2012/02/07

الإدارة والجباية المحلية

تقديم
‏ أصبح دور اللاّمركزية في عصرنا الحاضر يتزايد يوما بعد آخر في البناء‎ ‎الديمقراطي العام ‏للدولة. فتشعب مهام الدولة وتكاثر مسؤولياتها أدى بها إلى ترك جزء‎ ‎من الوظيفة الإدارية ‏والاجتماعية والاقتصادية إلى وحدات إدارية وترابية تعتمد‎ ‎التمثيلية عبر آلة الانتخاب، بحيث ‏يصبح لممثلي السكان اختصاصات موسعة في مختلف‎ ‎المجالات . إن تعدد وازدياد أدوار ‏الجماعات المحلية في كل التجارب التي تأخذ‎ ‎باللاّمركزية أدّى إلى اعتماد آليات مالية مهمة تمكن ‏هذه الجماعات من موارد تستطيع‎ ‎من خلالها القيام بهذه الأدوار ،فاللامركزية الإدارية ليست فقط ‏متسع الحريات اللازمة للهيأت المحلية لاتخاذ القرارات التي تهم تدبير الشؤون المحلية إنما هي ‏بالإضافة إلى دلك تتطلب إعطاء الهيأت المحلية السلطات و الإمكانيات المالية اللازمة للقيام ‏بالمهام المنوطة بها على الوجه المطلوب خاصة ما يتعلق بالسلطة الجبائية المحلية‏ ‏, والمغرب ‏كغيره من البلدان التي أخذت بنظام اللاّمركزية‎ ‎راكم تجربة على هذا المستوى وخصوصا على ‏المستوى الإداري والذي يصاحبه تطور‎ ‎وفعالية على المستوى المالي وهده التجربة في الممارسة ‏المالية المحلية في شقها‎ ‎الجبائي تعود إلى مراحل ماقبل الحماية حيث كانت ضرائب دينية وزمنية ‏كانت مجالا‎ ‎للصراع السياسي والاقتصادي بين المخزن وما يسمى" ببلاد السيبة". غير أن النظام‎ ‎الجبائي بمعناه الحديث لم يعرفه المغرب إلا ّمع مؤتمر الجزيرة الخضراء لسنة 1906 تمثل في ‏‎ ‎مجموعة من الضرائب خصوصا الضريبة الحضرية التي أصبحت البلديات تستفيد من جزء منها‎. ‎أما في عهد الحماية وتطبيقا لبنود معاهدة فاس لسنة 1912 حيث صدر ظهير 27 مارس 1917‏‎ ‎الذي أحدث رسوم وضرائب محلية. لكنها لم تف بالغرض ليصدر ظهير 29 دجنبر 1948 ليدخل‏‎ ‎اصطلاحات عميقة على الجبايات المحلية غير أن الهدف من هذه الإصلاحات كان هو‎ ‎المردودية ‏المالية باعتبار أن هدف المستعمر أساسا الاستغلال بالدرجة الأولى. ومع‎ ‎حصول المغرب على ‏الاستقلال صدر ظهير 23 مارس 1962 الذي أكد في فصله الأول على أن‏‎ ‎تأسيس كل أداء بلدي ‏يجب أن يتم بموجب ظهير شريف وليسرد بعد ذلك لائحة من الأداءات‎ ‎والضرائب الواجب ‏عرضها كرسم النظافة وأخرى اختيارية كالأداء عن الإغلاق المتأخر‎. ‎

وفي سنة 1978 حاول المشرع فرض ضريبة عقارية لفائدة الجماعات المحلية لكنها ‏اصطدمت‎ ‎بمقاومة لوبي العقار بالمغرب، وصدر قانون 89.30 محكوما بظرفية داخلية وخارجية ‏حدت من‎ ‎دوره في الدفع باللاّمركزية بالمغرب. إلا أن أنه وبالنظر إلى الصعوبات والإكراهات ‏التي عرفها قانون رقم 30.89(‏ ‏) ولاسيما من حيث التطبيق ونتيجة إلى ما عرفه المغرب من ‏إصلاحات في المجال الضريبي خلال الثمانينات من القرن الماضي، وكذا الاختصاصات الواسعة ‏التي أصبحت تضطلع بها الجماعات المحلية بعد التعديل الدستوري سنة 1996 في مجال التنمية ‏الشاملة، أصبح معه القانون رقم 30.89 متجاوزا وعجلت بصدور قانون الجبايات المحلية رقم ‏‏47.06 والذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2008(‏ ‏).‏
‏ وما تجدر الإشارة إليه أن موضوع الجبايات المحلية من المواضيع التي استرعت اهتمام كل ‏المسؤولين سواء على مستوى وزارة الداخلية باعتبارها الوزارة الوصية على الجماعات المحلية ‏أو على مستوى المسؤولين بالمجالس الجماعية (‏ ‏).وسنحاول في هدا العرض تجاوز المنطق ‏الوصفي أو السردي للقانون المتعلق بالجبايات المحلية06/47 إلى البحث في مدى‎ ‎قدرة هدا ‏القانون على تجاوز حدود ظهير 1989 من خلال الإجابة على الإشكال المركزي‏‎ :‎
هل الإصلاحات الجبائية المحلية تعكس رؤية إستراتيجية للدفع بدور‏‎ ‎اللاّمركزية في التنمية؟ أم أن ‏الأمر مرتبط بتدبير أزمات عبر إصلاحات سرعان مايتم‏‎ ‎اعلان افلاسها؟ من خلال خطة البحث ‏التالية:‏

التصميم:‏
مقدمة :‏
المبحث الاول : أطراف العلاقة الجبائية المحلية
‏ المطلب الأول: الإدارة الجبائية المحلية ‏


‏ الفقرة الثانية : سلطة الادارة الجبائية
‏ المطلب الثاني: المكلف بالجبايات المحلية
‏ الفقرة الاولى : الضمانات الادارية ‏
‏ الفقرة الثانية: الضمانات القضائية‏
‏ المبحث الثاني :تقيم الإصلاح الجبائي المحلي ‏
‏ المطلب الأول:المرتكزات والمبادئ المؤطرة لقانون رقم 06. 47‏

‏ فقرة أولى : تبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها‏
فقرة ثانية: مطابقة الجبايات المحلية لإطار اللامركزية :‏
فقرة ثالثة: ملاءمة الجبايات المحلية مع حاجيات الدولة‏

‏ المطلب الثاني :سلبيات الإصلاح الجبائي المحلي رقم 06. 47 ‏

‏ فقرة أولى: محدودية توسيع الوعاء الجبائي المحلي ‏
‏ فقرة ثانية : تكريس الفوارق الجبائية بين الجماعات المحلية ‏
‏ فقرة ثالثة:القانون الجبائي المحلي ومطلب تحقيق العدالة ‏
‏ ‏
خاتمة:‏ ‏ الفقرة الأولى : مكونات الادارة الجبائية


المبحث الأول: أطراف العلاقة الجبائية المحلية
‏ إن أي علاقة جبائية تتمركز على طرفي نقيض بين الملزم والإدارة الجبائية هده ‏العلاقة حتمية تفرضها القوانين والتنظيمات الضريبية والتي تتعلق بمهام الإدارة الجبائية المتمثلة ‏في تحديد أساس فرض الضريبة وتصفيتها، وتحصيلها من الملزمين.‏
فالإدارة الجبائية بمناسبة تدبيرها للرسوم أو الضرائب تملك سلطات واسعة حسب القانون الجديد ‏‏06. 47 : التصفية، التحصيل، الفحص، المراقبة، توقيع الجزاءات والعقوبات. ‏
‏ تستخدمها إزاء ملزم مثقل بالإلتزامات، مما يؤدي إلى العديد من ردود الفعل النفسية السيئة ‏للملزم إزاء الضريبة والإدارة الجبائية معا، لهذا ولتحقيق المردودية الجبائية يتعين تحسين ‏العلاقة بين الطرفين وذلك بتهيئة السبل والوسائل لتلطيف تلك العلاقة وإقامة جسور الحوار ‏والتواصل بين الجانبين.‏
المطلب الأول: الإدارة الجبائية المحلية
‏ الإدارة الجبائية في معناها العام تعتمد في قيامها بمهامها على عناصر بشرية ممثلة في ‏موظفيها وكذلك على هياكل وبنيات إدارية معينة تتجسد في الأقسام والمصالح المختصة، كما ‏تعتمد أيضا على صلاحيات وسلطات خولها لها القانون.‏
الفقرة الأولى:مكونات الإدارة الجبائية ‏
يقصد بالإدارة الجبائية مجموع الأجهزة المتدخلة في تدبير الجباية المحلية بدء من أجهزة ‏الوعاء المحلي , مرورا بتصفيته , وانتهاء باستيفائه من ذمة الملزم ,ونجد المشرع الجبائي في ‏مجال الجبايات المحلية ومن خلال المادة 167 من القانون رقم 06. 47 يقصد بالإدارة نوعين من ‏المصالح الإدارية تلك المصالح التابعة لمديرية الضرائب بالنسبة للرسوم المهنية ورسم السكن، ‏ورسم الخدمات الإجتماعية، وكذا المصالح الجبائية التابعة للجماعات المحلية بالنسبة لباقي ‏الرسوم المذكورة في ذات القانون، ومن خلال هذا المطلب سنبين مكونات الإدارة الجبائية ثم ‏السلطات المخولة لها لممارسة مهامها بالشكل المطلوب
لقد أوكل المشرع مهام تطبيق وتنفيذ النص القانوني المتعلق بالجباية المحلية إلى إدارة ‏جبائية، وحدد الساهرين عليها في الأمرين بالصرف سواء عمال العمالات والأقاليم ورؤساء ‏الجماعات الحضرية والقروية، وعمال مراكز الجهات، وهي فئة ذات طابع سياسي وكذا أجهزة ‏تقنية محلية تتجلى في القابض ووكلاء المداخيل.‏
أولا: جهاز الآمر بالصرف
يمكن الحديث في هذا الصدد، وتماشيا ما حدده المشرع عن الآمرين بالصرف المنتخبون ‏والآمرون بالصرف المعينون.‏

يعتبر رؤساء المجالس الجماعية آمرين بالصرف للميزانية، ويتخذون القرارات لأجل تحديد ‏سعر الرسوم وتعرفة الواجبات ومختلف الحقوق طبقا للنصوص التنظيمية المعمول بها إضافة ‏إلى مهام أخرى مسندة إليهم في مجالات متعددة ومتنوعة‏
وبحكم صلاحية رؤساء المجالس الجماعية في مجال اتخاذ القرارات الجبائية المحلية من ‏أجل تحديد سعر الرسوم، إضافة إلى القيام بعمليات الإثبات والتصفية للرسوم المحلية(‏ ‏)، فإن ‏المنطق السليم المتماشي مع تدعيم اللامركزية الإدارية وتحقيق المردودية الجبائية يقتضي التوفر ‏على كفاءات علمية وتقنية في هذا المجال، وإن كان الميثاق الجماعي ‏ قد جاء بعدة إصلاحات في ‏هذا المجال بفرضه توفر الشهادة الإبتدائية في المرشح لرئاسة المجالس الجماعية فإنه مع ذلك لم ‏يستطع تجاوز مجموعة من الإخلالات التي تطرحها عملية تسيير دواليب المجالس المحلية، ولا ‏سيما منها الجانب الجبائي
‏-الآمرون بالصرف المعينون‏
يعتبر العمال سواء عمال العمالات والأقاليم أو عمال مراكز الجهات أجهزة معينة في إطار ‏اللامركزية الإدارية من خلال ظهائر شريفة باقتراح من وزير الداخلية، واستنادا إلى ظهير ‏‏1977 المتعلق باختصاصات العمال فقد أصبح هؤلاء إضافة إلى ممثلين لوزارة الداخلية، ممثلين ‏لجلالة الملك ومندوبين للحكومة، وقد أصبح العمال بعد التعديل الدستوري لسنة 1996، ممثلون ‏للدولة في العمالات والأقاليم والجهات ويسهرون على تنفيذ القوانين، والمسؤولون عن تطبيق ‏القرارات الحكومية وتسيير المصالح والإدارات التابعة للإدارات المركزية، وبوصفهم آمرين ‏للصرف فهم منفذين لميزانيات العمالات والأقاليم والجهات ويقومون بموجب ذلك باتخاذ ‏القرارات الجبائية الإقليمية والجهوية
وهكذا نستنتج أن تسيير حقل الجبائية المحلية ثم إسناده للآمرين بالصرف منتخبين ومعينين، ‏وإن كان الأمر يتطلب اقتصار إسناد الجبائية المحلية لفائدة الأجهزة المنتخبة بحكم نوعية وكم ‏الرسوم المحلية المستحقة لفائدة الجماعات الحضرية والقروية مقارنة مع تلك المستحقة للعمالات ‏والجهات، تماشيا مع تدعيم الديمقراطية المحلية وتحميل ممثلو السكان كامل المسؤولية في هذا ‏الباب.‏
ثانيا: الأجهزة التقنية المحلية
إذا كان الآمرون بالصرف (معينون أو منتخبون) يقومون بعمليات تصفية المادة الجبائية ‏فإن المحاسبين العموميون هم الذين يقومون بعمليات التحصيل وذلك عملا بمبدأ الفصل بين العمل ‏الإداري والسياسي، ويمكن الحديث في هذا الصدد عن القباض (المحاسبين العموميين)، ووكلاء ‏المداخيل الجماعيين.‏

يعتبر القباض موظفون تابعين لوزارة المالية، يشرفون على التسيير المالي للجماعات كتنفيذ ‏الميزانية بشقيها المداخيل والنفقات ويمارسون رقابة على الآمر بالصرف ووكلاء المداخيل، ‏وبالتالي هم محاسبون عموميون يخضعون لقواعد المحاسبة العمومية ويتحملون مسؤوليتهم أمام ‏القضاء المالي(‏ ‏)، ‏

‏ 2 – وكلاء المداخيل
‏ ‏
يعتبر موظفا جماعيا يعمل تحت إشراف السلطة الرئاسية للآمر بالصرف ويتم تعيينه بالكيفية التي ‏يتم بها إنشاء وكالة المداخيل الجماعية بمقرر صادر عن وزير الداخلية باقتراح من الأمر ‏بالصرف بعد تأشيرة وزير المالية ‏
‏ ‏
الفقرة الثانية :سلطة الإدارة الجبائية‏

يتحدد الوعاء الجبائي من خلال طرحين اساسين الأول يتعلق باهتمام الملزم بالواقعة المنشئة ‏للرسوم المحلية بواسطة آلية الإقرار أما الطرح الثاني فيتم من طرف الإدارة عبر تقنية الإحصاء ‏لكن في بعض الحالات تقوم الإدارة الجبائية بإرادتها المنفردة بتحديد المادة الجبائية المحلية وذلك ‏عن طريق التقدير الجزافي في حالة امتناع الملزم عن الإدلاء بالتصريح ، إضافة إلى هذه ‏السلطات المهمة فقد منح لها القانون الجديد المتعلق بالجبايات المحلية سلطات أخرى تتجلى أساسا ‏في سلطة التسعير وسلطة التحصيل ‏
‏ سلطة التسعير : ‏
لقد ترك المشرع أمر تحديد أسعار بعض الرسوم للجماعات المحلية إما على أساس قيمي أي قيمة ‏المادة الضريبية محددة بالعملة ويطبق السعر بنسبة مائوية معينة من هذه القيمة وهذه لرسوم تمس ‏بالدرجة الأولى مجالات ذات أهمية بالغة من عقارات و ترفيه وسياحة ونقل وتجارة ، ويتضح إن ‏التقدير القيمي هو النظام الأمثل لتحديد الأسس الجبائية المحلية لكنه نظام أكثر تعقيدا وصعوبة مما ‏حذا بالمشرع إلى مزاوجته بنظام التقدير النوعي في تسعير الرسوم المحلية عن طريق تطبيق ‏الجباية على وحدة المدة الخاضعة للرسم مثل الوزن أو الحجم ويحتسب السعر النوعي بمبلغ مالي ‏مباشر على هذه الوحدة بغض النظر عن قيمتها كأن يحدد السعر في 20 درهم للمتر مربع من ‏المادة الخاضعة للرسم المحلي ‏. ‏

سلطة التحصيل

يقتضي التحصيل الجبائي المحلي لمختلف رسوم الجماعية نهج المساطر المنصوص عليها في ‏مدونة تحصيل الديون العمومية ونقصد بذلك المسطرة العادية التي تلجأ إليها الإدارة الجبائية ‏المحلية من اجل استخلاص الرسوم بطريقة ودية إذا تم الأداء داخل الأجل المحددة قانونا بناءا ‏على جداول الرسم المحلي وتاريخ استحقاقه، لكن في حالة عدم تمكن الإدارة من تحصيل ديونها ‏بالطريقة الودية فان اللجوء إلى مسطرة التحصيل الجبري يبقى الملاذ الأخير من اجل إكراه ‏الملزم على أداء ما بذمته من ديون محترمة في ذلك مختلف درجات التحصيل الجبري التي ‏حددتها المادة 39 من مدونة التحصيل مرتبة كالتالي الإنذار _ الحجز _ البيع الإكراه البدني

المطلب الثاني: الملزم بالجبايات المحلية
إن فكرة الملزم بالضريبة سواء محلية أو وطنية، يثير مفهوم السلطة العمومية والقرار ‏الأحادي للإدارة كأداة لعمل السلطة التنفيذية الساهرة على تطبيق القانون الضريبي المحلي ‏والوطني. فهذه النظرة التقليدية نابعة من كون الأفراد الخاضعين للضريبة أو الرسوم يتكون لديهم ‏ذلك الشعور النفسي بالتقزز والنفور من قواعدها لأنها تقتطع من دخولهم وأرباحهم المحققة ‏بمجهودهم الفردي لاعتبارات المصلحة العامة التي لا يرونها في بعض الأحيان مجسدة أمامهم ‏في منافع وخدمات يستفيدون منها مباشرة لقاء مساهمتهم في تلك التحملات العمومية، فمن هذا ‏المنطلق يتقلص الوعي الجبائي لارتباطه بحسن تدبير النفقات العمومية الذي يختلف عن تدبير ‏الموارد العمومية، وهذا المفهوم في العلاقة الجبائية الذي يجعل الفرد يحس أنه إن كان يتعامل مع ‏إدارة أقل شعبية فإنه بالمقابل يعترف لها بالمشروعية في مباشرة أعمالها ووجوب إسداء الإحترام ‏لها.‏
وفي ذات السياق تنبني العلاقة في معظم مراحلها بين الإدارة الجبائية والملزم على محاولة ‏تحقيق التوازن بين المردودية أي مصلحة الإدارة وبين العدالة الجبائية أي مصلحة الملزم، وهنا ‏يطرح الإشكال حول كيفية الوصول عبر الضمانات القانونية لتحقيق منظومة جبائية محلية تضمن ‏للخزينة والجماعة مردودية جبائية دون ضغط جبائي مرهق للملزم يدفعه إلى الإنحراف ‏الضريبي، إلا أن هذا الأمر وارد لتباين الأهداف لكل طرف على آخر فالخزينة ترمي التحصيل ‏التام لواجباتها والملزم يرمي إلى تكوين رأسمال دون إكراهات جبائية وضغط ضريبي مرتفع، ‏واستنادا لمبادئ العدالة والإنصاف فإن التشريعات الجبائية تنص على بعض الحقوق للملزم ‏ضمانا له ضد تعسف وجور وإجحاف الإدارة، إن رغبة المشرع في الإرتقاء بالرسوم المحلية ‏عن مضمونها الكلاسيكي القائم على الأداء دون المجادلة في شرعيتها كانت وراء إقراره ‏لمجموعة من الضمانات1‏
فقر ة أولى -الضمانات من خلال التظلمات الإدارية:‏
يمكن اعتبار طلب المراجعة المقرر أمام الآمر بالصرف والطعن أمام اللجان المحلية لتقدير ‏الضريبة من بين أهم الضمانات المقررة للملزم من خلال قانون 06. 47 والتي عبر من خلالها ‏المشرع عن نيته في إشراك الملزم كفاعل أساسي في البناء التنموي.‏


فقرة ثانية- الضمانات القضائية:‏
إن إقرار المشرع لمرحلة قضائية بشأن النزاع المرتبط بالجبايات المحلية ضمانة أساسية في اتجاه ‏ترسيخ عدالة جبائية وحماية قانونية للملزم ويتجلى ذلك في إحداث المحاكم الإدارية وإسنادها ‏اختصاص النظر في كل المنازعات الجبائية ‏

المبحث الثاني :تقييم الإصلاح الجبائي المحلي ‏
‏ ليس بخاف ما لإصلاح المنظومة الجبائية المحلية من تأثير على الواقع الاقتصادي و ‏الاجتماعي و السياسي والمالي للجماعات المحلية و في هدا الإطار يندرج القانون رقم 47\06 ‏المتعلق بجبايات الجماعات المحلية ضمن الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز نظام اللامركزية ‏بالمغرب في الشق الجماعي من خلال الميثاق الجديد ‏ ‏ ,أو الجانب الإقليمي عبر القانون رقم ‏‏79\00 ‏ ‏ ,ولملائمة هده المنظومة مع الضرائب الوطنية ومدونة تحصيل الديون العمومية ‏ ‏ ‏وهدا الإصلاح فرض نفسه أمام انتقادات التي وجهت للنظام الجبائي المحلي على ضوء القانون ‏‏89\30 من مختلف الفاعلين و المهتمين بالشأن المحلي بالمغرب .وقد شرع في تطبيق قوانين ‏الإصلاح الجبائي المحلي ابتدءا من فاتح يناير 2008، ونقصد بدلك القانون رقم 06. 47 المتعلق ‏بجبايات الجماعات المحلية وقانون رقم 07. 39 الخاص ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات ‏والأتاوى المستحقة لفائدة هذه الجماعات, وفلسفة الإصلاح تجد أساسها في المرتكزات والمبادئ ‏المؤطرة لهدا القانون ‏
‏ المطلب الأول:الايجابيات المؤطرة لقانون رقم 06. 47 ‏
‏ لقد جاء قانون إصلاح الجبايات المحلية رقم 47.06 ,لتجاوز الاختلالات ‏المتعددة,ولتمكين الجماعات المحلية من التوفر على منظومة جبائية أكثر نجاعة تضمن مسايرة ‏التوجهات العامة لمختلف الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب ,ودلك من خلال تبني مواصفات ‏الأنظمة الجبائية الحديثة ‏ ‏ من خلال تحقيق الأهداف التالية :‏
فقرة أولى : تبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها‏
يمثل مبدأ تبسيط الجبايات المحلية المحور الرئيسي لمرامي الإصلاح الجبائي وقد تمثل ‏بالملموس في الآتي:‏
أ- التقليص من عدد الرسوم: حيث تم إلغاء ثمانية رسوم ظلت تتميز بضعف مرد وديتها كما ‏أنها كانت تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة :‏
‏-الرسم على المشاهد ‏
‏- الرسم المفروض على الباعة المتجولين.‏
‏- الرسم المتعلق بالإغلاق المتأخر والفتح المبكر.‏
‏- الرسم المفروض على الدراجات النارية التي يفوق محركها أو يعادل 125 سنتمتر ‏مكعب.‏
‏- الرسم المفروض على مؤسسات التعليم الخاص.‏
‏- الرسم المفروض على عمليات تقسيم الأرض.‏
‏- الرسم المفروض على طبع الزرابي‏
‏ وكذا إدماج مجموعة من الرسوم التي لها نفس الوعاء أو تسري على نفس النشاط لتفادي ‏الإزدواجية(‏ ‏). وفي نفس السياق، تم إخراج بعض الحقوق والإتاوات التي لا تكتسي طابعا ‏جبائيا من القانون رقم 06. 47، وتم إصدارها بموجب قانون رقم 07. 39 وعددها 13 رسم وقد ‏تقلص عدد الرسوم التي لها صبغة جبائية من 29 إلى 17 رسما فقط.‏
ب-تبسيط المساطر الجبائية:‏
في هذا الاتجاه، تم التنصيص على تطبيق مبدأ الإقرار محل الإحصاء باستثناء الرسم ‏المفروض على الأراضي الحضرية غير المبنية ورسم الخدمات الجماعية ورسم السكن و الرسم ‏المهني ,ويعتبر دلك مسلك للحوار بين الملزم والإدارة وبالتالي إزالة الحواجز بين الطرفين ‏تجاوزا لهدر الوقت , وهو ما يعنيه الانتقال من الخضوع و الإذعان إلى المشاركة تثبيتا للإنصاف ‏و الحكامة الجيدة (‏ ‏) وذلك من اجل تجاوز الوقت المخصص لعملية الإحصاء وتفادي الأخطاء ‏والنقائص التي يعرفها النظام الإحصائي، فإعمال مبدأ الإقرار سيجعل المنظومة الجبائية ترسخ ‏علاقات حديثة مبنية على مبدأ المساهمة الفعالة للخاضعين للرسوم.‏
وفي ذات السياق عمل القانون الجديد على تحديد مسؤولية المتدخلين في موضوع التحصيل ‏رفعا لكل التباس أو غموض حيث أوكل استخلاص الرسوم الصادرة عن طريق أوامر التحصيل ‏إلى القابض المكلف بالتحصيل في حين يتم استخلاص الرسوم الإقرارية والحقوق المؤداة فقط ‏عن طريق الأداء التلقائي لدى صندوق وكيل المداخيل المعينة.‏
ج-إعادة هيكلة المنظومة الجبائية المحلية:‏
أمام الفسيفساء الذي كانت تعيشه الجباية المحلية بشكل عام حيث اتسمت بالتشتت والتشعب ‏فمن قانون رقم89.30 إلى قانون رقم 89. 37 المتعلق بالضريبة الحضرية وقانون رقم 97-97 ‏المنظم للجهة، والقانون الصادر سنة 1980 المنظم لواجب التضامن الوطني على الأراضي ‏العارية، زيادة على ترابطها مع الجبايات الوطنية، فإن القانون الحالي، عمل على جمع شتات تلك ‏النصوص في قانون واحد ‏ .‏
فقرة ثانية: مطابقة الجبايات المحلية لإطار اللامركزية :‏
يرتكز هذا المبدأ على تقوية الدور الجبائي للجماعات المحلية في إطار التطور العام لسياسة ‏اللامركزية خاصة من خلال المواكبة الموضوعية للمستجدات القانونية للامركزية بمستوياتها ‏الجهوية والإقليمية والجماعية ومن الإجراءات التي تم إقرارها على هذا المستوى نجد:‏
‏- تحديد نسب وأسعار بعض الرسوم إلى حد أدنى وحد أقصى وذلك لتمكين الجماعات ‏المحلية من مطابقة مستوى مواردها مع حاجيات التنمية المحلية.‏
‏- ممارسة المراقبة وحق الإطلاع والتفتيش وزجر المخالفات في مجال الجباية المحلية.‏
‏- تعديل القواعد الإجرائية الخاصة بقرارات الإعفاء والتخفيض وإبراء الذمة من الديون.‏
فقرة ثالثة: ملاءمة الجبايات المحلية مع حاجيات الدولة‏
‏ وذلك من خلال:‏
‏- توحيد مسطرة حق الإطلاع على جميع المعلومات والسجلات والوثائق المحاسبية، وذلك ‏لتمكين الإدارة الجبائية من المعلومات الكافية لتأسيس الرسوم المحلية تفاديا لكل أشكال الغش ‏والتملص الضريبي.‏
‏- توسيع حق المراقبة والتفتيش من طرف الإدارة الجبائية.‏
‏- تطبيق نفس نظام الجزاءات والعلاوات المطبقة من طرف الدولة بالنسبة لكافة الرسوم ‏المحلية.‏
‏- حذف بعض أوجه الإزدواج الضريبي بين الدولة والجماعات المحلية.‏
‏- فيما يخص المنازعات الجبائية تم اعتماد أساليب التظلم الإداري(‏ ‏) والتظلم اللجاني(‏ ‏) ‏توفيرا لضمانات الملزم وحماية له من تعسف الإدارة، إضافة إلى الطعن القضائي(‏ ‏).‏
‏ المطلب الثاني :سلبيات الإصلاح الجبائي المحلي ‏
‏ لا شك أن القانون رقم 06\47 المتعلقة بالجبايات المحلية , جاء كضرورة , أملتها ظروف ‏الواقع الذي عاشه النظام الجبائي المحلي بمختلف المشاكل و التحديات التي واكبت تطبيق الفانون ‏رقم 89.30,خاصة وان هدا الأخير قد أبان بعد ثمانية عشر سنة من اعتماده على محدوديته بسبب ‏قصوره على مستوى العديد من القطاعات غير المضربة ,وعدم تجنيح التهرب و التعقيدات الفنية ‏لبعض أحكامه ‏ ‏ فمن خلال قراءة للمستجدات التي حملها قانون الإصلاح الجبائي المحلي ‏تتضح بعض السلبيات :‏

‏ فقرة أولى: محدودية توسيع الوعاء الجبائي المحلي ‏

لقد عمل القانون الجبائي المحلي رقم47.06 على الإجابة على سؤال توسيع الوعاء الجبائي ‏المحلي من خلال إحداث 11 رسما بالنسبة للجماعات الحضرية و القروية و3 رسوم لكل من ‏العمالات و الأقاليم و الجهات كل على حذة إضافة الى اعتماده على وثائق التعمير في تحديد ‏بعض الرسوم لتوسيع الوعاء الجبائي المحلي .إلا إن هدا التوسيع يظل قاصرا ومحدودا ‏ ‏ على ‏مستوى ‏




فقرة ثانية : تكريس الفوارق الجبائية بين الجماعات المحلية
‏ ‏
تتجسد الفوارق الجبائية المحلية من خلال تفاوت درجات الاستفادة الجبائية حسب الإصلاح ‏الجبائي الجديد فالجماعات الحضرية والقروية تستفيد من 11 رسما محليا ‏ ‏ بينما تقتصر استفادة ‏العمالات والأقاليم على ثلاثة رسوم ‏ ‏ أما الجهات فتستفيد من نفس العدد من الرسوم خاصة ‏الرسم على الصيد و المناجم والخدمات المقدمة بالموانئ وبالتالي استفادة جميع الجهات من هده ‏الموارد تكون مستحيلة لعدم توفر بعضها عن الأوعية الجبائية ,وتتجلى الفوارق الجبائية المحلية ‏على مستوى الجماعات الحضرية والقروية حيث تتواجد اغلب الأوعية الجبائية في المجال ‏الحضري ‏
كما ترك الحرية للمجالس الجماعية بخصوص تحديد أسعار بعض الرسوم المحلية التي حدد لها ‏القانون سقف أقصى وأخر ادني خلق نوعا من التفاوت و التباين بين جماعة محلية وأخرى ويتم ‏استغلال الحرية في تحديد الأسعار لأغراض انتخابية ‏

فقرة ثالثة:القانون الجبائي المحلي ومطلب تحقيق العدالة ‏

يمثل النظام الجبائي المحلي انعكاس للبنيات الاجتماعية , ومدى وعي الوسط الاجتماعي بأهمية ‏الجباية وأدوارها الاقتصادية والاجتماعية ,ويعتبر من العوامل المساعدة على تقبلها ,والاقتناع ‏بالجانب العادل في الجباية ,فقاعدة العدالة تقتضي بان يكون توزيع المنتوج الجبائي المحلي على ‏مختلف الملزمين حسب قدرتهم على الدفع على اعتبار إن العدالة الجبائية من بين الأهداف التي ‏تسعى إلى تحقيقها جل التشريعات الجبائية و التي تنص من الناحية النظرية على الارتباط القائم ‏بين المردودية و العدالة الجبائية وعلى ضرورة التوفيق بينهما ‏ ‏ وفي هذا السياق، وتحقيقا ‏للعدالة الجبائية نجد أن القانون الجديد، ومن الناحية المالية قد عمل على توسيع نطاق سريان ‏فرض الرسم على الخدمات الإجتماعية والرسم على عمليات التجزئة للأراضي لتطال العقارات ‏الواقعة في مراكز المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية وبالمحطات الصيفية والشتوية ‏ومحطات الاستشفاء بالمياه المعدنية(‏ ‏)، كما أنه بإقراره لنظام الإعفاءات الدائمة والمؤقتة وكذا ‏التخفيضات(‏ ‏)، فهو يهدف بذلك إلى المحافظة على الحد الأدنى للمعيشة(، وتحقيقا للغاية ذاتها ‏فقد أتى القانون الجديد بالعديد من الضمانات الخاصة بالملزم كإخطاره أثناء عمليات تصحيح ‏الإقرار(‏ ‏) وإعطاءه الحق في تبرير ما سبق أن قدمه خلال عملية الإقرار والتصريح وبالتالي ‏مراعاة عسره وإمهاله مدة معينة لأداء واجباته الضريبية، كل هذا يصب في اتجاه تليين العلاقة ‏التواجهية بين الإدارة الضريبية المحلية من جهة وباقي الملزمين.‏

خاتمة

من خلال القراءة المتأنية في النصوص القانونية المؤطرة للجباية المحلية يتضح كما هو الحال في ‏جميع لقطاعات وعلى جميع المستويات إن المشكل لا ينحصر في عدم كفاءة النص القانوني بل ‏يتعداه إلى ما هو سوسيولوجي يرتبط أساسا بالوعي الجماعي وبالإرادة السياسية وتوفير الموارد ‏البشرية والمادية لتفعيل النص القانوني على ارض الواقع ‏
فرغم ما شاب القانون 06. 47 من عيوب فانه حاول تجاوز بعض الإشكالات التي عانت منها ‏الجباية المحلية لكن ما يبقى ناقصا هو غياب اللقاءات العلمية والحملات الإعلامية التحسيسية من ‏اجل بسط والتعريف بالقانون ليس فقط على مستوى الملزمين بل حتى والمكلفين بتطبيقه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق