المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

أهمية الجهوية الموسعة كمنظومة للتدبير الديمقراطي المحلي

أهمية الجهوية الموسعة كمنظومة للتدبير الديمقراطي المحلي مقدمة يستقطب موضوع الجهة اهتماماً متزايداً ليس فقط في المغرب، بل بمختلف بقاع ...


أهمية الجهوية الموسعة كمنظومة للتدبير الديمقراطي المحلي
مقدمة
يستقطب موضوع الجهة اهتماماً متزايداً ليس فقط في المغرب، بل بمختلف بقاع العالم، كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحلية تقوم على تعبئة الموارد والطاقات الملحية من أجل ترسيخ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي. وتهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماماً متزايداً بالمؤسسة الجهوية كإطار ملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية،حيث أن سياسة الجهة كتنظيم إداري سياسي، تبنتها ألمانيا في دستور1949، وإيطاليا في دستور 1948وإسبانيا في دستور 1978، وجعلت من الجهة العنصر الأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية..

    أما في المغرب فقد غدت سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية والتحاليل الأكاديمية بعد وضع دستور 1992، و1996 وقانون تنظيم الجهات 96-47 في  2 أبريل 1997 نظرا لدور هذا النموذج اللامركزي في تحقيق تنمية اجتماعية، ونمو اقتصادي لجهات المملكة من جهة، ولمجموعة من الأوراش من جهة ثانية , وأصبحت الجهة في المغرب مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تساهم في النمو الاقتصادي وفي تنسيق مختلف تدخلات الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين على المستوى الجهوي والمحلي، وذلك بحكم العديد من المبررات والقرارات التي حتمت إعادة النظر في مفهوم الجهة والجهوية.

   وقد أكد المشرع المغربي على السير قدما في السياسة الجهوية ، وهو ما أكد عليه في الفصل 100 من دستور 1996 ،حيث أضاف إلى الجماعات المحلية وحدة ترابية جديدة. فالفصل 100 من الدستور ينص على أن الجماعات المحلية بالمملكة في الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية. ولا مراء في أن تخويل الجهة صفة جماعة محلية إلى جانب الجماعات المحلية الأخرى يدل على أن السلطات العمومية المغربية، وبتوافق الهيئات والمنظمات السياسية، أرادت تعميق النظام اللامركزي الترابي الذي اعتمد منذ الظفر بالاستقلال كنظام لتدبير الشؤون المحلية.

      ونظام الجهة يقوم على معطيات تختلف باختلاف الأنظمة السياسية التي تتبناه[1] ، ويتميز في ذلك جهوية الدولة الفيدرالية بألمانيا، حيث تتمتع الجهة بالشخصية المعنوية والاستقلال الثلاثي الأبعاد، دستوري،إداري، تشريعي، وفي المغرب وبتصفحنا لقانون الجهات الأخير 96-47، نجد المادة الأولى منه، تعتبر الجهات جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تساهم إلى جانب الدولة والجماعات المحلية الأخرى في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبالتالي فالجهة خرجت من النفق الاستشاري، وارتفعت إلى مستوى جماعة محلية، وحلقة من حلقات اللامركزية، التي أصبحت حقيقة لا تجادل[2] .

     مع مطلع سنة 2010 تم الإعلان عن تنصيب لجنة استشارية من اجل التخطيط لجهوية مغربية موسعة,اعتبر الخطاب الملكي ل3 يناير 2010 كمرجعية أساسية لها. والتي سيكون لها بدون أدنى شك نتائج إيجابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وكذا الثقافي،إن راعت فعلا الأبعاد و المعايير التي تم إغفالها في التجربة الحالية, حيث لا يمكن الحديث عن التنمية بدون مجال واسع متكامل كفيل بإدماج العوامل التنموية في مسلسل الإقلاع الاقتصادي الجهوي.

   هنا نتساءل عن  ماهية السياقات و التفاعلات التي يأتي من خلالها الإعلان عن تأسيس لجنة استشارية للجهوية؟ و عن أهمية الجهوية الموسعة كمنظومة للتدبير الديمقراطي المحلي؟

و ترتيبا على ما سبق ذكره، ارتأينا أن نتناول الموضوع وفق المنهجية التالية:

مقدمة

الفصل التمهيدي

الفصل الأول: التجربة الجهوية بالمغرب

المبحث الأول: الإطار القانوني والمؤسساتي للجهة

المبحث الثاني : إشكالات التجربة الجهوية

الفصل الثاني  : آفاق الجهوية الموسعة والحكم الذاتي

المبحث الأول : توقعات الجهوية الموسعة

المبحث الثاني: الحكم الذاتي كحل سياسي توافقي
الفصل التمهيدي

     إذا كانت الجهوية اختيار دأب علية المغرب منذ ما يقرب عن خمسة عقود وطوره عبر الصيرورة التاريخية ، فإن ذلك لم يكن وليد الصدفة بل جاء نتيجة الاعتقاد بأن الصيغ و الأساليب القديمة قد استنفذت إمكانياتها ، فالدولة اقتنعت بحتمية الإقلاع عن المركزية وجعل أدوات القرار قريبة من المواطنين والعمل على إصلاح اللامركزية.

  و عليه، سنحاول في هذا الفصل التمهيدي أن نتناول الدوافع التي جعلت المغرب يتبنى الجهة كإطار ملائم للمساهمة في استراتيجيات التنمية، كما سنحاول قبل ذلك الوقوف عند الإشكالية التي يطرحها المفهوم، معرجين بعد ذلك على التطور الذي عرفته الجهوية من خلال صيرورتها التاريخية.

المطلب الأول : مفهــــوم الجهــــويــــة

     إن تحديد مفهوم الجهوية يقتضي التمييز بين الجهوية التي لها مدلول مجموعات متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية، والجهوية بمفهومها الحديث المعاصر والذي يعني مجموعة متناسقة تهدف إلى تكامل اقتصادي إداري تنموي من أجل النهوض بمؤهلاتها وتسخير إمكانياتها البشرية والطبيعية المادية في إطار متكامل .

     وقد يصعب تحديد مفهوم الجهوية والاتفاق حوله ، فهذه الأخيرة تتحكم فيها معطيات وخصوصيات تختلف باختلاف الأنظمة السياسية التي تتبناها ، حيث تتنوع علاقة تنظيم المجال ومدى استقلاليتة  عن المركز لكون الجهة من الضاحية أو المجال المحيط بالمركز .

    اختلفت الاتجاهات والتعريفات بخصوص الجهة، وذلك باختلاف الأشخاص المعرفيين لها، فمفهوم الجهوية يفيد معنيان، الأول يفيد (régionalisme) ، ويعني مجموعة متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية[3]  ، وقد تتحول إلى توجه سياسي، أما المعنى الثاني فيفيد (régionalisation)، معناه الإطار والمجال الإداري والاقتصادي، رغم أن الجماعة المحلية هي نتاج بيئة سياسية تساهم في تسييس المواطنين بصفة عامة. وتبدو الجهوية أنها توزيع لأنشطة الدولة على المستوى الجهوي بطريقة إدارية وبالتالي فالجهة هي مجموعة منسجمة تهدف إلى تحقيق تكامل اقتصادي واجتماعي، وإداري تنموي على نماء الوطن.

وفيما يتعلق بأنواع و أشكال الجهوية فيمكن التمييز بين ثلاثة أنواع استنادا إلى الإطار القانوني الذي تستمد منه وجودها وهي تشمل (الجهوية الوظيفية ، الجهوية الإدارية ، الجهوية السياسية):

-         الجهوية الوظيفية :- إن الأساس الشرعي لهذا النوع من الجهوية هو الوظيفة المراد إنجازها دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى ، والجهة في إطار هذا النوع ما هي إلا مجالاً ترابياً لتسيير مهمة محددة من مهام الدولة ، ولا تتطلب بالتالي وجود إدارة ذاتية مستقلة ولها شخصية قانونية متميزة .

-         الجهوية الإدارية  :- وهي على نوعين هما (جهوية إدارية لامركزية , جهوية إدارية مع عدم التركيز):

· الجهوية الإدارية اللامركزية :- في إطار هذا النوع تتمتع الجهة باستقلال ذاتي يتمثل في وجود إدارة منتخبه وموارد مالية وبشرية , واختصاصات محدده بواسطة القوانين العادية .

· الجهوية الإدارية مع عدم التركيز  :-تتوفر على إدارة وموارد مالية وبشرية , ولها اختصاصات محدده غير أن الجهة تكون مسيرة من طرف ممثلين للسلطة المركزية , وعموماً فالجهة في إطار اللامركزية هي وحدة ترابية مستقلة تجاه السلطة المركزية , في حين أن الجهة في إطار عدم التركيز هي مقاطعة إدارية تابعة للسلطة المركزية , وتخضع لسلطتها الرئاسية .    

-    الجهوية السياسية  :-تتمتع الجهة هنا بسلطات سياسية مهمة , وتحتل مكانة متميزة داخل التنظيم الإداري والسياسي , فهي تتقاسم مع السلطة المركزية الوظائف السياسية في الميدان التشريعي والتنظيمي , وقواعدها محدودة دستوريا , والجهة السياسية هي أعلى مستوى من مستويات اللامركزية الترابية دون الوصول إلى مستوى الدولة الفيدرالية , التي تتوافر فيها الجهة على سيادتها التامة مع احترام القوانين الاتحادية [4]

المطلب الثاني : نبده تاريخية عن تطور الجهويه في المغرب .

إن سياسة الجهوية هي أداة لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة، فالنظم سواء كانت إدارية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لا تنشأ من فراغ، بل عبارة عن تطور متتالي الحلقات تستند كل مرحلة فيه أسبقها، وتكون أساس لما سيعقبها [5].

وعن تطور نظام الجهة بالمغرب والذي يعكس عقليات اختلفت بحسب الحقب التاريخية، يجعلنا نتبنى تقسيماً ثلاثياً، لتوضيح المخاض الذي قطعه التنظيم الجهوي بالمغرب. مرحلة قبل الحماية، فترة الحماية، وعهد الاستقلال.

 • الجهوية في مرحلة ما قبل الحماية:

 في هذه المرحلة أثارت الجهوية نقاش بين من يسير في اتجاه نفي وجود تنظيم إداري وإقليمي، فبالأحرى نظام الجهة، واتجاه يرى أن المغرب عرف نظاما للجهة قبل الحماية الفرنسية[6].

وقد عرف المغرب فكرة الجهوية منذ القديم حيث كان التقسيم الجهوي يقوم على أساس قبلي نتيجة كبر المساحة، إلا أنه خلال مرحلة ما قبل الحماية لم يكن هناك تنظيم جهوي بمفهومه الحديث، بل كانت كل التنظيمات تعتمد على الأسس القبلية والجغرافية، وفي هذه المرحلة عرفت الجهة كواقع لأجل تنظيم المجال، وإدارة البلاد الشاسعة، وكإطار لتوزيع وممارسة السلطة على أساس وحدة السلطة والوظيفة السياسية والإدارية [7].

الجهوية في عهد الحماية: 

بعد توقيع معاهدة فاس 1912، بسط الاستعمار نفوذه على المغرب محاولا مس هويته الإسلامية والعربية، وانتهج سياسة فرق تسد من خلال تغييرات مستوردة على التنظيم الجهوي السائد قبل الحماية, وتميزت سياسة الجهوية إبان فترة الحماية بالحداثة إلا أنها جاءت في مراميها مناقضة للمعنى القانوني للجهة، بحيث لم تكن للجهة في ترسانة مؤسسة الحماية إدارة مركزية وإنما آلية للتأطير والتحكم السياسي والعسكري اللازمين لتهدئة البلاد، وقامت مراقبتها من طرف المستعمر وذلك بإحداث جهات عسكرية وأخرى مدنية واستعملت الجهة كإطار لعدم التركيز في نطاق الاعتبارات العسكرية والاستعمارية دون أي اعتبارات اقتصادية واجتماعية.

من هنا يتضح أن الجهوية في عهد الحماية لم تكن تعني تنظيم وإعادة هيكلة المجال بصفة عامة بقدر ما كان التقسيم الجهوي الذي اعتمدته سلطات الحماية الفرنسية ذا اعتبارات عسكرية وأمنية بالأساس [8]، وعمل المستعمر على طمس روح النظام المحلي الجهوي الذي عرفه المغرب وحلت أنظمة إدارية جديدة مستمدة من النظام الفرنسي محل أساليب وهياكل الإدارة التقليدية للإمبراطورية الشريفة.
• الجهوية في عهد الاستقلال :

واجهت الإدارة المغربية الفتية عدة عوائق بوصفها الوصية على إرث الحماية المتمثل في بنية تحتية معقدة لم تحظى لا بالقبول ولا بالرفض المطلق من قبل السلطات المستقلة ولا هي متكيفة مع حاجات السكان [9] , وفي هذه المرحلة تراجع الاهتمام بالتنظيم الجهوي ليحل الإطار الإقليمي والجماعي محل بغية فرض سلطة الدولة المستقلة إداريا وسياسيا، بحيث اعتبر التقسيم الإقليمي، أهم التقسيمات الإدارية للدولة.

ولم يظهر الاهتمام بالمجال الجهوي إلا بعد استفحال خطورة الفوارق والتفاوتات الجهوية وعجز الإطار الإقليمي عن مواجهتها [10] ، وذلك نظرا لمحدوديته وقصوره عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الاختلالات واللاتوازنات التي خلفتها السياسة الكلونيالية التي خدمت الأهداف الاستعمارية. 

وبسبب الاختلاف في بناء حجم الأقاليم وعدم تساويها من حيث عدد السكان وعن الموارد الطبيعية، أصبحت الجهة هي الوسيلة الملائمة كاختيار لإعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية، إذ بدأ الانشغال بالجهوية من خلال المخططات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المستمرة التي عرفها المغرب لولوج مرحلة جديدة نحو ترسيخ الديمقراطية المحلية, لكن هذه السياسة كانت تفتقر إلى التنسيق والانسجام وعلى رؤية واضحة للقضايا الجهوية وظلت مجرد متمنيات [11].

وفي سنة 1971 جاء نظام الجهات الاقتصادية كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتبرها قاعدة ترابية لهذه التنمية، وقد تم تقسيم المجال الترابي إلى سبع جهات، وبذلك تم وضع الهياكل وتحديد المفهوم القانوني للجهة.

  وهكذا تحول الاتجاه صوب تقرير التمركز الإداري حتى يتماشى بموازاة مع اللامركزية، وجاء خطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني سنة 1984، مؤكداً للرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل جهوية وتشريعية وتنفيذية.

   وتزامن الطرح مع مواقع كانت فيه الإدارة تحتل مكاناً واسعاً، وتقوم بأدوار وتدخلات تتزايد يوم بعد يوم، وظلت الجهة هي المجال السياسي الأكثر تحرراً والأحسن ملائمةً للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية، إذ تشكل مجالا لجماعات تديرها هيآت منتخبة وتسيرها بكيفية حرة، تتيح لمختلف الاتجاهات التدخل والابتكار في مختلف المسائل باستثناء ماله صلة بالمجال السياسي العام للدولة.

   وهكذا بدأ المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة أبرزها التعديل الدستوري لسنة 1992، الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات المحلية، حسب مقتضيات الفصل (94). وتم تدعيم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة 1996، حسب مقتضيات الفصل (100)، بالإضافة إلى القانون المنظم للجهات رقم 96-47 الصادر في 2أبريل 1997، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي واختصاصا الاقتصادية والاجتماعية.

المطلب الثالث: دوافع الجهوية  

   يمكن تلخيص الدوافع الأساسية للجهوية بالمغرب من خلال ثلاث محاور: 

دوافع سياسية تهدف إلى تدعيم اللامركزية وديمقرطة المؤسسات الجهوية  و دوافع إدارية، فضلا عن دوافع اجتماعية واقتصادية 

* الدوافع السياسية:

   تتجلى في كون المسألة الديمقراطية المحلية، أصبحت إحدى المظاهر السياسية للمجتمع المدني، وقد جعلت من الجهة عبر مجلسها المنتخب بطريقة ديمقراطية ذلك المجال الذي يتيح للسكان المحليين عبر منتخبيهم الجهويين حق المشاركة الشعبية القادرة على تحقيق التطور الذاتي , فالجهوية احتلت مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق الديمقراطية المحلية من خلال دعم السياسة الجهوية التي نشدتها الإصلاحات الدستورية والسياسية [12].

وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع اللامركزية لأنها تشكل أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناتها[13], وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثلي للمملكة وتوفر فضاءاً جديداً للتداول والتشاور والإنجاز، خصوصا بعد أن ثبت فشل إدارة جميع المرافق المركزية.

وهكذا أصبحت الجهة تقنية جديدة لممارسة الديمقراطية على الصعيد الجهوي كما أنها تعتبر وسيلة لتحديث الدولة، ومحورا جديدا للديمقراطية وشرعية السلطة السياسية.

* الدوافع الإدارية :

  هنا عملت السلطة المركزية منذ الاستقلال على إنشاء مصالح ومرافق إدارية تساعد الحكومة على الصعيد المحلي وأيضا عملت على الزيادة في عدد الولايات والعملات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، وإحداث وحدات ترابية جديدة وهي الجهات، كل ذلك بغية تقريب الإدارة من المواطنين [14]. وبالتالي يصبح التنظيم الجهوي أحد الأساليب الإدارية لإدارة المرافق العامة لتلبية حاجيات الأفراد والسكان لأن المجلس الجهوي المنتخب من قبل سكان الجهة يكون على دراية بحاجياتها وإدارة مرافقها بالشكل الذي يتلائم ورغبات السكان وبفعالية أكبر ولو سيرت تلك المرافق من قبل المسسؤولين الحكوميين على الصعيد المركزي [15] .

وأصبح المنهج الجهوي آلية مناسبة للتقليص من البيروقراطية ، وذلك لتقريب القرار الإداري من مكان تنفيذه.

وإقرار الجهة كوحدة لا مركزية في إطار تنظيم الإدارة المحلية، يدخل إجمالاً في إطار الإصلاح الإداري عموماً، والدافع الإداري في إقرار الجهة جاء في إطار تقليص دور الدولة في بعض المجالات وتفويتها للجهة حيث تصبح هي المسؤولة عن الوظيفة والموظفين في نطاق ترابها.

* الدوافع الاقتصادية والاجتماعية: 

   أصبحت الجهوية من الاستراتيجيات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والإقلاع السوسيو اقتصادي، بصفة عامة ، فالسياسيات الاقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره الإطار الأصلح، لوضع كل الاستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح, فالجهة هي الفضاء الذي لا بد منه لتنسيق التنمية، الأمر الذي يصعب على الجماعات الترابية الأخرى القيام به وعلى الحكومة ممارسته.

  فالدافع الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية هو الدافع الأساسي نحو إقرار سياسته الجهوية لأن موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية على كافة المستويات يكتسي أهمية قصوى في الوقت الراهن وفي المستقبل.

  وأمام فشل الدولة في القضاء على اللاتوازنات فيما بين مناطق وجهات المغرب، فقد تم التكريس الدستوري للجهة منذ سنة 1992، والتركيز على التوجهات التنموية والاقتصادية على أساس الجهوية والتنمية المحلية، وكذلك اختيار المخططات كوسيلة لتحقيق تلك الأهداف، سواء على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي [16], وبذلك تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية دافعا أساسيا نحو تفعيل دعم وجود الجهة.

الفصل الأول: التجربة الجهوية بالمغرب

    تعد التجربة الجهوية المغربية تجربة حديثة بالمقارنة مع التجارب الأخرى المقارنة ، فإذا كانت ألمانيا قد تبنت التنظيم الجهوي في دستور 1948 وإيطاليا في دستور 1978، فإن الاعتراف للجهة المغربية بوضع الجماعة المحلية لم يتأتى إلا بالمراجعة الدستورية لسنة 1992 وصدور القانون رقم 96/47 الخاص بتنظيم الجهات .

    لكن بالرغم من وجود هذا القانون، و الذي يعترف للجهة بمجموعة من الاختصاصات و الصلاحيات، فإن واقع الممارسة و ما يشهده من استمرار ظاهرة التفاوتات بين المناطق و عجز على مستوى البنيات التحتية و الخدمات الاجتماعية و تفشي المشاكل الاجتماعية، يجعل مؤسسة الجهة أمام جملة من المشاكل التي تعيق بناء فضاء جهوي تنموي.

  و تأسيسا على ما سبق، سنتطرق في مبحث أول للإطار القانوني المنظم للجهة، و في مبحث ثاني سنعمل على ملامسة أهم الإشكالات التي عرفتها الجهة في ظل التنظيم الجهوي لسنة 1997.

المبحث الأول: الإطار القانوني والمؤسساتي للجهة

  تعتبر الجهة جماعة محلية بمقتضى الفصل 100 من الدستور، وقد نظم القانون 96_47 الصادر بتاريخ 3 أبريل1997 أهم الدعائم التي تقوم عليها الجهة

 فهي تتكون  من مجلس تداولي وهو المجلس الجهوي، ومجلس تنفيذي على رأسه عامل الجهة و رئيس المجلس  الجهوي. 

و عليه، سنتناول من خلال المطلب الأول المجلس الجهوي ثم سنحاول في مطلب ثاني الحديث عن اختصاصات الجهة.  

المطلب الأول: المجلس الجهوي

   يتم انتخاب المجلس الجهوي لمدة ست سنوات بطريقة غير مباشرة بواسطة نظام اللائحة وعلى قاعدة اكبر بقية، ويتألف من  :

أ‌-        أعضاء مقررون: وهم ممثلي الجماعات المحلية وممثلي الغرف المهنية و كذا ممثلي المأجورين.

ب‌-    أعضاء استشاريون: يتكونون من أعضاء البرلمان المنتخبون داخل الجهة و رؤساء مجالس الجماعات والأقاليم. 



 -1مكتب المجلس ونظام سير العمل:

ينتخب مكتب المجلس خلال الخمسة عشر الموالية لتأليفه، وهو مكون من رئيس المجلس ونوابه-الذين يتحدد عددهم طبقا لعدد السكان وقد يصلون إلى تسعة نواب إذا بلغ عدد سكان الجهة مليوني نسمة فأكثر- ويعقد المجلس دوراته العادية ثلاث مرات في السنة  لمدة خمسة عشر يوما متتالية و قد تكون هناك جلسات استثنائية.

2     -  لجان المجلس : يتعين على المجلس تعيين سبع لجان دائمة على الأقل تختص بدراسة  بعض المسائل :

كالمسائل المالية والميزانية ،مسائل التخطيط وإعداد التراب ،المسائل الاجتماعية وإعداد التراب  وغيرها في كل ما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية .... كما تعين لجان كلما اقتضت الضرورة ذلك [17].

3-   الجهاز التنفيذي: يتكون الجهاز التنفيذي من ثنائية رئيس المجلس الجهوي  و العامل ممثل الدولة:

أ‌-  العامل : يعتبر العامل هو المسؤول عن تنفيذ مقررات مجالس الجهة باعتبار المادتان 101 102 من الدستور الحالي وهو يقوم بإنجاز أعمال البيع إبرام الصفقات إعداد الحساب الإداري  اتخاذ القرارات المتعلقة برسوم الضرائب الجهوية الامر وتنص المادة 41 من قانون 96_47 " لا تكون قرارات المجلس الجهوي الخاصة بالمسائل التالية قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها سلطة الوصاية " كالامتيازات والوكالات و تدخل في اختصاصاته أيضا جميع المسائل التي لها ارتباط بمختلف الأعمال المالية   وهو الأمر بالصرف 

ب‌- رئيس المجلس الجهوي  :  و ينتخب بواسطة الاقتراع السري بالأغلبية المطلقة في الدورة الأولى والثانية وفي حالة اللجوء إلى الثالثة فبالأغلبية النسبية، هو يحتل المرتبة الثانية بعد العامل و ذلك بالنظر للاختصاصات المخولة له والتي تتحدد في استدعاء المجلس لعقد دوراته العادية والاستثنائية إعداد جدول الأعمال رئاسة المجلس الجهوي  وتمثيله داخل المؤسسات الجهوية ، توظيف المكلفين بمهمة أو بالدراسات ...[18]

المطلب الثاني: اختصاصات الجهة

   أناط القانون المجلس الجهوي باختصاصات واسعة ، لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .وهكذا ينص الفصل 6 الفقرة الثانية من القانون رقم 96-47 المتعلق بإحداث الجهات على أن" يمارس المجلس اختصاصات خاصة  واختصاصات تنقلها إليه الدولة وعلاوة على ذلك يمكن تقديم اقتراحات وإبداء اراء حول الأعمال ذات المصلحة العامة التي تهم الجهة الداخلة في نطاق اختصاصات الدولة أو أي شخص معنوي اخر من أشخاص القانون العام" [19] وبهذا يمكن اعتبار أن  للجهة اختصاصات أصلية  كالدراسة والتصويت على الميزانية،دراسة إعداد الحساب الإداري، إنجاز أعمال البيع، إبرام الصفقات، تحديد كيفية وضع اساس الرسوم و الضرائب الجهوية و إعداد مخطط جهوي لتهيئة التراب الوطني [20] .

و الاختصاصات المفوضة: هي التي يتم نقلها من طرف الدولة لفائدة الجهات كإقامة وصيانة المستشفيات والمؤسسات الجامعية ، تكوين أطر وأعوان الجماعات المحلية....

ثم توجد اختصاصات  من نوع ثالث تتعلق بالاقتراحات التي يمكن المجلس الجهوي تقديمها للسلطة التنفيذية.



المبحث الثاني : إشكالات التجربة الجهوية

     يلاحظ المتتبعون للشأن المحليٍِ، من خلال استقراء واقع التجربة الجهوية في صيغتها الحالية، وجود إشكالات عميقة أبانت عن عجز التجربة و محدوديتها في الاستجابة لمتطلبات المرحلة داخليا وخارجيا. فالمغرب حسب ما أكده أغلب الباحثين يعيش عوائق و إكراهات تحول دون التحقيق الأمثل للجهوية. إذ على الرغم من التطور الذي عرفته مؤسسة الجهة في ظل القانون 96/47 الخاص بتنظيم الجهات والذي نقل هذه الأخيرة من إطار استشاري إلى مكون من مكونات الجماعات المحلية معترف لها بمجموعة من الاختصاصات والصلاحيات الاقتصادية والاجتماعية، فإن واقع الجهة يكشف عن وجود مجموعة من المشاكل تعيق تأسيس فضاء تنموي حقيقي بالمغرب.

     و تأسيسا على ما سبق سنحاول الوقوف عند بعض هذه المشاكل على النحو التالي :

المطلب الأول: المشاكل البنيوية

     تعتبر مسألة غياب النصوص القانونية إشكالية مركزية بالنسبة للقوانين الخاصة بالتنظيم المحلي فبالرغم من كون القانون الجهوي الصادر في سنة 1997 قد عمل على تنظيم مؤسسة الجهة سواء فيما يتعلق بهياكلها واختصاصاتها والوصاية المفروضة عليها، فإنه في المقابل قد أغفل تنظيم مجموعة من المجالات ذات الصلة بالتدخل الجهوي (النصوص القانونية المنظمة للموارد المالية والبشرية للجهة).هيكلة المصالح الإدارية للجهات – التمييز بين هياكل الإدارة الجهوية التابعة للمجلس الجهوي والإدارة التابعة للوالي – غياب نصوص قانونية من شانها أن توضح العلاقة بين الجهات والدولة والجماعات المحلية الأخرى من جهة أخرى... )

   إن هذا التخلف في النصوص القانونية المفروض مواكبتها للتطور العام للتجربة الجهوية يرتب آثارا سلبية في الأداء العام للمؤسسات الجهوية من أهمها إفراغ العمل الجهوي من معنوياته الإيجابية وجعل الجهات بفعل هذه الإشكالية عبارة عن وحدة إدارية لا مركزية غير فاعلة بل ومشلولة في جانب هام من الاختصاصات المنوطة بها[21] .

  وعلاوة على ما سبق، فإن التقسيم الجهوي في ظل مرسوم 17 غشت 1997، و الذي أسفر عن تقسيم البلاد إلى 16 جهة، يطرح بدوره مجموعة من الإشكالات ترتبط على الخصوص بالمعايير المعتمدة في عمليات التقطيع وبظاهرة الاختلال الجهوي .

    فإذا كان مرسوم التقطيع الجهوي رقم 2.97.246 بتاريخ17 غشت 1997,ج.ر عدد 4109 بتاريخ 81 غشت1997 يضع المعايير المعتمدة لوضع الخريطة الجهوية,و تتلخص هذه المعايير في أربع مستويات:معايير بيئية,و تاريخية,و متطلبات الاندماج الوطني,إضافة إلى المقاييس الجيوستراتيجية. فإنه لم يأخذ بعين الاعتبار بهذه المعايير,و ذلك من خلال عدم مراعاة معيار التماثل الاقتصادي والتجانس الحضاري وهو ما ترتب عنه وجود وحدات مجالية غير متجانسة من جهة ومن جهة ثانية يلاحظ هيمنة البعد الأمني على هذا التقطيع خاصة وأن وزارة الداخلية هي التي تحتكر مسألة التقسيم الجهوي حيث يطغى البعد الأمني على باقي الأبعاد الأخرى[22]  .

   وقد صاحبت إشكالية التقطيع الجهوي ظاهرة على جانب كبير من الأهمية وهي ظاهرة الاختلال بين الجهات وتتجسد هذه الظاهرة في الاختلاف والتفاوت بين الجهات سواء من حيث المساحة أو عدد السكان أو من حيث البنيات والتجهيزات التحتية أو من خلال الإمكانيات الطبيعية التي تتوفر عليها كل جهة .

  ففي الجانب الديمغرافي نجد أن ثلاث جهات الدار البيضاء الكبرى، مراكش تانسيفت الحوز، سوس ماسة درعة) تضم 32.4 من مجموع السكان (إحصاء 1994). وفي القطاع الفلاحي وانطلاقا من مؤشر المساحة المزروعة يوجد هناك اختلال بين جهتين الغرب شراردة بني حسن ; وسوس ماسة درعة ونفس الاختلال يلاحظ أيضا بشكل أكثر وضوحا في القطاع الصناعي إذ تبقى جهة الدار البيضاء الكبرى قطبا مهما في المغرب حيث تحظي بالحصة الكبرى من الاستثمارات 45 % من الاستثمارات الوطنية.

    واقع الاختلال يهم جانب آخر القطاع الاجتماعي ففي الجانب التعليمي تحضى جهة الدار البيضاء الكبرى بالأولوية مقارنة بجهة مراكش تانسيفت الحوز، وفي جانب الصحة نفس الأولوية تحظى بها الرباط سلا زمور زعير، التي يتواجد بها ثمانية مستشفيات متخصصة من أصل 32 مستشفى موزعة على التراب الوطني [23].

      اما بخصوص التمثيلية داخل المجلس و طريقة الانتخاب فاننا نجد ان القانون المنظم للجهات قد وسع من تركيبة المجالس الجهوية بالمقارنة مع المجالس المنتخبة الأخرى، يضم إلى جانب ممثلي الجماعات الحضرية والقروية والإقليمية وممثلي الغرف المهنية وممثلي المأجورين ونواب الأمة ( البرلمانيون الغرفتين) ورؤساء المجالس الإقليمية ومجالس العمالات والمجموعات الحضرية بصفة استشارية. وهذا التمثيل رغم سعته فهو لا يشمل جميع الفعاليات كالهيئات المهنية المختلفة ( نقابة الأطباء ، المحامون والأساتذة الباحثون ) والجمعيات في مختلف المجالات ولو على سبيل الاستشارة وإبداء الرأي من جهة ومن جهة ثانية فإن تشكيل المجلس الجهوي من هذه الهيئات تجعله أشبه بما يكون بمجلس اقتصادي واجتماعي [24]، ثم انه بالرجوع إلى مدونة الانتخابات لسنة 2003 نجد أن المشرع لم يشترط من أجل حمل صفة مستشار جهوي التوفر على مستوى تعليمي معين باستثناء رئيس المجلس الجهوي الذي اشترط فيه الحصول على الشهادة الابتدائية كحد أدنى وهو الأمر الذي يترتب عنه انتخاب أشخاص بالمجالس الجهوية لا علم لهم بأمور التسيير والتدبير الجهوي وهو ما انعكس سلبا على عمل ومردودية المجالس الجهوية. هدا و تعتبر طريقة الانتخاب المتمثلة في الاقتراع غير المباشر مسا بمصداقية العملية الديمقراطية في حد ذاتها التي تفرض قيام المواطنين بأنفسهم بانتخاب ممثليهم مباشرة في المجالس الجهوية كما هو عليه الحال في فرنسا وإسبانيا مثلا ، وكما أن هذا الامر يترتب عنه قطع أي صلة تواصل بين هؤلاء المنتخبين والسكان وإمكانية محاسبتهم في حالة عدم التزامهم بوعودهم الانتخابية وهو ما يجعل عدد كبير من المواطنين خاصة المتواجدين في البوادي لا يعلمون هذه المجالس .

المطلب الثاني: المشاكل الوظيفية 

أولا : المشاكل المرتبطة بالاختصاص والسلطة التنفيذية للجهة

    إن المجلس الجهوي باعتباره أداة لتحقيق التنمية تبقى اختصاصاته محدودة فالمجلس يمارس كما سبقت الإشارة اختصاصات خاصة به، وأخرى يمكن تنقلها إليه الدولة، كما يبدي رأيه ويقدم اقتراحات في عدد من المجالات التي يرجع فيها الاختصاص أيضا إلى الدولة والأشخاص المعنوية العامة .

    والملاحظ أن ميادين ومجالات اختصاصات المجلس الجهوي التي يملكها هذا الأخير سلطة اتخاذ القرار لا تكفي لجعل الجهة تلعب الدور المنوط بها وهو التنمية الجهوية وذلك بالمقارنة مع الاختصاصات التي بقيت بيد الدولة والتي لا يمكن للمجلس سوى تقديم اقتراحات فقط بشأنها، فإنعاش التنمية وإحداث المرافق العامة الجهوية والوطنية واختيار طبيعة الاستثمارات العمومية كلها تبقى من اختصاص الدولة كما أن سياسة إعداد التراب الوطني للتنمية تحددهما الحكومة على الصعيد المركزي، وبهذا يكون الدور المنوط بالجهة ثانويا مما يجعل الجهة إطار ترابيا فقط لتنفيذ مخططات التنمية الوطنية وليس أداة فاعلة في التخطيط تتولى وضع مخططها التنموي الجهوي الخاص بها [25] .

    فضلا عن محدودية الاختصاصات فالملاحظ أنها جاءت غامضة وغير مدققة، فهي تسمح للجهات بالتدخل في كل المجالات دون رسم حدود ذلك التدخل ، كما يوحي بأنها تقوم بكل شيء مع أنها لا تستطيع أن تقوم بأي شيء، وغموض الاختصاصات قد ترتب عنه على المستوى العملي تداخل الاختصاصات، فاختصاص الجهة مثلا بإنعاش الاستثمارات الخاصة والتشجيع على إنجاز تلك الاستثمارات يعد من صميم اهتمام الإدارة المركزية واختصاص الجهة بإقامة وتنظيم مناطق صناعية ومناطق للأنشطة الاقتصادية يدخل أيضا ضمن اختصاص الجماعات الحضرية حين إعدادها لتصميم التهيئة، وإذا كانت الجهة مختصة بحماية البيئة فإن هذا الاختصاص يعد من صميم اختصاصات المجالس الجهوية للبيئة .وقد نتج عن هذا التدخل عدم وضوح المسؤوليات وتشتيت جهود التنمية إن لم نقل عرقلتها وهدر طاقاتها وإمكانياتها ناهيك عن الاختلاسات التي يشكل غموض الاختصاص منفذا كبيرا لها كما أنه في ظل هذا التدخل أصبح من الصعب التمييز بين ما هو جهوي وما هو إقليمي وما هو جماعي وما هو وطني، إضافة إلى ذلك فإن هناك تناقض يحمله قانون الجهة في باب الاختصاصات فكيف يمكن قبول فكرة أن يقترح المجلس الجهوي إحداث المرافق العمومية الجهوية وهي تابعة له وتهم اختصاصاته التي من المفروض ان تكون تقريرية [26]

  من خلال قراءة متأنية للاختصاصات الموكولة للمجالس الجهوية يتضح أنها واسعة ومتنوعة فقد حددها القانون بصيغة عامة وشمولية، مما يتعذر تدقيقها ووضع حدود لها بالقياس إلى الاختصاصات الموكولة للدولة أو الهيئات العمومية الأخرى، الشيء الذي يطرح التساؤل عن مدى استقلالية المجالس الجهوية عن الدولة في ممارستها لتلك الاختصاصات وحدود رقابة الدولة عليها، ولعل محدودية استقلالية الجهة في المنظومة التشريعية الحالية تبرز من خلال الاختصاصات الموكولة لرئيس المجلس وعلاقته مع عامل مركز الجهة (الباب الخامس من قانون 2 أبريل 1997).

  فباستثناء بعض الاختصاصات التي ينفرد بها رئيس المجلس الجهوي، والتي ترجع بطبيعتها إلى سلطته الرئاسية كرئاسة المجلس، وتمثيل هذا الأخير بحكم القانون في المؤسسات العامة ذات الطابع الجهوي، واستدعاء المجلس لعقد دوراته وإعداد النظام الداخلي للمجلس باتفاق مع أعضاء المكتب، فكل الاختصاصات التي تكتسي أهمية تتخذ من طرف الوالي، فهو الذي يمثل الجهة أمام المحاكم وينجز أعمال الكراء والبيع والشراء، ويبرم الصفقات باسم الجهة وينفذ الميزانية ويقوم بإعداد الحساب الإداري باعتباره ممثل للدولة (الفصل 102 من الدستور) فالعمال يمثلون الدولة في العمالات والأقاليم والجهات ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم مسؤولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية[27]   وهو الوضع الذي تترتب عنه مجموعة من النتائج السلبية فازدواجية دور العامل كممثل للدولة والجهة من شأنه أن يؤثر سلبا على التنمية فالعامل بصفاته المختلفة لا يمكنه أن يمارس المهام المتنوعة والمسندة له بموجب قانون التنظيم الجهوي والمسندة له بوصفه مندوب الحكومة يسهر على تطبيق سياستها على صعيد العمالات والأقاليم. ثم إن إسناد السلطة التنفيذية للجهة لعامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة يمس بالعمق بمبادئ اللامركزية الإدارية والتي تفرض ضرورة إسناد السلطة التنفيذية الحقيقية للجهة للجهاز الذي ينبثق عنها مباشرة بعد انتخابها من قبل سكان الجهة.  

ثانيا : المشاكل المالية والبشرية

إن الموارد المالية هي حجر الزاوية في نظام اللامركزية الإدارية فنجاح التجربة الجهوية بالمغرب يتوقف على ما تتوفر عليه الجهات من موارد مالية قارة ومستقلة لتمويل تدخلاتها. وبالرجوع إلى ظهير 2 ابريل 1997 الخاص بالتنظيم الجهوي نجد أن المشرع قد خص الجهات بموارد ذاتية للتمويل بالإضافة إلى موارد استثنائية.

غير أن التجربة الجهوية في المجال المالي كشفت عن هشاشة الموارد المالية الذاتية التي ستأتي من الضرائب الجهوية ، علما بأن تحقيق مداخيل أخرى غير ضريبية مستبعدة في السنوات القليلة المستقبلية كمداخيل استغلال الأملاك والمرافق العمومية الجهوية والمداخيل المالية المتأتية من المساهمات في الشركات أو من الودائع بالخزينة العامة .

كما أن المداخيل المتحصلة من الرسوم ضعيفة للغاية وذلك يرجع إلى كونها قليلة وأغلبها إضافية ولا تشكل موارد مهمة ناهيك عن صعوبة استخلاصها ونقل وطأتها على المواطن .

أما عن القروض الجهوية، فإن التجربة قد كشفت على أن الجهات الغنية هي الأكثر استفادة منها كمصادر للتمويل في حين يجري حرمان الجهات الفقيرة الأمر الذي ترتب عنه ارتباط مصادر تمويل الجهة بصفة أساسية بإمدادات الدولة وهو ما يطرح من جديد مسألة استقلالية الجهات. ناهيك عن ضيق هامش حرية المجالس الجهوية في تدبير ماليتها فالنصوص الجاري بها العمل تقلص كثيرا من دور المجالس الجهوية في فرض الرسوم والإتاوات والحقوق المختلفة وتحديد أسعارها وطرق جبايتها ومراجعتها وإلغائها كما أنها تفرض عليها قائمة من النفقات  الإجبارية لا تملك حيالها إلا تسجيلها في الميزانية تحت طائلة الحلول التلقائي لوزير الداخلية في حالة عدم اعتمادها.

  وتجدر الإشارة إلى أنه نتيجة غياب نصوص قانونية تضبط معايير توزيع بعض المداخيل التي تعود إلى الجهة قانونا فإن الإدارة المركزية (وخاصة وزارة الداخلية) تظل هي المتحكم في تحديد حصصها.

  هذا وتعد الموارد البشرية إلى جانب الموارد المالية من العناصر الإستراتيجية في عمل الهيئات الجهوية إذ بواسطتها يتم تفعيل وتجسيد مختلف الاختصاصات والصلاحيات المنوطة بهذه الهيئات ، الأمر الذي يستلزم التوفر على هيئة من العاملين والأطر الإدارية تمتاز بعنصري الكفاءة والخبرة [28]

  وقد اعترف قانون التنظيم الجهوي لرئيس المجلس الجهوي بصلاحية التعيين في المناصب والوظائف الإدارية المرتبة في سلا ليم الأجور من 1 إلى 8 وكذا تعيين الأعوان المؤقتين والمياومين والموظفين على أن التعين في المناصب العليا (الكاتب العام والمكلفون بمهمة والمكلفون بالدراسات)، يبقى رهينا بموافقة عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة وفي حدود عدد المناصب المتفق عليها معه.

  وإذا كان المشرع قد عمد من خلال مقتضيات تنظيم الجهات إلى تنظيم الوضعية الإدارية والوظيفة خاصة بالنسبة للكاتب العام للجهة والذي أناط به مجموعة من الاختصاصات، فإن الوضعية الإدارية لباقي أصناف العاملين بالجهة تظل مفتقدة لنظام قانوني للوظيفة العمومية الجهوية يكون الإطار المرجعي لتنظيم حقوق وواجبات هذه الفئة من الموظفين والأعوان.

   ينضاف إلى ما سبق مشكل آخر يتمثل في ضعف التكوين للموارد البشرية العاملة بالجماعات المحلية عموما حيث ان احتكار رؤساء المجالس المحلية صلاحية التعيين دون وضع المشرع شروط موضوعية للاشتغال بهذه المجالس ساعد على انتشار ظاهرة الزبونية والمحسوبية للتوظيف في هذه المناصب على حساب عنصري الخبرة والكفاءة .

      و إجمالا يمكن اختصار مكامن القصور في التجربة الحالية رغم اختلاف كل من الباحث المتخصص, و الفاعل السياسي, و المنتخب المجرب,و سلطة الوصاية,و المجتمع المدني في ما يلي:

·       النصوص القانونية المنظمة تحمل خللا مؤسساتيا جوهريا بين ممثلي الدولة والمنتخبين,حيث عمل المركز من خلالها على تصدير أدواته في الضبط و المراقبة من المركز إلى المستويات المحلية.

·       طريقة التدبير اللامركزي التي لم تؤدي إلا إلى تغيير في آليات و قنوات تدخل السلطة التي أصبحت تمارس وساطتها ليس عبر المركز ولكن كم خلال ممثليه على المستوى المحلي.

·       التقطيع الترابي الذي أدى جل وظائفه رغم ما وصف به إبان الدولة اليعقوبية التي عرفها المغرب مباشرة بعد استقلاله و الذي حافظ بها على وحدته و تماسك مختلف مكوناته.

·       الفشل في تحقيق فضاءات محلية بسلطة ذات شرعية ديمقراطية مكملة و منافسة للمركز,بسبب غياب مقاربة توزيعية للسلطة بين المركز و المحيط و بين مختلف مستويات المحيط )الجهة,العمالة,والجماعة(

                و من المقتضيات القانونية أيضا التي حدت من التأسيس لتجربة "مغرب الجهات" نجد:

·       حظر التداول في القضايا ذات طابع سياسي على إعمال المجلس الجهوي,حيث تنص المادة الأولى من القانون المنظم للجهات على انه"...لا يجوز للمجلس أن يتداول في قضايا ذات طابع سياسي أو خارجة عن نطاق المسائل التي تهم مصلحة الجهة".

·       الآليات القانونية المؤطرة للجهة,و التي لا تمكن من خلق شروط بروز جهوية فاعلة ولا إنتاج نخب مدبرين جدد للمجال الجهوي بسبب سمو المركز القانوني لممثل الدولة الذي يلعب دور وسيط بين المركز و الهيات المنتخبةّ )فالعامل يتوفر على و طبقا للمادة 9 على إمكانية"...توجيه الاقتراحات و الآراء إلى السلطات الحكومية المختصة"  (يمثل الجهات لدى المحاكم)تطبيقا للمادة56 التي توكل للعامل تمثيل الجهة لدى المحاكم(,و هو الآمر بالصرف و يشرف على تنفيذ الميزانية وإعداد الحساب الإداري واكتسابه صفة "عون الدولة في خدمة الجهة."

·       عدم نقل الاعتمادات الكافية,و مع ذلك تتمتع الجهات باختصاصات واسعة وهذه مفارقة غريبة{فقد نصت المادة السابعة من القانون المتعلق بالجهات على تعداد للاختصاص يربو على 14 اختصاص في مجالات : التعمير,الاستثمار,حماية البيئة والميادين الثقافية والاجتماعية},لكن دون إمكانيات مالية مناسبة, و بتقطيع ترابي متضخم 16 جهة بالنسبة لدولة لا تتعدى مساحتها الترابية 710.000 كلم2 و غير منسجم.

·       عدم تفعيل صندوق التنمية الجهوية الذي ينص عليه الفصل 66 من القانون 96_47 .

·       ضعف النخب المنتخبة و تخليها عن اختصاصاتها لصالح السلطة الوصية.

















الفصل الثاني  : آفاق الجهوية الموسعة والحكم الذاتي

بعد القصور الذي عرفه النظام الجهوي الحالي في تحقيق الأهداف المتوخاة منه اقتصاديا و سياسيا و ترابيا نظرا للاختلالات التي عرفها خاصة على مستوى محدودية الصلاحيات المخولة للجماعات المحلية، وكذا نظام الوصاية المضروبة على هذه الأخيرة، وبعد تعذر الوصول إلى حل متوافق حوله لنزاع الصحراء، جاء الخطاب الملكي في 3 يناير 2010 لإعلان "انطلاقة لورش هيكلي كبير" أراده صاحب الجلالة أن يكون "تحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية، كما نتوخى أن يكون انبثاقا لدينامية جديدة، للإصلاح المؤسسي العميق". ولهذا الغرض أعلن جلالته عن تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، من أجل إعطاء تصور شامل حول جهوية وصفت بالموسعة ونظام للحكم الذاتي في جهة الصحراء، من هذا المنطلق نتساءل ما مضمون هذه المبادرة الملكية؟ وما هي أبرز مرتكزاتها؟ ما هي الرهانات المطروحة على هذا المشروع؟  وما هو دور اللجنة الاستشارية للجهوية؟ ما هي تركيبتها؟ هل مشروع الجهوية المنشودة هو خطوة في إقامة قواعد ديمقراطية محلية قادرة أن تستجيب لتطلعات المواطنين أم هي مجرد إعادة لتوزيع الاختصاصات وتطوير منظومة الجهوية التي نهجها المغرب لأكثر من ثلاثة عقود؟ ما معنى أن تكون الجهوية مغربية-مغربية؟  وما هي آفاق الجهوية المنشودة؟     

المبحث الأول : توقعات الجهوية الموسعة

يعد الخطاب الملكي ل 3 يناير 2010 المحطة الرئيسية التي ستنطلق منها الأعمال لإعطاء تصورات حول الجهوية الموسعة ونظام للحكم الذاتي بالصحراء إذ ستنبثق عنه لجنة استشارية ستعمل على تحديد معالم هذا الورش، لذلك ارتأينا في هذا المبحث أن نتطرق إلى أبرز ما جاء به الخطاب الملكي مع إلقاء نظرة حول اللجنة الاستشارية، بعدها سنعرج نقاشنا حول الجهوية الموسعة كخطوة أولى مرحلية في اتجاه الحكم الذاتي.  





المطلب الأول: المبادرات الرسمية للجهوية الموسعة

في إطار الاختصاص المخول له دستوريا وجه الملك محمد السادس خطابا إلى الأمة بتاريخ 03/01/2010 أعلن فيه جلالته عن مبادرة ملكية للجهوية الموسعة و الحكم الذاتي في الصحراء حيث قام بتنصيب لجنة استشارية للجهوية ستتكلف بإعطاء تصور عام لهذا المشروع. و قد حدد لها موعد أواخر شهر يونيو الفارط كموعد لتقديم نتائج أعمالها إلا أن هذا الموعد قد تم تمديده إلى 31 دجنبر 2010 نظرا لما واجهته اللجنة من صعوبات و إشكالات في تحديد تصور ينسجم و التوصيات التي أوصى بها عاهل البلاد في خطابه اذ حرص على ألا تكون" مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير و تحديث هياكل الدولة، و النهوض بالتنمية المندمجة". كما دعى اللجنة إلى "الاجتهاد في إيجاد نموذج مغربي-مغربي للجهوية "، "ابداع منظومة وطنية متميزة للجهوية، بعيدا عن اللجوء للتقليد الحرفي، أو الاستنساخ الكلي للتجارب الأجنبية " و قد حدد جلالته أربعة مرتكزات يجب أن تعتمد في بلورة هذا التصور و هي :

1- التشبث بمقدسات الأمة و ثوابتها، في وحدة الدولة و الوطن و التراب.

2- الالتزام بالتضامن  (إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز و الجهات)

3- اعتماد التناسق و التوازن في الصلاحيات و الإمكانيات و تفادي تداخل الاختصاصات و تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية و السلطات و المؤسسات.

4- انتهاج اللاتمركز الواسع.

     و بعد تحديده للمرتكزات حدد الأهداف الجوهرية المتوخى بلوغها من هذا الورش و في مقدمتها : 

1-إيجاد جهات قائمة الذات و قابلة للاستمرار.

2-انبثاق مجالس ديمقراطية لها من الصلاحيات و الموارد ما يمكنها من النهوض بالتنمية الجهوية المندمجة.

3-جعل الأقاليم الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة.

       و يمكن القول أن تشكيل اللجنة المكلفة بإعداد تصور لتطبيق مشروع الجهوية الموسعة و التي ضمت شخصيات من مختلف التخصصات ( الاقتصادية و الجغرافية، التاريخية، السوسيولوجية، القانونية  السياسية و الإدارية...) تعكس الرغبة في بلورة تصور منسجم يقف على العناصر الكفيلة بإنجاح هذا المشروع في مختلف تجلياته، كما تبرز أن هناك قناعة ترسخت لدى صانعي القرار بأعمال إصلاحات في النظام الجهوي القائم، بعد بروز مجموعة من الاختلالات التي ما فتئت تعتريه.[29]

و بالتالي فالسياق الذي تأتي فيه مبادرة الجهوية الموسعة، يمكن قراءته من مستويين :

المستوى الأول و برز من خلال إرادة الدولة للمضي قدما في تطوير منظومة اللامركزية في تدبير الشأن المحلي، كأحد الآليات التدبيرية التي تحاول من خلالها الدولة الإجابة عن المطالب الملحة في التنمية و سد الخصاص في العجز البنيوي الذي تعاني منه الكثير من المناطق المغربية.

المستوى الثاني و يكمن في اتجاه الدولة للإجابة عن التفاعلات التي تعرفها قضية الصحراء[30].

المطلب الثاني: الجهوية الموسعة خطوة أولى مرحلية في اتجاه الحكم الذاتي

في البداية يجب التمييز ما بين مستويين من الجهوية :        

1- جهوية ذات بعد مؤسساتي دستوري و سياسي، يتم من خلال تخويل الجهات مؤسسات دستورية تشريعية و تنفيذية، تستطيع من خلالها تدبير شؤونها الداخلية على شكل حكم ذاتي تحت غطاء سلطة فدرالية.

2- جهوية ذات طابع إداري يتم من خلالها تقسيم الاختصاصات ما بين السلطات المركزية و السلطات المحلية، بحيث تستطيع هذه الأخيرة أن تتكفل بشؤونها التدبيرية فيما يرجع للحكامة الاقتصادية و تنمية المجال.[31]

إن أهمية التمييز بين هذين المستويين من الجهوية تتجلى عند التساؤل حول ما هو الأساس المرجعي الذي ستستند إليه الجهوية الموسعة المنشودة؟ هل سيتم التنصيص عليها دستوريا أم سيتم الاكتفاء بالمرتكزات الأربعة التي جاءت في الخطاب كإطار مرجعي؟

إن هذه الأسئلة تطرح في العمق سيناريوهين :

الأول-  يعتبر أن الانتقال إلى منطق الجهوية المعبر عنه في الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية الملكية للجهوية. لا يقتضي بالضرورة تعديلا دستوريا، في استبعاد لطرح موضوع إعادة النظر في الوثيقة الدستورية في ارتباط فقط بالشكل الجديد للبنية الترابية للمجال، معتبرا أن إطارا قانونيا جديدا (قوانين عادية) يمكن أن يكون كافيا لتحديد طريقة تشكيل المجالس الجهوية و انتخابها، و إجابة عن معايير التقطيع الترابي، و التأسيس لعلاقة جديدة بين المركزي و المحلي في مستويات الاختصاص، الوصاية، اللاتركيز و كذا حجم و مصادر التمويل.

الثاني-  يعتبر أن التعديل الدستوري يبقى مدخلا ضروريا، للترجمة المؤسساتية للجهوية ومؤسسات وقواعد للاشتغال، ففلسفة الجهوية يجب أن يتم التنصيص عليها دستوريا لتمتيعها بالسمو القانوني ولتحصينها بخاصية الحضر الموضوعي. كما أن التعديلات القانونية لا يمكن أن تتم دون تغيير لمضامين الوثيقة الدستورية الحالية (دستور 13 شتنبر 1996) التي تؤطر التمثيلية بمجلس المستشارين (الفصل 38 من الدستور) والوضعية القانونية لمؤسسة العامل (الفصلين 101و102 من الدستور) والمؤسسات المنضوية تحت خانة الجماعات المحلية (ف. 100 من الدستور)[32].

والجهوية السياسية أساسها دستوري، وهي تعد أرقى أنواع الجهوية الحديثة في الدولة المتقدمة، فهي تمثل سلطة سياسية حقيقية متميزة عن سلطة الدولة، فهي جماعة ديمقراطية مسيرة من طرف أجهزة سياسية منتخبة بطريقة مباشرة، و الجهة هي أعلى مرتبة في مستويات اللامركزية الترابية إذ لا تتوفر فقط على اختصاصات إدارية  وإنما أيضا لها اختصاصات تشريعية وتنظيمية أصلية محددة دستوريا[33].

وإذا كان دستور 1996 قد ارتقى بالجهة إلى مستوى الجماعة المحلية، فان قانون 96/47 لم يستوعب مجموعة من الصلاحيات الضرورية للارتقاء بالأداء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتفعيل اللامركزية الحقيقية، وبالتالي فان الإقرار الدستوري بالجهوية الموسعة يمكن أن يعتبر ضمانة أساسية لإعطاء الجهة المكانة اللائقة بها في النظام السياسي المغربي،

 وهذا الإقرار الدستوري لا يتجلى فقط في الاعتراف بوجودها كجماعة محلية وإنما في تحديد اختصاصاتها وطريقة انتخابها ووسائلها المادية، والتنصيص بشكل واضح على أن سكان الجهات المحددة دستوريا يمارسون عن طريق هيئاتهم التنفيذية والتشريعية السلطة الكلية على ادارة الحكم المحلي وتدبير الميزانية والنظام الضريبي الجهوي والأمن الداخلي والرعاية الاجتماعية والتعلم والثقافة، إلى غير ذلك من الاختصاصات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية، باستثناء القضايا ذات الطابع السيادي التي تعود إلى الأجهزة المركزية للدولة كالسياسة الخارجية والأمن الوطني والدفاع وحماية الحدود ونظم البريد والعملة وإنتاج الأسلحة... وهكذا تتقاسم الجهة مع السلطة المركزية الوظائف الأساسية في الميدان التشريعي والتنظيمي، وهو ما يعني أن الارتقاء باختصاصات الجهة يمر عبر تعديل في الوثيقة الدستورية[34].

وعليه فان أي خيار جهوي سيختاره المغرب سواء كانت جهوية سياسية بالمعنى الدقيق، أو الجهوية الإدارية فان ذلك يستدعي إعادة النظر في وظيفة المؤسسات المحلية وأقصد الجماعة والمقاطعة ومجلس المدينة والجهة والقوانين الانتخابية ومؤسسة الوالي أو العامل ودور الأحزاب والمؤسسات الوطنية أي البرلمان بغرفتيه، الأمر الذي يتطلب عدم اعتبار الجهوية خيار تقنيا أو تعديلا محدودا في الوثيقة الدستورية، بل تغييرا في فصل السلط والتمثيل السياسي وشكل الدولة، وهي أبعاد لا يمكن لتعديل دستوري متحكم فيه أن يجيب عنها، وهذا ما تجسد في كل التعديلات الدستورية لسنوات 92 و 96. إن الأمر يتعلق هذه المرة بتعديل دستوري عميق محتكم إلى السلطة المؤسساتية المبنية على احترام السيادة الشعبية وفصل السلط  وأقرر حقوق الإنسان[35]

كما ينبغي الإشارة إلى أن التجارب العالمية في مجال الجهوية تختلف من دولة لأخرى تبعا لخصوصيات تلك المجتمعات، الأمر الذي يتطلب منا كذلك أن نجد لأنفسنا نموذجا يتوافق مع خصوصياتنا، فالنظام الجهوي المنشود لابد أن ينبثق من الواقع المغربي[36].

إن ضرورة التفكير في آفاق جديدة للنظام الجهوي بالمغرب تمليها أيضا الاعتبارات المرتبطة بقضية الصحراء المغربية، فالمغرب الذي يدعو إلى حل سياسي متوافق حوله بين جميع الأطراف يطرح مشروعا للحكم الذاتي، وهو حل يتجاوز وضعية الغالب والمغلوب ويتجاوز "الطرح الانفصالي" كما يتجاوز "الإدماج البسيط"[37].

المبحث الثاني: الحكم الذاتي كحل سياسي توافقي

في سياق البحث عن الحلول السليمة لنزاع الصحراء، وفي إطار التحول الديمقراطي الدي يعرفه، بل ومن منطلق إدارة رشيدة لملف استعصى حله، بادر المغرب إلى الإعلان عن عرض مشروع للحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية المغربية المتنازع حولها، وعليه يمكن أن يشكل مقاربة الحكم الذاتي صيغة حداثية قادرة على تقديم إجابة ديمقراطية خاصة إذا تم توفير كل مقومات وشروط النجاح، وهو ما اختزلته هذه المقاربة التي أعلن عنها صاحب الجلالة، والتي تعد نقلة نوعية وكمية لطي هذا الملف، وبالتالي تطريس الديمقراطية في تدبير الشأن العام المحلي التي تحملها الجهوية الموسعة إلى باقي الجهات، وهو ما يحتم ربطها بالحل السياسي، والذي يطرح في إطار معادلة سياسية وطنية لا تروم فقط إلى إعادة النظر في بنية المجال الترابي للدولة وأنماط التدبير الإداري والسياسي المحلي، ولكن كحل لمشكل الصحراء والذي يتطلب من أطراف النزاع تقديم مقترحات ملموسة أمام أزمة خيار التسوية المؤسسة على حل الاستفتاء.

لذلك من أبرز الإسهامات التي يمكن أن تنتج بفعل تطبيق الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية هو التطور الملازم للجهوية، خاصة وأن هذا التطور مرتبط بالتطور السياسي العام للبلاد، حيث مكانة الجهة من الناحية القانونية والدستورية تتأثر بالمناخ العام للبلاد وبمدى التطور الديمقراطي الذي تعرفه، فما هي إذن مرتكزات المبادرة الوطنية للحكم الذاتي؟ وأين يتجلى التزام المغرب بالحل السياسي؟ وأي تتجلى إجراءات الموافقة لتطبيق المشروع؟ وهل الحكم الذاتي يحد من إشكالية التطبيق الفعلي للجهوية الموسعة؟

المطلب الأول: تفاصيل المبادرة الوطنية الحكم الذاتي

إن مبادرة الحكم الذاتي هي مبادرة توافقية وجديدة ومسؤولة ومفتوحة، وتسمح بموجب جوهرها وأهدافها الشاملة لجميع الصحراويين سواء داخل المنطقة أو خارجها، بتسيير شؤونهم بطريقة ديمقراطية عن طريق مختلف الأجهزة التمثيلية التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحقق بالتالي مبدأ تقرير المصير من خلال صيغة حرة وعصرية وديمقراطية فيما يخص وضع الحكم الذاتي، وذلك في توافق مع العدالة والقوانين والمبادئ الدولية المطبقة في هذا الإطار وتضمن المبادرة التوافق مع حقوق الإنسان وضمان تطويرها كما هو متعارف عليه دوليا وكما هو منصوص عليه في الدستور المغربي، وهذا دليل على استعداد المملكة المغربية الالتلزام بعزم مفاوضات جادة وعميقة مع الأطراف الأخرى بهدف المساهمة في تحقيق حل سياسي ونهائي والذي طالما انتظرته المجموعة الدولية.

إن هذه المبادرة جزء من الجهود المبذولة لبناء محتمع حديث وديمقراطي، يقوم على سلطة القانون والحريات الجماعية والفردية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي بذلك تبعث الأمل في مستقبل أفضل لشعوب المنطقة وتضع حدا للانفصال والمنفى وتعزز المصالحة، وتضمن لكل الصحراويين التمتع بوضع متميز ولعب دور ريادي في هيئات الجهة ومؤسساتها دون أي تمييز أو إقصاء، هكذا سيقوم سكان الصحراء بإدارة شؤونهم بطريقة ديمقراطية من خلالل هيئات تمثيلية تتمتع بسلطات خاصة، وستكون لديهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة كما سيكون لهم دور نشيط في الحياة الاقتصادية والسوسيوثقافية، مع احتفاظ الدولة بسلطاتها في مجالات السيادة الملكية خاصة فيما يتعلق بالدفاع والعلاقات الخارجية والصلاحيات الدستورية والدينية لجلالة الملك.

إن المبادرة المغربية التي تم إعدادها في إطار روح الانفتاح، تروم وضع الأرضية الحوار ومسلسل والتفاوض الذي يقود في النهاية إلى حل سياسي مقبول من لدن كل الأطراف، حيث سيعرض مشروع الحكم الذاتي على السكان المعنيين قصد الاستفتاء حوله انسجاما مع مبدأ تقرير المصير ومقتضيات ميثاق الأمم المتحدة، إن العنصار الأساسية للمقترح المغربي مستلهمة من المقترحات ذات الصلة لمنظمة الأمم المتحدة والمقتضيات الديتورية المعمول بها في البلدان القريبة من المغرب جيوسياسيا وثقافيا وبالتلاي فالمبادرة سيتم خلق مجلس اجتماعي واقتصادي بجهة الصحراء المتمعة بالحكم الذاتي، ويتشكل من ممثلين من الجماعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية بالإضافة إلى شخصيات ذات كفاءة عالية.

المطلب الثاني: إجراءات الموافقة وتطبيق مشروع الحكم الذاتي

سيتم مشروع الحكم الذاتي للجهة موضوع مفاوضات وسيتم عرضه على السكان المعنيين في استفتاء حر، هذا الأخير سيكون بالنسبة لهؤلاء السكان بمثابة ممارسة لحقهم في تقرير المصير بصفة أكثر حداثة وديمقراطية، ووفقا لمقتضيات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، ولبلوغ هذه الغاية وتحقيق هذا الإجراء تتعهد الأطراف بالعمل المشترك وبحسن نية لدعم هذا الحل السياسي وضمان الموافقة عليه من طرف سكان الصحراء، بالإضافة إلى ذلك سيتم تعديل الدستور المغربي وسيتم إدماج مشروع الحكم الذاتي فيه لضمان تثبيته ولعكس مكانته الخاصة في الهندسة الشاملة الوطنية للبلد، وبالتالي فالمملكة المغربية ستقوم بكل الخطوات الضرورية لضمان اندماج كامل للأشخاص الذين سيعودون في نسيج الأمة، وسيتم ذلك بشكل يحافظ على كرامتهم ويضمن أمنهم وحماية أملاكهم.

لهذه الغاية، ستعلن المملكة بالخصوص عفوا شاملا يحول دون أي إجراءات قانونية كالاعتقال أو الاحتجاز، أو السجن، أو التهديد من أي نوع، وذلك بناء على الوقائع التي يشملها هذا العفو، وفور اتفاق الأطراف على الحكم الذاتي المقترح، فإن مجلسا انتقاليا مكونا من ممثلين  الأطراف، سيساعد على إعادة نزع الأسلحة، وتسريح وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج الأراضي، كما سيساعد على أي نشاط آخر يروم ضمان الموافقة وتطبيق هذا المشروع بما في ذلك الانتخابات، وإسوة بالمجموعة الدولية، فإن المملكة المغربية تؤمن بقوة اليوم، أن الحل لنزاع الصحراء لا يمكن بلوغه سوى عبر المفاوضات، ووفقا لذلك، فإن الاقتراح الذي تقدمه الأمم المتحدة يشكل فرصة حقيقية لانطلاق مفاوضات للوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع وفق إجراءات تخدم مصالح المنطقة من جهة وتخدم المصالح المشتركة للجهة المتمعة بالحكم الذاتي، كما أنه ينسجم مع الشرعية الدولية والتي تقوم على أساس تسويات متلائمة مع الأهداف والمبادئ المتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة، وفي هذا الإطار فإن المغرب يتعهد بالتفاوض بحسن نية وبروح بناءة ومتفتحة لبلوغ حل سياسي وتطبيق نهائي ومقبول من كل أطراف النزاع الذي يزعزع استقرار المنطقة للوصول إلى هذا الهدف.

هذا وتأمل المملكة المغربية في أن تقدر الأطراف الآخرى مغزى ومدى هذا المقترح وتدرك ميزته وتساهم فيه بشكل إيجابي وبناء باعتباره هذه اللحظة التي خلقتها هذه المبادرة توفر فرصة تاريخية لحل هذه القضية نهائيا وإلى الأبد.

المطلب الثالث: الحكم الذاتي وإشكالية التطبيق الفعلي للجهوية الموسعة

إذا كان تطبيق المقترب السياسي للجهوية والحكم الذاتي ببلادنا، بخصوصياتنا الأصلية لمن شأنه ليس فقط أن يحل نزاع قضية الصحراء بل س يعمل على تحجيم التفاوتات الصارخة بين تراب جهات المملكة، ويعطي كذلك للسكان المحليين فرصة حكم مجالهم بأنفسهم وهو ما سيفتح الباب أمام تنافسية حقيقية بين جهات المملكة، حيث سيكون التراب الوطني بكامله هو المستفيد على جميع الأصعدة أولا وأخيرا، بالشكل الذي سيكون معه خيار الجهوية والحكم المحلي صيغة ملائمة وحلا مناسبا يصون الحقوق الثابتة للمغرب ويحفظ خصوصية المنطقة ويفتح آفاقا رحبة للبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي المبني على التضامن الوطني، انطلاقا من أن الجهة ستعمل على تشخيص وترتيب طاقتها وحاجياتها لتحديد أولوياتها وبذلك سيتوفر المغرب على أداة جديدة للتضامن لا يمكنها إلا أن تعزز التلاحم الوطني الذي يشكل الرباط الوثيق للهوية المغربية.

كما أن الجهوية المتقدمة باعتبارها أرقى مستوى للجهوية الموسعة كمجال مفضل لصياغة الاستراتيجيات التنموية، حتم بالمقابل إقرار أنظمة للرقابة على تدبير الشأن العام وضمنه تدبير الشأن العام الجهوي.

المغربية تقوم على المعايير والمقاييس المعترف بها دوليا، ومنسجمة مع المبادئ والإجراءات الديمقراطية والتي بموجبها سيمارس سكان الصحراء والجهة الجنوبية المتمتعة بالحكم الذاتي سلطات داخل حدود الجهة الترابية من خلال:

-الإدارة المحلية للجهة قوة شرطة محلية وسلطات قضائية محلية.

-في القطاع الاقتصادي: التنمية الاقتصادية، التخطيط الجهوي، تحفيز الاستثمارات، التجارة الصناعة، السياحة الفلاحة

-ميزانية الجهة ونظامها الضريبي

-في مجال البنية التحتية: المياة، التجهيزات الهيدرولية، الكهرباء الأشغال العامة والنقل

-في القطاع الاجتماعي: الإسكان، التعليم، الصحة، التشغيلن الرياضة، الخدمات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي.

-الشؤون الثقافية بما في ذلك ترويج إرث الثقافة الحسانية الصحراوية.

وستحصل جهة الصحراء بالحكم الذاتي على الموارد المالية الضرورية لتنميتها في كل المجالات، وسيتم استخلاصها من:

-الضرائب والرسوم والجبايات التي يتم سنها من طرف السلطات المختصة بالجهة

-عائدات استغلال الموارد الطبيعية المخصصة للجهة

-جزء من العائدات التي تجنبها الدولة من استغلال الموارد الطبيعية الموجودة بالجهة

-الموارد المالية الضرورية الممنوحة انسجاما مع مبدأ التضامن الوطني

-عائدات من أصول الجهة

وموازاة مع تمتع الجهة بهذه السلطات والصلاحيات ستحتفظ الدولة في المقابل بسلطاتها المتمثلة في:

-رموز السيادة: خاصة العلم الوطني والنشيط الوطني والعملة

-السلطات النابعة من صلاحيات الملك الدستورية والدينية بوصفه أمير المؤمنين وضامن حرية الممارسة الدينية والحريات الفردية والجماعية.

-العلاقات الخارجية والتي ستتم ممارستها بالتشاور مع مهمة الصحراء خاصة القضايا التي لها تأثير مباشر على صلاحيات الجهة.-النظام القضائي للمملكة

-كما يمكن للجهة المتمتعة بالحكم الذاتي بالتشاور مع الحكومة في إقامة علاقات تعاون مع أقاليم خارجية لتعزيز الحوار والتعاون البين –إقليمي الجهات، عن طريق ممثليها في الحكومة إضافة إلى ذلك فالسلطات التي لم يتم منحها لطرف معين يتم ممارستها وفقا لاتفاق مشترك على اسسا مبدا التبعية، وأن سكان الجهة المتمتعة بالحكم الذاتي سيكونون ممثلين في البرلمان والمؤسسات الوطنية الأخرى وسيشاركون في كل الانتخابات الوطنية، وسيتألف برلمان جهة الصحراء من أعضاء منتخبين من طرف القبائل الصحراوية وأعضاء منتخبين من طرف سكان الجهة بالاقتراع العام المباشر وستكون هنا تمثيلية كافية للنساء في برلمان الجهة، وبالنسبة للسلطة التنفيذية للجهة الصحراوية سيكون لها رئيس الحكومة يتم انتخابه من طرف البرلمان الجهوي ويتم تنصيبه من طرف الملك، وأن رئيس الحكومة سيكون ممثل الدولة في الجهة وسيشكل ويعين الإداريين الضروريين لممارسة السلطات المخولة له بموجب هذا المشروع وهو مسؤول أمام برلمان الجهة، هذا الأخير يمكن خلق محاكم لإصدار أحكام بخصوص الخلافات التي تنشأ خلال تطبيق المعايير التي تم سنها من طرف هيآت جهة الصحراء المتمتعة بالحكم الذاتي، وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكل استقلالية بإسم جلالة الملك، وبحكم أنها أعلى سلطة قضائية بجهة الصحراء المتمتعة بالحكم الذاتي، تعطي المحكمة العليا الجهوية القرار النهائي فيما يتعلق بتأويل تشريعات الجهة، وذلك دون المساس بسلطات المحكمة العليا للمحكمة أو المجلس الدستوري، إضافة إلى أن القوانين والضوابط والأحكام القضائية التي تصدر عن هيئات جهة الصحراء المتمعة بالحكم الذاتي يجب أن تكون متلائمة مع وضع الحكم الذاتي للجهة ومع دستور المملكة.

-إن الجهة الموسعة وتطبق الحكم الذاتي كمعطى واقعي لتكريم المواطن الصحراوي، وتحقيق التنمية والتقدم بالجهة والتي تشكل جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني تعترضه صعوبات وعراقيل كثيرة، تتجلى أساسا في المواقف المتعنتة لجبهة البوليساريو، وكذلك الممارسات والتدخلات غير المشروعة وغير الموضوعية للجزائر التي تعد الطرف الأساسي والحقيقي في هذا النزاع.

-إن اختيار تطبيق الجهوية المتقدمة في جهة الصحراء يعد اختيارا استراتيجيا، لأن تطبق الحكم الذاتي من جهة واحدة لن يحل المشكل بل سيؤدي إلى فقدان ورقة قوية وخطيرة في نفس الوقت، إذ قد يؤدي فقدانها إلى الاضطرار إلى تقديم مزيد من التنازلات التي يمكن أن يتحملها المغربي سياسيا، وبالتالي فاعتماد نظام الجهوية في الأقاليم الصحراوية يمكن أن يسمح باختيار جدية الدولة في مقترحها من جهة وفي نفس الوقت اختبار قدرة الصحراويين على تسيير شؤونهم بأنفسهم بكل ما يتوفرون عليه من قدرات بشرية ومادية.

وأخذا بعين الاعتبار لما سبق يمكن القول بأن نظام الجهوية الموسعة بالأقاليم الجنوبية وتطبيق الحكم الذاتي، سيشكل خطوة متقدمة لتعزيز وتوطيد اللامركزية والديمقراطية المحلية، كما سيشكل رافعة أساسية لتحقيق التنمية، وذلك في أفق إقرار نظام الحكم المحلي الذي لا يمكن أن يطبق من طرف واحد احتراما والتزاما من المغرب بموافقة المعبر عنها بشكل صريح أمام المنتظم الدولي.





[1] أحمد درداري: الأبعاد السياسية والاجتماعية لنظام الجهة بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، 2001 -2002 ، ص:2-

[2] عبد الإله واردي: الجهة وآفاق التنمية بالمغرب، بحث لنيل مشروع نهاية الدراسة في القانون العام 2005-2006 ، ص:3 -

[3]  صالح المستف: التطور الإداري في أفق الجهوية بالمغرب، مطبعة دار النشر، الدار البيضاء ، 1989 ، ص:272.


[4] حميد أبو لاس  : من أين تبتدئ الجهوية الموسعة , وأين تنتهي

[5] عبد الإله واردي: الجهة وآفاق التنمية بالمغرب، بحث لنيل مشروع نهاية الدراسة في القانون العام 2005-2006 ،، ص:4

[6] أحمد درداري مرجع سابق 

[7] رشيد السعيد: مدى مساهمة اللامركزية واللاتمركز الإداري في دعم الجهوية، أطروحة لنيل الدكتوراه، 2001-2001 ، ص:48

[8] نفس المرجع السابق، ص:49

[9] صالح المستف:التطور الإداري في أفق الجهوي بالمغرب، مرجع سابق، ص: 274 .

[10] السعيدي مزروع فاطمة: الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب، الطبعة الأولى، 2003، ص:123.

[11] البرقاوي فاطمة وكنان آمال: تطور الجهة بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 8 ، 1996 ، ص:20


[12] رشيد السعيد: مرجع سابق، ص:67

[13] محمد بالمحجوبي: التحدي الجهوي بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد16 ، 1998، ص:109

[14] رشيد السعيد: مرجع سابق، ص:61

[15] المهدي بنمير: التنظيم الجهوي بالمغرب، دراسة تحليلية للقانون رقم 96-47 ، المتعلق بتنظيم الجهات، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 1997 ، ص:15

[16] رشيد السعيد: مرجع سابق، ص:70

[17] - الدكتور مليكة الصروخ القانون الإداري الشركة المغربية لتوزيع الكتاب

[18] الدكتور رشيد لبكر إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية 2003 منشورات عكاظ ص 173-174

[19] الدكتور الحاج الشكرة القانون الإداري النشاط الإداري  مطبعة دار القلم صفحة 38

[20] التجربة الجهوية  وإمكانية الإصلاح على ضوء مشروع الحكم الذاتي المجلة المغربية للإدارة  المحلية والتنمية، عدد مزدوج 87-88 يوليوز اكتوبر 2009 ص79-808" أبو لاس حميد


[21] - المهدي بنمير،" اللامركزية الشأن العام المحلي" مطبعة الوراقة 2000 ص 153-154

[22] - مصطفى معمر ، إعداد التراب الوطني والتعمير ، طبعة 2006 ص 132.


[23] سعيد جفري ،التنظيم الإداري بالمغرب ، ص 216.

[24] مصطفى معمر، م س ، طبعة 2006 ص  130.

[25] مهدي بنمير ، الجهة بين المركزية واللامركزية الإدارية ، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية ، عدد 10 سنة  2000. ص 25.

[26] محمد بوحيدة، التنظيم الجهوي اللامركزي بالمغرب، ص 136.


[28] سعيد جفري ،التنظيم الإداري بالمغرب ، ص 221.

 [29]  -  مجلة شؤون استراسيجية، العدد الرابع، نوفمبر/يناير 2011، ص17، "الجهوية والديمقراطية المحلية"، ادريس لكريني

[30]  -  مجلة الشروق، عدد 87 22/29 يناير 2010، ص12، "دولة الجهات...المشروع الفرصة". عبد الاله السطي.

[31] - م.س

[32] - أشغال اليوم الدراسي حول "الجهوية الموسعة" المنظم بالحسيمة 14فبراير2010 

[33] - د.محمد الأعرج، "الجهوية كبناء قانوني وسياسي"،، الجريدة، عدد 513، 20 يناير 2010 

[34] - د.عبد العالي حامي الدين، "الجهوية والاصلاحات المطلوبة"، جريدة أخبار اليوم، 05/01/2010.

[35] - د.ميلود بلقاضي ،"المغرب من الجهوية الادارية الى الجهوية السياسية"، جريدة أخبار اليوم، 16/02/2010.

[36] - د.محمد الأعرج، م.س.


[37] - د.عبد العالي حامي الدين، م.س.
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات