اكراهات التمكين السياسي للمرأة وآليات تجاوزها هشام العقراوي طالب باحث: حاصل على ماستر تدبير وافتحاص إدارات الدولة والجماعات...
هشام
العقراوي
طالب
باحث: حاصل على ماستر تدبير وافتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية
جامعة
الحسن الأول سطات
أضحت تشكل المرأة رقم ايجابيا في معادلة الانتقال
الديمقراطي، عبر انخراطها بشكل فعال في الممارسة السياسية. وقد ظهر ذلك بشكل جلي
في الحراك العربي، إذا احتلت الصفوف الأولى وطالبة بإصلاحات سياسية، و انخرطت بشكل
قوي في الدينامية التي يعرفها المجتمع المدني، لكن لا يكفي التمكين السياسي للمرأة
وفق ما جاءت به المواثيق الدولية، وما سطرته جل الدساتير ومنها دستور 2011
والقوانين التنظيمية، التي حرصت على تفعيل التمثيلية السياسية للمرأة بشكل منصف،
بل لابد من القيام بتشخيص للواقع الاجتماعي والثقافي والنسق السياسي الذي يعد
مؤطرا لممارسة السياسية للمرأة، ومنه فما هي الاكراهات المعرقلة للمشاركة السياسية
للمرأة ثم ما هي بعض الآليات الكفيلة بتشجيع المرأة للانخراط بفعالية في منظومة
وحركية الإصلاح السياسي بالمغرب.
الفقرة الأولى : معيقات المشاركة
السياسية للمرأة.
يرجع ضعف
مشاركة النساء في الحياة السياسية بشكل عام وداخل مراكز القرار السياسي خاصة
المؤسسات المنتخبة إلى عدة عوامل تشكل عوائق يمكن تصنيفها إلى صنفين، عوائق
اجتماعية وثقافية وأخرى سياسية.
فيما يخص
العوائق الاجتماعية والثقافية، فتتمثل في كون الثقافة المجتمعية السائدة
تقوم على فكرة تفوق الرجل، واختصاصه بالسلطة والعمل خارج البيت، في حين ترتكز هوية
المرأة على أمومتها ودورها داخل البيت، ورغم اتساع دائرة النساء اللائي يعملن خارج
البيت فإن عملهن لا ينظر إليه كجزء من هويتهن، وإطار لتطور شخصيتهن ومسارهن في
الحياة العامة بقدر ما يعد مصدر دخل إضافي في الأسرة وحسب هذا المنظور فإن النشاط
السياسي للمرأة يعتبر في أحسن الظروف خروجا عن المألوف أو ترفا ومضيعة للوقت
وخروجها إلى العمل يعتبر تعسفا على حقوق البيت والأسرة([1]).
وبما أن
المناخ العام داخل المجتمع يقابل فيه النشاط السياسي بسلبية من طرف الرجال والنساء
على حد السواء فإن الميل إلى اعتبار النشاط السياسي للمرأة غير ضروري أمام
مسؤوليتها الأسرية يزداد ترسيخا، وهذا يؤكد أن كسب تعاطف المجتمع مع الدور السياسي
للمرأة لا يمكن أن يتم بمعزل عن مواجهة كل مظاهر اللامبالاة والعزوف عن العمل
السياسي التي تسود المجتمع ككل([2]).
فجل
الدراسات والأبحاث التي تحاول تبرير الوضعية الحالية للمرأة في مجال مساهمتها
الفعلية المتقدمة في الحياة السياسية، اتجهت إلى إبراز بعض الحالات العامة وإعطاء
تحليلا نظريا عنها، وهي لا تخرج عن قضايا الأسرة وتطويرها ودور المرأة كأم في هذا
التطور، باعتبارها مساعدة وليست مساهمة أساسية، ويبدو أن هذا التوجه النظري يعطي
تبريرا عن غياب المرأة السياسي، كما يخرجها من دائرة العمل السياسي على جميع
الأصعدة، وهو ما يفسر ذلك التواجد الضئيل ضمن المؤسسات السياسية المنتخبة([3]).
وبالرغم
من أن إقرار المساهمة الفعلية للمرأة في المجال السياسي قد اتخذت عدة أشكال، فإنها
اعتبرت صراعا يرمي إلى تغيير نمط العلاقات الاجتماعية المعاشة التي هي نتيجة لنمط
الإنتاج الثقافي السائد.
ومن جهة
أخرى شكل الفهم الخاطئ لموقف الإسلام من المرأة عائقا أساسيا لها من نيل مختلف
حقوقها لعدة قرون، وعلى رأسها الحقوق السياسية. فالبيئة الأبوية للمجتمع العربي
النابعة من تقاليد وقيم روحية ومن تأويلات مختلفة للنص القرآني لم تفسح المجال
أمام المرأة لولوج مراكز القرار، فرغم أن النص القرآني مقدس إلا أن تفسيره يخضع
لتكوين المفسر وموقعه الاجتماعي.
وهكذا
فإن التحولات التي عرفها المجتمع الإسلامي بعد الفتوحات أعطت للرجل الصدارة في
المجتمع، وأبعدت المرأة عن مهام كانت تمارسها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام
والخلفاء الراشدين فجاءت التغييرات الفقهية كمبرر يمنع المرأة من تقلد مراكز
القرار.
وليس
الفهم الخاطئ للدين وحده عائق أمام المشاركة السياسية للمرأة، بل إن هذا العامل
يجد بيئة ثقافية ملائمة تساعده على الاستمرارية، فمن خلال الأمثال، الشعر،
النثر... تعمل إلى إدخال القيم والعادات في نفسية الفرد بالشكل الذي ينسجم
والثقافة التي يعيشها معتزا بها عند طفولته ولا يستطيع التخلص منها لأنها تغلغلت
في نفسه وأضحت مكونا من شخصيته الرئيسية، فمجموعة من الأمثال الشعبية تنظر على أن
المرأة قاصر والرجل هو السيد، كمثال على ذلك المثل القائل : " العين ما تعلا
عن الحاجب "([4]).
وينتمى
هذا التصور في غياب إعلام مسؤول، فصورة المرأة من خلال المسلسلات التلفزيونية
المغربية هي صورة تعكس بوضوح مستواها الكوني وتختزل أدوارها في ربة البيت التي
تسهر على شؤونه... دون انتباه لواقـع المرأة الحالي التي أصبح العمل في حياتها ضروري
مثل الرجل، لهذا فتبرير القصور في المسلسل عند تصويره للمرأة على أنه قصور في
المرأة نفسها مجانب للصواب وهروب عن المسؤولية وضيق في مفهوم الرسالة الإعلامية([5]).
ومن جهة
أخرى فإن تدهور البنية الاجتماعية والاقتصادية يساهم في تكريس ثقافة التخلف
والقصور عند المرأة، وتصل نسبة الأمية في أوساط النساء بالمغرب حوالي 64,97% مقابل
83,3% عند الذكور، حيث يلعب التعليم إلى جانب الاستقلال المادي دورا مهما في دفع
النساء للمشاركة السياسية([6]).
أما
بالنسبة للعوائق السياسية فيمكن إجمالها في ثلاث عناصر أساسية :
v عدم توفر النساء على الوقت الكافي لمزاولة العمل السياسي.
v افتقار النساء إلى التكوين اللازم للخوض في الميدان.
v افتقار النساء إلى التجربة السياسية.
كما
تعتبر الأحزاب السياسية مسؤولة بشكل رئيسي عن الاكراهات التي تواجهها النساء
اللائي يردن الانخراط في السياسة، ذلك أنها أهملت القضية النسائية ضمن اشتغالاتها
ولم تعرها العناية اللازمة. وإن ضعف مشاركة المرأة في المجال السياسي هي مسؤولية
الجميع، الأحزاب السياسية الإعلام، المرأة ذاتها وعلى كل هذه المكونات أن تقوم
بدورها حتى تتمكن المرأة من تحرير مشاركتها في الحقل السياسي.
الفقرة الثانية : آليات تعزيز
المشاركة السياسية للمرأة
إن ضعف
المشاركة السياسية للمرأة، يتطلب إقرار ديمقراطية فعلية. وعليه تتحمل الأحزاب
السياسية القسط الوافر من المسؤولية اتجاه تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، فهي
ملزمة سياسيا بأن تقتحم أكثر على الواجهة النسائية من خلال إصلاح ذاتها بتبني
الديمقراطية الداخلية وتجديد الخطاب السياسي وتشبيب وتنويع النخب الحزبية بما
يتلاءم مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغاربة والعمل
على خلق فرص لتكوين المرأة و تأطيرها وتدريبها على العمل السياسي، ومنح الثقة لها
في تولي المناصب القيادية الحزبية والاهتمام بالملفات الحزبية الكبرى([7]).
وما دامت
الأحزاب السياسية المغربية تعترف بأهمية المرأة في الحقل السياسي وتعترف بحقوقها
خاصة السياسية وتدعو إلى تكثيف مشاركتها السياسية فإن هذه الأحزاب مطالبة
بالانتقال من مستوى الخطاب السياسي إلى ميدان الممارسة ولعل أولى الخطوات التي يجب
أن تتبناها لتعزيز تمثيلية النساء داخلها هي تبني بعض الآليات السياسية المستخلصة
من تجارب الأحزاب الغربية وهي ثلاثة :
أولا : خيار
الكوطا أو الحصة : في فرنسا يتوفر الحزب الاشتراكي على نظام داخلي بهدف ترشيح
30% على الأقل من النساء في كل الانتخابات التي يجري فيها التصويت بأسلوب الاقتراع
اللائحي بالتمثيل النسبي، وفي هولندا يطبق الحزب العالمي " الكوطا
" بنسبة 33%، وفي ألمانيا يطبق الخضر " الكوطا " بنسبة 50%([8]).
والمغرب
بدوره فقد تبني نظام الكوطا والاقتراع باللائحة بالتمثيل النسبي خلال الانتخابات
التشريعية بمجلس النواب سنة 2002، وهذا لا يتعارض بتاتا مع الشرعة الدولية
المتمثلة في الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد
المرأة التي تنص في مادتها الرابعة على أنه، لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير
خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى
الذي تأخذ به هذه الاتفاقيات، ولكنه يجب ألا يستتبع على أي نحو، الإبقاء على معاير
غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهـداف التكافؤ
في الفرص والمعاملة([9]).
وإن كان في هذا الصدد هناك من يرى أن آلية الحصة، لا تعد من آليات التمييز
الإيجابي، لسببين :
1:
أنها تتناقض مع مفهوم النيابة عن الشعب الذي هو ركيزة المؤسسة البرلمانية.
2:
أنها تشعر المجتمع بأن النائبات مفروضات عليه لحسابات سياسية لا تعنيه، الأمر الذي
يضر بفرص انتخاب المرأة في المستقبل([10]).
ثانيا : خيار
التناوب في الترشيحات بين الجنسين : فهناك بعض الأحزاب السياسية تعتمد هذا
الأسلوب ويسمى ب Système Fermeture
Eclair، ويقوم هذا الأسلوب على الترتيب بالتناوب
وبالتالي في لوائح الترشيح : رجل امرأة .... وهكذا إلى نهاية اللائحة([11]).
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب الأحزاب السياسية في السويد تعتمد هذا الأسلوب، ولعل
هذا ما يفسر ارتفاع تمثيلية النساء السياسية في المؤسسات التمثيلية في السويد
والتي تصل درجة المناصفة.
ثالثا : خيار
الترتيب المؤهل للفوز : فهناك أحزاب سياسية في الديمقراطية الغربية، تتبنى هذا
الأسلوب، ويتمثل هذا الأخير في لجوء الأحزاب السياسية إلى وضع مرشحاتها في ترتيب
متميز ضمن لوائحها، يضمن لهن الفوز أكيدا، وتعمل بعض الأحزاب في كل من ألمانيا والنمسا
بهذا الأسلوب([12]).
نخلص إذن
إلى أن الأحزاب السياسية المغربية، وحتى تستجيب لمتطلبات ولمتغيرات الفترة
الراهنة، والتي تعد فيه المشاركة السياسية للمرأة أحد الملفات الكبرى والعالقة وجب
عليها الاقتداء بالتجارب السابقة. فالأحزاب السياسية مفروض عليها بحكم الدستور
القيام بوظيفة التأطير والتوجيه، كما يجب عليها أن تمنح المرأة الثقة اللازمة
وتؤهلها لمراكز القرار المنتخبة.
ويؤكد
علم الاجتماع أن نجاح التحديث والتحديث السياسي خصوصا لا يمكن أن ينجح إلا إذا ما
اعتمد على شبكة اتصال إعلامي حديثة ومتطورة، وأنه لا يوجد لمجتمع حديث يعمل
بفعالية دون نسق متطور من وسائل الإعلام الوطنية، فهذه الأخيرة هي التي تعمل على
إضفاء مدخلات أساسية على الحياة السياسية والنفسية لأفراد المجتمع. فدورها لا يقتصر
على الترفيه وتقديم المعلومات فقط، بل توجه خبراتنا وتحرك الجماعات نحو العمل في
اتجاه معين لتحقيق الأهداف المرجوة ([13]):
إلا أنه
للأسف، فالإعلام يتعامل مع المرأة غالبا كمادة للاستهلاك وللتجارة بعيدا عن نشاطها
وهمومها، وهذا بالإضافة إلى تركيزه على اهتمامات المرأة الثانوية من أزياء ومكياج
وتسريحات الشعر وسائر الموضوعات المشابهة التي لا تمس في الواقع سوى الشرائح
العليا ذات المنحى الغربي. وفي حالة اهتمام الإعلام بمشاكل المرأة ووضعيتها، فإن
ذلك يختزل فقط في المرأة المرتبطة بالبيت، والمرأة بدون عمل والمطلقة...
إن الإعلام بمختلف ألوانه اليوم
مطالب بتحمل مسؤوليته بالمساهمة في بناء الديمقراطية التي سوف لن تتحقق بدون العمل
على نشر ثقافة الديمقراطية وذلك بتقديم المرأة في الصورة التي تستطيع من خلالها
معالجة مشاكلها وتعزز شراكتها السياسية.
فالمكون
الإعلامي سواء الرسمي أو غير الرسمي مطالب بتقديم برامج سياسية ثقافية تكون المرأة
فيها عنصرا مساهما وقادرا على تحمل المسؤولية السياسية، ومن شأن هذه البرامج
وغيرها من المبادرات الإعلامية التي تهدف إلى تحسين صورة المرأة، أن تزعزع وتزيح
الثقافة الأبوية وتحسن من صورة المرأة في الثقافة السائدة. فالديمقراطية قبل كل
شيء هي ثقافة يجب ترسيخها في عقلية الناس وسلوكاتهم وعاداتهم، قبل ممارستها في شكل
مؤسسات وقوانين.
[5] - انظر، مريم الفارسي : " المرأة في المسلسلات التلفزيونية
المغربية "، بحث لنيل دبلوم المعهد العالي للصحافة، الرباط
سنة 1989-1990، ص 69-70.
[6] - انظر بشرى التيجي : " المرأة الموظفة ومراكز اتخاذ القرار،
بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام
سنة 1999- 2000، جامعة محمد الخامس، الرباط،
أكدال، ص 5-8.
[9] - Ministre des affaires étranger et de coopération, royaume
du Maroc les instruments internationaux relatif au droit de la femme mars 1997,
PP : 17-18.
[11] - محمد ضريف، الأنظمة الانتخابية، أي آليات لوصول النساء للولايات
الانتخابية، منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب،
2004، ص 32.
وأيضا، عبد الإلاه العبدي : " الدعاية
السياسية "، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس،
أكدال،
الرباط 2002، ص 84.
ليست هناك تعليقات