نظام ترقية الموظف في القانون المغربي

نظام ترقية الموظف في القانون المغربي
إن أي أداة موضوعة لخدمة المصلحة العامة بالإدارات العمومية تتطلب وجود موارد بشرية تعمل على تسييرها واستخدامها ، ولأجل ذلك تم الاهتمام بالموارد البشرية باعتبارها العنصر الحيوي المهم في الإدارات العمومية ، ولأجل ذلك أقرت مختلف القوانين والتنظيمات بمختلف بلاد المعمور العديد من الحقوق والواجبات لفائدة العنصر البشري بالإدارات العمومية،المغرب من البلدان التي اهتمت بالموارد البشرية داخل الإدارات العمومية، وبذلك فقد وضع الأسس القانونية لمختلف المؤسسات المجسدة للدولة الحديثة مباشرة بعد خروجه من نير الاستعمار، وتجسد ذلك بمجيء ظهير 24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية  الذي حدد القواعد الأساسية والاختيارات العامة للوظيفة العمومية بالمغرب .
والإدارة الجماعية التي تعتبر من الظواهر الإدارية في المجتمعات الحديثة تتطلع إلى تحقيق المصلحة العامة مسخرة في ذلك وسائلها المادية ، ومواردها البشرية  المتوفرة ، هذه الموارد البشرية كان الاهتمام بها  محور العديد من الإصلاحات التي عرفتها التشريعات المنظمة للجماعات المحلية.
وقد تم إنشاء وظيفة عمومية جماعية بمقتضى  الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.298  (27 شتنبر 1977) المتعلق بإدماج بعض الموظفين في أسلاك موظفي الجماعات، والنظام الأساسي الخاص بموظفي الجماعات المحدث بمقتضى المرسوم رقم 2.77.738 ( 27 شتنبر  1977 ) الذي حدد المقتضيات الخصوصية المطبقة على هيئة الموظفين العاملين بالجماعات.
وحيث أن موظفي الجماعات خاضعين لمقتضيات ظهير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ،  فان هذا الظهير يضمن للموظف مهما كان انتماءه المالي بعد ترسيمه  أن يتم تحسين وضعيته الإدارية والاستفادة من مختلف الإمكانات المتاحة ، وعلى رأسها إمكانية الترقي في الدرجة والسلم.
فماهي الطرق المعتمدة لترقي موظفي الجماعات المحلية ؟
وما مدى فعالية نظام التنقيط الجديد ؟
المبحث الأول : الطرق المعتمدة في ترقي موظفي الجماعات المحلية :
 تعتبر الترقية من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الموظف حتى يتمكن من تحسين وضعته وبالتالي تحمل مسؤوليات أوسع نطاق، وقد جاء المرسوم 2.05.1367 ، بتاريخ 02 دجنبر 2005  الذي حدد المسطرة الجديدة لترقي موظفي الإدارات العمومية بما فيها موظفي الجماعات .
ويرجع للسلطة الإدارية المباشرة أمر ترقية الموظفين العاملين تحت إمرتها، وهناك عدة صور للترقية:عن طريق الاقدمية، عن طريق التكوين، عن  طريق المباراة، امتحان الأهاية المهنية، والاختيار.
المطلب الأول: الترقية عن طريق الأقدمية .
لقد تم تنظيم الترقية العادية بمقتض المرسوم رقم 2.62.344 ( 08 يوليوز 1963) المتعلق بتحديد سلالم الأجور وشروط ترقي موظفي الدولة في الرتبة والدرجة ، وكذا المرسوم الملكي رقم 68.988 (17 ماي 1968) المحدد لمسطرة التنقيط وترقي موظف الدولة في الرتبة والدرجة . وقد توالت الإصلاحات المتعلقة بنظام التنقيط وتقييم عمل الموظفين وتتوجت بإصدار المرسوم 2.05.1367 ، بتاريخ 02 دجنبر 2005  الذي حدد المسطرة الجديدة لترقي موظفي الإدارات العمومية . 
ولأجل ذلك فان عملية الترقي في الوظيفة العمومية ومنها الوظيفة الجماعية تكون اما في الدرجة او الرتبة ، وعليه سنعمد الى دراسة نظام التنقيط في  و كذا مختلف اساليب الترقي .
الفقرة الأولى:  نظام التنقيـــط:
وهي عبارة عن تقييم عام للموظف يتم سنويا وفق القواعد المحددة قانونا، ولأجل ذلك يمكن التمييز بين نظام التنقيط قبل صدور مرسوم 2005 وبعده.
الفرع الأول: نظام التنقيط قبل صدور مرسوم 2005.
يعتبر الفصل 28 من ظهير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية إطارا عاما للتنقيط ، ويعتبر المرسوم  الملكي بتاريخ 17 ماي 1968  المحدد لمسطرة التنقيط والترقي في أسلاك الوظيفة العمومية .
وعموما تراعى في تحديد النقطة العددية التي تمنح للموظف ثلاث عناصر وهي:  المعلومات المهنية – الفعالية والإنتاج – السلوك.
وتمنح عن كل عنصر من العناصر الثلاثة نقطة عددية تتراوح بين صفر (0) وثلاثة (3)، حيث تطابق درجات التنقيط التالية:
ضعيف: ( 0 )،  متوسط: (1 )،   حسن: (2 )،   حسن جدا: ( 3 ).
ومعدل النقط المحصل عليها في السنة هو الذي يعتبر في مناقشة إمكانية ترقية الموظف من درجة دنيا إلى درجة عليا، حيث إن النقطة الممنوحة يجب أن تعكس على العموم قيمة الموظف المهنية الفعلية.
تسلم بطاقة التنقيط للموظف قبل فاتح ابريل من كل سنة مالية تحتوي على النقط بالأرقام وملاحظة عامة، وذلك من طرف رئيس المجلس الجماعي بناء على مقتضيات القانون 00.78  الخاص بالتنظيم الجماعي وكذا المرسوم الصادر في 27 شتنبر 1977 بمثابة القانون الأساسي لموظفي الجماعات.
الفرع الثاني: أسلوب التنقيط بعد صدور المرسوم 2005.
إن المرسوم 2.05.1367 بتاريخ 02 دجنبر 2005 ، المتعلق بتحديد مسطرة تنقيط وتقييم موظفي الإدارات العمومية  والذي أصبح ساري المفعول ابتداء من فاتح يناير 2006 الذي عدل العديد من المقتضيات التي كان منصوص عليها في المرسوم املكي  رقم 68.988،[1]  ونتيجة لذلك أصبح الموظف العمومي وكذا الموظف الجماعي يخضع للمقتضيات الجديدة التي تتمثل أساسا في نظام التنقيط وعملية التقييم .
فطبقا للمادة الثانية من مرسوم 2005 السالف الذكر على انه تمنح للموظف سنويا نقطة عددية من 0 إلى 20 من طرف رئيس الإدارة أو السلطة المفوض لها وذلك بتخصيص كل عنصر من عناصر التنقيط لنقطة جزئية متغيرة حسب أهميته ،وذلك على الشكل التالي:
          * من 0 إلى 5: تمنح عن إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة؛ 
          * من 0 إلى 5 : تمنح عن المردودية ؛ 
          * من 0 إلى 3: تمنح عن القدرة على التنظيم؛ 
          * من 0 إلى 4 : تمنح عن السلوك المهني؛ 
          * من 0 إلى 3: تمنح عن البحث والابتكار.
اما سلم الميزات المحدد بواسطة النقطة فهو كالتالي :[2]
-             ممتـــاز:   وتمنح للموظف الحاصل على نقطة عددية تتراوح ما بين 18 و 20 .
-             جيد جـدا :  وتمنح للموظف الحاصل على نقطة عددية تتراوح ما بين 16 و 16 .
-             جيـــد :   وتمنح للموظف الحاصل على نقطة عددية تتراوح ما بين 16 و 14 .
-             متوســط :  وتمنح للموظف الحاصل على نقطة عددية تتراوح ما بين 14 و 10 .
-             ضعيــف :   وتمنح للموظف الحاصل على نقطة عددية تقل عن 10 .
أما مسطرة التنقيط فتبدأ البطاقات الفردية للتنقيط قبل فاتح أكتوبر من كل سنة من طرف الرؤساء المباشرين إلى جميع الموظفين الموجودين في وضعية القيام بالوظيفة الخاضعين لمقتضيات هذا المرسوم ويبث فيه المعنيون بالأمر البيانات المطلوبة ويرجعونها إلى رؤسائهم المباشرين[3].
كما أن النقطة الممنوحة تحدد نوعية الأقدمية التي يخضع لها الموظف في رتبة أو درجة معينة، وهنا يجب التمييز بين قسمين من الأقدمية:[4]
اقدمية نسبية : وهي أن المدة الزمنية الدنيا أو المتوسطة التي يقضيها الموظف في رتبة قبل الانتقال إلى رتبة أعلى منها ، حيث تزداد سرعة الترقي كلما كانت النقط المحصل عليها أعلى.
اقدمية مطلقة : ويقصد بها المدة القصوى التي يمكن للموظف أن يقضيها في  رتبته قبل الانتقال إلى الرتبة الأعلى، وفي هذه الحالة فان تنقيط الموظف يكون سيئا للغاية مما يجعل ترتيب الموظف لا يتطور إلا بعد إتمام الموظف للمدة القصوى في الرتبة المحصل عليها ولا ينتقل إلى رتبة أعلى إلا بعد أن يتم أقصى ما يمكن للموظف أن يقضيه في الرتبة.
الفقرة الثانية : التسجيل في لوائح الترقي .
تعتبر عمليات وضع لوائح الترقي من الدعائم الأساسية في تحضير ترقي الموظف[5]، إذ لا يمكن أن تتم ترقية  هذا الأخير إلا إذا كان مسجلا في لائحة الترقي طبقا لمقتضيات ظهير 1958، وتحضير هذه اللائحة يتطلب دراسة عميقة لقيمة الموظف المهنية وتعتبر في ذلك على الخصوص النقط التي حصل عليها والاقتراحات التي يبديها ويدعمها بالأسباب رؤساء المصالح .
ولعل من أهم المستجدات القانونية التي جاء بها المرسوم الجديد السالف الذكر هي تلك المتعلقة بترشيح الموظف للترسيم أو الترقي حيث يتم خضوعه لتقييم يتم مرة واحدة على الأقل كل سنتين يتضمن مقابلة مع الرئيس المباشر.
وعلى اثر هذه المقابلة يعد الرئيس المباشر تقريرا يبرز مدى حاجة الموظف للاستفادة من إعادة التأهيل والحركية لممارسة مهام مناسبة لمؤهلاته[6]، وكذا مدى استحقاقه للترسيم أو الترقي في الدرجة أو السلم.
وبذلك فان الموظفين يتم تقييدهم في لائحة الترقي مرتبين بحسب أحقيتهم ، أما المرشحون المتساوون في الأحقية فيرتبون باعتبار أقدميتهم في الإدارة[7] ، ويجب أن تقع الترقيات حسب ترتيب اللائحة وبمراعاة المصالح الضرورية الإدارية بعد اخذ رأي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء الذي يبقى رأيا استشاريا رغم إلزامية عرض لوائح الترقي على أنظارها[8].
كما أن تركيب اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء يتم بكيفية لا يجوز معها بأي حال من الأحوال لموظف ذي رتبة معينة أن يبدي اقتراحا يتعلق بترقي موظف أعلى منه في الرتبة ، وان الموظفين الموضوعة أسماؤهم في لائحة الترقي لا يجوز لهم أن يشاركوا في مداولات اللجنة[9].
المطلب الثاني : الطرق الأخرى للترقية .
بالإضافة إلى الترقية عن طريق الأقدمية هناك عدة طرق أخرى للترقية لكنها تبقى محدودة نسبيا نظرا للشروط المطلوب توفرها في المرشح للترقية ، وهي شروط تجعل هذه العمليات إن كان من الممكن القول تبقى استثنائية نسبيا لكون المخاطبين بها نجدهم قلة  وعادة ما لا تشمل بعض هذه الطرق السواد الأعظم من الموظفين بالإدارات العمومية.
الفقرة الأولى: الامتحانات أو المباريات المهنية.
كما هو الشأن عند الولوج إلى الوظيفة العمومية للتعيين في احد أسلاكها، فاجتياز الامتحانات أو المباريات بنجاح بالنسبة للموظفين العاملين بالإدارات العمومية يؤدي إلى ترقيتهم ، وقد صدرت عدة نصوص تنظيمية في الموضوع كما هو الشأن بالنسبة للمرسوم الملكي رقم 67.401 الصادر في 22 يونيو 1967 بسن نظام عام للمباريات والامتحانات الخاصة بولوج أسلاك ودرجات مناصب الإدارات العامة ، وقد فتحت أبواب الترقية الداخلية من سلم إلى سلم آخر بمقتضى المرسوم رقم 2.80.675، بتاريخ:05 يناير 1981، الذي عدل وغير بعض مقتضيات المرسوم رقم 2.62.345 بتاريخ 08 يوليوز 1963 ، حيث أعطى إمكانية  الأعوان الرسميون بعد تغيير أنظمتهم الأساسية الاستفادة من الترقية الداخلية [10]، لكون هذا المرسوم الأخير يعتبر مرجعا مهما للوظيفة العمومية فبما يخص تحديد شروط الترقية الداخلية وكيفيات الاستفادة منها .
كما تنظم للموظفين المتوفرة فيهم الشروط اللازمة امتحانات الكفاءة المهنية التي يكون النجاح في مثل هذه الحالات مرتبطا بعدد المناصب المتبارى حولها ن وقد يتقدم المرشح إلى هذه المباريات أو الامتحانات مباشرة أي بعد توفره على اقدمية معينة أو بعد حصوله على شهادات جامعية[11] من مختلف المؤسسات الجامعية الوطنية أو الدولية أو بعد قضاء مدة من التكوين في مختلف المعاهد والمدارس ومراكز التكوين بالمملكة .
الفقرة الثانية:    الاختيــــار.
إن الترقية عادة ما تكون في الرتبة أو الدرجة فبعدما كان في ظل المقتضيات القديمة يتم على أساس معدل النقط المحصل عليها والأقدمية والنسق المعتمد للترقي، فان صدور المرسوم رقم 2.04.403 بتاريخ :02 دجنبر 2005[12]، أصبح الترقي في الدرجة أو الإطار يخضع لشروط أخرى يمكن تصنيفها كما يلي:
-          امتحان الكفاءة المهنية  في حدود 11% سنويا من عدد الموظفين المتوفرين على اقدمية ست 06 سنوات في الدرجة على الأقل ، وتضاف إلى النطة المخصصة لاختبارات امتحان الكفاءة المهنية نقطة مهنية تطابق معدل النقط المحصل عليها برسم السنوات المطلوبة لاجتياز امتحان الكفاءة المهنية يخصص لها معدل 30% من مجموع نقط الامتحان[13] .

تتم الترقية عن طريق الاختيار بعد التسجيل في لائحة الأهلية  التي تضعها الإدارة ، حيث تفتح اللائحة أمام الموظفين الرسميين المتوفرين على اقدمية أو رتبة معينة في الدرجة الحالية، مع تطبيق النسبة المائوية المحددة قانونا ضمن المناصب المالية الشاغرة والمحدثة .
والترقية عن طريق الاختيار تقوم على مجموعة من المعطيات والأسس التي من بينها  أداء الموظف أثناء عملة واجتهاده في القيام بوظيفته وقدرته على الابتكار في عمله بحيث إذا خلا منصب إداري وتنافس عليه موظف قديم  وموظف كفء فضل هذا الأخير  رغم حداثته[14].
والترقي بالاختيار يتم بعد التقيد في جدول الترقي في حدد 11% سنويا من عدد المتوفرين على اقدمية 10 سنوات في الدرجة على الأقل .
كما يتم الترقي بالاختيار بعد التقيد بجدول الترقي من الدرجات المرتبة في السلم 11 في درجات لها ترتيب استدلالي مماثل إلى الدرجة الأعلى في حدود 22% سنويا من عدد الموظفين المرتبين في الرتبة السابعة والمتوفرين على خمس سنوات من الخدمة في الدرجة.
-             الاختيار وذلك كما هو مفصل أعلاه.
لكن يجب الإشارة أن القطاعات المتمتعة بأنظمة أساسية خاصة لا تسري عليها المقتضيات السالفة الذكر، كما ان نظام التنقيط الجديد يتمتع ببعض المرونة عندما منح  إمكانية تغيير النقط الجزئية المخصصة لعناصر التنقيط وذلك مراعاة لطبيعة المهام المزاولة من طرف بعض الفئات المهنية، شريطة أن يظل مجموع هذه النقط هو 20؛  وأجرأة هذه المرونة تتم بقرار لرئيس الإدارة بعد موافقة السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية.

المبحث الثاني : تقييم الإصلاحات الجديدة .
إذا كانت مختلف الإصلاحات تهتم بالرقي بالعمل الإداري بصفة عامة والجماعي بصفة خاصة ، فان تنفيذ بعض الإصلاحات لا تجد معنى في بعض ميادين العمل ، وذلك يرجع لعوامل عدة ن فمنها ما يتعلق بطبيعة العمل المسند للموظف ومنه ما يتعلق بكفاءة الموظف أو رئيس الإدارة .
المطلب الأول : عوامل طبيعة عمل الموظف وكفاءته.
إن أي موظف في الإدارة وخاصة الجماعية تسند إليه في العديد من الحالات إعمال معينة رغم أن الاختصاص الذي يمكن أن يكون قد تكون فيه مخالف تماما لما يقوم بم به داخل الإدارة الشيء الذي ينعكس سلبا على عطاءه ومردود يته ، ولأجل ذلك فان نظام التنقيط الجديد الذي جاء به مرسوم 2005  سيكون مجحفا في حق هذا الموظف مما سيسبب له أتعاب وسيكون هذا النظام عقبة في ترقيته بسبب عدم قدرته على التأقلم مع العمل المسند إليه ، هذا من جهة ومن جهة ثانية من بين العناصر التي تؤخذ بعين الاعتبار في منح النقط للموظف نجد عنصر البحث والابتكار، وإذا ما أمعنا النظر في طبيعة عمل موظفي قسم الحالة المدنية أو عمال النظافة فأي بحث أو ابتكار سيقوم به هذا الصنف من الموظفين ؟
الحقيقة أن هذه الإصلاحات تطرح عدة إشكالات يصعب الجواب عليها لأنها تبقى غامضة ربما كان الهدف منها تحفيز عمال الإدارة للقيام بمجهودات أفضل حتى يمكن لهم أن يحصلوا عن النقط التي تؤهلهم للترقي في إطار النسق السريع لكن يبقى أن بعض العناصر من الصعب معرفة مردودية الموظف فيها نظرا لغموضها أو أنها بدون معنى بالنسبة للموظف المعني.
ولذلك فان المرونة التي جاء بها النظام الجديد ربما تجيب عن هذه الإشكالات رغم أن المسطرة تقتضي موافقة السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية.
هذه الموافقة نفسها تعتبر نوعا من التعقيد لما تبقى واجبة  في غياب بعض العناصر  التي على أساسها يتم التنقيط للموظف بسبب بطء الإجراءات والمساطر الإدارية وما يترتب عن ذلك من ضياع للوقت الذي يكون عاملا كافيا لتأخر البث في مسالة الترقية وتنفيذها لفائدة الموظف المعني.

المطلب الثاني: العوامل المتعلقة بكفاءة رئيس الإدارة.
واذا كانت الدولة لا تضمن فقط الجوانب المادية  للموظف إثناء مزاولة مهامه، فا الحق في الترقية يعتبر من الحقوق الأساسية للموظف، والترقية كما سلف ذكرها هي الانتقال بالموظف من درجة إلى درجة أعلى[15]، فان هذا الحق قد يغتصب من طرف بعض رجال الإدارة الذين لا يتمتعون بحس المسؤولية وتنحدر لدى بعضهم قيم النزاهة والشفافية حتى العدم .
ووجود مثل هؤلاء الأشخاص على رأس بعض الإدارات يشكل تهديدا حقيقيا لمسار الحياة العملية للعديد من عمال الإدارة، لأنه سيخلق اضطرابا في العمل الإداري ووبالا على أهم المبادئ المرتبطة بالمرفق العام وهو مبدأ استمرارية سير المرفق العام بانتظام واضطراد. 
حيث أن الإشكال الحقيقي الذي يطرح هنا هو عندما يقوم الرئيس بتقييم عمل الموظف، فما مدى نزاهة الرئيس وكفاءته في تقييم مؤهلات الموظف وكفاءته، حيث انه من المفروض أن يكون الموظف يخضع للتقييم من طرف لجنة متخصصة في المجال الذي يشتغل فيه الموظف حتى يمكن لها أن تقف على قدرات الموظف ومعرفة نقط الخلل وتوجيهه لما يجب عليه القيام به من أجل تجاوز النقص في التكوين أو المعلومات الإدارية التي يفتقد إليها ، لأن الموظف وهو يقوم بعمله يحتاج إلى التوجيه والنصح والتقويم حتى يستوعب المهام المسندة إليه للقيام بواجباته على الوجه الأكمل .
كما يطرح الإشكال أيضا عندما نجد موظفين في وضعيات إدارية متشابهة حيث أنه من المفروض أن يتم التعامل معهم على قدم المساواة[16]، أي سلوك الطرق القانونية في تقييم عمل الموظفين بناء على العناصر الموضوعية المرتبطة بالعمل الإداري والقدرة على الابتكار والاجتهاد في العمل وليس بناء على الولاءات الشخصية الذاتية التي تفرغ الإصلاحات من مضمونها ، لكون  مثل هذا السلوك اللاأخلاقي من شأنه أن يبعد الاختيار التقديري عن هدفه النبيل الذي أراده المشرع تحقيقه والمتمثل في تامين وضعية الموظف الإدارية والمالية عن طريق قياس مؤهلاته لمنحه فرصة للترقي وتحسين وضعيته المادية والاجتماعية.
وهنا تطرح مسالة الديمقراطية في العمل الإداري من خلال إعطاء النقط المستحقة لمن يستحق والابتعاد عن المحسوبية والزبونية والعديد من المظاهر السلبية في العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين في الإدارات العمومية ، لكون التعامل من طرف رئيس الإدارة مع باقي عمال الإدارة بقدم المساواة يترك أثرا ايجابيا في نفسية الجميع ويحاول كل موظف أن يثبت جدارته وأحقيته في كسب الاحترام والمعاملة الحسنة من طرف الجميع، لكن إذا كان هناك نوع من الحيف والانحياز لموظف أو أكثر فان العمل الإداري يفقد معناه ويعم الحقد والكراهية بين فئة مقبولة وفئة مغضوب عليها تكون ضحية أو كبش الفداء في كل عملية يطلب من الرئيس فيها تقييم وتقدير عمل ومردودية العاملين بالإدارة التي يرأسها.
خاصة أن رؤساء بعض الجماعات تحضر لديهم بعض الحزازات الانتخابية والعوامل السياسية في تقييم مردودية العديد من الموظفين المعينين بالجماعة التي يرأسون إدارتها فيكون الانتقام من هؤلاء الموظفين عن طريق حرمانهم من الترقية امر وارد ومحتمل جدا ، وعليه فان رئيس الإدارة عليه أن يكون يتمتع بحس المسؤولية والانضباط بعيدا عن أي حسابات شخصية مع الموظف حتى لا تخرج وظيفة الرئيس عن مسارها الطبيعي الذي يكمن في احترام المقتضيات القانونية والابتعاد عن الخلافات الشخصية وتوظيف منطق الانتقام وكبح جماح التطلعات لدى الموظف الذي يجب أن يتم تشجيعه وتحفيزه حتى يتسنى له القيام بواجباته على الوجه المطلوب.

لذلك من الطبيعي أن يشكل الإنسان وتكوينه مركز الاهتمام بالنسبة لكل إصلاح يتوخى تحسين الأداء وجودة الخدمة، لذلك ينبغي أن تعطى الأسبقية للكفاءة والاستحقاق وأن تتضمن أنشطة للتكوين المستمر الهادف إلى إيجاد البديل للسنوات القادمة[17] ، ومن الانتقادات الموجهة للإدارة المغربية التساهل في اختيار الأشخاص وكذا المحاباة وغياب الشفافية في إجراءات الترقية والتعيين في مناصب المسؤولية ، وهذه الانتقادات المقدمة ليست فقط من الإدارات نفسها بل وحتى أعوانها أو المتعاملين معها جوهر مشكلة تدبير الموارد البشرية.
لذلك فان الجميع يطالب بإصلاح عميق في المناهج والممارسات المعمول بها الإدارات ، وتبقى عدالة الأجور تمثل القضية الأساسية في بالنسبة لإصلاح الإدارة، خصوصا عندما نجد داخل العديد من الإدارات ثمة فرق هائل في رواتب الموظفين يجعل من الصعب تحفيز وتعبئة الطاقات الهائلة والتي تتوفر عليها الإدارة .






[1] - المرسوم الملكي رقم 68.988  بتاريخ 17 ماي 1968 ، المتعلق بتحديد مسطرة تنقيط وترقي موظفي الإدارات العمومية في الرتبة والدرجة، الجريدة الرسمية  عدد 2899  بتاريخ 22 ماي 1968.
[2] - د. الحاج شكرة ، الوظيفة والموظف في القانون الإداري المغربي ، الطبعة الثانية 2007 ، ص.53
[3] - د. الحاج شكرة ، مرجع سابق ،  ص. 54
[4] - د. حميد ابولاس ، تدبير الموارد البشرية – نموذج الإدارة الجماعية ، طبعة 2005 ، ص. 230 .
[5] - د.عبد القادر باينة، الموظفون العموميون في المغرب – النظام الأساسي العام ، الطبعة الأولى 2002 ، ص 130 .
[6] - د. الحاج شكرة ، مرجع سابق ، ص 60 .
[7] - د. حميد ابولاس . مرجع سابق . ص 232 .
[8] - د.عبد القادر باينة ، مرجع سابق ، ص 132 .
[9] - الفصل 35 من الظهير الشريف بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
[10] - إدريس قاسمة – خالد المير، سلسلة التكوين الإداري ، العدد 12 ،  طبعة 2000 ،  ص 16.
[11] د.عبد القادر باينة ، مرجع سابق ، ص 133.
[12] - الجريدة الرسمية عدد 5394 بتاريخ 09 فبراير 2006 .
[13] - د. الحاج شكرة ، مرجع سابق ، ص 61.
[14] - د. حميد ابولاس ، مرجع سابق ، ص 231 .
[15] - د. محمد يحيا ، المغرب الاداري ، الطبعة الثالثة  2004 ، ص 408 .
[16] - د. حميد ابولاس ، مرجع سابق ، ص 231 .
[17] - د. عبد الواحد ورزيق ، التحديات الكبرى للادارة المغربية ،مجلة الادارة المغربية ، نشرة علمية سنوية للمرصد المغربي للادارة العمومية، سنة 2003 ، العدد 4 ، ص 8 .

ليست هناك تعليقات