التأطير الإشكالي: علي الهلالي
تمكنت كل من فرنسا وإسبانيا من فرض حمايتهما على المغرب بعد سلسلة من المؤتمرات مع الدول الأوربية وأرست الدولتان أجهزة إدارية لتسهيل استغلالها للملكة الشريفة فأثر ذلك على أوضاع السكان ودفعهم إلى رفض الاستعمار ومقاومته مقاومة عنيفةفما السياق التاريخي لفرض الحماية الفرنسية على المغرب؟ وما الأسس والأجهزة التي ارتكز عليها هذا النظام؟وما مظاهر المقاومة المسلحة المغربية من 1912 إلى 1934
المقطع الأول: السياق التاريخي لفرض الحماية على المغرب:
النشاط الأول: السياق الدولي
تمثل في الاتفاقيات التي عقدتها فرنسا مع الدول الأوربية المنافسة لها على المغرب في بداية القرن 20 م وهكذا اعترفت سنة 1902 بحقوق إيطاليا في ليبيا مقابل اعتراف إيطاليا بمصالح فرنسا في المغرب كما عقدت الاتفاق الودي مع ابريطانيا سنة 1904 تم بموجبه إطلاق يد ابريطانيا في مصر مقابل حرية تصرف فرنسا في المغرب.
ساهمت تلك الاتفاقيات في تأجج الصراع بين فرنسا وألمانيا حول المغرب حيث قام الإمبراطور الألماني “غليوم الثاني” بزيارة رسمية إلى طنجة سنة 1905 أكد فيها عزم بلاده على حماية مصالحها بالمغرب وهكذا اضطرت الدول الأوربية إلى عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 الذي شكل بداية لاحتلال المغرب حيث احتلت فرنسا مدينتي وجدة والدار البيضاء سنة 1907 فاضطر المغاربة بيعة السلطان مولاي عبد الحفيظ سنة 1908 ورغم ذلك فقد توغلت اسبانيا شمال المغرب ابتداء من سنة 1909
وفي سنة 1911 اندلعت أزمة أخرى بين فرنسا وألمانيا حول المغرب بعد إرسال ألمانيا لبارجة حربية إلى أكادير كادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين لولا تنازل فرنسا لألمانيا عن مناطق نفوذها في حوض الكونغو
وهكذا تمكنت فرنسا من الإنفراد بالمغرب وسارعت إلى فرض نظام الحماية عليه يوم 30 مارس سنة 1912
النشاط الثاني: الظروف الداخلية
تميزت الظروف الداخلية للمغرب في عهد السلطانين مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ بتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية
سياسيا:
- وفاة السلطان مولاي الحسن سنة 1894 م وبيعة ابنه مولاي عبد العزيز الذي وجد نفسه أمام مسؤولية تسيير بلاد لا حصر لها من المشاكل .
- وفاة أحمد بن موسى المعروف” ببا حماد ” سنة 1900 والذي كان حاجبا للسلطان مولاي عبد العزيز.
- تمرد الجيلالي الزر هوني المعروف “ببوحمارة” والذي ادعى أنه مولاي محمد الابن الأكبر للسلطان الحسن الأول فأشعل نار الفتنة شرق المغرب مابين 1902 و 1909 م خاصة وأنه استفاد من الدعم المالي والعسكري لكل من فرنسا واسبانيا
- حركة الريسوني مابين 1902 و 1907 الذي خلق مشاكل إضافية للمخزن باختطافه للأجانب مقابل فديات مالية
- بيعة مولاي عبد الحفيظ سنة 1908 بعد أن أجمع علماء المغرب على ضرورة عزل السلطان مولاي عبد العزيز
- توالي وانتشار الجراد خاصة مابين 1897 م و 1898م مما أدى إلى انخفاض الانتاج الزراعي وارتفاع الأسعار
- فرض ضريبة الترتيب سنة 1901 التي لقيت معارضة قوية من طرف السكان باعتبارها ضريبة غير شرعية
- ساهمت تلك الأوضاع إلى جانب ما تطلبته مواجهة بوحمارة من أموال ضخمة إلى دخول المغرب في دوامة الاقتراض من الدول الأوربية سواء في عهد السلطان مولاي عبد العزيز أو في عهد أخيه مولاي عبد الحفيظ مما أدى إلى تقييد حرية السلطان
- وفي سنة 1909 اضطر السلطان إلى الاعتراف بمقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء مما خلف استياء عارما في الأوساط الشعبية .
في يوم 30 مارس 1912 وقع السلطان مولاي عبد الحفيظ معاهدة الحماية مع فرنسا نصت على تأسيس نظام جديد بالمغرب مشتمل على إصلاحات سياسية وديبلوماسية واقتصادية.
- دبلوماسيا وسياسيا: نصت معاهدة الحماية على تعيين مقيم عام بالمغرب يتمتع بجميع السلطات في ولا تصبح القوانين التي يوافق عليها السلطان سارية المفعول إلا بعد أن يوافق عليها كما نصت أيضا على انفراد فرنسا في المفاوضات مع إسبانيا حول مصالح هذه الأخيرة في المغرب والتزام نواب فرنسا بحماية مصالح المغرب بالخارج
- اقتصاديا: نصت هذه المعاهدة على وضع تنظيم مالي يسمح بضمان التزامات الخزينة وجباية مداخيل المملكة بانتظام كما تعهد السلطان بأن لا يعقد في المستقبل أي قرض أو يمنح أي امتياز من غير موافقة فرنسا.
النشاط الأول: الأجهزة السياسية والإدارية بالمغرب في منطقة النفوذ الفرنسي:
أحدثت فرنسا عدة أجهزة لترسيخ سلطتها على المغرب وقسمت البنية الإدارية في المملكة الشريفة خلال فترة حمايتها على البلاد إلى إدارة استعمارية وإدارة مخزنية :
الإدارة الاستعمارية:و يترأسها المقيم العام ومن أهم الإدارات التي استحدثت في هذا المستوى نجد:
- الإدارة المركزية: وتوجد تحت سلطتها عدة مصالح من أهمها الكتابة العامة التي تهتم بتسيير عدة مصالح
- الإدارة الجهوية: من أهم المناصب التي استحدثت في هذا المستوى نجد المجلس الاستشاري الجهوي وقائد المنطقة الذي أسندت له مهمة رئاسة المناطق العسكرية (فاس مكناس مراكش ) والمدنية ( الدار البيضاء وجدة الرباط )
- الإدارة المحلية: تتكون من :
- بشوات في المدن تحت مراقبة رؤساء المصالح البلدية وإلى جانبه المجلس البلدي
الإدارة المخزنية:و يوجد على رأسها السلطان الذي يمثل السلطة الدينية والسياسية وتوجد تحت مهامه المصالح التالية: الصدر الأعظم الديوان والقصر وزارة العدل وزارة الأحباس.
النشاط الثاني: الأجهزة السياسية والإدارية في منطقة النفوذ الإسباني والنظام الدولي الخاص بمدينة طنجة:
أ) منطقة النفوذ الإسباني:
قٌسِّمَتْ الإدارة الاستعمارية في منطقة النفوذ الإسباني هي الأخرى إلى إدارة استعمارية وإدارة مخزنية:
الإدارة الاستعمارية: ويترأسها المندوب السامي الإسباني بتطوان وتتكون من:
- إدارة مركزية: توجد تحت مهامها عدة مندوبيات منها مندوبية الأشغال العمومية والمالية ومندوبية الأمور الأهلية ومندوبية الغابات وتربية الماشية
- إدارة جهوية: يترأسها مراقب جهوي توجد تحت مهامه المصالح الإدارية والتقنية والعسكرية
- إدارة محلية: يترأسها مراقب محلي يمثله باشا في المدينة وقائد في القرية
ب) منطقة طنجة الدولية:
إلى جانب منطقة النفوذ الفرنسي في الوسط والإسباني في الشمال والجنوب تم الاتفاق بموجب مؤتمر باريس سنة 1923 على منح طنجة نظاما دوليا وتم ذلك بتفويض عام من السلطان ويقوم تنفيذ هذا النظام على أساس الأجهزة الإدارية التالية:
- إدارة مخزنية: يترأسها مندوب السلطان
- دارة دولية: تتألف من مجلس تشريعي ذو سلطة تشريعية وتنظيمية ولجنة مراقبة مكونة من قناصل الدول الموقعة على ميثاق الجزيرة الخضراء وسلطة تنفيذية يمثلها حاكم المدينة.
أ) قبائل الجنوب والصحراء:
- تكتلت قبائل الجنوب والصحراء حول أحمد الهيبة لتزعم الجهاد ضد المحتلين لكنها انهزمت في معركة سيدي بوعثمان يوم 7 شتنبر 1912 بسبب تخادل القواد الكبار للحركة الذين تظاهروا بمناصرته خوفا على مصالحهم
- بعد وفاة أحمد الهيبة سنة 1919 خلفه على رأس الحركة أخوه مربيه ربه الذي استمر في مقاومة الاحتلال إلى غاية 1934.
ت) قبائل الأطلس الصغير والكبير: قاومت قبائل أيت عطا بقيادة عسو باسلام الاحتلال الفرنسي للأطلس الكبير وألحقت عدة خسائر بالجيش الفرنسي خاصة في معركة بوكافر سنة 1933 فاضطرت القوات الفرنسية إلى استدعاء قوات إضافية إلى المنطقة ضيقت من خلالها الخناق على المقاومين فاستسلم باسلام سنة 1933 م
ث) قبائل الريف: تزعم محمد بن عبد الكريم الخطابي حركة المقاومة في الشمال ضد الاحتلال الإسباني حيث حقق انتصارا كبيرا عليها في معركة أنوال سنة 1921 م
خــــاتــمـــــة:
والخلاصة أن فرنسا تمكنت من فرض نظام الحماية على المغرب و أرست تنظيمات إدارية وسياسية بهدف وضع إطار قانوني لتدعيم وتسهيل استغلالها الاقتصادي للبلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق