هيئة الإنصاف والمصالحة، النشأة، الاختصاص
أنشئت هيئة الإنصاف والمصالحة في مرحلة دقيقة ومهمة في سيرورة التطور الذي عرفه المغرب، منذ بداية التسعينات، على إثر التحولات السياسية التي كانت مطروحة على الدولة ومكونات المجتمع السياسية والاجتماعية. وتعتبر هيئة الإنصاف والمصالحة، كآلية للعدالة الانتقالية، ثمرة من ثمرات هذا التطور التدريجي، الصعب والمركب في حل المشاكل والملفات المرتبطة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومحصلة التفاعلات والمناقشات على مستوى الطبقة السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع المدني، للبحث عن أحسن السبل لتسوية نزاعات الماضي وحلها بشكل عادل ومنصف.
تندرج تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن ما أصبح متعارفا عليه اليوم بلجان الحقيقة والمصالحة عبر العالم، والتي يتم إحداثها في سياق ما يسمى بـ "العدالة الانتقالية"، وهي مفهوم يحيل على قضايا معروفة في "علوم الانتقال السياسي"، وغيرها من الدراسات التي تهتم بالموضوع. ويشير، في معناه القريب من سياق تسوية المشاكل والآثار المترتبة عن الانتهاكات المرتكبة في الماضي، إلى محاولة تطبيق أشكال من العدالة تكون ملائمة لمرحلة الانتقال الذي يتم في ظل نظام سياسي أو مجتمع ما. ومن الشروط الأساسية لإحداث مثل هذه اللجان توفر إرادة سياسية للقيام بإصلاح أو مواصلة الإصلاح أو المساعدة على إتمام مشروع إصلاح.
وبالنظر للفضاء الجغرافي والتاريخي والحضاري للمغرب، فإن تجربته في مجال الحقيقة والإنصاف والمصالحة تعتبر غير مسبوقة. وفي هذا الصدد، يرى الملاحظون من خارج هذا الفضاء أن أولى الخصائص التي تميز التجربة المغربية تتمثل في أنه، و لأول مرة ضمن حوالي 40 تجربة عبر العالم، يتم إنشاء مثل هذه الآلية في ظل استمرار نفس النظام من حيث الطبيعة السياسية، نظام ملكي دستوري يتوفر على قواعد قانونية ومؤسسات حكومية وإدارية. وفي هذا الصدد، تم تسجيل انبعاث إرادة الانخراط في هذا المسار من داخل النظام نفسه، الذي قرر بجرأة وحكمة إحداث قطائع إيجابية في اتجاه التحديث والدمقرطة ووضع حد لاستعمال العنف في تدبير الخلافات السياسية. ومثل هذا الوضع لم تشهده بلدان وتجارب أخرى تميزت في مجملها بقطائع قوية نتيجة العنف أدت إلى الإطاحة بنظام سابق أو إلى إزاحته بموجب انتخابات أو تغيير الحكم بصفة جذرية، أو في سياق تفاوض سلمي نتجت عنه توازنات بخصوص تدبير الشؤون العامة لبلد ما في المرحلة الموالية لنزاع مسلح حول السلطة.
وهكذا، فإن إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة يندرج ضمن المسار المغربي لتسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذي تبلورت انطلاقته منذ بداية التسعينات من القرن الماضي. ومن السمات الرئيسية لهذا المسار القطع مع تلك الانتهاكات، والتأسيس لمرحلة تتسم بسلسلة من القطائع الإيجابية، واعتماد التدرج في مسلسل الدمقرطة وبناء دولة القانون والمؤسسات، في أفق الانتصار لقيم وثقافة حقوق الإنسان، ضمن استمرارية ثوابت الدولة المغربية مع تطوير نموذج خاص للانتقال الديموقراطي بدعم قوي من السلطات العليا للبلاد.
تجدر الإشارة في هذا الصدد أن الأمين العام للأمم المتحدة قد أشار في تقريره المقدم لمجلس الأمن حول "سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع" (غشت 2004) إلى التجربة المغربية ضمن التجارب الخمس الأوائل من بين ما يزيد عن 30 تجربة. كما أن استلهام التوجيهات الملكية السامية والتراكمات الحقوقية الوطنية قد مكن الهيئة من وضع نظام أساسي ومناهج وطرق عمل في مستوى طموحات البلاد في القطع مع التجاوزات السلبية، والتعاطي الإيجابي مع طي ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ساهمت هيئة الإنصاف والمصالحة في تأصيل التجربة المغربية للعدالة الانتقالية، من خلال منطلقات وأهداف إستراتيجية وخطة عمل لتحقيقها. وركزت في ذلك على الكشف عن الحقيقة وإقرارها بصفة عمومية فيما يتعلق بكل الانتهاكات الجسيمة التي عرفتها بلادنا خلال فترة طويلة نسبيا، إذ تمتد من بداية الاستقلال إلى صيف 1999. وقد تطلبت هذه المهمة الوقوف عند سياقات الأحداث المرتبطة بتلك الانتهاكات، والتطور القانوني والمؤسساتي لقضايا حقوق الإنسان خلال تلك الفترة. كما اعتمدت فلسفة خاصة ومقاربة شمولية في مجال جبر الأضرار وإنصاف الضحايا، من خلال سياسة وبرامج تميزت بأكثر من قيمة مضافة في هذا المسار. وفي أفق تعزيز الإصلاحات الجارية وتأمين الوقاية اللازمة لعدم تكرار ما جرى، بلورت الهيئة توصيات ومقترحات في مجالات الديموقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان وسيادة القاعدة القانونية.
الفصل الأول
هيئة الإنصاف والمصالحة
النشأة، الاختصاص والأنشطة
أولا- النشأة
تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة بمقتضى قرار ملكي سامي بتاريخ 6 نونبر 2003 بالمصادقة على توصية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان صادرة بموجب المادة السابعة من الظهير الشريف رقم 1.00.350 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس.
وبناء على الموافقة الملكية تتكون الهيئة من رئيس وستة عشر عضوا نصفهم من بين أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والنصف الآخر من خارجه، بما يؤمن تمثيل مشارب وتجارب وتخصصات متنوعة وموحدة المقاصد في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وعند تنصيب رئيسها وأعضائها من طرف جلالة الملك بتاريخ 07 يناير 2004، ألقى خطابا ساميا بالمناسبة منح الهيئة بعدا تاريخيا، وأناط بها مسؤوليات جلى، حينما اعتبرها جلالته بمثابة لجنة للحقيقة والإنصاف والمصالحة.
وتعزيزا لاستقلاليتها، قامت الهيئة بوضع نظامها الأساسي، الذي يعتبر بمثابة وثيقة أساسية تتضمن تدقيقا وتفصيلا للمهام المنوطة بها، وتعريفا للانتهاكات موضوع اختصاصاتها، وطرق تنظيم سير أعمالها. وقد صودق على هذا النظام الأساسي بموجب ظهير شريف رقم 1.04.42 صادر في 19 من صفر 1425 (10 أبريل 2004).
ثانيا: الاختصاصات طبقا لنظامها الأساسي، تضطلع الهيئة باختصاصين زمني ونوعي. 1 . الاختصاص الزمني
يشمل الاختصاص الزمني للهيئة الفترة الممتدة من أوائل الاستقلال إلى تاريخ المصادقة الملكية على إحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي سنة 1999.
2 . الاختصاص النوعي
يتحدد الاختصاص النوعي للهيئة في التقييم والبحث والتحري والتحكيم والاقتراح، فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حصلت في الفترة موضوع الاختصاص الزمني، وذلك في أفق تنمية وإثراء سلوك الحوار وإرساء مقومات المصالحة، دعما للتحول الديمقراطي لبلادنا وبناء دولة الحق والقانون، وإشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان.
2. 1. التقييم
قامت الهيئة بإجراء تقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، بالاتصال مع الحكومة، والسلطات العمومية والإدارية المعنية، والمنظمات الحقوقية، والضحايا وعائلاتهم وممثليهم.
2. 2. البحث والتحري
اختصت الهيئة بإجراء التحريات وتلقي الإفادات والإطلاع على الأرشيفات الرسمية واستقاء المعلومات والمعطيات التي توفرها أية جهة، لفائدة الكشف عن الحقيقة، من أجل:
- إثبات نوعية ومدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان، في سياقاتها، وفي ضوء معايير وقيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية ودولة الحق والقانون؛ مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد، وبذل كل الجهود للتحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها؛ والكشف عن مصير المختفين، مع إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة لمن ثبتت وفاتهم؛ الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات.
2. 3. التحكيم
واصلت الهيئة العمل الذي قامت به هيئة التحكيم المستقلة للتعويض سابقا، للبت في الطلبات المعروضة عليها والمتعلقة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت ضحايا الانتهاكات الجسيمة أو ذوي حقوقهم. كما تقوم بتقديم المقترحات والتوصيات من أجل إيجاد حلول لقضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي، واستكمال مسلسل حل ما تبقى من المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية، والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات.
2. 4. الاقتراح
تولت الهيئة، تفعيلا لهذا الاختصاص، إعداد تقرير ختامي يتضمن خلاصات الأبحاث والتحريات والتحاليل بشأن الانتهاكات وسياقاتها، وتقديم التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة، وبضمان عدم تكرار ما جرى، ومحو آثار الانتهاكات، واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان.
3 . الانتهاكات موضوع اختصاص الهيئة
تشمل الانتهاكات موضوع اختصاص الهيئة الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، باعتبارهما أصنافا من الخروقات للحقوق المدنية والسياسية تتسم بصبغتها المكثفة أو الممنهجة.
ويقصد بالاختفاء القسري، طبقا للنظام الأساسي للهيئة، اختطاف شخص أو أشخاص، أو إلقاء القبض عليهم واحتجازهم بأماكن سرية رغما عنهم بسلب حريتهم، بدون وجه حق، على أيدي موظفين عموميين أو أفراد أو جماعات تتصرف باسم الدولة، أو عدم الاعتراف بذلك، ورفض الكشف عن مصيرهم؛ مما يحرم أولئك الأشخاص من كل حماية قانونية.
أما الاعتقال التعسفي، فيراد به كل احتجاز أو اعتقال مخالف للقانون، يتعارض ومبادئ حقوق الإنسان الأساسية، وخاصة حق الأفراد في الحرية والحياة والسلامة البدنية، وذلك بسبب ممارستهم لأنشطة سياسية أو نقابية أو جمعوية.
ثالثا: تنظيم سير عمل وإدارة الهيئة
اعتمدت الهيئة تنظيما داخليا، بموجب نظامها الأساسي، راعى خصوصيات المهام الموكولة إليها. وهكذا انتظمت الهيئة ضمن فرق للعمل ولجان خاصة.
كما قامت بخلق وحدات إدارية وتقنية تستجيب لحاجيات فرق العمل واللجان المحدثة داخلها .
1- فرق العمل واللجان الخاصة
1-1- فرق العمل
تتكون الهيئة من ثلاثة فرق عمل:
- فريق العمل المكلف بالتحريات، ويتولى القيام بالمهام التالية:
- البحث في شأن المختفين قسرا مجهولي المصير، الأحياء منهم والمتوفين؛
- جمع كل المعلومات والوثائق، وتلقي الإفادات ذات الصلة بأحداث ووقائع ماضي الانتهاكات بمختلف أصنافها.
- فريق العمل المكلف بجبر الأضرار، ويتولى القيام بالمهام التالية:
- مواصلة العمل الذي قامت به هيئة التحكيم المستقلة سابقا، فيما يخص التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية للضحايا وذوي الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، اعتمادا على نفس الأساس التحكيمي وقواعد العدل والإنصاف؛
- العمل على جبر باقي الأضرار التي لحقت بضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، والواردة في الفقرة الخامسة من المادة التاسعة.
- فريق العمل المكلف بالأبحاث والدراسات، ويتولى القيام بالمهام التالية:
- إعداد الأبحاث والدراسات اللازمة لإنجاز مهام الهيئة؛
- جمع وتحليل المعطيات والمعلومات والخلاصات المتوصل إليها من طرف باقي فرق العمل، في أفق إنجاز الهيئة لتقريرها الختامي.
1-2- اللجان الخاصة
أحدثت الهيئة لجان عمل خاصة، قارة أو مؤقتة. كما عهدت بمهام محددة لبعض أعضائها كمقررين خاصين.
وتمثلت أهم اللجان المحدثة في:
- لجنة خطة العمل؛
- لجنة استراتيجية التواصل؛
- لجنة تدوين وتقييم تجربة هيئة التحكيم السابقة؛
- لجنة دراسة الإشكالات القانونية المرتبطة بالاختصاص؛
- لجنة نظام المعلومات؛
- لجنة جلسات الاستماع العمومية؛
- لجنة الجلسات الحوارية الموضوعاتية؛
- لجنة تطوير مقاربة جبر الأضرار؛
- لجنة التقرير الختامي.
ولتنسيق أنشطة كل فرق العمل واللجان، وضمان الانسجام في ممارسة مختلف المهام، حرصت الهيئة، طبقا لنظامها الأساسي، على تنظيم اجتماعات دورية للتنسيق، تحت إشراف رئيسها. كما أنه بالنظر لترابط وتكامل المهام الموكولة لها، فقد ظل المجال مفتوحا لسائر الأعضاء للمساهمة في أنشطة كل الفرق واللجان.
2- إدارة الهيئة
أحدثت الهيئة إدارة مكونة من أطر إدارية وتقنية وأعوان. كما استعانت بخبراء ومستشارين.
2-1- التنظيم الإداري
تهيكلت إدارة الهيئة في وحدات إدارية مرتبطة بفرق العمل ولجان تقنية مكلفة بتدبير القضايا ذات الطبيعة الأفقية، أو بإنجاز مهام إدارية أو تقنية محددة ترتبط بإحدى المهام الخاصة الموكولة للهيئة كما هو مبين أدناه:
الوحدات الإدارية المرتبطة بفرق العمل:
- الوحدة الإدارية لفريق العمل المكلف بالتحريات؛
- الوحدة الإدارية لفريق العمل المكلف بجبر الأضرار؛
- الوحدة الإدارية لفريق العمل المكلف بالدراسات والأبحاث.
الوحدات الإدارية المكلفة بتدبير القضايا ذات الطبيعة الأفقية:
- كتابة خاصة برئاسة وأعضاء الهيئة؛
- لجنة التنسيق الإدارية؛
- وحدة الشؤون الإدارية والمالية؛
- وحدة نظام المعلومات؛
- وحدة تدبير الملفات والتوثيق والأرشفة؛
- وحدة التواصل والإعلام.
الوحدات أو اللجان الإدارية أو التقنية المكلفة بتدبير قضايا خاصة:
- الوحدة الطبية؛
- لجنة التحليل القبلي للملفات؛
- لجان خاصة لتنظيم الندوات والأنشطة العمومية للهيئة؛
- لجان تنظيم جلسات الاستماع العمومية والجلسات الحوارية؛
- لجنة التقرير الختامي.
2-2- الموارد البشرية
نهجت الهيئة طريقة مرنة في التوظيف والتعيين داخل الوحدات الإدارية، حسب تطور مراحل العمل. وهكذا عملت على توظيف أطر إدارية ومساعدين ومساعدات من مختلف التخصصات لتتبع وتنفيذ برامجها. كما اعتمدت على كفاءات وضعت رهن إشارتها من قبل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وبعض القطاعات الحكومية.
مكن إشراك عدد مهم من الشباب ضمن الموارد البشرية للهيئة من الانخراط في مشروع الهيئة وقضايا حقوق الإنسان بشكل عام. كما استعانت الهيئة بخبراء مغاربة من تخصصات متنوعة لإنجاز دراسات وتقارير وتقديم استشارات، كلما دعت الحاجة لذلك.
رابعا: الأنشطة
نظمت الهيئة أنشطة متنوعة لبلوغ الأهداف الأساسية المرتبطة بإنجاز مهامها. وتمثلت في المحاور الأربعة التالية:
1- إثبات نوعية ومدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان
يهم هذا الهدف الكشف عن الحقيقة وإقرارها، بصفة عمومية، بخصوص الانتهاكات الجسيمة موضوع اختصاص الهيئة. وذلك عبر تشخيص وتحليل تلك الانتهاكات وتحديد طبيعتها ومدى جسامتها والأسباب المؤدية إليها، وآثارها على الضحايا، أفرادا وجماعات، وعلى المجتمع.
وبقدر ما تهم هذه الحقيقة الضحايا، فإنها تتعلق بحق المجتمع في معرفة حقيقة ما جرى. كما تساعد على استخلاص الدروس والعبر لتوفير ضمانات الوقاية وعدم التكرار.
وتتفرع عن هذا الهدف الأساسي الأهداف الإجرائية التالية:
- مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد؛
- التحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها والكشف عن مصير المختفين؛
- العمل على إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة لحالات الأشخاص الذين يثبت للهيئة أنهم توفوا؛
- الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها من الجهات في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات.
لتحقيق تلك الأهداف، عملت الهيئة على تنظيم سلسلة من الأنشطة الموجهة أساسا نحو:
- الكشف عن حقيقة الانتهاكات الجسيمة الماضية لحقوق الإنسان، بما يستجيب لمطالب ضحاياها؛
- المساعدة على تأمين حق المجتمع، أفرادا وجماعات، في معرفة ما جرى؛
- إقرار واعتراف الدولة رسميا بمسؤوليتها فيما وقع.
وتتلخص المهام والأنشطة المنظمة في هذا الإطار فيما يلي:
- القيام بالأبحاث والتحريات للتحقق من كون الانتهاكات الجسيمة تشكل نمطا منتظما أم لا لخروقات حقوق الإنسان، عبر الاستماع للضحايا والعائلات، والمكلفين بتنفيذ القوانين، والتقصي ميدانيا في حالات ومراكز وأماكن عرفت انتهاكات؛
- التفاوض والتشاور بشأن حالات الأشخاص الذين يثبت أنهم توفوا، والقيام بالإجراءات الإدارية والقضائية، قصد تحديد المدافن وطريقة التعامل مع ذوي الحقوق والعائلات، وبشأن مجهولي المصير قصد تحديد مصيرهم؛
- تحديد طبيعة وأسباب ومدى جسامة الانتهاكات، من خلال البحث في الظروف والعوامل والسياق والدوافع التي أدت إلى ارتكابها؛ والتحقق من مسؤولية الأجهزة والسلطات، والمؤسسات أو التنظيمات التي قد تكون وراء ارتكابها؛
- جمع المعلومات وتلقي الإفادات من مختلف المصادر بغية تحديد هويات الضحايا ومصائرهم وطبيعة ومدى الأذى الذي عانوه؛
- تحليل التقارير والدراسات المتوفرة، والأرشيفات الرسمية (محاضر الضابطة القضائية، الأحكام الصادرة، سجلات الاعتقال...)، وتحليل النماذج المعروفة التي لا تتطلب تحريا ميدانيا، بقدر ما تحتاج لبحث في المعلومات المتوفرة؛
- القيام بتحديد أماكن دفن الضحايا المتوفين في مراكز الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي، أو خلال أحداث اجتماعية، وإخبار عائلات الضحايا والمنظمات الحقوقية والرأي العام الوطني.
2- جبر الأضرار وإنصاف الضحايا
يهم الهدف الأساسي الثاني جبر الأضرار وإنصاف الضحايا ورد الاعتبار لهم، طبقا لمقاربة شمولية تقتضي بالدرجة الأولى إقرار الدولة والاعتراف بمسؤوليتها فيما ارتكبته فعليا من انتهاكات، والعمل على محو آثارها بالنسبة للضحايا، أفرادا وجماعات، والمجتمع.
وقد عملت الهيئة على تطوير مقاربتها الشمولية بغية تحقيق هذا الهدف بمراعاة العناصر التالية:
- استحضار التطورات الحاصلة في القانون الدولي، سواء على الصعيد النظري أوفي الممارسة؛
- الإطلاع على تجارب لجان الحقيقة عبر العالم في مجال التعويض وجبر الأضرار؛
- تدوين مقاربة الهيئة المستقلة للتحكيم السابقة وتقييم تجربتها؛
- خلاصات ونتائج الزيارات الميدانية التي نظمتها الهيئة وعلاقات الشراكة مع السلطات العمومية، المركزية والمحلية، والجمعيات الحقوقية والتنموية، وخاصة منها في المناطق المعنية بالانتهاكات التي طرحت ضرورة جبر الضرر الجماعي.
وهكذا فإن تحقيق هذا الهدف جعل أنشطة الهيئة لا تقتصر على استكمال مسلسل التعويض المادي وجبر باقي الأضرار، طبقا لمقتضيات نظامها الأساسي، بل إنها تعدت ذلك إلى لعب دور الوساطة في مجالات محددة من جبر الأضرار، كالحالات الصحية المستعجلة أو تحديد برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تساهم، في بعض المناطق، في محو آثار الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان وإنصاف الضحايا والمناطق.
وتتمثل المهام والأنشطة الأساسية للهيئة لبلوغ هذا الهدف فيما يلي:
- إنجاز دراسات وتقارير حول مقاربة الهيئة في مجال جبر الأضرار؛
- تحليل وتصنيف الطلبات الواردة على الهيئة وتكييف الانتهاكات المصرح بها على ضوء مقتضيات نظامها الأساسي، المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية ذات الصلة؛
- تجهيز الملفات التي تم فتحها بناء على تلك الطلبات من حيث المعلومات والبيانات والوثائق الضرورية للبت واتخاذ القرار المناسب؛
- إصدار مقررات تحكيمية بخصوص طلبات التعويض المادي عن الأضرار اللاحقة بالضحايا أو ذوي حقوقهم؛
- تقديم مقترحات وتوصيات لحل قضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي، و حل ما تبقى من المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات؛
- لعب دور الوساطة بين السلطات العمومية، مركزيا ومحليا، وجمعيات التنمية المحلية، من أجل العمل على مراعاة بعد الانتهاكات والأضرار الناجمة عنها في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية المخصصة للمناطق التي تضررت جراء حدوث انتهاكات جسيمة؛
- إنجاز بحث ميداني حول النوع لعينات من النساء ضحايا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛
- إعداد برنامج لجبر الأضرار الصحية.
3- إعداد التقرير الختامي والتوصيات
أناط النظام الأساسي بالهيئة إعداد تقرير ختامي يتضمن نتائج وحصيلة أعمالها المرتبطة بالمهام الموكولة إليها، والتوصيات والمقترحات الكفيلة بعدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون.
ولهذا الغرض، حرصت الهيئة، منذ بداية أشغالها، على تجميع وإعداد الدراسات والأبحاث والتقارير التي من شأنها المساعدة على تحليل الأحداث والسياقات ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان موضوع اختصاص الهيئة، بغية تسليط الضوء على ما جرى، وفتح سبل وفرص البحث من طرف الخبراء والمختصين في قضايا حقوق الإنسان وعلم السياسة والقانون والتاريخ فيما بعد مرحلة الهيئة.
ويمكن تلخيص أهم المهام المندرجة ضمن هذا الهدف فيما يلي:
- تقديم التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة؛
- تقديم التوصيات والمقترحات بشأن الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية والقضائية والأمنية والإدارية والتربوية الضرورية، لضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات؛
- تقديم التوصيات والمقترحات الكفيلة باسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان.
أما الأنشطة التي نظمتها الهيئة، في إطار إعداد التقرير الختامي، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
- الحرص على إعداد تقارير مرحلية عن مهام وأنشطة فرق عمل ولجانها الخاصة؛
- إعداد دراسات وأبحاث و اللجوء إلى خبرات واستشارات؛
- الإطلاع على الكتابات المنجزة من قبل الباحثين والجامعات والمنظمات غير الحكومية؛
- جمع وتحليل المعطيات والمعلومات والخلاصات المتوصل إليها من طرف فرق العمل؛
- تنظيم الندوات واللقاءات العلمية بشأن السياقات والظروف والعوامل المصاحبة، ومنها بشكل خاص الندوات العمومية حول المواضيع التالية:
- كتابات الاعتقال السياسي؛
- عنف الدولة؛
- الحقيقة؛
- المحاكمات السياسية؛
- الأرشيف وحفظ الذاكرة.
- وضع خطة لإعداد التقرير الختامي.
4- تعزيز مسار المصالحة الوطنية
يمكن اعتبار هذا الهدف بمثابة مسار تساهم فيه كل الهيئات والمؤسسات وسائر مكونات المجتمع السياسية والمدنية، عبر الانخراط في كل مراحل مسلسل استكمال الإصلاحات الجارية منذ بداية التسعينات والتي تهم المؤسسات والتشريعات، وذلك لتعزيز الانتقال الديموقراطي ودعم بناء دولة القانون والمؤسسات.
وتتمثل مساهمة الهيئة، في هذا المسار، في استرجاع الثقة بين الدولة والمجتمع وكل مكوناته. ولذلك، حرصت الهيئة على توجيه كل أعمالها ذات الصلة بمواضيع الكشف عن الحقيقة وجبر الأضرار وإعادة الاعتبار وإنصاف الضحايا، وكل ما توصلت إليه من قرارات وتوصيات، نحو تعزيز هذا المسار. وهكذا حددت الهيئة أهدافا إجرائية لبلوغ هذه الغاية، يمكن تلخيصها في العناصر التالية:
- المساهمة في نشر قيم وثقافة حقوق الإنسان والمواطنة؛
- العمل على تنمية سلوك الحوار بين المجتمع (ضحايا، عائلات، جمعيات، جامعات) والدولة؛
- إرساء مقومات المصالحة بين الضحايا وتاريخهم، عبر إسماع صوتهم ومعاناتهم؛
- إنشاء مركز أو مراكز لحفظ الذاكرة.
علاوة على مشاركة الهيئة في أنشطة متعددة، داخل المغرب وخارجه، تدخل ضمن تعزيز هذا المسار، عملت على تنظيم أنشطة تمثلت أساسا فيما يلي:
- تشجيع حوار وطني حول مقومات العدالة الانتقالية، من خلال تنظيم أيام دراسية وندوات فكرية ذات صلة بالموضوع؛
- تنظيم لقاءات تواصلية بالتعاون مع مؤسسات تعليمية وتربوية للتعريف بمهام الهيئة؛
- تنظيم جلسات استماع عمومية للضحايا وجلسات خاصة مع بعض الشخصيات التي عاصرت أحداث معينة؛
- تأطير العديد من الأنشطة التي نظمتها جمعيات ومؤسسات وطنية تهتم بمجالات التنمية والتربية على حقوق الإنسان.
- التعريف بالتجربة المغربية في مجال التسوية غير القضائية لماضي الانتهاكات في العديد من المحافل والمنتديات الدولية (مونتريال، برلين، بروكسيل، أمستردام، القاهرة، باريز، جنيف)؛
- تنظيم دورات تدريبية لمنظمات غير حكومية عربية في مجال العدالة الانتقالية؛
- تنظيم جلسات حوارية حول المواضيع التالية:
- إشكالية الانتقال الديمقراطي؛
- تجاوز العنف كاستراتيجية للتدبير السياسي؛
- الإصلاحات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛
- الإصلاحات على المستوى التربوي والثقافي؛
- الإصلاحات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
- عقد لقاء حول الأرشيف بالمغرب؛
- تكوين رصيد وثائقي مكتوب وسمعي بصري حول بعض المواضيع والأماكن ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي يمكن أن تساهم في حفظ الذاكرة.
خامسا- أدوات عمل بمثابة سند أساسي
من المهام الرئيسية التي أنجزتها الهيئة جمع وتوثيق أرشيف متعدد ومتنوع المصادر والطبيعة، مما جعلها تساهم في سد الخصاص الذي تعاني منه مختلف الأرشيفات ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان موضوع اختصاص الهيئة. ولذلك حرصت على تنظيمه وصيانته وفق نظام خاص للأرشفة والتوثيق، من جهة، ونظام معلومات يستند إلى قاعدة بيانات ذات أهمية بالغة في عمليات التخزين والترتيب والتحليل، من جهة أخرى. ولضمان إشراك كل قطاعات المجتمع في تتبع أعمالها والتفاعل معها، حرصت الهيئة على وضع خطة للتواصل تجاه الضحايا أو عائلاتهم وممثليهم، ووسائل الإعلام السمعي البصري والصحافة، وسائر مكونات المجتمع المدني.
1- نظام المعلومات
اعتمدت الهيئة نظاما معلوماتيا متخصصا، وفق المعايير والقواعد التكنولوجية الحديثة. لتسهيل حفظ وتدبير ومعالجة الملفات والطلبات الواردة على الهيئة، وقد مكن هذا النظام من تحصيل وتحليل المعطيات والمعلومات المرتبطة بتلك الملفات. كما تم استعماله كأداة لتجميع المعلومات وتحليلها طيلة فترة أشغال الهيئة.
2- التواصل
تقوم الخطة التواصلية للهيئة على مبادئ الانفتاح والإصغاء والتفاعل الإيجابي والتشارك مع وتجاه الجهات المعنية بمهامها، من ضحايا وذوي حقوقهم، أفرادا وجماعات، ومسؤولين رسميين، وفاعلين سياسيين، ومنظمات حقوقية، وأوساط أكاديمية، ومؤسسات إعلامية وشركاء دوليين وغيرهم.
وترتكز هذه الخطة على العناصر التالية:
- اطلاع وإخبار الرأي العام حول برامج عمل الهيئة وأنشطتها وطرق عملها؛
- التواصل عبر تنظيم برامج وجلسات حوارية وتقديم مساهمات حول مواضيع ذات صلة بالمهام الموكولة للهيئة، عبر قنوات الاتصال والتواصل (الإذاعة؛ التلفزيون؛ الصحافة المكتوبة؛ الأنترنيت).
ومن بين الدعامات الأساسية التي اعتمدتها الهيئة في خطتها التواصلية:
- الانفتاح على مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية، الوطنية والدولية، مع عقد شراكات مع البعض منها، وخصوصا قناتي التلفزيون العمومي والإذاعات الوطنية والجهوية؛
- طبع وتوزيع منشورات تعريفية بالهيئة موجهة للجمهور العام؛
- إنشاء موقع للهيئة على شبكة الأنترنيت حرصت على تحيينه يوميا بالأخبار والمقالات والتقارير المستجدة حول أنشطة الهيئة.
التعليقات على الموضوع