2012/02/21

المنهج السقي


مقدمة عامة:
                عرف العالم في منتصف القرن العشرين تحولا مهما، و كردة فعل على الماركسية التي تقول بالصراع الاجتماعي و بالثورة، و كردة فعل على  الوجودية، التي تولي اهتماما بالإنسان الفرد أكثر من اهتمامها بالمحيط، أي تهتم بالتداخل أكثر من الخارج، ظهر تيار فلسفي –مع أن أصحابه يرفضون نعتهم بالفلاسفة- اكتسح ساحة التنظير و التحليل في اللغة و الآداب، و في علوم اجتماعية متعددة كالأنتربولوجيا و السسيولوجيا و علم السياسة، ثم انتقل إلى مجال العلاقات الدولية، هذا التيار هو البنيوية Structuralism التي سرعان ما تجاوزت نواقصها عندما دخل عليها التحليل الوظيفي Fonctional Analésis، لتأخذ اسم البنيوية الوظيفية، و التي و على يد مفكريها –خصوصا ميرتون- الذين مارسوا النقد الذاتي، أخلت المكان للمنهج النسقي Systématic Méthode. و يعتبر المنهج النسقي منهج علمي من أحدث المناهج نسبيا، و يعتمد على التجريد كأداة بحثية، و بناء النماذج كضرورة تتطلبها معالجة المتغيرات المتعددة في الإطار التحليلي، و برز هذا المنهج في علم الاقتصاد في تحليل الجدول الاقتصادي، و في علم الاجتماع السياسي من خلال تحليل جداول المدخلات و المخرجات. فما هو المنهج النسقي و منطلقاته الأساسية؟ و ما هي التحليلات التي يعتمدها المنهج النسقي في الدراسات السياسية؟
و سنتطرق في موضوعنا هذا إلى مطلبين:
المطلب الأول: تعريف المنهج النسقي و تحديد منطلقاته الأساسية.
المطلب الثاني: التحليل النسقي في الدراسات السياسية.
  المطلب الأول: تعريف المنهج النسقي و تحديد منطلقاته الأساسية.
                مفهوم النظام أو النسق لا يعني التوافق و الانسجام التام، بل التفاعل و تبادل المواقف و المواقع بل الصراع أيضا، و في هذا يقول هربرت سبيرو Herbert spero: "إن النظام السياسي يمكن أن يوجد حينما يعيش الناس لكي يتعاونوا و يتصارعوا من أجل تسوية مشاكل مشتركة"، و مع ذلك يجب الحذر من هذا المنهج و عدم التسليم بمقولاته، و خصوصا بالنسبة لدول العالم الثالث و مجتمعنا العربي بالأساس، ذلك أن هذا المنهج يصلح في مجتمعات وصلت إلى درجة من التقدم و النضج في إطار الليبرالية الاقتصادية و السياسية، و حدد ثوابت هي بمثابة العمود الفقري الذي يحفظ توازنه و استقراره، و بالتالي من مصلحتها الحفاظ على استقرار و توازن النظام، أما مجتمعاتنا فهي مازالت في حالة تخلف و لا توجد ثوابت متفق عليها، و الصراع يحتدم داخلها ما بين قوى الحداثة و التقدم من جهة و القوى المحافظة و بعض فئاتها المتحالفة مع الغرب من جهة أخرى، مثل هذه المجتمعات لا تحتاج إلى الحفاظ على توازن النسق، بل تحتاج إلى زعزعته و إحداث تحولات عميقة في بنيته إن لم يكن إحداث قطائع.
أحس بارسونز مبكرا أن التحليل الوظيفي قاصر على التعامل مع المجتمعات الحديثة و المعقدة، و أنه قصير النظر، الأمر الذي حذا به لتطوير مقولات الوظيفية لتصبح أكثر ملائمة للتحليل السياسي، حيث يقول:"لقد أخذت تسمية الوظيفية-البنيوية تبدو في نظري غير ملائمة على نحو متزايد مع الأيام"، و البديل في نظره هو (التحليل النسقي)، أي النظر إلى الظواهر و الأشياء ليس من خلال بنيتها أو وظيفتها بل من خلال اتساقها، أي النظر إليها كأنساق، و قد عرف النسق الاجتماعي بأنه "عبارة عن فاعلين أو أكثر يحتل كل منهم مركز أو مكانة متمايزة عن الآخرين و يؤدون دورا متميزا، فهو عبارة عن نمط منظم يحكم علاقات الأعضاء و يصف حقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم، و إطار من المعايير أو القيم المشتركة، بالإضافة إلى أنماط مختلفة من الرموز و الموضوعات الثقافية المختلفة".
الفكرة المركزية عند النسقية هي نزوعها إلى بناء نموذج من التفكير يتسم بالشمولية و قادر على دراسة التفاعلات الدينامية –وليس السببية- وإدراك الأنساق ليس باعتبارها مجموعات ساكنة، بل مجموعات متحولة، و قد استفاد هذا التوجه في التحليل من البيولوجيا، و من علم التوجيه Cybernettics، و من نظريات الاتصال Communication. و على هذا الأساس يمكن اعتبار أن النسقية "تمد الباحثين بالأدوات العقلية التي تتيح الاتساق مع مساهمات البنيوية أو تجاوزها، إنها تدفع إلى معاينة تعقد المبادلات و الضغوطات داخل التنظيم، و إلى النظر إلى المجموعات كأنساق منفتحة، و إلى رصد العلاقات الدينامية بين المجموعة و الوسط و إلى مواجهة سياقات القرار و تغيير القرار".
هذا و يعتبر تالكوت بارسونز أهم من وضع قواعد لهذا المنهج و قام بتطبيقه في التحليل السياسي، كما لا ننسى إسهامات ديفيد أستون David Easton و غابرييل ألموند Gabriel Almondo.
أقام بارسونز نظريته حول الفعل الاجتماعي Social Action، انطلاقا من مفهومه للنسق الاجتماعي، حيث عرف النسق الاجتماعي بالقول "النسق الاجتماعي عبارة عن فاعلين أو أكثر يحتل كل منهم مركزا أو مكانة متمايزة عن الأخرى، و يؤدون دورا متمايزا، فهو عبارة عن نمط منظم يحكم علاقات الأعضاء، و يصف حقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم البعض، و إطار من المعايير أو القيم المشتركة، بالإضافة إلى أنماط مختلفة من الرموز و الموضوعات الثقافية المختلفة".
كما ينبني التحليل النسقي عند بارسونز على مفهومات أربع أساسية: 1- الفعل الاجتماعي Social Action، 2- الموقف Situation، 3- الفاعل Actor، 4- توجهات الفاعل Actor isorientation.
و الموضوع الرئيسي الذي تدور حوله النظرية السوسيولوجية عند بارسونز هي أداة الأبنية لوظيفتها، حيث يتطلب التحليل النسقي معالجة منهجية لمكانات و أداور الفاعلين الذين يضمهم موقف اجتماعي معين، و كذلك الأنماط التنظيمية التي ينطوي عليها هذا الموقف، و يشير مفهوم المكانة إلى مكان و موقع الفاعل في نسق علاقة اجتماعية معينة منظورا إليه كبناء، أما الدور Rôle فيشير إلى سلوك الفاعل في علاقته مع الآخرين إذا ما نظرنا إلى هذا السلوك في سياق أهميته الوظيفية للنسق الاجتماعي، و تفهم الأنماط التنظيمية على أنها التوقعات المنظمة (أو ذات البناء المعين) التي تحدد السلوك المناسب ثقافيا للأشخاص الذين يؤدون أدوارا اجتماعية مختلفة، و مجموعة أنماط الأدوار المعتمدة على بعضها هي التي تكون النظام، كما يرى بارسونز بأن الإدراك النسقي للفعل الاجتماعي يستوجب الأخذ بعين الاعتبار ملاحظتين أساسيتين:
  • أن نسق الفعل يضم خمسة أنساق فرعية هي: 1- النسق العضوي البيولوجي الذي يشكل المخزون الغريزي و المصدر الرئيسي لنسق الفعل الاجتماعي و لدافعيته و حاجاته التي ينبغي أن تشبع، 2- نسق ما بعد الطبيعة الذي هو مصدر أساسي لمجموعة من القيم النهائية التي تلعب دور الموجهات الرئيسية لنسق الثقافة و القيم، 3- نسق الثقافة و القيم، 4- النسق الاجتماعي، 5- نسق الشخصية، و غالبا ما يدمج النسق العضوي في نسق الشخصية، و نسق ما فوق الطبيعة في نسق الثقافة و القيم، فتختزل بالتالي في ثلاثة أنساق.
  • "أنه برغم التساند البنائي و الوظيفي بين هذه الأنساق الثلاثة في إنجاز الفعل الاجتماعي، فإنه لا يمكن إرجاع أي نسق منها إلى الأخر و لكن إلى نسق الفعل ككل، و ذلك لفهم التفاعل الداخلي لأي من الأنساق الفرعية أو أداءه الوظيفي في إطار نسق الفعل الاجتماعي، و يتطلب تحديد العناصر الأساسية لنسق الفعل الاجتماعي محاولة إدراكها بالنظر إلى جانبين: الجانب البنائي، حيث نستعرض طبيعة الأنساق الثلاثة المكونة لنسق الفعل الاجتماعي، و الجانب الدينامي، حيث نستعرض طبيعة الأداء الوظيفي لكل نسق فرعي في إطار النسق الكلي للفعل الاجتماعي".
و يؤكد بارسونز أن العلاقات الداخلية بين هذه الأنساق الفرعية المعقدة للغاية، حيث يمكن اعتبار كل نسق منها مستقل عن الآخر، باعتبار النظر إليه –تحليليا- على أنه منعزل من حيث خصائصه و نشاطاته عن الأنساق الأخرى، و لكن بالرغم من ذلك فإن هذه الأنساق عادة ما تكون متداخلة من ناحية أخرى، حيث يعتمد كل منها من متطلباته الوظيفية على الأنساق الأخرى، و في مقابل ذلك يدعم كل منهما و يتعامل معها، فنسق الشخصية لا يمكن أن يوجد بدون الكائن العضوي الذي يمده بالطاقة الدافعية، و لا بدون شبكة العلاقات المتداخلة مع النسق الاجتماعي أو مع رموز نسق الثقافة الذي يمده بالإعلام الذي يحكم تفاعله مع الآخر في الموقف الاجتماعي، و بالمثل فدافعية الشخصية هامة بالنسبة للنسق الاجتماعي بشكل تام و مطلق مثل أهمية رموز النسق الثقافي و إسهاماته المعيارية، هذا إلى جانب أن نسق الثقافة يحقق وجوده في كل من نسق الشخصية، و شبكة تفاعل النسق الاجتماعي.
و حتى يحافظ النسق على بقائه ضمن حد معقول من الفعالية و التوازن، عليه أن يستجيب لنوعين من الاحتياجات Needs و المشكلات Problems، أي أن يكون ضمنيا قادرا على تنظيم النشاط الضروري و دفعه في اتجاه الإشباع، و حتى يكون ذلك فإن نسق الفعل يحتوي على مجموعة من المناشط و الوظائف التي يتصل بعضها بعلاقات النسق ببيئته، بينما يتصل البعض الآخر بحاجات تنظيمية لبنائه الداخلي.
كما يمكن الاقتراب من وظائف الفعل من وجهة نظر بارسونز من خلال التمييز بين أهداف الفعل من ناحية، و بين الوسائل المتيسرة له لتحقيق هذه الأهداف من ناحية أخرى، و يرى بارسونز أن هناك أربعة وظائف أساسية على النسق الإجتماعي أن يتبعها و هي:
  • التكيف Adaptation، و هي مجموعة وحدات الأفعال التي تعمل على تأسيس العلاقات بين النسق و بين بيئته الخارجية، و مضمون التكيف هنا يتعلق بالحصول على المصادر المختلفة التي يحتاجها النسق من الأنساق التي تشكل بيئته، و مبادلتها بإنتاج يتحقق داخل النسق ذاته، ثم ترتيب أو تحويل و تجهيز هذه المصادر لتساعد على إشباع حاجات النسق.
  • أما الوظيفة الثانية لنسق الفعل فهي تحقيق الهدف Goal Attainment، و هذه الوظيفة تتضمن كل الأفعال التي تساعد على تحقيق أهداف النسق، أو تلك التي تعمل على تعبئة المصادر و الجهود لتحقيق الأهداف أو الإشباع، و يقع على أنساق الشخصية عبء الأداء الوظيفي المتعلق بتحقيق الهدف، و من هنا يؤكد بارسونز أن النظام الإجتماعي "لا يعني فقط بالظروف التي يتصرف الناس في ظلها سعيا وراء أهدافهم، و لكنه يتطرق إلى صياغة الأهداف نفسها".
  • الوظيفة الثالثة هي تحقيق التكامل Intergration، و هو هدف يعمل على ضمان الاستقرار داخل النسق، و يضم الأفعال التي تعمل على حماية النسق ضد التغيرات المفاجئة و الإشطراب الأساسية، بحيث تحافظ على التماسك و التضامن الضروري لبقاء النسق في حالة من الأداء الوظيفي الملائم، و يعتبر النسق الاجتماعي هو مسؤول عن وظيفة التكامل، حيث هو الذي يؤكد التضامن و يؤسس الولاء، و يحدد الحدود المباحة للفعل، و يفرض هو الضغوط و العوائق أمام أي انحراف عن احتياجات النسق.
  • و الوظيفة الرابعة هي الحفاظ على النمط Pattenern Maintenance، حيث يرى بارسونز أن نسق الفعل يحتاج إلى مجموعة من الأفعال التي تجهز الفاعلين بالدافعية الضرورية، و هذه الوظيفة تهتم بتخزين الدافعية أو الطاقة، و من هنا يؤكد بارسونز أن النظام الإجتماعي "لا يعني فقط بالظروف التي يتعرف الناس في ظلها سعيا وراء أهدافهم، و لكنه يتطرق إلى "صياغة الأهداف نفسها"، و مراكمتها ثم إعادة توزيعها في شكل دافعية، و ذلك هو السبب في تسمية بارسونز لها بالكمون Latency، أو الحفاظ على النمط.
كان الدافع الأساسي لبارسونز من وراء تبني التحليل النسقي لدراسة الواقع الإجتماعي، هو اهتمامه بقضية النظام و الاستقرار دفع منتقديه إلى شن هجوم عليه و اتهامه بالمحافظة و الاهتمام بالحفاظ على الحالة الراهنة Statusque بأي شكل كان، و بالتالي تصنيفه كعدو للثورة و التغيير.
  المطلب الثاني: التحليل النسقي في الدراسات السياسية.
وجدت النسقية مجالا خصبا للتطبيق في التحليل السياسي، حيث يذهب النسقيون إلى اعتبار الظواهر السياسية جزءا من النسق الاجتماعي العام، يتبادل مع مكوناته التأثير المتبادل و التناسق، و يتأثر النسق السياسي بالبيئة الاجتماعية و بالمحيط الخارجي في نفس الوقت، و يؤكد المنهج النسقي على أن العلاقة ما بين النسق السياسي و النسق الاجتماعي العام هي التي تساعد الأول على القيام بوظائف التكيف و الضبط و التوزيع بما يحول دون اختلال النسق، كما يبين دور البيئة الاجتماعية –النسق الاجتماعي- في عملية اتخاذ القرار السياسي، فالعلاقة بين الطرفين تخضع لدورة سبرنيتيقية Sybernettics، و لا يمكن أن يفهم النظام السياسي إلا من خلال هذه الدورة، و من أشهر الدراسات السياسية في هذا السياق ما قام به كل من ديفيد أستون و غابرييل ألموند.
أقام أستون نظريته السياسية على فكرة النظام، و هي تعني بالنسبة له "إن الحياة السياسية هي جسد من التفاعلات ذات الحدود الخاصة التي تحيطها نظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر"، فهو يعتبر أن النظام السياسي مثل (العلبة السوداء)، و هو لا يهتم كثيرا بما يجري داخل العلبة، بل أن ما يعنيه هي علاقات النظام مع بيئته الخارجية أو غير الاجتماعية، كالنظام البيئي، النظام البيولوجي، النظم النفسية و النظم الدولية، و يركز أستون اهتمامه على العناصر و المؤثرات المحيطية التي تؤثر على النظام السياسي –العلبة السوداء- أو ما تسمى بالمدخلات Input، و على ما يصدر من ردود فعل بعد تلقيه هذه المؤثرات المخرجات Out Put، فالتحليل النظمي في نظره يهتم بهذه الحلقات المتتابعة من الأفعال و ردود الأفعال، ما بين المحيط و النظام السياسي و قدرة النظام على الحفاظ على توازنه و التكيف مع ما يرد عليه من مؤثرات خارجية ليستوعبها و يكيفها بما لا يجعلها مخلة بالنظام.
وحتى يحافظ النظام على توازنه فإنه يحتاج إلى توفيق بين نوعين من المدخلات: المطالبات و التي تشكل عبئا على النظام إن زادت على الحد كمطالبة العمال بزيادة الأجور أو بتحسين الضمان الاجتماعي، و هو في هذه العملية يحتاج إلى مساندة كتعبير المواطنين عن مساندتهم للنظام في أية خطوة يقدم عليها للرد على المطالب، و اعتمادا على المطالب و المساندة و التوازن بينها تصدر المخرجات عن النظام و هذه إما تكون تشريعات جديدة تستجيب لكل أو بعض المطالب أو حملة إعلامية لتوضيح الأمور و تبيان عدم شرعية المطالب أو المبالغة فيها أو القيام بتدابير قمعية كالتحدي للنقابات العمالية أو حل حزب من الأحزاب أو منع المظاهرات و الإضرابات إلخ....
و يرى أستون أن كل نظام يقوم بثلاث وظائف أساسية: 1- وظيفة التعبير عن المطالب. 2- وظيفة ضبط المطالب. 3- وظيفة تقليص أو دمج المطالب.
أما غابرييل ألموند فقد عرف النظام السياسي بأنه "نظام من التفاعلات التي توجد في كل المجتمعات المستقلة التي تؤدي وظائف التكامل والتكيف داخل هذه النظم و في اتجاه المجتمعات الأخرى بوسائل توظيف، و التهديد بتوظيف وسائل القهر الشرعي بصورة كبيرة أو صغيرة"، و في كتابه الذي نشره مع زميله بوال Bowel بعنوان (السياسات المقارنة Comporative Politics) يحلل ألموند النظام السياسي من خلال ثلاثة مستويات:
  • القدرات التي يجب على النظام أولا امتلاك قدرة (منظمة) نسمح بتنسيق التصرفات الفردية و الجماعية بواسطة معايير متفق عليها، بما يحول دون تضارب أو تناقض هذه التصرفات إلى حد خطير، و يجب على النظام أن يمتلك قدرة ثابتة، و هي قدرة "آستخراجية" تسمح له باستخراج الموارد الضرورية من الوسط الداخلي أو الخارجي –موارد مالية أو دعم سياسي- أو ما سماه أستون بالمساندات، أما القدرة الثالثة فهي القدرة "التوزيعية" و هي قدرة يوزع بموجبها الموارد التي استخرجها بين الأفراد و الجماعات، أما القدرة الأخيرة فهي قدرة "الاستجابة" و هي قدرة تمكنه من الاستجابة لمطالب البيئة الخارجية و ضغوطها كلها حتى يحافظ على توازنه.
  • وظائف التحول التي فيها يبحث ألموند الوسائل المختلفة التي يوظفها النظام لتحويل المطالب إلى إجابات، و هو يطرح وظيفتين: وظيفة "تفصل" المصالح التي تنطوي على التعبير عن المطالب، ووظيفة تجمع المصالح، بمعنى القيام بفرز و تبسيط المصالح و تسلسلها و تجانسها، بالإضافة إلى ذلك يتطرق ألموند و زميله إلى ما سمياها بالوظائف الحكومية، و هي أيضا وظائف تحول، و هي الوظيفة التشريعية و سمياها وظيفة إعداد القواعد و الوظيفة التنفيذية و سمياها وظيفة تطبيق القواعد، و الوظيفة القضائية و سمياها وظيفة تلزيم القواعد، ثم أخيرا وظيفة الاتصال و تطبق سواء على الاتصال بين الحكام و المحكومين أو بين مختلف عناصر النظام السياسي.
  • أما المستوى الثالث من التحليل فيتعلق بوظائف المحافظة على النظام و تكيفه، و هذه تشمل وظيفة الاختيار السياسي، أي تأهيل أصحاب الأدوار السياسية اختيارهم، ثم و وظيفة المجتمعية السياسية، و عملها نقل الثقافة السياسية، لأنه بواسطة هذه الأخيرة تترسخ المواقف السياسية، و من هنا نجد النظم السياسية تسعى إلى السيطرة قدر الإمكان على وسائل التنشئة السياسية حتى تحافظ على ثقافة سياسية مساندة لها.
خاتمة عامة:
                 و كخلاصة، لابد من إشارة إلى دور العلماء الأمريكيين في وضع أسس هذا المنهج، و هم بذلك كانوا متأثرين بطبيعة المجتمع الأمريكي الذي هو نظام مكون من عدة ولايات، و كل ولاية من خليط من الأجناس و الألوان و الديانات، و يحافظ النظام الأمريكي على توازنه بفعل علاقات التساند و التكيف سواء بين الولايات و بعضها البعض، أو بين الأجناس و الأعراق، و حفاظ النظام على توازنه ووجوده لا يعني عدم حدوث آختلالات، بل المهم قدرة النظام على تمثل هذه الآختلالات و استيعابها، و هو التصور الذي أخذ به حتى كبار رجال السياسة الأمريكيين، فنجد المستشار الأسبق للأمن القومي بريجينسكي يقول:" في سبيل النظام تفضل الجريمة المنظمة بشكل عام على العنف الفوضوي، و بذلك تصبح الجريمة المنظمة بشكل غير مباشر و غير رسمي امتدادا للنظام".
المراجع المعتمدة:

المراجع بالعربية:

  • المنهج العلمي و تطبيقاته في العلوم الاجتماعية، إبراهيم أبراش، طبعة 1999، شركة بابل للطباعة و النشر و التوزيع الرباط، الصفحة 111 و 127 إلى 136.
  • إحسان محمد حسن، الأسس العلمية لمناهج البحث الاجتماعي، بيروت 1982.
  • أرمان كوفيليه، مدخل إلى علم الاجتماع، ترجمة نبيه صقر، الطبعة الثانية، منشورات عويدات، بيروت 1980.
  • علي ليله، النظرية الاجتماعية المعاصرة، القاهرة 1981، الصفحة 596.
  • نظرية الثقافة، مجموعة من المؤلفين الأجانب، ترجمة علي سيد الصاوي، عالم المعرفة، الكويت 1997، الصفحة 289.
  • بيار أنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، بيروت: الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1992.
  • أحمد بدر، أصول البحث العلمي و مناهجه، الكويت 1978.

المراجع بالفرنسية:

  • T.Parsons: The social system New-York: Free press 1951.
  • T.Parsons And others: Working papers in the theory of action, page 39.
  • Robert. Ibid, page 71.
  • Parsons, the present status of structural functional: theory in sociology, p.p. 67-68.
  • Parsons and others: to warda general theory of social action, Cambridge: Harvard iniversity press 1951.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق