تنفيد ألأحكام الادارية بالمغرب
إن تنفيذ الأحكام بصفة عامة،يمثل المرحلة النهائية و الحاسمة التي يصل إليها صاحب الحق،بعد قطعه أشواطا في المخاصمة و الترافع أمام القضاء قد تصل إلى السنوات الطوال،فهي حقا مرحلة حاسمة و التي يؤدي فشلها إلى تجريد الحكم من محتواه[1].
و الجدير بالذكر،أن عدم التنفيذ يضرب في الصميم حرمة و هيبة و قدسية القضاء و يزرع الشك حول فعالية و جدوى قضاء إداري يقتصر دوره على معاينة عدم مشروعية القرارات الإدارية المطعون فيها أو الحكم بالتعويض[2]،و في الحقيقة فإن مشكل التنفيذ هو من إحدى أهم المشاكل المشهورة في عالم المحاكم[3]، و هو ما دفع بالملك الراحل الحسن الثاني إلى القول:‹‹...فعدم التنفيذ أو التماطل في التنفيذ يجر المرء إلى تفكير آخر هو انحلال الدولة...››[4].
إن إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية في النظام المغربي تكمن بالأساس في غياب مسطرة تشريعية خاصة كفيلة بإجبار الإدارة على التنفيذ،فقانون المحاكم الإدارية يفتقر إلى هذا المعطى الجوهري في بنيته الداخلية حيث اكتفى بالإحالة على التشريع المدني،كما أن قانون المسطرة المدنية الذي يعد المرجعية الإجرائية للقضاء الإداري الوطني، لا يؤطر الوسائل اللازمة لجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به،و لتجاوز هذه الوضعية السلبية بذل القاضي الإداري جهدا كبيرا من أجل إيجاد الوسائل المناسبة لإرغام الإدارة على التنفيذ،و رغم ذلك تبقى هذه الطرق ظرفية ،متغيرة،و غير مدونة،مبنية على الاجتهاد أكثر ما هي مستندة إلى نص مكتوب (المبحث الأول)،في مقابل ذلك،انتبه المشرع الفرنسي إلى خطورة هذه الظاهرة و بادر إلى احتوائها بالتقنين و التنظيم عبر منهجية تدريجية، من خلال سن مقتضيات تشريعية،و خلق هيئات مؤسساتية شغلها الشاغل هو حث و إلزام الجهاز الإداري على احترام الأحكام القضائية الصادرة في حقه (المبحث الثاني).
المبحث الأول:إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب.
لم ينص المشرع المغربي على أية طريقة للتنفيذ الجبري يمكن سلوكها ضد الإدارة(المطلب الأول)،لذا فالمعول عليه ما جادت به قريحة القاضي المغربي من اجتهاد كفيل بخلق إجراءات تواجه تعنت الإدارة الممتنعة عن التنفيذ(المطلب الثاني).
المطلب الأول:غياب مرجعية قانونية مؤطرة لعملية تنفيذ الأحكام الإدارية
من خلال الإطلاع على أجوبة السيد وزير العدل على تساؤلات النواب، بمناسبة مناقشة مشروع القانون رقم 90/41 نجد هناك فقرة مضمونها:<... أما بالنسبة لتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، فقد أحال المشروع على المقتضيات العامة للتنفيذ كما وردت في قانون المسطرة المدنية... >[5].
و فعلا عند خروج القانون المذكور إلى حيز الوجود،جاء ناصا على ما يلي:<تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية،ما لم ينص قانون على خلاف ذلك >[6]،و جاءت المادة الفريدة التي تتحدث عن التنفيذ، التي تنص على ما يلي:<يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم،و يمكن للمجلس الأعلى أن يعهد بتنفيذ قراراته إلى محكمة إدارية>[7].
و عليه يتعين طرح تساؤلين أساسيين:
* هل أن قواعد المسطرة المدنية التي أحال عليها القانون المحدث للمحاكم الإدارية تنسجم مع خصوصيات الأحكام الإدارية أم لا؟
* هل المادة 49 من القانون 90/41 من شأنها حل بعض الإشكاليات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة في المادة الإدارية، أم أنها فقط قد زادت في الأمر تعقيدا؟
إن الجواب على هذين التساؤلين يتطلب استقراء القواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري للأحكام المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية[8]،و هي عملية تدفع إلى تكوين قناعة مفادها صعوبة تطبيق هذه الفصول،للأسباب التالية:
1- عدم إمكانية إعمال الفقرة الأخيرة من الفصل 440 من ق.م.م التي تنص على قيام عون التنفيذ بالإجراءات المتعلقة بطرق التنفيذ في حالة رفض المدين الوفاء بالدين المحكوم به،ذلك أن هذه المقتضيات تتعلق كلها بالالتزامات المالية،أو بمعنى آخر بالحقوق الشخصية،و بالتالي فإن الحكم الإداري الصادر في دعوى الإلغاء لا يمكن تنفيذه بواسطة طرق التنفيذ الجبري،نظرا لأن هذا الحكم ذو طبيعة خاصة،فهو يقضي بإلغاء قرار إداري دون شيء آخر،أي دون التنصيص مثلا على أمر الإدارة بأداء مبلغ مالي[9]،كما أنه لا يمكن سلوك طرق التنفيذ المباشر في حق الإدارة الممتنعة عن أداء تعويض مالي ما دامت أموال الدولة هي أموال عمومية هي بهذه الصفة غير قابلة للحجز عليها.
2- الإجراءات المتعلقة بالتنفيذ الجبري لا تتجاوب مع طبيعة الأحكام الصادرة ضد الإدارة خاصة تلك المتعلقة بدعوى الإلغاء و التي لها طبيعة خاصة،فمما لا شك فيه أنه بعد تبليغ الحكم بالإلغاء،فإن الإدارة المحكوم عليها هي نفسها التي تتولى تنفيذ الحكم،و كتابة الضبط لا يمكنها أن تتجاوز الحدود خاصة أن المشرع لم يحدد لها ذلك في القانون المحدث للمحاكم الإدارية،كما لا يمكن للمحكمة الإدارية أن تصدر أوامر إلى الإدارة بعمل شيء أو الامتناع عن عمل شيء و لا أن تحل محل الإدارة في استخلاص آثار الحكم و تنفيذه.[10]
3- لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حق الإدارة الممتنعة عن التنفيذ،على اعتبار أنها شخص معنوي عام مجرد من الشخصية الطبيعية،مع العلم أن هذا الإجراء يقوم على أساس الحرمان المؤقت لشخص المدين من حريته،بل أن تنفيذ هذه المسطرة رهين بتسخير القوة العمومية التابعة للإدارة نفسها،إذ كيف يمكن إكراه من يحتكر سلطة الإكراه[11].
و حتى في فرضية التسليم بحسن نية الإدارة،من خلال اتجاهها إلى التنفيذ الطوعي للحكم الإداري الصادر في حقها،فإن هذه المبادرة تصطدم بجملة من الإكراهات المادية و المسطرية،و يمكن إيراد أهم الصعوبات التي تواجهها الإدارة في عملية التنفيذ كما يلي[12]:
ü الخضوع لمبدأ السنوية.
ü ضعف الموارد المالية.
ü الضغوطات المرتبطة بنظام المحاسبة العمومية.
ü وجوب احترام قاعدة تخصيص النفقات.
ü إكراه المسؤولية الشخصية للآمرين بالصرف و المراقبين و المحاسبين العموميين.
ü صعوبة تحديد الجهة الإدارية الملزمة بالتنفيذ.
المطلب الثاني:دور القضاء في حل إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية
ومن أهم الوسائل التي اعتمدتها المحاكم الإدارية، من أجل التصدي لامتناع الإدارة، هناك الغرامة التهديدية في حق الذمة المالية للإدارة، ومساءلة الموظف الممتنع عن التنفيذ شخصيا، ثم الحجز على أموال الإدارة الممتنعة عن التنفيذ.
فبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون رقم 41-90، نجده ينص في الباب الثالث المتعلق بالقواعد العامة للتنفيذ من خلال الفصل 448على الغرامة التهديدية، كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه على التنفيذ في غياب أي نص قانوني يستثني الإدارة من هذه الوسيلة، خصوصا أن كلمة المنفذ عليه الواردة بالفصل المذكور جاءت عامة، مما يعني جواز فرضها حتى على أشخاص القانون العام.
و يمكن تعريف الغرامة التهديدية بأنها:«وسيلة قانونية منحها المشرع بمقتضى المادة 448 من ق.م.م للدائن لتمكينه من الحصول على التنفيذ العيني متى كان الأمر يتعلق بالقيام بعمل أو بالامتناع عنه لصيق بشخص المنفذ عليه،ممكن و جائز قانونا و تلزم إرادته في تنفيذه و لا تسعف فيه إجراءات التنفيذ الجبري،ومن خصائص الغرامة التهديدية أنها تهديدية و تحذيرية و تحكمية،و لا يقضى بها إلا بناءا على طلب»[13].
وحتى يحكم بالغرامة التهديدية، لابد من توفر الشروط التالية:
- أن يكون التنفيذ من طرف المدين ما زال ممكنا، فإن انتهى محل الالتزام فلا محل لتحديد الغرامة التهديدية.
- أن يمتنع المدين عن التنفيذ صراحة، وألا يحول التنفيذ عائق قانوني أو واقعي.
- أن يكون موضوع الحكم يتعلق بأداء التزام بعمل من طرف المنفذ عليه أو مخالفته التزام بالامتناع عن عمل.
لقد حاول القاضي الإداري أن يقرأ قراءة موسعة لمقتضيات المادة السالفة الذكر،حيث اعتبر أنه لا يوجد أي مانع يحول دون إقرار غرامة تهديدية في مواجهة الإدارة أو المسؤول الإداري،و بذلك فهو لم يكتف بحصر مدلول المنفذ عليه في الإدارة كمفهوم شامل و غير محدد،و إنما قيده بمفهوم آخر أكثر تحديدا و وضوحا و هو مفهوم المسؤول الإداري.[14]
ومساءلة الموظف الممتنع عن التنفيذ شخصيا، تعتبر وسيلة جيدة لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية، لأن الموظف سوف يدرك أنه معرض للحكم عليه بالغرامة التهديدية التي تنقلب إلى تعويض في نهاية الأمر وبالتالي فإنه لن يستهين بقوة الشيء المقضي به للأحكام الإدارية وسيعمل على تنفيذها، أما إذا ظل لديه إحساس بأنه مغطى بنوع من الحصانة وأنه في حماية الآلية الإدارية التي يعمل في ظلها، فإنه سيستهين بقوة الشيء المقضي به.
أضف إلى ذلك أن إقرار المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ قد تؤدي إلى إمكانية متابعته جنائيا في إطار دعوى تحقير حكم قضائي[15]،حسب مقتضيات المادة 266 من القانون الجنائي.
و من المتفق عليه أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء خدماته بصورة مضطردة و منتظمة لجمهور المنتفعين بها تحقيقا للنفع العام،لذلك و تطبيقا لمبدأ عدم تعطل المرفق العام و عرقلته،لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز،لكن يقابل هذا الحظر مبدأ ضرورة تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به احتراما لمبدأ المشروعية و سيادة القانون.
حيث يكاد يتفق الفقه و القضاء على أن عدم جواز الحجز هذا قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام،فإذا كانت هنالك بعض الأموال غير مخصصة لإدارة المرفق و لا يتعارض الحجز عليها مع سيره تعتبر أموالا خاصة لهذا المرفق و يمكن الحجز عليها،فمناط إيقاع الحجز التنفيذي على منقولات المرفق العمومي هو تقدير ما إذا كانت تلك المنقولات لازمة لسير المرفق أم لا و ما إذا كان حجزها يعطل سيره و انتفاع جمهور الناس بخدماته[16].
المبحث الثاني: الوسائل البديلة المتبعة في القانون المقارن لتنفيذ الأحكام الإدارية- فرنسا نموذجا.
لقد مر موضوع تنفيذ الأحكام القضائية من طرف الإدارة بعدة مراحل،انطلقت بإحداث لجنة التقرير و الدراسات سنة 1963،ثم مؤسسة الوسيط سنة 1973 (المطلب الأول)،و يعتبر قانون 16 يوليوز1980 مرحلة متطورة في تنفيذ أحكام القضاء من لدن الإدارة الفرنسية(المطلب الثاني).
المطلب الأول: الوسائل المؤسساتية
جاء المرسوم رقم 766.63 بتاريخ 30 يوليوز1963،ناصا على إحداث لجنة التقرير و الدراسات بمجلس الدولة الفرنسي،و يتم تحريك المسطرة أمام هذا الجهاز إما بناء على طلب من المستفيد من الحكم،أو بناء على طلب من الإدارة المعنية،و إما بناء على طلب من رئيس مجلس الدولة،و هذه الألية جعلت المتضرر يشعر بأنه لم يبق وحيدا أمام الإدارة فقد أصبح مجلس الدولة يتضامن معه في تنفيذ الحكم و يضع بجانبه كل خبرته الأدبية و العلمية في سبيل إتمام التنفيذ[17]،كما أن لجوء الإدارة إلى الجنة بقصد توضيح ما عسر عليها و ما لم تفهمه لتنفيذ الحكم يعد وسيلة هامة لتنوير طريق الإدارة و مساعدتها على التنفيذ السريع و الفعال للحكم الصادر في حقها.
و تختص اللجنة بالنظر في كل منازعة تهم تنفيذ حكم صادر عن القضاء الإداري،فبمجرد تقديم الطلب أمامها تعمل على تحويله إلى السلطة الحكومية المختصة،حيث يقوم الوزير المعني بتهيئة ملف يتضمن جميع المعلومات للإجابة عما طلبته اللجنة من إيضاحات،و في حالة تماطل الإدارة في الرد يقوم مقرر اللجنة بربط الاتصال الهاتفي المباشر أو الانتقال إلى مقر الإدارة،بل وحتى دعوة ممثل الإدارة إلى مقر اللجنة،و قد يصل الأمر إلى الاتصال المباشر بالوزير المختص،و عند ملاحظة اللجنة أنها وصلت إلى الباب المسدود و لم تلق تجاوبا مع أعلى مستويات الإدارة،فإنها تضمن هذه الوقائع بالتقرير السنوي لتقع مراقبته من لدن الرأي العام،كما يرفع الأمر إلى رئيس الجمهورية،و لا شك أن هذا النشر يشكل أثرا رادعا للانحرافات الممكن حدوثها.
و بالرغم من العمل الإيجابي لهذه اللجنة خاصة في الرد على الطلبات المقدمة من لدن الإدارة،فإنه يعاب على مرسوم 1963 عدم تزويدها بسلاح حاسم يمكنها فرض جزاءات كفيلة بالضغط على الإدارة،حيث يبقى نشاطها محتكما إلى العلاقات التي تجمع أعضائها بالإدارات المعنية.
و مع مرور الأيام تبين أن الإقبال على هذه اللجنة جد قليل لذا تفتقت ذهنية المشرع سنة 1973 عن وسيلة أخرى سماها بالوسيط و هو شخص حصرت مهمته في أول الأمر في التدقيق في جميع الوثائق الإدارية المرتبطة بالنزاع التنفيذي و استفسار أعوان الإدارة حول ذلك النزاع مع الاستعانة،عند الاقتضاء،بالجهاز التفتيشي الإداري للقيام بكل الأبحاث التي يراها مفيدة في الموضوع[18].
و لقد شهدت اختصاصات هذه المؤسسة طفرة نوعية بعد تعديل سنة 1976،حيث أضيف إليه صلاحيات أخرى،و هي أحقية الوسيط في توجيه أوامر للإدارة المعنية بإلزامها بتنفيذ الحكم داخل أجل يحدده،فإذا امتنعت عن التنفيذ،تم تضمين ذلك في تقرير خاص ينشر بالجريدة الرسمية،وعليه فالوسيط الجمهوري على غرار باقي السلطات الإدارية المستقلة يتمتع بسلطة معنوية و أدبية تدفع بالإدارة إلى تغيير و تهذيب سلوكها[19].
المطلب الثاني: الوسائل التشريعية
يعتبر قانون 16 يوليوز 1980 مرحلة متطورة في تنفيذ أحكام القضاء من طرف الإدارة،إذ جاء ناصا في مادته الثانية على أنه في حالة عدم تنفيذ حكم قضائي صادر ضد الإدارة،فإنه يمنح بشكل تلقائي لمجلس الدولة،أو بناء على طلب لجنة التقرير و الدراسات،أن يحكم بغرامة على الشخص المعنوي العام الممتنع عن التنفيذ بقصد ضمان تنفيذ الحكم،و ذلك بعد انصرام سنة على النطق به.
و على ضوء القانون رقم 80.539 لا بد من تحقق شرطين للحكم بالغرامة التهديدية،أولهما أنه لا يحكم بها إلا في حالة تسجيل امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم القابل للتنفيذ،و من هنا فالقاضي الإداري لا يمكنه إصدار الغرامة التهديدية مع الحكم في الموضوع و هو لا يلتجئ إلى استعمال هذه السلطة إلا بعد الحكم بعد أن يثبت له امتناع الإدارة عن التنفيذ،و تفسير ذلك أن المشرع أراد منح فرصة للإدارة قبل استخدام هذا الإجراء الإلزامي ضدها،و ثانيهما عدم إمكانية الحكم بالغرامة إلا من طرف مجلس الدولة فقط و لم يخول القانون سلطة توقيعها لجهة قضائية أخرى.
و بالنظر إلى إمكانية الحكم بمبلغ مرتفع،مع ما ينطوي ذلك من إثراء بدون سبب،قرر قانون 16 يوليوز1980 كحل وسط في هذا الميدان من خلال الفصل 5 منه أن لمجلس الدولة أن يقرر أن جزءا من الغرامة يعطى للمحكوم له و يمنح الباقي لصندوق الهيئات المحلية[20].
و في وقت لاحق،جعل المشرع الفرنسي من نسخة الحكم الممهورة بالصيغية التنفيذية سندا كافيا وحده في التنفيذ دون حاجة إلى أمر بالصرف[21]،حيث يكفي أن يقوم المستفيد من الحكم من الإدلاء بنسخة تنفيذية من الحكم لدى المحاسب حتى يحصل على القيمة المحكوم بها لصالحه ضد الإدارة،و لعل هذا النص المتطور يعد ذروة ما أبدعته الأنظمة القانونية في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية،و هو ما دفع وزير العدل الفرنسي إلى القول أثناء تقديم هذا القانون أمام البرلمان :(...أنه نص هام و نموذجي و ذا قيمة رمزية لا يمكن جحودها،هذه الرمزية المتمثلة في دولة تجبر نفسها على احترام القرارات القضائية الإدارية... ).
بعد طرح هذه الجوانب من المفارقات في المادة الإدارية من التشريع المغربي و المتعلقة بتنفيذ الأحكام،يتعين علينا أن نطرح في ختام هذه الدراسة السؤال التالي: هل الحاجة تدعو الآن إلى وضع قانون خاص بالمسطرة أمام المحاكم الإدارية مستقل عن قانون المسطرة المدنية؟
لا غرو أن إعادة قراءة العلاقة الجامعة بين قانون المسطرة المدنية و قانون المحاكم الإدارية بعد مرور 15 سنة من التعايش الحذر،تقتضي إنجاز مسح شامل للإشكاليات التي تنجم عن هذه الرابطة،و ذلك اعتبارا لانتفاء بنية نسقية جامعة لمختلف النصوص المنظمة للإجراءات المسطرية الخاصة بالمنازعات الإدارية،فضلا عما أبانت عنه الممارسة من عدم استيعاب قانون المسطرة المدنية لبعض مميزات الخصومة الإدارية،بعد أن ظهر جليا نزوع الإجتهاد القضائي إلى مواجهة صعوبة تنفيذ الأحكام ضد الإدارة باستعمال وسائل التنفيذ الجبري المعمول بها ضد المنفذ عليهم في الخصومة المدنية.
في هذا الإطار يمكن اقتراح مجموعة من التدابير التي من شأنها تطعيم النظام المسطري للدعاوى الإدارية،و أول تصور إصلاحي يمكن إبداؤه هو ضرورة التنصيص التشريعي على المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ بدون سبب مشروع،و كذا عدم تعميم وسائل التنفيذ الجبري المعمول بها في القانون الخاص نظرا لمحدودية فعاليتها أو لاستحالة تطبيقها على الإدارة،فالتنفيذ ضد أموال الإدارة غالبا ما لا يأتي بنتيجة،لأن الامتناع عن التنفيذ أو التراخي فيه أو التنفيذ الناقص،كلها أفعال تصدر عن أشخاص يعود لهم أمر هذا التنفيذ و لهم ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للإدارة،و بالتالي لن يشكل الحجز على أموال الإدارة أو فرض غرامة تهديدية ضدها تهديدا صريحا و مباشرا لمصالحهم الخاصة، لذا فإنه من شأن مساءلة الموظف المكلف بالتنفيذ في ذمته المالية و كذا مساءلته جنائيا و تأديبيا بعد التأكد طبعا من عدم وجود أي صعوبات أو مشاكل خارجة عن إرادته تحول دون امتثاله لأحكام القضاء،و الضرب على أيدي المخالفين لحجية الشيء المقضي به ليكونوا بالتالي عبرة لكل من تسول له نفسه الخروج عن مبدأ الشرعية و سيادة القانون.[22]
و فضلا عن الوسائل السالفة الذكر،فإنه ثمة سبل أخرى يمكن الاهتداء إليها من قبيل إحداث لجنة لدى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تسهر على تنفيذ الأحكام الإدارية،كما يرى البعض أنه من الأفضل خلق مؤسسة قاضي التنفيذ لكل محكمة إدارية توكل إليه مهمة الرقابة و الإشراف على مختلف إجراءات التنفيذ و مراقبة القائمين به و البت في منازعاته،في نفس الإطار يستحسن إعمال نهج اللامركزية في هذا المجال و ذلك بتفويض الإدارات المركزية لمصالحها الخارجية اختصاص تنفيذ الأحكام،كذلك إدراج بند في ميزانيات الوزارات و الجماعات بخصوص تنفيذ الأحكام[23].
و في هذا السياق كذلك،ينتظر أن تشكل مؤسسة ديوان المظالم وسيلة مهمة لصالح المتقاضين من خلال دعوتها الإدارة العمومية إلى تطبيق الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها،و على الرغم من كون هذه المؤسسة لا تتوفر على آليات زجرية لإجبار المخالفين و إخضاعهم للقانون،فإن دورها المعنوي سيكون حتما قوي التأثير على فعالية عمل الإدارات العمومية،لا سيما و أن والي المظالم يرفع لجلالة الملك تقريرا سنويا يتضمن حصيلة أعماله[24].
▓ منهجية العرض
مقدمة
المبحث الأول:إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب.
المطلب الأول:غياب مرجعية قانونية مؤطرة لعملية تنفيذ الأحكام الإدارية.
المطلب الثاني:دور القضاء في حل إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية.
المبحث الثاني: الوسائل البديلة المتبعة في القانون المقارن لتنفيذ الأحكام الإدارية- فرنسا نموذجا.
المطلب الأول: الوسائل المؤسساتية
المطلب الثاني: الوسائل التشريعية
خاتمة
& المراجع المعتمدة
Ouazani (ch), l’exécution des décisions du justice par les sociétés 1/ d’etat,R.M.D,numéro 4,1986.
2/ د. إبراهيم الزعيم،الإدارة و تنفيذ أحكام القضاء، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،سلسلة مواضيع الساعة، العدد الأول، مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء، 1995.
3/ ذ. مصطفى التراب، الإشكاليات التي يطرحها القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية في مجال تنفيذ الأحكام القضائية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 1، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1995.
4/ ذ.مصطفى التراب،مدى الموافقة و المفارقة بين القانون المحدث للمحاكم الإدارية و قانون المسطرة المدنية،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،سلسلة مواضيع الساعة،العدد التاسع، مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء،1996.
5/ د.أمال المشرفي،الغرامة التهديدية ضد شخص المسؤول الإداري لتنفيذ الأحكام الصادرة في حق الإدارة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،العدد 28، مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء، يوليوز- شتنبر1999.
6/ ذ. محمد قصري،الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،العدد 34، مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء، شتنبر-أكتوبر2000.
7/ ذ. سعيد أولعربي،مؤسسة الوساطة الإدارية:تجربة الوسيط الجمهوري الفرنسي- دراسة نقدية مقارنة - ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية- سلسلة مواضيع الساعة،العدد34،2002.
8/ ذ.محمد آيت المكي،تنفيذ أحكام القضاء الإداري الصادر ضد الإدارة بين تحمس المحاكم الإدارية و تردد المجلس الأعلى،المجلة المغربية للمنازعات القانونية،العدد الثاني،2004.
9/ د. بنجلون عصام،المسؤولية الشخصية للموظف عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن الإدارة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،العدد 71، مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء، نونبر- دجنبر2006.
10/ ذة. عائشة سلمان،إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،العدد 72-73، مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء، يناير-أبريل2007.
11/ د. محمد الزياتي،التطلع لإحداث مسطرة لتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة في مواجهة الإدارة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،العدد 83،نونبر-دجنبر2008.
12/ د. حسن صحيب،القضاء الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية،العدد 80،الطبعة الأولى 2008.
13/ ذ.أحمد الصايغ،إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب-دراسة تطبيقية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية- سلسلة مواضيع الساعة،العدد 62،2009.
[11] / Ouazani (ch), l’exécution des décisions du justice par les sociétés d’etat,R.M.D,numéro 4,1986,p 184.
Post a Comment