مايو 1995,تحت عنوان المحاكم الإدارية دعامة من دعائم دولة القانون.
Post a Comment