المقدمة : إن الجرائم الاقتصادية هي جرائم ذات طبيعة متميزة عن الجرائم الأخرى، لأنها تمس بالاقتصاد الوطني للدولة، و الضر...
المقدمة :
إن الجرائم الاقتصادية هي جرائم ذات طبيعة متميزة عن الجرائم الأخرى، لأنها تمس بالاقتصاد الوطني للدولة، و الضرر الناتج عنها تتحمله الدولة أو إحدى هيئاتها.
و بالنسبة للنظام الجزائي لهذه الجرائم فهناك من الدول من أفردت لها قوانين خاصة لا تدخل ضمن قانون العقوبات، و دول أخرى جرمتها وفقا للقواعد العامة بإدماجها في قانون العقوبات و هذه الجرائم تتطور و تتغير حسب تطور و تغير التوجه الاقتصادي للدول، أما بالنسبة للجزائر فبعد الاستقلال استمر العمل بالتشريع الفرنسي قانون 31/12/1962. لكن سرعان ما أظهر هذا التشريع عجزه أمام مجرمين اقتصاديين خطيرين. مما استلزم اعتماد قانون جديد بتاريخ 27 جانفي 1964، إلا أنه لم يصل للأهداف اللازمة و الغاية من التجريم. إذ أنه ضعيف من حيث الجزاءات و معقد من حيث الإجراءات.
و بعدها صدر الأمر رقم 66-180 المؤرخ في 19 جوان 1966 متضمن إنشاء محاكم خاصة بقمع الجرائم الاقتصادية (1). إلا أن هذا النظام كان غير ناجح مما استوجب إعادة النظر في القانون المعاقب للجرائم الاقتصادية، إذ عرف هذا القانون إصلاحا هاما أدخل سنة 1975 بمقتضى الأمر 75/74 المؤرخ في 17 جوان 1975 المعدل و المتمم للأمر رقم 66/156 المؤرخ في 08 جوان 1966 المتضمن قانون العقوبات، إذ أنه تم إدماج الجرائم الاقتصادية في قانون العقوبات.
و قد عدل أيضا قانون الإجراءات الجزائية إذ تم إنشاء
القسم الاقتصادي لمحكمة الجنايات. إلا أنها ألغيت فيما بعد بموجب تعديل
قانون الإجراءات الجزائية بالقانون 90/24. المؤرخ في 18 أوت 1990 و
أصبحت الجرائم الاقتصادية تنظر فيها المحاكم العادية للجنايات (2)، و من
أهم الجرائم الاقتصادية المقررة في قانون العقوبات جريمة الاختلاس المنصوص
عليها في نص المادة 119.
(1) د.عبد المجيد زعلاني: قانون العقوبات الخاص، ص156-157.
(2) د.عبد المجيد زعلاني: المرجع السابق، ص158-159.
و نظرا لصفة المال بالعمومية فإن المشرع أضفى على
هذا المال حماية واسعة في عدة قوانين، ففي القانون المدني المال العام غير
قابل للتصرف فيه و لا للحجز و لا لكسبه عن طريق التقادم.
و القانون الإداري نظم مختلف الجزاءات الإدارية لمكافحة سوء استغلال المال العام (1).
ونظرا للحماية الواسعة للمال العام فإنها أضفت أهمية متميزة و
خاصة على جريمة الاختلاس نظرا لأن محل الجريمة مال عام و ما يقوم مقامه. و
هذا ما أدى إلى تعديل جريمة الاختلاس عدة مرات لمواكبة التوجه الاقتصادي
للدولة. و كذلك هذه الجريمة تتميز بوجود الركن المفترض و بتوفر هذين
الركنين نستطيع القول أن جريمة الاختلاس قائمة.
و لهذا فقد قام المشرع بتعديل نص المادة 119 في
التعديل الأخير بموجب الأمر 01/09 المؤرخ في 26 جوان 2001 المعدل لقانون
العقوبات، و سنتناول في موضوع بحثنا أهم التعديلات التي أدخلت على هذه
المادة بموجب التعديل الأخير. و هذا من خلال الإجابة على الإشكالات
التالية:
ما هي جريمة الاختلاس ؟ و ما هي أهم التعديلات التي أدخلت
عليها ؟ ما هي الهيئات الواقع عليها الاختلاس خاصة المؤسسات العمومية
الاقتصادية ؟ و ما هي الإجراءات المتبعة لتحريك الدعوى العمومية في حالة
وقوع الجريمة إضرارا بالمؤسسة العمومية الاقتصادية ؟ و ما مفهوم الشكوى حسب
نظرة المشرع ؟ و من هم أصحاب الحق في تقديمها ؟
و ما هو التوجه الذي تبناه المشرع بالنسبة للجزاءات المقررة لهذه الجريمة سواء باعتبارها جنحة أو جناية ؟
و كيفية تطبيق ظروف التخفيف على جريمة الاختلاس و الإشكالات الناتجة عن تطبيقها.
(1) د.محمد زكي، أبو عامر: قانون العقوبات الخاص، ص487.
و في الأخير هل وفق المشرع في التعديل الأخير بموجب الأمر 01/09 المؤرخ في 26 جوان 2001 المتمم و المعدل لقانون العقوبات.
و سنتناول بالدراسة هذا البحث في فصلين:
الفصل الأول: مفهوم جريمة اختلاس الأموال العمومية.
الفصل الثاني: النظام الجزائي لجريمة اختلاس الأموال العمومية.
الفصل الأول : مفهوم جريمة اختلاس الأموال العمومية
المبحث الأول : التعريف بجريمة الاختلاس و تمييزها عن غيرها
المطلب الأول : التعريف بجريمة الاختلاس
إن جريمة الاختلاس نص عليها
المشرع الجزائي الجزائري في قانون العقوبات ضمن الفصل الرابع الخاص
بالجنايات و الجنح ضد السلامة العمومية تحت الباب الأول المتضمن الجنايات
والجنح ضد الشيء العمومي.
و تعتبر جرائم الأموال التي تمس بصفة خاصة الأموال
العامة المملوكة للدولة أو لأحد هيئاتها. و لمساسها بالاقتصاد الوطني تعتبر
من الجرائم الاقتصادية.
و جريمة الاختلاس لها خصائصها إذ أنها تتوفر على
أركان مميزة لها، كالركن المفترض وهو أن تتوفر صفة محددة على سبيل الحصر في
قانون العقوبات، أما بالنسبة للركن المادي فهو مميز في عنصرية سواء محل
الاختلاس أو فعل الاختلاس، و هي جريمة عمومية.
و لإثبات جريمة الاختلاس يجب أن نعتمد على عدة
قوانين كالقانون الإداري والقانون التجاري و بعض القوانين الخاصة و لهذا
فعلى القاضي أن يكون مطلع على كل هذه القوانين ليستطيع تحديد توافر جريمة
الاختلاس أو عدم توافرها. و هي من الجرائم التي يمكن تكيفها إما جنحة أو
جناية، و هذا بعد تحديد المبلغ المختلس.
المطلب الثاني : تميزها عن الجرائم المشابهة لها
1- التمييز بين جريمة الاختلاس و جريمة السرقة:
إن جريمة الاختلاس تعتبر من الجرائم الماسة بالدولة و
الأموال العامة، أما جريمة السرقة فقد تسبب الضرر للأفراد أو الدولة. و
كذلك فإن محل جريمة اختلاس الأموال التي تكون في عهدة الدولة إما بصفتها
أموال عامة أو أموال خاصة بالأفراد، و تكون لدى الجاني صفة ساعدته على
القيام بجرمه. أما محل جريمة السرقة فهو مال مملوك للغير بغض النظر عن
مالكه. و قد حكم في فرنسا بعقوبة السرقة لا بعقوبة الاختلاس على خادم في
مكتب للبريد كانت منوطة به أعمال النظافة و التدفئة فاستولى على نقود من
درج الإيراد الخاص بتوزيع الطوابع (1).
2- التمييز بين جريمة الاختلاس و جريمة خيانة الأمانة:
إن خيانة الأمانة لا تتحقق إلا بتوافر عنصر الاختلاس
أو التبديد بسوء نية للشيء المنقول الذي سلم بموجب أحد العقود المذكورة في
المادة 376 من قانون العقوبات على سبيل الحصر، و ذلك إضرارا بمالكه. و
التسليم يتم برضا صاحب المال (2).
أما جريمة الاختلاس فالتسليم يكون بسبب أو بمقتضى الوظيفة.
و قد حكم في فرنسا بعقوبة خيانة الأمانة لا بعقوبة الاختلاس
على كاتب محكمة جزائية سلم إليه الخصوم غرامات مالية و مصاريف حكم عليهم
بها دون أن يكون من عمل وظيفته أن يتوسط بين الخصوم و بين الخزينة (3).
و قد قضت المحكمة العليا في قرار صدر في 27/02/1968 "يرتكب جنحة اختلاس
أموال عمومية لا جنحة خيانة الأمانة موظف البريد و المواصلات الذي يختلس
حوالة بريدية من المفروض تسليمها إلى صاحبها (4).
(1) د.رمسيس بهنام: الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية، ص81
(2) د.أحسن بوسقيعة: قانون العقوبات، ص154-155
(3) د. رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص80
(4) د.أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص55
3- التمييز بين جريمة الاختلاس و جريمة الرشوة:
تقضي جريمة الرشوة اتحاد إرادة شخصين صاحب مصلحة
يعرض هدية أو هبة أو غيرها على الموظف ليحمله على أداء عمل من أعمال
وظيفته. منه تقتضي أن يكون المرتشي موظفا أو من في حكمه و أن يكون هناك طلب
أو قبول عطية، أو هدية أو أية منفعة أخرى، و أن يكون الغرض من العطية حمل
الموظف على أداء عمل يدخل في اختصاصه لتسهيل أدائه للراشي (1).
أما في جريمة الاختلاس الجاني يختلس الأموال لنفسه دون القيام بأي عمل لصالح الغير.
(1) د.أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص58
المبحث الثاني : أركان جريمة الاختلاس
المطلب الأول : الركن الشرعي:
لقد نص المشرع الجزائري على تجريم جريمة الاختلاس في
نص المادة 119 من قانون العقوبات و هذا تطبيقا لمبدأ الشرعية إذ تنص
المادة 01 من قانون العقوبات لا جريمة و لا عقوبة و لا تدابير أمن بغير
قانون (1).
إذ أن الركن الشرعي يعني أن مصادر القانون الجزائري
تقتصر على القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية أو التنظيم الذي تصدره
السلطة التنفيذية و القوانين الجزائية الخاصة (2).
ومنه جريمة الاختلاس تستند لنص قانوني و تجدر
الإشارة إلى أن هذا المبدأ محمي من طرف الدستور لسنة 1996 في نص مادته 46
"لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم" (3). و لقد
جرم المشرع جريمة الاختلاس الأموال العمومية أو ما يقوم مقامها بسبب أن
المال المختلس مال مؤتمن عليه بمقتضى الوظيفة أو بسببها، و هي جريمة تمس
بالثقة التي تمنحها الدولة والأفراد في الجاني. و كذلك للمحافظة على مصالح
الدولة المالية و ضمان عدم الإخلال بواجبات الوظيفة الخاصة بالأمانة و
الثقة العامة (4).
(1) أمر رقم 66-156 مؤرخ في 08/07/1966 المتضمن قانون العقوبات.
(2) الأستاذ بن شيخ لحسين: مبادئ القانون الجزائي العام، ص35
(3) دستور 28 نوفمبر 1996.
(4) د.محمد زكي أبو عامر: قانون العقوبات الخاص، ص488-489.
المطلب الثاني : الركن المفترض
إن هذه الجريمة تقتضي أن تتوافر صفة معنية في
الجاني، و هذا حسب نص المادة 119 من قانون العقوبات: "يتعرض القاضي أو
الموظف أو الضابط العمومي..... ويتعرض كذلك .... كل شخص، تحت أية تسمية و
في نطاق أي إجراء يتولى و لو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم
بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات
الخاضعة للقانون العام...."
- القاضي:
حسب المادة 02 من القانون الأساسي للقضاء " يشمل سلك
القضاء قضاة الحكم و النيابة للمحكمة العليا و المجالس و المحاكم و كذلك
القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل". وحسب المادة 03 من
القانون الأساسي للقضاء: "يتم التعيين الأول بصفة قاض بموجب مرسوم رئاسي
بناء على اقتراح وزير العدل و بعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء..."، و هنا
قد يأخذ القانون الجزائي بالمفهوم الواسع للقاضي إذ أنه قد شمل هذه الفئة
حتى قضاة مجلس المحاسبة و مجلس المنافسة.
- الموظف العام:
المشرع الجزائري لم يورد نصا يتضمن تعريفا شاملا للموظف
العام، و إنما اقتصر في نص المادة 01 من قانون الوظيف العمومي 66/133 على
تحديد العناصر الأساسية التي يجب توافرها في الموظف العام حيث نصت: على أنه
يعتبر موظفين الأشخاص المعنيين في وظيفة دائمة الذين رسموا في درجة
التسلسل في الإدارات المركزية التابعة للدولة و المصالح الخارجية التابعة
لهذه الإدارات و الجماعات المحلية وكذلك المؤسسات و الهيئات العمومية حسب
كيفيات تحدد بمرسوم.
من خلال هذا التعريف نستخلص عدة معايير اعتمد عليها المشرع الجزائري
1- أن يكون الموظف معين في
وظيفة دائمة و هذا ضمانا لاستمرارية المرفق العام. أي لا يكون عارضا و لا
محددا بمدة، إذ أنه حتى بعد انتهاء العمل في الوظيفة يعاقب الموظف على
الجريمة إذا تم ارتكابها أثناء تأدية الوظيفة.
2- أن يكون مرسم ضمن السلم الإداري في مرفق تديره الدولة.
3- أن يكون التعيين في خدمة مرفق عام بأداة قانونية إما مرسوم أو قرار.
- الضابط العمومي:
هو شخص من أعوان الدولة و تمنح له هذه الصفة من الدولة
بموجب قانون خاص بسبب مهنة أو وظيفة معينة كالموثق و المحضر القضائي... و
محافظ البيع...
- المكلفون بخدمة عمومية:
وهم الأشخاص الذين يمارسون النشاط الإداري للدولة وباسمها
ولحسابها بغض النظر إذا كانت تربطهم بها علاقة تنظيمية من عدمه. و يشترط أن
يكون قرار صحيح صادر من الجهة الإدارية بإلزامه بالعمل و يستوي أن يكون
هناك مقابل للعمل أو بدونه وهذا يدخل ضمن الموظف طبقا للمعيار الموضوعي
(1).
- حكم الموظف الفعلي:
القاعدة أن مباشرة الوظيفة العمومية بتطبيق القوانين و
اللوائح التي تحكمها تضفي على الشخص صفة الموظف العمومي. ولكن قد يحدث أن
يباشر شخص ما نشاطا إداريا باسم الجهة الإدارية دون أن يكون هناك إجراء
قانوني سليم من جانب الإدارة يضفي عليه صفة الموظف العام (2). و هذا ما نص
عليه المشرع في الفقرة 02 من المادة 119 من قانون العقوبات ".... تحت أية
تسمية و في نطاق أي إجراء..." و منه المفهوم الواسع لهذه العبارات نجد أنه
يمكن للشخص أن يمارس خدمة الدولة... إما ضمن إجراءات قانونية أو بطريقة غير
شرعية مثل الموظف الفعلي.
إذ أن الموظف الفعلي يشترط وجود إجراء إداري مشوب بالبطلان
أو عدم الانتظام بمباشرة النشاط الوظيفي. وهذا ما يؤدي بضرورة الاعتداد
بالواقع الظاهري (3). و منه
(1) د.مأمون سلامة: قانون العقوبات الخاص، ص106
(2) د.مأمون سلامة: المرجع السابق، ص110.
(3) د.مأمون سلامة: المرجع السابق، ص111.
فإن لحماية المال العام امتد التجريم حتى لأشخاص يؤدون أعمال
ذات أهمية في المجتمع بصفة غير قانونية، إذ أن المشرع الجنائي توسع في
نطاق التجريم حتى يشمل أشخاصا لا يعدون في حكم القانون الإداري. موظفين
عموميين إلا أنهم يقومون بأعمال ذات أهمية كبرى (1) و يشترط في الموظف
الفعلي أن يباشر الوظيفة فعلا حتى ينشأ وضع ظاهري مفاده وجود صفة الموظف
ظاهريا يمكن أن يكون له آثار قانونية على أعمال الوظيفة العامة كفيلة بوجوب
حماية الجهة الإدارية من تصرفات الموظف الفعلي الجنائية (2).
و هنا نفهم بجلاء ذاتية القانون الجزائي في رفضه للمفاهيم
المطبقة في فروع القانون الأخرى و هذا التعدد لمن يعد في حكم الموظف العام
جاء على سبيل الحصر لا على سبيل المثال. و كان على المشرع أن لا يعدد
الأشخاص على سبيل الحصر بل كان من الأفضل لو ترك هذه المهمة للإجتهادات
القضائية و الفقه. و العبرة بتحديد صفة الموظف بتوافر صفة المتهم كموظف
مختص أو من في حكمه بوقت ارتكاب الجريمة، ونظر الأهمية صفة الموظف أو من
حكمه في جريمة الاختلاس يجب على المحكمة أن تستظهر هذه الصفة في الحكم
القضائي. و إلا كان مشوبا بعيب القصور في التسبيب (3).
* و تجدر الإشارة لمفاهيم وردت في نص المادة 119 من قانون العقوبات.
- الجماعات المحلية:
* البلدية: هي الجماعات الإقليمية الأساسية و تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و تحدث بموجب قانون (4).
* الولاية: الولاية هي جماعة عمومية إقليمية تتمتع بالشخصية
المعنوية و الاستقلال المالي. و تشكل مقاطعة إدارية للدولة تنشأ الولاية
بقانون (5).
(1) د.سليمان بارش: محاضرات في شرح قانون العقوبات الجزائري القسم الخاص، ص62.
(2) د.مأمون سلامة: المرجع السابق، ص112.
(3) د.بارش، المرجع السابق، ص63، د.علي سليمان: دروس في شرح
قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص، ص92، د. محمد زكي أبو عامر، المرجع
السابق، ص491.
(4) قانون رقم 90-08 المؤرخ في 07/04/90 يتعلق بالبلدية.
(5) قانون رقم 90-09 المؤرخ في 07/04/90 يتعلق بالولاية.
- المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام:
و هي المؤسسات العمومية الإدارية. وهي شخص من أشخاص
القانون العام يقوم بالإسهام في شؤون مرفق عام (1). و هي مرفق عام مزود
بالشخصية المعنوية ومتخصصة في نشاط معين و تعتبر وحدة إدارية أو جهاز إداري
من منظمات القطاع العام مستقلة بذاتها و لما نوع من الاستقلال المالي و
الإداري لتمارس عملا من أعمال الدولة يتم إنشاؤها بقانون يحدد أعمالها و
واجباتها و حقوقها و تخضع من حيث المبدأ لقواعد القانون الإداري (2).
- المؤسسات العمومية الاقتصادية:
لقد نصت المادة 02 من الأمر رقم 01/04 المؤرخ في 20 أوت
2001 يتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية و تسييرها و خوصصتها. "
المؤسسات العمومية الاقتصادية هي شركات تجارية تحوز فيها الدولة أو أي شخص
معنوي آخر خاضع للقانون العام، أغلبية رأس المال الاجتماعي مباشرة، و هي
تخضع للقانون العام".
و قد نصت المادة 05 من الأمر 01/04 : " يخضع إنشاء
المؤسسات الاقتصادية العمومية و تنظيمها و سيرها للأشكال التي تخضع لها
شركات رؤوس الأموال المنصوص عليها في القانون التجاري".
و قد عرفها الفقه على أنها الشركات و المنشآت و المؤسسات التي
تساهم فيها الدولة أو إحدى هيئاتها العامة في مالها بنصيب و لها ملكية
أنصبة في رؤوس أموال شركات المساهمة، كما خولها حق تملك أسهم و سندات و قد
اعتبرت شخصا من أشخاص القانون العام، و بالتالي فإن مستخدميها يدخلون في
عداد الموظفين، و من أجل الحماية تدخل المشرع الجنائي و اعتبر أموالها
أموالا عامة تخضع لذات الحماية الجنائية المقررة لأمـوال الدولـة (1). و
منـه فكـل هيئـة من الهيئـات السابقـة يعتبـر العامـل فيها
(1) د.مأمون سلامة، المرجع السابق، ص76
(2) د.عمار عوابدي: القانون الإداري، ص305-306
(3) د.مأمون سلامة، المرجع السابق، ص78.
موظفا عاما أو من في حكمه، مادام المال المملوك لها يدخل
قانونا في عداد الأموال العامة، فإن لم تتوافر في الفاعل صفة من تلك الصفات
لا يرتكب جريمة الاختلاس (1).
و تجدر الإشارة أنه في تعديل 01/09 المؤرخ في 26
جوان 2001 أنه تم حذف المؤسسات العمومية الاقتصادية من الفقرة 02 من المادة
119 من قانون العقوبات، إلا أنه تمت إضافتها في فقرة 03 من المادة 119 من
تعديل 01/09. إلا أنه من الملحق الخاص بأسباب تعديل المادة 119 من قانون
العقوبات، نجد فيه: أن التعديل المقترح للمادة 119 يهدف إلى إحداث انسجام
في نصوص قانون العقوبات مع التشريعات الاقتصادية و الواقع الاقتصادي الحالي
انطلاقا من أن رأسمال المؤسسات العمومية الاقتصادية لم يعد حكرا على
الدولة، و إنما صار مفتوحا لمساهمة الخواص إلى جانب الدولة كما أنه صار
أيضا قابلا للتداول في البورصة، و هو ما يبرر إعادة النظر في أحكام المادة
119 بشكل يستثني المؤسسات التي دخلت في وضعية شراكة فعلية من أحكام قانون
العقوبات وإخضاعها للأحكام المتعلقة بالشركات التجارية المنصوص عليها في
القانون التجاري (2).
و منه نية المشرع كانت عدم ادخال المؤسسات العمومية
الاقتصادية في نص التجريم، إلا أنه تمت إضافتها مما يستوجب تطبيق نص
التجريم عليها.
المطلب الثالث : الركن المادي
إن الركن المادي هو ذلك العنصر الذي بواسطته تنتقل الجريمة من
حالة المشروع إلى حالة الوجود اليقيني، و يتمثل في القيام بالفعل المحظور
من قبل القانون الجزائي إذ يعد العنصر المادي ضمانة لتحقيق العدل (3). و
بمطابقة مفهوم الركن المادي على جريمة الاختلاس نجد أنه عبارة عن سلوك
إجرامي يأخذ شكل اختلاس لأموال أو أوراق أو سندات تكون قد وجدت بحوزة
الجاني أو بمقتضى وظيفته (4).
(1) د.رمسيس بنهام، المرجع السابق، ص70. المرصفاوي: المرصفاوي في قانون العقوبات الخاص، ص79.
(2) ملحق المواد المعدلة و المواد الجديدة مع عرض الأسباب، ص04.
(3) الأستاذ بن شيخ: مبادئ القانون الجزائي العام، ص61.
(4) د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص249. د.محمود زكي أبو عامر، المرجع السابق، ص491.
و يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس بإضافة الجاني
المال الذي بحوزته بسبب أو بمقتضى الوظيفة إلى ملكه الخاص و التصرف فيه
تصرف المالك (1).
1- فعل الاختلاس:
و بالرجوع لنص المادة 119 من قانون العقوبات الجزائري نجد
أن المشرع عدد الأفعال في الفقرة الأولى: " الذي يختلس أو يبدد أو يحتجز
عمدا أو بدون وجه حق أو يسرق...". ومنه يتمثل فعل الاختلاس للركن المادي في
هذه الصور. و لهذا سنتطرق لكل صورة في الآتي:
1) الاختلاس (السرقة):
تعني مجموعة الأعمال المادة أو التصرفات
التي تلازم نية الجاني و يعبر عنها في محاولته الاستيلاء التام على المال
الذي بحوزته و هذا بتحويل الحيازة من حيازته ناقصة أو موقوفة إلى حيازة
تامة و دائمة، و هذا يقتضي أن يقوم الجاني بحركة مادية يتم بها نقل الشيء
إلى حيازته و هذا بنزعه من حيازة المجني عليه (2) .
فالاختلاس إذن ليس فعلا ماديا محضا و ليس
نية داخلية بحتة و إنما هو عمل مركب من فعل مادي هو الظهور على الشيء بمظهر
المالك. و من نية داخلية هي نية التملك، و على هذا يكفي لتحقق الاختلاس و
تمام الجريمة إثبات انصراف نية الفاعل إلى التصرف فيما يحوزه بصفة قانونية
على اعتبار أنه مملوك له (3).
و قد عرف أيضا الاختلاس على أنه السلوك الذي يغير به الجاني
وجهة المال المرصود لغاية معنية إلى غاية أخرى متعارضة مع الغاية الأصلية،
و من هنا يحتوي على عنصرين و يجب تحققهما و إلا لا يوجد اختلاس و هما:
عنصر سلبي احتباس الشيء و منعه من الهدف الأساسي الذي رصد له أصلا، و عنصر
ايجابي هو عبارة عن
(1) أحمد أبو الروس: قانون جرائم... و اختلاس المال العام من الوجهة القانونية و الفنية، ص843.
(2) د.عبد الله سليمان، دروس في شرح قانون العقوبات الجزائري
القسم الخاص، ص93. د.أحمد بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص،
ص256.
(3) د.محمد زكي أبو عامر، المرجع السابق، ص492-493.
التوجيه الفعلي للشيء أو للمال لغرض آخر متعارض مع غرضه الأصلي (1).
و في الأخير نستخلص أن فعل الاختلاس هو مجموع
التصرفات المادية التي تصاحب اغتصاب ملكية الشيء أو تحويل المال الموكول
للجاني أمر حفظه، أو التصرف فيه بحسب ما يأمر به القانون الذي انتهى إله
بموجب وظيفته إلى ملكية شخصية والتصرف فيه على نحو ما يتصرف المالك بملكه
(2). و عرفته محكمة النقض المصرية " تصرف الجاني في المال الذي بعهدته
على اعتبار أنه مملوك له" (3).
2- تبديد الأموال:
يعني التصرف بالمال على نحو كلي أو جزئي
بإنفاقه أو إفنائه، و التبديد بالضرورة يتضمن اختلاس الشيء، إذ هو تصرف لا
حق على الاختلاس، أما مجرد استعمال الشيء فلا يفيد معنى تبديده إذ قد يرد
على مجرد المنفعة.
3- احتجاز الأموال دون وجه حق:
قد يلجأ الجاني لاحتجاز الأموال دون وجه حق، الأمر الذي
يؤدي إلى تعطيل المصلحة التي أعد المال لخدمتها، و ليس احتجاز المال
اختلاسا له إذ أن مجرد احتجاز الشيء يفيد أن نية الجاني مازالت غير راغبة
في التصرف فيه و الظهور بمظهر المالك الحقيقي (4). ومنه حالة احتجاز
الأموال دون وجه حق لا يمكن اعتبارها اختلاسا لأن الاختلاس يجب أن تحول
الأموال إلى ملكية الجاني، و هنا الاحتجاز لا يمكن إثباته لأنه يعبر عن نية
داخلية يصعب إثباتها من خلال الوقائع و الملابسات و منه كان على المشرع
إخراج هذا الفعل المادي من جريمة الاختلاس لأن العنصر المادي غير متوفر في
الاحتجاز.
(1) د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص250-251
(2) د.عبد الله سليمان، المرجع السابق، ص93.
(3) د.سليمان بارش: محاضرات في شرح قانون العقوبات الجزائري القسم الخاص، ص64.
(4) د.عبد الله سليمان، المرجع السابق، ص93-94.
و من خلال تعريف هذه الأفعال المنصوص عليها قانونا يمكن أن نطرح عدة تساؤلات حول فعل الاختلاس .
* هل يشترط أن تتحقق النتيجة في الاختلاس ؟
- يتحقق الاختلاس بمجرد تصرف الجاني في المال تصرف المالك و
لو لم يترتب عليه ضرر للدولة. و منه لا ينتفي الاختلاس برد الموظف للشيء
المختلس بعد أن تصرف فيه تصرف المالك. فالعبرة بنية الجاني متى اتجهت إلى
تغيير اليد العارضة إلى حيازة كاملة تقع الجريمة (1) لأن الظروف التي تحدث
بعد وقوع الجريمة لا تنفي الجريمة، و بديهي أن الاختلاس لا وجود له حين
يكون الاختفاء بسبب قوة قاهره أو حادث فجائي (2). والنتيجة لها مدلول مادي
يتمثل في نقل الحيازة، و مدلول قانوني يتمثل في العدوان الذي يمس المصلحة
المحمية. و هذه المصلحة تتمثل في العدوان الذي يقع على الثقة الواجب
توافرها في الموظف أو من في حكمه (3).
* هل يقع الشروع في جريمة الاختلاس ؟
- ذهب جانب من الفقه و القضاء إلى أن الشروع في الاختلاس غير
متصور و ذلك استنادا إلى جريمة الاختلاس تتم بمجرد تغيير النية (4)، و من
ثم فإن نية حيازته هي التي تحدد وقوع الاختلاس، فالنية إما أن تتجه إلى
تملك المال أو لا تتجه، و لقد قضت محكمة النقض المصرية: " بأن الموظف الذي
يسلك تجاه المال سلوك المالك يعتبر مرتكبا للجريمة و لو لم يتصرف فيه بعد
". لكن قد يصدر من الجاني فعل من شأنه أن يؤدي إلى تحقق الاختلاس و لكن لا
تتحقق النتيجة لأسباب خارجة عن إرادته، كأن يبدأ الجاني في
(1) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص65.
(2) د.رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص72، د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص262.
(3) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص65.
(4) د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص262.
تغيير الوثائق لتغطية الحقيقة فيكشف ذلك مفتش المالية، ففي
هذه الحالة لا تعتبر الجريمة تامة لأن النتيجة لم تتحقق لأن الحيازة لم
تنتقل بعد. و من جهة أخرى فإن المدلول القانوني للنتيجة لم يتحقق بعد، لأنه
لا يمكن تصور وقوع العدوان قبل تحقق تغيير في الواقع الخارجي (1).
2) محل الاختلاس:
حسب نص المادة 119 من قانون العقوبات: "....
أموالا عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقودا
أو أموالا منقولة وضعت تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها ". يتضح من نص محل
الاختلاس قد يكون مالا أو ما يقوم مقامه، و قبل التطرق لهذه الأشياء جب
التطرق أولا للشروط الواجب توافرها في المال وهي:
1- صفة المال: شمل نص المادة 119 من قانون العقوبات
الفقرة 03 حماية المال العام والمال الخاص و ما يقوم مقامها المملوك للدولة
و الجماعات المحلية و المؤسسات الخاضعة للقانون العام. ونلاحظ أن المشرع
لم ينص في هذه الفقرة على المؤسسات العمومية الاقتصادية إذا كانت قبل تعديل
لسنة 2001/09 موجودة !
ü المال العام: هو كل مال مملوك للدولة و
الهيئات التابعة لها يسهم في خدمة المرفق العام غير قابل للحجز و لا
اكتسابه عن طريق التقادم و هي الأموال التي تضمن أداء الوظيفة (2).
ü المال الخاص: و هي الأموال الموجودة
في عهدة الدولة أو الهيئات العامة المملوكة للأفراد. و هي تلك الأموال التي
ليس للدولة أو لإحدى هيئاتها حق من الحقوق العينية أو الشخصية. و هنا
الدولة لا تملك أي حق عليها إلا الحيازة المادية لها بحكم النشاط الوظيفي
(3).
(1) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص65-66، د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص262.
(2) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص67. د.مأمون محمد، المرجع السابق، ص125
(3) د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص142.
ü العقود: هي عبارة عن وثائق تعبر عن توافق
إرادتين على إنشاء التزام أو على نقله، و جاء في القانون الفرنسي هو اتفاق
يلتزم بمقتضاه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بإعطاء شيء أو
بفعله أو بالامتناع عن فعله (1).
ü السندات: هي الأوراق التي يتداولها التجار
فيما بينهم تداول أوراق النقد خلفا عن الدفع النقدي في معاملاتهم
التجارية. و المعنى الجامع في هذه الأوراق أنها تتضمن دفع مبلغ معين من
النقود في أجل معين (2).
ü أموال منقولة: هو كل شيء يمكن نقله و
تحويله دون تلف (3)و إذا كانت الأموال وبعض الأشياء التي يقوم مقامها و
السندات مما يمكن تحديد قيمته المادية. فقد نجد أن بعض الوثائق لا يمكن
تقديرها بقيمة مادية فقيمتها اعتبارية (4)، خصوصا و أن المشرع الجزائري
جرم هذه الجريمة و كيفها من جنحة إلى جريمة حسب القيمة المالية، أي يجب أن
تقيم الأشياء المختلسة نقدا حتى يجرم الفعل ويكيف.
2- وجود المال بين يدي الجاني بمقتضى وظيفته أو بسببها:
اشترط النص القانوني شرطا هاما هو أن يكون المال موضوع الجريمة قد وجد بين يدي الموظف بمقتضى وظيفته أو بسببها.
و من خلال ذلك نلاحظ أنه يجب أن تتوفر أولا الحيازة
للمال لدى الجاني و ثانيا أن تكون بمقتضى أو بسبب الوظيفة، و منه يجب أن
نتطرق لهما:
1)- الحيازة للمال بالمفهوم الجنائي:
إن للحيازة باعتبارها محلا للاختلاس في المجال الجنائي لا ترد إلا على المنقول ولها ركنان:
(1) عبد الرزاق السنهوري: مصادر الالتزام، ص138.
(2) د.مصطفى كمال طه: أصول القانون التجاري، ص10
(3) عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، حق الملكية، ص14.
(4) د.علي سليمان، المرجع السابق، ص94.
أ- الركن المادي: يتضمن وفقا للمدلول الجنائي عنصرين:
· السيطرة الفعلية: و هي مباشرة الأعمال المادية على الشيء، و يفيد ذلك تواجد الشيء بين يدي الحائز.
· السيطرة الحكمية: و قد يكون الشيء
بعيدا عن السيطرة الفعلية لصاحبه بسبب معين، إلا أنه هو صاحب الأمر في تح
ديد استعماله و استغلاله و هي مفترضة في المجال الجنائي (1). و يستوي أن
يكون المال أو الشيء قد سلم إلى الجاني تسليما ماديا أو وجد بين يديه
باتخاذ إجراء يمنحه له القانون (2).
ب- الركن المعنوي: هو اتجاه إرادة المالك أو الحائز الشرعي إلى توجيه المنقول الذي يسيطر عليه فعليا أو حكميا إلى تحقيق غرض معين يشبع حاجته (3).
2- مفهوم الحيازة بمقتضى الوظيفة أو بسببها:
1) التسليم بمقتضى الوظيفة:
هو أن يكون تسليم المال أو ما يقوم مقامه خارج نطاق
واجبات الوظيفة التي يشغلها الموظف، و لكن وظيفته سهلت له عملية وضع يده
على المال. إلا أنه ذهب جانب الفقه " أن التسليم بمقتضى الوظيفة لا تتحقق
به الجريمة تأسيسا على أن المصلحة المحمية في هذه الجريمة هي أمانة الوظيفة
العامة التي تتطلب من الموظف أن يكون أمينا على ما تسلمه بموجب وظيفته"
(4).
2) التسليم بسبب الوظيفة:
يفترض التسليم بسبب الوظيفة أن يكون المال قد سلم إلى الموظف على
أساس وظيفته التـي تقتضي تواجد هذا المال بين يديه، و معناه أن تقضي
القوانين و اللوائح أو النظم الخاضعة لها الوظيفة بأن يحوز الموظف المال
الذي تسلمه و أن يقدم عنه الحساب
(1) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص55
(2) د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص260.
(3) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص56
(4) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص69
أمام السلطة العامة، إذ أنها تعتبر من خصائص الوظيفة وجود
المال في حيازته المادية (1)، أي أنها تدخل ضمن اختصاصه الوظيفي و
يتعين أن يكون المال موضوع الاختلاس في الحيازة الناقصة للجاني بسبب
وظيفته، إلا أنه سمح له بالسيطرة الفعلية دون أن يكون مالكا له. فهو يحوز
المال باسم الدولة و لحسابها، و يلزم برد هذا المال أو استعماله أو التصرف
فيه وفقا للقانون، إذ يجب أن تتوفر العلاقة السببية بين حيازة المال و بين
وظيفته. إذ أنه لو أن الجاني استولى على مال دون أية صفة أي ليس من اختصاصه
يعد سرقة (2).
و الأستاذ "بارش" يرى في كتابه أنه لا توجد حيازة ناقصة لأن
المال سلم إلى الجاني تسليما غير قابل للحيازة. و هذه السلطة تملكها الجهة
التي أعطت المال للموظف (3).
- دور الخبرة الحسابية في تحديد قيمة المبلغ المختلس:
بالرجوع لنص المادة 119 من قانون العقوبات نجد أن
المشرع قام بتجريم جريمة الاختلاس و تصنيفها جنحة أو جناية على أساس القيمة
المالية المختلسة، و لهذا فيجب أن تحدد القيمة المختلسة بصفة دقيقة حتى
يستطيع القاضي تكييف الجريمة، و تعتبر هذه المسألة فنية و تقنية و لهذا يجب
الاطلاع على الوثائق و المستندات حتى نستطيع تحديد وجود قيمة مختلسة أم
لا.
و باعتبار هذه المسألة فنية و تقنية لا يستطيع القاضي
تحديدها أجاز القانون ندب خبير، إذ جاء في نص المادة 143 من قانون
الاجراءات الجزائية: " لكل جهة قضائية تتولى التحقيق أو تجلس للحكم عندما
تعرض لها مسألة ذات طابع فني أن تأمر بندب خبير، إما بناء على طلب النيابة
أو الخصوم أو من تلقاء نفسها..."
(1) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص68، د.رمسيس بهنام، المرجع السابق ص75، د.عبد الله سليمان، المرجع السابق، ص95.
(2) د.أحمد أبو الروس، المرجع السابق، ص545، د.عبد الله سليمان، المرجع السابق، ص95.
(3) د.سليان بارش، المرجع السابق، ص68.
و قضايا الاختلاس تمر على التحقيق، و لهذا فعلى قاضي
التحقيق ندب خبير مختص لإجـراء خبـرة حسابية لتحديد التكييف الصحيح للجريمة
سواء جنحة أو جناية، و هل هناك اختلاس أم لا ؟ و منه فالخبرة
الحسابية لها دور أساسي و هام في جريمة الاختلاس إذ قد تؤدي للبراءة أو
الإدانة، و هنا القاضي لا يكون بصدد تنازل عن اختصاصه للخبير، لأن الخبير
يقوم بالعمل الفني. و القاضي هو الذي يقرر الأخذ بها أم لا.
و على قاضي الحكم أن يشير في حكمه إلى القيمة
المختلسة في حالة الإدانة، و في حالة البراءة عليه اثبات عدم وجود اختلاس
لمبالغ مالية أو ما يقوم مقامها، و إلا عرض حكمه للنقض لأن القيمة المختلسة
تعتبر أساس التجريم.
و قد قضت المحكمة العليا في قرار رقم 55019 المؤرخ
في 07/06/1988 " إذا لم يكن المبلغ المختلس معروفا تعين على غرفة الاتهام
المطروحة عليها الدعوى ندب خبير لتحديد هذا المبلغ و ذلك لتمكينها من اعطاء
الوقائع و صفها القانوني الصحيح ومن معرفة ما إذا كانت الجريمة المرتكبة
جنحة أو جناية على ضوء النتائج الواردة في تقرير الخبرة. أما إذا قضت بأن
بأن لا وجه للمتابعة على أساس أن المبلغ المختلس غير معروف دون الالتجاء
إلى خبرة فنية كان قرارها مشوبا بالقصور....." (1).
المطلب الرابع : الركن المعنوي
إن جريمة الاختلاس من الجرائم العمدية التي تقوم على
القصد الجنائي. و هذا بالاستلاء على المال عن علم واردة أي انصراف ادارة
الجاني إلى تملك المال و حرمان صاحب منه، و أن يكون عالما أن هذا المال
مملوك للدولة (2) و القصد الواجب توافره هو القصد العام و القصد الخاص.
(1) د.أحسن بوسقيعة: قانون العقوبات، ص55.
(2) محمد صبحي: شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص،
ص21، د.مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص268، أحمد أبو الروس، المرجع
السابق، ص846.
- القصد الجنائي العام:
اتجاه ارادة الجاني إلى الاستيلاء على المال مع علمه
بأنه مملوك للغير و عليه لا يتوافر القصد الجنائي العام إذا فقد الموظف
الشيء الذي يحوزه بسبب اهماله أو تصرف فيه جهلا منه بأنه سلم له بمقتضى
وظيفة أو سببها (1).
- القصد الجنائي الخاص:
يتمثل في انصراف نية الجاني إلى إضافة الشيء إلى
ملكيته، أي التصرف فيه تصرف المالك، فإذا انصرفت إرادته إلى تملكه. فإذا
تخلف القصد الخاص فلا يعد مرتكبا لجريمة الاختلاس (2). فالعبرة بنية التملك
يستظهرها القاضي من خلال ظروف القضية وقد يكون الاستعمال ذات دليلا على
نية التملك إذا توافرت أدلة أخرى قوية، كما إذا لم يرد الشيء بعد المطالبة
(3). و منه أن سلوك لا يكشف في صورة قاطعة عن نية المتهم المتجهة إلى تغيير
الحيازة الناقصة أي الحيازة الكاملة لا يكفي لتقويم الجريمة، ولا يغير في
الأمر شيء استعداد المتهم لرد الأشياء أو الأموال إذ لا عبرة لما يعرض من
وقائع لاحقة (4)، إذ قد يعتبر ظرفا من ظروف التخفيف و متى توفر القصد
الجنائي تحققت الجريمة بصرف النظر عن الباعث إلى الاختلاس مثلا لمواجهة ظرف
قهري طارئ، ولا تلزم لصحة الحكم بالإدانة، أن يتحدث استقلالا عن نية
الاختلاس مادامت الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن المتهم
قد قصد بفعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه (5). و لا يستطيع أن يدفع
مسؤوليته بأن يطيع أمر رئيس له. ذلك لأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر
الصادر له بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه (6).
(1) د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص70، د.رمسيس بهنام،
الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية، ص84، د.محمد زكي أبو عامر المرجع
السابق، ص511.
(2) د.علي سليمان، المرجع السابق، ص95-96، د.سليمان بارش، المرجع السابق، ص70.
(3) د.رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص84.
(4) د.علي سليمان، المرجع السابق، ص96.
(5) د.رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص86، د.حسن المرصفاوي: المرصفاوي في قانون العقوبات الخاص، ص89.
(6) د.حسن المرصفاوي: المرصفاوي في قانون العقوبات الخاص، ص88.
الفصل الثاني : النظام الجزائي لجريمة اختلاس الأموال العمومية
المبحث الأول : القيود الواردة على تحريك الدعوى
المطلب الأول : مفهوم الشكوى كقيد في جريمة الاختلاس الواقع على المؤسسات العمومية الاقتصادية
الشكوى هي تعبير المجني عليه عن إرادته في أن تتخذ
الإجراءات الجنائية الناشئة عن الجريمة (1) و هو هي تبليغ من المجني عليه
أو من يقوم مقامه إلى السلطات العامة عن جريمة وقعت عليه (2).
و أكد الفقهاء أن الشكوى هو تقدير المشرع أن المجني
عليه في بعض الجرائم أقدر من النيابة العامة على تقدير ملاءمة إتخاذ
الإراءات الجنائية .
و بإعتبار أن الشكوى استثناء عن القاعدة العامة فإنه
يجب أن ينص المشرع عليها بنص خاص، و هذا ما فعله المشرع الجزائري في نص
المادة 119 من قانون العقوبات في الأمر 01/09 المؤرخ في 26/06/2001 و نخلص
من ذلك أن وكيل الجمهورية أي النيابة العامة لا تستطيع القيام بتحريك
الدعوى العمومية في جريمة اختلاس الأموال الواقعة على المؤسسات العمومية
الإقتصادية إلا بناء على شكوى .
و يطرح التساؤل ما هي الإجراءات المسموح القيام بها في مثل هذه الحالة ؟ .
إن نص المادة نص على وجوب الشكوى عند التحريك فقط، و منه فإن
مرحلة جمع الإستدلالات من طرف الضبطبة القضائية لا تدخل ضمن إجراءات
المتابعة القضائية، و لهذا يجوز أن تقوم الضبطية القضائية بجمع المعلومات
بالنسبة لهذه الجريمة، و هذا لأن مرحلة الإستدلالات لا تدخل ضمن إجراءات
الدعوى الجنائية (3) ولهذا فإن النيابة العامة عندما تتصل بمحضر من طرف
الضبطية القضائية دون شكوى فإنها تقوم بالحفظ في حالة أن المجني عليها هي
مؤسسة عمومية إقتصادية .
(1) د.محمود نجيب حسين : شرح قانون الإجراءات الجزائية،ص115.
(2) د.نظير فرج مينا: الوجيز في الإجراءات الجزائرية الجزائري، ص14.
(3) محمود نجيب حسين، المرجع السابق، ص121.
المطلب الثاني : مفهوم أجهزة المؤسسات العمومية الاقتصادية
حسب نص المادة 119 من قانون العقوبات الفقرة 03 : "
... فإن الدعوى العمومية لا تحرك إلا بناء على شكوى من أجهزة الشركة
المعنية المنصوص عليها في القانون التجاري و في القانون المتعلق بتسيير
رؤوس الأموال التجارية للدولة ".
حسب نص المادة 05 من الأمر رقم 01-04 المؤرخ في
20/08/2001 : " يخضع إنشاء المؤسسات الإقتصادية العمومية و تنظيمها
و سيرها للأشكال التي تخضع لها شركات رؤوس الأموال المنصوص عليها في
القانون التجاري". و بالرجوع للقانون التجاري نجد أن شركة الأموال المعروفة
هي شركة المساهمة و لهذا فإن أكثرية المؤسسات العمومية الإقتصادية تكون في
شكل شركة مساهمة .
و حسب نص المادة 592 من القانون التجاري : " شركة المساهمة
هي الشركة التي ينقسم رأسمالها إلى أسهم، و تتكون من شركاء لا يتحملون
الخسائر إلا بقدر حصتهم و لا يمكن أن يقل عدد الشركاء عن سبعة . و لا يطبق
الشرط المذكور في المقطع 02 أعلاه على الشركات ذات رؤوس أموال عمومية ".
و من القانون التجاري نلاحظ أن أجهزة شركة المساهمة هي كالآتي:
1- مجلس الإدارة:
* تنص المادة 610 من القانون التجاري : " يتولى إدارة شركة
المساهمة مجلس إدارة يتألف من ثلاثة أعضاء على الأقل و من 12 عضوا على
الأكثر "
* تنص المادة 622 من القانون التجاري : " يحوز مجلس الإدارة
كل السلطات للتصرف في كل الظروف باسم الشركة و يمارس هذه السلطات في نطاق
موضوع الشركة..."
* و حسب نص المادة 624 من القانون التجاري فإن لمجلس الإدارة
رئيسا أو مديرار عاما، و حسب نص المادة 626 من القانون التجاري : " لا تصح
مداولة مجلس الإدارة إلا إذا حضر نصف عدد أعضائه على الأقل..." وكذلك تؤخذ
قرارته بأغلبية الأصوات .
* و حسب المادة 638 من القانون التجاري : " يتولى رئيس
مجلس الإدارة تحت مسؤوليته الإدارة العامة للشركة و يمثل الشركة في
علاقاتها مع الغير..."
2- مجلس المديرين:
تنص المادة 643 من القانون التجاري : " يدير شركة
المساهمة مجلس مديرين يتكون من ثلاثة إلى خمسة أعضاء و يمارس مجلس المديرين
وظائفه تحت رقابة مجلس مراقبة" . و من القانون التجاري يعين مجلس
المديرين مجلس المراقبة و يعين رئيسا له.
* و حسب المادة 648 من القانون التجاري : " يتمتع مجلس المديرين بالسلطات الواسعة للتصرف باسم الشركة في كل الظروف ".
3- مجلس المراقبة
* حسب نص المادة 657 من القانون التجاري : " يتكون مجلس المراقبة من سبعة أعضاء على الأقل و من اثنا عشر عضوا على الأكثر.
* و حسب نص المادة 662 من القانون التجاري : " تنتخب الجمعية العامة التأسيسية و الجمعية العامة العادية أعضاء مجلس المراقبة..."
* و حسب نص المادة 666 من القانون التجاري " ينتخب مجلس المراقبة على مستواه رئيسا يتولى استدعاء المجلس و إدارة المناقشات... "
و نستخلص من كل ما سبق أن الأجهزة المعنية بتقديم
الشكوى حسب القانون التجاري هي : مجلس الإدارة و رئيس مجلس الإدارة و مجلس
المديرين و مجلس المراقبة و رئيس مجلس المراقبة.
و من خلال نص المادة 119 من قانون العقوبات نجد أن
كل جهاز مسؤول عن تقديم الشكوى و لا يجوز لأي عضو وحده تقديمها لأن النص نص
صراحة أن أجهزة الشركة هي التي لها حق تقديم الشكوى. و الشكوى قد تقدم
كتابة أو شفاهة و على من يقدم الشكوى في جريمة الاختلاس الواقعة على
المؤسسات العمومية الاقتصادية أن يثبت صفته و إلا لا تقبل منه لأنها ليست
من حقه. و هنا من خلال ما سبق يمكن أن تتعارض مصلحة المؤسسة العمومية
الاقتصادية مع مصلحة صاحب الحق في الشكوى الذي قد يكون الجاني، فما العمل
في هذه الحالة ؟ وبالرجوع للمبادئ القانونية نجد مبدأ في حالة تعارض مصلحة
المجني عليه مع مصلحة من يمثله فإن النيابة هي التي تقوم مقامه (1). وفي
هذه الحالة هل نستطيع تطبيق هذا المبدأ ؟ و هل يجوز أن تتدخل النيابة في
حالة تعارض مصلحة المؤسسة العمومية الاقتصادية مع مصلحة الأجهزة المكونة له
باعتبارها هي الجاني؟ فكيف يكون الحل ؟
و تجدر الاشارة أنه في حالة تحريك الدعوى على أساس
وصف آخر دون شكوى و تم مباشرة الدعوى وأكتشف فيما بعد أنها تعتبر جريمة
الاختلاس الواقعة على المؤسسة العمومية الاقتصادية، فهنا يجب أن تتوقف
إجراءات المتابعة و إلا كانت الإجراءات اللاحقة باطلة بطلانا مطلقا لتخلف
قيد الشكوى.
ü التنازل عن الشكوى:
باعتبار أن التنازل عن الشكوى قبل صدور الحكم يؤدي إلى
انقضاء الدعوى حسب نص المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية، و التنازل
يكون لصاحب الحق في رفع الشكوى أو ممثله، و في حالة التعدد يجب أن تصدر
منهم جميعا (2). وبالرجوع لنص المادة 119 من قانون العقوبات نجد أن الحق
في الشكوى لأجهزة المؤسسة،و منه هل يجوزلهم سحب الشكوى ؟
بتطبيق القواعد القانونية نستطيع القول نعم يستطيع
مقدم الشكوى سحبها . إلا أن المشرع الجزائري نص على أنه في حالة تقديم
الشكوى من أجهزة الشركة للنيابة متابعهم على عدم تقديم الشكوى حسب الفقرة
04 من المادة 119 من قانون العقوبات .
و منه لا يتصور سحب الشكوى في حالة تقديمها، وقد
يطرح التساؤل في حالة المتابعة عن عدم تقديم الشكوى و بعدها قدم المتابع
شكوى عن جريمة الإختلاس هل تتوقف المتابعة عن عدم تقديم الشكوى أم لا ؟
(1) د.محمود نجيب حسين، المرجع السابق، ص124.
(2) د.محمود نجيب حسين، المرجع السابق، ص131، د.نظير فرج مينا، المرجع السابق، ص17.
و منه في الأخير يجب على المشرع أن يستدرك هذه
المشاكل بوجوب تحويل صياغة المادة 119 من قانون العقوبات و كذلك من الأفضل
سحب الشكوى في مثل هذه الجريمة خاصة و أن الإتجاه الإقتصادي يتجه إلى فتح
السوق . و تعتبر المؤسسات العمومية الإقتصادية من أهم المؤسسات التي يعتمد
عليها الاقتصاد الوطني و تقييد المشرع النيابة العامة في تحريك دعاوى مثل
هذه الجرائم يعتبر مساس بالإقتصاد الوطني .
و كذلك المتابعة عن عدم تقديم شكوى عن جريمة
الاختلاس كيف يمكن إثباتها. خاصة أنه لا تتوفر الجريمة إلا بصدور حكم نهائي
من السلطة القضائية، و هنا هل يكفي الاعتماد على محاضر الضبطية القضائية
التي هي أصلا تؤخذ على سبيل الاستئناس؟
و منه المتابعة عن عدم تقديم شكوى على جريمة لم يثبت بعد وجودها يعتبر خرق لمبدأ الشرعية.
المبحث الثاني : الجزاءات المقررة لجريمة الإختلاس
المطلب الأول : الجزاءات المقررة لجريمة الاخنلاس باعتبارها جنحة
1- العقوبات الأصلية :
إن العقوبة الأصلية في الجنحة حسب نص المادة 05 من قانون العقوبات هي :
- الحبس من مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ماعدا الحالات التي يقرر القانون غير ذلك .
- الغرامة تتجاوز 2000 دج .
* جنحة الاختلاس حسب الفقرة 01 من نص المادة 119 من قانون العقوبات 01/09 :
يتعرض المختلس للحبس سنة إلى خمس سنوات إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المسروقة أقل من 1000.000 دج .
و قد عرفت هذه الفقرة تعديلا إذ كانت في ظل القانون القديم قيمة المبلغ المختلس أقل من 100.000دج .
* جنحة الاختلاس حسب الفقرة 02 من نص المادة 119 من قانون العقوبات 01/09:
يتعرض المختلس للحبس من سنتين إلى عشر سنوات إذا
كانت القيمة تعادل أو تفوق مبلغ 1.000.000 دج و تقل عن 5000.000 دج و
تجدر الإشارة أن هذه الفقرة أيضا عرفت تعديلا في ظل الأمر 01/09 المعدل
لقانون العقوبات، إذ كانت تنص الفقرة 02 في ظل القانون القديم من سنتين إلى
خمس سنوات إذا كانت قيمة المبلغ المختلس تفوق 100.000 دج و تقل عن 300.000
دج . و نلاحظ أن قيمة المختلس تضاعفت وزادت بشكل كبير.
و تعتبر الجنحة من الجنح المشددة أن حدها الأقصى يصل
إلى عشر سنوات حبس. و لقد نص المشرع على غرامة يعاقب بها الجاني في كلتا
الجنحتين تتراوح من 50.000دج إلى 2000.000 دج .
و منه القاضي له السلطة التقديرية بين الحد الأدنى و الحد
الأقصى و لقد جاءت عقو بة الغرامة في تعديل 2001 حسب الأمر 01/09 إذ لم يكن
ينص عليها القانون القادم .
و ما يلاحظ أيضا على أن المشرع يتجه لرفع قيمة المبالغ
المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المسروقة و إعطاء العقوبة الوصف الجنحي
إلى غاية قيمة تقل عن 5000.000دج. ومنه يكون الاتجاه إلى التخفيف و ليس
التشديد في العقوبة (1).
2- العقوبات التكميلية :
إن العقوبة التكميلية تفترض وجود عقوبة أصلية و هي
مكملة لها، لكن يجب أن ينطق بها القاضي صراحة في حكمه و ليس الحرية الكاملة
في ذلك (2).
و حسب المادة 09 من قانون العقوبات: " العقوبات التكميلية هي :
1- تحديد الإقامة
2- المنع من الإقامة
3- الحرمان من مباشرة بعض الحقوق
4- المصادرة الجزئية للأموال
5- حل الشخص الإعتباري
6- نشر الحكم "
و شرح كل حالة متوفر في المواد اللاحقة من قانون العقوبات من المادة 10 إلى المادة 18.
و حسب نص المادة 15 مكرر من قانون العقوبات : " في
حالة الحكم بعقوبة من أجل إحدى الجرائم المشار إليها في المواد 119... من
هذا القانون يجوز لجهة الحكم النطق بالمصادرة ...."
(1) ملحق المواد المعدلة و المواد الجديدة مع عرض الأسباب، ص04.
(2) الأستاذ بن شيخ لحسين، المرجع السابق، ص154.
و منه يجوز للقاضي حسب المبدأ العام بالعقوبة
التكميلية في مادة الجنح. إلا أن المشرع للتأكيد على عقوبة المصادرة أشار
لتطبيقها في حالة المادة 119 من قانون العقوبات، و هي العقوبة التكميلية
الإلزامية تشبه العقوبة التبعية، غير أنها تختلف عنها في أن العقوبات
التكميلية الإلزامية لا يمكن تطبيقها إذا رفض القاضي النطق بها، بعكس
العقوبة التبعية التي تطبق بقوة القانون (1).
و المصادرة هي حسب نص المادة 15 من قانون العقوبات :
" الأيلولة النهائية إلى الدولة لمال أو مجموعة أموال معينة، غير أنه لا
يكون قابلا للمصادرة...
و لا يجوز الأمر بمصادرة الأشياء المشار إليها في الفقرة
السابقة في حالة الحكم بجنحة أو مخالفة إلا إذا نص القانون صراحة على
ذلك..." و منه فإن نص المادة 15 مكرر يعتبر نص خاص بالنسبة للمصادرة
لجريمة الاختلاس كجنحة، و للقاضي الحكم بها أو الإمتناع عن ذلك .
المطلب الثاني : الجزاءات المقررة لجريمة الاختلاس باعتبارها جناية :
1- العقوبات الأصلية :
1)- السجن :
إن العقوبة الأصلية في الجنايات هي حسب نص المادة 05
من قانون العقوبات هي: الإعدام، السجن المؤبد و السجن المؤقت تتراوح بين
خمس سنوات و عشرين سنة . و بالنسبة لجريمة الاختلاس فإن هناك فقرتين تنصان
على تجريم الاختلاس كجناية .
* جناية الاختلاس حسب الفقرة 03 من قانون العقوبات تعديل 01/09 :
يعاقب المختلس بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين
سنة إذا كانت القيمة تعادل أو تفوق مبلغ 5000.000 دج . و تقل عن
10.000.000 دج . و قد عرفت هذه الفقـرة كذلك تعديـل إذ كانت تنـص على
السجـن المؤقت من خمس سنوات إلى عشر
(1) الأستاذ بن شيخ لحسين، المرجع السابق 154.
سنوات إذا كانت القيمة تعادل أو تفوق 100.000 دج و تقل عن
300.000دج و منه المشرع زاد من قيمة المبلغ المختلس بأضعاف القيمة السابقة و
هنا يلاحظ أن المشرع قام بإعطاء العقوبة الوصف الجنحي ( عقوبة الحبس) إلى
أقل من 5000.000دج (1).
* جناية الإختلاس حسب الفقرة 04 من قانون العقوبات تعديل 01/09 :
يعاقب المختلس بالسجن المؤبد إذا كانت القيمة تعادل أو
تفوق مبلغ 10.000.000دج إذ كانت قبل التعديل قيمة المبلغ المختلس تعادل أو
تفوق 3.000.000دج حسب الفقرة 05 من المادة 119 من قانون رقم 88/26 .
و ما يلاحظ على التعديل أنه تم حذف الفقرة 03 التي
كانت تنص بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشر سنوات، و منه فإن الحد الأدنى
للعقوبة في حالة الجنايات عشر سنوات و بهذا نفهم أن المشرع من جهة رفع
في قيمة المبلغ المختلس إلا أنه شدد في العقوبة بالنسبة للجناية. خاصة و أن
قيمة النقود تتغير بتغيير الوضع الاقتصادي.
و ما يلاحظ أيضا أنه حذف الاتفاقيات رفع عقوبة
الإعدام، إذا كان الاختلاس يضر بالمصالح العليا للوطن وهذا تماشيا مع
المواثيق و الاتفاقيات الدولية التي تستبعد النص على عقوبة الإعدام فيما
يخص جرائم الأموال فضلا على أن هذه العقوبة أصبحت لا تتماشى مع المحيط
الاقتصادي الحالي و قواعد اقتصاد السوق إلى جانب صعوبة تقدير العناصر
المشار إليها في الفقرة السادسة من قانون 88/26 (2) و خاصة معنى الإضرار
بمصالح الدولة العليا و كيف نحددها ؟ هل تحدد بخبرة حسابية ؟ خاصة و أن
المشرع لم يحدد شروط معينة إلا ما سبق قوله و هنا نلاحظ حتى التطبيق
القضائي بالنسبة لهذه العقوبة نادرا ما يقع لأن تحديد الركن المادي و
إثباته من طرف القضاء صعب في هذه الحالة.
(1) ملحق المواد المعدلة و المواد الجديدة مع عرض الأسباب، ص04.
(2) ملحق المواد المعدلة و المواد الجديدة مع عرض الأسباب، ص04.
2)- الغرامة
لقد نص المشرع في التعديل الجديد في الأمر 01/09 على
غرامة تتراوح بين 50.000 دج إلى 2.000.000دج، يحكم بها القاضي في حالة
الحكم بالإدانة بالنسبة لجناية الاختلاس .
و ما يلاحظ على هذا التعديل أنه خالف المادة 05 من
قانون العقوبات إذ أن الغرامة ليست من العقوبات الأصلية في الجنايات، و منه
المشرع الجزائري قام بالمساس بالمبادئ العامة في قانون العقوبات خاصة و أن
العقوبة في الجنايات شديدة.
2- العقوبات التبعية :
تفترض العقوبة التبعية وجود عقوبة أصلية و هي تضاف
بقوة القانون في مادة الجنايات و لا حاجة لأن يذكرها القاضي في حكمه . كما
لا يستطيع القاضي إعفاء الجاني المحكوم عليه منها (1) .
و قد نصت المادة 06 من قانون العقوبات : " العقوبات
التبعية هي الحجز القانوني و الحمان من الحقوق الوطنية و هي لا تتعلق إلا
بعقوبة الجناية..."
و نصت المادة 07 من قانون العقوبات : " الحجز
القانوني هو حرمان المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية عليه من
مباشرة حقوقه المالية، و تكون إدارة أمواله طبقا للأوضاع المقررة في حالة
الحجر القانوني"
و نصت المادة 08 من قانون العقوبات: "الحرمان من الحقوق الوطنية تنحصر في:
1- عزل المحكوم عليه و طرده من
جميع الوظائف و المناصب السامية في الحزب أو الدولة، و كذا جميع الخدمات
التي لها علاقة بالجريمة.
2- الحرمان من حق الانتخاب و الترشيح و على العموم كل الحقوق الوطنية والسياسية و من حمل أي وسام.
(1) الأستاذ بن شيخ لحسين، المرجع السابق، ص153.
3- عدم الأهلية لأن يكون
مساعدا محلفا أو خبيرا أو شاهدا عن أي عقد أو أمام القضاء إلا على سبيل
الاستدلال.
4- عدم الأهلية لأن يكون وصيا أو ناظرا ما لم تكن الوصاية على أولاده.
5- الحرمان من الحق في حمل
الأسلحة و في التدريس و في إدارة مدرسة أو الاستخدام في مؤسسة للتعليم
بوصفة أستاذا أو مدرسا أو مراقبا"
3- العقوبات التكميلية:
مما سبق فإن العقوبات التكميلية يجب أن تكون بنص
القانون عليها، و القاضي متروكة له السلطة في النطق بها. لكن نصت المادة 15
من قانون العقوبات على عقوبة المصادرة في الجناية و هي من العقوبات
التكميلية الإلزامية و هذا كنص خاص وللقاضي السلطة التقديرية.
المبحث الثالث : إشكالية تطبيق ظروف التخفيف على جريمة الاختلاس
المطلب الأول : مفهوم ظروف التخفيف:
ظروف التخفيف هي وسيلة لتشخيص العقوبة، إذ أن
القانون لم يحددها على سبيل التحديد و اختيار تطبيقها مرتبط بالسلطة
التقديرية للقاضي، إذ أنه إذا كان القاضي بصدد عقوبة محددة فإنه إذا تبين
له وجود ظروف مخففة فباستطاعته أن يجد نوعا من الحرية أثناء نطقه بالعقوبة.
إذ يستطيع النزول عن الحد الأدنى: إذ أن المشرع أعطى له حرية الاختيار بين
حد أدنى و حد أقصى للعقوبة، فإن الظروف المخففة تسمح له بالنزول إلى ما
دون الحد الأدنى، فالظروف المخففة وسيلة لتكييف القانون مع تطور القانون مع
تطور المجتمع (1).
و رغم أن المادة 53 من قانون العقوبات تطبق على جميع الجرائم سواء جنايات أو جنح، إلا أن المشرع في صلب المادة 53 نص على فقرة تحيل للفقرة 01 من المادة 199 من قانون العقوبات التي تنص على أن الحبس في مادة الجنح يخفض إلى سنة واحدة في الحالات المنصوص عليها في المادة 199 فقرة 01 من هذا القانون.
المطلب الثاني : كيفية تطبيق ظروف التخفيف على جريمة الاختلاس و اشكالاتها
إن المادة 53 من قانون العقوبات تنص على : " يجوز
تخفيض العقوبات المقررة قانونا ضد المتهم الذي قضي بإدانته و ثبت وجود ظروف
مخففة لصالحه
- بالسجن مدة 10 سنوات إذا كانت عقوبة الجناية هي الإعدام
- أو السجن مدة 05 سنوات إذا كانت الجناية مما يعاقب عليها بالسجن المؤبد
- و مدة 03 سنوات إذا كانت الجناية مما يعاقب عليها بالسجن المؤقت
(1) الأستاذ بن شيخ لحسين، المرجع السابق، ص193.
- و مدة سنة واحدة في الحالات المنصوص عليها في المادة 119 فقرة 01 من هذا القانون.
و إذا طبقت العقوبة المخففة هكذا فإنه يجوز الحكم بغرامة
100.000دج، و علاوة على ذلك يجوز الحكم على الجناة بالحرمان من الحقوق
الوطنية و يجوز فضلا على ذلك الحكم عليهم بالمنع من الاقامة. و إذا كانت
العقوبة المقررة قانونا هي الحبس المؤقت أو الغرامة تعين في حميع الحالات
تخفيض مدة الحبس إلى يوم واحد و الغرامة إلى 05 دنانير في حالة الظروف
المخففة. و يجوز الحكم بإحدى هاتين العقوبتين كما يجوز أن تستبدل بالحبس
الغرامة على أن لا تقل عن 20 دينار جزائري. و في جميع الحالات التي تسستبدل
فيها الحبس بالغرامة و كانت عقوبة الحبس هي وحدها المقررة فإن الغرامة لا
تتجاوز 30.000دج في مادة الجنح". و منه بتطبيق الظروف المخففة على جريمة
الاختلاس بوصفها جناية فإنه حسب الفقرة 03 من المادة 119من قانون العقوبات
تخفض عقوبة السجن المؤقت من سنتين إلى عشر سنوات إلى خمس سنوات سجن. و أما
بالنسبة للجناية حسب الفقرة 04 من المادة 119 من قانون العقوبات فإن عقوبة
السجن المؤبد تخفض إلى 03 سنوات سجن.
و تجدر الإشارة أنه في حالة الحكم على أساس ظروف
التخفيف يجوز الحكم على الجناة بالحرمان من الحقوق الوطنية فهذه العقوبة
تعتبر عقوبة تبعية في الجنايات و تطبق بقوة القانون. و منه هل هذا يعتبر
تخفيف ؟ حيث أن العقوبة تطبق دون نطق القاضي.
و كذلك نصت المادة 53 من قانون العقوبات على جواز
الحكم عليهم بالمنع من الإقامة و هي تعتبر عقوبة تكميلية و رغم أن العقاب
بها يجب أن ينص عليه القانون وينطق به القاضي، و بالرجوع لنص المادة 119 من
قانون العقوبات لم تنص على عقوبة تكميلية و منه فإن هذه المادة أضافت
عقوبة أخرى، و لم تقم بالتخفيف.
أما بالنسبة لجريمة الاختلاس بوصفها جنحة فإنه حسب
نص المادة 53 من قانون العقوبات نصت على أنه في حالة الفقرة 01 من المادة
119 من قانون العقوبات التي تنص على عقوبة سنة حبس إلى 05 سنوات فإنه يعاقب
بحبس لا يقل عن سنة واحدة. إذ أن المشرع ألزم القاضي في حالة العقوبة
المقررة في الفقرة 01 من المادة 119 من قانون العقوبات أن لا تخفض العقوبة
إلى أقل من سنة حبس. و هذا على خلاف الجنح الأخرى التي يجوز أن تخفض
العقوبة إلى يوم حبس واحد و غرامة مالية قدرها 05 دنانير وأن نستبدل عقوبة
الحبس بالغرامة على أن لا تقل عن عشرين دينارا.
و منه فإننا نستطيع أن نفترض حالتين:
1- إذا قام شخص بارتكاب
الجنحة المنصوص عليها في المادة 119 الفقرة 01 أي اختلس مبلغ أقل من
1000.000دج، فالقاضي لا يستطيع الرجوع للمادة 53 من قانون العقوبات وفقا
للمبادئ العامة إذ يجب أن لا تقل العقوبة عن عام حبس بتطبيق ظروف التخفيف
لأن المشرع قيده بالحد الأدنى.
2- إذا قام شخص بارتكاب
الجنحة المنصوص عليها في الفقرة 02 من المادة 119 من قانون العقوبات أي
اختلس مبلغ يعادل أو يفوق مبلغ 1000.000دج و يقل عن 5000.000دج، فإنه لا
يطبق عليه الاستثناء الوارد في المادة 53 من قانون العقوبات بل تطبق عليه
القواعد العامة للظروف المخففة حسب الفقرة 05.04.03 من المادة 53 من قانون
العقوبات. و منه باستطاعة القاضي أن يخفض العقوبة إلى يوم و خمسة دنانير
غرامة مع امكانية استبدال عقوية الحبس بالغرامة التي لا تقل عن عشرين دينار
(1).
و منه من يختلس مبلغ أقل من 1000.000دج لا يستفيد بظروف
التخفيف، و من يختلس أكثر من 1000.000دج يستفيد منها، و منه يعتبر تناقض
صارخ، و كان على المشرع تعديله ضمن التعديل الأخير و هذا بحذف الفقرة
الخاصة بجنحة الاختلاس.
(1) الأستاذ بن شيخ لحسين، المرجع السابق، ص202.
و ما تجدر الإشارة إليه أنه قبل تعديل قانون
العقوبات سنة 1988 كانت الفقرة 01 تنص على عقوبة سنتين إلى عشر سنوات حبس و
بعد التعديل أصبح الحد الأدنى سنة حبس، و المشرع لم يتفطن لتعديل المادة
53 من قانون العقوبات سواء في تعديل 1988 و لا في تعديل 2001. و عليه أن
يعدل هذا الوضع في أقرب وقت.
الخاتمة:
لقد تم التطرق في موضوع البحث لجريمة الاختلاس في ظل
التعديل بالأمر 01/09 المؤرخ في 26 جوان 2001. و لقد تم دراسة مفهوم
جريمة الاختلاس و تمييزها عن الجرائم المشابهة لها. حتى لا يكون الخلط.
و بعدها تم التطرق إلى أركان جريمة الاختلاس التي
تتميز بركن إضافي عن الجرائم العادية و هو الركن المفترض الذي يلعب دورا
أساسيا لقيام الجريمة. و في فصل ثان تم التطرق إلى النظام الجزائي لجريمة
الاختلاس، إذ تم معالجة كل مراحل الدعوى العمومية من المتابعة إلى الجزاء
إذ أن المشرع نص على اجراءات شكلية في متابعة مسيري المؤسسات العمومية
الاقتصادية في حالة ارتكابهم جريمة الاختلاس اضرارا بالمؤسسة الاقتصادية
العمومية. و تتمثل في وجوب تقديم شكوى من طرف أجهزة المؤسسات الاقتصادية
العمومية وفقا للقانون التجاري و القوانين الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية
العمومية.
و كذلك تم التطرق إلى الجزاءات المقررة لجريمة
الاختلاس سواء باعتبارها جناية أو جنحة وفق النظرة الجديدة للمشرع حسب
التعديل الأخير لقانون العقوبات. و كذلك لكيفية تطبيق الظروف المخففة على
جريمة الاختلاس و ما يترتب عليها من إشكاليات.
و نصل في النهاية إلى أن المشرع بالنسبة لجريمة الاختلاس سواء قبل التعديل
أو بعد التعديل بموجب الأمر 01/09 المؤرخ في 26 جوان 2001 المعدل و المتمم
لقانون العقوبات لم يوفق، إذ أنه رغم أن هذه المادة عدلت عدة مرات إلا أن
الاشكالات والتناقضات مازالت موجودة. و لهذا على المشرع أن يتدخل من جديد و
يقوم بتعديل هذه المادة و يأخذ بعين الاعتبار مايلي:
- أن يكون واضحا في التجريم و العقاب لأننا كما نعرف إن قانون العقوبات يفسر تفسيرا ضيقا.
- يجب أن يكون نص المادة موافقا أو على الأقل غير مناقض
للأعمال التحضيرية للقانون، لأن هذه الأعمال هي التي يعتمد عليها في
التفسير في حالة وجود غموض في نص المادة. و كذلك هذه الأعمال
تبين نية المشرع، إذ أنه في التعديل الأخير لقانون العقوبات كانت نيته
متجهة إلى إخراج المؤسسة الاقتصادية العمومية من نص المادة وهذا بحذفها من
الفقرة 03 من نص المادة 119 إلا أنه أضافها فيما بعد في الفقرة 04 في نفس
المادة رغم أنه صرح في الأعمال التحضيرية أن المؤسسة الاقتصادية العمومية
لم تعد حكرا على أموال الدولة بل هناك أموال الخواص. لهذا يجب أن لا تطبق
عليها نصوص جريمة الاختلاس بل تطبق عليها أحكام القانون التجاري.
- يجب على المشرع اعادة النظر في شرط الشكوى سواء بحذفه
كلية أو تحديد مفهومها و شروطها بنص خاص، لأننا عند تطبيق المبادئ العامة
نجد عدة تناقضات كما سبقت الإشارة إليها. و من الأفضل حذف قيد الشكوى من
القانون لأن فيه تقييد للنيابة العامة رغم أن مصالح الدولة هي التي مسها
الضرر وكذلك المساس بالاقتصاد الوطني.
- يجب على المشرع استبدال " القانون المتعلق بتسيير رؤوس
الأموال التجارية للدولة " بالقوانين الخاصة المطبقة على المؤسسات
الاقتصادية العمومية، لأنه واقعيا لا يوجد هذا القانون و المصطلح الثاني
أشمل و يتضمن كل القوانين الخاصة بذلك .
- يجب على المشرع توضيح الأمر بالنسبة للفقرة 05 من المادة
119 من قانون العقوبات التي تنص على متابعة أجهزة المؤسسة الإقتصادية
العمومية في حالة عدم تقديم الشكوى، لأن هذه الفقرة تخلق عدة إشكالات سبق
الإشارة إليها .
- يجب على المشرع تعديل المادة 53 من قانون العقوبات
الخاصة بما يتناسب ويتوافق مع نص المادة 119، أو حذف النص الخاص بكيفية
تطبيق ظروف التخفيف على الفقرة 01 من المادة 119 من قانون العقوبات و للأسف
المشرع لم يتدارك هذا التناقض رغم أن عدة فقهاء و مؤلفين كتبوا في هذا
الجزء. و يترك ظروف التخفيف تطبق على جريمة الاختلاس كغيرها من الجرائم
وفقا للقواعد و المبادئ العامة .
قائمة المراجع
1- الدساتير :
- دستور 1996 المؤرخ في 28 نوفمبر 1996
2- القوانين :
- الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08 جوان 1966 يتضمن قانون الإجراءات الجزائية
- الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08 جوان 1966 يتضمن قانون العقوبات
- الأمر رقم 66-133 المؤرخ في 02 جوان 1966 يتضمن القانون الأساسي للوظيف العمومي
- الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون التجاري
- قانون رقم 89-21 المؤرخ في 12 ديسمبر 1989 المتضمن القانون الأساسي للقضاء
- قانون رقم 90-08 المؤرخ في 07 أفريل 1990 المتعلق بالبلدية
- قانون رقم 90-09 المؤرخ في 07 أفريل 1990 المتعلق بالولاية
- الأمر رقم 01-04 المؤرخ
في 20 أوت 2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الإقتصادية و تسيرها و
خوصصتها
3- الكتب القانونية :
1- د.أحسن بوسقيعة . الوجيز في القانون الجنائي الخاص .دار هومة .الجزء1
2- د.أحمد أبو
الروس .قانون جرائم التزييف و التزوير و الرشوة و إختلاس المال العام من
الوجهة القانونية و التقنية. الموسوعة الجنائية الحديثة (05) . المكتب
الجامعي الحديث .الإسكندرية 1997.
3- أ.بن شيخ لحسين.مبادئ القانون الجزائي العام .دار هومة .
4- د.حسن صادق المرصفاوي .
المرصفاوي في قانون العقوبات الخاص المعارف بالإسكندرية 1991.
5- د.رمسيس بهنام.الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية .
الكتب القانونية
6- د.عبد الله
سليمان.دروس في شرح قانون العقوبات الجزائري القسم الخاص.ديوان المطبوعات
الجامعية .
7- د.عبد المجيد زعلاني.قانون العقوبات الخاص .2000.
8- د.عبد
الرزاق السنهوري.الوسيط في شرح القانون المدني . مصادر الإلتزام . دار
إحياء الثراث العربي . بيروت .لبنان .
9- د.عبد الرزاق السنهوري.الوسيط في شرح القانون المدني.
حق الملكية .دار إحياء الثراث العربي .بيروت لبنان .
10- د.عمار عوابدي .القانون الإداري ، ديوان المطبوعات الجامعية .
11- د.سليمان بارش .
محاضرات في شرح قانون العقوبات الجزائري القسم الخاص .الطبعة الأولى 1985.
12- د.مأمون محمد سلامة .قانون العقوبات القسم الخاص .
الجرائم المضرة بالمصلحة العامة .
13- د.محمود نجيب حسين .شرح قانون الإجراءات الجنائية.
دار النهضة العربية.الطبعة الثانية 1988.
14- د.محمد صبحي نجم .شرح قانون العقوبات الجرائري .
القسم الخاص .ديوان المطبوعات الجامعية . 1990. الجزائر .
15- د.محمود زكي أبو عامر . د.سليمان عبد المنعم .
قانون العقوبات الخاص .المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ..
16- د.مصطفى كمال طه .أصول القانون التجاري .الأوراق التجارية بيروت.الدار الجامعية 1993.
17- د.نظير فرج منية
.الموجز في الإجراءات الجزائية الجزائري . ديوان المطبوعات
الجامعية الجزائر.
* ملحق المواد المعدلة و المواد الجديدة مع عرض الأسباب .
خطة البحث:
المقدمة ............................................................................ 01
الفصل الأول: مفهوم جريمة اختلاس الأموال العمومية ............................... 04
المبحث الأول: التعريف بجريمة الاختلاس و تمييزها عن غيرها ................... 04
المطلب الأول: التعريف بجريمة الاختلاس ...................................... 04
المطلب الثاني: تمييزها عن الجرائم المشابهة لها ................................ 05
المبحث الثاني: أركان جريمة الاختلاس .......................................... 07
المطلب الأول: الركن الشرعي ................................................. 07
المطلب الثاني: الركن المفترض ................................................ 08
المطلب الثالث: الركن المادي .................................................. 12
المطلب الرابع: الركن المعنوي ................................................. 20
الفصل الثاني: النظام الجزائي لجريمة اختلاس الأموال العمومية ....................... 22
المبحث الأول: القيود الواردة على تحريك الدعوى ................................ 22
المطلب الأول: مفهوم الشكوى كقيد ............................................ 22
المطلب الثاني: مفهوم أجهزة المؤسسات العمومية الاقتصادية .................... 23
المبحث الثاني: الجزاءات المقررة لجريمة الاختلاس ............................... 27
المطلب الأول: الجزاءات المقررة لجريمة الاختلاس باعتبارها جنحة ............. 27
المطلب الثاني: الجزاءات المقررة لجريمة الاختلاس باعتبارها جناية ............. 29
المبحث الثالث: إشكالية تطبيق ظروف التخفيف على جريمة الاختلاس ............. 33
المطلب الأول: مفهوم ظروف التخفيف ......................................... 33
المطلب الثاني: كيفية تطبيق ظروف التخفيف على جريمة الاختلاس و إشكالاتها .... 33
الخاتمة ............................................................................ 36
ليست هناك تعليقات