الحكم الذاتي و قضية الصحراء المغربية
مقدمة : كثيرة هي الأحداث اللتي تفرض علينا ان نعيد قراءة المحيط الجيوإستراتيجي لبعض المناطق لنفهم جدور بعض مشاكلها كما هو حادث اليوم في منطقة المغرب العربي اللتي تعرف إحتقانا سياسيا مبني على عقد تاريخية بين المغرب والجزائر ولعل مشكل الصحراء هو أكبر هده العقد اللتي يدور في فلكها المغرب والجزائر-جبهة البولساريو- خاصة المبادرة المغربية الشجاعة لمنح الأقاليم الصحراوية حكما داتيا وبالتالي فض النزاع بصفة نهائية لأنه إستنزف الملايير من الدولارات وأخر التنمية في كلا البلدين من ينظر للعلاقة بين المغرب والجزائر يدرك ان التاريخ يعلما أننا لا نتعلم منه شيئا كما قال(برنارد شو ) ,
و تجدر الإشارة هنا ان الحكم الحكم الذاتي يعكس تاريخياً جوانب متعددة لحياة بعض المجتمعات الإنسانية – القوميات و المجتمعات العرقية. ولعل هذا هو السبب الذي من أجله لا يجد مستقراً ثابتاً في نظام قانوني واحد.
ويعتبر الحكم الذاتي ذو تاريخ طويل في التفكير الإنساني والفلسفي، هذا الأمر أكسبه شيئاً من الغموض والتعقيد نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها ، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي والجانب القانوني.
والحكم الذاتي كمفهوم يصعب ضبطه نظرياً، فهو يثير الخلاف و يستعصى بشأنه الاتفاق، إذ هو غامض ومتسع، ويتضمن قدراً كبيراً من المرونة،إذ يقترب في أحيان كثيرة من الإدارة والقانون، أي يمكنه أن يكون "حكماً ذاتًيا إدارياً، وفي حالات أخرى يقترب من السياسة، وفي بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإداري القانوني والسياسي معاً
ويعتبر الحكم الذاتي ذو تاريخ طويل في التفكير الإنساني والفلسفي، هذا الأمر أكسبه شيئاً من الغموض والتعقيد نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها ، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي والجانب القانوني.
والحكم الذاتي كمفهوم يصعب ضبطه نظرياً، فهو يثير الخلاف و يستعصى بشأنه الاتفاق، إذ هو غامض ومتسع، ويتضمن قدراً كبيراً من المرونة،إذ يقترب في أحيان كثيرة من الإدارة والقانون، أي يمكنه أن يكون "حكماً ذاتًيا إدارياً، وفي حالات أخرى يقترب من السياسة، وفي بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإداري القانوني والسياسي معاً
وعلى اساس ما سبق كيف يعرف القانون الدولي الحكم الداتي ؟ الى اي مدى يتقاطع الحكم الداتي بحق الشعوب تقرير المصير ؟
سنجيب عن هده الأسئلة و اسئلة اخرى و دالك بتقسيم الموضوع ال مبحثين سنحاول فيهل معالجة هده النقط
الفصل الأول: الإطارالمفاهمي و القانوني للحكم الذاتي
الحكم الذاتي كمفهوم يصعب ضبطه نظرياً، فهو يثير الخلاف و يستعصى بشأنه الاتفاق، إذ هو غامض ومتسع، ويتضمن قدراً كبيراً من المرونة؟
المبحث الأول: في ماهية الحكم الذاتي
المطلب الأول : ماهية الحكم الذاتي في القانون الدولي العام:
يمكن القول أن الحكم الذاتي Autonomie/self- governement من وجهة نظر القانون الدولي، أن يحكم الإقليم نفسه، ويقصد به أيضًا " صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها".وقد يطلق عليه أيضاً الحكم الذاتي الدولي International autonomie وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها أو عن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم.
وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في البروز عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة اللامركزية في إدارة شؤون مستعمراتها ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية لكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي. ومن هنا كانت العلاقة بين الطرفين على أساس مبادئ القانون الدولي العام، غير أن التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم وتبنيها لنظام حماية الأقليات ونظام الانتداب Mandat جعلت مفهوم الحكم الذاتي يعرف تطوراً أساسياً، فقد تمكنت الدول الاستعمارية من إيجاد صيغة قانونية لاستمرار هيمنتها الاستعمارية وذلك عن طريق تطبيقها لنظام الحكم الذاتي في مستعمراتها.وقد أدى هذا التطور الذي شهده مفهوم الحكم الذاتي إلى خروجه من نطاقه الضيق كعلاقة داخلية إلى المجال الدولي واكتسابه بعد ذلك بعداً قانونياً دولياً. وتم التنصيص عليه بعد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة في الفصول 73 و 74 .
وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي.
غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الاستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو،أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك.
وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام ً1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتيا" non-self governing territories " وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزاً كبيراً من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين73 و76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها.
وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:
1 – ضرورة وفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديموقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.
2- سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.
3- سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم.
كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها.
إن الإعلان الخاص بالأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي اعتبر بمثابة إعلان حقوق لشعوب المستعمرات، ورغم أن هذا الإعلان لم يحدد موقفاً واضحاً وقاطعاً من المسألة الاستعمارية، ولم ينص صراحة على حق شعوب المستعمرات في الاستقلال أو الحكم الذاتي فإن إدراجه في الميثاق شكل نقطة الانطلاق الرئيسية لعمل منهجي ومنظم قامت به الدول المناهضة للاستعمار في الجمعية العامة للقضاء على الظاهرة الاستعمارية تماماً
يمكن القول أن الحكم الذاتي Autonomie/self- governement من وجهة نظر القانون الدولي، أن يحكم الإقليم نفسه، ويقصد به أيضًا " صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها".وقد يطلق عليه أيضاً الحكم الذاتي الدولي International autonomie وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها أو عن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم.
وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في البروز عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة اللامركزية في إدارة شؤون مستعمراتها ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية لكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي. ومن هنا كانت العلاقة بين الطرفين على أساس مبادئ القانون الدولي العام، غير أن التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم وتبنيها لنظام حماية الأقليات ونظام الانتداب Mandat جعلت مفهوم الحكم الذاتي يعرف تطوراً أساسياً، فقد تمكنت الدول الاستعمارية من إيجاد صيغة قانونية لاستمرار هيمنتها الاستعمارية وذلك عن طريق تطبيقها لنظام الحكم الذاتي في مستعمراتها.وقد أدى هذا التطور الذي شهده مفهوم الحكم الذاتي إلى خروجه من نطاقه الضيق كعلاقة داخلية إلى المجال الدولي واكتسابه بعد ذلك بعداً قانونياً دولياً. وتم التنصيص عليه بعد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة في الفصول 73 و 74 .
وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي.
غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الاستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو،أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك.
وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام ً1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتيا" non-self governing territories " وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزاً كبيراً من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين73 و76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها.
وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:
1 – ضرورة وفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديموقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.
2- سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.
3- سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم.
كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها.
إن الإعلان الخاص بالأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي اعتبر بمثابة إعلان حقوق لشعوب المستعمرات، ورغم أن هذا الإعلان لم يحدد موقفاً واضحاً وقاطعاً من المسألة الاستعمارية، ولم ينص صراحة على حق شعوب المستعمرات في الاستقلال أو الحكم الذاتي فإن إدراجه في الميثاق شكل نقطة الانطلاق الرئيسية لعمل منهجي ومنظم قامت به الدول المناهضة للاستعمار في الجمعية العامة للقضاء على الظاهرة الاستعمارية تماماً
المطلب الثاني : ماهية الحكم الذاتي في القانون العام الداخلي (القانون الدستوري):
قام مشرعو القانون العام الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري للحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ تقرير المصير القومي ، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساس لحل المسألة القومية ومشكلة التكامل ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والسودان والعراق.
كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات، اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقًا من هذا التصور للحكم الذاتي اتجهت هذه الحركات إلى تبني هذا النظام، دون رفع شعار المطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها.
ويمكن القول أن المقصود بالحكم الذاتي الداخلي "Autonomie Interne" هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
كما أشارت بعض المواثيق الجهوية إلى مفهوم الحكم الذاتي، فقد عرف الميثاق الأوربي الحكم الذاتي المحلي (Autonomie locale)، في مادته الثالثة بأنه "قدرة الوحدات المحلية، والإقليمية الفعلية وحقها في تنظيم وإدارة جانب كبير من الشؤون العامة تحت مسؤولياتها، ولصالح سكانها في إطار القانون" وأن هذا الحق "يمارس عن طريق مجالس، أو جمعيات، مشكلة من أعضاء منتخبين في اقتراع حر وسري، ويتميز بالمساواة، سواء أكان مباشرا أو عاما، ولهذه الجمعيات والمجالس أن تمتلك أجهزة تنفيذية مسؤولة تجاهه".
إن الهدف الأساسي من الأخذ بتطبيق الحكم الذاتي في القانون الوضعي، هو حماية قومية أو حماية جماعة عرقية معينة، تقطن في إقليم (مميز تاريخيا وجغرافيا) ضمن أقاليم الدولة التي تمتاز مجتمعاتها بالتعدد العرقي والجغرافي، وبالتالي يرتبط مفهوم الحكم الذاتي بمبدأ القوميات ارتباطاً هاماً ووثيقاً. كما أن تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي لا تأخذ شكلاً واحداً، بل إن تطبيقاته تختلف من دولة لأخرى حسب الظروف التاريخية والسياسية والقانونية.
قام مشرعو القانون العام الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري للحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ تقرير المصير القومي ، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساس لحل المسألة القومية ومشكلة التكامل ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والسودان والعراق.
كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات، اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقًا من هذا التصور للحكم الذاتي اتجهت هذه الحركات إلى تبني هذا النظام، دون رفع شعار المطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها.
ويمكن القول أن المقصود بالحكم الذاتي الداخلي "Autonomie Interne" هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
كما أشارت بعض المواثيق الجهوية إلى مفهوم الحكم الذاتي، فقد عرف الميثاق الأوربي الحكم الذاتي المحلي (Autonomie locale)، في مادته الثالثة بأنه "قدرة الوحدات المحلية، والإقليمية الفعلية وحقها في تنظيم وإدارة جانب كبير من الشؤون العامة تحت مسؤولياتها، ولصالح سكانها في إطار القانون" وأن هذا الحق "يمارس عن طريق مجالس، أو جمعيات، مشكلة من أعضاء منتخبين في اقتراع حر وسري، ويتميز بالمساواة، سواء أكان مباشرا أو عاما، ولهذه الجمعيات والمجالس أن تمتلك أجهزة تنفيذية مسؤولة تجاهه".
إن الهدف الأساسي من الأخذ بتطبيق الحكم الذاتي في القانون الوضعي، هو حماية قومية أو حماية جماعة عرقية معينة، تقطن في إقليم (مميز تاريخيا وجغرافيا) ضمن أقاليم الدولة التي تمتاز مجتمعاتها بالتعدد العرقي والجغرافي، وبالتالي يرتبط مفهوم الحكم الذاتي بمبدأ القوميات ارتباطاً هاماً ووثيقاً. كما أن تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي لا تأخذ شكلاً واحداً، بل إن تطبيقاته تختلف من دولة لأخرى حسب الظروف التاريخية والسياسية والقانونية.
المبحث الثاني:تقاطع الحكم الداتي بحق الشعوب في تقرير المصير
المطلب الأول : مبدأ حق تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة
ان ميثاق الامم المتحدة نص وفي فقرات متعددة حق الشعوب في تقرير مصيرها إما صراحة او ضمنا إذ ينص وبصريح العبارة في مادته الثانية والسبعون حيث يقول: يقرر اعضاء الأمم المتحدة الذين يضطلعون في الحال او في المستقبل بتبعات عن إرادة اقاليم لم تنل شعوبها قسطا كاملا من الحكم الذاتي- المبدأ القاضي بأن مصالح أهالي هذه الأقاليم لها المقام الأول ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم - الإلتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهالي هذه الأقاليم الى أقصي حد مستطاع نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق
كما اعاد في الميثاق الخاص بالتعاون الدولي الإقتصادي والإجتماعي في فصله التاسع في المادة الخامسة والخمسون بحق الشعوب في تقرير مصيرها حيث يقول:( لأجل خلق ظروف الإستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية ودية بين الأمم مبنية على إحترام مبدأ وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بأنفسها ، تعمل الأمم المتحدة بما يوضح النص في فقرات المادة (أ- ب – ج
ان المواثيق الدولية والإقليمية غالبا لاتفرق بين جوهر مبدأ تقرير المصير وبين مضمونه عند تطبيق قاعدة معينة من قواعده مما يثير جدلا حادا بين فقهاء القانون انفسهم في تفسيرها ، ولاينحصر هذا الجدل بين الفقها فحسب بل تسري الى من يتمسك حق تقرير المصير من الشعوب والأمم المضطهدة ومن يعارض هذا الحق من الدول ومن يساندها ، والحجة الفاصلة في هذا الجدل تستند غالبا من الناحية العلمية الى ماكان يقصد من وراء إدراج المبدأ في ميثاق ما من المواثيق ، وبالتالى يخضع للقوة التي تفسر هذا القصد من دول الأعضاء في الميثاق ذات المصلحة الخاصة منها بتفسير . وعلى سبيل المثال فقد ادرج مبدأ حق تقرير المصير في الميثاق الأطلنطي ، وطالبت بعض الشعوب المستعمرة في آسيا مثل (بورما) بتطبيقه عليها ، غير ان الحكومة البريطانية اعلنترسميا في التاسع من سبتمبر1941م تحفظاتها بأن المبدأ لا يمتد إلى مستعمراتها في آسيا ، ذلك لأن قصد المؤتمر الأطلنطي للدول المتحالفة من الميثاق كان بصفة رئيسية إسترجاع بلدان أوروبا سيادتها الوطنية من المانيا النازية، وكذلك أعلنت الحكومة الحبشية في بلاغ مشترك صدر في العاشر من أكتوبر 1965م عقب زيارة الرئيس الهندي(الكندور ردكرشان) جاء فيه إلى الإمبراطور (هيلاسلاسي) يؤيد مبدأ حق تقرير المصير ولكنه يدعي بأنه يجب فقط على الأقاليم المستعمرة غير المتمتعة بالحكم الذاتي وليس على أجزاء دل مستقلة ذات السيادة .
ان ميثاق الأمم المتحدة لا يذكر أيضا في تحديده تطبيق المبدأ من يطبق عليه من الأمم غير تلك الشعوب المذكورة في فصوله الحادي والثاني والثالث عشر بيد ان ورقة العمل التي نوقشت اثناء وضع الميثاق لاشك بأن القصد من وراء تطبيق المبدأ كان على الشعوب التابعة للحكم الأجنبي ، ويؤيد معني القصد الضمني ذلك التطبيق العملي عندما اسست لجنة خاصة بتصفية الإستعمار التابعة للأمم المتحدة التي كلفت بتحقيق وتنفيذ روح المبدأ وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تقضي الى إنهاء الإستعمار بجميع صوره
ويري الباحث أن الأمم المتحدة قد أخفقت بقيام مسئولياتها تجاه قضية شعب (اوغادين) العادلة رغم ما يعاني هذا الشعب من ابشع الإستعمار على وجه الأرض على يد دولة أجنبية قد إغتصبت بالقوة على هذا القطر وبإيعاز بل تسليم من قبل الدول الأوروبية وعلى رأسهم بريطانيا رأس الخذلان والشقاء على شعبنا الأبي وعلى شعوب أخري مثل فلسطين الشقيقة وكشمير من الشعوب التي اخذلتهم وهذا ما يستدعي علامة استفهام بمصداقية الدول العظمي حينما يتحدثون عن قيم وهمية كاذبة ومراعات للحقوق .
وقد كان قرار الجمعية العامة رقم 637(د- 7) المأرخ16ديسمبر 1953م الذي كان عنوانه(حق الشعوب والأمم في تقرير المصير)، إشتمل من القرارات السابقة إذ اكد على مجموعة من الأفكار اهمها :
1/ ان حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها هو شرط لابد منه بتمتعها تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان الأساسية .
2/ انه يجب على دول الأعضاء في الأمم المتحدة - إمتثالا لاحكام الميثاق- ان تحرك قيام هذا الحق في غيرها من الدول.
3/ ان للشعوب غير المتمتعة بالحكم الذاتي وللأقاليم الخاضعة للوصاية الحق في تقرير المصير وان على الدول الأعضاء من ثم ان تعترف بهذا الحق وان تعمل على دخوله حيز التنفيذ وتيسير ممارسته .
4/ انه يجب على الدول الأعضاء التي تضطلع بمسئولية إدارة الأقاليم غيرالمتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم الخاضعة للوصاية ان تتخذ خطوات عملية معينة بإنتظار إنفاذ حق تقرير المصير وإعدادا لهذا الإنفاذ
ويتساءل الباحث هل هذا الحق مسموح بجميع الشعوب التي تئن تحت وطأة إحتلال أجنبي ،أم يخص بشعوب معينة ، وإذا كانت الشعوب متساوية في الحقوق فلماذا إرتضت الشعوب والأمم المتحدة بان يكون شعب(اوغادين)تحت الإحتلال الإثيوبي اللئيم الذي يسوق لهذا الشعب العظيم صنوف العذاب وحرم حقوقه الأساسية بمافيها الحاجات الضرورية .
ثم إن الجمعية العامة اصدرت القرار838(د-19) بتاريخ 14ديسمبر 1954م الذي طلبت فيه لجنة حقوق الإنسان إتمام توصياتها الخاصة بالإحترام الدولي لحق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بما فيها التوصيات الخاصة بسيادتها الدائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية
أصبح واضحاً في الممارسة الطويلة للمجتمع الدولي، دولاً ومنظمات دولية، أن طبيعة تقرير المصير قد تطورت فأصبحت تعني أحد أهم الحقوق التي تقررها مبادئ القانون الدولي المعاصر، فهو يرتب للشعوب حقوقاً ويرتب على الدول التزامات ذات طبيعة دولية وهو حق دولي جماعي وعام في آن معاً. فهو حق دولي جماعي بمعنى أنه مقرر للشعوب دون الأفراد وهو حق دولي عام لأنه مقرر لمصلحة جميع الشعوب من دون أن يقتصر على فئة دون أخرى من شعوب العالم, فهو نظرياً، يشمل جميع الشعوب المستقلة وغير المستقلة وفقاً للمعنى السياسي القانوني لتعبير الشعب كما تحدد في ميثاق الأمم المتحدة وليس وفقاً للمعنى المرتبط بمبدأ القوميات.
ويتجلى حق تقرير المصير في مظهرين خارجي وداخلي. فهو في مظهره الخارجي يعنى بتحديد الوضع الدولي للدولة أو الشعب من حيث اكتساب الاستقلال أو المحافظة عليه (اكتسابه للشعوب المستعمرة والمحافظة عليه للشعوب المستقلة) أو من حيث اندماج الوحدة السياسية مع وحدة أو وحدات أخرى ضمن أحد أشكال الاندماج التي يعترف بها القانون الدولي وهو يعطي الوحدة السياسة الحق في أن تسلك الطريق التي تشاء في علاقاتها الخارجية من دون تدخل خارجي من قبل الشعوب أو الوحدات السياسية الأخرى إذ لها أن تنشئ أو توقف علاقاتها الدبلوماسية وأن تنضم أو أن تنسحب من المنظمات والهيئات الدولية، أما من حيث مظهره الداخلي فإن حق تقرير المصير هو حق أغلبية الشعب داخل الوحدة السياسية المقبولة وفقاً لمبادئ القانون الدولي في ممارسة السلطة (دولية أو إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي) لإقامة شكل الحكم والمؤسسات الوطنية بصورة تتلاءم ومصالح هذه الأغلبية ولا يتضمن حق تقرير المصير الداخلي حق الانفصال إذ ليس للأقليات[ر] حق تقرير مصير يمكنها من أن تحتج به للمطالبة بانفصالها عن إقليم الدولة. ذلك أن ما يرتبه القانون الدولي هو أن تصان حقوقها عن طريق التزام الأغلبية واحترام حقوق الإنسان [ر].
وترى الجماعة الدولية أن حق تقرير المصير يمارس عموماً عن طريق الوسائل الودية والديمقراطية التي يُعد الاقتراع العام أهمها ويفضل أن تتم ممارسته بإشراف الأمم المتحدة أو تحت رعايتها وعلى أساس أن لكل شخص صوتاً واحداً بغض النظر عن أصله وعرقه ودينه ولغته... إلخ. أما إذا رفضت القوى المهيمنة على السلطة داخل الوحدة السياسية التي يعيش الشعب فيها أو القوى الاستعمارية تطبيق هذا السبيل الودي وأنكرت على الشعوب حقها في تقرير مصيرها فإن لهذه الشعوب أن تمارسه بالكفاح المسلح وهو ما يسمى تقرير المصير الثوري, مثال ذلك تقرير المصير في أندونيسية في مطلع الخمسينات وفي الجزائر في منتصف الخمسينات وفي فلسطين حتى تاريخه. والكفاح الوطني المسلح ضد الاستعمار أمر أقرته الأمم المتحدة بقراراتها وإعلاناتها والمواثيق التي أقرتها وممارستها. وهو ليس إرهاباً. الإرهاب هو في التصدي للكفاح الوطني المسلح وفي العدوان والاحتلال
المطلب الثاني : تقرير المصير القومي
خلافاً لما تقدم، وعلى أثر اهتزاز النظام العالمي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أعلن الرئيس الأمريكي بوش عام 1990 عن ولادة ما أسماه النظام العالمي الجديد[ر].
بدأت بعض الشعوب التي كانت أقليات في وحدة سياسية واحدة تتحلل من تلك الوحدة وتؤلف دولاً خاصة بها. وهذا ما حصل للاتحاد السوفييتي مثلاً فقد انقسم إلى دول بعضها ضمته رابطة دول كومونولث وبعضها استقل تماماً وابتعد عن الدولة السلف في كل شيء مثل أستونية وليتوانيا ولاتيفية وسواها وكذلك ما حصل للاتحاد اليوغسلافي سابقاً إذ انقسم إلى دول: صربية والجبل الأسود (يوغسلافية) وكرواتية والبوسنة والهرسك ومقدونية وسلوفانية. وقد تم ذلك باسم حق تقرير المصير ولكن في بعض الحالات تبين أن التعاون الإثني أو الديني يحمل أقلية ما على التمرد والانفصال باسم تقرير المصير كصرب البوسنة في جمهورية البوسنة, والأكراد في العراق ... إلخ.
وهكذا عاد تقرير المصير القومي للانبعاث أو يكاد. وهو لو أطلق على غاربه سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في العلاقات الدولية, فما من دولة في عالمنا المعاصر يمكن أن تضم قومية واحدة, لذا يمر تقرير المصير وممارساته حالياً بامتحان بالغ الخطورة إذا حل الشعب بالمعنى القومي محل الشعب بالمعنى السياسي والقانوني في ممارسته.
الفصل الثاني : تطبيقات الحكم الذاتي النمودج المغربي
المبحث الأول : مقترح تنفيد الحكم الذاتي
دخلت قضية الصحراء المغربية ضمن لائحة المشاكل العويصة والمعقدة التي تواجه الأمم المتحدة، فقد عرف مخطط التسوية الأممي عدة تأجيلات فيما يخص تنظيم الاستفتاء فرضها البطء في عملية تحديد الهوية والناتج عن مجموعة من العراقيل حتى أن نسبة تحقيق خيار الأمين العام المتعلق بانسحاب البعثة الأممية تزداد يوما بعد يوم.
وقد أدرك جميع المتتبعين أن إجراء الاستفتاء لحل مشكل الصحراء الذي تجاوز ربع قرن، ويعد من النزاعات القليلة التي بقيت عالقة منذ الحرب الباردة، لم يعد فقط من الصعوبة بمكان، بل أصبح مستحيلا وهذا ما استوعبته الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.
ورغبة منه في إنهاء هذا المشكل وإيجاد حل دائم ونهائي يراعي سيادته ووحدة أراضيه وخصوصيات المنطقة وفقا لمبادىء الديموقراطية واللامركزية التي يرغب في تطويرها، أعرب المغرب عن تأييده لمشروع اتفاق الإطار بشأن وضع الصحراء المغربية الذي يتصور تفويضا للسلطة إلى سكان الإقليم، باعتباره حلا سياسيا توافقيا وعادلا لمشكل الصحراء.
وقد حدد المغرب موقفه في ضوء معنى الحل السياسي الذي يقدم دائما على أنه حل وسط يتمثل في الحكم الذاتي ضمن إطار السيادة المغربية، وبالتالي ينتر ن يسير السكان شؤونهم المحلية الخاصة مع الضمانات الكافية وبدون إخلال بالإمتيازات السيادية للمملكة المغربية وسيادتها الإقليمية.
إن الحل السياسي التوافقي العادل والنهائي لنزاع الصحراء يقوم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وأن المنتصر لا يأخذ كل شيء وأن الخاسر لا يخسر كل شيء.وأهمية هذا الحل تتجلى فيما يلي:
• أن هذا الحل يشكل إمكانية واقعية جادة لتفويض اختصاصات لكل سكان المنطقة في الإطار الضروري للسيادة والوحدة الترابية للمغرب .
• من شأن هذا الحل تجنيب تحول المنطقة إلى فضاء للتوتر وتأهيلها ليس فقط لتحقيق اندماج الإتحاد المغاربي، وإنما أيضا تمكين هذا الإتحاد من النهوض بدوره على الوجه الأكمل في محيطه المتوسطي، وعلاقاته مع دول الساحل الإفريقي لتحصين منطقة الشمال الإفريقي برمتها من مخاطر البلقنة والإرهاب الدولي.
• أن هذا الحل هو السبيل الوحيد الذي يسمح بالخروج من النفق الذي وضعته جملة من الأخطاء التاريخية التي استغلتها الجزائر لدعم النزعة الانفصالية التي تشخصت في حركة البوليساريو، كما يبدو هذا الحل هو بمثابة إنقاذ للأطراف التي خندقت نفسها في نفق لا مخرج منه سوى باللجوء إلى تطبيق حل آخر بعيد كل البعد عن الأطروحة الإنفصالية، إنه الحل الذي يصون الحقوق الثابتة ويحفظ الخصوصيات ويفتح آفاقا رحبة للبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتساكن المبني على التضامن الوطني.
إن الحكم الذاتي المتفق عليه بين الطرفان والأمم المتحدة من شأنه أن ينهي مسألة تحديد المصير ويعزز الاستقرار الإقليمي لدول المنطقة،فما هو المقصود بالحكم الذاتي؟ و ماهي أصوله النظرية؟ وهل الحكم الذاتي يبقى قاصرا على منطقة الصحراء؟ أم أن الجهوية هي السبيل الأقوم لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده؟هذه بعض الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها ضمن هذه الدراسة.
أولا: الأصول النظرية لمفهوم الحكم الذاتي:
يعتبر الحكم الذاتي ذو تاريخ طويل في الفكر الإنساني والفلسفي والقانوني، هذا الأمر أكسبه شيئا من الغموض والتعقيد نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي والجانب القانوني.
إن مفهوم الحكم الذاتي يثير الخلاف ويستعصي بشأنه الاتفاق، فهو غامض ومتشعب ويتضمن قدرا كبيرا من المرونة، تقترب أحيانا من الإدارة والقانون،أي يمكن أن يكون حكما ذاتيا إداريا باعتباره أحد أشكال اللامركزية الإدارية، ويقترب أحيانا أخرى من السياسة،وفي بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإداري والقانوني والطابع السياسي في آن واحد.
1- مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي العام:
يمكن القول أن الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام يعني"صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها، وقد يطلق عليه أيضا الحكم الذاتي الدوليInternational Autonomie وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها، أوعن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم مع الدول الأعضاء القامة بإدارة الأقاليم الخاضعة لها، فإن هناك علاقات توصف من الوجهة القانونية بأنها دولية، وتخضع لقواعد القانون الدولي العام،فهو نموذج للعلاقات الدولية.
وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في البروز عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة نظام المركزية في إدارة شؤون مستعمراتها، ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك ، بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية، ولكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي.
* الحكم الذاتي في المواثيق الدولية:
انتقل الحكم الذاتي من نطاقه الضيق باعتباره مسألة داخلية تنظم عن طريق قانون صادر من الهيئة التشريعية للدولة الاستعمارية،إلى نطاق القانون الدولي العام، فأصبح مسؤولية من مسؤوليات المجتمع الدولي، ممثلا في الدول الاستعمارية القائمة على إدارة هذه الأقاليم، وفي المنظمات الدولية(عصبة الأمم- الأمم المتحدة) التي تتلقى التقارير السنوية عن أوضاع هذه الأقاليم وراقب مدى تطورها وتقدمها نحو الإستقلال، وبهذا التطور خرج الحكم الذاتي في ظل السياسة الدولية من كونه علاقة تنشأ بين الدول المستعمرة والأقاليم المستعمرة إلى نطاق الشرعية الدولية، وترتب على ذلك اعتبار كل انتهاك للمبادىء والقواعد التي تقررت بشأن هذا المفهوم، انتهاكا للميثاق نفسه، وأي مخالفات للالتزامات المحددة التي يفرضها الميثاق على الدول الاستعمارية التي تدير الأقاليم المستعمرة مخالفة لأحكامه تستتبع تطبيق ما يرتبه من جزاءات وفق قواعد القانون الدولي العام.
هذا وقد ارتبط الحكم الذاتي في القانون الدولي العام بالعديد من المفاهيم والمبادئ السامية أبرزها حق تقرير المصير والاستقلال الوطني، غير أنه استخدم في الواقع كفكرة سياسية وصيغة للحكم لا لصالح الشعوب المستضعفة التي تقرر من أجلها الحكم الذاتي، بل استخدم كوسيلة لتحديد العلاقة بينها وبين مستعمراتها.
وقد جرى تضمين مفهوم الحكم الذاتي في ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي في 14 غشت 1941 تحت مسمىself governement ،أي الحكومة الذاتية، وأشارت إليه الوثائق الأولى للأمم المتحدة، وهو إعلان الأول من يناير1942 ،وكذلك في المسودة التي قامت بإعدادها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1943 ، والخاصة بالأقاليم غير المحكومة ذاتيا وأيضا مسودة دستور وميثاق الأمم المتحدة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في يوليوز 1943.
وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي.
غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الإستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو،أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك.
وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام 1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتياnon-self governing territories وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزا كبيرا من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين73 و76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها.
وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:1 – ضرورة وفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديموقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.2-سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.3-سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم،كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها.
إن الإعلان الخاص بالأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي اعتبر بمثابة إعلان حقوق لشعوب المستعمرات، ورغم أن هذا الإعلان لم يحدد موقفا واضحا وقاطعا من المسألة الاستعمارية، ولم ينص صراحة على حق شعوب المستعمرات في الاستقلال أو الحكم الذاتي فإن إدراجه في الميثاق شكل نقطة الانطلاق الرئيسية لعمل منهجي ومنظم قامت به الدول المناهضة للاستعمار في الجمعية العامة للقضاء على الظاهرة الاستعمارية تماما.
2- مفهوم الحكم الذاتي في القانون العام الداخلي :
قام مشرعو القانون الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري لمفهوم الحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ حق تقرير المصير القومي، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساسا لحل المسألة القومية ومشكلة عدم التكامل، ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والصين والعراق.
كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقا من هذا التصور للحكم الذاتي، اتجهت هذه المجموعات إلى تبني هذا النظام دون رفع شعار الطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل الوطني إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها.
ويقصد بالحكم الذاتي الداخلي Autonomie interne نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
إن الحكم الذاتي الداخلي هو نظام خاص تلجأ إليه السلطة السياسية في الدول التي لها مشاكل التعدد القومي والعرقي، فهو نظام لا يرتقي إلى درجة الفدرالية ولا يهبط إلى مستوى اللامركزية الإقليمية، فهو صيغة للحكم والإدارة.
ومن أهم الأسباب التي تدعو الدولة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي الداخلي، هو وجود مخاطر وتهديدات مستمرة على حدودها الدولية،إذ يساير الفقهاء نفس الاتجاه وذلك حينما يؤكدون أن أساس الفكرة التي تدفع دولة معينة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي يهف إلى درجة التوفيق بين الميول الوحدوية والتيارات الاستقلالية داخل الجماعات القومية والعرقية صاحبة الشأن.
وعلى صعيد آخر نجد الاستقلال الذاتي الثقافي، cultural autonomy والاستقلال الذاتي الديني religious autonomy وكل منهما يمثل بعدا من تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي، كما هو واضح من المعنى المباشر، فالأول ينصرف إلى تعليم اللغة الخاصة بالإقليم، وتطوير ثقافته، والثاني يكفل لجماعة معينة، في منطقة ما مباشرة حريات المعتقد والممارسة الدينية، وهكذا فهذه المفاهيم، وإن كانت مستويات في تحديد مضمونه،فهي في الوقت عينه تختلف وتفترق عنه، طبقا لطبيعة المشكلات القائمة والتي ينبغي معالجتها.
من ناحية أخرى هناك بعض المفاهيم التي تختلف كثيرا عن مفهوم الحكم الذاتي، بل إن مضامينها تتعارض معه، كمفاهيم السيادة والاستقلال وحق تقرير المصير، فمن ناحية يعتبر مفهوم الحكم الذاتي نسبيا، أي ترد عليه قيود، ويحدد له سقف قانوني وسياسي من قبل السلطة صاحبة السيادة (الدولة) عندما يتعلق الأمر بإقليم، أو منطقة تريد الحصول على إدارة شؤونها بنفسها، بينما سيادة الدولة مطلقة، ومن ناحية أخرى، فإن مفهوم الحكم الذاتي لا يشمل تلك الصلاحيات الكاملة التي يشملها مفهوما الاستقلال والسيادة، وكلاهما يرتبطان بالدولة التي تمتلك القدرة على التنظيم الذاتي كجهاز سيطرة وردع بينما لا تمتلك الوحدة الإقليمية المتمتعة بالحكم الذاتي قدرة على الاستقلال.
مشكلات الحكم الذاتي في التطبيق:
*مشكلة الشخصية الدولية:
إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية.
غير أن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و بورتوريكو وغرينلاند ، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع.فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي غرينلاند تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة غرينلاند عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتيا بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.
والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعا للقانون الدولي وإنما موضوعا للقانون الداخلي وشخصا له.
*مشكلة توزيع الصلاحيات:
تتوسط هذه المشكلة كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا، وبين السلطة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات، هي: أولا، تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية، وتتمثل عيوب هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظرا إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلا عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا،الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا،ثالثا، الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة.
* المسائل الأمنية:
تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقا لذلك فأن معظم الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك.
* السياسة الاقتصادية والمالية العامة:
تمثل وحدات الحكم الذاتي ، بدرجات متفاوتة، جزءا من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية، وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب،كذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك.
وخلاصة القول،أن الحكم الذاتي- سواء كان دوليا أو داخليا- له طبيعة خاصة من المرونة وعدم الاستقرار، فهو لا يأخذ شكلا صالحا للتطبيق في أي من الدول على اختلاف ظروفها وأوضاعها.
كما يكون للقواعد القانونية التي تنظم الحكم الذاتي دور هام في تحديد مساره، ومما يؤكد ذلك، أن مفهوم الحكم الذاتي في نطاق العلاقات الدولية والسياسة انقلب من علاقة داخلية بحثة بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها إلى علاقة دولية، فهو تحول من وسيلة استعمارية غير مرغوب فيها إلى فكرة قانونية مشروعة وجد النص عليها في العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية. وفي نطاق القانون العام الداخلي، لم يأخذ وضعا ثابتا رغم تطبيقات عديدة له.
ثانيا: الاستقلال الذاتي كحل سياسي توافقي ونهائي لنزاع الصحراء:
لقد شهدت قضية الصحراء المغربية منذ تصفية الاستعمار الاسباني، بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية بتاريخ 14 نونبر 1976 ، عدة تطورات متسارعة، كشفت عن حقيقة وجوهر النزاع وأبعاده، أصبحت معه بالفعل مستعصية الحل.
وعرفت المراحل الماضية محاولات عديدة استهدفت كلها معالجة هذه المشكلة ضمن تطور خاص ولتحقيق أهداف سياسية وإقليمية واستراتيجية متباينة، لكن الواقع الملموس قد بين فشل تلك المحاولات لسبب بسيط غير أنه وجيه من الناحية السياسية هو أن الأفق السياسي والتطور الاستراتيجي الذي تحكم في تلك المحاولات لم يأخذ بعين الاعتبار قضية الصحراء في شموليتها وفي أبعادها السياسية والانسانية والقومية ضمن نظرة للمستقبل الوحدوي لمنطقة المغرب العربي الكبير.
إن هذا الحل السياسي التوافقي يتجاوز مفهوم الغالب والمغلوب، وصيغة هذا الحل هو بقاء الصحراء تحت السيادة المغربية لكن في نطاق نوع من الاستقلال الذاتي وقائم على الوحدة الوطنية والمشروعية الدولية واحترام خصوصيات المنطقة وفي إطار جهوية موسعة.
لكن في حالة تذليل كافة الصعاب ودخول هذا الاتفاق إلى حيز التطبيق هل يعني ذلك أن مقتضياته المتعلقة بالاستقلال الذاتي ستبقى مقتصرة على هذه الجهة التي ستشكل نظاما خاصا بالمقارنة مع باقي الجهات، أم أن الأمر يستدعي تعميق الجهوية وتعميمها بنفس الكيفية، الأمر الذي يتطلب مراجعة دستورية خاصة فيما يتعلق باختصاصات الجهات؟
إن الديبلوماسية المغربية أمام خيارين:
1- تمتيع منطقة النزاع بنظام خاص:
إن الحل السياسي لقضية الصحراء لا يمكن أن يكون إلا نهائيا ولهذا السبب لا تستطيع المملكة المغربية أن توافق على فترة انتقالية يطبعها عدم اليقين بشأن الوضع النهائي للإقليم.
إن هذا الحكم الذاتي النهائي يتمثل في إقامة جهوية خاصة بالمنطقة المتنازع حولها، كاستثناء على المجال الترابي الوطني، كما هو الحال بالنسبة إلى إسبانيا، حيث نجد هناك ما يسمى بـ" المجموعات المستقلة" التي تتمتع باختصاصات تشريعية وتنفيذية في الميادين المحددة دستوريا.
ومن هذا المنطلق يستدعي تطبيق هذا الخيار إجراء تعديل دستوري يمنح الجهة موضوع الخلاف حكما ذاتيا خاصا بها، بمعنى أن المناطق الصحراوية ستتمتع باستقلال ذاتي، يفوق نظام اللامركزية المعمول بها حاليا والتي تتوفر فيها الجهة على مواردها التي تمكنها من ممارسة اختصاصاتها المحددة من قبل السلطة المركزية.
وتبعا لذلك فإن تطبيق الحكم الذاتي على جهة الصحراء يقتضي منح سكان الأقاليم الصحراوية صلاحيات واختصاصات واسعة في الميادين التشريعية والتنفيذية والقضائية لتدبير شؤونهم المحلية آخذا بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة طبعا في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة واحترام مبادئ الديموقراطية واللامركزية.
إن هذا الحل لا يمكن أن يكون إلا في إطار بناء الديموقراطية بالمغرب وبناء الجهة وفتح المجال لأبناء الأقاليم الصحراوية للمبادرة الحرة والمشاركة في استغلال خيرات جهتهم اقتصاديا واجتماعيا و خدماتيا، وكذلك على مستوى المؤسسات المنتخبة، وكذا تضامن المجمع المدني بهدف إدماج المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبوثيرة موازنة.
إن الاستقلال الذاتي يجب أن يشكل وضعا نهائيا وليس حلقة تؤدي إلى انفصال هذا الإقليم، داخل هذا الإطار يبقى المغرب منفتحا على كافة المقترحات التي تستلهم التجارب المتنوعة الممارسة في العالم، وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجيوسياسية للمنطقة.
نخلص إلى القول بأن تمتيع منطقة الصحراء بنظام خاص، إذا كان سيؤدي إلى إنهاء النزاع لكنه قد سيشكل قاعدة دستورية بمكن أن توظف لتأسيس خطاب احتجاجي على الدولة والمطالبة بوضع قانوني من ذات القبيل خصوصا في المناطق الأمازيغية التي تشكو تاريخيا من اللاتنمية الاقتصادية والاجتماعية ووجود سوابق تاريخية تصعب من التقارب بين المركز والمحيط، كما أن هذا السيناريو يفترض نظاما أساسيا ووضعا مستقلا داخل الوثيقة الدستورية وفلسفة جديدة للصك الدستوري المغربي، فلا يمكن والحالة هذه أن يتعايش داخل النص الدستوري منطقين متباينين يتأسسان على التعددية والاجتماعية، فالنص الدستوري المغربي قد اشتغل وفق ثابت الاجماعية، وانغلاق النسق الدستوري بالرغم من الترميمات المتتالية وظيفتي الضبط والتنظيم مما يجعل من الفكرة السياسية لدستور 1996، تظهر كعائق أمام انفتاح الدولة على البنيات تحت دولية.
2- الانتقال إلى دولة الجهات (الدولة الجهوية):
على إثر التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديموقراطية، هل يمكن تأسيس رابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن القول بأن الديموقراطية المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟
إن مسألة الاستقلال الذاتي والجهوية هي فكرة سبق لأحد برلمانيي الحزب الشعبي الإسباني السيد Javier Ruperz أن دافع عنها، لنقول إن أمكن أن قضية الصحراء مثلث أو حلت محل المشروع المجتمعي الذي كان الدولة المغربية في حاجة ماسة إليه لتعبئة الشعب المغربي من أجل تجديد الشرعية والحماسة الوطنية وربطها بنوع من الانفراج السياسي لضمان حد أدنى من السلم والاستقرار السياسي والاجتماعي لا سيما إذا تم مزج تطور المسألة الديموقراطية الراهنة بتطور قضية الصحراء، وتلاقحهما، وانفتاح النظام السياسي عن طريق تحديث بنياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن م المرور إلى الدولة الجهوية، ومن المؤكد أن السمو بالديموقراطية المحلية وباللامركزية نحو الرقي، سيساعد المغرب على مواجهة الطوفان العولمة والمحافظة على هويتنا وعلى وحدتنا الترابية.
وإذا كان الأمل هو أن تطبع جهات المغرب كلها بطابع خصوصيتها دون أن يمس ذلك بالالتحام والوحدة، والبداية بالأقاليم الصحراوية، وجعل منها جهة وإعطائها الأولوية على أخواتها بالمغرب وستتلوها جهات أخرى، فأن ذلك يدل على أن ربط الصحراء بالجهوية مسألة أخذ حيزا هاما في الفكر الحسني، وذلك لترابطها بمسألة السيادة، والوحدة الوطنية، وأضحى لذلك أحد أبعاد النظام الجهوي هو حل القضية الوطنية في إطار توسيع اللامركزية، بتمكين السكان المحليين من بناء جهتهم والمشاركة في القرارات السياسية على الصعيد المحلي والوطني.
إن الحكم الذاتي تحت السيادة الكاملة والوحدة الترابية للمغرب وفي إطار جهوي موسع جعل مسألة الجهوية مطلبا وطنيا استعجاليا، بهدف إعطاء الجهات هامشا أوسع في التسيير الذاتي والتخلص من المركزية الضيقة.
إن الانتقال إلى دولة الجهات يعني إقامة مجموعة من الجهات تتمتع باستقلالية عن المركز في بعض المجالات المحددة، أو تلك المفوضة لها من قبل السلطة المركزية، وفي هذه الحالة يستدعي الأمر إجراء تعديل دستوري للارتقاء بنظام الجهة في مستوى متقدم من اللامركزية في إطار الدولة الموحدة، بمعنى الانتقال من الجهوية الإدارية المعمول بها في المغرب إلى الجهوية السياسية المحددة دستوريا.
إن تطبيق الدولة الجهوية يستدعي إعادة النظر في وظيفة المؤسسات المحلية وأساس تشكيل المؤسسات الوطنية التي ستصبح ذات أساس ترابي جهوي إضافة إلى ضرورة رسم حدود للاختصاص بين المستويين وطبيعة نازلات المركز والجانب الموكول له مهام الدفاع والخارجية، إنه منطق ينظر إلى الصحراء باعتبارها وحدة رابية منزوع عنها طابع الخصوصية قياسا إلى الوحدات الجهوية الأخرى.
إن خيار الجهوية ليس خيارا تقنيا ولا تعديلا بإمكانه أن يمس مستوى محدودا داخل البنية الدستورية، بل يمتد ليشمل رأس التنظيم السياسي، سؤال فصل السلط، أساس التمثيل السياسي وشكل الدولة، وهي أبعاد لا يمكن لتعديل دستوري محدود أن يجيب عنها. إن القدرة الاحتوائية لسياسة التعديل الدستوري لسنوات 92-95-96 لا يمكن أن يعاد إنتاجها، فالأمر هنا لا يتعلق بالبحث عن التوافق مع أحزاب المعارضة، ولا إلى امتصاص الحركات الاحتجاجية الحقوقية.
وإذا كان هناك تخوف من إقرار جهوية سياسية يمكن أن تتسبب في ظهور نزعات انفصالية داخل البلاد، فإن هذا التخوف لا مبررله، مادامت الجهات مرتبطة بملك البلاد، وكما قال الملك الراحل الحسن الثاني:"يمكن أن نسير في اللامركزية إلى أبعد الحدود ما دمنا ممسكين برابطة البيعة." وكان رحمه الله يمنى أن يترك لخلفه مغربا مبنيا على شاكلة المقاطعات الألمانية المسماة " اللاندر".
• بعض التجارب الدولية في مجال الاستقلال الذاتي:
أ?- النموذج الإيطالي:
ترتكز إيطاليا حاليا من حيث التنظيم المحلي على ثلاث مستويات، الجماعات، ثم الأقاليم، ثم الجهات، مع فارق على مستوى القوة،إذ الإقليم يظل ضعيفا في مواجهة قوة الجهة والجماعات المحلية.
فالدستور الإيطالي لسنة 1948 أتى موفقا بين اتجاهين: تجاه يدعو إلى استقلال ذاتي واسع والآخر يطالب باستقلال ضيق وعلى هذا الأساس جاءت المادة الخامسة من الدستور لتعلن مبدأ وحدة الجمهورية وعدم تجزئتها من جهة، وتشجيعها للاستقلال الذاتي واللامركزية من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه أن نظام المناطق السياسية في إيطاليا ليس صورة من صور اللامركزية الإدارية فالوحدات المحلية اللامركزية في نظام اللامركزية، وإن كانت تمتع بالاستقلال في إدارة شؤونها الذاتية ضمن نطاقها المحلي في حدود الصلاحيات المحددة لها في القانون، إلا أن طبيعة هذه الصلاحيات وطريقة صلاحياتها في الشؤون الإدارية تتجاوز صلاحيات نظام المناطق الإداري لتتناول سلطة التشريع أي سلطة إصدار قواعد قانونية تتعلق بالإقليم الذي تقوم فيه، وهذه السلطة هي التي تعطي الاستقلال الذي تمتع به المناطق ذات الطابع السياسي وهي التي تميزها من حيث الجوهر عن الوحدات اللامركزية في الدولة الموحدة، وتجعلها قريبة في وضعها القانوني من الدولة الاتحادية.
و لكن هل يعني ذلك أن نظام المناطق في إيطاليا يحقق اللامركزية السياسية أو شكلا من أشكال الفيدرالية؟
إذا عدنا لنصوص الدستور وجدنا أن المادة الخامسة منه تنص على ما يلي:
"الجمهورية واحدة لا تتجزأ، تعترف وتشجع الاستقلال الذاتي المحلي، وحق بالنسبة للمصالح التابعة للدولة أوسع مدى من اللامركزية الإدارية وتكييف مبادىء ومناهج تشريعاتها مع ضرورات الاستقلال الذاتي واللامركزي."
فالدولة الإيطالية هي إذن بنص الدستور دولة بسيطة وموحدة وليست مركبة أو فيدرالية، وقد أرسى الدستور قواعد الدولة التنظيمية على نوعين من الوحدات، وحدات ذات نظام عادي تتمتع باللامركزية الإدارية، ووحدات ذات نظام خاص تتمتع بالاستقلال الذاتي. والوحدات الأولى لا تثير أي إشكال قانوني، فهي وحدات إدارية لا مركزية ضمن تنظيم إداري لا مركزي تقليدي.أما الثانية، فلم يعطها الدستور أي وصف قانوني، وهي ليست أكثر من وحدات محلية تمتع بنوع من الحكم الذاتي حسب نص الدستور. وفي ضوء ذلك يمكن القول، اعتمادا على نص الدستور، أن هذه الوحدات وإن كانت وحدات لا مركزية، فإنها تتجاوز نطاق اللامركزية الإدارية، ولكنها لا تصل إلى حد اللامركزية السياسية، ولا تعرض قانون ووحدة الدولة للتجزئة، ولا تغير من شكل الدولة البسيط، وكل ما في الأمر أنها وحدات أوجدها الدستور بأنظمة قانونية خاصة لتميزها عن سائر أقاليم الدولة ومراعاة لأوضاعها وظروفها الخاصة.
ب?- النموذج الإسباني:"المجموعات المستقلة":
يصف الفقه الإسباني الدولة الإسبانية بأنها دولة المجموعات المستقلة، فإسبانيا من الدول الديموقراطية التي تأخذ بالنظام الملكي، تعرف نمطا فريدا في ميدان التنظيم الجهوي، وسبب ذلك طغيان النزعة الانفصالية على بعض الجهات وكذلك التفاوت الصارخ بين الجهات الشمالية والجنوبية خاصة المناطق الأندلسية منها.
يستعمل النظام السياسي الإداري الإسباني تقنيتين مختلفتين لإدارة عجلة الحكم والإدارة، فمن جهة، هناك ميكانزمات اللامركزية التي تأخذ بها الدول الفيدرالية ، ومن جهة ثانية، هناك ميكانزمات الجهوية، وهذا ما جعل البعض يصف النظام الإسباني في منتصف الطريق بين الجهوية والفيدرالية.
ورغم اختلاف المحللين والسياسيين في تحديد نوعية النموذج الجهوي الإسباني، فإن دستور 1978 استطاع أن يجعل من إسبانيا دولة المجموعات المستقلة فعلا، وذلك بتقليصه لنظام المركزية الشديدة وبالتالي إحداث 17 مركزا جديدا للسلطة وللإدارة والتسيير، لقد راعى الدستور بذلك وحدة الدولة من جهة والفروقات القومية وضرورة منح الأقليات بعضا من الاستقلال الذاتي.
وتجدر الإشارة إلى أن قيام المجموعات المستقلة بإسبانيا يعتبر حقا دستوريا في مادته الثانية، حيث يعرف المشرع ويضمن الحق في الاستقلال الذاتي بالنسبة للقوميات والجهات التي تتكون منها الدولة الإسبانية، مع السهر على رعاية التضامن والتساند فيما بينها، وذلك بعد أن تأكد بوضوح أن وحدة الأمة الإسبانية لا تقبل أية تجزئة في وطن يشترك لكل الإسبان.
إن المجموعة المستقلة وهي جماعة إقليمية في مستوى إقليمي في إسبانيا، أنشأها الدستور الإسباني بكيفيات وصف أحيانا بتعبير" استقلالية حسب الطلب" لا يحدد الدستور مسبقا هوية المجموعات ولا عددها، وقد تمت متابعة مسار إنشاء المجموعات المستقلة لسنوات عديدة حتى عام 1983.كان مجمل الإقليم الإسباني في ذلك التاريخ منقسما إلى 17 مجموعة مستقلة. وإلى جانب مجموعات تاريخية في أقاليم ذات هوية ثقافية شديدة( بلاد الباسك، كاتالونيا، غاليس) أنشئت مجموعة أخرى بناء على مبادرة الحكومة المركزية وٌليم بعض المجموعات المستقلة، مقاطعة واحدة(مورسيا، كانتابريا) وأخرى تضم مقاطعات عديدة (الأندلس وكاستيليو مثلا).
إن نظام المجموعات المستقلة تتميز من الناحية القانونية ومن ناحية الشكل بوضع خاص، فهو يختلف عن أنظمة الحكم المحلي في سائر البلاد التي تأخذ بهذه الأنظمة من حيث أنه لا ينص على المبادئ والقواعد التي ترعي أحكامه، وبالتالي فهو لا يصدر بقانون دستوري كما هو الشأن في دساتير الدول الفيدرالية.
والمجموعات المستقلة هي التي تضع النظام ويكتفي البرلمان بالتصديق عليه، وهو لايصدر بقانون عادي لأن البرلمان المركزي( الكورتيس) لا يضع نظام المنطقة(الجماعة) دون موافقتها.
وقد أناط الدستور الإسباني المجموعات المستقلة بمجالس محلية تولى مباشرة الاختصاصات التي تعود إليها، ومن أهم هذه الأجهزة نذكر: البرلمان الجهوي، الحكومة الجهوية، رئيس الحكومة الجهوية، مجلس أعلى للقضاء الجهوي.
وبالرجوع إلى بنود الدستور نجد أن هناك تقسيم لهذه الاختصاصات بين الدولة والمجموعات المستقلة، وذلك وفق المادة 148 التي خصصت للمجموعات المستقلة، والمادة 149 التي خصصت لاختصاصات الدولة.
إن الأوطونوميا في إسبانيا لم تكن حاجة ديموقراطية بقدر ماكان وسيلة لإقامة توازنات وتوافقات سياسية، إن الإنتقال الديموقراطي في إسبانيا حقق جل أهدافه، إذ حسم علاقة الدولة بالكنيسة والجيش، إلا أن هذا الانتقال لن يكتمل إلا بإصلاح دستوري يعمل على حل مسألة الجهوية عبر مراجعة دستور 1978 .
وقد أدرك جميع المتتبعين أن إجراء الاستفتاء لحل مشكل الصحراء الذي تجاوز ربع قرن، ويعد من النزاعات القليلة التي بقيت عالقة منذ الحرب الباردة، لم يعد فقط من الصعوبة بمكان، بل أصبح مستحيلا وهذا ما استوعبته الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.
ورغبة منه في إنهاء هذا المشكل وإيجاد حل دائم ونهائي يراعي سيادته ووحدة أراضيه وخصوصيات المنطقة وفقا لمبادىء الديموقراطية واللامركزية التي يرغب في تطويرها، أعرب المغرب عن تأييده لمشروع اتفاق الإطار بشأن وضع الصحراء المغربية الذي يتصور تفويضا للسلطة إلى سكان الإقليم، باعتباره حلا سياسيا توافقيا وعادلا لمشكل الصحراء.
وقد حدد المغرب موقفه في ضوء معنى الحل السياسي الذي يقدم دائما على أنه حل وسط يتمثل في الحكم الذاتي ضمن إطار السيادة المغربية، وبالتالي ينتر ن يسير السكان شؤونهم المحلية الخاصة مع الضمانات الكافية وبدون إخلال بالإمتيازات السيادية للمملكة المغربية وسيادتها الإقليمية.
إن الحل السياسي التوافقي العادل والنهائي لنزاع الصحراء يقوم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وأن المنتصر لا يأخذ كل شيء وأن الخاسر لا يخسر كل شيء.وأهمية هذا الحل تتجلى فيما يلي:
• أن هذا الحل يشكل إمكانية واقعية جادة لتفويض اختصاصات لكل سكان المنطقة في الإطار الضروري للسيادة والوحدة الترابية للمغرب .
• من شأن هذا الحل تجنيب تحول المنطقة إلى فضاء للتوتر وتأهيلها ليس فقط لتحقيق اندماج الإتحاد المغاربي، وإنما أيضا تمكين هذا الإتحاد من النهوض بدوره على الوجه الأكمل في محيطه المتوسطي، وعلاقاته مع دول الساحل الإفريقي لتحصين منطقة الشمال الإفريقي برمتها من مخاطر البلقنة والإرهاب الدولي.
• أن هذا الحل هو السبيل الوحيد الذي يسمح بالخروج من النفق الذي وضعته جملة من الأخطاء التاريخية التي استغلتها الجزائر لدعم النزعة الانفصالية التي تشخصت في حركة البوليساريو، كما يبدو هذا الحل هو بمثابة إنقاذ للأطراف التي خندقت نفسها في نفق لا مخرج منه سوى باللجوء إلى تطبيق حل آخر بعيد كل البعد عن الأطروحة الإنفصالية، إنه الحل الذي يصون الحقوق الثابتة ويحفظ الخصوصيات ويفتح آفاقا رحبة للبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتساكن المبني على التضامن الوطني.
إن الحكم الذاتي المتفق عليه بين الطرفان والأمم المتحدة من شأنه أن ينهي مسألة تحديد المصير ويعزز الاستقرار الإقليمي لدول المنطقة،فما هو المقصود بالحكم الذاتي؟ و ماهي أصوله النظرية؟ وهل الحكم الذاتي يبقى قاصرا على منطقة الصحراء؟ أم أن الجهوية هي السبيل الأقوم لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده؟هذه بعض الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها ضمن هذه الدراسة.
أولا: الأصول النظرية لمفهوم الحكم الذاتي:
يعتبر الحكم الذاتي ذو تاريخ طويل في الفكر الإنساني والفلسفي والقانوني، هذا الأمر أكسبه شيئا من الغموض والتعقيد نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي والجانب القانوني.
إن مفهوم الحكم الذاتي يثير الخلاف ويستعصي بشأنه الاتفاق، فهو غامض ومتشعب ويتضمن قدرا كبيرا من المرونة، تقترب أحيانا من الإدارة والقانون،أي يمكن أن يكون حكما ذاتيا إداريا باعتباره أحد أشكال اللامركزية الإدارية، ويقترب أحيانا أخرى من السياسة،وفي بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإداري والقانوني والطابع السياسي في آن واحد.
1- مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي العام:
يمكن القول أن الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام يعني"صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها، وقد يطلق عليه أيضا الحكم الذاتي الدوليInternational Autonomie وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها، أوعن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم مع الدول الأعضاء القامة بإدارة الأقاليم الخاضعة لها، فإن هناك علاقات توصف من الوجهة القانونية بأنها دولية، وتخضع لقواعد القانون الدولي العام،فهو نموذج للعلاقات الدولية.
وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في البروز عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة نظام المركزية في إدارة شؤون مستعمراتها، ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك ، بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية، ولكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي.
* الحكم الذاتي في المواثيق الدولية:
انتقل الحكم الذاتي من نطاقه الضيق باعتباره مسألة داخلية تنظم عن طريق قانون صادر من الهيئة التشريعية للدولة الاستعمارية،إلى نطاق القانون الدولي العام، فأصبح مسؤولية من مسؤوليات المجتمع الدولي، ممثلا في الدول الاستعمارية القائمة على إدارة هذه الأقاليم، وفي المنظمات الدولية(عصبة الأمم- الأمم المتحدة) التي تتلقى التقارير السنوية عن أوضاع هذه الأقاليم وراقب مدى تطورها وتقدمها نحو الإستقلال، وبهذا التطور خرج الحكم الذاتي في ظل السياسة الدولية من كونه علاقة تنشأ بين الدول المستعمرة والأقاليم المستعمرة إلى نطاق الشرعية الدولية، وترتب على ذلك اعتبار كل انتهاك للمبادىء والقواعد التي تقررت بشأن هذا المفهوم، انتهاكا للميثاق نفسه، وأي مخالفات للالتزامات المحددة التي يفرضها الميثاق على الدول الاستعمارية التي تدير الأقاليم المستعمرة مخالفة لأحكامه تستتبع تطبيق ما يرتبه من جزاءات وفق قواعد القانون الدولي العام.
هذا وقد ارتبط الحكم الذاتي في القانون الدولي العام بالعديد من المفاهيم والمبادئ السامية أبرزها حق تقرير المصير والاستقلال الوطني، غير أنه استخدم في الواقع كفكرة سياسية وصيغة للحكم لا لصالح الشعوب المستضعفة التي تقرر من أجلها الحكم الذاتي، بل استخدم كوسيلة لتحديد العلاقة بينها وبين مستعمراتها.
وقد جرى تضمين مفهوم الحكم الذاتي في ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي في 14 غشت 1941 تحت مسمىself governement ،أي الحكومة الذاتية، وأشارت إليه الوثائق الأولى للأمم المتحدة، وهو إعلان الأول من يناير1942 ،وكذلك في المسودة التي قامت بإعدادها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1943 ، والخاصة بالأقاليم غير المحكومة ذاتيا وأيضا مسودة دستور وميثاق الأمم المتحدة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في يوليوز 1943.
وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي.
غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الإستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو،أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك.
وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام 1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتياnon-self governing territories وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزا كبيرا من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين73 و76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها.
وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:1 – ضرورة وفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديموقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.2-سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.3-سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم،كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها.
إن الإعلان الخاص بالأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي اعتبر بمثابة إعلان حقوق لشعوب المستعمرات، ورغم أن هذا الإعلان لم يحدد موقفا واضحا وقاطعا من المسألة الاستعمارية، ولم ينص صراحة على حق شعوب المستعمرات في الاستقلال أو الحكم الذاتي فإن إدراجه في الميثاق شكل نقطة الانطلاق الرئيسية لعمل منهجي ومنظم قامت به الدول المناهضة للاستعمار في الجمعية العامة للقضاء على الظاهرة الاستعمارية تماما.
2- مفهوم الحكم الذاتي في القانون العام الداخلي :
قام مشرعو القانون الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري لمفهوم الحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ حق تقرير المصير القومي، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساسا لحل المسألة القومية ومشكلة عدم التكامل، ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والصين والعراق.
كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقا من هذا التصور للحكم الذاتي، اتجهت هذه المجموعات إلى تبني هذا النظام دون رفع شعار الطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل الوطني إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها.
ويقصد بالحكم الذاتي الداخلي Autonomie interne نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
إن الحكم الذاتي الداخلي هو نظام خاص تلجأ إليه السلطة السياسية في الدول التي لها مشاكل التعدد القومي والعرقي، فهو نظام لا يرتقي إلى درجة الفدرالية ولا يهبط إلى مستوى اللامركزية الإقليمية، فهو صيغة للحكم والإدارة.
ومن أهم الأسباب التي تدعو الدولة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي الداخلي، هو وجود مخاطر وتهديدات مستمرة على حدودها الدولية،إذ يساير الفقهاء نفس الاتجاه وذلك حينما يؤكدون أن أساس الفكرة التي تدفع دولة معينة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي يهف إلى درجة التوفيق بين الميول الوحدوية والتيارات الاستقلالية داخل الجماعات القومية والعرقية صاحبة الشأن.
وعلى صعيد آخر نجد الاستقلال الذاتي الثقافي، cultural autonomy والاستقلال الذاتي الديني religious autonomy وكل منهما يمثل بعدا من تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي، كما هو واضح من المعنى المباشر، فالأول ينصرف إلى تعليم اللغة الخاصة بالإقليم، وتطوير ثقافته، والثاني يكفل لجماعة معينة، في منطقة ما مباشرة حريات المعتقد والممارسة الدينية، وهكذا فهذه المفاهيم، وإن كانت مستويات في تحديد مضمونه،فهي في الوقت عينه تختلف وتفترق عنه، طبقا لطبيعة المشكلات القائمة والتي ينبغي معالجتها.
من ناحية أخرى هناك بعض المفاهيم التي تختلف كثيرا عن مفهوم الحكم الذاتي، بل إن مضامينها تتعارض معه، كمفاهيم السيادة والاستقلال وحق تقرير المصير، فمن ناحية يعتبر مفهوم الحكم الذاتي نسبيا، أي ترد عليه قيود، ويحدد له سقف قانوني وسياسي من قبل السلطة صاحبة السيادة (الدولة) عندما يتعلق الأمر بإقليم، أو منطقة تريد الحصول على إدارة شؤونها بنفسها، بينما سيادة الدولة مطلقة، ومن ناحية أخرى، فإن مفهوم الحكم الذاتي لا يشمل تلك الصلاحيات الكاملة التي يشملها مفهوما الاستقلال والسيادة، وكلاهما يرتبطان بالدولة التي تمتلك القدرة على التنظيم الذاتي كجهاز سيطرة وردع بينما لا تمتلك الوحدة الإقليمية المتمتعة بالحكم الذاتي قدرة على الاستقلال.
مشكلات الحكم الذاتي في التطبيق:
*مشكلة الشخصية الدولية:
إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية.
غير أن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و بورتوريكو وغرينلاند ، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع.فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي غرينلاند تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة غرينلاند عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتيا بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.
والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعا للقانون الدولي وإنما موضوعا للقانون الداخلي وشخصا له.
*مشكلة توزيع الصلاحيات:
تتوسط هذه المشكلة كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا، وبين السلطة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات، هي: أولا، تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية، وتتمثل عيوب هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظرا إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلا عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا،الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا،ثالثا، الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة.
* المسائل الأمنية:
تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقا لذلك فأن معظم الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك.
* السياسة الاقتصادية والمالية العامة:
تمثل وحدات الحكم الذاتي ، بدرجات متفاوتة، جزءا من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية، وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب،كذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك.
وخلاصة القول،أن الحكم الذاتي- سواء كان دوليا أو داخليا- له طبيعة خاصة من المرونة وعدم الاستقرار، فهو لا يأخذ شكلا صالحا للتطبيق في أي من الدول على اختلاف ظروفها وأوضاعها.
كما يكون للقواعد القانونية التي تنظم الحكم الذاتي دور هام في تحديد مساره، ومما يؤكد ذلك، أن مفهوم الحكم الذاتي في نطاق العلاقات الدولية والسياسة انقلب من علاقة داخلية بحثة بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها إلى علاقة دولية، فهو تحول من وسيلة استعمارية غير مرغوب فيها إلى فكرة قانونية مشروعة وجد النص عليها في العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية. وفي نطاق القانون العام الداخلي، لم يأخذ وضعا ثابتا رغم تطبيقات عديدة له.
ثانيا: الاستقلال الذاتي كحل سياسي توافقي ونهائي لنزاع الصحراء:
لقد شهدت قضية الصحراء المغربية منذ تصفية الاستعمار الاسباني، بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية بتاريخ 14 نونبر 1976 ، عدة تطورات متسارعة، كشفت عن حقيقة وجوهر النزاع وأبعاده، أصبحت معه بالفعل مستعصية الحل.
وعرفت المراحل الماضية محاولات عديدة استهدفت كلها معالجة هذه المشكلة ضمن تطور خاص ولتحقيق أهداف سياسية وإقليمية واستراتيجية متباينة، لكن الواقع الملموس قد بين فشل تلك المحاولات لسبب بسيط غير أنه وجيه من الناحية السياسية هو أن الأفق السياسي والتطور الاستراتيجي الذي تحكم في تلك المحاولات لم يأخذ بعين الاعتبار قضية الصحراء في شموليتها وفي أبعادها السياسية والانسانية والقومية ضمن نظرة للمستقبل الوحدوي لمنطقة المغرب العربي الكبير.
إن هذا الحل السياسي التوافقي يتجاوز مفهوم الغالب والمغلوب، وصيغة هذا الحل هو بقاء الصحراء تحت السيادة المغربية لكن في نطاق نوع من الاستقلال الذاتي وقائم على الوحدة الوطنية والمشروعية الدولية واحترام خصوصيات المنطقة وفي إطار جهوية موسعة.
لكن في حالة تذليل كافة الصعاب ودخول هذا الاتفاق إلى حيز التطبيق هل يعني ذلك أن مقتضياته المتعلقة بالاستقلال الذاتي ستبقى مقتصرة على هذه الجهة التي ستشكل نظاما خاصا بالمقارنة مع باقي الجهات، أم أن الأمر يستدعي تعميق الجهوية وتعميمها بنفس الكيفية، الأمر الذي يتطلب مراجعة دستورية خاصة فيما يتعلق باختصاصات الجهات؟
إن الديبلوماسية المغربية أمام خيارين:
1- تمتيع منطقة النزاع بنظام خاص:
إن الحل السياسي لقضية الصحراء لا يمكن أن يكون إلا نهائيا ولهذا السبب لا تستطيع المملكة المغربية أن توافق على فترة انتقالية يطبعها عدم اليقين بشأن الوضع النهائي للإقليم.
إن هذا الحكم الذاتي النهائي يتمثل في إقامة جهوية خاصة بالمنطقة المتنازع حولها، كاستثناء على المجال الترابي الوطني، كما هو الحال بالنسبة إلى إسبانيا، حيث نجد هناك ما يسمى بـ" المجموعات المستقلة" التي تتمتع باختصاصات تشريعية وتنفيذية في الميادين المحددة دستوريا.
ومن هذا المنطلق يستدعي تطبيق هذا الخيار إجراء تعديل دستوري يمنح الجهة موضوع الخلاف حكما ذاتيا خاصا بها، بمعنى أن المناطق الصحراوية ستتمتع باستقلال ذاتي، يفوق نظام اللامركزية المعمول بها حاليا والتي تتوفر فيها الجهة على مواردها التي تمكنها من ممارسة اختصاصاتها المحددة من قبل السلطة المركزية.
وتبعا لذلك فإن تطبيق الحكم الذاتي على جهة الصحراء يقتضي منح سكان الأقاليم الصحراوية صلاحيات واختصاصات واسعة في الميادين التشريعية والتنفيذية والقضائية لتدبير شؤونهم المحلية آخذا بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة طبعا في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة واحترام مبادئ الديموقراطية واللامركزية.
إن هذا الحل لا يمكن أن يكون إلا في إطار بناء الديموقراطية بالمغرب وبناء الجهة وفتح المجال لأبناء الأقاليم الصحراوية للمبادرة الحرة والمشاركة في استغلال خيرات جهتهم اقتصاديا واجتماعيا و خدماتيا، وكذلك على مستوى المؤسسات المنتخبة، وكذا تضامن المجمع المدني بهدف إدماج المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبوثيرة موازنة.
إن الاستقلال الذاتي يجب أن يشكل وضعا نهائيا وليس حلقة تؤدي إلى انفصال هذا الإقليم، داخل هذا الإطار يبقى المغرب منفتحا على كافة المقترحات التي تستلهم التجارب المتنوعة الممارسة في العالم، وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجيوسياسية للمنطقة.
نخلص إلى القول بأن تمتيع منطقة الصحراء بنظام خاص، إذا كان سيؤدي إلى إنهاء النزاع لكنه قد سيشكل قاعدة دستورية بمكن أن توظف لتأسيس خطاب احتجاجي على الدولة والمطالبة بوضع قانوني من ذات القبيل خصوصا في المناطق الأمازيغية التي تشكو تاريخيا من اللاتنمية الاقتصادية والاجتماعية ووجود سوابق تاريخية تصعب من التقارب بين المركز والمحيط، كما أن هذا السيناريو يفترض نظاما أساسيا ووضعا مستقلا داخل الوثيقة الدستورية وفلسفة جديدة للصك الدستوري المغربي، فلا يمكن والحالة هذه أن يتعايش داخل النص الدستوري منطقين متباينين يتأسسان على التعددية والاجتماعية، فالنص الدستوري المغربي قد اشتغل وفق ثابت الاجماعية، وانغلاق النسق الدستوري بالرغم من الترميمات المتتالية وظيفتي الضبط والتنظيم مما يجعل من الفكرة السياسية لدستور 1996، تظهر كعائق أمام انفتاح الدولة على البنيات تحت دولية.
2- الانتقال إلى دولة الجهات (الدولة الجهوية):
على إثر التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديموقراطية، هل يمكن تأسيس رابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن القول بأن الديموقراطية المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟
إن مسألة الاستقلال الذاتي والجهوية هي فكرة سبق لأحد برلمانيي الحزب الشعبي الإسباني السيد Javier Ruperz أن دافع عنها، لنقول إن أمكن أن قضية الصحراء مثلث أو حلت محل المشروع المجتمعي الذي كان الدولة المغربية في حاجة ماسة إليه لتعبئة الشعب المغربي من أجل تجديد الشرعية والحماسة الوطنية وربطها بنوع من الانفراج السياسي لضمان حد أدنى من السلم والاستقرار السياسي والاجتماعي لا سيما إذا تم مزج تطور المسألة الديموقراطية الراهنة بتطور قضية الصحراء، وتلاقحهما، وانفتاح النظام السياسي عن طريق تحديث بنياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن م المرور إلى الدولة الجهوية، ومن المؤكد أن السمو بالديموقراطية المحلية وباللامركزية نحو الرقي، سيساعد المغرب على مواجهة الطوفان العولمة والمحافظة على هويتنا وعلى وحدتنا الترابية.
وإذا كان الأمل هو أن تطبع جهات المغرب كلها بطابع خصوصيتها دون أن يمس ذلك بالالتحام والوحدة، والبداية بالأقاليم الصحراوية، وجعل منها جهة وإعطائها الأولوية على أخواتها بالمغرب وستتلوها جهات أخرى، فأن ذلك يدل على أن ربط الصحراء بالجهوية مسألة أخذ حيزا هاما في الفكر الحسني، وذلك لترابطها بمسألة السيادة، والوحدة الوطنية، وأضحى لذلك أحد أبعاد النظام الجهوي هو حل القضية الوطنية في إطار توسيع اللامركزية، بتمكين السكان المحليين من بناء جهتهم والمشاركة في القرارات السياسية على الصعيد المحلي والوطني.
إن الحكم الذاتي تحت السيادة الكاملة والوحدة الترابية للمغرب وفي إطار جهوي موسع جعل مسألة الجهوية مطلبا وطنيا استعجاليا، بهدف إعطاء الجهات هامشا أوسع في التسيير الذاتي والتخلص من المركزية الضيقة.
إن الانتقال إلى دولة الجهات يعني إقامة مجموعة من الجهات تتمتع باستقلالية عن المركز في بعض المجالات المحددة، أو تلك المفوضة لها من قبل السلطة المركزية، وفي هذه الحالة يستدعي الأمر إجراء تعديل دستوري للارتقاء بنظام الجهة في مستوى متقدم من اللامركزية في إطار الدولة الموحدة، بمعنى الانتقال من الجهوية الإدارية المعمول بها في المغرب إلى الجهوية السياسية المحددة دستوريا.
إن تطبيق الدولة الجهوية يستدعي إعادة النظر في وظيفة المؤسسات المحلية وأساس تشكيل المؤسسات الوطنية التي ستصبح ذات أساس ترابي جهوي إضافة إلى ضرورة رسم حدود للاختصاص بين المستويين وطبيعة نازلات المركز والجانب الموكول له مهام الدفاع والخارجية، إنه منطق ينظر إلى الصحراء باعتبارها وحدة رابية منزوع عنها طابع الخصوصية قياسا إلى الوحدات الجهوية الأخرى.
إن خيار الجهوية ليس خيارا تقنيا ولا تعديلا بإمكانه أن يمس مستوى محدودا داخل البنية الدستورية، بل يمتد ليشمل رأس التنظيم السياسي، سؤال فصل السلط، أساس التمثيل السياسي وشكل الدولة، وهي أبعاد لا يمكن لتعديل دستوري محدود أن يجيب عنها. إن القدرة الاحتوائية لسياسة التعديل الدستوري لسنوات 92-95-96 لا يمكن أن يعاد إنتاجها، فالأمر هنا لا يتعلق بالبحث عن التوافق مع أحزاب المعارضة، ولا إلى امتصاص الحركات الاحتجاجية الحقوقية.
وإذا كان هناك تخوف من إقرار جهوية سياسية يمكن أن تتسبب في ظهور نزعات انفصالية داخل البلاد، فإن هذا التخوف لا مبررله، مادامت الجهات مرتبطة بملك البلاد، وكما قال الملك الراحل الحسن الثاني:"يمكن أن نسير في اللامركزية إلى أبعد الحدود ما دمنا ممسكين برابطة البيعة." وكان رحمه الله يمنى أن يترك لخلفه مغربا مبنيا على شاكلة المقاطعات الألمانية المسماة " اللاندر".
• بعض التجارب الدولية في مجال الاستقلال الذاتي:
أ?- النموذج الإيطالي:
ترتكز إيطاليا حاليا من حيث التنظيم المحلي على ثلاث مستويات، الجماعات، ثم الأقاليم، ثم الجهات، مع فارق على مستوى القوة،إذ الإقليم يظل ضعيفا في مواجهة قوة الجهة والجماعات المحلية.
فالدستور الإيطالي لسنة 1948 أتى موفقا بين اتجاهين: تجاه يدعو إلى استقلال ذاتي واسع والآخر يطالب باستقلال ضيق وعلى هذا الأساس جاءت المادة الخامسة من الدستور لتعلن مبدأ وحدة الجمهورية وعدم تجزئتها من جهة، وتشجيعها للاستقلال الذاتي واللامركزية من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه أن نظام المناطق السياسية في إيطاليا ليس صورة من صور اللامركزية الإدارية فالوحدات المحلية اللامركزية في نظام اللامركزية، وإن كانت تمتع بالاستقلال في إدارة شؤونها الذاتية ضمن نطاقها المحلي في حدود الصلاحيات المحددة لها في القانون، إلا أن طبيعة هذه الصلاحيات وطريقة صلاحياتها في الشؤون الإدارية تتجاوز صلاحيات نظام المناطق الإداري لتتناول سلطة التشريع أي سلطة إصدار قواعد قانونية تتعلق بالإقليم الذي تقوم فيه، وهذه السلطة هي التي تعطي الاستقلال الذي تمتع به المناطق ذات الطابع السياسي وهي التي تميزها من حيث الجوهر عن الوحدات اللامركزية في الدولة الموحدة، وتجعلها قريبة في وضعها القانوني من الدولة الاتحادية.
و لكن هل يعني ذلك أن نظام المناطق في إيطاليا يحقق اللامركزية السياسية أو شكلا من أشكال الفيدرالية؟
إذا عدنا لنصوص الدستور وجدنا أن المادة الخامسة منه تنص على ما يلي:
"الجمهورية واحدة لا تتجزأ، تعترف وتشجع الاستقلال الذاتي المحلي، وحق بالنسبة للمصالح التابعة للدولة أوسع مدى من اللامركزية الإدارية وتكييف مبادىء ومناهج تشريعاتها مع ضرورات الاستقلال الذاتي واللامركزي."
فالدولة الإيطالية هي إذن بنص الدستور دولة بسيطة وموحدة وليست مركبة أو فيدرالية، وقد أرسى الدستور قواعد الدولة التنظيمية على نوعين من الوحدات، وحدات ذات نظام عادي تتمتع باللامركزية الإدارية، ووحدات ذات نظام خاص تتمتع بالاستقلال الذاتي. والوحدات الأولى لا تثير أي إشكال قانوني، فهي وحدات إدارية لا مركزية ضمن تنظيم إداري لا مركزي تقليدي.أما الثانية، فلم يعطها الدستور أي وصف قانوني، وهي ليست أكثر من وحدات محلية تمتع بنوع من الحكم الذاتي حسب نص الدستور. وفي ضوء ذلك يمكن القول، اعتمادا على نص الدستور، أن هذه الوحدات وإن كانت وحدات لا مركزية، فإنها تتجاوز نطاق اللامركزية الإدارية، ولكنها لا تصل إلى حد اللامركزية السياسية، ولا تعرض قانون ووحدة الدولة للتجزئة، ولا تغير من شكل الدولة البسيط، وكل ما في الأمر أنها وحدات أوجدها الدستور بأنظمة قانونية خاصة لتميزها عن سائر أقاليم الدولة ومراعاة لأوضاعها وظروفها الخاصة.
ب?- النموذج الإسباني:"المجموعات المستقلة":
يصف الفقه الإسباني الدولة الإسبانية بأنها دولة المجموعات المستقلة، فإسبانيا من الدول الديموقراطية التي تأخذ بالنظام الملكي، تعرف نمطا فريدا في ميدان التنظيم الجهوي، وسبب ذلك طغيان النزعة الانفصالية على بعض الجهات وكذلك التفاوت الصارخ بين الجهات الشمالية والجنوبية خاصة المناطق الأندلسية منها.
يستعمل النظام السياسي الإداري الإسباني تقنيتين مختلفتين لإدارة عجلة الحكم والإدارة، فمن جهة، هناك ميكانزمات اللامركزية التي تأخذ بها الدول الفيدرالية ، ومن جهة ثانية، هناك ميكانزمات الجهوية، وهذا ما جعل البعض يصف النظام الإسباني في منتصف الطريق بين الجهوية والفيدرالية.
ورغم اختلاف المحللين والسياسيين في تحديد نوعية النموذج الجهوي الإسباني، فإن دستور 1978 استطاع أن يجعل من إسبانيا دولة المجموعات المستقلة فعلا، وذلك بتقليصه لنظام المركزية الشديدة وبالتالي إحداث 17 مركزا جديدا للسلطة وللإدارة والتسيير، لقد راعى الدستور بذلك وحدة الدولة من جهة والفروقات القومية وضرورة منح الأقليات بعضا من الاستقلال الذاتي.
وتجدر الإشارة إلى أن قيام المجموعات المستقلة بإسبانيا يعتبر حقا دستوريا في مادته الثانية، حيث يعرف المشرع ويضمن الحق في الاستقلال الذاتي بالنسبة للقوميات والجهات التي تتكون منها الدولة الإسبانية، مع السهر على رعاية التضامن والتساند فيما بينها، وذلك بعد أن تأكد بوضوح أن وحدة الأمة الإسبانية لا تقبل أية تجزئة في وطن يشترك لكل الإسبان.
إن المجموعة المستقلة وهي جماعة إقليمية في مستوى إقليمي في إسبانيا، أنشأها الدستور الإسباني بكيفيات وصف أحيانا بتعبير" استقلالية حسب الطلب" لا يحدد الدستور مسبقا هوية المجموعات ولا عددها، وقد تمت متابعة مسار إنشاء المجموعات المستقلة لسنوات عديدة حتى عام 1983.كان مجمل الإقليم الإسباني في ذلك التاريخ منقسما إلى 17 مجموعة مستقلة. وإلى جانب مجموعات تاريخية في أقاليم ذات هوية ثقافية شديدة( بلاد الباسك، كاتالونيا، غاليس) أنشئت مجموعة أخرى بناء على مبادرة الحكومة المركزية وٌليم بعض المجموعات المستقلة، مقاطعة واحدة(مورسيا، كانتابريا) وأخرى تضم مقاطعات عديدة (الأندلس وكاستيليو مثلا).
إن نظام المجموعات المستقلة تتميز من الناحية القانونية ومن ناحية الشكل بوضع خاص، فهو يختلف عن أنظمة الحكم المحلي في سائر البلاد التي تأخذ بهذه الأنظمة من حيث أنه لا ينص على المبادئ والقواعد التي ترعي أحكامه، وبالتالي فهو لا يصدر بقانون دستوري كما هو الشأن في دساتير الدول الفيدرالية.
والمجموعات المستقلة هي التي تضع النظام ويكتفي البرلمان بالتصديق عليه، وهو لايصدر بقانون عادي لأن البرلمان المركزي( الكورتيس) لا يضع نظام المنطقة(الجماعة) دون موافقتها.
وقد أناط الدستور الإسباني المجموعات المستقلة بمجالس محلية تولى مباشرة الاختصاصات التي تعود إليها، ومن أهم هذه الأجهزة نذكر: البرلمان الجهوي، الحكومة الجهوية، رئيس الحكومة الجهوية، مجلس أعلى للقضاء الجهوي.
وبالرجوع إلى بنود الدستور نجد أن هناك تقسيم لهذه الاختصاصات بين الدولة والمجموعات المستقلة، وذلك وفق المادة 148 التي خصصت للمجموعات المستقلة، والمادة 149 التي خصصت لاختصاصات الدولة.
إن الأوطونوميا في إسبانيا لم تكن حاجة ديموقراطية بقدر ماكان وسيلة لإقامة توازنات وتوافقات سياسية، إن الإنتقال الديموقراطي في إسبانيا حقق جل أهدافه، إذ حسم علاقة الدولة بالكنيسة والجيش، إلا أن هذا الانتقال لن يكتمل إلا بإصلاح دستوري يعمل على حل مسألة الجهوية عبر مراجعة دستور 1978 .
مشروع الحكم الذاتي للصحراء المغربية في سياقيه الوطني والدولي-ادريس الكنبوري
مشروع الحكم الذاتي للصحراء المغربية في سياقيه الوطني والدولي
13/04/2007
بمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية وإحياء المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء يكون المغرب قد انتقل من مرحلة الانتظارية إلى مرحلة المبادرة السياسية قصد إخراج النزاع المفتعل من المأزق المسدود الذي يوجد فيه بعد أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، لم تؤد إلا إلى تعطيل التنمية الداخلية وإدامة الوضع المختل على الصعيد الإقليمي بمنطقة المغرب العربي
تندرج المبادرة المغربية لعرض مشروع الحكم الذاتي على أنظار الأمم المتحدة ضمن سياقين: سياق دولي خارجي، وسياق وطني داخلي
13/04/2007
بمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية وإحياء المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء يكون المغرب قد انتقل من مرحلة الانتظارية إلى مرحلة المبادرة السياسية قصد إخراج النزاع المفتعل من المأزق المسدود الذي يوجد فيه بعد أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، لم تؤد إلا إلى تعطيل التنمية الداخلية وإدامة الوضع المختل على الصعيد الإقليمي بمنطقة المغرب العربي
تندرج المبادرة المغربية لعرض مشروع الحكم الذاتي على أنظار الأمم المتحدة ضمن سياقين: سياق دولي خارجي، وسياق وطني داخلي
السياق الدولي
منذ استقالة المبعوث الأممي في الصحراء الأمريكي جيمس بيكر في يونيو 2003 والنـزاع يراوح مكانه، بعدما فشل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في الحصول على تأييد كافة الأطراف لمخططاته المقترحة للحل والتي حملت اسمه، مما عزز لدى مختلف القوى الدولية المتدخلة في الملف -واشنطن وباريس ومدريد- قناعة بأن أي حل خارج الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية مآله الفشل. وعندما تقدمت الجزائر أمام بيكر عام 2004 بمخطط لتقسيم الأقاليم الصحراوية بات واضحا للجميع أن الأمر لا يتعلق بما يدعيه النظام الجزائري بخصوص "إنهاء الاستعمار" في المنطقة، وإنما بمصالح جزائرية واضحة، غرضها هو الحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي.
وبالرغم من تعيين خلف لبيكر، هو البيروفي ألفارو دي سوتو، فإن القضية ظلت في دائرة الجمود بسبب رفض كل من الجزائر وجبهة البوليساريو التعامل مع المبعوث الجديد الذي اشتغل في السابق مع الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار الذي أوضح في مذكراته أن نزاع الصحراء لا يمكن أن يجد حلا له خارج السيادة المغربية بالنظر إلى الجذور التاريخية للإقليم والروابط السياسية والقبلية بينه وبين المغرب. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تأكيد على القطع مع مرحلة الريع
ومما لا شك فيه أن تحولات ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا وبروز الحرب على الإرهاب الدولي في شمال إفريقيا قد أحدثت معطيات جديدة في المنطقة، وأعادت قضية الصحراء إلى الواجهة مجددا بعدما كانت قضية بعيدة وهامشية بالنسبة لدوائر القرار الأمريكية والأوروبية. فقد أصبحت إفريقيا منذ ذلك الوقت تحتل موقعا مهما في استراتيجية محاربة الإرهاب، حيث أصبحت الإدارة الأمريكية تسعى إلى إنهاء النـزاعات الإفريقية التي قد تكون بداية فتيل الإرهاب في القارة.
وبالرغم من تعيين خلف لبيكر، هو البيروفي ألفارو دي سوتو، فإن القضية ظلت في دائرة الجمود بسبب رفض كل من الجزائر وجبهة البوليساريو التعامل مع المبعوث الجديد الذي اشتغل في السابق مع الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار الذي أوضح في مذكراته أن نزاع الصحراء لا يمكن أن يجد حلا له خارج السيادة المغربية بالنظر إلى الجذور التاريخية للإقليم والروابط السياسية والقبلية بينه وبين المغرب. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تأكيد على القطع مع مرحلة الريع
ومما لا شك فيه أن تحولات ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا وبروز الحرب على الإرهاب الدولي في شمال إفريقيا قد أحدثت معطيات جديدة في المنطقة، وأعادت قضية الصحراء إلى الواجهة مجددا بعدما كانت قضية بعيدة وهامشية بالنسبة لدوائر القرار الأمريكية والأوروبية. فقد أصبحت إفريقيا منذ ذلك الوقت تحتل موقعا مهما في استراتيجية محاربة الإرهاب، حيث أصبحت الإدارة الأمريكية تسعى إلى إنهاء النـزاعات الإفريقية التي قد تكون بداية فتيل الإرهاب في القارة.
الموقف الإسباني
تزامنت هذه المرحلة مع وصول الحزب الاشتراكي إلى الحكم في إسبانيا الذي أعلن منذ البداية حرصه على نهج سياسة الحياد الإيجابي اتجاه النزاع، وهي سابقة أولى في السياسة الخارجية لإسبانيا التي تعد المحتل السابق للإقليم، والتي كانت في الماضي تؤيد أطروحات البوليساريو وتعيق أي محاولة للحل المتماشي مع حقائق التاريخ والجغرافيا، وكان من نتائج هذه السياسة الجديدة دعوة مدريد إلى عقد مؤتمر يحضره كل من المغرب والجزائر وفرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وبدون جبهة البوليساريو للاتفاق على صيغة لحل نزاع الصحراء، لكن هذا الاقتراح تم رفضه من قبل الجزائر الحريصة على إشراك البوليساريو. وكان مجرد اقتراح كهذا من جانب إسبانيا كافيا للتدليل على أن الجزائر هي الطرف الثاني في المشكلة وليس البوليساريو.وهو نفس الموقف الذي ظل المغرب يعبر عنه باستمرار.
ومن الواضح أن الانشغالات الأمنية أملت العديد من التغيرات في شكل التعاطي مع هذه القضية، ودفعت الطرف الأمريكي إلى المزيد من الانخراط في مشروع الحل، مثل الوساطة التي قام بها أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي في شهر غشت الماضي وقادت إلى إفراج البوليساريو عن آخر أسرى الحرب المغاربة، ونفس الأمر بالنسبة للموقفين الفرنسي والإسباني الذين حصل بينهما تقارب واضح لم يكن ممكنا قبل عشر سنوات على الأقل.
ومن الواضح أن الانشغالات الأمنية أملت العديد من التغيرات في شكل التعاطي مع هذه القضية، ودفعت الطرف الأمريكي إلى المزيد من الانخراط في مشروع الحل، مثل الوساطة التي قام بها أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي في شهر غشت الماضي وقادت إلى إفراج البوليساريو عن آخر أسرى الحرب المغاربة، ونفس الأمر بالنسبة للموقفين الفرنسي والإسباني الذين حصل بينهما تقارب واضح لم يكن ممكنا قبل عشر سنوات على الأقل.
المبحث الثاني: إشكاليات تنفيذ مقترح الحكم الذاتي
مشكلة الشخصية الدولية:
إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية.
غير أن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و "بورتوريكو" و"غرينلاند" ، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع.فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي "غرينلاند" تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة "غرينلاند" عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتياً بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.
والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعاً للقانون الدولي وإنما موضوعاً للقانون الداخلي وشخصًا له.
5 - استغلال الموارد الطبيعية:
تتفاوت سلطة الحكومات الذاتية على مواردها الطبيعية واستغلالها بتفاوت طبيعة ونوعية الحكم الذاتي ودرجته التي تتمتع بها ففي الحكومات الفيدرالية القوية نجد أنها تنزع إلى السيطرة على هذه الموارد واستغلالها، خصوصًا في قطاع المناجم والمعادن، وتحظى كثير من الوحدات الذاتية بالسيطرة على مواردها الطبيعية، كإريتريا و"غرينلاند" نظرا لأهمية هذه الموارد الطبيعية في هذه الأخيرة، فقد تشكل مجلس مشترك بين حكومة الإقليم والحكومة الدانمركية للإشراف على هذه الموارد واستغلالها.
إن المطالب الطائفية من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية تعتبر نقطة حرجة في الصراعات العرقية السياسية بدءا من أستراليا إلى حوض الأمازون إلى تلال "ستاجونج" (مجموعة التلال بالبنجلاديش)، مثل تلك المطالب تقاوم من قبل مسؤولي الدولة لخوفهم من وقوفها عائقا أمام التنمية الاقتصادية وهي هدف ضروري للسياسة العامة سواء في الدول الصناعية الشمالية أو الدول الجنوبية النامية.
إن الحل المناسب لتخطي تلك الفجوة هو الإدراك بأن الشعوب الطائفية تريد التنمية شرط أن يستطيعوا التحكم فيها والتمتع ببعض مزاياها. ففي الستينات بدأ "الأبورجيين" في أستراليا الاحتجاج من أجل حقوق الأرض وذلك أدى على إعادة تنظيم الحكم الذاتي لهم في أراضي شاسعة في المنطقة الشمالية وجنوب أستراليا.ورفعت القضايا وأجريت المفاوضات بخصوص التنقيب عن المعادن واستخراجها ووصلت الاتفاقيات إلى السماح لهم بالتطور والتحكم على المؤثرات البيئية والثقافية، وأعطيت امتيازات رئيسية للمناطق "الأبورجية" ومجالس الأراضي التابعة لها
وفي حالة إقليم الباسك، احتفظ الدستور الإسباني بالصلاحية المطلقة للحكومة المركزية، بحق إصدار التشريعات الأساسية الخاصة بحماية البيئة، والأخشاب، وكذلك تنظيمات البحرية والصيد، وسلطة ضبط المياه ومصادرها وتصريحات التجهيزات الكهربائية عندما تؤثر طاقتها في الأقاليم الأخرى، إضافة إلى الطاقة والمعادن، في حين أن سلطة الحكم الذاتي احتفظت بمسؤولية عن الجبال والغابات والزراعة والصيد في المياه الداخلية ومصادر المياه الداخلية وقنوات الري وإنتاج وتوزيع ونقل الطاقة الداخلية، طالما ظلت هذه المسؤولية في الحدود التي لا تمس الأقاليم الأخرى، ويحتفظ إقليم الباسك كذلك بمراقبة التخطيط المديني، والأشغال العامة، وبناء الطرق في الإقليم.
*مشكلة توزيع الصلاحيات:
تتوسط هذه المشكلة كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا، وبين السلطة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات، هي: أولاً، تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية، وتتمثل عيوب هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظراً إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلاً عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا،الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا،ثالثا، الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة.
* مشكلة الإقليم:
تتوقف إثارة مشكلة الأراضي في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي وفقا لطبيعة المشكلات المنوط به معالجتها، وكذلك طبقاً للسياق التاريخي، بجوانبه القومية والثقافية. ففي حالات عديدة لا تمثل الأراضي مشكلة محورية، إذ غالباً ما يتقرر وضع الأراضي طبقا لما كانت عليه في السابق، أي قبل قيام سلطة الحكم الذاتي (تمثل الحالة الفلسطينية استثناء من ذلك)، أي أنها تمثل جزءاً لا تجزأ من إقليم الدولة، وإذا ما أثيرت فإنها تثار تحت صيغة تحويل أو تفويض سلطة الحكم الذاتي إدارة الأراضي الداخلة في نطاق الخدمات والنشاطات التي تمارسها.
وعلاوة على ذلك، غالباً ما يتم الإشارة أو النص في تقرير صيغة الحكم الذاتي حول المساواة بين مواطني إقليم المتمتع بالحكم الذاتي والمواطنين الآخرين في الأقاليم المختلفة للدولة المعنية في تملكها وشرائها والانتقال من الإقليم وإليه من دون حواجز ثقافية أو لغوية أو عنصرية، وذلك إعمالاً للمساواة بين المواطنين التي تكفلها الدولة وتدخل ضمن صلاحياتها، وكذلك تأكيدا لسيادة الدولة على الأراضي والأقاليم كافة الخاضعة لها.
* المسائل الأمنية:
تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقا لذلك فأن معظم الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك.
* السياسة الاقتصادية والمالية العامة:
تمثل وحدات الحكم الذاتي ، بدرجات متفاوتة، جزءاً من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية، وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب،كذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك.
وخلاصة القول، أن الحكم الذاتي- سواء كان دولياً أو داخلياً- له طبيعة خاصة من المرونة وعدم الاستقرار، فهو لا يأخذ شكلا صالحا للتطبيق في أي من الدول على اختلاف ظروفها وأوضاعها.
كما يكون للقواعد القانونية التي تنظم الحكم الذاتي دور هام في تحديد مساره، ومما يؤكد ذلك، أن مفهوم الحكم الذاتي في نطاق العلاقات الدولية والسياسة انقلب من علاقة داخلية بحثة بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها إلى علاقة دولية، فهو تحول من وسيلة استعمارية غير مرغوب فيها إلى فكرة قانونية مشروعة وجد النص عليها في العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية. وفي نطاق القانون العام الداخلي، لم يأخذ وضعاً ثابًتا رغم تطبيقات عديدة له.
وارتباطاً بموضوع الصحراء المغربية، فإذا كان المغرب عازم على الدخول في مفاوضات الحكم الذاتي، فعلى وزارة الخارجية المغربية توضيح الغموض الذي يشوب هذا الموضوع وعدم ممارسة سياسة الملف المغلوق وإطلاع الرأي العام المغربي على مستجدات الموضوع الذي يهم الشعب المغربي قاطبة،وهل يتعلق الأمر بحكم ذاتي موسع لجهة الصحراء؟ أم أن الأمر يتعلق بعزم المغرب على تطبيق نوع جديد من الجهوية بديل للجهوية الكاريكاتيرية التي يعرفها المغرب حاليا.
إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية.
غير أن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و "بورتوريكو" و"غرينلاند" ، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع.فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي "غرينلاند" تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة "غرينلاند" عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتياً بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.
والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعاً للقانون الدولي وإنما موضوعاً للقانون الداخلي وشخصًا له.
5 - استغلال الموارد الطبيعية:
تتفاوت سلطة الحكومات الذاتية على مواردها الطبيعية واستغلالها بتفاوت طبيعة ونوعية الحكم الذاتي ودرجته التي تتمتع بها ففي الحكومات الفيدرالية القوية نجد أنها تنزع إلى السيطرة على هذه الموارد واستغلالها، خصوصًا في قطاع المناجم والمعادن، وتحظى كثير من الوحدات الذاتية بالسيطرة على مواردها الطبيعية، كإريتريا و"غرينلاند" نظرا لأهمية هذه الموارد الطبيعية في هذه الأخيرة، فقد تشكل مجلس مشترك بين حكومة الإقليم والحكومة الدانمركية للإشراف على هذه الموارد واستغلالها.
إن المطالب الطائفية من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية تعتبر نقطة حرجة في الصراعات العرقية السياسية بدءا من أستراليا إلى حوض الأمازون إلى تلال "ستاجونج" (مجموعة التلال بالبنجلاديش)، مثل تلك المطالب تقاوم من قبل مسؤولي الدولة لخوفهم من وقوفها عائقا أمام التنمية الاقتصادية وهي هدف ضروري للسياسة العامة سواء في الدول الصناعية الشمالية أو الدول الجنوبية النامية.
إن الحل المناسب لتخطي تلك الفجوة هو الإدراك بأن الشعوب الطائفية تريد التنمية شرط أن يستطيعوا التحكم فيها والتمتع ببعض مزاياها. ففي الستينات بدأ "الأبورجيين" في أستراليا الاحتجاج من أجل حقوق الأرض وذلك أدى على إعادة تنظيم الحكم الذاتي لهم في أراضي شاسعة في المنطقة الشمالية وجنوب أستراليا.ورفعت القضايا وأجريت المفاوضات بخصوص التنقيب عن المعادن واستخراجها ووصلت الاتفاقيات إلى السماح لهم بالتطور والتحكم على المؤثرات البيئية والثقافية، وأعطيت امتيازات رئيسية للمناطق "الأبورجية" ومجالس الأراضي التابعة لها
وفي حالة إقليم الباسك، احتفظ الدستور الإسباني بالصلاحية المطلقة للحكومة المركزية، بحق إصدار التشريعات الأساسية الخاصة بحماية البيئة، والأخشاب، وكذلك تنظيمات البحرية والصيد، وسلطة ضبط المياه ومصادرها وتصريحات التجهيزات الكهربائية عندما تؤثر طاقتها في الأقاليم الأخرى، إضافة إلى الطاقة والمعادن، في حين أن سلطة الحكم الذاتي احتفظت بمسؤولية عن الجبال والغابات والزراعة والصيد في المياه الداخلية ومصادر المياه الداخلية وقنوات الري وإنتاج وتوزيع ونقل الطاقة الداخلية، طالما ظلت هذه المسؤولية في الحدود التي لا تمس الأقاليم الأخرى، ويحتفظ إقليم الباسك كذلك بمراقبة التخطيط المديني، والأشغال العامة، وبناء الطرق في الإقليم.
*مشكلة توزيع الصلاحيات:
تتوسط هذه المشكلة كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا، وبين السلطة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات، هي: أولاً، تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية، وتتمثل عيوب هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظراً إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلاً عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا،الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا،ثالثا، الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة.
* مشكلة الإقليم:
تتوقف إثارة مشكلة الأراضي في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي وفقا لطبيعة المشكلات المنوط به معالجتها، وكذلك طبقاً للسياق التاريخي، بجوانبه القومية والثقافية. ففي حالات عديدة لا تمثل الأراضي مشكلة محورية، إذ غالباً ما يتقرر وضع الأراضي طبقا لما كانت عليه في السابق، أي قبل قيام سلطة الحكم الذاتي (تمثل الحالة الفلسطينية استثناء من ذلك)، أي أنها تمثل جزءاً لا تجزأ من إقليم الدولة، وإذا ما أثيرت فإنها تثار تحت صيغة تحويل أو تفويض سلطة الحكم الذاتي إدارة الأراضي الداخلة في نطاق الخدمات والنشاطات التي تمارسها.
وعلاوة على ذلك، غالباً ما يتم الإشارة أو النص في تقرير صيغة الحكم الذاتي حول المساواة بين مواطني إقليم المتمتع بالحكم الذاتي والمواطنين الآخرين في الأقاليم المختلفة للدولة المعنية في تملكها وشرائها والانتقال من الإقليم وإليه من دون حواجز ثقافية أو لغوية أو عنصرية، وذلك إعمالاً للمساواة بين المواطنين التي تكفلها الدولة وتدخل ضمن صلاحياتها، وكذلك تأكيدا لسيادة الدولة على الأراضي والأقاليم كافة الخاضعة لها.
* المسائل الأمنية:
تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقا لذلك فأن معظم الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك.
* السياسة الاقتصادية والمالية العامة:
تمثل وحدات الحكم الذاتي ، بدرجات متفاوتة، جزءاً من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية، وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب،كذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك.
وخلاصة القول، أن الحكم الذاتي- سواء كان دولياً أو داخلياً- له طبيعة خاصة من المرونة وعدم الاستقرار، فهو لا يأخذ شكلا صالحا للتطبيق في أي من الدول على اختلاف ظروفها وأوضاعها.
كما يكون للقواعد القانونية التي تنظم الحكم الذاتي دور هام في تحديد مساره، ومما يؤكد ذلك، أن مفهوم الحكم الذاتي في نطاق العلاقات الدولية والسياسة انقلب من علاقة داخلية بحثة بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها إلى علاقة دولية، فهو تحول من وسيلة استعمارية غير مرغوب فيها إلى فكرة قانونية مشروعة وجد النص عليها في العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية. وفي نطاق القانون العام الداخلي، لم يأخذ وضعاً ثابًتا رغم تطبيقات عديدة له.
وارتباطاً بموضوع الصحراء المغربية، فإذا كان المغرب عازم على الدخول في مفاوضات الحكم الذاتي، فعلى وزارة الخارجية المغربية توضيح الغموض الذي يشوب هذا الموضوع وعدم ممارسة سياسة الملف المغلوق وإطلاع الرأي العام المغربي على مستجدات الموضوع الذي يهم الشعب المغربي قاطبة،وهل يتعلق الأمر بحكم ذاتي موسع لجهة الصحراء؟ أم أن الأمر يتعلق بعزم المغرب على تطبيق نوع جديد من الجهوية بديل للجهوية الكاريكاتيرية التي يعرفها المغرب حاليا.
خاتمة:
خلاصة القول أن قضية الصحراء تندرج بالنسبة للشعب المغربي، في إطار استكمال وحدته الترابية والحفاظ على وحدته الوطنية، كما أن الاقتراح الشجاع والمسؤول المتعلق بالحكم الذاتي في ظل احترام السيادة الوطنية يندرج تماما ضمن مفهوم تقرير المصير، باعتباره طريقة مفضلة لممارسة ساكنة معينة لحقوقها الفردية والجماعية.
ويبقى المغرب مستعدا للتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع ممثله الخاص للتوصل إلى حل سياسي عادل ومقبول من جميع الأطراف، حل يمكن سكان المخيمات من الالتحاق بذويهم ويمكن دول المغرب العربي من تحقيق الوحدة و التضامن.
ويبقى المغرب مستعدا للتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع ممثله الخاص للتوصل إلى حل سياسي عادل ومقبول من جميع الأطراف، حل يمكن سكان المخيمات من الالتحاق بذويهم ويمكن دول المغرب العربي من تحقيق الوحدة و التضامن.
ملاحق :
المــــشروع
نص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا
الرباط 13 – 4 – 2007 سلم السفير المندوب الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة السيد المصطفى ساهل أول أمس الأربعاء بنيو يورك إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، نص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا.
وفي ما يلي نص هذه المبادرة:
ة- التـزام المغـرب بالعمـل عـلى إيجـاد حـل سيـاسي نهـائي :
1 . ما فتئ مجلس الأمن، منذ 2004 ، يدعو "الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي".
2 . وتلبية لهذا النداء الصادر عن المجموعة الدولية، انخرطت المملكة المغربية في دينامية إيجابية وبناءة، ملتزمة بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
3 . تندرج هذه المبادرة في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية و التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أنه من شأنها أن تضع حدا للمعاناة من الفراق والنفي وأن تساعد على تحقيق المصالحة.
4 . تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء.
5 . ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية للمملكة.
6 . تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك، أمير المؤمنين.
7 . ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
8 . يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدإ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
9 . ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يوجه نداء إلى باقي الأطراف لكي تغتنم هذه الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. كما يعبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقا من هذه المبادرة، وكذا عن الإسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لإنجاحها.
10 . ولهذه الغاية، تبقى المملكة مستعدة للتعاون التام مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.
ة ة- العنـاصـر الأسـاسيـة للمقتـرح المغـربي :
11 . المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا.
وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير متعارف عليها عالميا.
أ - اختصـاصـات جهـة الحكـم الـذاتـي للصحـراء :
12 . يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيآت تنفيذية وتشريعية وقضائية، ووفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولاسيما في الميادين التالية : الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة ؛ على المستوى الاقتصادي : التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة ؛ ميزانية الجهة ونظامها الجبائي ؛ البنى التحتية : الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل؛ على المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية؛ التنمية الثقافية : بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني؛ البيئة
13 . تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات. وتتكون هذه الموارد بالخصوص مما يلي: الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة ؛ العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة؛ جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة؛ الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني؛ عائدات ممتلكات الجهة.
14 . تحتفظ الدولة باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي: مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة ؛ المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية؛ الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية ؛ العلاقات الخارجية ؛ النظام القضائي للمملكة.
15 . تباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.
16 . يزاول مندوب للحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء، المنصوص عليها في الفقرة14 أعلاه.
17 . من جهة أخرى، تمارس الاختصاصات، التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين، وذلك عملا بمبدإ التفريع.
18 . تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية. وتشارك في كافة الانتخابات الوطنية.
ب - هيئـات الجهـة :
وفي ما يلي نص هذه المبادرة:
ة- التـزام المغـرب بالعمـل عـلى إيجـاد حـل سيـاسي نهـائي :
1 . ما فتئ مجلس الأمن، منذ 2004 ، يدعو "الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي".
2 . وتلبية لهذا النداء الصادر عن المجموعة الدولية، انخرطت المملكة المغربية في دينامية إيجابية وبناءة، ملتزمة بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
3 . تندرج هذه المبادرة في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية و التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أنه من شأنها أن تضع حدا للمعاناة من الفراق والنفي وأن تساعد على تحقيق المصالحة.
4 . تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء.
5 . ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية للمملكة.
6 . تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك، أمير المؤمنين.
7 . ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
8 . يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدإ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
9 . ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يوجه نداء إلى باقي الأطراف لكي تغتنم هذه الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. كما يعبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقا من هذه المبادرة، وكذا عن الإسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لإنجاحها.
10 . ولهذه الغاية، تبقى المملكة مستعدة للتعاون التام مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.
ة ة- العنـاصـر الأسـاسيـة للمقتـرح المغـربي :
11 . المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا.
وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير متعارف عليها عالميا.
أ - اختصـاصـات جهـة الحكـم الـذاتـي للصحـراء :
12 . يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيآت تنفيذية وتشريعية وقضائية، ووفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولاسيما في الميادين التالية : الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة ؛ على المستوى الاقتصادي : التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة ؛ ميزانية الجهة ونظامها الجبائي ؛ البنى التحتية : الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل؛ على المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية؛ التنمية الثقافية : بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني؛ البيئة
13 . تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات. وتتكون هذه الموارد بالخصوص مما يلي: الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة ؛ العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة؛ جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة؛ الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني؛ عائدات ممتلكات الجهة.
14 . تحتفظ الدولة باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي: مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة ؛ المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية؛ الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية ؛ العلاقات الخارجية ؛ النظام القضائي للمملكة.
15 . تباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.
16 . يزاول مندوب للحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء، المنصوص عليها في الفقرة14 أعلاه.
17 . من جهة أخرى، تمارس الاختصاصات، التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين، وذلك عملا بمبدإ التفريع.
18 . تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية. وتشارك في كافة الانتخابات الوطنية.
ب - هيئـات الجهـة :
19 . يتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة من النساء.
20 . يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك.
رئيس الحكومة هو ممثل الدولة في الجهة.
21 . يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة.
22 . يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.
23 . تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة.
24 . يجب أن تكون القوانين والمراسيم التنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة.
25 . يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا.
26 . تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية، ومن شخصيات ذات كفاءات عالية.
ةةة- مسار الموافقـة عـلى نظـام الحكـم الـذاتـي وتفعيلـه :
27 . يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقاً للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير.
28 . وتحقيقاً لهذا الغرض، تلتزم الأطراف بالعمل سويا وبحسن نية، من أجل تفعيل هذا الحل السياسي، وموافقة سكان الصحراء عليه.
29 . كما تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.
30 . تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم.
31 . ولهذه الغاية، تصدر المملكة بالخصوص عفواً شاملاً يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو.
32 . بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف، في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه، بما في ذلك العمليات الانتخابية.
33 . إن المملكة المغربية لمقتنعة اليوم، مثل سائر أعضاء المجموعة الدولية، بأن حل الخلاف حول الصحراء لن يتأتى إلا بالتفاوض. وبناء على هذا الخيار، فإن المقترح الذي تطرحه على أنظار الأمم المتحدة، يشكل فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف في إطار الشرعية الدولية، وعلى أساس إجراءات توافقية تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
34 . وفي هذا السياق، يتعهد المغرب بالتفاوض، بحسن نية وبروح بناءة، منفتحة وصادقة، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف، لتسوية هذا الخلاف، الذي تعانيه المنطقة برمتها. ومن أجل ذلك، فإن المملكة على استعداد للإسهام الفعال في توفير مناخ من الثقة، كفيل بالمساعدة على إنجاح هذا المشروع.
35 . تأمل المملكة المغربية أن تستوعب الأطراف الأخرى دلالة هذا المقترح بكل أبعاده، وأن تقدره حق قدره وتسهم فيه إسهاماً إيجابياً وبناء، معتبرة أن الدينامية التي أفرزتها هذه المبادرة تتيح فرصة تاريخية لحل هذه القضية بصفة نهائية.
20 . يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك.
رئيس الحكومة هو ممثل الدولة في الجهة.
21 . يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة.
22 . يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.
23 . تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة.
24 . يجب أن تكون القوانين والمراسيم التنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة.
25 . يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا.
26 . تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية، ومن شخصيات ذات كفاءات عالية.
ةةة- مسار الموافقـة عـلى نظـام الحكـم الـذاتـي وتفعيلـه :
27 . يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقاً للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير.
28 . وتحقيقاً لهذا الغرض، تلتزم الأطراف بالعمل سويا وبحسن نية، من أجل تفعيل هذا الحل السياسي، وموافقة سكان الصحراء عليه.
29 . كما تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.
30 . تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم.
31 . ولهذه الغاية، تصدر المملكة بالخصوص عفواً شاملاً يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو.
32 . بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف، في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه، بما في ذلك العمليات الانتخابية.
33 . إن المملكة المغربية لمقتنعة اليوم، مثل سائر أعضاء المجموعة الدولية، بأن حل الخلاف حول الصحراء لن يتأتى إلا بالتفاوض. وبناء على هذا الخيار، فإن المقترح الذي تطرحه على أنظار الأمم المتحدة، يشكل فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف في إطار الشرعية الدولية، وعلى أساس إجراءات توافقية تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
34 . وفي هذا السياق، يتعهد المغرب بالتفاوض، بحسن نية وبروح بناءة، منفتحة وصادقة، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف، لتسوية هذا الخلاف، الذي تعانيه المنطقة برمتها. ومن أجل ذلك، فإن المملكة على استعداد للإسهام الفعال في توفير مناخ من الثقة، كفيل بالمساعدة على إنجاح هذا المشروع.
35 . تأمل المملكة المغربية أن تستوعب الأطراف الأخرى دلالة هذا المقترح بكل أبعاده، وأن تقدره حق قدره وتسهم فيه إسهاماً إيجابياً وبناء، معتبرة أن الدينامية التي أفرزتها هذه المبادرة تتيح فرصة تاريخية لحل هذه القضية بصفة نهائية.
رسالة تقديم للسفير المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة
السيد المصطفى ساهل السامي
وفي ما يلي نص هذه الرسالة:
"معالي الأمين العام، كما تعلمون، لم تفتأ المملكة المغربية تعمل، بعزم وإخلاص، على إيجاد حل للخلاف المتعلق بالصحراء، لما فيه صالح جميع دول المغرب العربي، وبما يكفل الأمن والاستقرار الجهويين.
ومن هذا المنطلق، دأبت المملكة على تقديم دعم قوي وصادق، للمجهودات المبذولة من طرف الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل نهائي ومتفاوض بشأنه لهذه القضية.
وأمام استحالة تطبيق المقترحات السابقة، الهادفة إلى حل هذا الخلاف، أصبح هذا الملف في طريق مسدود، مما حدا بمجلس الأمن، منذ 2004، للدعوة إلى تجاوزه، بغية التوصل إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
واستجابة لهذا النداء، يشرفني أن أوافيكم بالوثيقة المتضمنة ل "المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء"، وذلك في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
إنها مبادرة توافقية وخلاقة، مسؤولة ومنفتحة، ستمكن، بالنظر لمضمونها وغايتها، جميع الصحراويين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة، أو الموجودون بالخارج، من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، من خلال هيئات تمثيلية، تشريعية وتنفيذية، وقضائية.
كما تتيح هذه المبادرة تجسيد مبدإ تقرير المصير، من خلال تعبير حر ديمقراطي وعصري، بشأن نظام الحكم الذاتي. وهي بذلك مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها في مجال الحكم الذاتي، فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، كما هي متعارف عليها عالميا، ويكرسها دستور المملكة.
وإن اقتناع المملكة المغربية لراسخ بأن هذا المقترح سيخلق دينامية جديدة، على مستوى المسار الأممي المتعلق بتسوية هذا الخلاف، باعتباره يشكل قاعدة للحوار والتفاوض والتوافق.
وفي هذا الصدد، تعبر المملكة المغربية عن استعدادها للانخراط، بكل عزم، في مفاوضات جدية ومعمقة مع الأطراف الأخرى، وذلك من أجل المساهمة الفعلية في إيجاد حل سياسي ونهائي، مقبول من طرف الجميع، طالما انتظره المجتمع الدولي.
وبفضل المسلسل الديمقراطي والاستشارات الداخلية واسعة النطاق، التي تم إغناؤها بمشاورات على الصعيد الدولي، يكون المغرب قد لبى النداء الصادر عن المجموعة الدولية، من خلال القبول بالانخراط في مفاوضات معمقة ودقيقة بخصوص مختلف جوانب هذه المبادرة.
وتأمل المملكة المغربية أن تجد لدى الأطراف الأخرى، نفس الإرادة السياسية، للعمل بحسن نية، للتوصل إلى الحل النهائي المنشود لهذا الخلاف، والذي من شأنه إشاعة السلم والأمن في محيط جيو-استراتيجي محفوف بالمخاطر والتهديدات، وتوفير الظروف المواتية، انسجاما مع تطلعات الشعوب المغاربية، لانبثاق اتحاد مغرب عربي مستقر، متضامن، مزدهر وديمقراطي، باعتباره شريكا فاعلا في تعزيز التضامن الإفريقي، ومحاورا ذا مصداقية بالنسبة لمختلف شركاء المنطقة.
وإذ أوافيكم بالوثيقة المتضمنة لهذه المبادرة، أود أن أجدد لمعاليكم تشبث المملكة المغربية بالمثل النبيلة التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة. وإن الشعب المغربي، بكل مكوناته ومشاربه، ليعقد آمالا كبيرة على ما تبذلونه ومبعوثكم الشخصي من مجهودات،قصد إقناع الأطراف الأخرى باغتنام إمكانية السلم التي تتيحها هذه المبادرة، والآفاق الواعدة التي تفتحها، من أجل مستقبل أفضل، يوفر الاستقرار والأمن والديمقراطية والازدهار للمنطقة برمتها.
وإني لأرجو من معاليكم التفضل بتوزيع هذه الرسالة، وكذا الوثيقة المرفقة بها، بإلحاقهما بتقريركم المقبل لمجلس الأمن.
وتقبلوا، معالي الأمين العام، فائق عبارات تقديري".تعالى وبركاته ".
ومن هذا المنطلق، دأبت المملكة على تقديم دعم قوي وصادق، للمجهودات المبذولة من طرف الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل نهائي ومتفاوض بشأنه لهذه القضية.
وأمام استحالة تطبيق المقترحات السابقة، الهادفة إلى حل هذا الخلاف، أصبح هذا الملف في طريق مسدود، مما حدا بمجلس الأمن، منذ 2004، للدعوة إلى تجاوزه، بغية التوصل إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
واستجابة لهذا النداء، يشرفني أن أوافيكم بالوثيقة المتضمنة ل "المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء"، وذلك في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
إنها مبادرة توافقية وخلاقة، مسؤولة ومنفتحة، ستمكن، بالنظر لمضمونها وغايتها، جميع الصحراويين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة، أو الموجودون بالخارج، من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، من خلال هيئات تمثيلية، تشريعية وتنفيذية، وقضائية.
كما تتيح هذه المبادرة تجسيد مبدإ تقرير المصير، من خلال تعبير حر ديمقراطي وعصري، بشأن نظام الحكم الذاتي. وهي بذلك مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها في مجال الحكم الذاتي، فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، كما هي متعارف عليها عالميا، ويكرسها دستور المملكة.
وإن اقتناع المملكة المغربية لراسخ بأن هذا المقترح سيخلق دينامية جديدة، على مستوى المسار الأممي المتعلق بتسوية هذا الخلاف، باعتباره يشكل قاعدة للحوار والتفاوض والتوافق.
وفي هذا الصدد، تعبر المملكة المغربية عن استعدادها للانخراط، بكل عزم، في مفاوضات جدية ومعمقة مع الأطراف الأخرى، وذلك من أجل المساهمة الفعلية في إيجاد حل سياسي ونهائي، مقبول من طرف الجميع، طالما انتظره المجتمع الدولي.
وبفضل المسلسل الديمقراطي والاستشارات الداخلية واسعة النطاق، التي تم إغناؤها بمشاورات على الصعيد الدولي، يكون المغرب قد لبى النداء الصادر عن المجموعة الدولية، من خلال القبول بالانخراط في مفاوضات معمقة ودقيقة بخصوص مختلف جوانب هذه المبادرة.
وتأمل المملكة المغربية أن تجد لدى الأطراف الأخرى، نفس الإرادة السياسية، للعمل بحسن نية، للتوصل إلى الحل النهائي المنشود لهذا الخلاف، والذي من شأنه إشاعة السلم والأمن في محيط جيو-استراتيجي محفوف بالمخاطر والتهديدات، وتوفير الظروف المواتية، انسجاما مع تطلعات الشعوب المغاربية، لانبثاق اتحاد مغرب عربي مستقر، متضامن، مزدهر وديمقراطي، باعتباره شريكا فاعلا في تعزيز التضامن الإفريقي، ومحاورا ذا مصداقية بالنسبة لمختلف شركاء المنطقة.
وإذ أوافيكم بالوثيقة المتضمنة لهذه المبادرة، أود أن أجدد لمعاليكم تشبث المملكة المغربية بالمثل النبيلة التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة. وإن الشعب المغربي، بكل مكوناته ومشاربه، ليعقد آمالا كبيرة على ما تبذلونه ومبعوثكم الشخصي من مجهودات،قصد إقناع الأطراف الأخرى باغتنام إمكانية السلم التي تتيحها هذه المبادرة، والآفاق الواعدة التي تفتحها، من أجل مستقبل أفضل، يوفر الاستقرار والأمن والديمقراطية والازدهار للمنطقة برمتها.
وإني لأرجو من معاليكم التفضل بتوزيع هذه الرسالة، وكذا الوثيقة المرفقة بها، بإلحاقهما بتقريركم المقبل لمجلس الأمن.
وتقبلوا، معالي الأمين العام، فائق عبارات تقديري".تعالى وبركاته ".
المراجع :
ـ عمر إسماعيل سعد الله، تقرير المصير السياسي للشعوب في القانون الدولي العام المعاصر (الجزائر المؤسسة الوطنية للكتاب, 1986).
ـ عمر إسماعيل سعد الله، تقرير المصير الاقتصادي للشعوب في القانون الدولي العام المعاصر (الجزائر المؤسسة الوطنية للكتاب, 1986).
Post a Comment