في غياب وجود نص قانوني يعرف المؤسسة العمومية ، يمكن أن نعتبرها نوعا من المرافق العمومية التي تمنح لها الشخصية المعنوية ، فيكون لها بموج...
في غياب وجود نص قانوني يعرف المؤسسة العمومية ، يمكن أن نعتبرها نوعا من المرافق العمومية التي تمنح لها الشخصية المعنوية ، فيكون لها بموجبها قدرا من الاستقلال المالي والإداري تجاه السلطة الإدارية التي ترتبط بها برابطة الخضوع لوصايتها . فالمؤسسة العمومية إذن هي مرفق عام يدار عن طريق هيئة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن أجل ذلك تتمتع بنصيب وافر من الاستقلال في تسيير شؤون إدارة لا مركزية .
فعناصر هذا التعريف هي:
1 ـ المؤسسة العمومية شخص قانوني عام، ويترتب على هذا العنصر عدة نتائج منها، تمتعها بذمة مالية لتحقيق الأهداف المرسومة، ووجود مستخدمين لتنفيذ مقرراتها.
2 ـ هي شخص له شكل قانوني متميز عما هو موجود في القانون وليس له مثيل في القانون الخاص، لذلك فهي تستفيد من بعض الامتيازات الخاصة منها عدم جواز الحجز على ممتلكاتها.
4 ـ ارتباطها بسلطة عامة عن طريق خضوعها للوصاية.
هكذا ومن أجل تحديد مفهوم المؤسسة العمومية نشير أولا بأن هذا المفهوم يعرف أزمة حادة، يمكن إبراز العناصر المكونة للمؤسسات العمومية حيث أن نظامها القانوني يبقى مشروطا، وفي نفس الوقت بالطبيعة العامة للمؤسسة، وكذا السمة الإدارية أو الصناعية والتجارية لنشاط المرفق العام المعني بالأمر .
لذلك سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين، يتناول الأول مفهوم المؤسسة العمومية، ويهتم الثاني بكيفية إدارة المؤسسة العمومية في المغرب.
المبحث الأول: مفهوم فكرة المؤسسة العمومية
المؤسسة العمومية في المغرب واقع متعدد الأشكال والوظائف وواقع متناقض يصعب تحديد إطارها القانوني نتيجة لعدم وجود قانون أساسي مشترك تخضع له جميع المؤسسات العمومية، لهذا السبب يذهب "كولمان CULMAN" إلى القول: "أنه لا توجد فكرة عامة للمؤسسات العامة وإنما توجد مؤسسات عامة لها أشكال وأنظمة متنوعة لا ترتكز على نظرية متجانسة .
ويرجع السبب في عدم تحديد المشرع لتعريف دقيق وموحد لمفهوم المؤسسة العمومية إلى محاولة إسباغ عدم الجمود في الفقه وترك المجال مفتوحا أمام الفقهاء للنظر في المسألة، الشيء الذي ترتب عنه عدم الاتفاق على مفهوم واحد للمؤسسة العمومية وبالتالي اختلاف التعريفات في الفقه المقارن (المطلب الأول) ، مع محاولة تأصيل مفهوم مغربي لفكرة المؤسسة العمومية (المطلب الثاني) .
المطلب الأول: تحديد مفهوم المؤسسة العمومية في الفقه المقارن
يعرف الفقهاء التقليديون المؤسسة العمومية بأنها "عبارة عن مرفق عام يدار عن طريق منظمة عامة، وتتمتع بالشخصية المعنوية مع خضوعها للرقابة الإدارية، وتتخصص في أعمال معينة طبقا لقاعدة التخصص الوظيفي"، ويشترط الفقيه الفرنسي "جيز" في المؤسسة العمومية أن يتوفر فيها عنصران: الأول هو المرفق العام والثاني هو الذمة المالية المخولة للمؤسسة المنفصلة عن ذمة الدولة .
لذا، فالفقه الفرنسي يعتبر المؤسسة العمومية بمثابة مرفق ذي مصلحة عامة يحميه القانون ويسبغ عليه الشخصية المعنوية، فالجامعة إذا كانت مؤسسة عمومية فلأن لها شخصيتها المعنوية التي لا تتجلى في منشآتها أو مالها بل في المهمة التي تؤديها أي التعليم العالي، وهذا ما حدا بالفقيه الفرنسي "فالين" إلى القول: "إنه كلما وجد مرفق عام يحقق مصالح عامة للسكان ومعترف له بالشخصية المعنوية، وجدت المؤسسة العمومية ، كما أن الفقه الفرنسي عموما يعرف المؤسسة العمومية بتعريفين، اقتصادي وقانونية .
* التعريف الاقتصادي: المؤسسة العمومية تعني وحدة إنتاج تهدف إلى إشباع مصلحة عامة في إطار اقتصاد سوقي، وبما أن الدولة تكون مالكة لجزء من رأسمالها أو كله فإن السلطات العمومية تراقب تسييرها الخاص.
* التعريف القانوني: المؤسسة العمومية هي شركة مجهولة الاسم رأسمالها كله أو في أغلبيته تملكه الدولة أو الجماعات المحلية، وبفعل ممارستها للأنشطة الصناعية والتجارية فهي تخضع إلى قسط وافر من قواعد القانون الخاص، لكن بفعل صبغتها العمومية فإنها تكون خاضعة لأنواع من المراقبة من قبل السلطات العمومية.
أما بالنسبة للفقه البلجيكي فقد ذهب إلى اعتبار أن عنصر المال هو الذي يشكل المعيار الأساسي الذي تستند إليه فكرة المؤسسة العمومية، حيث يقول أصحاب هذه النظرية "أنه لا يمكن إدارة نشاط المؤسسة العمومية إلا إذا اعترف لها القانون بميزانية خاصة بها مستقلة عن ميزانية الدولة .
وبالمقابل يميز الفقه المصري بين نوعين من أشخاص المرافق العامة، إذ اعتبر أن فكرة المؤسسة العمومية تنصب على المرافق التي تتولى القيام بخدمات صناعية أو تجارية أو فلاحية أو نقدية، بينما تدخل المرافق التي تباشر نشاطا إداريا ضمن الهيئات العامة .
إلا أن هذا الاتجاه الفقهي لم يعد له وجود، وذلك بحكم قانون 1975 الذي أزال فكرة المؤسسة العمومية واحتفظ بمفهوم الهيئات العامة دون ما النظر إلى طبيعة النشاط الذي تزاوله المرافق العامة.
يتضح إذن أن المؤسسة العمومية هي مرفق عام يدار عن طريق منظمة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن أجل ذلك كان لها نصيب وافر من الاستقلال في إدارة شؤونه إدارة لا مركزية، فهي شخص اعتباري من أشخاص القانون العام، تمارس اختصاصات السلطة العامة، وتنوب عن الوزارة الممثلة للدولة في هذا المجال، ولو فرضنا أن المؤسسة ألغيت فإن الدولة تحل محلها وتتولى إدارتها مباشرة.
المطلب الثاني: المفهوم المغربي لفكرة المؤسسة العمومية
إن أول ما يلاحظ على المشرع المغربي أنه يستخدم مصطلح "المؤسسة العمومية" لتعيين بعض الهيئات القانونية الأخرى مثل المكاتب والمصالح ذات الامتياز دون أن يتحمل عناء تحديد كل فئة بدقة، فنجده مثلا في ظهير 14 أبريل 1960 ينص على أن الرقابة المالية للدولة تمتد إلى المكاتب والمؤسسات العمومية المتمتعة بالاستقلال المالي وإلى الشركات الملتزمة التي تدير مصالح عمومية للدولة أو للمجالس المحلية .
فالمؤسسة العمومية هي وسيلة من وسائل الحد من التركيز الإداري وبالتالي تنفيذ سياسة الدولة إما لأجل تلبية حاجة مشتركة لمجموعة من الأفراد، متميزة عن المصلحة الوطنية أو الجماعية فيتم إحداث جهاز لهذا الغرض مثل الغرفة التجارية والصناعية وإما بهدف تخفيف العبء عن الوظائف التي تمارسها وزارة معينة، وإما بتأمين وسائل الإدارة الخاصة لبعض المرافق الاقتصادية.
إلا أن فكرة المؤسسة العمومية في المغرب – كما أشرنا إلى ذلك سابقا- لم تجد تعريفا ثابتا وموحدا خصوصا وأن تدخل الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي لمواجهة داء التخلف في عهد الاستقلال أدى إلى أزمة خانقة كادت أن تقضي على مقوماتها القانونية، إذ طغت عليها فكرة المؤسسة ذات المنفعة العامة التي ظهرت وبكثرة في عدة مجالات، كما أنها اختلطت ببعض المفاهيم الأخرى كفكرة المقاولة العمومية.
ويترتب على الاعتراف للمؤسسة العمومية بالشخصية المعنوية ما يلي:
ـ أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن مالية الدولة.
ـ أن يكون لها الحق في قبول الهبات والوصايا وفي أن يوقف عليها.
ـ أن ترفع عليها الدعاوى وأن يكون لها حق التقاضي والتعاقد.
ـ أن تتحمل وحدها المسؤولية عن أفعالها الضارة.
ـ أن يعتبر مستخدموها موظفين عموميين، غير أنهم يكونون مستقلين عن موظفي الدولة، مع جواز خضوعهم لأنظمة خاصة بهم تختلف عن الأنظمة المتبعة بالنسبة إلى بقية موظفي الدولة .
إلا أن استقلال المؤسسة العمومية ليس مطلقا، وإنما مقيد بقيدين:
قيد التخصص، بمعنى أن المؤسسة مقيدة بالغرض الذي قامت من أجل تحقيقه.
وقيد الرقابة أو الوصاية الإدارية وذلك للتأكد من عدم خروجها عن القواعد المقررة لها بقانون أو بقرار إنشائها.
ومجمل القول: فإن المؤسسة العمومية هي كل مرفق ينشئه القانون لممارسة نشاط يحدده القانون المحدث له مع الاعتراف له بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي دون الإخلال بالوصاية العامة التي تمارسها الدولة أو الهيئة المحلية التي تتبعها. وخصائص المؤسسة العمومية هي التمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري في حدود الوصاية الإدارية العامة التي يقررها القانون الذي تخضع له كل مؤسسة . وجدير بالذكر أن نشاط المؤسسة العمومية قد يكون اقتصاديا، وقد يكون هذا النشاط ذا صبغة مزدوجة إدارية واقتصادية.
المبحث الثاني: كيفية إدارة المؤسسة العمومية
في المغرب
إذا كانت المؤسسة العمومية يتم إنشاؤها بمقتضى ظهير، وتوضع تحت الوصاية الإدارية للدولة، فإنها تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وهذه الاستقلالية تمكن المؤسسة العمومية من أداء مهامها في نطاق أكثر مرونة وأكثر حرية في التصرف، وهي ركن من أركان وجود المؤسسة العمومية ذاتها باعتبارها شخصا معنويا يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة. لذلك فالمؤسسة العمومية تتوفر على عدة أجهزة إدارية تشرف على أداء المهمة المنوطة بها، ومن بين هذه الأجهزة نجد الجهاز التنفيذي للمؤسسة العمومية الذي يمثله المدير (المطلب الأول)، والمجلس الإداري الذي يتخذ قرارات المؤسسة ثم اللجنة التقنية أو لجنة التسيير التي تتكلف بمساعدة المدير والحلول محل المجلس الإداري في الفترة الشاغرة التي لا يستطيع الاجتماع فيها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المـديــر
يعهد إلى المدير بمهمة تنفيذ مقررات المجلس الإداري وبتدبير الشؤون اليومية للمؤسسة العمومية، غير أن دوره الذي قد يبدو ثانويا يمكن أن يكون هاما للغاية حسب الظروف لأن اختصاصه وسمعته يشكلان بطبيعة الحال عاملين هامين في هذا الصدد، ومع هذا يمكن التأكيد أن نفوذه يكون أشمل وأوسع كلما قلت درجة اهتمام وتتبع المجلس الإداري للاختصاصات المخولة إليه. ويتجلى ذلك على سبيل المثال في كون المجلس الإداري لا يجتمع إلا نادرا مما يفسر الحرية الكبيرة التي تطبع عمل المدير .
ويعتبر المدير الجهاز التنفيذي للمؤسسة والساهر الدائم على سير نشاطها، وتتسع سلطاته وتضيق بحسب النصوص المحددة لاختصاصاته. ويتم تعيينه إما بظهير شريف بناء على اقتراح من سلطة الوصاية ، أو بمرسوم ، أو بقرار من الوزير المختص وذلك حسب اختلاف المؤسسات العمومية، إلا أن الراجح أن تعيين المدير يدخل في اختصاصات الملك بمقتضى الفصل 30 من الدستور بواسطة ظهير .
من هذا المنطلق فإن شروط تعيين مديري المؤسسات العمومية الوطنية ورد تحديدها في الظهير الصادر بتاريخ 16 نونبر 1963 بشأن المناصب العليا ومناصب المديرين بمختلف المؤسسات، الذي ينص على أن المدير يعين بمرسوم ملكي أو بمرسوم تؤشر عليه السلطة المعهود إليها بالوصاية على المؤسسة العمومية ووزير المالية والسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية. أما اليوم فإن الظهير الشريف الصادر بتاريخ 18 يوليوز 1972 الذي ينظم هذه المسألة ينص في فصله الثاني على أن التعيين في مناصب مديري المكاتب والمؤسسات العمومية يرجع إلى نظر جلالة الملك .
المطلب الثاني: المجلس الإداري واللجنة التقنية أو لجنة التسيير
إذا كان المجلس الإداري أو مجلس الإدارة يعتبر أعلى سلطة إدارية في المؤسسة ويتمتع بسلطة القرار، فإن اللجنة التقنية أو لجنة التسيير لها مهمة في غاية الدقة تتمثل في العمل إلى جانب المدير ومساعدته والحلول محل المجلس الإداري في الفترة الشاغرة التي لا يستطيع الاجتماع فيها.
فبالنسبة للمجلس الإداري فيعد أعلى سلطة إدارية تهيمن على شؤون المؤسسة العمومية، ذلك أنه يتمتع بسلطة القرار في جميع أمور المؤسسة ، ولا يخرج من اختصاصه إلا ما ينص عليه صراحة في القوانين. كما يملك كقاعدة حق التعقيب على أي قرار أو عمل يصدر عن أي عضو داخل المؤسسة ، وله مهمة التصويت على ميزانية المؤسسة العمومية وتسيير ممتلكاتها الخاصة وإبرام الصفقات المتعلقة بها والمصادقة على مشاريع المؤسسة العمومية.
من هذا المنطلق كان تشكيل المجلس الإداري يكتسي أهمية كبرى في نجاح المؤسسة العمومية، ذلك أن تكوين هذا المجلس من شخصيات متخصصة يساعد المؤسسة المعنية بالأمر، بحيث يتم تعيين أعضائه بحكم المناصب التي يشغلونها أي بصفاتهم لا بذواتهم.
ورغم هذا فإن عدم خضوع المجلس الإداري لقاعدة الاستمرارية نظرا لكون اجتماعاته متفرقة تجعله عاجزا عن تتبع المشاكل اليومية القائمة في المؤسسة ودراسة المشاريع المطروحة من زاويتها التقنية الدقيقة الشاملة ، وهذا ما يدفعه كثيرا للاستعانة إلى جانب المدير الذي كما رأينا يعد السلطة الفعلية للمؤسسة، باللجنة التقنية أو لجنة التسيير.
وتسمى هذه اللجنة أحيانا "اللجنة العلمية" إذا تعلق الأمر بمؤسسة عمومية يتناول نشاطها التنسيق والتنشيط من أجل البحث العلمي، وتقوم هذه اللجنة أساس بسد الفراغ الذي يقع بين انعقاد دورات المجلس الإداري مما يؤدي إلى انتقال السلطة الفعلية إلى المدير فتكثر عليه المهام الإدارية، فيكون ذلك سببا في ارتكاب أخطاء إما جهلا أو تقصيرا وإما انحرافا متعمدا، الشيء الذي اقتضى وجود لجنة التسيير لتساعده على القيام بمهامه وترشده وتوجهه، فهي بذلك عبارة عن "مستشار فني" موضوع رهن إشارته.
وتضم هذه اللجنة غالبا ممثلي الوزارات والهيئات التي لها علاقة بنشاط المؤسسة، وغالبا ما يرأسها ممثل الوزارة التي تتبعها المؤسسة المعنية، وتتولى الوصاية الإدارية عليها، كما تضم هذه اللجنة دائما ممثلا لوزير المالية.
أما عن اختصاصات هذه اللجنة فتتمثل في تتبع تنفيذ مقررات المجلس الإداري في الفترة الشاغرة الفاصلة بين دورات انعقاد المجلس، كما لها أن تقوم بممارسة بعض سلط المجلس الإداري بالتفويض.
والسؤال المطروح : هو أنه في ظل غياب قانون موحد يحكم نشاط المؤسسات العمومية المغربية في بداية إحداثها، وفي إطار التناقضات القانونية التي تعرفها المؤسسات العمومية خاصة في حالة نشوب نزاعات بشأن نشاطها أو في شأن مستخدميها، ما هو النظام القانوني للعاملين بالمؤسسات العمومية ؟ وهل يعتبر المستخدمون في المؤسسات العمومية موظفون بالمفهوم الإداري وفقا لقانون الوظيفة العمومية؟ أو بالتحديد موظفون عموميون حسب مدلول الفصل 40 من قانون المحكمة الخاصة للعدل الملغاة الذي يحيل على أحكام الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي؟
ليست هناك تعليقات