Header Ads

طبيعة القانون الإداري

دأب فقهاء القانون ومنذ زمن بعيد الى تقسيم القانون الى قسمين كبيرين : القانون الخارجي والقانون الداخلي . الأول : يهتم بالعلاقات القائمة بين الدول بعضها والبعض الآخر ومثاله .. القانون الدولي العام . أما القسم الثاني : فيتعلق بمجموعة القوانين المتعلقة بداخل كل دولة على حدة منها .. القانون المدني ، القانون الجزائي ، القانون التجاري ، قانون الأحوال الشخصية والقوانين الاجرائية . وينقسم القانون الداخلي بدوره الى فرعين رئيسيين .. القانون العام والقانون الخاص .. أما العام فيقوم على وجود ا لدولة طرفًا فيها باعتبارها صاحبة السلطة العامة مثال ذلك القانون الدستوري ، القانون الاداري ، القانون المالي وقانون العقوبات … واذا انتقلنا لفرع القانون الخاص فانه ينظم العلاقة بين الأشخاص الطبيعين أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة أو حتى بين أي من هذه الأشخاص و الدولة بشرط أن لاتكون طرفًا ذات سيادة وسلطان بل باعتبارها شخصًا عاديًا .
نستطيع أن نخلص من ذلك الى القول بأن القانون العام يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة ( أو الادارة ) طرفًا فيها باعتبارها صاحبة السلطة العامة في الدو لة ، في حين يقصد بقواعد القانون الخاص مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي بين الأشخاص القانونية الخاصة أو الدولة ( الادارة ) اذا كانت تتصرف كشخص عادي وليس باعتبارها صاحبة سيادة وسلطان . من هذا التقسيم يتبين لنا أن القانون الاداري ما هو الا فر ع من فروع القانون العام الداخلي اذ أن قواعده ما قامت أساسًا الا من أجل تنظيم أجهزة الدولة الادارية وتحديد نشاطها ومجالات عملها وطرق الرقابة عليها . وللقانون الاداري خصائص معينة جعلته مختلفًا عن تقسيمات القانون الأخرى كما أنها استقت أحكامها ومبادئها العامة من مصادر قد تختلف قلي ً لا عن المصادر التقليدية للقانون ويقودنا هذا للبدء بتعريف القانون الاداري والانتقال للتعرف على نشأة هذا القانون ومصادره لنصل في النهاية لتحديد خصائص هذا النوع من القانون . أولاً : تعريف القانون الإداري : يمكن تعريف القانون الاداري بأنه " ذلك الفرع من القانون العام الذي يتصل بالادارة من حيث تنظيمها وبيان أجهزتها المختلفة وكيفية تشكيلها ومن حيث نشاطها وما تمارسها من أعمال ووسائلها في ممارسة أنشطتها المختلفة ومن هذا التعريف يتضح جليًا مدى ارتباط واتصال القانون الاداري بالادارة العامة تنظيمًا لها وتحديدًا لنشاطها وما يترتب على هذا النشاط من مسئولية وكذلك يهتم هذا القانون بالوسائل المتاحة لمراقبة هذا النشاط تحقيقاً للصالح العام وهو المقصود النهائي من قيام الدولة باداراتها المختلفة . ولكن قبل أن نحدد نطاق القانون الاداري ونبين على و جه التحديد اطار تطبيقه لابد لنا من تبيان المقصود بالادارة العامة . ما هو المقصود بالادارة العامة ؟ يمكن تعريف الادارة العامة : بأنها مجموعة من الأجهزة والهيئات التي توصف بالصفة الادارية وتباشر الأنشطة المتعلقة بالوظيفة العامة للدولة سواء كانت أجهزة مرك ز ية كالوزارات أو ولائية كالولايات أو مصلحية كالهيئات العامة ولاشك ان مثل هذا التعريف سيقودنا بطبيعة الحال الى تعريف الوظيفة العامة باعتبارها محل النشاط الاداري بأنه " الاصطلاح الذي يعبر عن المركز القانوني الذي يضم الأشخاص القائمين بالعمل العام ونستطيع الآن أن نتصور الادارة العامة بأنها مجموعة من الأشخاص والأموال تكون فيما بينها هيئات ادارية قانونية تقوم من أجل تحقيق المصلحة العامة وللادارة العامة بهذا المفهوم معنيان متباينان : المعنى الأول : معنى عضوي وتعتبر بموجبه الادارة مجموعة من المؤسسات التابعة للدولة والتي تقوم بتحقيق تدخل الدولة الحديثة في حياة الأفراد تحقيقاً لمصالحهم واشباعًا لحاجاتهم . المعني الثاني : معنى موضوعي وتعد الادارة العامة وفقًا لهذا المعنى مجموعة الأنشطة التي تمارسها مؤسسات الدولة من أجل تحقيق مصالح الجمهور واشباع حاجاتهم الأساسية . ان تطبيق القانون الاداري على الادارة العامة بمعنييها السابقين يقودنا الى التقرير بأن القانون الاداري هو قانون الهيئات التي تقوم بأعمال الادارة العامة أو السلطة العامة كما أن فحواه هو القانون الذي يحكم الوظيفة الادارية بالمعنى المادي أي الذي يحكم التصرفات والأنشطة التي تتميز بطبيعة ادارية ، هذا النسق في التعريف يقودنا الى ضرورة بحث مدلولات القانون الاداري وهي عند الفقه نوعان أو مدلولان : المدلول الواسع والمدلول الضيق للقانون الاداري : -1 المدلول الواسع للقانون الاداري : ويعني أن القانون الاداري موجود أينما وجدت الجماعة الانسانية المنظمة فاذا كان القانون الاداري هو الذي يبين تشكيل أجهزة الدولة الادارية ويحدد القواعد التي تنظمها وتلك التي توضح علاقاتها بالأفراد فان ذلك يتطلب وجوده في كل جماعة سياسية منظمة أيًا كان شكل الدولة السياسي وسواء كانت هذه الجماعة تعتنق نظام القضاء الموحد أو القضاء المزدوج . ويتفق هذا المنظور مع أ ح كام القانون الدستوري تلك الأحكام التي تشير الى عناصر وجود الدولة القانونية من ضرورة اتفاق مجموعة من الناس على العيش معًا في قطعة محددة من الأرض على أن تكون هناك حكومة ترعى مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلى هذا فان عدم وجود السلطة الادارية ( الحكومة ) تنفي عن الجماعة صفة الدولة ووجودها يتطلب وجود القانون الذي ينظم هذه السلطة ويحدد اختصاصاتها وطرق الرقابة عليها ومن ثم كان لابد من جود القانون الاداري بمفهومه الواسع في كل جماعة منظمة أي في الدولة القانونية مهما كان شكلها ونوع الحكم فيها ولو كنا أما م نظام لاتتمتع فيه الادارة بقواعد عامة تنظمها وتحكم نشاطها وانما تخضع لذات القواعد التي تخضع لها الأفراد في تعاملهم وبهذا المفهوم يكون القانون الاداري موجودًا في النظم الانجلوسكسونية والنظم الاتينية على حد سواء . -2 المدلول الضيق للقانون الاداري : عندما نتبين أن القواعد القانونية التي تحكم النشاط الاداري تختلف عن تلك التي تتصدى للنشاط الخاص نجد أنفسنا أمام ما يسمى بالمدلول الضيق للقانون الاداري حيث يعرف هذا القانون بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم النشاط الاداري في الدولة وتختلف بطبيعتها عن قواعد الشريعة العامة التي تحكم النشاط الخاص ويقتضي هذا وجود قضاء اداري مستقل للفصل في المنازعات الناشئة من هذا النشاط وبهذا المفهوم فان القانون الاداري بمعناه الضيق لا يفترض وجوده الا في ظل الدول التي فيها نصوص خاصة للقانون الاداري وقضاء اداري متخصص لنظر القضايا الادارية مثل فرنسا ومصر ، أي الدول التي تعمل بالنظام القانوني اللاتيني الأصل . وحيث تعتبر فرنسا بحق الموطن الأصلي للقانون الاداري فانه لابد أن نتناول نشأة القانون الاداري في فرنسا . ثانياً : نشأة القانون الإداري لقد نشأت أحكام القانون الادا ر ي واستقرت في فرنسا ثم انتقلت منها الى غيرها من الدول ولذلك فانه ليس من المستغرب أن تبدأ الدراسات التي تتناول نشأة القانون الاداري من أصولها الفرنسية مما يجعل من المناسب ومن الملازم أن نبدأ بالقاء نظرة سريعة حول ميلاد القانون الاداري هناك . نشأة القانون الاداري الفرنسي : يعتبر القانون الاداري بكل المقاييس قانونًا حديث النشأة اذا ما قورن بفروع القانون الأخرى كالقانون المدني على سبيل المثال والذي يرجع وجوده الى وجود الامبراطورية الرومانية ، أما القانون الاداري فلم يظهر الى حيز الوجود الا في القرن الثامن عشر والفكرة نفسها التي بنيت عليها قواعد القانون الاداري هي نفسها فكرة حديثة ارتبطت باستقلال الادارة بقواعد تميزها عن قواعد القانون الخاص وهي فكرة لم تظهر الا في وقت متأخر بعد أن اتسعت الادارة وتعددت مناشطها وتنوعت اختصاصاتها على نحو يستوجب منحها مجموعة من الامتيازات عند ممارسة أنشطتها المختلفة والتي تهدف من ورائها تحقيق المصلحة العامة . هذا وقد ارتبط ظهور القانون الاداري بوجود نظام القضاء المزدوج في فرنسا حيث أفردت الادارة محاكم خاصة أنشئت خصيصًا للنظر في منازعاتها بقواعد خاصة تخضع لها ، ويعد هذا الازدواج في القضاء أمرًا طبيعيًا لاختلاف هدف الادارة المرتبط بتحقيق المصلحة العامة عن هدف الأفراد الذي يدور حول فكرة المصلحة العامة ، بالاضافة الى ذلك فقد أدت أسباب تاريخية وأحداث سياسية الى ظهور القانون الاداري في فرنسا . خاصة بعد الثورة الفرنسية 1789 وكانت الصورة القائمة في فرنسا قبل الثورة تتمثل في وجود ملكية مطلقة حيث تجمعت في يد الملك السيادة المطلقة واختلطت الدولة بشخصية المل ك فكانت الدولة هي الملك وكان الملك هو الدولة وتجمعت في يد الملك جميع مظاهر السيادة من تشريع وتنفيذ . وكان الموظفون الذين يستعين بهم الملك في تصريف مقاليد الحكم يتولون ذلك بتفويض منه وتحت رقابته فأصبحت سلطاتهم أيضًا مطلقة ومستبدة تستمد قوتها من الارادة الا لهية للملك هذا ولم يكن للأفراد حق مساءلة الدولة أو الادارة أمام القضاء . كان هذا الوضع السائد في فرنسا وحين اندلعت الثورة قضت على هذه الأوضاع الفاسدة وبدأت تظهر فكرة السيادة للأمة كوحدة متضامنة أي تظهر بحسبانها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها وبعد أن ك انت الدولة استبدادية تحولت الى دولة قانونية مسؤولة عن أعمالها ، كما ظهرت فكرة الفصل بين السلطات ونادى بها مجموعة من المفكرين والكتاب ، هذا وقد فسرت الثورة الفرنسية في بدايتها مبدأ الفصل بين السلطات تفسيرًا خاطئاً اذا اعتمدت على الفصل المطلق والجامد بين ال س لطة التنفيذية والسلطة القضائية الى حد عدم قيام أية سلطة بالرقابة على أعمال السلطة الأخرى اعتقادًا منها أن تلك الرقابة تعتبر نوع من التدخل الذي يتعارض مع هذا المبدأ . ونتيجة لذلك منعت الثورة الفرنسية القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تنتج عن تصرفات الادارة وتكون هي المختصة بالفصل في المنازعات التي تثور بينها وبين الأفراد وبهذه الصورة أصبحت الادارة تجمع بين صفتين وتؤدي مهمتين في آن واحد وأصبح لمن يريد مخاصمة الادارة أن يتوجه الى الادارة نفسها بد ً لا من المحاكم القضائية تحت ستار مبدأ الفصل بين السلطات . الواقع أن هذا التفسير يعتبر اعتداءًا صريحًا على هذا المبدأ لما يتضمنه من تدخل السلطة التنفيذية في الوظيفة القضائية التي يجب أن يكون لها سلطة مستقلة تباشرها على سبيل الاستقلال ضمانًا لتحقيق الحيدة والنزاهة والبعد عن الأهواء السياسية التي تسيطر على تصرفات السلطة التنفيذية خاصة اذا كانت طرفًا في النزاع . هذا الوضع لم يستمر طوي ً لا حيث وضع نابليون في العام الثامن من الثورة أساس مجلس الدولة الفرنسي بمقتضى دستور السنة الثامنة ليقوم بالفصل في المنازعات الادارية وكانت مهمة المجلس في بداية نشأته الافتاء غير ا لملزم ووضع الحلول التي يراها للمنازعات الادارية المرفوعة اليه ( المادة 52 من الدستور ) ثم تطور الأمر فعهد الى المجلس مهمة الفصل في المنازعات القضائية التي كان يختص الوزراء بالفصل فيها سابقًا وبذلك حل مجلس الدولة مكان ( مجلس الملك ) في العاصمة وتبوأت ال م جالس الاقليمية مكان ما كان يسمى بمجلس ( الديركتوار المحلية ) . وعليه بدأ مجلس الدولة اختصاصه في حل المنازعات الادارية الا أن قراراته في البداية كانت خاضعة لتصديق الحكومة ( أي ما يعرف بالقضاء المقيد ) الى أن تحرر من ذلك الى ما يسمى ( بالقضاء المفوض ) ولم يمضي القرن التاسع عشر الا وقد أصبح مجلس الدولة محكمة ادارية ذات اختصاص شامل وقضاء مفوض واستقلال كامل عن القضاء العادي وبناء عليه تكون القانون الاداري مستق ً لا عن القانون الخاص بفضل جهود مجلس الدولة الفرنسي الذي عمل على خلق الحل المناسب وابتداع المبادئ القا نونية وارساء النظريات المبتكرة متوخيًا في ذلك المواءمة بين مصالح الأفراد التي تتمثل في حماية حقوقهم وحرياتهم الخاصة من ناحية وحاجات الادارة التي تبدو في رعاية الصالح العام من ناحية أخرى . وبعد تطور مفهوم فكرة الدولة وتقارب وجهات النظر حول الدور الذي تلعبه الادارة داخل الدولة مهما اختلفت النظم القانونية للدولة وجدت أحكام القانون الاداري قبو ً لا حتى في الدول التي انتهجت فكرة القضاء الموحد أو المعنى الواسع للقانون الاداري مثل انجلترا والسودان .

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.