حماية المال العام في التشريع الجزائري مقدمـــــة: إن كانت الإدارة تستعين عند ممارسة وظائفها وأداء الواجبات المنوطة بها, بالعنصر البش...
حماية المال العام في التشريع الجزائري
مقدمـــــة:
إن كانت الإدارة تستعين عند ممارسة وظائفها وأداء الواجبات المنوطة بها, بالعنصر البشري المتــمثل في
الموظفين العموميين وغيرهم من العمال, فإنها لا تستطيع بواسطة هذا العنصر البشري وحده أن تـــحقق
أهدافها, بل لا بد لها أن تكمل هذا العنصر البشري بالعنصر المالي الذي يتمثل في الأموال العامة.
ولا ريب في أن موضوع الأموال العامة يحتل مكانا بارزا في دراسات القانون,
لا سيما في العصر الحديث, يعتبر عماد النشاط الإقتصادي, حيث كان للتطور
الحديث لمهام الدولة وتوسع نشاطاتها أثر كبير في إزدياد أهمية الأموال
العامة, لذلك فإن أموال الدولة العامة في حاجة إلى حماية, سواء جنائيا أو
مدنيا, وذلك لصيانتها من الإعتداءات حتى لا تخرج أو تحيد عن الإطار المرسوم
لها, المتمثل في تحقيق النفع العام, ذلك لأن التعدي على المال العام أكثر خطورة من الإعتداء على المال الخاص.وظاهرة
الإعتداء على المال العام تنتشر في المجتمعات بدرجات متفاوتة, ولا يكاد
يخلو منها مجتمع واحد, ولهذا فإن مشكلة الإعتداء على المال العام مشكلة
جديرة بالدراسة, كما لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كان لها إهتمام خاص
بالمال العام, وحمايته, حيث يعتبر حفظ المال من المقاصد الرئيسية للشريعة
الإسلامية, وخاصة إذا ما كان هذا المال مال عام, يخص المجتمع, ولأن المال
في يد الدولة قوة لها, لذلك وجبت المحافظة عليه.
ولقد دفعنا لدراسة هذا الموضوع, جملة من الأسباب, لأن موضوع المال العام هو
من المواضيع الهامة من الناحية القانونية وحتى من الناحية الشرعية, وخاصة
الإنتهاكات اليومية التي تقع عليه, بالإضافة إلى الرغبة الأكيدة في الحفاظ
على الثروة القومية من كل عبث أو تخريب, وحتى يزدجر بأحكامه كل من تسُوّل
له نفسه
العبث بهذه الأموال أو العدوان عليها.لذلك فقد أولينا موضوع حماية أموال
الدولة عناية فائقة, حتى تستطيع تحقيق أهدافها في خدمة الصالح العام, مع
ملاحظة أن هناك دراسات سابقة لهذا الموضوع, ولكنه درس من الناحية
القانونية, ولذلك أردنا أن ندرسه حتى من الناحية الشرعية, رغم الصعوبات
التي صادفتنا والتي تتمثل في قلة المراجع.ولقد إعتمدنا في هذه الدراسة على
منهج مركب, وصفي, تحليلي, مقارن, تاريخي, فالمنهج الوصفي التحليلي يقوم على
وصف الظاهرة وتحليلها إلى عناصرها المكونة لها, ثم إستخلاص النتائج, ويظهر
هذا المنهج بوضوح عند إستقصاء مفهوم المال العام, وتميزه عن المال الخاص,
أما المنهج المقارن, يظهر في دراسة موضوع المال العام من الناحية القانونية
والشرعية, والتاريخي حيث يظهر ذلك جليا عند دراسة مفهوم المال العام بين
النظامين الإشتراكي والرأسمالي, وسوف نتناول في الفصل الأول, ماهية الأموال
العامة من حيث معايير التمييز بين الأموال العامة والأموال الخاصة, وطبيعة
المال العام في الشريعة الإسلامية وفي النظام القانوني الإشتراكي
والرأسمالي, مع تعرضنا إلى طبيعة حق الدولة والأفراد على المال العام وطرق
إكتساب الأموال العامة, في حين سنخصص الفصل الثاني إلى مدلول حماية المال
العام, سواء كان ذلك في المجال الجنائي أو في المجال المدني, مع المنهج
الإسلامي المتبع لحماية المال العام, وإشكال بحثنا يدور حول:
- إلى أي مدى إستطاع المشرع الجزائري أن يضع منظومة قانونية لحماية المال العام؟
- ما هي المساعدة التي يمكن أن تقدمها الشريعة الإسلامية في هذا الإطار؟
الفصل الأول: ماهية المال العام
سنتعرض في هذا الفصل إلى معايير تقسيم الأموال والذي نورد فيه أهم المعايير
الفقهية والتشريعية التي أخذ بها المشرع الجزائري, وإنطلاقا من هذه
المعايير سنحدد نطاق الأموال العامة, ثم مفهوم المال العام في الإسلام وفي
الأنظمة الإشتراكية والرأسمالية وأخيرا طبيعة حق الشخص العام على الأموال
العامة, هل هـو
حق ملكية أم حق إشراف ورقابة, وطبيعة حق الأفراد على المال العام, ومن ثمة سنبين وسائل أو طرق إكتساب المال العام.
المبحث الأول: مفهوم المال العام
يُشكل المال عصب كل نشاط إداري, لذلك من الضروري أن تتوفر الدولة وباقي
الأشخاص المعنوية الـعامة على الوسائل اللازمة لتسيير مرافقها والقيام
بإختصاصاتها, لكن أموال الإدارة ليست كلها سواء, من حيث المــعاملة, وذلك
انطلاقا من طبيعة ملكيتها لهذه الأموال، فمنها ما تملكه ملكية خاصة ويطــلق
على هذا النوع أو الجـزء بالدومين الخاص, بينما يسمى الجزء الآخر بالدومين
العام أو الأملاك العامة, ومن ثم يتحتّم علينا أن نوضّح معيار التمييز بين
الأموال العامة وأموال الدومين الخاص قبل التطرق إلى تحديد نطاق المال
العام وطبيـعته في الشريعة الإسلامية وفي الأنظمة الاشتراكية والرأسمالية.
المطلب الأول: معايير تقسيم الأموال وتحديد نطاقها.
بدأ التمييز بين الأموال العامة والأموال الخاصة في القانون الروماني,
بالتمييز بين الأموال العامة والأموال المملوكة للخزانة, بحيث تعتبر الأولى
ملكا للكافة أما الثانية فتعتبر ملكا للإمبراطور, وإستمر التمييز قائما في
القانون المدني الفرنسي السابق للثورة الفرنسية بين دومين التاج الذي كان
حق الملك إزائه حق ملكية, ويضم أهم عناصر الثروة العامة ويُحرم التصرف فيه
إلا في حالات معيّنة ووفق قيود خاصة, وعقب إندلاع الثورة الفرنسية تم
إستبدال عبارة دومين التاج بالدومين القومي والذي أصبح مملوكا للدولة,
ويجوز التصرف فيه مما أدى إلى الخلط بين الدومين العام والدومين الخاص,
ويرجع الفضل إلى الفقيه « Proudhon » الذي صاغ نظرية للتمييز بين الدومين
العام والدومين الخاص (1).
الفرع الأول: المعايير الفقهية والتشريعية لتمييز الأموال العامة:
أولا: المعايير الفقهية:
لقد تعدّدت المعايير الفقهية لتمييز الأموال العامة عن الأموال الخاصة
المملوكة للدولة أو لغيرها من الأشخاص المعنوية العامة، فظهرت منها المضيقة
لمفهوم المال العام كما ظهرت الموسعة لمفهومه وسنتعرض للنوعين على
التوالي.
1- المعايير المضيّقة لنطاق للمال العام:
أ- معيار عدم القابلية للتملك الخاص:
وهو المعيار الذي نادى به الفقيه « Proudhon » ومفاده عدم قابلية المال العام للتملّك الخاص.
كما نادى بهذا المعيار الفقيهان « DUC ROG » و « Barthélemy » ويركز هذا
المعيار على طبيعة المال, وهل يقبل التملك الخاص أم لا؟ فإذا كان لا يقبل
هذا التملك, فهو يعتبر من الأموال العامة (2).
ولقد تعرض هذا المعيار للنقد, لأنه يُضّيق بشدة من مفهوم المال العام, إذ
أن كثيرا من الأموال العامة كالسكك الحديدية والمباني والمنقولات وغيرها,
تكون قابلة للتملك الخاص, ولم يخرجها أحد من نطاق الأموال العامة.
(1)- الدكتور عدنان عمرو, مبادئ القانون الإداري, نشاط الإدارة ووسائلها, منشأة المعارف, الإسكندرية, الطبعة الثانية 2004, ص 297.
(2)- دكتور عبد العزيز السيد الجوهري, محاضرات في الأموال العامة, دراسة
مقارنة, الطبعة الثانية 1987, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, ص 07.
كما أن هذا المعيار يتناقض مع طبيعة الأشياء, فليس ثمة أموال تخرج بطبيعتها
من التملك الخاص, إلا تلك التي يعم نفعها الجميع، أما دون ذلك فيمكن تصوّر
تملكها(1).
ب- معيار وجود سلطة الضبط الإداري:
هذا المعيار نادى به « Fl Bert » حيث يرى بأن معيار تمييز المال العام يكمن
في وجود أو عدم وجود سلطة الضبط الإداري على المال, ففي رأيه يعتبر عناصر
الأموال العامة الأشياء التي تستطيع الإدارة أن تمارس عليها سلطة الضبط
الإداري.
وقد أُخذ على هذا المعيار أنه يُصادر على المطلوب, فيجعل من النتيجة معيارا لتحديد سبب وجودها.
ج- معيار إرادة المشرع:
ويرى « Jansse » أنه من العبث البحث عن معيار لتمييز المال العام, وإقترح
بدلا من ذلك الرجوع إلى إرادة المشرع في كل حالة على حدى, لإيضاح قصده تجاه
المال موضوع المنازعة, بحيث لا تضفى صفة العمومية على المال إلا بمقتضى
إرادة صريحة أو ضمنية من قبل المشرع, ويعني بالإرادة الضمنية أن يضفي
المشرع على الشيء النتائج المترتبة على الملكية العامة دون ذكر هذه الصفة
صراحة, كأن يمنع التصرف فيه أو الحجر عليه.وقد أُنتقد هذا الرأي على أساس
أنه لم يعط تحديدا شاملا للمال العام, الأمر الذي يجعل من الصعوبة بما كان
تحديد إرادته في مختلف عناصر المال المتعددة, كما أن الرأي في حد ذاته
يُلقي المشكلة برُمّتها على عاتق المشرع الذي يحتاج هو نفسه إلى معيار واضح
يُحدّد به متى يكون المال عاما؟ (2).
2- المعايير الموسّعة للمال العام:
أ- معيار التخصيص للمرافق العامة:
تبنّي هذا المعيار الفقيه « Duguit » وجعل فكرة المرفق العام المحور
الأساسي الذي تدور حوله كل نظريات ونظم القانون الإداري, وإنطلاقا من هذا
المفهوم ربط بين الأموال العامة وتخصيص المال لمرفق عام بإعتباره المعيار
السليم للتمييز بين الأموال العامة والخاصة, وبمقتضاه إعتبر « Duguit »
جميع الأموال المخصصة للمرافق العامة أموالا عامة.
ويمكن بلورة الإنتقادات التي تعرض لها هذا المعيار فيما يأتي:
- قصور المعيار على تغطية العديد من عناصر الأموال المعترف لها قانونا بصفة
العمومية ولا تخصص في نفس الوقت للمرافق العامة, ومثالها: الطرق, شواطئ
البحار, فهي رغم أنها مفتوحة للإستعمال العام إلا أنها لا تشكل موضوعا أو
وسيلة لتشغيل مرفق عام.
- يؤدي تطبيق هذا المعيار إلى تضخيم شديد لعناصر المال العام, وذلك بإدخاله
كافة الأموال المخصصة للمرفق العام ضمن الأموال العامة, حتى ولو كانت
أشياء تافهة ذات قيمة ثانوية, لا تحتاج إلى تطبيق النظم الإستثنائية
المقرّرة للملكية العامة.
ب- معيار التخصيص للمنفعة العامة:
وقد نادى به الفقيه « Hauriou » ويتحقق التخصيص للمنفعة العامة سواء بوضع
الشيء تحت الإستعمال العام المباشر للجماهير أو بتخصيصه لمرفق عام, ولا
يشترط أن يكون التخصيص مؤبدا وإنما يكفي أن يكون محققا, سواء بفعل الطبيعة
أو بموجب عمل إداري, وبالتالي أدخل هذا الفقيه في الأموال العامة كافة
المباني المملوكة للإدارة والمخصصة لمرفق عام, والمنقولات المخصصة للمنفعة
العامة, إلا أنه أخرج من دائرة الملكية العامة بعض الأموال رغم تخصيصها
للمنفعة العامة, وذلك بسبب خضوعها لأنظمة خاصة تتعارض مع نتائج الملكية
العامة, وبصفة خاصة قاعدة عدم جواز التصرف(3).
(1)- الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب, الدكتور حسين محمد عثمان, مبادئ
القانون الإداري, ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر,2001 , ص 444.
(2)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المركز القانوني للمال العام دراسة مقارنة ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر 1984, ص 26.
(3)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع نفسه, ص 28.
وعلى هذا الأساس أخرج من نطاق قواعد الملكية العامة الأرصدة النقدية
للملكية العامة لجواز التصرف فيها وإستبعد أيضا المخزونات السلعية لنفس
السبب.
وقد طوّر « Hauriou » معياره السابق بعد ذلك لتجنب التوسع الشديد في عناصر
الأموال العامة, لأنه يؤدي إلى إتساع فكرة المنفعة العامة وتجاوزها حدود
فكرة المرفق العام التي تتصل فقط بتحقيق المصلحة العامة, فإشترط أن يكون
التخصيص للمنفعة العامة بمقتضى قرار إداري, وهو بذلك يخرج من نطاق المعيار
الموضوعي إلى معيار شكلي محض, يتبلور في قرار التخصيص نفسه وهو السبب الأول
في إضفاء صفة العمومية على المال, وقد أنتقد هذا المعيار بسبب ما أدى إليه
من تضخيم كبير في عناصر الأموال العامة بصورة تتجاوز الفائدة المقصودة من
النظام الإستثنائي للملكية العامة, وقد أنتقد أيضا التحديد كوسيلة للحد من
هذا التضخيم والمتمثل في إصدار قرار إداري, لتخصيص الشيء للمنفعة العامة,
وذلك من عدة نواحي:
في كثير من الأحيان لا يتطلب القضاء أو الإدارة صدور قرار إداري بالتخصيص
لإدخال المال في دائرة العمومية, لأن ذلك قد يتم بوضع الإستعمال العام
الفعلي أو نتيجة لفعل الطبيعة, وهو الأمر الذي يفقد ذلك التحديد سنده
العلمي.
إن التحديد يصادر على المطلوب, ذلك أن القرار الإداري بالتخصيص يصدر عندما
تتحدّد نسبة المال إلى الأموال العامة, فهو نتيجة وليس سببا وبالتالي لا
يقدم للإدارة المعيار الذي من شأنه معرفة وتحديد الأموال التي يمكن أن تصدر
قرار بتخصيصها.
يضع هذا المعيار سلطة تحديد نطاق المال العام في يد الإدارة ويخضع ذلك
لسلطتها التقديرية, حيث لا يحدّد المعيار شروط تلتزم بها الإدارة لإصدار
قرار التخصيص للمال (1).
وعموما فإن أخذ بهذا المعيار الفقه الإداري الحديث وإنتقل إلى التشريع,
فالمشرع الفرنسي إستعمل عبارة "الأموال المعدّة للمنفعة العامة" وكذلك
الشأن بالنسبة للمشرع المصري (2).
ونتيجة للإنتقادات التي وُجّهت إلى المعايير السابقة, ظهرت معايير فقهية
وسطية ليتحقق معها قدر من التوازن بين كلا الإتجاهين المضيّق والموسّع
للمال العام, بما يحقق صالح السلطة العامة والأفراد.
وعلى كل وكخلاصة لما قد سلف بيانه فيما يتعلق بمعايير تمييز الأموال
العامة, نلاحظ أن كثرة المعايير المقدمة فقها يعد في حد ذاته دليلا على
تميّز المال العام.
ثانيا: المعايير التشريعية
حسب هذا الاتجاه لإسباغ صفة العمومية على المال العام يجب توافر شرطين:
1- ملكية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة للمال.
2- التخصيص للمنفعة العامة.
وقد تبنى المشرع الجزائري هذين المعيارين, ونستدل على ذلك بالرجوع إلى:
- دستور 1996 الذي نص في المادة 18 منه على ما يلي: "الأملاك الوطنية
يحدّدها القانون, وتتكون من الأملاك العمومية والخاصة التي تملكها كل من
الدولة والولاية والبلدية "
- القانون رقم 90/30 المتضمن قـانون الأملاك الوطنية, حيث ينص في المادة 02 منه على ما يلي:
" عملا بأحكام المادتين 17 و18 من الدستور تشتمل الأملاك الوطنية على مجموع الأملاك والحقوق
المنقولة والعقارية التي تحوزها الدولة وجماعاتها الإقليمية ".
ولكن بالرجوع إلى نص المادة 688 من القانون المدني, نجدها تنص على أنه:" تعتبر أموالا
للدولة....." .
أي أنها إقتصرت على إمتلاك الدولة للأموال سواء كانت عامة أو خاصة, فهذا النص جاء مطلقا.
(1)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص30.
(2)- الدكتور عدنان عمرو, المرجع السابق, ص300.
ويبدو أن المشرع الجزائري لم يأخذ بنظرية تعدد الأموال, بمعنى أنه لا يعترف
إلا بملكية الدولة وحدها دون الأشخاص الإعتبارية الأخرى للأموال العامة
وإنما يأخذ بنظرية وحدة الأموال العامة وهذا عكس الحل في مصر حيث يأخذ
المشرع بنظرية التعدد وذلك وفقا لنصوص القانون المدني الجديد الذي أقر
بملكية الأشخاص الإعتبارية عبر الدولة للأموال العامة (1).
لذلك يرى " أعمر يحياوي" أنه ينبغي إعادة النظر في نص المادة 688 من
القانون المدني, حيث إقترح إعادة صياغة هذا النص كما يلي:" لا يجوز التصرف
في الأموال العامة التابعة للدولة والجماعات المحلية أو حجزها أو تملكها
بالتقادم " (2).
وبالنسبة للمعيار الثاني فيتعيّن أن يكون المال العام يستهدف من وراء إستغلاله النفع العام وليس مجرّد تحقيق الربح.
وتخصيص المال للمنفعة العامة, قد يكون حسب نص المادة 688 من القانون المدني بإحدى الطرق التالية:
- بالفعل: ويتجلى ذلك عندما يكون المال متاحا للإنتفاع العام مباشرة بغير
واسطة من قانون أو قرار أو مرفق عام, يكون من خلاله الإنتفاع وذلك كالطرق
العامة والشواطئ والأنهار.
- بمقتضى نص قانوني: وذلك عندما يخصص المال للمنفعة العامة ليس مباشرة
وإنما بواسطة الوسائط القانونية, ويبدو ذلك عندما يكون الإنتفاع قد تم عن
طريق المرافق العامة بمختلف أنواعها (النقل البريد والمواصلات....).
وقد نصت المادة 12 من قانون الأملاك الوطنية على أن " الأملاك العامة أو
المال العام, هو تلك الحقوق والأملاك المنقولة والعقارية التي يستعملها
الجميع, والموضوعة تحت تصرف الجمهور المستعمل إما مباشرة أي بدون واسطة أو
بواسطة مرفق عام "
فإن زال هذين الشرطين على المال إستتبع ذلك فقدانه لصفته العامة وينتهي
التخصيص بمقتضى نص قانوني وبزوال الصفة العامة على المال, فيتحول من
الدومين العام إلى الدومين الخاص (3).
الفرع الثاني: نطاق الأموال العامة
في الشريعة الإسلامية لا يمكن تحديد نطاق المال العام, لأنه يتسع ويضيق حسب
الزمان وطبيعة الأموال التي تتغير على مرّ العصور, ولكن هناك معايير أو
مؤشرات يمكن الإسترشاد بها لتحديد نطاقه ومن أهمها ما يلي:
- معيار الإنتفاع الجماعي من المنتج أو الخدمة الناتجة عن موضوع المال العام.
- معيار الأولويات الإسلامية, بأن تقع الملكية العامة في مجال الضروريات
والحاجيات التي لا يُقبل الناس على إنتاجها, ففي هذه الحالة يجب على الدولة
أن تتولاها بالعناية والحماية والتنظيم والرقابة حتى تضمن توافرها للناس
بإعتبارها من فروض الكفاية.
- معيار درء الضرر العام الذي قد ينجم عن قيام الأفراد بالسيطرة على نشاط ما وقيام الدولة به يحقق مصالح المسلمين.
- معيار منع إحتكار الأفراد بما فيه من منفعة معتبرة للناس حتى لا يضيق عليهم أو يغلي عليهم الأسعار أو يُهدد أمن الوطن.
معيار الموازنة بين المصالح الشخصية الفردية والعامة, فلا يجوز أن تطغى
المصالح العامة على مصالح الفرد وطموحاته وحافزه للعمل والإنتاج والتملك,
كما لا يجوز أن تطغى مطامع الفرد على ضروريات وحاجيات المجتمع.
(1)- دكتور عبد العزيز السيد الجوهري, المرجع السابق, ص12.
(2)- أعمر يحياوي, الوجيز في الأموال الخاصة التابعة للدولة والجماعات المحلية, دار هومة, الجزائر 2001, ص32.
(3)- دكتور محمد فؤاد عبد الباسط, القانون الإداري, دار الجامعة الجديدة ,مصر. بدون سنة, ص379.
- في معظم الأحيان يكون موضوع المال العام ذا نفع في كل ما هو ضروري وحاجي للناس جميعا, ولا يقع في مجال الكماليات(1).
ويلاحظ أن هذه المعايير متكاملة مع بعضها البعض, بحيث تعطى إطارا متكاملا لما يدخل في نطاق المال العام وما يخرج عن نطاقه.
ومن أمثلة الأموال العامة في الإسلام, والتي تنطبق عليها المعايير السابقة ما يلي:
دور العبادة والتعليم والعلاج والأيتام والمسنين والخدمات الإجتماعية المختلفة.
الطرق والجسور والمرافق العامة وما في حكم ذلك.
الأراضي المختلفة المخصصة للمنافع العامة.
المعادن المستخرجة من أرض عامة.
البحار والأنهار.
حتى بالنسبة للقوانين الوضعية, فلا نستطيع تحديد نطاق الأموال العامة بدقة,
وكل ما نستطيع فعله هو تحديد المعايير التي سبق ذكرها وهي معيار التخصيص
للمنفعة العامة, إما بالفعل أو بموجب نص قانوني.
ونطاق الأموال العامة في القوانين الوضعية يتسع ويضيق بحسب المذهب المتّبع
في أي دولة, فإن كانت الدولة تتبنى النظام الإشتراكي فإن نطاق الأموال
العامة سيتسع, وهذا ما نلاحظه في ظل دستور 1976 الجزائري, مع ملاحظة أنه في
هذا النظام لم تقسم الأموال أو الأملاك إلى عامة وخاصة, إذ تعتبر كلها
ملكا للدولة , وهذا ما نصت عليه المادة 14 من دستور 1976 التي جاء فيها: "
تحدد ملكية الدولة بأنها الملكية المحـوزة من طرف المجموعة الوطنية التي
تمثلهـا الدولـة, وتُشمل هذه الملكية بكيفية لا رجعيـة فيهـا: الأراضي
الرعوية, الأراضي المؤمّمة زراعية كانت أو قابلة للزراعة والغابات والمياه,
وما في باطن الأرض والمناجم والمقالع والمصادر الطبيعية للطاقة, والثروات
المعدنية الطبيعية والحيّة للجرف القاري والمنطقة الإقتصادية الخالصة.
تعد أيضا أملاكا للدولة بشكل لا رجعية فيه كل المؤسسات والبنوك ومؤسسات
التأمين, المنشآت المؤمّمة مؤسسات النقل بالسكك الحديدية والنقل البحري
والجوي والموانئ ووسائل المواصلات والبريد والهاتف والتلفزة والإذاعة,
والوسائل الرئيسية للنقل البري, مجموع المصانع والمؤسسات والمنشآت
الإقتصادية والثقافية التي أقامتها الدولة أو تُقيّمها أو تطورها أو التي
إكتسبتها أو تُكسبها.
يشمل إحتكار الدولة بصفة لا رجعية فيها, التجارة الخارجية وتجارة الجملة.
يمارس هذا الإحتكار في إطار القانون ".
أما في دستور 1989 ودستور 1996, فقد تم التفريق بين الأملاك العمومية
والخاصة, حيث نصت المادة 17 من دستور 1989 و1996 على ما يلي:" الملكية
العامة هي ملك المجموعة الوطنية, وتشمل باطن الأرض والمناجم والمقاطع
الطبيعية للطاقة, والثروات المعدنية, الطبيعية والحيّة في مختلف مناطق
الأملاك الوطنية والبحرية والغابات.
كما تشمل النقل بالسكك الحديدية والنقل البحري والجوي والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية وأملاك أخرى محدّدة في القانون" (2).
المطلب الثاني: طبيعة المال العام
وسنتعرض في هذا المطلب إلى طبيعة المال العام في الشريعة الإسلامية وذلك
بتحديد مفهوم مشروعيّته كما سنعرض نظرة الفكر الاشتراكي والرأسمالي للمال
العام, وذلك لأن طبيعة المال العام تختلف بحسب الفلسفة الوضعية في الدولة.
(1)- دكتور حسين حسين شحاتة, حرية المال العام في ضوء الشريعة الإسلامية, دار النشر للجامعات, مصر, 1991, ص25.
(2)- أنظر المادة 17 من دستور 1989 و1996.
الفرع الأول: طبيعة المال العام في الشريعة الإسلامية
قسّم فقهاء الشريعة الإسلامية المال إلى عدّة تقسيمات, وبحسب عدّة إعتبارات, فالمال بإعتبار مدى الإنتفاع به يُقسّم إلى قسمين:
مال مُتقوّم: وهو كل ما أباح الشرع الإنتفاع به, ومال غير مُتقوّم: ويشمل
كل ما لا يجوز الإنتفاع به إلا في حالات الضرورة, والمال بإعتبار إستقراره
في محلّه نوعان: عقار: وهو ما لا يمكن نقله من مكان لآخر ومال منقول: وهو
ما يمكن نقله من مكان لآخر.
والمال بإعتبار من يمتلكه نوعان: مال عام ومال خاص, فالمال العام هو ما لا
يجوز تملّكه مطلقا ما دام مخصصا للمنفعة العامة(1)، فإذا زالت عنه تلك
الصفة عاد إلى حالته الأصلية وهي قابليته للتملك, فالطريق إذا إستغنى عنه
جاز تملّكه (2).
أولا: مفهوم المال العام في الشريعة الإسلامية.
يُقصد بالمال العام, أن تكون ملكيته للناس جميعا أو لمجموعة منهم ويكون حق الإنتفاع منه لهم, دون أن يختص به أو يستغله أحد لنفسه.
أي يكون الإنتفاع بموضوع المال العام لجميع أفراد الأمة أو لجميع أفراد
جماعة معيّنة دون أن يكون للفرد إختصاص فيه ولا يتجاوزه إلا إذا تعارض
إنتفاعه مع إنتفاع غيره من هؤلاء الأفراد, فعند ذلك يمكن مشاركة غيره في
الإنتفاع على أساس المساواة والعدل, حيث لا يمنع إنتفاع أحدهما من إنتفاع
الآخر.
ويُقسّم المال العام إلى نوعين هما:
1- أموال عامة مملوكة للدولة بصفتها شخصا معنويا أو إعتباريا, ويجوز لولي
الأمر التصرّف فيه من أجل المصلحة العامة, بشرط أن يكون ذلك مطابقا لأحكام
الشرع.
2- أموال عامة مخصصة لمجموع أفراد الأمة أو لجماعة, ويكون الإنتفاع منها
حسب الحاجة, ويتولى إدارتها ولي الأمر أو مجموعة من الأفراد تحت إشراف
الدولة, حسب أحكام الشرع ومن أمثلة ذلك المرافق العامة, الموارد الطبيعية
(3).
ثانيا: مشروعية المال العام في الشريعة الإسلامية
المال العام مشروع بأدلّة من الكتاب والسُنّة وبإجماع الفقهاء.
1-من الكتاب: ورد في القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: " كي لا يكون دُولة بين الأغنياء منكم " (4).
يستنبط من هذه الآية الكريمة أن الله لا يُحب أن يكون المال العام تحت إمرة قلّة من الناس دون غيرهم, بل للغير حقوق فيه.
2- من السنّة: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " المسلمون شركاء في ثلاثة: الكلأ والماء والنار " رواه أبو داود.
وهذه نماذج ذات منفعة عامة يمكن القياس عليها, لأنها ليست مذكورة على سبيل
الحصر, ومن الأدلة كذلك على مشروعية المال العام من السنة الفعلية, ما رُوي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قسّم غنائم خيبر نصفين, حيث جعل
أحدهما للنواب والوفود التي تفد على المسلمين, والنصف الآخر وزّعه على
المجاهدين وغيرهم (5).
(1)- الدكتور رمضان علي السيّد الشرنباصي, أحمد كمال الدين إمام, جابر عبد
الهادي سالم شافعي, المدخل لدراسة الفقه الإسلامي ونظرياته العامة, منشأة
المعارف للنشر, الإسكندرية, طبعة 2002, ص458.
(2)- الدكتورة وهبة الزحيلي, الفقه الإسلامي وأدلّته, دار الفكر العربي,
الطبعة الأولى, الجزء الرابع, مطبعة النخلة, الجزائر 1991, ص57.
(3)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص 20.
(4)- الآية 07 من سورة الحشر.
(5)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص 22.
3- من الإجماع: أجمع الفقهاء على مشروعية الملكية العامة, ولكن إختلفوا حول
الأشياء التي تدخل في نطاقها, فعلى سبيل المثال ذهب البعض منهم إلى القول
بأن معادن الأرض مثل النفط والمنغنيز تدخل في نطاق الملكية العامة, فيرى
قُدامة أن المعادن الظاهرة وهي التي يتوصل إلى ما فيها من غير مؤونة
ينتابها الناس, وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والقار والمومياء
والنفط والكحل والياقوت وأشباه ذلك لا يجوز إمتلاكها, ولا يجوز إقتطاعها
لأحد من الناس ولا إحتجازها دون المسلمين, لأن في ذلك ضررا بالمسلمين
وتضييقا عليهم.
ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه :" ما لا يملكه أحد من المسلمين صنفان:
أحدهما ما يجوز أن يملكه من يُحييه, وذلك مثل الأرض والثاني: ما تطلب
المنفعة منه نفسه كالمعادن الظاهرة والباطنة وكلها من الذهب والفضة,
فالمسلمون في هذا شركاء وهذا كالنبات لا يملكه أحد "(1).
ومن الأدلة الشرعية السابقة تتضح لنا نظرة الإسلام إلى الملكية العامة أو
إلى المال العام على الخصوص, إذ نجده مرتبط بمصالح المسلمين العامة ودرء
الضرر عنهم.
ثالثا: خصائص المال العام في الإسلام
يتّسم المال العام في الإسلام بمجموعة من الخصائص مستنبطة من آراء الفقهاء, تُميّزه عن المال الخاص ومن أهمها ما يلي:
1- المالك الحقيقي لأعيان ما يقع في نطاق المال العام, هو الله سبحانه
وتعالى, مصداقا لقوله عز وجل : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " (2).
وأن ما على الأرض لأهل الأرض, ولقد خصّ جزءا منه لمنافع الناس جميعا, فهو
خالق الناس وهو رازقهم وما عليهم إلا أن يسعوا في الأرض مصداقا لقوله :"
فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " (3).
2- أن حق الإنتفاع والإستغلال في أعيان المال العام للجماعة بإعتبارها
مؤلفة من أفراد ذوي أنصبة أزلية فيه, ولكل منهم كيانه الإنساني, فلقد خلق
الله ما على الأرض للناس جميعا لتقسيم حياتهم أفرادا وجماعات.
3- إن موضوع المال العام من صنع الله عز وجل أو من صنع الإنسان الذي يعمل
بأمره سبحانه وتعالى, وهو مسخّر لجميع الناس دون تمييز لفرد على فرد آخر أو
لجيل على جيل, ومن أمثلة ذلك الأنهار, البحار, الكلأ, المعادن والنار وما
في حكم ذلك.
4- يحصل الإنسان على منفعة موضوع المال العام عادة بدون مشقّة أو تضحية أو عنت, فهي مسخّرة بإذن الله له.
5- لا يجوز الإعتداء على المال العام من أي فرد أو جماعة وحماية من مسؤولية
أولي الأمر, وكذلك من المسلمين جميعا وفقا لمبدأ أو قاعدة وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- من حق الناس جميعا الإنتفاع من المال العام حسب الضوابط التي يُقرّرها
أولي الأمر والمستنبطة من أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية(4).
الفرع الثاني: المال العام بين المفهومين الإشتراكي والرأسمالي.
تعاقبت على الجزائر العديد من الأنظمة السياسية والإقتصادية كان لها بالغ
التأثير على الناحية القانونية بصورة عامة, فعندما كانت الجزائر مستعمرة من
طرف فرنسا, تأثرت بالنظام الفرنسي وحتى بعد الإستقلال بقيت القوانين
الفرنسية مطبقة في الجزائر خلال الفترة الإنتقالية, إلا ما يتنافى منها مع
السيادة الوطنية, وذلك إلى غاية صدور قوانين جزائرية, وعموما تختلف طبيعة
النظام الإقتصادي, بحسب طبيعة العلاقة التي تربط الشخص بالدولة.
(1)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص22.
(2)- الآية 29 من سورة البقرة.
(3)- الآية 15 من سورة الملك.
(4)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع نفسه, ص25.
فعندما تكون الدولة بحاجة إلى الفرد, فإنها تسمى دولة حارسة فتقتصر وظيفتها
على آداء الخدمات المرفقية التقليدية المتصلة بالدفاع والأمن والقضاء,
وهذا ما يسمى بالنظام الرأسمالي.
وقد كان هذا النظام سائدا في الجزائر في فترة معينة, أما عند ما يكون الفرد
هو الذي يحتاج إلى الدولة فإنها تسمى دولة راعية ومتدخّلة نتيجة لتدخلها
في الأنشطة الإقتصادية وهو ما يطلق عليه بالنظام الإشتراكي والذي على أساسه
يكون كل شيء مملوك للدولة, وقد ساد هذا النظام في الجزائر بعد صدور دستور
1976 ومن ثم فمفهوم المال العام يختلف بحسب النظام الإقتصادي والسياسي
المتّبع, فكلما كانت الدولة حارسة كان نطاق المال ضيّق ويتسع كلما كانت
الدولة راعية.
أولا: تأثير المذهب الفردي على المفهوم التقليدي للمال العام
1- أسس المذهب الفردي:
في فترة العصور الوسطى, كانت بلدان القارة الأوروبية يحكمها مبدأ الإقطاع,
حيث كان حق ملكية جميع الأراضي الإقطاعية تحت يد الأمير, الأمر الذي جعل من
هذه الأموال حائزة لصفة من نوع خاص, فهي أموال خاصة بالنظر إلى وقوعها تحت
سلطة فرد يمثل شخص الأمير, كما أنها تحوز صفة شبه عامة بالنظر إلى أن
الأمير يعتبر هو الممثل الوحيد للسلطة بكافة جوانبها التشريعية والتنفيذية
والقضائية (1).
وفي ظل النظام الإقطاعي بدأت تبرز إلى الوجود فئة جديدة تعتمد في أنشطتها
على التجارة والتبادل السلعي, وسُميّت هذه الطبقة بالطبقة البرجوازية,
ويعتبر ظهورها أول مظهر على نشوء النظام الرأسمالي في أوروبا, ونتيجة لذلك
أُقيم المذهب الفردي على مجموعة من الأسس التي كان لها صداها العميق في
توجيه السياسات الإقتصادية لدول القارة الأوروبية خلال القرن الثامن عشر,
ويمكن بلورة هذه الأسس في النقاط التالية:
1- أن الأفراد خُلقوا في الطبيعة يحكمهم مبدآن أساسيان هما: الحرية
والمساواة, وبالتالي يجب أن لا تُقيّد حريّتهم بأي قيود تفرض عليهم من قبل
الحكومات إلا في الحدود التي يرتضونها, وقد شمل مفهوم الحرية في المبدأ
الفردي كافة المجالات, فأعطى الأفراد الحرية الدينية والحرية الإقتصادية,
وشمل حق التملّك والتجارة وإنشاء المشروعات الصناعية بهدف تحقيق الربح,
فضلا عن الحرية السياسية المتمثلة في حرية الرأي.
2- إن الأفراد يملكون من القدرات ما يستطيعون بمقتضاها حسن الإختيار بما
يحقق أقصى منفعة ورفاهية لأنفسهم, ومن ثمة تحقيق منفعة ورفاهية المجتمع,
وإنطلاقا من ذلك تكون منفعة ورفاهية المجتمع أساسها تحقيق منفعة ورفاهية
الفرد, والتي يكفل تحقيقها إطلاق حرية في الإختيار في مجالات العمل
والإنتاجية والتملك حسب قدراته الذهنية والجسمانية.
3- يجب أن يقتصر دور الحكومات على أقل قدر من التدخل في الحياة الفردية,
ويقف دورها على تأدية الخدمات العامة التي يحجم الأفراد عن الإقدام عليها
لعجزهم عن آدائها, بسبب ضخامة مطالبها المالية, ومن هذا المنطلق الفكري
يقتصر دور الحكومات في ظل سيادة المذهب الفردي على تغطية الخدمات المتصلة
بالدفاع والأمن والقضاء وبعض المرافق الأخرى المتصلة بمجالات النظافة
والصرف الصحي والطرق العامة وغيرها من المرافق التقليدية, وهو مفهوم أدى
بالتبعية إلى تقلص نطاق أموال الأشخاص الإدارية وحصرها في حدود ضيّقة في ظل
إتساع مضطرد وملحوظ النطاق لأموال الأفراد (2).
2- تطور المذهب الفردي والإتجاه المنادي بضرورة زيادة تدخل الدولة في الأنشطة الإقتصادية.
أدى شيوع المذهب الفردي والنظام الرأسمالي في دول القارة الأوروبية خلال
القرن الثامن عشر إلى إنطلاقة إقتصادية هائلة دعّمتها الثورة الصناعية
الكبرى, التي شملت معظم دول القارة الأوروبية, مما أدى إلى التطور الذي شمل
كافة وسائل الإنتاج, وأدى إلى تعاظم رؤوس الأموال الموجهة إلى مختلف
الأنشطة التجارية والصناعية.
(1)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص03.
(2)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع نفسه, ص04.
وتركزت الثروات في أيدي قلة من الأفراد مما أدى إلى إتساع الهُوّة بين طبقة
أصحاب رؤوس الأموال وطبقة العمال, إضافة إلى فقدان المشروعات الفردية
الصغيرة لاستقلالها وأهميتها, وقد أدت هذه الوضعية إلى تناقضات لم يتوصل
فيها إلى حل سلمي بين الطرفين, وإستمرت حتى النصف الأول من القرن العشرين
وعجزت الإيديولوجية الرأسمالية عن إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشاكل,
وبلغت هذه الأزمة ذروتها خلال الأزمة الإقتصادية التي مرت بها البلاد
الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية من سنة 1929 حتى سنة 1933, وقد دفع
هذا الوضع المتدهور بالحكومات الرأسمالية إلى سرعة مراجعة سياساتها بهدف
الحد من النتائج السلبية التي سببها ترك الحرية المطلقة للأنشطة
الرأسمالية, والتي أثبتت الأزمات الإقتصادية العنيفة التي هزّت إقتصاديات
هذه الدول خطورتها, وقد تبلور التحرك الحكومي في عدة صور منها تدخل الدولة
في مجال الأنشطة الفردية التجارية أو الصناعية وبغض النظر عن تكييف تحرك
الدول الرأسمالية الجديد, فيما إذا كان أخذها بالمبادئ الإشتراكية أو فكر
جديد يطلق عليه البعض مسمى " رأسمالية الدولة " فقد أدى هذا التحرك إلى
تطور ملحوظ في مجال إتساع نطاق أموال الأشخاص الإدارية بنوعيها العام
والخاص(1).
3- نطاق الملكية العامة نتيجة تطور النظم الرأسمالية.
وصل تدخل الحكومات الرأسمالية أوجه في أعقاب الحرب العالمية الثانية, حيث
إندفعت غالبية دول أوروبا الغربية إلى التدخل مباشرة في العديد من صور
النشاط الفردي التجاري أو الصناعي, وذلك بهدف الحد من غلو المذهب الفردي
وتوجيه خطط التنمية الإقتصادية والتغلب على المشاكل التي خلقتها الحرب.
وقد أخذ هذا التطور صورة لجوء الدولة إلى تأميم العديد من وسائل الإنتاج الرئيسية في بعض المجالات الإقتصادية الحيوية.
وأثّر هذا الإتجاه الإشتراكي بعمق في المفهوم التقليدي للأموال العامة,
وأدخلت على أحكامها القانونية الكثير من القواعد والمعايير المستحدثة, وقد
برز ذلك في صورة ظهور أنماط جديدة من الأموال المملوكة للأشخاص العامة,
تتميّز بعدم خضوعها لقواعد المال العام التقليدية, وتميزها أو إنفرادها
بقواعد قانونية جديدة تتيح فرصة تشغيل هذه الأموال بعيدا عن تعقيدات
الروتين الحكومي الإداري والمالي, بما يسمح إختيار السبل المناسبة لإدارتها
وإستغلالها, وبما يحقق أقصى فاعلية في مجال تحقيق الأهداف الإقتصادية
المقصودة.
وإذا كان المفهوم التقليدي لأموال الأشخاص العامة يقسمها إلى أموال عامة
وأموال خاصة, ويطبق على الأموال العامة نظاما قانونيا خاصا يُمكّنها من
آداء أدوارها في خدمة الصالح العام, ويُخضع الأموال الخاصة إلى قواعد
القانون العادي التي تخضع لها أموال الأفراد العاديون.
فإن ما وقع من تطور أدى إلى إتساع نطاق نوعي الأموال الإدارية العامة
والخاصة, بل إن بعض الإتجاهات الفقهية حاولت إيجـاد نوع ثالث من أموال
الأشخاص العامـة يضم الأموال المؤممة والمشروعات الصناعيـة والتجارية التي
تديرها الدولة, وأطلق عليه تعبير الأموال القومية والتي يجب إخضاعها لنظام
قانوني متميّز (2).
ثانيا: أسس النظام الإشتراكي ونظرته لأحكام الأموال بصفة عامة.
منذ نهاية القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر, برزت كثير من الأفكار
الإشتراكية التي كانت تهدف إلى القضاء على التباين القائم بين طبقتي العمال
وأصحاب رؤوس الأموال والحد من آثار المذهب الفردي.
1- نظرة الفكر الماركسي للأموال:
تتبلور الفكرة الماركسية في النظر إلى الملكية الخاصة على أنها هي أساس
البلاء والسبب الرئيسي في تحول النظام الرأسمالي إلى نظام إستغلالي, أي
إستغلال أصحاب رؤوس الأموال الخاصة لجهة الطبقة العاملة بهدف تحقيق المزيد
من الربح.
(1)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص06.
(2)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع نفسه, ص08.
ولذلك فإن نقطة البدء في التحول الإشتراكي تتمثل في القضاء على الملكية
الخاصة في مختلف وسائل الإنتاج وتحويلها إلى ملكية عامة, ويقصرون التملك
الخاص على الأموال التي يحوزها الشخص بقصد الاستهلاك وبالتالي يفرق الفكر
الماركسي بين نوعين من الأموال: الأول يتمثل في أموال الإنتاج, والتي تدخل
فيها جميع وسائل الإنتاج التي تحتاج في تشغيلها إلى قوى عاملة غير مالكتها,
وهذه إستبعدوها من نطاق الملكية الخاصة, تأسيسا على مبدأ عدم إتاحة الفرصة
لكي يستغل المالك جهد عماله, طبقا لنظرية القيمة الفائضة.
وتشكل هذه الأموال الجزء الأكبر من صور الأموال العامة في الدول الشيوعية,
أما النوع الثاني والذي يسمح فيه بالملكية الخاصة, فهي أموال الإستهلاك
التي يدخل في نطاقها الأموال التي يقتصر تشغيلها على الجهد الشخصي لمالكها
أو لأفراد العائلة, وهو الأمر الذي تنتفي معه شبهة الإستغلال لجهد الآخرين,
كما تضم الأموال التي يحوزها الفرد بهدف سد إحتياجاته الشخصية في
الإستعمال والإستهلاك الشخصي له, أو لأفراد أسرته مثل المنزل أو السيارة أو
الأدوات المنزلية (1).
وإذا كان الفكر الماركسي يقضي بأن الملكية الخاصة في مجال وسائل الإنتاج,
فإنه في نفس الوقت ينصب أو يجعل الدولة تحل محل المالك في تملك هذه
الأموال, التي يطلق عليها الأموال الإشتراكية أي المملوكة لقوى الشعب
العامل في مجموعهم, حيث تعتبر الدولة الشخص القانوني لهذه القوى.
ورغم تركيز ملكية الأموال الإشتراكية في يد الدولة إلا أن إدارتها تختلف
حسب عناصرها, فهناك أموال تديرها الدولة مباشرة كالسكك الحديدية والقوى
الكهربائية وبعضها الآخر تديره عن طريق هيئات ومؤسسات عامة وتعاونيات تابعة
للدولة, وإن كانت تستقل في ميزانيتها وأجهزة إدارتها إلا أنها تبقى دائما
خاضعة للدولة التي تملك كل رأس مالها.
وتعطى للسلطات المحلية سلطة إدارة الأموال المشغلة في بعض الحرف والصناعات
البسيطة ذات الطابع المحلي, ويختلف الفكر الماركسي بالنسبة للتصرف حيال
العقارات والأراضي الزراعية, وذلك فيما يتعلق بضرورة أو إمكانية إدماجها
ضمن أموال الدول الإشتراكية, وقد ذهب رأي إلى عدم التفرقة بين أموال وسائل
الإنتاج وبين الأراضي الزراعية, فكلاهما عناصر الإستغلال والميل إلى التركز
وإحتواء الملكية الزراعية الصغيرة لتوسيعه نطاق الإستغلال, وهو ما يستلزم
تطبيق قواعد إستبعادها من نطاق الملكية الخاصة وإدماجها في أموال الدولة
الإشتراكية, ويؤيد هذا الرأي " كارل ماركس " وعدد من مفكري الماركسية من
معاصريه, بينما يعارض رأي آخر هذا الإتجاه حيث يرى في إلغاء الملكيات
الزراعية الخاصة الصغيرة أمرا لا يحقق أي فائدة لأنها سوف تنقرض بصورة
آلية, نتيجة التطور الطبيعي للأموال ودون تدخل من الدولة, فضلا عن أن
مصادرتها لصالح الدولة سوف يتم بمقابل تعويض مالكها الذي لا يحوز أي ثروة
عداها, وهو ما يلقي بأعباء مالية إضافية على الدولة.
إلا أن الإتجاه الذي دأب عليه التطبيق العملي في معظم الدول الإشتراكية
يقضي بعدم دعم الملكيات الزراعية الصغيرة, وفي نفس الوقت عدم القضاء عليها
بالتأميم دفعة واحدة وإنما يتبع حيالها برنامج تدريجي يوصل إلى إختفائها
المتدرج والمرحلي, وهو الأمر الذي يكفل للملاك الفلاحيين الظروف المعيشية
الملائمة وحثهم على الأخذ بالحلول التعاونية والجماعية لإستغلال أراضيهم
(2).
2- الإنتقادات الموجهة إلى أسس الفكر الماركسي:
رغم المنطقية التي يتسم بها الفكر الماركسي في شرح التصارع الطبقي وتسلسل
التطور التاريخي, بما يحقق سيادة الطبقة العاملة بوصولها إلى السلطة في
مختلف بلدان العالم, إلا أن الواقع الحاضر يشير إلى عدم تحقق الكثير من
التنبؤات الماركسية.
فمن ناحية يشهد الواقع إزدهار النظام الرأسمالي الذي لم يشهد أي ثورات
عمالية نتيجة التطور المستمر نحو زيادة الخدمات الإجتماعية والإنسانية
للطبقة العاملة والحفاظ على مصالحها نتيجة للإعتراف بحقها في إنشاء نقابات
وإتحادات تعبّر عن آرائها.
(1)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص232.
(2)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص234.
ومن ناحية أخرى لم تحقق التجارب الإشتراكية المنفذة رغم إنقضاء مدد طويلة على تطبيقها الأهداف النهائية من التحول الإشتراكي.
ونظرا لكون الفكر الماركسي يستند في إلغاء الملكية الفردية في مجال وسائل
الإنتاج على التنبؤات السابقة التي ثبت عدم صحتها, فإن وجود الملكية الخاصة
في النظام الرأسمالي لم يؤدي إلى تداعي أو تراجع ظواهر التركز والإحتكار
الرأسمالي, كما أنه لم يؤدي إلى تزايد إفقار الطبقة العاملة أو إنقاص
الأرباح, وإذا أضفنا إلى ذلك أن نظرية فائض القيمة التي يستند عليها الفكر
الماركسي لإثبات إطراد إستغلال أصحاب رؤوس الأموال للطبقة العاملة تكتسي
معارضة فقهية تتمثل في أن العمل ليس هو العامل الوحيد والمؤثر في عملية
الإنتاج بل هناك عوامل أخرى ذات تأثير بالغ في تحديد الأسعار, فإن هناك
الكثير من الغموض يُغطي على صحة وجدوى الإلغاء الكامل للملكية الخاصة
لوسائل الإنتاج, وهو ما يؤيد التيار الإشتراكي المعتدل الذي ينادي بالإبقاء
على الملكية الخاصة مع تنظيمها بما يضمن الحد من مساوئها (1).
ومن خلال هذا العرض يمكن تقسيم تجربة النظام الاشتراكي إلى قسمين أحدهما
يلغي الملكية الخاصة في وسائل الإنتاج الصناعي والزراعي, ويعترف بملكية هذه
الأموال للدولة التي تديرها لحساب قوى الطبقة العمالية, والآخر يبقي على
الملكية الخاصة في كثير من قطاعات الإنتاج, كما كان الحال في الجزائر عند
صدور دستور 1976, حيث تنص المادة 14 منه على تحديد ملكية الدولة, والمادة
تنص على أن الملكية الفردية ذات الإستعمال الشخصي أو العائلي مضمونة (2).
ونخلص في الأخير إلى القول بأن مفهوم المال العام يختلف بحسب ما إذا كانت
الدول رأسمالية أو إشتراكية كما أن مفهومه مختلف تماما في الشريعة
الإسلامية حيث أن:
- الشريعة الإسلامية أخذت بمبدأ تقسيم الأموال إلى خاصة وعامة, ولا يجوز أن يطغى أحدهما على الآخر.
- أما النظرية الرأسمالية فقد كانت في بدايتها تأخذ بالملكية الفردية بصفة
مطلقة, ونتيجة لزيادة تدخل الدولة في الأنشطة الإقتصادية أدى ذلك إلى توسيع
نطاق الملكية العامة عن طريق اللجوء إلى التأميم.
- أما الفكر الإشتراكي فقد إنقسم إلى إتجاهين: إتجاه يلغي تماما الملكية
الخاصة, ويعترف بملكية الأموال للدولة والإتجاه الثاني يبقي على الملكية
الخاصة ويقصر استغلالها على الجهد الشخصي لمالكها أو لأفراد عائلته.
ولم يقتصر التباين على الإلغاء الكامل للملكية الخاصة أو الإبقاء عليها
جزئيا في بعض الحالات, وإنما إمتد التباين إلى الأحكام المنظمة للملكية
العامة في هذه الدول سواء في مجال تحديد شخص مالكها, أو سبل إدارتها
وحمايتها، فبينما يتجه البعض إلى الإعتراف للدولة بحق ملكية الأموال العامة
ويعطيها حق الإدارة المباشرة أو الإشراف الكامل على الهيئات والمؤسسات
التي توكل إليها الإدارة, ويتجه البعض الآخر إلى إعطاء ملكية هذه الأموال
لمجموع الشعب وتُعطى إدارتها ذاتيا للمجالس المنتخبة.
المبحث الثاني: أحكام الأموال العامة.
يقصد بتعبير أحكام الأموال العامة مجموعة القواعد التي تنظم العلاقة بين
هذه الأموال والشخص العام الذي يحوزها, بمعنى آخر ما هي طبيعة الحق الذي
يتمتع به الشخص العام والأفراد على المال العام؟ وما هي طرق اكتساب هذا
المال؟.
المطلب الأول: طبيعة حق الشخص العام والأفراد على المال العام.
إذا كان حق الأفراد على المال العام لم يُثر أي خلاف, فعلى العكس من ذلك
نجد أن الآراء الفقهية والأحكام القضائية قد تضاربت حول طبيعة حق الشخص
العام على المال العام.
(1)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص235.
(2)- أنظر المادتين 14 و 16 من دستور 1976.
الفرع الأول: المنازعة في الإعتراف بوجود حق ملكية الشخص العام
على المال العام.
انقسم هذا الرأي إلى إتجاهين: إتجاه يُنكر وجود حق ملكية الشخص العام للمال العام، واتجاه يعترف بوجود هذا الحق.
أولا: النظريات المنكرة لوجود حق الملكية.
سادت هذه النظريات خلال القرن التاسع عشر, وكانت تستند أساسا على فقه «
Proudhon » للأموال العامة, ويتلخص هذا الرأي في أن الملكية في القانون
المدني تتميز بإختصاص مالك الشيء به وقصر الإنتفاع به على الشخص, مما لا
مقابل له في المال العام, فعناصر حق الملكية من إستعمال وإستغلال وتصرّف لا
تتوافر في المال العام, وتوفرها في الملكية الخاصة(1).
وهذا هو الرأي الذي أخذت به الأحكام القضائية بصفة عامة, والذي يأخذ به بعض الفقهاء (2).
وإذا كان غالبية الفقهاء إتفقوا على إنكار حق الملكية, إلا أنهم إختلفوا في
تكييف سلطة الدولة الفعلية على هذه الأموال, فقد إتجه « Duc crocq » إلى
إعتبار أن الدولة ليس لها على المال العام سوى حق الحراسة واتجه « Derecy »
إلى تكييف سلطة الدولة على المال العام بأنها سلطة سيادة وسلطان على هذه
الأموال وهو في إعتباره أكثر قوة من حق الملكية العادية.
كما أن فقهاء مدرسة المرفق العام بزعامة « Duguit » كانوا ينكرون وجود هذا
الحق بصفة عامة, وذلك على أساس أنه نقل لقواعد من القانون الخاص إلى
القانون العام, دون مبرر ودون أن يحقق ذلك أي فائدة عملية.
وهناك البعض من الفقهاء ينكرون حق ملكية الدولة إستنادا إلى إنكار الشخصية
الإعتبارية للدولة, ومن ثم فإن الدولة أو الأشخاص الإعتبارية لا تملك هذه
الأموال سواء كانت هذه الأموال عامة أو خاصة (3).
ثانيا: النظريات المعترفة بوجود حق الملكية.
يعتبر الفقيه « Hauriou » أول من نادى بهذه الفكرة, وقد إستند في ذلك على عدد من الحجج الهامة تتبلور في النقاط التالية:
- إن إدعاء مؤيدي النظرية المنكرة لحق الملكية بوجود فروق بين السلطة
المقررة للشخص الإداري على الأموال العامة, وبين تلك المقرّرة في مجال
الملكية الخاصة بصورة ينعدم معها وجود هذا الحق بالنسبة للأموال العامة,
وهو إدعاء غير صحيح نظرا للتطور الذي لحق بالملكية الخاصة والذي فرض عليها
العديد من القيود التي تحد من سلطة المالك المطلقة على أمواله على أساس أن
الملكية الخاصة وظيفة إجتماعية تستهدف أغراض معيّنة, بحيث يعتبر المالك
متعديا على حقوق الملكية إذا إنحرف عن تلك الأغراض, بحيث يتعارض حق المالك
مع مصلحة عامة أو مصلحة خاصة أولى بالحماية, وبناء على ذلك لم يعد الإطلاق
من جوهر حق الملكية وأصبحت القيود المشروعة تتفق مع طبيعة الحق, وعليه فلن
تحول القيود التي فرضها المشرع كحماية لتخصيص المال للنفع العام دون إعتبار
حق الشخص العام ملكية عادية, هذا وإن فحصنا حق الدولة والأشخاص العامة على
أموال الدومين العام, لوجدنا أنه يشمل العناصر المميزة لحق الملكية,
فالشخص الإداري يملك حق الإستعمال والإستغلال, ويملك أيضا حق التصرف في
المال العام, ولكن بإتباع إجراءات محدّدة, فضلا عما يعنيه قيد منع التصرف
في المال العام من وجود حق ملكية للشخص الإداري على أمواله العامة.
وإذا كان للفرد الحق في التصرف في ممتلكاته, فإن للدولة أيضا أن تتصرف في
هذه الأموال بأن تنزع عنها صفة العمومية, وتصبح أموالا خاصة تابعة للدومين
الخاص التي لا نزاع حول وجود حق ملكية الشخص العام عليها.(4).
(1)- الدكتور محمد عاطف البنا, مبادئ القانون الإداري في الأموال العامة, دار النهضة العربية, القاهرة, بدون سنة, ص36.
(2)- الدكتور سليمان محمد الطماوي, الوجيز في القانون الإداري, دراسة مقارنة, دار الفكر العربي, مصر 1996, ص 521.
(3)- الدكتور محمد عاطف البنا, المرجع السابق, ص38.
(4)- الدكتور سليمان محمد الطمّاوي, المرجع السابق, ص609.
وهو ما يعد دليلا آخر على تملك الشخص العام لماله العام, حيث لا يُتصور
إنشاء هذا الحق بمقتضى قرار التخصيص أي زوال صفة العمومية على المال العام,
إذ يقضي المنطق بالقول بوجوده أصلا للشخص العام.
- كما أنه ليس صحيحا ما يقال لدى منكري حق الملكية, بأنه لا تتوافر للإدارة
على أموال الدومين العام خصائص الملكية, من إنتفاع وإستغلال وتصرف, لأنه
على فرض أن المنتفع بالمال العام هو جمهور الأفراد, فإنه من الممكن أن نقول
بأن الشخص الإداري هو الذي ينتفع لأن الشخص الإداري ليس في الواقع إلا
هؤلاء الأفراد منظورا إليهم في إطار نظام قانوني معيّن (1).
- ويؤدي الإعتراف بوجود حق الملكية على الأموال العامة إلى إيجاد التفسير
القانوني لكثير من المشاكل الناجمة عن ممارسة الشخص الإداري لسلطاته على
المال العام, وهو تفسير لا يكفي لإيجاده الإستناد على فكرة التخصيص, التي
إستند عليها فقهاء مدرسة المرفق العام, وإنما تبرز هذه الحقيقة في تفسير
إلتزام الشخص الإداري بنفقات الصيانة, والحق في بيع الثمار, ودفع تعويضات
الأضرار الناجمة عن صيانة المال العام, والتصرف في المال بعد رفع تخصيصه,
وجميعها لا تفسر إلا بالإعتراف بوجود حق ملكية الشخص الإداري للمال العام.
وقد أخذ المشرع الفرنسي والمصري بهذا الرأي, على إعتبار أن حق الدولة على
المال العام هو حق ملكية لا يختلف عن حق ملكية الأفراد أو الدولة لأموالها
الخاصة, ولكنه يخضع لأحكام القانون العام التي تتميز عن أحكام القانون
الخاص, سواء فيما يتعلق بوسائل إكتساب المال العام وأهمها نزع الملكية
للمنفعة العامة, أو عن طريق إستعماله إستعمالا جماعيا أو فرديا.
لذلك يرى بعض الفقهاء تسمية ملكية الأموال العامة بالأموال الإدارية أو ملكية التخصيص تميّزا لها عن الملكية المدنية (2).
ويترتب على الإعتراف للدولة بحق الملكية النتائج الآتية:
1- يملك الشخص الإداري الثمار التي ينتجها المال العام, إذا كان مثمر كما
يدخل في ذمته ثمن المال العام بعد بيعه, وإذا ألغي تخصيصه للنفع العام.
2- للشخص الإداري أن يرفع دعوى الإستحقاق ودعاوى وضع اليد لحماية المال العام.
3- يقع على عاتق الشخص الإداري العام الذي يملك المال العام الإلتزام بصيانة المال العام (3).
4- منح تراخيص وإمتيازات لشغل الأملاك العامة, كإقامة الأكشاك على أرصفة الشوارع.
5- تنظيم حق إستعمال المال العام بطريقة مختلفة.
6- للدولة أو للأشخاص الإدارية الأخرى الحق في تغيير تخصيص المال العام,
فيجوز تخصيص المال العام مع نقل ملكيته من شخص إداري إلى آخر, وللمشرع وحده
هذا الحق (4).
أما عن المشرع الجزائري فقد حسم هذا الخلاف الفقهي, ونستشف ذلك من خلال
إستقرائنا لنصوص الدساتير الجزائرية من سنة 1976 إلى غاية سنة 1996,
ولأحكام القانون رقم 90/30 المتضمن قانون الأملاك الوطنية, حيث إعتبر
الأملاك العامة مملوكة لكل من الدولة والولاية والبلدية.
الفرع الثاني: طبيعة حقوق الأفراد وإستعمالهم للمال العام.
أولا: طبيعة حقوق الأفراد على المال العام.
حق الأفراد على المال العام هو حق إنتفاع, ويختلف إستعمالهم لهذا الحق بحسب كيفية تخصيصه للمنفعة العامة.
(1)- الدكتور طعيمة الجرف, القانون الإداري والمبادئ العامة في تنظيم ونشاط
السلطات الإدارية, دراسة مقارنة, دار النهضة العربية, القاهرة 1978, ص706.
(2)- الدكتور ماجد راغب الحلو, القانون الإداري, دار الجامعة الجديدة, مصر 2006, ص168.
(3)- الدكتور سليمان الطماوي, المرجع السابق, ص524.
(4)- الدكتور عبد العزيز السيد الجوهري, المرجع السابق, ص23.
- فإذا كان التخصيص بالفعل, أي ترك الجمهور يتمتع بالمال مباشرة فإن كل فرد
حر في أن يستعمل هذا المال كما يشاء, كالسير في الطرقات العامة, أو
السباحة في البحر.
- وإذا كان الإنتفاع عن طريق المرافق العامة كالسكك الحديدية, فيكون الإستعمال وفق قواعد تنظيم المرفق التي يحدد نظامها القانون.
وقد يكون الإنتفاع بالمال مجانيا وبغير توقف على إذن مسبق من الإدارة وهو
الأصل في صور المال الطبيعية كالشواطئ, الحدائق, الطرق العامة, بإعتبار أن
إستغلال الإدارة لأموالها العامة غير مستهدف منه تحقيق أرباح للخزانة
العامة, ومع ذلك لا يتأثر وجه النفع العام في أحوال الإدارة العامة بصفة
عامة, بفرض رسوم معينة لإمكانية الإنتفاع به, وهو لا يتأثر أيضا إذا ما
إقتضت دواعي الصالح العام الحصول على إذن مسبق للإنتفاع بالمال بكيفية
معيّنة كوجوب الحصول على ترخيص لقيادة السيارات في الطرق العامة قبل
إستعمالها بهذه الكيفية (1).
ثانيا: إستعمال الأموال العامة:
أيا كان تخصيص المال العام إما لمرفق عام أو للإستعمال العام, وذلك بما
يحقق المصالح العامة, فإن قواعد إستعماله يحكمها عدد من المبادئ العامة
التي يجب أن تراعى من قبل مستعملي المال العام سواء تم ذلك مباشرة بواسطة
الجماهير أو بواسطة مرفق عام, ويمكن تلخيص هذه المبادئ في النقاط التالية:
1- ضرورة مسايرة طرق الإستعمال للأهداف السياسية التي خُصّص المال العام من أجل تحقيقها.
2- يجب أن لا يؤدي الإستعمال إلى تعريض عناصر المال العام إلى خطر الهلاك,
وهو الأمر الذي يقع نتيجة لتعارض الإستعمال مع القواعد الموضوعية لصيانة
وحفظ عناصر المال العام.
3- أدى التطور الحديث إلى النظر لعناصر الأموال العامة بإعتبارها أموالا
مملوكة للسلطة الإدارية وتُمثّل في حد ذاتها قيمة إقتصادية بإعتبارها ثروة
جماعية.
وهو المفهوم الذي أدى إلى فرض إلتزام على الإدارة بضرورة الحرص على تحقيق
الإستخدام الأمثل لأموالها العامة, وذلك بما يحقق أقصى فائدة إقتصادية من
إستخدام الأموال العامة في الحدود التي يتفق فيها ذلك مع تحقيق الأهداف
الأساسية لتخصيص المال العام, وقد أدى هذا المفهوم إلى تنوع صيغ إستخدام
الأموال العامة التي وافقت عليها السلطة الإدارية من أجل زيادة مواردها
المالية, والتي إستلهمت فيها الإدارة كافة الإعتبارات التي تستند عليها
المصلحة العامة, والتي تدخل في نطاق المصالح المالية, وقد تمثل ذلك في صورة
منع موافقات الإستعمال في بعض الحالات نظير مقابل مادي تتقاضاه السلطة
الإدارية, يتم تحديده طبقا لقواعد معينة في كل حالة على حدى.
وتتعدد صور إستعمال الأموال العامة التي تخصصها السلطة الإدارية للإستعمال
العام, فنجد صورة الإستعمال المتطابق تماما مع الأهداف التي خُصّص المال
العام من أجلها, وهو ما يطلق عليه الإستعمال العام أو الجماعي, لم تندرج
أنواع أخرى من الإستعمالات غير العادية والتي لا تتطابق مع أهداف التخصيص
وإن لم تكن متعارضة معها (2).
1- الإستعمال الجماعي للمال العام:
يكون إستعمال المال العام جماعيا عندما يكون هذا الإستعمال مباحا للجميع في
نفس الوقت, ولا يحول إستعمال البعض لهذا المال دون استعماله من البعض
الآخر, ويحكم الإستعمال الجماعي مبادئ عامة نعرضها فيما يأتي:
أ- مبدأ حرية الإستعمال: يتطابق الإستعمال الجماعي في كثير من الحالات مع
ممارسة عدد من الحريات العامة, وبمقتضى ذلك فإن الإستعمال العام يتم بحرية
كاملة من جمهور المستعملين دون الحصول على ترخيص مسبق من الإدارة (3).
(1)- الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط, المرجع السابق, ص392.
(2)- الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط, المرجع نفسه, ص393.
(3)- الدكتور محمد عبد الحميد أبوزيد, حماية المال العام, دراسة مقارنة, دار وهدان, القاهرة 1987, ص280.
التي لا تملك حيال هذا النوع من الإستعمال سوى سلطات الضبط الإداري المنظمة
للإستعمال العام, والتي يجب أن لا تصل إلى درجة منعه كليا.
ب- المساواة بين المنتفعين: وهو نتيجة منطقية لإعتبار الإستعمال العام
مطابقا لممارسة بعض الحريات العامة, فمن مقتضى الإعتراف بحرية عامة أن
يتساوى الجميع في ممارستها.
ولا تعني المساواة في الإستعمال العام أن تكون المساواة مطلقة, فهي مساواة
مقصورة على الأفراد الذين يمارسون إستخداما واحدا للمال العام.
كما أنها ترتبط بتماثل المرافق التي ينتظم الأفراد تحت لوائها, فلا تتحقق إلا من خلال وحدة المرفق.
ج- مجانية الإستعمال العام: يرتبط هذا المبدأ أيضا بالمبدأ الأول الذي
يعتبر الإستعمال العام أحد صور الحريات العامة, فالحرية في الإستعمال تؤدي
بالقطع إلى مجانية الاستعمال. وهذه المبادئ نص عليها قانون الأملاك الوطنية
في المادة 62 /02 (1).
2- الإستعمال الفردي أو الخاص:
يكون إستعمال المال العام فرديا أو خاصا في حالة إستئثار الفرد بجزء من هذا
المال إستئثارا يمنع غيره عن إستعماله, والإستعمال الفردي للمال العام قد
يكون عاديا وقد يكون غير عادي (2).
أ- الإستعمال الفردي العادي: قد يكون الإستعمال الفردي للمال العام عاديا,
ويتحقق ذلك عندما يكون الإستعمال المخصص له هذا المال بحسب طبيعته, والغرض
منه يجب أن يتم بصفة فردية ولا يمكن أن يكون جماعيا لأنه يستلزم إنفراد
الشخص بجزء معيّن من المال العام. ويخضع الإستعمال الفردي العادي للمال
العام لقواعد قانونية معيّنة تتفق مع طبيعته الفردية العادية، فنظرا
للطبيعة الفردية لهذا الإستعمال, فإنه عادة ما يكون بمقابل, كما أنه يخضع
للإذن المسبق, غير أن الإدارة لا تكاد تتمتع بسلطة تقديرية في منح الإذن
متى توافرت شروط منحه, ويتركز إختصاصها بصدده في التخفيف من توافر هذه
الشروط, فإذا توافرت شروط منح الرخصة, وجب عليها إصدار قرارها, وإذا تخلف
أحد شروطها بعد منحها, أو خرج صاحبها في إستعماله للمال العام بمقتضاها عما
هو مخصص له وجب عليها إلغاؤها (3).
ب- الإستعمال الفردي غير العادي: ويتحقق ذلك بأن يستأثر بعض الأفراد
بإستعمال جزء من المال العام المخصص للإستعمال الجماعي أو المشترك إستعمالا
لا يختلف في نوعيته عن الإستعمال المخصص له أصلا, مما يؤدي إلى حرمان
الآخرين من إستعمال هذا الجزء من المال في الغرض المخصص له, وكمثال على
ذلك: إنفراد بعض الأفراد بإستعمال أجزاء من أرصفة الشوارع في وضع أكشاك
لبيع الصحف.
وتظهر موافقة الإدارة على الإستعمال الفردي غير العادي للمال العام إما في صورة ترخيص إداري وإما في صورة عقد بينها وبين المستعمل:
* الترخيص: يتم الترخيص بإستعمال المال العام إستعمالا فرديا غير عاديا
بقرار تصدره الإدارة بإرادتها المنفردة, وتتمتع في إصداره بسلطة تقديرية
حتى تتمكن من مراعاة المصلحة العامة المتصلة بالمال المراد الترخيص
بإستعماله.وللإدارة إلغاء ترخيص الإستعمال غير العادي في أي وقت إذا خالف
المرخص له شروط الترخيص, أو إقتضت المصلحة العامة في أي جانب من جوانبها
ذلك, ويعتبر المرخص له بإستعمال المال العام إستعمالا فرديا غير عادي في
مركز تنظيمي, لذلك فإنه يخضع في إستعماله لهذا المال لقواعد تنظيمية تكون
معدّة سلفا, ويجوز تعديلها بصرف النظر عن إرادته, كما أن مقابل الإستعمال
الذي يدفعه للإدارة لا يعد أجرا, لأنه ليس في مركز تعاقدي وإنما مجرّد رسم
تستطيع الإدارة تغيير قيمته بإرادتها المنفردة.أما في النوع السابق من
الإستعمال الذي يتم في صورة ترخيص, فإن الفرد يخضع للنظام القانوني
للقرارات الإدارية (4).
(1)- أنظر المادة 62/02 من القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990, المتضمن قانون الأملاك الوطنية.
(2)- الدكتور ماجد راغب الحلو, المرجع السابق, ص162.
(3)- الدكتور ماجد راغب الحلو, المرجع نفسه, ص163.
(4)- لمزيد من التفصيل حول القرارات الإدارية راجع:
- الدكتور عمار عوابدي, نظرية القرارات الإدارية بين علم الإدارة العامة
والقانون الإداري, المؤسسة الجزائرية للطباعة,الجزائر,1995,ص23 ما يليها.
- الدكتور نواف كنعان,إتخاذ القرارات الإدرارية بين النظية والتطبيق, دار
الكنانة للنشر والتوزيع, الطبعة الأولى, عمان 2003, ص73 وما بعدها.
- عبد العزيز عبد المنعم, القرارات الإدارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة, دار الفكر الجامعي, الإسكندرية 2007, ص15 وما بعدها.
* الـــعقد: رأينا في الإستعمال الخاص الذي يتم بمقتضى ترخيص, أن الإدارة
التي تمنح الترخيص بعد التأكد من توافر الشروط التي وضعتها لمنحه, إلا أنه
في الإستعمال الخاص الذي يتم بمقتضى عقد, نرى الإدارة والطرف الآخر
يتنافسان قبل إبرام العقد, وهذا العقد يكون عقدا إداريا ويختلف مركز
المتعاقد في هذا النوع من الإستعمال, فهو يخضع للنظام القانوني للعقود
الإدارية (1).
المطلب الثاني: طرق إكتساب المال العام
لإكتساب ملكية الأموال العامة طريقين رئيسيين, هما أحكام القانون العام
وأحكام القانون الخاص, فبالنسبة لأحكام القانون الخاص قد يكتسب الشخص العام
هذه الأموال عن طريق التبرع أو الشراء من الأفراد.
أما بالنسبة لطريق القانون العام فيشمل اكتساب هذه الأموال عن طريق التأميم
ونزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء وسنقصر حديثتا في معرض بحثنا هذا
على طرق اكتساب المال العام استنادا إلى أحكام القانون العام.
الفرع الأول: التأمــــيم
أولا: تعريـــفه
إختلف الفقهاء في تعريف التأميم, فعرّفه البعض بأنه: " عمل يهدف إلى تحقيق
المصلحة العامة عن طريق نقل ملكية منشأة أو مجموعة من المنشآت أو نشاط
إقتصادي معيّن بأكمله إلى القطاع العام, كوسيلة لتخليص تلك المنشآت من
الإدارة الرأسمالية ولإخضاع نشاطها لرقابة الدولة دون سواها, وذلك في مقابل
تعويض أصحابها تعويضا عادلا " (2).
وعرّفه آخرون بأنه: " نقل ملكية المنشآت الخاصة إلى الأمة لتحقيق المصلحة
العامة مع إحتفاظ هذه المنشآت بالشكل التجاري, وتنتهي بذلك حقوق المساهمين
الذين تستبدل أسهمهم بمستندات مديونية, تصدرها الدولة, وتعطي الحق في فائدة
ثابتة وتبني الشركة مع ذلك دون شركاء, ومجرّد هيكل قانوني " .
وعرفه فريق ثالث بأنه: " إستيلاء الدولة على ملكية المنشآت التي يملكها
أفراد أو شركات, وتحل بذلك الملكية العامة محل الملكية الخاصة مقابل تعويض
عن الأموال التي حصل الإستيلاء عليها " (3).
وبغض النظر عن التعريف الصحيح من بين هذه التعاريف, فالتأميم غرضه الأساسي
هو نزع وسائل الإنتاج من الملكية الخاصة أي الإستغلال الرأسمالي, وجعلها في
يد الدولة لإدارتها على النحو الذي يحقق المصلحة العامة.
ويعتبر التأميم من الوجهة القانونية البحتة, عملا من أعمال السيادة فهو
إجراء تقوم به الدولة بوصفها سلطة عامة وفي نطاق وظيفتها الحكومية, وهي
تستهدف سياستها العليا في التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
ونتيجة لإعتبار التأميم عملا من أعمال السيادة, فلا يجوز الطعن بالإلغاء في القرار الصادر به (4).
ولا يمكن إجراءه بقرارات أو إجراءات إدارية وإنما بمقتضى قوانين صادرة من
السلطة التشريعية, وهذا ما نصت عليه المادة 678 من القانون المدني: " لا
يجوز إصدار حكم التأميم إلا بنص قانوني...." .
(1)- لمزيد من التفصيل حول العقود الإدارية راجع:
- الدكتور ماجد راغب الحلو, المرجع السابق, ص 470 إلى غاية ص 513.
- محمد فؤاد عبد الباسط, العقد الإداري, المقومات, الإجراءات, الآثار,
الدار الجامعية الجديدة للنشر, الإسكندرية 2006, ص19 وما بعدها.
- الدكتور محمد خلف الجبوري, العقود الإدارية, مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع, الطبعة الثانية, عمان, 1998, ص13 وما بعدها.
الجزائر 1995, ص23 وما يليها.
(2)- الدكتور عبد العزيز السيد الجوهري, المرجع السابق, ص42.
(3)- محمد عبد الرحيم عنتر, الضوابط العلمية والقانونية للإدارة العامة في القطاع الحكومي والقطاع العام, الجزء الأول
الهيئة المصرية العامة للكتاب, مصر 1973, ص138.
(4)- الدكتور عبد العزيز السيد الجوهري, المرجع السابق, ص43.
ويختلف التأميم عن نزع الملكية للمنفعة العامة, ذلك أن نزع الملكية للمنفعة
العامة يكون عادة في نطاق ضيق, كما أن نزع الملكية يتعلق عادة بعقارات,
أما التأميم فيشمل جميع العناصر من عقارات ومنقولات وحقوق مادية ومعنوية,
ويختلف كذلك في الإجراءات المطبقة, ذلك أن قوانين نزع الملكية تمنح طرقا
للمعارضة في هذه الإجراءات, كما أن كثيرا منها عبارة عن إجراءات إدارية,
بينما يتم التأميم بناء على نص دستوري أو تشريعي في نطاق أعمال السيادة وهو
لا يخوّل عادة أي طريق للمعارضة.
ويختلف التأميم كذلك عن المصادرة, فالمصادرة تتم دون تعويض, كإجراء شخصي
يصدر من الجماعة, أما التأميم فلا بد له من التعويض, لأنه إجراء عام ولا
يهدف إلا للمصلحة العامة, ويختلف التأميم عن الإستيلاء الذي تلجأ إليه
السلطات في بعض الظروف الإستثنائية, إذ تظل ملكية الأموال المستولى عليها,
كما هي دون مساس أو تغيير بينما تنتقل الملكية في التأميم من الأفراد إلى
الدولة (1).
ولقد أخذ المشرع الجزائري بالتأميم في الفترة الإشتراكية بعد صدور دستور سنة 1976 (2).
ثانيا: أســــبابه.
للتأميم أسباب متعدّدة يمكن تفصيلها على الوجه التالي:
1- الأسباب الإقتصادية: قد تلجأ الدولة إلى التأميم لإبعاد الصناعات الهامة
والمشروعات الحيوية عن نفوذ الرأسمالية, فقد أصبح من غير المستساغ أن يقوم
فرد أو هيئة خاصة هدفها الرئيسي تحقيق الربح بإدارة مشروع هام أو مرفق
حيوي ولا سيما بعد أن صارت الدولة تتحمل وحدها المخاطر أمام إلتزامها
بإستمرار سير المرافق العامة وفقا لنظرية الظروف الطارئة.
بالإضافة إلى ذلك فإن سياسة الإقتصاد الموجه التي تنتهجها معظم الدول الآن,
تُحتّم أن يكون للدولة الرأي الحاسم في كل ما يتعلق بعملية الإنتاج القومي
من حيث الظروف والكمية والنوع, وهذا يقتضي تركيز الصناعات أو على الأقل
الأساسية منها في يد الدولة لتوجيهها وفقا لصالح مجموع الشعب.
2- الأسباب السياسية: للإعتبارات السياسية أثر كبير في الأخذ بسياسة
التأميم, وخاصة فيما يتعلق بالصناعات التي لها صلة بالنواحي العسكرية, إذ
تلجأ الدول عادة إلى تأميم هذه الصناعات حتى تجعلها دائما مستعدة لمختلف
الإحتمالات والطوارئ.
كما تلجأ الدول عادة إلى التأميم حين يكون المشروع مستغلا عن طريق رؤوس
الأموال الأجنبية, وذلك تفاديا لسيطرة هذه الأموال على أداة الحكم وتدخلها
في الشؤون الداخلية للدولة, وخاصة إذا كان أصحاب رؤوس الأموال من رعايا
دولة من الدول الكبرى, ولكن درجة إقدام الدولة على التأميم أو عدم إقدامها
عليه يعتمد على درجة إستقلالها وقوتها السياسية.
3- الأسباب الإجتماعية: يفضل العمال عادة أن تكون علاقتهم بالدولة علاقة
مباشرة ولا تكون بينهم وبين أصحاب رؤوس الأموال, وقد كان هذا هو السبب
الرئيسي في حدوث حركات التأميم التي تمت في دول أوروبا, فالعمال يمكنهم
الحصول على طلباتهم إذا ما وجهت للسلطة العامة بسهولة, أكثر مما إذا عملوا
لدى شركة خاصة ووسيلتهم عادة في الحصول على طلباتهم هو السلاح الإنتخابي
وهو سلاح أظهر تأثيره في الكثير من الدول.
4- الأسباب العقابية: وذلك مثلما حدث في التأميم الذي صدر بشأن مصانع "
رينو الفرنسية " حيث أخذ التأميم في بدء عهده شكل مصادرة, حيث تمت المصادرة
لأسباب سياسية في الدول الرأسمالية وأسباب إقتصادية في الدول الإشتراكية.
وقد حدث أن تم التأميم بالنسبة لحصص " لويس رينو " الذي تعاون مع الألمان
بعد إحتلالهم لفرنسا عام 1940, وكذلك تأميم بقية الأسهم الخاصة ببقية
الشركاء, وذلك بمقتضى القانون المؤرخ في: 19 كانون الثاني 1945, ومثلما حدث
أيضا بالنسبة للمصانع والمؤسسات التي أُمّمت وكانت مملوكة للرعايا الأعداء
(3).
(1)- محمد عبد الرحيم خير, المرجع السابق, ص140.
(2)- أنظر دستور سنة 1976.
(3)- الدكتور عبد العزيز السيد الجوهري, المرجع السابق, ص43. 44.
ثالثا: طرق التأميم.
يكون التأميم بإحدى الطرق الآتية:
أ- نقل المشروع المؤمم إلى الدولة: فتزول شخصيته الإعتبارية ويتخذ شكلا
قانونيا جديدا, قد يكون مؤسسة أو هيئة عامة أو شركة مساهمة عامة, وينطوي
تحت هذه الطريقة صورتان: صورة التصفية ويترتب على تأميم الشركة المصفاة
بحكم القانون إنشاء شخص معنوي جديد من أشخاص القانون العام, أو صورة
الإندماج, حيث يوجد الإندماج بطريق الضم, ويتم بإتفاق شركتين قائمتين على
أن تنضم إحداهما إلى الأخرى, والإندماج بطريق المزج, ويتم على طريق خلق
شركة جديدة تنصهر فيها الشركتان المندمجتان.
ب- إحتفاظ المشروع بكيانه كما كان قائما قبل التأميم: ويقتصر الأمر هنا
على نقل ملكية الأسهم إلى الدولة كلها أو بعضها, فتنتفع الدولة بما كان
ينتفع به المساهمون مع بقاء شخصية المشروع الإعتبارية قائمة ومع احتفاظ
الشركة بنظامها القانوني (1).
الفرع الثاني: نزع الملكية للمنفعة العامة.
أولا: تعريفها:
يقصد بنزع الملكية للمنفعة العامة ذلك الإجراء الذي من شأنه حرمان شخص من
ملكه العقاري جبرا عنه لتخصيصه لمنفعة عامة مقابل تعويض لما لحقه من ضرر.
يتضح من هذا التعريف أن نزع الملكية يحمل في طياته إعتداء خطير على الملكية
الخاصة, لا يُبرّره سوى إيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة مع
مراعاة هذه الأخيرة (2).
ثانيا: الخصائص العامة لنزع الملكية للمنفعة العامة.
إن لنزع الملكية للمنفعة العامة طابعا إستثنائيا صرفا, حرصت الدساتير
الجزائرية على إيضاحه, فالمادة 20 من دستور سنة 1989 ودستور سنة 1996 تقرر
أنه :" لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون, ويترتب عليه تعويض قبلي
عادل ومنصف ".
وينظم نزع الملكية للمنفعة العامة بصفته أسلوبا إستثنائيا لكسب الملكية
العامة, القانون رقم 91/11 المؤرخ في 27 أفريل 1991 المتعلق بنزع الملكية
للمنفعة العامة.
ولنزع الملكية للمنفعة العامة الخصائص التالية:
أ- أن نزع الملكية للمنفعة العامة لا يرد على عقار مادي مملوك للأفراد,
فتأسيسا على ذلك لا يقع نزع الملكية على المنقولات أو الحقوق العينية
التبعية, وإن كان العقار المنزوع ملكيته سيتطهر منها إذا كان محملا بها
كأثر من آثار نزع ملكيتها.
ب- إن نزع الملكية للمنفعة العامة من إختصاص السلطة الإدارية, وإن كان من
الجائز أن يكون المستفيد من القرار شخصا خاصا يدير مرفقا عاما بناء على عقد
إلتزام أبرمه مع الإدارة أو شخص خاص يمارس نشاطا ذا نفع عام لا تتوافر فيه
صفة المرفق العام.
ت- وأخيرا لا نزع للملكية بلا تعويض عادل وهو أمر تفوضه ضرورة التوفيق بين
المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للأفراد المنزوعة ملكيتهم. وهو في نفس
الوقت تطبيق سليم لمبدأ المساواة بين الأفراد إزاء الأعباء العامة(3).
ثالثا: إجراءات نزع الملكية:
تنحصر إجراءات نزع الملكية في الجمهورية الجزائرية وفقا لنصوص القانون المتعلق بنزع الملكية في الإجراءات التالية (4):
(1)- الدكتور عبد الرزاق السنهوري, الوسيط في شرح القانون المدني, حق الملكية, منشورات الحلبي للحقوق, بيروت, لبنان, 1997, ص627.
(2)- الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب, الدكتور حسين عثمان محمد عثمان, المرجع السابق, ص 451.
(3)- الدكتور ماجد راغب الحلو, المرجع السابق, ص 533.
(4)- أنظر المادتين 03 و 29 من القانون رقم 91/11 المؤرخ في 27/04/1991, المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة.
1- الإعلان عن المنفعة العامة: يشمل هذا الإجراء إجراءين هما:تحقيق المنفعة العامة والإعلان عن المنفعة العامة.
أ- تحقيق المنفعة العامة: هو إجراء بمقتضاه نتأكد من مدى توفر ركن المنفعة
العامة للمشروع المزمع تحقيقه على العقار المراد نزعه, ويفتح التحقيق بقرار
الوالي المختص إقليميا والذي يعين في الوقت نفسه لجنة التحقيق.
ب- قرار الإعلان عن المنفعة العامة: بعد تأكيد لجنة التحقيق على المنفعة
العامة للمشروع, يعلن عن ذلك إما بقرار وزاري مشترك (الوزير المعني, وزير
الداخلية والجماعات المحلية, وزير المالية) في حالة كون الأملاك موضوع نزع
الملكية تقع في إقليم أكثر من ولاية, وإما بقرار الوالي عندما يكون الملك
المراد نزعه واقعا في إقليم ولاية واحدة (1).
وهذا القرار يجب أن يتضمن البيانات التالية تحت طائلة البطلان:
الهدف من نزع الملكية.
موقع العقار ومساحته.
حصيلة الأشغال التي سيشرع فيها.
تقدير النفقات التي تغطي عملية نزع الملكية.
أجل تحقيق نزع الملكية.
وينتج عن إعلان المنفعة العامة الآثار الآتية:
1- بمجرد إعلان المنفعة العامة, فإن نزع الملكية يصبح ممكنا, بمعنى أن هذا
الإعلان يتبع للإدارة المضي في السير في هذه الإجراءات, ولكن إستكمال هذه
الإجراءات ليس أمرا إلزاميا على الإدارة, فلها حق إلغاء الإعلان.
2- هذا الإعلان لا يقيد الملاّك في إستعمال أملاكهم, وبالتالي فإنهم يستطيعون إستعمال ملكيتهم وإدارتها بالرغم من صدوره.
3- إعلان المنفعة العامة لا يطبق كقاعدة , إلا على تلك الأعمال التي عينت
ضمنيا, وفي هذا الصدد توسع القضاء, فقد قررت بعض الأحكام القضائية بأن
إعلان المنفعة العامة يمكن تطبيقه على أعمال لم تعين ضمنيا, وذلك بشرط أن
تكون نتيجة مباشرة للعمل الرئيسي الذي رخّص به أو تكون ضرورية له.
ولكن إذا رغبت الإدارة في إجراء تحسينات لأعمال تكون قد إنتهت فعلا, يجب عليها إصدار إعلان جديد بالمنفعة العامة (2).
وبعد إعداد القرار يجب أيضا الشروع فيما يأتي:
- نشر القرار في الجريدة الرسمية (إذا كان قرارا وزاريا مشتركا) أو في
مجموعة القرارات الإدارية للولاية (إذا كان القرار صادر عن الوالي).
- تبليغ القرار للمخاطب بنزع ملكيته حتى ولو كانت العملية تهم الدفاع الوطني.
- تعليق القرار في مقر البلدية موقع العقار لمدة شهر.
وإذا تحققت في القرار البيانات الإلزامية, كان لكل ذي مصلحة الحق في أن
يرفع دعواه أمام القضاء الإداري في أجل شهر من تاريخ تبليغ القرار أو نشره,
في هذه الحالة يوقف تنفيذ القرار محل النزاع إلى غاية الفصل في الموضوع
نهائيا, على أن الجهة القضائية المرفوع أمامها النزاع ملزمة بالنطق بالحكم
في أجل شهر إعتبارا من تاريخ رفع الدعوى, والحكم الصادر عن الجهة القضائية
يعتبر حضوريا تجاه كل شخص حتى ولو لم يكن طرفا في الخصومة (3).
(1)- أعمر يحياوي, المرجع السابق, ص 82.
(2)- الدكتور عبد العزيز سعد الجوهري, المرجع السابق, ص59.
(3)- أعمر يحياوي, المرجع السابق, ص 84.
2- تعيين الحقوق العقارية وتشخيص أصحابها:
خلال 15 يوما التالية لنشر قرار الإعلان عن المنفعة العامة, يعين الوالي
خبيرا عقاريا معتمد للقيام بالتحقيق حول الأملاك المراد نزعها وبيان
ملاكها, ويجب أن يتضمن قرار التعيين تحت طائلة البطلان البيانات التالية:
- إسم ولقب وصفة المحقق.
- المقر, الأيام وساعات العمل لإيداع الإحتجاجات.
- تاريخ بداية ونهاية التحقيق.
ولتحديد ملاك العقارات موضوع التحقيق يقوم المحقق بفحص عقود ومستندات
الملكية, وفي حالة عدم وجود هذه الوثائق تثبت حقوق الملكية على العقارات
المعنية (1).
3- تقرير تقويم العقارات:
بعد إعداد الخبير العقاري مخطط القطعة المزمع نزع ملكيتها, يُحيل الوالي
ملف نزع الملكية إلى إدارة أملاك الدولة قصد تقويم الأملاك موضوع نزع
الملكية.
4- قرار التنازل عن الأملاك والحقوق موضوع نزع الملكية:
بناء على تقرير التقويم الذي تُعدّه إدارة أملاك الدولة, يصدر الوالي
المختص إقليميا قرار التنازل الذي يتضمن لزوما البيانات التالية وإلا حق
الطعن فيه بالإلغاء:
- قائمة العقارات والحقوق العينية المراد نزع ملكيتها.
- هوية الملاك أو أصحاب الحقوق.
- مقدار التعويض وطريقة حسابه.
ويبلغ هذا القرار لكل مخاطب بنزع الملكية مع تعويضه (2).
5- قرار نزع الملكية:
يمكن للوالي إتخاذ هذا القرار في إحدى الأحوال التالية:
- إذا إنقضى ميعاد الطعن في قرار التنازل.
- إذا لم يعترض المخاطب بنزع الملكية وسحب المبلغ المودع في الخزينة.
- إذا أصدر قرار نهائي من الجهة القضائية لصالح الهيئة القائمة بنزع الملكية.
ويترتب على قرار نزع الملكية الآثار الآتية:
- يجيز هذا القرار للجهة التي أصدرت قرار نزع الملكية حيازة العقار بشرط أن
تكون هذه الجهة قد راعت الأحكام المتعلقة بالإشهار العقاري والتعويض.
- يزيل قرار نزع الملكية من ذاته وفي تاريخ نشره جميع الحقوق العينية أو الشخصية الموجودة على العقارات التي نُزعت ملكيتها.
- تنتقل حقوق الدائنين المسجلة طبقا للقانون, على العقارات المنزوع ملكيتها إلى التعويض.
- جميع دعاوى الفسخ والإستحقاق وجميع الدعـاوى الخاصـة بالحقوق العينية لا توقف نزع ملكية العقار (3).
وبعد إصدار قرار نزع الملكية, يتعيّن على الإدارة أن تُبلغه للمخاطب بنزع
الملكية والمستفيد منه, علاوة على نشره في مجموعة العقود الإدارية للولاية.
بالموازاة مع ذلك, يُسجل قرار نزع الملكية مجانا ويشهر في المحافظة
العقارية, وحينئذ يجب على المنزوع ملكيتهم إخلاء الأماكن وإلا طُبّقت ضدهم
إجراءات التنفيذ الجبري.
(1)- أعمر يحياوي, المرجع السابق, ص 84.
(2)- أعمر يحياوي, المرجع نفسه, ص 110.
(3)- الدكتور عبد العزيز سعد الجوهري, المرجع السابق, ص60.
أما عن تعويض المنزوع له ملكيته, فالأصل أن يتم التعويض بالإتفاق مع
المنزوع له, إلا أنه ومتى وقع خلاف في مبلغ التعويض يحدد المبلغ بحكم قضائي
(1).
الفرع الثالث: الإستيلاء
أولا: تعريفه
هو إجراء مؤقت بطبيعته, بمعنى أنه يرخص للإدارة أن تستولي على المال لمدة
مؤقتة, بحيث تبقى ملكية المال لصاحبه طيلة وقت إستيلاء الإدارة عليه, وذلك
بقصد الحصول على خدمات أو أموال عقارية أو منقولة لضمان إستمرارية المرافق
العامة وذلك في حالات تقتضيها الظروف الإستثنائية أو الإستعجال (2).
ويعتبر الإستيلاء إجراء من أخطر الأساليب التي تقوم بها الإدارة للحصول على
إحتياجاتها, لأنه يشكل إعتداء على الملكية الخاصة التي تخرج بطبيعتها عن
مجال القانون العام, حيث لا يجوز للإدارة المساس بها ما لم يسمح لها المشرع
بذلك وبشروط محدّدة.
ثانيا: شروط الإستيلاء.
1- وجود نص قانوني يجيزه: يجب أن ينص المشرع على حق السلطة الإدارية في
الإستيلاء على الأموال الخاصة, وأن ينظم إجراءات الإستيلاء بما يكفل
الضمانات والحقوق للأفراد الذين تستولي الإدارة على أموالهم, ومن ثم فإن
هذا الإجراء لا يجب أن يترك للإدارة ممارسته دون نص في القانون, لأنه يعتبر
إجراء من أخطر الإجراءات على الملكيات الخاصة, ولذلك حرص المشرع الجزائري
على تنظيم الإستيلاء في المواد من المادة 679 إلى غاية المادة 681 مكرر3 من
القانون المدني .
2- حالة الضرورة: يجب أن تكون هناك ضرورة تضطر الإدارة إلى اللجوء إلى
الإستيلاء, وتقوم حالة الضرورة إذا إمتنع الأفراد على الإمتثال لأوامر
السلطة, ولم يكن أمام هذه السلطة من سبيل غير الإستيلاء للحصول على ما
يلزمها من أموال وأيضا في حالة ما إذا كانت ثمة أضرار بليغة تنجم بسبب عدم
التنفيذ.
3- التعويض: يجب أن تعوض الإدارة الأفراد المستولى على أموالهم, نتيجة
للأضرار التي لحقت بهم بسبب هذا الإستيلاء, وقد يحدد مبلغ التعويض إما
بالإتفاق أو بمعرفة القاضي إذا تعذر التوصل إلى إتفاق (3).
4- تحقيق الصالح العام: يجب أن يكون الهدف من الإستيلاء تحقيق الصالح
العام, وقد حظرت المادة رقم: 679 من القانون المدني الجزائري الإستيلاء على
المحلات المخصّصة للسكن فعلا, حتى ولو كان هذا الإستيلاء محققا للصالح
العام.
5- القاعدة أن الإستيلاء لا يجوز إلا بمقتضى قرار وزاري, ولكن يجوز للوزير
أن يفوض هذه السلطة لغيره من المواطنين, أما في الجزائر فسلطة الإستيلاء
يملكها الوالي (4).
(1)- أنظر المادة 677 من القانون المدني الجزائري.
(2)- أعمر يحياوي, المرجع السابق, ص77.
(3)- أنظر المادة 681 مكرر2 من القانون المدني الجزائري.
(4)- أنظر المادة رقم: 680 من القانون المدني.
الفصل الثاني: وسائل وآليات حماية المال العام.
المال العام هو ملك المجتمع, وهو أكثر الأموال التي تتعرض للإعتداءات, لذلك
نجد أن غالبية التشريعات أعطت أوجها عديدة لحماية المال العام سواء كانت
حماية مدنية أو حماية جنائية, بالإضافة إلى ذلك نجد أن الشريعة الإسلامية
حرّمت كل صور الإعتداء على المال العام, لذلك سنخصص هذا الفصل إلى المنهج
الإسلامي المتّبع في حماية المال العام, وكذلك الحماية القانونية له سواء
كانت مدنية أو جنائية.
المبحث الأول: المنهج الإسلامي لحماية المال العام.
لقد تضمن التشريع الإسلامي الوسائل والتنظيم والأجهزة الكفيلة بحماية المال
العام من الاعتداء, والتي إذا ما طبقت تطبيقا سليما ومتكاملا, حققت
الحماية الكاملة للمال العام.
المطلب الأول: دور القيم والتفقه في حماية المال العام
لقد ركز المنهج الإسلامي في حماية المال العام على القيم الإيمانية
والأخلاق الحسنة والسلوك المستقيم, وفق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية,
كما أوجب الإسلام على كل مسلم أن يتفقه في مجال عمله.
الفرع الأول: دور القيم والأخلاق في حماية المال العام.
للقيم والأخلاق والتربية دور هام, على إعتبار أنها تمثل القاعدة القوية
لحماية المال بصفة عامة والمال العام بصفة خاصة من الإعتداءات, وقد نبّه
الدكتور محمد عبد الحليم عمرو مدير مركز صالح كامل للإقتصاد الإسلامي
بجامعة الأزهر, إلى أن الشريعة الإسلامية في سبيل حماية المال العام, وضع
عدة ضوابط للتعاملات المالية أهمها: التركيز على الإنسان وتربيته تربية
إسلامية لخلق الرقابة الذاتية التي تجعله لا يعتدي على أموال غيره وخاصة
الأموال العامة, لأن الضرر فيها يقع على المجتمع بأسره (1).
فكلما ضعفت القيم أصبح من السهل أن يستخدم الإنسان الحيل والأساليب,
للإعتداء على المال العام, وتأسيسا على ذلك يجب على ولي الأمر أن يأخذ في
الحسبان عند إختيار العاملين على المال العام أن تتوافر فيهم القيم
الإيمانية (2).
بالإضافة إلى ذلك هناك ضرورة الإلتزام بالقيم الأخلاقية, مثل الإخلاص والصدق والأمانة والخوف من الله سبحانه وتعالى.
ومن أهم القيم التي توجه الشخص للمحافظة على المال العام مايلي:
1- الاهتمام بالتربية الإيمانية (الروحية) والأخلاقية والسلوكية.
2- توجيه كافة أجهزة الإعلام إلى نشر الفضيلة وتجنب الرذيلة وبث البرامج التي تقوي القيم والأخلاق.
3- أن يعتقد بأن المجتمع المسلم كالجسد الواحد, فكل إعتداء على عضو يؤثر
على سائر الأعضاء الأخرى, والإعتداء على المال العام يؤثر سلبا على كل
المؤسسات التي تشرف عليها الدولة خدمة لأفراد المجتمع جميعا.
إن هذه المنظومة النابعة من قيم العقيدة الإسلامية كفيلة بتربية الإنسان
الصالح, بل إن سيطرة الفلسفات المادية في كثير من المجتمعات المعاصرة, وضعت
الوازع الديني وهي التي تقف وراء الإعتداء على المال العام سواء عن طريق
الرشاوي أو الإختلاسات...., ويعجز كل مجتمع من المجتمعات المعاصرة عن تعيين
مراقبين أو رجال شرطة لمراقبة المواطنين جميعا, وحتى لو نجح مجتمع في ذلك
فلن ينجح في تعيين مراقبين لمراقبة المراقبين, وهذا يجعل الرجوع إلى
العقيدة الصحيحة مفتاح الحل الأمثل لهذه المشكلة (3).
وتأسيسا على ذلك يجب عند إختيار العاملين على المال العام أن يراعى فيهم
توفر القيم الأخلاقية السابقة حتى لا يضعفوا أمام الإغراءات وضغوط توفير
الحاجات الأساسية للحياة, فتزلّ أقدامهم نحو الإعتداء على المال العام (4).
(1)- أنظر الموقع الالكتروني: http://www.islamonline.net/iol/dowab...bic2000.org.29
(2)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص71.
(3)- أنظر الموقع الالكتروني:www.universiterissala.maktoobblogcom
(4)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص73.
وفي إطار ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, ومن أقوال
الفقهاء, يمكن إستنباط الشروط الواجب توافرها في العاملين على المال العام,
وسنجملها على النحو الآتي:
1- أن يكون العامل على المال العام في أي موضع صالحا تقيا, يخشى الله
سبحانه وتعالى, ويستشعر رقابته له في الحياة الدنيا, ويؤمن بمحاسبته له في
الآخرة وهذه الخصال تحقق المراقبة الذاتية وتقلل من الإنحرافات والإعتداءات
على المال العام.
2- أن يكون العامل على المال العام أمينا عليه.
3- أن يخلص العامل على المال العام في العمل ويستشعر بأن ذلك عبادة وطاعة لله, فهذه الخصال تحافظ على المال العام.
4- إتقان العامل على المال العام العمل ويُحسنه, وهذا يحقق المحافظة عليه من الإعتداءات.
5- أن يكون العامل على المال العام متعاونا ومتضامنا مع الآخرين في المحافظة عليه وحمايته من كل صور الإعتداء عليه.
6- أن يكون العامل على المال العام حريصا عليه مثل حرصه على ماله الخاص.
7- أن يكون العامل على المال العام ذو حكمة وبصيرة وقدرة وقوة على
الإستخدام الرشيد للمال, بدون إسراف وهذا يحمي المال العام من الضياع أو
الإنفاق في غير موضعه.
8- أن يتعامل العامل على المال العام مع الناس بالحسنى وتسهيل أمورهم
للحصول على حقوقهم أو أداء ما عليهم من حقوق, ويحقق الإلتزام بهذه الخصال
معالجة قضية الرشوة في المعاملات المالية, بصفة عامة والتعامل في المال
العام بصفة خاصة (1).
الفرع الثاني: دور التفقّه في شرع الله في حماية المال العام.
أمرنا الله عز وجل بالتفقه في ديننا, فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا
رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " (2).
وفي هذا الخصوص يقول إبن القيم الجوزية: " إن العلم مفروض تعلمه ما هو فرض
عين لا يسع مسلما جهله وهو أنواع, منها العلم بأحكام المعاشرة والمعاملة
التي تحصل بينه وبين الناس خصوصا وعموما, والواجب من هذا النوع يختلف
بإختلاف أحوال الناس, فليس الواجب على الإمام مع رعيّته كالواجب مع أهله
وجيرانه وليس الواجب على من نصّب نفسه للتجارة كالواجب على من لا يبيع ولا
يشتري إلا ما تدعو إليه الحاجة وعلى ذلك فإن القدر الواجب تعلمه من أحكام
الشريعة للمعاملات التي تقع بين الفرد وغيره, يتسع ويضيق حسب الأحوال
والموجبات الخاصة " (3).
وبالتالي يجب على العاملين على شؤون المال العام أن يعرفوا فقه جبايته وصرفه والمحافظة عليه.
وفي هذا الخصوص يجب على ولي الأمر والمسؤولين في كافة مواقع المال العام أن
يُفقّهوا الموظفين والعاملين بفقه المال العام, وبيان أنواع العقوبات لمن
يعتدي عليه, فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, ويكون ذلك من خلال صياغة
فقه المعاملات في صورة تقنين مرفق به لائحة تنفيذية توضح التفاصيل على
منوال اللوائح والنظم المالية, ووضع نظم المراقبة والمحاسبة (4).
المطلب الثاني: دور أجهزة الدولة في حماية المال العام
لقد لعبت الأجهزة الحكومية والنيابية والشعبية دورا كبيرا في حماية المال العام على النحو الذي سنفصله فيما يأتي:
(1)- الدكتور حسن حسين شحاتة, المرجع السابق, ص75.
(2)- الآية 122 من سورة التوبة.
(3)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص78.
(4)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع نفسه, ص79.
الفرع الأول: دور الأجهزة السياسية في حماية المال العام
كان الحكام المسلمون يولون حماية الأموال العامة الإهتمام الكبير, ففي صدر
الدولة الإسلامية أُنشئت العديد من الأجهزة ووضعت لها القواعد والأسس
الدقيقة بهدف الرقابة على الموارد والنفقات العامة, وكذا حفظ وتداول المال
العام.
ومن أهم هذه الأجهزة: نظام الحسبة وجهاز ديوان البريد, وجهاز النظر في المظالم.
ونركز في هذا المقام على نظام الحسبة بإعتباره أكثر تلك الأجهزة إهتماما
بحماية المال العام, ويعتمد هذا النظام على مبدأ قاعدة " الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر " .
ويرى الإمام الغزالي :" أن الحسبة هي القطب الأعظم في الدين, وهي المهمة
التي بعث الله بها النبيين أجمعين, فلو أهمل عملها لتعطّلت النبوّة
وأضمحلّت الديانة, وإنتشر الفساد ......"
ويماثل نظام الحسبة في الوقت المعاصر:
- الجهاز المركزي للحسابات في الرقابة على الأموال.
- نظام تفتيش التموين في الرقابة على الأسواق والمعاملات.
- نظام الرقابة المالية على صحة الحسابات...(1).
الفرع الثاني: دور الأجهزة النيابية في حماية المال العام
من بين المهام المنوطة بالأجهزة النيابية متابعة ومراقبة الأجهزة الحكومية,
وتقديم النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أنها تقوم بدور هام في
مراجعة الحاكم وأجهزته المختلفة, ويدخل في نطاق ذلك مراقبة وحماية المال
العام وحسن توجيهه إلى ما فيه مصلحة للمسلمين دون أن يستأثر أحد به.
وكان من بين الأجهزة النيابية المعروفة في صدر الدولة الإسلامية:
أهل الحل والعقد ومجلس الشورى, ولقد أدت أجهزة الشورى دورا هاما في حماية
المال العام, والنموذج الذي سجّله التاريخ لعمر بن الخطاب عندما وقف على
المنبر يخطب في الناس ويقول لهم: " إسمعوا وأطيعوا " فقام رجل وقال: لا سمع
ولا طاعة يا عمر, فسأله عمر لماذا؟ فقال له: وزعت على كل فرد قطعة من
القماش الواردة من اليمن, ليصنع منها حُلّة وهي لا تكفي لمثلك ولعلك أخذت
قطعتين, فنظر عمر إلى إبنه عبد الله ليجيب فقال عبد الله: إن أبي طويل
القامة ولا يكفيه قطعة القماش فأعطيته قطعتي, فقال الرجل: الآن نسمع ونطيع
يا عمر.
ويؤخذ من هذا النموذج درس لأولياء الأمور وكيفية التصرف في الأموال العامة (2).
الفرع الثالث: دور الأجهزة الشعبية في حماية المال العام.
من أهم الأجهزة الشعبية التي كانت موجودة في صدر الدولة الإسلامية وما زال
لها وجود, جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ويدخل في نطـاق عملهـا
حمايـة المـال العام ودليلها من الكتاب قوله تبارك وتعـالى :" ولتكن منكم
أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هو
المفلحون " (3).
ولقد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال
منها: قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم
يستطع بلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.
(1)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص86.
(2)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع نفسه, ص91.
(3)- الآية 104 من سورة آل عمران.
وتطبيق ذلك في حماية المال العام له صور شتى نذكر منها:
- النهي عن إتلاف المال العام.
- النهي عن إنفاق المال العام في غير منفعة.
- النهي عن إستخدام المال العام وتسخيره للأغراض الشخصية.
- النهي عن قبول الهدايا.
ولو طبق كل مسلم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لتحققت الحماية الفعلية للمال العام (1).
المبحث الثاني: الحماية القانونية للمال العام:
يترتب على إكتساب المال صفة العمومية أن يكفل له المشرع الحماية الواجبة,
والسبب في ذلك أن هذا المال مخصص للمنفعة العامة, فهو يهدف إلى تحقيق النفع
العام ولا يهدف إلى نفع الفرد أو عدد من الأفراد بذواتهم, كما أنه بدون
هذه الحماية التشريعية للمال العام, ستتعرض المرافق العامة للتعطيل وتضعف
قدرتها على آداء الخدمات العامة, ولذلك إرتأينا أن نبيّن الحماية التي
قرّرها المشرع الجزائري للأموال العامة, وذلك في مطلبين الأول: سنخصصه
للحماية المدنية أما الثاني: فسنخصصه للحماية الجنائية.
مع العلم أن المشرع الجزائري لم يكتفي بتقرير الحماية المدنية والحماية
الجنائية للمال العام في التقنين المدني والجنائي, وإنما حرص على وضع نصوص
دستورية تفرض على المواطنين واجب إحترام الملكية العامة وحمايتها, حيث جاء
في نص المادة 63 من دستور 1989, التي تقابلها المادة 66 من دستور 1996 على
أنه " يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة ومصالح المجموعة الوطنية.."
.
ونص في المادة 74/2 من دستور 1976 أنه " على كل مواطن أن يحمي بعمله وسلوكه الملكية العمومية ومصالح المجموعة الوطنية " .
غير أن هذه النصوص الدستورية وإن كانت قد أكدت على حماية المال العام, إلا
أنها لم توضح وسائل أو صور هذه الحماية وربما يعود السبب في ذلك إلى كون
الدستور مهمته وضع المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة ومهمة تفصيل هذه
المبادئ تعون للقانون.
المطلب الأول: الحماية المدنية للمال العام
يتميز النظام القانوني للأموال العامة بقواعد الحماية المقررة لصالح هذه
الأموال, التي لا يوجد مثيل لها بالنسبة للأموال الفردية الخاصة, وتؤسس
حماية الأموال العامة على مبدأ جوهري يتبلور في أهمية الحفاظ على تخصيص
عناصر هذه الأموال, لأهداف النفع العام لأطول مدة ممكنة وسد كل الثغرات
التي قد تؤدي إلى عرقلة أوجه التخصيص, وتتمثل أوجه الحماية المدنية للمال
العام في قاعدة عدم جواز التصرف في الأموال العامة و عدم جواز تملك المال
العام بالتقادم, وعدم جواز الحجز على الأموال العامة (2).
ولقد نصت غالبية التشريعات على هذه القواعد لإضفاء الحماية المدنية على
المال العام ومنها المشرع الجزائري الذي نص عليها في القانون المدني (3).
الفرع الأول: قاعدة عدم جواز التصرف في الأموال العامة.
ما دام المال العام مخصص للمنفعة العامة, فلا يجوز للإدارة التي تملك هذا
المال أن تتصرف فيه بما يتعارض مع النفع العام, سواء كان هذا التصرف بمقابل
كالبيع أو بدون مقابل كالهبة والوقف, بمعنى ضرورة إخراج المال العام عن
دائرة التعامل القانوني (4).
(1)- الدكتور حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص92.
(2)- الدكتور خليل الظاهر, القانون الإداري, دراسة مقارنة, الكتاب الثاني , دار الميسرة, عمان 1997, ص320.
(3)- أنظر المادة 689 من القانون المدني.
(4)-الدكتور نواف كنعان, القانون الإداري, دار الثقافة, عمان 2003, ص 398.
أولا: أساس قاعدة عدم جواز التصرف في الأموال العامة.
تعددت وجهات النظر الفقهية حول أساس قيام أو وجود قاعدة عدم جواز التصرف في
الأموال العامة وارتبط ذلك باختلاف النظريات الفقهية في أسباب ومعايير
التمييز بين الأموال العامة والخاصة, ولقد إتجه الفقه المعاصر إلى ربط أساس
القاعدة بفكرة تخصيص الأموال العامة وإعتبرها أحد نتائج التخصيص وأهم
ضمانات إستمراره.
وبالتالي حتى يستمر تخصيص المال العام لتحقيق أهداف النفع العام, لا بد من
أن يبقى في حيازة الشخص الإداري وتحت سيطرته وهو الأمر الذي يستوجب منعه من
إجراء أي تصرف يؤدي إلى خروج المال العام من حيازته, وتعريض تخصيصه للخطر.
ثانيا: مضمون ومجال تطبيق قاعدة عدم جواز التصرف في الأموال العامة.
يؤدي إرتباط قاعدة عدم جواز التصرف بفكرة تخصيص المال إلى أنها تتراوح
وجودا وعدما مع بقاء أو إنقضاء تخصيص المال, وهو الأمر الذي يعطي لمضمون
هذه القاعدة ومجال تطبيقها مدى نسبي, فطالما بقي تخصيص المال , فقد الشخص
الإداري قدرته على التصرف فيه، ولا يستعيد هذه السلطة إلا بعد إنهاء تخصيص
المال وتجريده من صفته العامة, وتحويله إلى مال خاص (1).
وبمقتضى إرتباط هذه القاعدة بالتخصيص, فتطبيقها منصب أساسا على عناصر
الأموال العامة, بينما يخرج عن تطبيقها كقاعدة عامة عناصر أموال الدولة
الخاصة, وإذا كان مدى القاعدة مرتبط بتخصيص المال, فإنه أيضا إرتباط بإرادة
المشرع الذي يملك وقف تطبيق القاعدة على بعض الأموال, الأمر الذي لا يعطي
لهذه القاعدة إلا قيمة تشريعية فقط, ونجد ذلك في نص المادة 688 من القانون
المدني, حيث إعتبر المشرع الجزائري أمـوالا للدولـة العقارات والمنقولات
التي تخصص بالفعل أو بمقتضى نص قانوني لمصلحـة عامـة (2).
بمعنى أن إرادة المشرع هي المخولة بجعل الأموال العامة مخصصة لمصلحة عامة, إذا لم تكن مخصصة بالفعل.
ونخلص إلى أن مضمون هذه القاعدة يتحدد في منع كافة التصرفات الناقلة
للملكية, بينما التصرفات التي لا تتعارض مع تخصيص المال للنفع العام, فهي
جائزة ومثال ذلك تقرير حقوق الارتفاق، وهذا ما نصت عليه المادة 867 من
القانون المدني التي جعلت الإرتفاق حق يجعل حق المنفعة عقار لفائدة عقار
آخر لشخص آخر, ويجوز أن يترتب الإرتفاق على مال إذا كان لا يتعارض مع
الإستعمال الذي خصص له هذا المال (3).
ثالثا: النتائج المترتبة على قاعدة عدم جواز التصرف في المال العام.
يترتب على تطبيق هذه القاعدة النتائج الآتية:
1- تقع باطلة كافة التصرفات المدنية التي ترد عليه ويكون من شأنها نقل ملكيته أو ترتيب أي حق عيني عليه, يتعارض وتخصيصه للنفع العام.
2- لسلطة الإدارة إجراء التصرفات الإدارية المناسبة على المال العام, فلها إجراء المبادلات التي
ينتقل بها المال العام لأحد الأشخاص الإدارية الأخرى, وكذلك التصرفات الأخرى التي تتفق مع
طبيعة المـال العام, إذ ليس من شأنهـا أن تعرقل الانتفاع به كعقـود الامتياز الخاصة بمرفق
عـام (4).
(1)- الدكتور نواف كنعان,المرجع السابق, ص398
(2)- أنظر المادة 688 من القانون المدني.
(3)- أنظر المادة 687 من القانون المدني.
(4)- الدكتور نواف كنعان,المرجع السابق, ص398
الفرع الثاني: قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة.
وتعتبر هذه القاعدة مكملة لقاعدة عدم جواز التصرف في الأموال العامة, فمتى
تقرر أنه لا يجوز التصرف في المال العام بما يتعارض مع تخصيصه للنفع العام,
وجب القول كذلك أنه لا يجوز الحجز على الأموال العامة وإتخاذ طرق التنفيذ
الجبري ضدها (1).
أولا: أساس قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة.
تؤسس قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة على مبدأ منطقي مقتضاه, أن
إتباع سبيل التنفيذ الجبري ضد الأشخاص العامة سيكون غير مفيد للدائن
ومتعارض مع المصلحة العامة.
فهو غير مفيد للدائن نظرا لأن الدولة لا يتصور إعسارها, وتستطيع في كل وقت
الوفاء بما عليها من إلتزامات دون ما حاجة إلى إجبارها بطرق التنفيذ
الجبرية, كما أنه يعد مساسا بالمصلحة العامة لأننا لو تصورنا إمكانية
التنفيذ الجبري على الأموال العامة التي تلعب دورا هاما في تشغيل المرافق
العامة الأساسية وإخراجها من نطاق تخصيصها لأوجه النفع العام, لأدى ذلك
بالضرورة إلى إلحاق ضرر مؤكد بالمصلحة العامة في سبيل تحقيق مصلحة خاصة
للدائن, لا توازيها في الأهمية والخطورة .
ثانيا: مضمون ومجال تطبيق قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة.
يتمثل مضمون القاعدة في حظر اتخاذ أي إجراء من إجراءات الحجز التنفيذي من
قبل الأفراد على الأموال العامة, كوسيلة لإجبار الإدارة على الوفاء بديونها
الثابتة لمصلحة الأفراد.
ويمتد مفهوم الحجز ليشمل كافة صور التنفيذ الجبرية المعروفة في القانون
المدني, ويرتبط تطبيق القاعدة ببقاء تخصيص الأموال للمنفعة العامة,
وإحتفاظها بصفتها العامة, ويوقف سريانها على الأموال التي تجرد من تخصيصها
وتخرج من نطاق الأموال العامة، ويشمل نطاق تطبيق القاعدة جميع عناصر
الأموال العامة بمختلف صورها ومهما تباينت أوجه تخصيصها للمنافع العامة
(2).
ثالثا: نتائج تطبيق قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة.
1- يترتب على تطبيق القاعدة عدم قبول طلبات الحجز التي يقدمها الأفراد, ويكون موضوعها أحد عناصر الأموال العامة.
2- لا يجوز ترتيب حقـوق عينية تبعيـة لضمـان الوفاء بالديون التي تقرر لصالح أحد الأفراد على الإدارة (3).
الفرع الثالث: قاعدة عدم جواز تملك الأموال العامة بالتقادم.
وتعتبر هذه القاعدة كذلك من النتائج المباشرة لقاعدة عدم جواز التصرف في الأموال العامة.
أولا: مضمون قاعدة عدم جواز تملك الأموال العامة بالتقادم.
يتبلور المضمون الأساسي لهذه القاعدة في منع تعديلات الأفراد على أجزاء من
عناصر الأموال العامة, والتي تؤدي إلى منع الجماهير من إستعمالها في
الأغراض المخصصة لها, مما يشكل إيقافا فعليا لتخصيص الأموال العامة, وهي
تستهدف بصورة جوهرية منع الأفراد من الإستفادة من قاعدة التقادم المعروفة
في القانون المدني, وهذه القاعدة ترتبط بواقعة تخصيص المال العام للمنفعة
العامة.
ثانيا: نطاق تطبيق قاعدة عدم جواز تملك الأموال العامة.
يمتد نطاق تطبيق هذه القاعدة ليشمل جميع عناصر الأموال العامة, وقد شُرّعت
القاعدة لمصلحة الإدارة, فلها وحدها حق الدفع بها حماية للأموال العامة،
وتنطبق هذه القاعدة على الحائزين لهذه الأموال, سواء بحسن نيّة أو بسوء
نيّة.
(1)- الأستاذ نواف كنعان,المرجع السابق, ص399.
(2)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع السابق, ص 733.
(3)- الدكتور محمد فاروق عبد الحميد, المرجع نفسه, ص 734.
ثالثا: الآثار المترتبة على تطبيق قاعدة عدم جواز تملك الأموال العامة بالتقادم.
1- حقوق ملكية الأموال العامة لا تنتقل إلى الأفراد مهما طالت مدة وضع
أيديهم على هذه الأموال وللإدارة في أي وقت الحق في إستردادها من أيدي
حائزيها (1).
2- يؤدي تطبيق هذه القاعدة إلى إستبعاد بعض المبادئ القانونية المعترف بها
بالنسبة للأموال الخاصة من مجال التطبيق على الأموال العامة, منها مبدأ
الحيازة في المنقول سند الملكية بحسن نية, كذلك عدم سريان قاعدة الإلتصاق
كسبب من أسباب كسب الملكية على الأموال العامة (2).
المطلب الثاني: الحماية الجنائية للمال العام.
تعني الحماية الجنائية للأموال العامة, الأحكام والقواعد التي نص عليها
قانون العقوبات أو القوانين والأنظمة الأخرى المتفرقة, والتي تقتضي تجريم
تعدي الأفراد على الأموال العامة وتوقيع العقاب الجنائي والهدف من دراسة
هذه الجرائم بالذات, هو أنها الأكثر حدوثا وإرتكابا على المال العام
والخاص, وقد حدّد لها المشرع جزاءات وذلك بهدف توفير حماية للأموال العامة
من الإعتداء والإضرار بها, لضمان استمرار هذا المال مخصصا للنفع العام (3).
الفرع الأول: جريمة الإختلاس وإحداث الضرر بالمال العام:
إن المال العام بإعتباره ملكا للمجتمع بأسره ولا يخص فرد بعينه, وضعت له
أحكام لحمايته مما قد يتعرض له من إختلاس أو إهمال أو ضياع, ولم تُجرّم هذه
الأفعال من الناحية القانونية فحسب, وإنما هي مُجرّمة وفقا للشريعة
الإسلامية.
أولا: الإختلاس:
1- تعريف جريمة الإختلاس: وتتمثل في استيلاء العاملين والموظفين في مكان ما على ما بأيديهم من أموال نقدية ونحوها دون سند شرعي (4).
ولقد جرّم المشرع الجزائري جريمة الإختلاس وفقا لأحكام المادة رقم: 29 من
قانون مكافحة الفساد: " كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدّد أو يحتجز
عمدا ودون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص وكيان
آخر أيّة ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة, أو أي أشياء
أخرى ذات قيمة عُهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها ". وهذا بعد إلغاء
المادة رقم: 119 من قانون العقوبات التي كانت تُدرج القاضي ضمن فئة
الموظفين الذين تنص عليهم المادة, ولكن بالرجوع إلى القانون المصري نجد
المادة رقم: 112 من قانون العقوبات المصري تنص على أن:" كل موظف عام إختلس
أموالا أو أوراقا أو غيرها وجدت في حيازته بسبب وظيفته " (5).
أ- أركان جريمة الإختلاس: وتتمثل أركانها فيما يلي:
1- صفة الجاني:
إن هذه الجرائم تقع من الموظف العام أثناء أو بمناسبة آدائه لوظيفته, لذلك يجب تحديد المقصود بالموظف العام:
* تعريف الموظف إداريا: إنه من الصعب تقديم تعريف دقيق وشامل للموظف العام,
وذلك لإختلاف الوظائف من دولة إلى أخرى وحتى في نفس الدولة من قطاع إلى
آخر, وهناك من يعرف الموظف العام بأنه: " كل شخص يتولى وظيفة أو مهمة تابعة
للدولة, بصرف النظر عن العلاقة التي تربطه بالإدارة وبصرف النظر عن كون
الوظيفة دائمة أو مؤقتة ".
(1)- الدكتور محمد عاطف البنا, المرجع السابق, ص48.
(2)- أنظر المادة 778 وما بعدها من القانون المدني.
(3)- الدكتور نواف كنعان, المرجع السابق, ص399.
(4)- حسين حسين شحاتة, المرجع السابق, ص 37.
(5)- الدكتور محمد عبد الحميد أبو زيد, المرجع السابق, ص 84.
وهناك من يعرفه بأنه: " الموظفون العموميون هم عمال المرافق العامة " أو "
الموظف العام هو كل شخص يتقاضى مرتبا من ميزانية الدولة ". كما يعرفه
الأستاذ: محمد سليمان الطمّاوي بأنه: " صفة الموظف العام لا يمكن أن تُطلق
على الشخص ولا يمكن أن تسري عليه أحكام وقواعد ومبادئ الوظيفة العامة, إلا
إذا تم تعيينه في عمل مستقر ودائم وفي خدمة مرفق عام تديره الدولة أو
السلطة الإدارية بشكل مباشر " (1).
ونجد أن المحكمة الإدارية العليا ترى أن الموظف العام: " هو كل من يُعهد
إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام
الأخرى, عن طريق شغله منصبا يدخل ضمن التنظيم الإداري لذلك المرفق ". ولكن
رغم إختلاف التشريعات في وضع تعريف للموظف العام, إلا أن التعريف الذي
إستقّر عليه الفقه والقضاء هو أنه: " كل من يتولى وظيفة دائمة أو مؤقتة في
خدمة مرفق عام, يُدار بطريق مباشر, أو هو كل شخص وقع تعيينه من السلطة
الإدارية ليقوم بعمل مستمر, لحساب الدولة ويساهم في خدمة عامة أو مرفق عام
تديره الدولة, والخاضع أساسا لقانون الوظيف العمومي في تعيينه وعزله, أو
الإستغناء عن خدمته, ولكي يُعتبر الشخص موظف عام يجب: - أن يكون قرار
توظيفه صادر عن سلطة إدارية مختصة.
- قيامه بعمل دائم يشغل الشخص وظيفته بإستمرار.
- المساهمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام (2).
تعريف الموظف في القانون الجنائي: يعد موظفا في نظر قانون العقوبات كل
شخص يتولى تحت أية تسمية وضمن أي وضع كان, أية وظيفة أو مهمة دائمة أو
مؤقتة بأجر أو دون أجر, ويؤدي بهذه الصفة خدمة للدولة ذات مصلحة عامة أو
للإدارات العامة أو المجموعات المحلية (3).
2- الركن المادي لجريمة الإختلاس:
السلوك المُجرّم: يتمثل في:
- الإختلاس: ويتحقق بتحويل الأمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة
وقتية على سبيل الأمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك, وقد ينتهي
المختلس إلى التصرف ببيعه أو رهنه أو هبته وهذا يعني تصرف الحائز في الشيء
المملوك لغيره مع نيّتة , إضافة إلى ملكه ويقع الإختلاس تماما إن تصرف
المختلس في الشيء لحرمان صاحبه من تصرف المالك (4).
- التبديد: ويتمثل في التصرف في المال على نحو كلي أو جزئي بإنفاقه أو
إفنائه, والتبذير بالضرورة يتضمن إختلاس الشيء, فهو تصرف لاحق للإختلاس,
ولا يعدو مجرّد إستعمال الشيء تبديدا إذا ورد على مجرد المنفعة فقط.
- الإحتجاز دون وجه حق: ولا يتوفر الركن المادي بالإستيلاء على المال العام
أو تبذيره فحسب, بل يشترط أيضا إحتجازه دون وجه حق, حيث عمد المشرع حفاظا
على المال العام إلى توسيع مجال التجريم إلى التصرف الذي من شأنه أن يعطل
المصلحة التي أُعد المال لخدمتها.
محل الجريمة: حسب نص المادة 29 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته, فإن
المحل يتمثل في: الأموال, والمقصود بها النقود الورقية والمعدنية, ويقصد
بالأموال الخاصة ذلك المال المودع لدى أمين الضبط بالمحكمة أو المجلس أو
المحكمة العليا أو مجلس الدولة, وكذلك الأموال المودعة لدى الموثقين
ومحافظي البيع بالمزاد العلني, وبالنسبة للوثائق والسندات والعقود, فيعني
بها المحرّرات بصفة عامة مثل: سند الملكية ووثائق الحالة المدنية, وعقود
البيع, أما عن المال المنقول فيُعنى به كل شيء متحرك غير مستقر مثل: الأثاث
والمركبات وما شابهها (5).
(1)- الدكتور سليمان محمد الطماوي, المرجع السابق, ص323.
- لمزيد من التفصيل حول جريمة الإختلاس راجع: الدكتور علي عبد القادر
القهوجي, قانون عام قسم خاص, جرائم الإعتداء على المصلحة العامة والإنسان
والمال,منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, لبنان, 2002, ص625 وما بعدها.
(2)- الدكتور أحسن بوسقيعة, الوجيز في القانون الجنائي الخاص, الجزء الثاني, طبعة 2004, دار هومة, الجزائر, ص06.
(3)- الدكتور أحسن بوسقيعة, المرجع نفسه, ص 07 وما بعدها.
(4)- الدكتور محمد عبد الحميد أبو زيد, المرجع السابق, ص86.
(5)- أنظر 29 من القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20/02/2006, المتضمن الوقاية من الفساد ومكافحته.
تسليم المال أو تواجده بمقتضى الوظيفة أو بسببها: حيث أن المادة السالفة
الذكر, تشترط أن تكون الأموال والأشياء المختلسة, قد سُلّمت إلى الفاعل
بسبب وظيفته أو بمقتضاها, فقد يحوز الموظف المال قهرا عن صاحبه, كما إذا
ضبط لدى متهم بجريمة, ومتى كان المال بين يدي الموظف بسبب وظيفته, فإن
إختلاسه وتبديده له, يعرضه للعقوبة, ولا عبرة بما إذا كان المتهم قد أدخله
أو لم يدخله خزانة الدولة بعد تحصيله, أو كان قد تسلمه بغير إيصال أو توقيع
منه, أما إذا كانت حيازة الموظف للمال العام لا صلة لها بوظيفته, فإنه لا
يرتكب جريمة التحويل وإنما السرقة أو خيانة الأمانة حسب الحالة (1).
3- الركن المعنوي لجريمة الإختلاس:
يشترط لقيام الجريمة توافر القصد الجنائي, فيجب أن يكون الجاني على علم بأن
المال الذي بين يديه هو ملك للدولة أو أحد مؤسساتها, أو ملك لأحد الخواص,
ومع ذلك تتجه إرادته إلى حجزه أو إختلاسه أو تبديده أو سرقته. وإذا كان
القصد العام يكفي لتحقيق الركن المعنوي في صورة إحتجاز المال ون وجه حق,
فإنه يتطلب القصد الخاص في صور الإختلاس والتبديد والسرقة, ويتطلب القصد
الجنائي والمتمثل في إتجاه نيّة الموظف إلى تملك الشيء الذي يحوزه, فإن غاب
هذا القصد الخاص أي نيّة التملك لا تقوم جريمة الإختلاس أو التبديد أو
السرقة, ومن هذا القبيل من يستولي على المال لمجرد الإستعمال أو الإنتفاع
به تم ردّه, ولا يُتصوّر الشروع في هذه الجريمة, فإما أن تقع كاملة وإما
ألا تقع, وهو الأمر الذي جعل المشرع لا ينص على المحاولة (2).
4- قمع الجريمة:
أ- المتابعة: لا تخضع لإجراءات خاصة, فعندما يتعلق الأمر بالمؤسسات
العمومية الإقتصادية, علقت المتابعة على شكوى أجهزة المؤسسة المعنية,
المنصوص عليها في القانون التجاري والقانون المتعلق بتسيير رؤوس الأموال
التجارية للدولة, فهذه الأخيرة تأخذ شكل شركات المساهمة المتمثلة أجهزتها
في الجمعية العامة للمساهمين ومجلس الإدارة والرئيس المدير العام للمؤسسة,
أو في الجمعية العامة ومجلس المديرين ومجلس المراقبة, لكن في حالة سحب
الشكوى, وبالرجوع إلى المادة رقم: 06 من قانون الإجراءات الجزائية, نجدها
تنص على أنه:" تنقضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إن كانت هذه شرطا
لازما للمتابعة " , ومادامت شكوى أجهزة المؤسسة المعنية تُعد شرطا لازما
للمتابعة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات العمومية الإقتصادية, فالأصل أن سحب
هذه الشكوى يضع حدا للمتابعة.
ب- الجزاء: إن هته الجريمة محرّمة في الشريعة الإسلامية, حيث نجدها يُطبق
عليها حد السرقة أو العقوبة بالتعزير إذا لم تتوافر أركان إقامة حد القطع,
ويطبق هذا الحكم على الإختلاس سواء من المال الخاص أو المال العام (3)، أما
من الناحية القانونية فهناك عقوبات أصلية نصت عليها المادة 29 من قانون
مكافحة الفساد التي تعاقب بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة مالية من
200.000 إلى 1000.000 دج بينما بالرجوع إلى نص المادة 119 من قانون
العقوبات الملغاة, نجد أنها كانت تعاقب عليها بوصفها جنحة بالحبس من سنة
إلى 05 سنوات, إذا كانت قيمة الشيء أقل من 1000.000 دج وبالحبس من سنتين
إلى 10 سنوات , إذا كانت قيمة الشيء تعادل أو تفوق 1000.000 وتقل عن
5000.000 دج، وبوصفها جناية بالسجن من 10 سنوات إلى 20 سنة كلما كانت قيمة
الشيء تعادل أو تفوق مبلغ 5000.000 دج وتقل عن 10.000.000 دج, وتكون جناية
بالسجن المؤبد إذا كانت قيمة المال أو الشيء المختلس أو المحوّل أو
المبدّد, أو المحتجز تعادل أو تفوق 10.000.000 دج(4).
(1)- الدكتور محمد صبحي نجم, شرح قانون العقوبات الجزائري, الطبعة الخامسة, طبعة 2004, ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر, ص20, 21.
(2)- الدكتور أحسن بوسقيعة, المرجع السابق, ص 22 وما بعدها.
(3)- الدكتور حسين حسن شحاتة, المرجع السابق, ص37.
- لمزيد من التفصيل حول جريمة الإختلاس راجع الدكتور أحمد عبد اللطيف,
جرائم الأموال العامة, دراسة تحليلية وتأصيلية وتطبيقية, دار النهضة
العربية, طبعة 2006, ص220 وما بعدها.
(4)- أنظرالمادة 119 من الأمر 66/156 الصادر المؤرخ في 08/07/ 1966 المتضمن قانون العقوبات الجزائري.
وإلى جانب العقوبات الأصلية توجد عقوبات تكميلية تتمثل في: مصادرة الأشياء
التي كانت قد إستعملت في تنفيذ الجريمة أو إستعملت لمكافأة مرتكب الجريمة,
حيث يتعين على القاضي أن يدين المتهم أو يحكم عليه بالعقوبة الأصلية وأن
يحكم تكميليا لذلك بمصادرة المال أو الشيء الذي كان قد وقع إستعماله في
تنفيذ الجريمة ومكافأة المجرم (1).
بينما المشرع المصري في نص المادة 112 من قانون العقوبات, يعاقب على نفس
الجريمة بالأشغال الشاقة في حالة ما إذا كان الجاني من مأموري التحصيل, وهو
كل فرد مكلف بتحصيل أموال الدولة قانونا, مثل الموظف المختص بتحصيل
الضريبة أو المأذون فيما يتعلق بتحصيل رسوم الزواج, وإذا إرتبطت جريمة
الإختلاس بجريمة تزوير وإستعمال المزور إرتباطا لا يقبل التجزئة, بحيث
يعتبر كل فعل جريمة في ذاته ولكن يجمعها وحدة الغرض والإرتباط الذي لا يقبل
التجزئة.
كما يشدّد المشرع المصري في العقوبة بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا كانت هناك
حرب وتترتب عن ذلك أضرارا بمركز البلاد الإقتصادي أو بمصلحة قومية, وفي
الأخير نلاحظ أن المشرع الجزائري قد سلّط على هذه الجريمة عقوبة أصلية
وأخرى تكميلية, حيث أن المشرع المصري إكتفى بالنص على الظروف المشدّدة في
هذه الجريمة (2).
ثانيا: جريمة إحداث الضرر بالمال العام.
1- تعريف جريمة إحداث الضرر بالمال العام:
الإهمال المتسبب في ضرر مادي نصت عليه المادة رقم: 119 مكرر :" كل قاضي أو
موظف أو ضابط عمومي أو كل شخص ممن أشارت إليهم المادة 119 من قانون
العقوبات, تسبّب بإهماله الواضح في سرقة أو إختلاس أو تلف أو ضياع أموال
عمومية أو خاصة أو أموال منقولة, وضعت تحت يداه سواء بمقتضى وظيفته أو
بسببها ", وقد حلّت محل المادة رقم: 422 من قانون العقوبات الملغاة بموجب
القانون رقم: 01/08 وما ميّز النص الجديد هو أن المشرع حوّل هذه الجريمة من
الجرائم العمدية التي تتطلب قصدا جنائيا إلى جريمة غير عمدية, تترتب عليها
مسؤولية جزائية متى ثبت أن الفاعل إرتكب تقصيرا واضحا أدى إلى إلحاق ضرر
بالأموال العمومية (3).
2- أركان الجريمة:
صفة الجاني: يجب أن يكون الجاني قاضيا أو موظفا أو ضابط عمومي.
القاضي: ويقصد به حسب التعبير الفرنسي « Magistrat » وتنطبق هذه الصفة على
القضاة الذين يتمتعون بقسط من السلطة العمومية وتخولهم وظائف وصلاحية البت
في طلبات المواطنين, وتشمل القضاة التابعين لنظام القضاء العادي والإداري,
وقضاة مجلس المحاسبة, كما تنطبق صفة القاضي على رئيس الجمهورية.
الموظف: وقت تم تعريفه في جريمة الإختلاس.
الضابط العمومي: الذي يتولى وظيفة بمقتضى قرار من السلطات العمومية
ويمارسها لحسابه الخاص ويدخل ضمنه الموثق والمحضر القضائي ومحافظ البيع
بالمزاد العلني, أما من في حكم الموظف فهو من يتولى وظيفة أو وكالة في مرفق
عام أو أي مؤسسة عمومية إقتصادية (4).
الركن المادي: يتمثل في:
- الإهمال: يأخذ معنى الترك واللامبالاة, وكلها تصرفات سلبية, وهي من صورة
جرائم الإمتناع, وقد إشترط المشرع أن يكون هذا الإهمال واضحا وبيّنا.
(1)- الدكتور عبد العزيز سعد, جرائم الإعتداء على الأموال العامة والخاصة, دار هومة, الجزائر, 2005, ص 58.
(2)- حسين الفكهاني, موسوعة القضاء والفقه للدول العربية, دار وهدان, القاهرة 1949, ص 90.
(3)- الدكتور أحسن بوسقيعة, المرجع السابق, ص5, 9.
(4)- الدكتور أحسن بوسقيعة, المرجع نفسه, ص29.
- محل الجريمة: يجب أن يكون محل الجريمة إما مالا عاما تابعا للدولة, أو
الجماعات المحلية أو المؤسسات والهيئات الخاضعة للقانون العام, وإما مالا
خاصا, وقد يأخذ المال عدة صور فقد يكون نقودا أو شيئا يقوم مقامها كالشيكات
والأسهم, وقد يكون وثيقة أو سندا أو عقدا أو الغالب أن يكون شيئا منقولا
له قيمة مالية, كالمنتجات الصناعية والفلاحية والآلات والأدوات بمختلف
أصنافها وأنواعها, ويشترط أن تكون هذه الأموال قد وضعت تحت يد الجاني سواء
بمقتضى وظيفته أو بسببها.
- النتيجة: وهي إحداث ضرر مادي بمال الغير وذلك بالتسبّب في سرقته أو
إختلاسه, أي إستيلاء الغير عليه أو التسبب في ضياعه, أي فقدانه تماما كما
لو تعرض لحريق أو إغراق, أو التسبب في تلفه سواء كان هذا التلف جزئيا
كتعطيل إستعمال الأموال فقط أو كان كليا كعدم صلاحية المال نهائيا, كما في
حالة ترك مواد غذائية أو صيدلانية في مكان لا تتوفر فيه شروط النظافة
والصحة, مما يؤدي إلى عدم صلاحيتها.
- العلاقة السببية بين الإهمال والضرر: يشترط لقيام الجريمة أن تكون هناك
علاقة سببية بين سلوك الجاني المُجرّم المتمثل في الإهمال وحدوث سرقة المال
أو إختلاسه أو تلفه أو ضياعه, أما إذا تعرض المال للسرقة أو الإختلاس أو
التلف أو الضياع لأسباب أخرى, فلا تقوم الجريمة وأيضا إذا لم تنجم أية
خسارة مادية من جرّاء فعل الإهمال (1).
- الركن المعنوي:
جريمة الإهمال جريمة غير عمدية تقوم على الخطأ الذي يتوفر بمجرد حصول ضرر
مادي بفعل إهمال الجاني, فلا يشترط فيها توافر قصد جنائي ولا نية الإضرار,
وقبل تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم: 01/09, كانت المادة 422
الملغاة تشترط لقيام الجريمة توافر القصد الجنائي العام المتمثل في إتجاه
إرادة الجاني إلى الإضرار بالمال العام, علما وأن النص الجديد أشد قمعا من
نص المادة 421 من قانون العقوبات, إذ لم يعد يشترط أن يكون الإهمال بالغا
ولا أن يكون الضرر هاما, كما أنه وسع محل الجريمة ليشمل المال الخاص (2).
3- قمع الجريمة:
أ- المتابعة: لا تخضع إلى إجراء خاص ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن
المادة رقم: 119 مكرر علّقت تحريك الدعوى العمومية عندما يتعلق الأمر
بالمؤسسات العمومية الإقتصادية, التي تملك الدولة كل رأسمالها أو المؤسسات
ذات رأس المال المختلط, على شكوى من أجهزة المؤسسة المعنية المنصوص عليها
في قانون العقوبات وفي القانون المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية
للدولة, وقد حصر المشرع لزوم الشكوى في هذه الجريمة دون سواها في المادة
119 مكرر2 " لا تتخذ إجراءات المتابعة بالنسبة للمؤسسات العمومية
الإقتصادية إلا بناء على شكوى هيئات الرقابة " والجدير بالذكر أن جريمة
الإهمال في التسيير هي الجريمة التي تحتاج أكثر من غيرها إلى تعليق
المتابعة على شكوى أجهزة المؤسسة (3).
ليست هناك تعليقات