خصوصية تعيين القاضي المالي للمحاكم المالية قد أدخلت مدونة المحاكم المالية( القانون رقم 62.99 )عدة تغييرات على القانون رقم 28.80 الذي...
خصوصية تعيين القاضي المالي للمحاكم المالية
قد
أدخلت مدونة المحاكم المالية( القانون رقم 62.99 )عدة تغييرات على القانون
رقم 28.80 الذي كان يعتبر بمثابة النظام الأساسي لقضاة المجلس الأعلى
للحسابات، تركز على أهمية العنصر البشري داخل المؤسسة للقيام بمهامها على
أفضل وجه، بحيث وبالرغم من كون هياكل هذه المحاكم تشكل اللبنة الأساسية
التي تضمن سير أعمالها، فان العنصر البشري يبقى هو المحرك الأساسي لهذه
الهياكل وعلى رأسه الهيئة القضائية التي تكمن أهميتها أساسا في طبيعة
ونوعية الوظائف التي تتولى القيام بها وهي الحرص والحفاظ على المال العام.
ونظرا لأهمية المهام
والآمال المعقودة على هذه المحاكم، والتي هي بالأساس مرتبطة بطبيعة نظامها
القانوني وبدرجة استقلاليتها في إصدار القرارات والأحكام وفي القيام
بالتحقيقات والافتحاصات اللازمة، فإن ذلك يستوجب البدء ببحث حول مسطرة
تعيين القاضي على أن يكون التطرق لنظام وضعيته الإدارية موضوع مقال آخر.
فأين تتجلى خصوصية تعيين القاضي المالي؟؟.
المطلب الأول: شروط تعيين القاضي المالي
لقد حددت مدونة المحاكم
المالية في المادة 171 شروط تعيين الملحق القضائي بهذه المحاكم، حيث تدرج
مجموعة من الشروط والقيود لتقليد منصب القاضي بمحاكم المالية، وحسب ذات
المادة، فلا يمكن أن يعين أيا كان ملحقا قضائيا أو قاضيا:
- إن لم تكن جنسيته مغربية، مع مراعاة قيود الأهلية المنصوص عليها في قانون الجنسية المغربية[1]:
- إن لم يكن متمتعا بحقوقه الوطنية و ذا مروءة وسلوك حسن؛
- إن لم تتوفر لديه شروط القدرة البدنية المطلوبة لمزاولة الوظيفة؛
- إن لم يكن بالغا من
العمر ثلاثة و عشرون (23) سنة كاملة على الأقل وخمسة وثلاثون(35) سنة على
الأكثر في فاتح يناير من السنة الجارية، ويمكن تمديد هذا الحد الأقصى للسن
لفترة مساوية للخدمات السابقة الصحيحة أو الممكن تصحيحها لآجل التقاعد؛
- إن لم يكن في وضعية قانونية بالنسبة لقانون الخدمة العسكرية.
وهي شروط عامة حددها المشرع في جميع النصوص المنظمة لولوج مختلف أسلاك الوظيفة العمومية([2]).
تنضاف إلى هذه الشروط،
قيد عدم ممارسة أنشطة سياسية أو نقابية، هذا القيد الذي تم انتقاده لكونه
يشكل مساسا بحرية القاضي في اختيار طريق الدفاع عن حقوقه وتوضيح طلباته،
ولا يقتصر الأمر هنا على القاضي المالي بل حتى القضاة العاديين، الأمر الذي
نددت به كل التقارير الدولية عن وضعية القضاء بالمغرب، علما أن حق القضاة
في تأسيس الجمعيات كفلته المواثيق الدولية[3] ـ التي تؤكد أن من حق القضاة
التمتع بحرية التعبير والاجتماع وتكوين جمعيات لتمثيل مصالحهم ـ التي تعهدت
المملكة المغربية بالالتزام بما تقتضيه مواثيقها من مبادئ و حقوق وواجبات
وذلك في تصدير الدستور المغربي المراجع لسنة 1996[4].
وهكذا فطالما أن الدستور
المغربي الحالي أعلن احترام المواثيق الدولية وما تضمنته من حقوق و
واجبات، فإن منع القضاة من تأسيس الجمعيات والنقابات المهنية، يشكل اعتداء
على حرية التعبير عند القضاة.
المطلب الثاني: طرق تعيين القاضي المالي
لقد جاءت مدونة المحاكم
المالية بمقتضيات تهم طرق تعيين القضاة الماليين، فباستثناء الرئيس الأول
للمجلس الأعلى للحسابات و الوكيل العام للملك لديه اللذان يعينان مباشرة من
طرف جلالة الملك، يتم توظيف باقي القضاة إما عن طريق مباراة يخضعون بعد
النجاح فيها و قبل ترسيمهم لفترة تدريب، و إذا كانت هذه الطريقة في التعيين
تهم كافة القضاة و الموظفين، إلا أن خصوصيتها تتجلى بالنسبة للقاضي المالي
في كيفية إجراء المباراة وفي نوعية التدريب التي تفرضه بطبيعة الحال طبيعة
المحاكم المالية ( الفقرة الأولى)، أو عن طريق التحاق الموظفين العموميين
مباشرة بهذه المحاكم وذلك وفق شروط محددة قانونا، إضافة إلى التعيين في
إطار المقتضيات المؤقتة باعتبارها مرحلة انتقالية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التعيين عن طريق المباراة
طريقة تعيين الملحق
القضائي بالمحاكم المالية حددتها مقتضيات المادة 172 من المدونة، و حددت
شروط المشاركة في هذه المباراة في ضرورة توفره على إحدى الشهادات التي يتم
تحديدها بواسطة أمر للرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات من بين الشواهد
التي تسمح بولوج درجة مرتبة في سلم الأجور رقم 11 أو درجة معتبرة في حكمها،
وذلك على خلاف الأمر بالنسبة لمباراة الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء التي
يشترط للمشاركة فيها توفر المرشح على شهادة جامعية لا تقل المدة اللازمة
للحصول عليها على أربع سنوات.
كما أضافت الفقرة
الثانية من نفس المادة أسلوب التوظيف بناء على المؤهلات من بين المترشحين
الحاصلين على دبلوم المعهد العالي للإدارة وذلك في حدود ربع (¼) المناصب
المالية الشاغرة المتبارى بشأنها، وقد أناطت المادة 173 صلاحية تحديد كيفية
تنظيم مباراة الملحقين القضائيين للرئيس الأول للمجلس بناء على أمر تؤشر
عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية.
وتتميز هيئة القضاة
بتعدد التخصصات، بحيث يمثل ذوو التكوين الاقتصادي نسبة 40.6 % والمهندسون
نسبة 28.6 %، في حين يشكل ذوو التخصص القانوني نسبة 20.6%.
وفضلا عن ذلك، يمثل
القضاة الحاصلون على شهادة الدكتوراة وشهادة السلك الثالث على التوالي نسبة
5% و39 % من العدد الإجمالي للقضاة ([5]).
تـوزيع الـقضاة حـسب نـوع الـشهادة
النسبة
|
نوع الشهادة
|
5%
|
شهادة الدكتوراه
|
40%
|
دبلوم السلك الثالث أو ما يعادله
|
29%
|
دبلوم مهندس
|
26%
|
الإجازة
|
المصدر: تركيب شخصي بالاعتماد على معطيات من تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2006
وفي الواقع فإن ترك
صلاحية تحديد الشهادات لسلطة الرئيس الأول، يعتبر شيئا إيجابيا، ذلك لأنه
سيمكنه من ملاءمة طبيعة الشهادات والمؤهلات العلمية المطلوبة مع تطور
حاجيات ومهام المحاكم المالية دون الحاجة إلى الرجوع إلى السلطة
التنفيذية([6]).
وتجدر الملاحظة أن طريقة
المباريات هي الطريقة الأساسية المتبعة في المغرب وفي معظم الدول،
والمفروض أن يأخذ هذا النوع من التعيين بمبدأ الأهلية وـ الاستحقاق ـ
تماشيا ومبدأ " الرجل المناسب في المكان المناسب"، حيث يعتبر التعيين
والحالة هاته متوافقا وتوجهات وتوصيات المنظمات الدولية للهيئات العليا
للرقابة المالية " الأنتوساي" فيما يخص التعيينات المتعلقة بأعضاء الهيئات
المكلفة بالرقابة العليا على الأموال العمومية، حيث لطالما أكدت على ضرورة
توفر الكفاءة والأهلية في المترشح واستحقاقه لهذا المنصب أو ذاك قبل تعيينه
بصفة رسمية ونهائية ([7]).
كما أن مسطرة المباراة
هاته تضمن مبدأ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون تكريسا لأحكام
الفصل 12 من الدستور وتجعل التعيين مبنيا على الاستحقاق.
وما يستنتج من خلال
قراءة المادة 172 من المدونة هو أن الشهادات المطلوبة لاجتياز المباراة
لاتقتصر فقط في شهادات المحصل عليها في مجال المحاسبة بل يعتمد على أنواع
أخرى من الشهادات لتتمكن المحاكم المالية من توفير الموارد البشرية اللازمة
لها.
وللإشارة، فإن الملحقين
القضائيين الناجحين في المباراة أو المنتقين من بين متفوقي المعهد العالي
للإدارة ليست لهم صفة قاض إذ لا يكتسبونها إلا بعد اجتياز امتحان الكفاءة
المهنية عند نهاية مدة التدريب.
حيث أنه وعلى غرار باقي
القوانين المنظمة لوظيفة القضاء، فرضت مدونة المحاكم المالية على الملتحقين
بالهيئات القضائية تدريبا مهنيا لاكتساب الخبرات والكفاءات اللازمة
لممارسة هذه الوظيفة وحددت مدته في سنتين و سنة واحدة بالنسبة للملحقين
القضائيين اللذين يتم تعيينهم من بين الحاصلين على دبلوم المعهد العالي
للإدارة ([8]).
ويضمن التدريب المذكور
لهذه الفئة من القضاة تكوينا نظريا وعمليا يهم الجوانب القانونية والمالية
والمحاسبية للمراقبة التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات.
ويتخذ هذا التكوين الذي
يساهم في تنشيطه خبراء مغاربة وأجانب وقضاة من المجلس الأعلى للحسابات، شكل
دروس وندوات ودراسة حالات وتداريب عملية ([9])، كما يتضمن التدريب إمكانية
مساهمة الملحقين في أنشطة المحاكم المالية خاصة تدقيق الحسابات والعمل على
مستوى النيابة العامة والحضور في الجلسات.
لكن ما يلاحظ من الناحية
العملية، أن هذا التدريب لا يخضع لأي تخطيط مسبق وبرمجة محددة ودقيقة
وأهداف مضبوطة ([10])، فالفوج الذي التحق بالمجلس بتاريخ 3 يناير من سنة
2000. تكلفت المدرسة الوطنية للإدارة بفترة تدريبه في إطار سلك التكوين
الذي تعده هذه المدرسة مع محاولة ملاءمته مع طبيعة المهام التي ستناط
بهؤلاء المتخرجين الذين كان عليهم تلقي جميع المواد المقررة في السلك بعض
النظر عن حاجاتهم إليها من عدمه ودون الانخراط في تداريب عملية بما في ذلك
على مستوى أنشطة المجلس الأعلى للحسابات.
أما الفوج التالي، فقد
تولى مهمة تدريبه قسم التكوين و التأهيل بالمجلس الأعلى للحسابات، والذي
رغم المجهودات التي بذلت لم يتمكن من توفير وإعطاء المتدربين وسائل العمل
الضرورية خاصة في مجال التدقيق ومراقبة التسيير.
أما فيما يخص الفوج
المتخرج بتاريخ 13 فبراير 2004، فقد خضع أفراده لتكوين نظري مدته 6 أشهر
بالمعهد العالي للإدارة، ثم التحقوا بمركز التكوين والتأهيل بالمجلس الأعلى
للحسابات حيث أنيطت بهم مهمة المشاركة في تصفية الحسابات المتأخرة
بالمجلس([11]).
وسيكون لهذا اللاتكافؤ
في برامج التدريب تأثير سلبي على قضاة المجلس الأعلى للحسابات، إذ أنه
بالإضافة إلى عدم توحيد برامج التدريب النظرية، هناك تفاوت كبير بين
الأفواج فيما يخص المشاركة في أنشطة المجلس والنتيجة تواجد قضاة غير خاضعين
لنفس التكوين و مطلوب منهم القيام بنفس المهام.
غير أن ما ينبغي التنويه
إليه هو أن المحاكم المالية ومن خلال فترات التدريب المقررة للأفواج
الثلاثة السابقة، تسير نحو تحسين وعقلنة التدريب، بحيث إذا كانت قد اقتصرت
بخصوص فوج 2000 على مجرد تلقين مواد نظرية دون الانخراط في تداريب عملية
بمقر المدرسة الوطنية للإدارة، فإنه وعلى العكس من ذلك، عملت على تدارك
الأمر بخصوص الفوج الموالي، وعملت على إلحاق المرشحين بمركز للتكوين
والتأهيل تابع للمجلس الأعلى للحسابات، ثم بعد ذلك أخضع الفوج المتخرج سنة
2004 لتكوين نظري بالمعهد العالي للإدارة بالإضافة إلى إلحاقهم بمركز
التكوين والتأهيل والسماح لهم بالمشاركة في تصفية حسابات المجلس المتأخرة.
وما هذا إلا إدراك من
المجلس لضرورة عقلنة التداريب المقررة لفائدة الأفواج المتخرجة في سبيل
تطوير وجدية تكوين العنصر البشري لما يحوز عليه هذا التكوين من أهمية
فعلية، ويعتد به في سائر الأنظمة خاصة المتقدمة منها، بل إن هذه الأخيرة
أصبحت تنظر إلى التكوين بإعتباره "صناعة تربوية" لها أولويتها في برامج
التنمية العمومية[12].
ومع الأهمية الخاصة التي
تحوز عليها مثل هذه "الصناعة" في الدول المتقدمة، فإن واقع الحال بالنسبة
للمغرب يشير بصفة عامة إلى أن جانب التكوين رغم الأهمية التي يحضى بها في
المحاكم المالية إلا أنها تبقى غير كافية، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة
الاهتمام وإيلاء العناية اللازمة لهذه "الصناعة" بالنسبة لقضاة المحاكم
المالية، ولا يجب الاقتصار على تقوية المعارف والكفاءات النظرية للعاملين
فحسب بل يجب التركيز أيضا على الطابع العملي وتكوين فرق متعددة الاختصاصات
وذات مؤهلات عالية قادرة على قيادة العمليات الرقابية في بيئة تزداد تعقيدا
يوما بعد يوم[13] وكذا العمل على تزويدهم بالخبرات والمهارات الأساسية
اللازمة من أجل ضمان الأداء الجيد للمهام الموكولة إليهم.
وعلى إثر التدريب، يخضع
الملحقون القضائيون لامتحان الكفاءة المهنية يرسمون على إثره ويعينون كقضاة
من الدرجة الثانية وذلك باقتراح من "مجلس قضاء المحاكم المالية"، أما
الملحقون القضائيون غير الناجحين في امتحان الأهلية المهنية، فيمكن إما
قبولهم لتمديد التدريب لسنة إضافية وأخيرة وإما إرجاعهم إلى أسلاكهم
الأصلية أو إعفاؤهم ([14]).
وللإشارة فإن المحاكم
المالية تتوفر أيضا على موظفين إداريين وتقنيين يخضعون حسب مدونة المحاكم
المالية لنظام الخاص بهم، ويوظفون كذلك عن طريق المباراة.
وكما سبق الذكر، فإن
اللجوء إلى توظيف القضاة بواسطة المباراة لا يسمح وحده بتزويد المحاكم
المالية بالموظفين المؤهلين الذين يمكنهم الشروع مباشرة في ممارسة عملهم
بمجرد تعيينهم، لذلك نصت مدونة المحاكم المالية على إمكانية التوظيف
المباشر للقضاة من بين الموظفين العموميين وحسب معايير محددة فيما يخص
التجربة والأقدمية. كيف ذلك؟
الفقرة الثانية: التعيين المباشر من الموظفين العموميين
استثناء من التعيين عن
طريق المباراة التي حددته المادة 172 من مدونة المحاكم المالية، أقر المشرع
في المادة 169 من نفس القانون، إمكانية تعيين بعض الموظفين مباشرة كقضاة
للمحاكم المالية، وذلك في حدود خمس(5/1) المناصب المالية الشاغرة بناء على
اقتراح من "مجلس قضاء المحاكم المالية".
ويهم هذا التعيين
المباشر الموظفين المنتمين إلى إحدى الدرجات التي تساوي أو يفوق رقمها
الاستدلالي في الرتبة الأولى 870، والمتوفرين على إحدى الشهادات التي تسمح
بولوج سلم الأجور رقم 10 والمثبتون قضاء خمسة عشر(15) سنة على الأقل في
الخدمة العمومية الفعلية.
ويعين هؤلاء الموظفون في
الدرجة الاستثنائية وهي أعلى درجة في سلك القضاء باستثناء الرئيس الأول
للمجلس الأعلى للحسابات والوكيل العام للملك اللذان يعينان خارج الدرجة
وذلك ما تؤكده الفقرة الثانية في المادة 165، ويعينان بمقتضى ظهير ملكي
استنادا إلى نصوص الدستور والتي تخول للملك صلاحيات تعيين كبار الموظفين في
مختلف الوظائف المدنية والعسكرية.
أما الفئة الثانية التي
يشملها أيضا التعيين المباشر، فهي فئة الموظفين المنتمين إلى درجة متصرف
ممتاز أو درجة معتبرة في حكمها والمتوفرين على إحدى الشهادات التي تسمح
بولوج سلم الأجور رقم 10 والذين قضوا في الخدمة العمومية الفعلية عشر (10)
سنوات على الأقل، ويعين المنتمون إلى هذه الفئة في الدرجة الأولى.
ويتم هذا التعيين
المباشر بعد فحص الترشيحات المقدمة ومقابلة المترشحين من أجل معرفة مدى
قدرتهم و استعدادهم لمزاولة مهنة قاض لدى المحاكم المالية.
وتتولى هذه العملية لجنة
انتقاء يحدد تأليفها بأمر من الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات و ذلك
بعد موافقة "مجلس قضاء المحاكم المالية".
وإذا كانت لهذه الطريقة
في التوظيف إيجابيات من حيث كونها تهدف إلى جلب الكفاءات الموجودة في
الإدارات الأخرى ذات التجربة نظرا للمدة المطلوبة من الخدمة العمومية
الفعلية، إلا أنها تسجل عيوبا عدة خاصة وأن هذه الطريقة في حد ذاتها لا
تشجع على الإلتحاق للعمل بالمحاكم المالية، وذلك راجع لطول المدة المطلوبة
من الخدمات المنجزة، والتي يكون خلالها المعنيين بالأمر ذوي مسؤوليات في
إدارتهم وبالتالي يتوفرون على دخل يفوق أو يوازي ما يمكن أن يحصلوا عليه
عند العمل بالمحاكم المالية ([15])، كما أن طول هذه المدة ـ المحددة قانونا
في عشر(10) سنوات أو خمسة عشر(15) سنة حسب الحالات ـ يجعل المرشح للالتحاق
بالمحاكم المالية قد فقد الرغبة والحماس للقيام بمهام قاض مالي وما يتطلبه
هذا المنصب من جهد كبير.
وقد كان من الممكن
اعتماد طريقة الإلحاق التي أقرها التشريع الفرنسي، حيث أنه عمل بمقتضى
مدونة المحاكم المالية ([16]) على إقرار طريقة الإلحاق من الإدارات
العمومية في اتجاه المحاكم المالية، الأمر الذي من شأنه تمكين المعنيين
بالأمر من التعرف على طبيعة العمل بهذه المحاكم وكذا الظروف المادية لهذا
العمل، لتبقى لهم حرية الاختيار بين الالتحاق النهائي بالمحاكم المالية أو
العودة إلى إدارتهم الأصلية، و تكون الحالة هاته المحاكم المالية قد
استفادت من تجربة وخبرة هؤلاء الموظفين خلال مدة مزاولتهم العمل بها، وقد
تم توسيع هذه الإمكانية مؤخرا لتشمل قضاة المحاكم العادية وموظفي الجماعات
المحلية، وموظفي المستشفيات وكل العاملين بالهيئات العمومية الأخرى
المتخرجين من المدرسة الوطنية للإدارة ([17]).
ورغبة من المشرع المالي
في إعطاء مرونة أكبر للمسؤولين من أجل تزويد المحاكم المالية بالعدد الكافي
من القضاة وتوفير الموارد البشرية اللازمة لعمل هذه المحاكم، نصت المادة
238 من المدونة ـ واستثناء من المقتضيات المنظمة للولوج العادي لأسلاك
القضاء المالي والتي تم التطرق إليها سابقا، وذلك خلال مدة محددة في أربع
(4) سنوات تبتدئ من تاريخ نشر المدونة ـ على أنه يمكن أن يوظف ويعين قضاة
المحاكم المالية في حدود النصف من المناصب المالية الشاغرة، و ذلك بنفس
الكيفيات المحددة لطريقة الانتقاء المشار إليها سابقا، مع إضافة إمكانية
التوظيف في الدرجة الثانية أيضا إلى جانب الدرجتين الاستثنائية والأولى.
وهكذا، وحسب الفقرة
الثالثة من المادة 239 يمكن أن يعين في الدرجة الثانية مباشرة الموظفون
المنتمون إلى درجة متصرف أو درجة معتبرة في حكمها، والمتوفرون على إحدى
الشهادات التي تسمح بولوج سلم الأجور رقم 10، والمثبتون قضاء عشر (10)
سنوات على الأقل من الخدمة العمومية الفعلية.
وفضلا عن حالات الإدماج
المذكورة، فإن النظام الأساسي خول للمحاكم المالية ولفترة محدودة إمكانية
الحصول على مساعدة موظفين ينتمون أو كانوا ينتمون إلى هيئات تفتيشية أو
رقابية من أجل المشاركة في مأموريات رقابية تدخل في إطار الاختصاصات غير
القضائية لهذه المحاكم.
غير أن الملاحظ، أن
الموارد البشرية التي تتوفر عليها المحاكم المالية لا تزال دون المستوى
المطلوب لمواجهة الحاجيات المتزايدة في هذا المجال نتيجة عدة عوامل أهمها
توسع اختصاصات المحاكم المالية سواء في المجالات القضائية أو غير القضائية،
والتزايد المستمر لعدد الأجهزة الخاضعة للمراقبة.
وحتى تتمكن المحاكم
المالية من الاضطلاع بمهامها على الوجه المطلوب، فإن عليها تعزيز وسائلها
البشرية و الاهتمام بها خاصة بتحفيزها للقيام بالعمل المطلوب منها على
الوجه الأفضل، لما للحوافز([18]) على اختلاف أنواعها من دور هام ومتميز في
التأثير على إنتاجية العنصر البشري على اختلاف مستوياته و طبيعة عمله حيث
تؤدي إلى الرفع من رغبة الأفراد للعمل بشكل جدي و فعال مما يحقق أداء
فعالا.
ـ قانون رقم 62.06 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5514 بتاريخ 5أبريل 2007.[1]
[2] - حددها الفصل 21 من النظام العام الأساسي للوظيفة العمومية، و الفصل 4 من الباب الأول من القسم الثاني من النظام الأساسي لرجال القضاء.
[3] ـ منها المادة التاسعة من الإعلان الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، المنعقد في ميلانو بإيطاليا في الفترة من 26 غشت إلى 6 شتنبر 1985 التي تنص:" للقضاة حرية في تكوين جمعيات للقضاة، أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم، و النهوض بتدريبهم المهني، و حماية استقلالهم القضائي وفي الانضمام إليها".
[4] ـ للمزيد حول هذا الموضوع راجع: ـ عبد المولى خرشش:"الأخطار التي تهدد استقلال القضاء"، جمعية عدالة، أشغال الندوة الدولية:" استقلال القضاء في المغرب على ضوء المعايير الدولية و التجارب في المنطقة المتوسطية"، الطبعة الأولى 2006، مطبعة النجاح الجديدة، صفحة من 123 إلى 150.
[5] - حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2006، ص : 406.
[6] - محمد مجيدي : " دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية " أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، و حدة القانون الإداري و علم الإدارة . جامعة محمد الخامس – أكدال ، الرباط. السنة الجامعية 2006-2007،ص 16.
[7] - توصيات ا لمؤتمر السابع لمنظمة الأنتوساي المنعقد بمونتريال لسنة 1971.
[8] - حسب المادة 174.
[9] - تقرير أنشطة المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2003 و 2004 ،ص :51.
[10] - محمد مجيدي : " دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية " ، مرجع سابق، ص: 16.
[11]- محمد مجيدي : " دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية " ، مرجع سابق، ص:18.
[12] ـ نادية تازيط:" دور العنصر البشري في التنمية الإدارية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال ـ الرباط ـ السنة الجامعية 1996 ـ 1997، ص: 214.
[13] ـ أحمد الميداوي:" دور الأجهزة العليا للرقابة المالية و المحاسبة في التدبير السليم للمالية العامة"، مجلة الرقابة المالية، العدد 49، دجنبر 2006، ص: 2.
[14] - تقرير عن أنشطة المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2003 و 2004، ص 51.
[15] - محمد مجيدي: " دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية " ، مرجع سابق، ص 19.
[16] - Les articles L 212.5.1 et L 212.5.
[17] - La loi n° 2001-1248 du 21 décembre 2001 relative au chambre régional des comptes et à la cour des comptes.
[18] ـ يعرف الأستاذ عمر وصفي عقيلي الحوافز في مجرى حديثه عن نظرية التوقع بكونها:" فرص أو وسائل ـ مكافآت، علاوات...ـ توفرها الإدارة المنظمة أمام الأفراد العاملين لتثير بها رغباتهم، وتخلق لديهم الدافعة من أجل السعي للحصول عليها، عن طريق الجهد و العمل المنتج و السلوك السليم، وذلك لإشباع حاجاتهم التي يحسون بها و التي تحتاج إلى إشباع"، عمر وصفي عقيلي:" نظرية التوقع: محاولة كمية لقياس دافعية العمل"، المجلة العربية للإدارة، المجلد 45ـ 1988، ص:88، وارد عند نادية تازيط:" دور العنصر البشري في التنمية الإدارية"، مرجع سابق، ص: 293.
وللمزيد
عن الحوافز انظر:ـ محسن عبد الله محاصرة:" الحوافز في الخدمة المدنية و
القطاع العام في المملكة الأردنية الهاشمية"، المجلة العربية للإدارة،
العدد 3، المجلد 9 ـ 1985.
ليست هناك تعليقات