الطبيعة القانونية للمكتب الشريف للفوسفاط
يعتبر المكتب الشريف للفوسفاط من أهم المقاولات العامة المغربية، نظرا لإسهاماته الاقتصادية والتنموية، إلا أن كل دراسة للمكتب الشريف تبقى قاصرة ما لم تتطرق لنظامه القانوني، الذي يطرح العديد من التساؤلات التي سنحاول توضيحها من خلال الوقوف على الطبيعة القانونية للمكتب وتسليط الضوء على أجهزته المسيرة وتنظيمه الهيكلي
الطبيعة القانونية للمكتب يعود أول نص قانوني منظم للمكتب الشريف للفوسفاط إلى الظهير الشريف المؤرخ في 7 غشت 1920 2، والذي أحدث بموجب هذا المكتب، والذي تم تعديله بظهير 8 غشت 1942 و11 دجنبر 1948، والذي أعطى للدولة الحق في احتكار واستغلال الفوسفاط من خلال المكتب الشريف للفوسفاط، حيث ينص الفصل الأول من الظهير "أنه يحدث تحت اسم المكتب الشريف للفوسفاط وكالة للدولة تكلف باستغلال وتنظيم استغلال الفوسفاط بالمغرب"، وينص الفصل الثاني بأن المكتب يتمتع بالشخصية المعنوية، ونجد أن استعمال الظهير للوكالة كأسلوب من أجل إدارة هذه الثروة المنجمية، يثير بعض الإشكاليات القانونية فبالعودة للتعريف المعطى للوكالة، يورد الدكتور جمال الدين زهير تعريفا للفقيهين أ. دولوبادير وديلفولفي، باعتبارهما أسلوب لتسيير مرفق عام يتميز باستقلال المرفق مباشرة من طرف الجماعة العامة التي أنشأته، وبدون وسـيـط وفي نفس الاتجاه يرى ج فيديل وب ديلفلولفي أن المرفق العام يسير عن طريق الوكالة عندما تتكفل الإدارة ليس مبدئيا فحسب بإدارته، بل عندما تزاول بيدها تشغيل المرفق بأموالها وأعوانها" من جهة أخرى يعرف ج. رفيرو المرافق المسيرة حسب أسلوب الوكالة على أساس سماتها المشتركة، فبداية لا تتوفر هذه المرافق على شخصية معنوية متميزة على شخصية الجماعة التابعة 1) أسبوعية المشعل العدد 100 مرجع سابق ص 5أحمد بوعشيق : "المرافق العامة الكبرى" مطبعة الديوان الطبعة السادسة 200، ص: 107جمال الدين زهير: "الوكالة: أسلوب مباشر لتسيير المرافق العامة أم لإدارة التدخلات العامة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية" سلسلة (مواضيع الساعة) عدد 35-2002 ص 53. لها، بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط نلاحظ أن الظهير متعه بالشخصية المعنوية مما يجعل هذه التسمية غير صائبةوبالرجوع إلى هذه التعريفات التي تبدو بديهية وأكيدة وغير قابلة للنقاش وهي تعريفات أسست كلها على غياب الشخصية المعنوية في أنشطة المرفق العام المسيرة في إطار الوكالة، ولهذا خلص أصحابها -على صواب- إلى إبعاد الوكالات المستقلة (الوكالات المشخصة أو ذات الشخصية المعنوية)، من مفهوم الوكالة والشأن كذلك بالنسبة لبعض المقاولات العامة الحاملة خطأ لقب أو تسمية "وكالة" والمنظمة عموما في شكل مؤسسة عامة 1 مثل وكالة التبغ في المغرب ووكالة رونو في فرنسا والمكتب الشريف للفوسفاط حسب ظهير 7 غشت 1920 في مادته الأولى والثانية، ويرى الأستاذ أحمد بوعشيق أن المؤسسات العمومية المحدثة في ظل الحماية ظهرت غالبا تحت اسم "مكتب" وأحيانا أخرى تحت اسم الوكالة 2، إلا أن جانبا من الفقه يضع الشخصية المعنوية ضمن المعايير الأساسية للمقاولة العامة، الشيء الذي يدفعه إلى إقصاء أسلوب الوكالة من مفهوم المقاولة العامة، أما بخصوص الوكالات الصناعية والتجارية التي تتوفر على الشخصية المعنوية كالمكتب الشريف للفوسفاط وفق ظهير 7-8-1920 فهي لا تعد وكالات وإنما مؤسسات عامة صناعية وتجارية وبالتالي تصنيفها ضمن المقاولات العامة لا يطرح أية صعوبة وبالتالي نجد أن ظهير 7 غشت 1920 كان عليه عدم الإشارة إلى أسلوب الوكالة 3، وعموما فإن الظهير المحدث للمكتب الشريف للفوسفاط جعله يسير من طرف مدير عام يخضع لوصاية المجلس الإداري يكلف بالسهر على تسيير واستغلال المكتب أمام الإدارات والخواصوبعد حصول المغرب على الاستقلال وفي إطار توجه الدولة نحو توطيد الصبغة الوطنية على الهياكل الاقتصادية والمالية وإرساء البنيات الأساسية للاقتصاد الوطـــني، صدر الظهـير الشـريف رقم 178-60-1 بتاريخ 29 يوليوز 1960، الذي أعاد تنظيم وهيكلة المكتب الشريف للفوسفاط 4 والذي نص الفصل الأول منه على احتكار الدولة لاستغلال الفوسفاط المؤسس وفقا للظهير الشريف المؤرخ في 06 جمادى الأولى 1338 الموافق 27 يناير 1920، ليبقى معهودا إلى المكتب الشريف للفوسفاط ويصبح بذلك المكتب مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتوضع تحت الوصاية المالية والإدارية لوزير الاقتصاد الوطني 1 احمد بوعشيق :"المرافق العامة الكبرى:، مرجع سابق، ص : 107 جمال الدين زهير محاضرات في مادة تسيير المقاولات العمومية ألقيت على طلبة وحدة الإدارة
والتنمية بكلية الحقوق جامعة عبد المالك السعدي، طنجة يلاحظ أن هذا الظهير لم يرد فيه أي نعث للمؤسسة العمومية بالصفة الإدارية أو الصناعية أو التجارية أي بمعنى (بمؤسسة عمومية ذات طابع إداري أو صناعي أو تجاري)، لأن من شروط أو معايير المقاولة العامة هناك الطبيعة الصناعية والتجارية للنشاط الذي تزاوله، ويكفي اعتبار نشاط المؤسسة العمومية صناعية وتجارية لتدخل هذه الأخيرة ضمن أصناف وأساليب المقاولة العامة، أما هذه الأخيرة فتدل على نفسها دون الحاجة إلى نعث 2، ذلك أن أسلوب المؤسسة العامة يلتقي مع المقاولة العامة في أسلوب المؤسسة العامة الصناعية والتجاري غير أنه من الواضح أن المكتب الشريف للفوسفاط هو مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري وصناعي، يستشف ذلك من طبيعة نشاطه، مما يجعل م ش ف يدرج ضمن المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الرسالة التي وجهها المدير العام السابق للمكتب الشريف للفوسفاط مراد الشريف لمستخدميه. "تمكنت مجموعة م ش ف بفضل مقاربتها للسوق واعتمادها على استراتيجية التشارك التي تهدف إلى تأمين المنافذ على المدى البعيد، من تحقيق نتائج متميزة. هكذا رفعت صادراتها من الفوسفاط بجميع أشكاله ب 9,1 % ، معززة بذلك موقعها كأول مصدر عالمي، حيث استأثرت بحصة 28,2 % من السوق الدولية مقابل 27,2 % سنة 2003، وقد وطدت المجموعة موقعا كأول مصدر عالمي للحامض الفوسفوري ب 44,43 % مقابل 42,78 % سنة 2003 وللفوسفاط الخام 38,6 % مقابل 37,77 % سنة 2003" 3. ويتضح من هذه الرسالة الطابع الصناعي والتجاري للمقاولة، إلا أن اعتبار ظهير 29 يوليوز 1960، المكتب مؤسسة عامة يثير بعض الإشكاليات القانونية التي نجد من المهم تناولها، ذلك أن جانب من الفقه يعتقد أن الموضع الطبيعي للمؤسسة العامة هو المرفق العام، لذا يعتبر مجلس الدولة الفرنسي في إحدى دراساته أنه شيء طبيعي إذا أعطيت المقاولات العامة التي تسير مرفقا عاما صفة المؤسسة العامة، (علما أن الفقه التقليدي ربطها بثلاثة عناصر: الشخصية المعنوية العامة، تسيير مرفق عمومي تم التخصص)، لكن في نفس الوقت لا يخفى هذا المجلس اندهاشه أمام التحلي بهذه الصفة من طرف مقاولات عامة ليس لها أي شأن بمهام المرفق العام
ونفس الملاحظة تطرح عند دراسة الحقول التي تنشط فيها المؤسسات العامة من طرف المشرع دون أن تكون لها أية علاقة بالمرفق العام (م ش ف) أمام هذه الحالات، وإذا كان تسيير مرفق عمومي أو القيام بمهام المرفق العام من شأنه أن يبرر أو يجسد عنصر التخصص الذي يقوم عليه أسلوب المؤسسة العامة، فأي عنصر يمكنه القيام بهذا الدور بالنسبة للمقاولات العامة التي نظمت في شكل مؤسسة مهمة بالرغم من أنها لا تسير مرفقا عام 1
من هنا يبرز الاحتكار كغاية ذات خصوصية كافية لتبرير تسيير نشاط اقتصادي في إطار مؤسسة عامة، لكن غالبا ما يكون الاحتكار مرتبطا بمهام المرفق العام، وفي هذه الحالة يعتبر الاحتكار كخصوصية إضافية توطد عنصر التخصص الحاضر
في مهام المرفق العمومي المتميزة
لكن دون أن تحل محل هذا الأخير (كالمكتب الوطني للسكك الحديدية ومؤسسة بريد المغرب)، لكن هذه الحالات التي يرتبط فيها الاحتكار بمهام المرفق العام، الشيء الذي يجعلنا نمنحه دورا ثانويا لكونه لا يحل عمل التخصص، إلا أن الحالة التي تخصنا في هذا التحليل والتي تتجسد في مقاولات عامة منظمة في شكل مؤسسة عامة ولا تتوفر سوى على الاحتكار وحده دون مهام المرفق العام، في هذه الحالة يحظى عنصر الاحتكار بأهمية خاصة لأن عنصر التخصص المرتبط بالمرفق العام غير موجود والاحتكار بأهمية خاصة لأن عنصر التخصص المرتبط بالمرفق العام غير موجود، والاحتكار هنا يجسد الخاصية أو الخصوصية التي تقوم مقام التخصص والتي تنشأ من أجلها المؤسسة العامة الصناعية والتجارية، ومن بين الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا المجال هناك احتكار استغلال الثروة الفوسفاطية الموكول للمكتب الشريف بموجب ظهير رقم 178-60-1 بتاريخ 29 يوليوز 1960 2 في ما يخص الوصاية يخضع المكتب الشريف للفوسفاط لوصاية الدولة ممثلة في وزارة الاقتصاد الوطني حسب نفس الظهير، وتهدف هذه الوصاية في جانبها الإداري إلى مراقبة الهيأة المشرفة على تسيير المؤسسة، وضمان تسييرها بما يتجاوب مع سيادتها العامة في مختلف المجالات، ولقد أصبحت هذه المقاولة تخضع حاليا فيما يخص الوصاية المالية لوزارة المالية حسب ما أقره ظهير 4114-1960 الذي نص على أن المكتب والمؤسسات العمومية والمقاولات العمومية التي تملك الدولة رأسمالها كليا أو جزئيا تخضع
لمراقبة وزارة المالية كما أن ظــهــيــــر
جمال الدين زهير: " المقاولة العامة والمؤسسة العامة "المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية "،عدد 11 ابريل يونيو 1995.ص:54 نفس المرجع ،ص: 55
الصادر بتاريخ 30/06/1962، الذي ينص على أن هذه المراقبة المالية تمارس من قبل المراقبين الماليين والأعوان المحاسبين و هذا ما نص عليه الظهير المحدث للمكتب الشريف للفوسفاط 1
Post a Comment