مفهوم الحكامة الجيدة مقدمة: تعددت في الفترة الأخيرة الدراسات التي تسعى إلى تسليط الأضواء على مسار الدولةـ الأامة وأدوارها كفاعل ...
مفهوم الحكامة الجيدة
مقدمة:
تعددت في الفترة
الأخيرة الدراسات التي تسعى إلى تسليط الأضواء على مسار الدولةـ الأامة وأدوارها
كفاعل أساسي في ميادين التنمية. وهو اهتمام أملته التحولات الجدرية التي عرفها
العالم منذ عقدين وما لهذه التحولات من أثر على حضور الدولة في مجالات عديدة وكيف
تفاقمت مأمورياتها فأضحت مجبرة على التدخل في قضايا الإقلاع الاقتصادي عبر اتباع
السياسات العمومية Les politique publiques واعتماد
مشاريع اللامركزية وتبنيها لخطاب مبتذل يربط فيه بين الديمقراطية السياسية
والديمقراطية الاجتماعية.
وعليه برزت مجموعة من المفاهيم اجتهدت في تعريف وتنميط ما اعتبر انقلابات مستحدثة أن الدولة لم تبق الساهر الوحيد على إشكالية التنمية حيث فتح المجال أمام فعاليات متنوعة تشتغل داخل المجال المحلي وتسعى جاهدة للرفع من وثيرة نشر المنفعة وهو ما دفع العديد من المفكرين إلى القول بإفلاس الدولة وعجزها عن التعامل بإيجابية مع منافسة المنظمات الدولية وتداخل استراتيجيات التنمية ومبادرات الشركات الاحتكارية واعتبروا الأمر مؤشرا على قرب نهاية الدولة كجهاز فاعل ذي سيادة. وقد شارت هذه الدراسات وكذا التقارير التي أصدرتها بعض المنظمات الدولية B.M.PNUD إلى إعادة النظر في دور الدولة، معتمدة على جهاز مفاهيمي جديد هدفه رد الاعتبار لدورها بالنظر لموقعها في الحقول الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية. ويعتبر مفهوم الحكامة الرشيدة La bonne gouvernance من أهم المفاهيم المقترحة، فأضحى تقليعة تردد في جل الخطابات السياسية الراهنة التي غالبا ما تقدمه في شكل مشروع يضمن فعالية دور الدولة في هذه المفاهيم التي أصبحت على الواجهة تتردد في كل الخطابات السياسية الحالية.
وعليه برزت مجموعة من المفاهيم اجتهدت في تعريف وتنميط ما اعتبر انقلابات مستحدثة أن الدولة لم تبق الساهر الوحيد على إشكالية التنمية حيث فتح المجال أمام فعاليات متنوعة تشتغل داخل المجال المحلي وتسعى جاهدة للرفع من وثيرة نشر المنفعة وهو ما دفع العديد من المفكرين إلى القول بإفلاس الدولة وعجزها عن التعامل بإيجابية مع منافسة المنظمات الدولية وتداخل استراتيجيات التنمية ومبادرات الشركات الاحتكارية واعتبروا الأمر مؤشرا على قرب نهاية الدولة كجهاز فاعل ذي سيادة. وقد شارت هذه الدراسات وكذا التقارير التي أصدرتها بعض المنظمات الدولية B.M.PNUD إلى إعادة النظر في دور الدولة، معتمدة على جهاز مفاهيمي جديد هدفه رد الاعتبار لدورها بالنظر لموقعها في الحقول الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية. ويعتبر مفهوم الحكامة الرشيدة La bonne gouvernance من أهم المفاهيم المقترحة، فأضحى تقليعة تردد في جل الخطابات السياسية الراهنة التي غالبا ما تقدمه في شكل مشروع يضمن فعالية دور الدولة في هذه المفاهيم التي أصبحت على الواجهة تتردد في كل الخطابات السياسية الحالية.
فدراسة
الحكامة المحلية تأتي كنمط من التسيير والتدبير المتعدد الأبعاد والذي يضع رهان
التنمية في أهدافه الإستراتيجية بعيد عن المقاربات الكلاسيكية التي لم تتجاوز منطق
الضبط السياسي والامني. وبالتالي تكون الإحاطة بالتجربة المغربية ومدى قدرتها على
استيعاب وتثبيت أسس الحكامة الجيدة في واقع محلي غني بتراكماته وخصوصياته، التي
تفرض إعادة النظر في جملة من المبادئ التي يدفع بها المفهوم. خصوصا في ظل عدم وجود
نخبة حقيقية قادرة على تبيئة مبادئ الحكامة ومن تم كسب رهان التنمية.
وهكذا
فإن لإشكالية الموضوع تتكون من شقين: الشق الأول يتحدد من خلال دراسة الإطار
النظري واقانوني لتأصيل الحكامة المحلية وذلك لاستبيان الأسس المعرفية والعلمية
التي يقوم عليها المفهوم.
أما
الشق الثاني فيتمحور حول دراسة رهانات الحكامة المحلية والممكنات القادرة على
تفعيلها، ووسائل عملها على الرفع بالعمل التنموي.وتنبثق عن هذه الإشكالية مجموعة
من التساؤلات التي يمكن طرحها على الشكل التالي:
مفهوم
الحكامة يطرح إشكالا من حيث التعريف فهناك عدة تعريفات للحكامة الأمر الذي يثير
الجدل حول طبيعة ومحتوى هذا المفهوم؟
ما
هي الأبعاد الديمقراطية والتنموية للحكامة المحلية؟ وما هي الاجراءات الواجب
اتخاذها لتجسيد الحكامة الجيدة على أرض الواقع؟ وإلى أي حد ساهمت الجماعات المحلية
في تثبيت مبادئ الحكامة المحلية وبالتالي تأهيل المجال الترابي للإقلاع الاقتصادي
والاجتماعي والمحلي؟
نظرا
لتشعب جوانب الموضوع وحتى نتمكن من الإحاطة به من أجل تحليله شموليا ارتأينا تقسيم
محاوره الأساسية تقسيما ثنائيا وذلك على الشكل التالي:
المبحث الأول: الإطار النظري والقانوني للحكامة المحلية.
المطلب الأول: مفهوم الحكامة
المطلب الثاني: البنية القانونية للحكامة
المحلية
المبحث الثاني: الميكانيزمات السياسية والإدارية للحكامة
المحلية.
المطلب الأول: المشاركة الفاعلة.
المطلب الثاني: المجتمع المدني
المبحث الأول: الإطار النظري
والقانوني للحكامة المحلية.
المطلب الأول: مفهوم الحكامة
يشير مفهوم الحكامة (أو مايطلق عليه أحيانا
الحكم الجيد أو الرشيد) إلى ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لإدارة
شؤون بلد ما على جميع المستويات. وبمعنى أدق، ينصرف مفهوم الحكامة إلى منظومة الحكم
التي تعزز وتدعم وتصون رفاه الإنسان وتقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم
وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا سيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع
فقراً وتهميشاً.
وعلى ذلك يمكن تعريف الحكامة التي تستهدف تحقيق مصلحة عموم الناس في المجتمع (كما
جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002) على أنه "نسق من المؤسسات
المجتمعية، المعبرة عن الناس تعبيرا سليما، تربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط
والمساءلة بواسطة المؤسسات، وفي النهاية بواسطة الناس.
وبذلك، يشمل مفهوم الحكامة جميع المؤسسات في
المجتمع بحيث يشمل أجهزة الدولة وهئيات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص. كما لا
ينحصر مفهوم الحكامة في الاهتمام بآثار التنمية الحالية، بل يشمل التنمية طويلة
الأمد، والممتدة على مدى أجيال متعددة. وتتمثل أبعاد الحكامة في حكم وسيادة القانون
والشفافية والاستجابة والمشاركة والإنصاف والفعالية والكفاءة والمساءلة والرؤية
الاستراتيجية.
ولإدراك تقرير التنمية الإنسانية بأن مفهوم الحكامة
السابق هو حالة مثالية لم يصل اليها مجتمع بشري حتى اللحظة، فإنه يدعو الدول
المختلفة إلى تحديد أكثر السمات الأساسية أهمية من خلال بناء توافق مجتمعي عريض.
فعلى سبيل المثال، يرى التقرير ضرورة توفر اتفاق مبدئي حول القضايا المجتمعية
الأساسية مثل اختيار التوازن المطلوب بين الدولة وقوى السوق؛ أو بين السلطة
والحرية؛ أو اختيار أفضل الأساليب والطرق الناجعة للوصول إلى مجتمع المعرفة والانخراط
في العولمة الجديدة. الأمر الذي يستدعي بالضرورة توفر البنى السياسية والاجتماعية
والسياسية القائمة على الحرية والمشاركة والمساءلة والشفافية والتي يمكن من خلالها
تطبيق منظومة الحكامة.
الجدير بالذكر، أن مقاربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
الواردة في تقارير التنمية الإنسانية
العربية المتعاقبة، تقوم على دمج أهداف الحكامة مع نموذج التنمية البشرية
المستدامة. وفي هذا السياق، يرى الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي أنان) أن "الحكم
الصالح هو العامل الأهم الذي يمكن من محاربة الفقر وتعزيز التنمية".
وعلى هذا، يسعى نموذج التنمية الإنسانية المستدامة
والمرتكز على منظومة الحكامة إلى توسعة خيارات جميع فئات المجتمع، بما في ذلك
الفئات الأكثر تهميشا مثل النساء والفقراء، مع الاهتمام في نفس الوقت بحق الأجيال
القادمة في حياة كريمة، مع التشديد على تحقيق قدر أكبر من الدمج بين المجالات
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى مشاركة أكبر للقوى الفاعلة على الصعد
المحلية والقومية والإقليمية والعالمية.
وفي هذا السياق، تؤكد تقارير التنمية الإنسانية
العربية المتعاقبة على أهمية قيام نماذج الحكامة على مقاربات وممارسات محلية
تستلهم الطبيعة الخاصة بكل بلد على حده، مع التأكيد على ضرورة النظر بايجابية
وانفتاح إلى التجارب الاقليمية والعالمية الناجحة.
في الوقت نفسه، تؤكد تقارير التنمية الإنسانية
المتعاقبة أيضا على ضرورة إعطاء الوقت اللازم لنضوج التجارب الوطنية في مجالات الحكامة
والتي لا يمكن الوصول اليها بين ليلة وضحاها. وفي هذا السياق، يؤكد التقرير على
الشروط اللازمة للوصول إلى مجتمع المعرفة في العالم العربي بالقول:
ليست المساهمة الفعالة في إثراء المعرفة
الإنسانية بالأمر الغريب على العرب والحضارة العربية، غير أن استعادة تلك المكانة
المتميزة تتطلب مكافحة فعالة لإرث عصر انحطاط قد طال بأكثر مما يحتمل. ويقتضي
تكامل نموذج عربي عام، أصيل، منفتح، ومستنير إصلاحات جوهرية في السياق المجتمعي
لمنظومة المعرفة في البلدان العربية.
المطلب الثاني: البنية القانونية للحكامة
المحلية
إن
الميثاق الجماعي الجديد منح للجماعات المحلية القاعدة القانونية التي تساعد على
نهج مقاربة جديدة في تدبير الشأن العام المحلي، بإدخال آليات جديدة متطورة تعتمد
على التواصل والتضامن والتشارك والتعاون في جميع الميادين وخاصة تلك التي تهم
التنمية البشرية في أبعادها المختلفة.
يفصل
المجلس الجماع بمداولاته في قضايا الجماعة، ولهذه الغاية يتخذ التدابير اللازمة
لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمارس المجلس بالأخص اختصاصات
ذاتية واختصاصات تنقله إليه الدولة، ويمكنه علاوة على ذلك تقديم اقتراحات وإبداء
آراء حول المسائل التي تهم الجماعة، والتي تدخل في اختصاص الدولة أو أي شخص آخر من
أشخاص القانون العام.
ففيما
يخص الاختصاصات الذاتية، فقد حدده الميثاق الجماعي الجديد في سبعة محاور أساسية،
لتتفرع عن كل محور اختصاصات ثانوية.
ـ
المحور الأول: يتعلق بالتنمية
الاقتصادية والاجتماعية بحيث يقوم المجس الجماعي بدراسة مخطط التنمية، وضع برنامج
تجهيز الجماعة، إنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات، وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية
وتحسين ظروف المقاولات، المساهم في مقاولات وشركات الاقتصاد المختلط، المحافظة على
الملك الغابوي، استغلاله واستثماره.
ـ المحور
الثاني: يتعلق بالمالية والجبايات والأملاك الجماعية، بحيث يقوم المجلس بدراسة
الميزانية والحسابات الإدارية، فتح حسابات خصوصية وإعتمادات جديدة ورفع مبالغ
اعتمادات وتحويل اعتماد من فصل لأخر، تحديد سعر الرسوم وتعرفة الوجيبات ومختلف
الحقوق، الافتراضات والضمانات، الهبات والوصايا، تحدي الأملاك العامة الجماعية
وترتيبها وإخراجها من حيز الملك العمومي، والاقتناءات والتفويتات، المعاوضات
والاكتراءت وكل المعاملات المتعلقة بعقارات الملك الخاص، أعمال تدبير واحتلال
الملك العمومي الجماعي مؤقتا، تخصيص أو تغيير تخصيص البنايات العمومية ولاملاك
الجماعية.
ـ
المحور الثالث: التعمير وإعداد
التراب، بحيث يتكلف المجلس الجماعي باحترام ضوابط البناء المقررة في مخططات توجيه
التهيئة العمرانية، وتصاميم التهيئة والتنمية والوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد
التراب والتعمير، يقرر في برامج إعادة الهيكلة العمرانية ومحاربة السكن الغير
اللائق وحماية وإعادة تأهيل المدن العتيقة، وتحديد النسيج العمراني المتدهور،
إنجاز البرامج المتعلقة بالسكنى أو المشاركة في تنفيذه، تشجيع إحدات التعاونيات
السكنية وجمعيات الأحياء، المحافظة على الخصوصية الهندسة المحلية.
ـ
المحور الرابع: يتعلق بالمرافق
والتجهيزات العمومية المحلية، إذ يقو المجلس بإحداث وتدبير المرافق العممية
الجماعية، وذلك عن طريق شكات التنمية المحلية والوكالة المستقلة والامتياز وكل
طريقة أخرى من طرف التدبير المفوض للمرافق العمومية، يقرر إنجاز التجهيزات ذات
الطبيعة الصناعية والتجارية، إحداث وحذف أو تغيير أماكن المعارض أو الأسواق أو تاريخ
إقامتها، إضافة إلى التجهيزات والمنشآت المائية المخصصة للتحكم في مياه الأمطار
والوقاية من الفيضانات وتهيئة الشواطئ والممرات الساحلية، والبحيرات وضفاف الأنهار
الموجودة داخل تراب الجماعة.
ـ
المحور الخامس: يهم الوقاية الصحية والنظافة والبيئة ويتكون
من: حماية الساحل والشواطئ وضفاف الأنهار والغابات والمواقع الطبيعية، جودة الماء
الصالح للشرب والمياه المختصة للسباحة، تصريف ومعالجة المياه العادية ومياه
الأمطار، محاربة عوامل انتشا الأمراض المعدية، وجميع أشكال التلوث والإخلال
بالبيئة وبالتوازن الطبيعي، وفي هذا الإطار فإن المجلس الجماعي، يقرر إحداث وتنظيم
المكاتب الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية.
ـ
المحور السادس: يتعلق بالتجهيزات
والأعمال الاجتماعية والثقافية بحيث يتضمن: إنجاز وصاية وتدبير التجهيزات
الاجتماعية والثقافية والرياضية، التنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي بمساعدة
الهيئات العمومية المكلفة بالثقافة والشبيبة والرياضة والعمل الاجتماعي، تشجيع
ومساندة المنظمات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والرياضي، تعبئة
المواطن قصد تنمية الوعي الجمعوي من أجل المصلحة المحلية العامة، وتنظيم مشاركته
في تحسين ظروف العيش والحفاظ على البيئة، وإنعاش التضامن وتنمية الحركة الجمعوية
والشراكة مع الجمعيات القروية، أعمال المساعدة والدعم والإدماج الاجتماعي للأشخاص
المعاقين، وكل الفئات التي توجد في وضع صعب، تنفيذ البرامج الوطنية والجهوية
والمحلية لمحاربة الأمية، الحفاظ على خصوصيات التراث الثقافي المحلي.
المحور
السابع: يرتبط بالتعاون
والشراكة مع الإدارة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام والشركاء
الاقتصاديين والاجتماعيين الخواص، أو مع كل جماعة أو منظمة أجنبية.وذلك بإحداث كل
هيئة ذات فائدة مشتركة بين الجماعات أو العمالات أو الاقاليم أو الجهات أو
المشاركة فيها.
المبحث الثاني: الميكانيزمات السياسية والإدارية للحكامة
المحلية.
المطلب الأول: المشاركة الفاعلة.
يقوم مفهوم الحكامة، الذي تم تبنيه في تقارير
التنمية الإنسانية العربية المتعاقبة،على أساس أن المجتمع القائم على المشاركة
الفاعلة، في جميع مناحي الحياة، شرط مسبق للتنمية المستدامة والشاملة المرتكزة على
المعرفة في عالمنا المعاصر. فالمشاركة الفاعلة تمكّن المجتمع من الاستخدام الأمثل
لطاقات وقدرات أفراده وجماعاته المنظمة وذلك على نحو يمكن من خلاله الوصول إلى
مجتمع المعرفة. فالمشاركة تتطلب إعطاء دور أكبر للمجتمع المدني، وتوجب تطبيق
اللامركزية المالية والإدارية على صعيد الإدارة العامة أو الحكومية، بما يسمح في
الأخير بقيام المواطنين بواجب المشاركة في بنية السلطة وفي إمكانية التأثير على
السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ويتألف مفهوم التنمية الإنسانية الذي يقدمه
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يشكل الأساس لمجتمع المعرفة الوراد في تقرير
التنمية الإنسانية العربية من ثلاثة عناصر رئيسية هي:
تنمية الانسان:
من خلال تعزيز القدرات البشرية المادية والمعرفية لكي يتمكن الناس من المشاركة
الكاملة في مختلف نواحي الحياة ومن اكتساب المعارف الجديدة بسهولة ويسر.
التنمية من أجل الانسان:
عن طريق توفير الفرصة لكل الناس للحصول على أو اكتساب حصة
عادلة من المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادي ومن المنافع الناتجة عن ثورة
المعلومات ومجتمع المعرفة.
التنمية بالانسان:
من خلال توفير الفرصة المناسبة لجميع أعضاء المجتمع للمشاركة في تنمية مجتمعهم وفي
الاغتراف من نهر المعرفة الذي لاينقطع.
فالإنسان، في منظور التنمية الإنسانية، هو وسيلة
التنمية وغايتها ذلك أن اكتساب المعرفة هو القدرة البشرية الأساس في مفهوم التنمية
الإنسانية.
وبطبيعة الحال، ترى هذه الرؤية المستنيرة للتنمية
البشرية أن للناس الحق في أن تتاح أمامهم سبل متنوعة لممارسة السلطة ولاكتساب
المزيد من مصادر المعرفة. وهكذا، تصبح المشاركة الفاعلة وسيلة وغاية في آن واحد.
والحقيقة، أن الآليات التي يمارس الناس نفوذهم
من خلالها قد تتفاوت بصورة كبيرة بحسب الظروف الخاصة بكل مجتمع، فيمكن للناس
كأفراد أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات أو أن يمارسوا الأنشطة التجارية، كما يمكنهم
كجماعات أن يؤسسوا منظمات مجتمعية مختلفة الأنواع أو أن ينضموا إلى الاتحادات
المهنية. الأمر الذي يجعل مستويات المشاركة المرتفعة للقدرات والإبداع البشري
تعبيرا طبيعيا عن الحاجات الأصيلة في النفس البشرية، في الوقت الذي تسمح المشاركة للجماعات
وللأفراد بأن يحققوا ذاتهم وأن يشعروا بالإنجاز الذي شاركو فيه.
المطلب الثاني: المجتمع المدني
يذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003
أنه يتوافر لدى معظم الدول العربية أطر قانونية خاصة بالجمعيات والهيئات السياسية وغير
السياسية، وبالمنظمات غير الحكومية، وهيئات القطاع الخاص، والنقابات العمالية. وعلى
وجه الخصوص، قوانين تأسيس الجمعيات ، وقوانين الصحافة، وقوانين
الأحزاب السياسية في كل دولة. ومع ذلك، يشكو التقرير من أن الدولة في الوطن العربي
تحاول أن تلتهم بصورة متزايدة المساحات التي يجب يحتلها المجتمع المدني. فالدولة
في المجتمعات العربية تسعى للسيطرة على جميع ميادين النشاط الاجتماعي والتحكم بها
وتوجيهها التوجيه الذي يخدم مصالحها في المقام الأول. وتأتي المؤسسات البحثية
الخاصة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في مقدمة الفعاليات الشعبية التي تسعى
الأنظمة العربية إلى الهيمنة عليها، أو على الأقل تطويعها لمصالح هذا النظام
السياسي أو ذاك.
وبالنسبة للمغرب، يمكن القول بأن العلاقة بين
الدولة والمجتمع المدني تمثل أحد الأركان الأساسية في منظومة التنمية حيث أكد
الدستور والقوانين على حق المواطنين في جميع أنحاء المغرب في المشاركة في تدبير
الشأن العمومي بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال أطر مؤسسية حديثة تتمثل في
الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية.
ونظرا للطبيعة المتشعبة لمنظمات المجتمع المدني،
سعى المشرع المغربي إلى تحقيق نوعا من التوازن بين حرية الحركة التي يجب أن تمنح
لمنظمات المجتمع المدني حتى تؤدي عملها على الوجه الذي أراده لها من قام بتأسيسها
أوسعى للحصول على خدماتها من ناحية وبين الحاجة إلى نوع معين من الإشراف والرقابة
على أنشطتها من قبل الأجهزة الحكومية من ناحية أخرى.
وعليه، فقد تضمنت مواد هذه القوانين الخاصة
بمنظمات المجتمع المدني أشكالا متعددة للعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني من حيث
الدعم والتمويل والتكامل في الأداء والوظيفة لكل منهما. فضمن هذا الإطار القانوني،
يتم تقديم الدعم المالي والعيني لمنظمات المجتمع المدني من قبل الحكومة، وفي
مقدمتها الأحزاب السياسية والجمعيات ، وذلك وفقا للضوابط المحددة في القانون.
ولتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، ضمن
القانون إعفاء الجمعيات والمؤسسات من الضرائب بكل أنواعها، بما في ذلك جميع عوائد
الجمعيات ومصادر دخلها. كما ضمن القانون أيضا إعفاء الجمعيات من الضرائب والرسوم
الجمركية
وتقوم الحكومة، إضافة إلى ما سبق، بمحاولات
متعددة وحثيثة تهدف إلى ادماج منظمات المجتمع المدني في برامج التنمية المختلفة،
كما هو الحال في اسناد الجهات الحكومية مهام تشغيل وإدارة معاهد ومراكز الأنشطة
الاجتماعية التابعة لها مثل برامج الأسر ودور الرعاية الاجتماعية إلى منظمات
المجتمع المدني المختلفة. إيمانا من الجهات الحكومية بضرورة دعم ودفع المنظمات
الأهلية إلى تحقيق مستويات متقدمة من الانجاز والعطاء. الأمر الذي يؤدي إلى رفع
وتيرة التنمية المستدامة والشاملة في ربوع الوطن.
رغم أن منظمات المجتمع المدني تشترك بالتضامن مع
الدولة ومؤسساتها المختلفة في النهوض بالاعباء الثقيلة التي يتطلبها إنشاء مجتمع
ديموقراطي تعاوني عادل، إلا أن هناك بعض التصورات الخاطئة لدى الطرفين حول طبيعة
الدور الذي يجب أن يلعبه كل طرف في المسيرة التنموية
هناك من يرى من المسؤلين في
الدولة أن أي مساحة للتحرك يمكن أن تعطى لمنظمات المجتمع المدني هي بالضرورة على
حساب هيبة وسلطة الدولة، متناسين في الوقت نفسه أهمية تلك المنظمات والجمعيات في
استكمال بناء صرح الدولة، دولة النظام والقانون، والتي لن تقوم لها قائمة بغير
شراكة استراتيجية بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني ومساهمة فعالة من قبل جميع
فعاليات المجتمع المدني.
ليست هناك تعليقات