الأوجه المعتمدة في دعوى الإلغاء
يفترض في القرار الإداري الذي يؤثر في المراكز القانونية للأطراف صحته ومشروعيته إذ لا معنى لان تصدر الإدارة ( ونقصد بالإدارة جميع الجهات التي تصدر قرارات إدارية سواء كانت هذه الجهات تابعة للجهاز التنفيذي أو لغيره ) قرارات معيبة أو غير مشروعة وهي تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة طبقا للقانون.
وانطلاقا من هذه القاعدة فان على من يدعي عدم صحة وعدم مشروعية القرار الإداري أن يتبث العكس. فمتخذ القرار الإداري سواء كان القرار مشروعا أو متجاوزا للسلطة يجد نفسه دائما في مكان المدعى عليه أي في وضعية مريحة مقارنة مع طالب الإلغاء الذي يجد نفسه مكان المدعي وما تتطلبه هذه الوضعية من نفس ومن جهود للنجاح في إقناع القاضي بإلغائه. فبالرغم من أن القضاء الإداري المغربي دأب على مطالبة الإدارة بتقديم جميع الحجج التي أدت إلى اتخاذ القرار الإداري[1] فان مهمة دفاع طالب الإلغاء تبقى مهمة دقيقة وصعبة أمام الجانب التقني لهذه الدعوى.
فإلى جانب الشروط الشكلية المتعلقة بقبول دعوى الإلغاء والمتعلقة بالقرار المطعون فيه و بالطاعن في القرار و بآجال الطعن وعدم وجود إمكانية الدعوى الموازية فان المادة 20 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية تنص على أن "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة –و- يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة". وأسباب الطعن هاته هي التي تشكل الشروط الموضوعية لدعوى الإلغاء. ولا بد من التذكير بان المشرع لا يشترط أن تكون العيوب الخمسة مجتمعة كلها في القرار المطعون فيه بالإلغاء بل يكفي قيام أي عيب منها ليقرر القضاء الإداري إلغائه.
1- عيب عدم الاختصاص :
يقصد بالاختصاص الصلاحية أو الأهلية الموكولة من قبل المشرع لسلطة إدارية معينة في اتخاذ قرارات إدارية. وحينما يصدر القرار الإداري عن سلطة لا تملك الأهلية القانونية لإصداره فان القرار يشوبه عيب عدم الاختصاص.
وعيب عدم الاختصاص من النظام العام ويمكن للقاضي الإداري اتارثه تلقائيا وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى دون انتظار الدفع به من قبل المدعي.
وعدم الاختصاص كأحد عيوب القرار الإداري ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عدم الاختصاص الموضوعي، عدم الاختصاص المكاني وعدم الاختصاص الزماني.
- عدم الاختصاص الموضوعي :
وينقسم بدوره إلى عدم الاختصاص الايجابي كأن يصدر القرار على جهة غير مختصة في إصداره والى عدم الاختصاص السلبي كأن ترفض جهة مختصة إصدار قرار إداري هو من صميم اختصاصاتها. ففي الحالة الأولى يكون القرار ايجابيا صريحا بينما يكون في الحالة الثانية قرارا سلبيا وضمنيا.
ونذكر كمثال على عدم الاختصاص الايجابي حكم المحكمة الإدارية بمراكش الصادر بتاريخ 15-12-1999 الذي اعتبر قرار مجلس الوصاية البات في شأن استغلال أراضي الجيش متسما بعيب الاختصاص الموجب لإلغائه باعتبار ان الفصل 16 من الظهير المؤرخ في 27-4-1999 يحصر اختصاصات مجلس الوصاية في تنظيم وصايته على الجماعات وتدبير شؤون أملاكها وتفويتها مستثنيا أراضي الجيش[2].
ونذكر كذلك كمثال على عدم الاختصاص الايجابي حكم المحكمة الإدارية بوجدة الصادر بتاريخ 29ـ9ـ1999 الذي قضى بإلغاء قرار رئيس المجلس الجماعي المتخذ بناء على طلب السلطة المحلية الذي قرر إلغاء دورة استثنائية دعت إلى عقدها أغلبية أعضاء المجلس طبقا للفصل 15 من ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي باعتبار انه لا يملك لوحده سلطة الإلغاء. واعتبرت المحكمة أن السماح للرئيس بإلغاء دورة استثنائية تمت طبقا للفصل 15 من شأنه أن يفرغ هذا النص من محتواه إذ تصبح سلطة الرئيس حاسمة في إلغاء كل دورة لا يريد عقدها سواء بمبادرة منه أو من الغير[3]
كما يمكن الاستدلال بعدم الاختصاص الايجابي الذي أثارته المحكمة الإدارية بالرباط تلقائيا في الحكم الصادر بتاريخ 19-5-1999 حينما ألغت قرارا إداريا يرمي إلى عزل موظف من وظيفته لان القرار موقع من قبل رئيس قسم الموارد البشرية بالأصالة دون الإشارة إلى توفره على تفويض من طرف السلطة التي لها حق التسمية والتي هي في النازلة لوزير الصيد البحري[4] فيه بان توقيع القرار الإداري من طرف موظف غير ذي صفة وغير مفوض له يعتبر شططا في استعمال السلطة.
والتفويض في الاختصاص يعني أن يعهد صاحب الاختصاص الأصلي لشخص آخر بممارسة جزء من اختصاصه طبقا للشروط والضوابط التي يقررها القانون.
ودائما فيما يتعلق بعدم الاختصاص الايجابي يمكن إثارة ما قضت به المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 7-4-1999 حينما ألغت قرار العامل بسحب مقرر الترخيص الممنوح للطاعن من قبل المجلس البلدي باستغلال مضخة للوقود اعتمادا على شكاية جار للطاعن يمارس نفس التجارة بنفس الرصيف باعتبار انه فصل في منازعة تخرج عن دائرة اختصاصه وتدخل في اختصاص القضاء[5].
أما فيما يخص عدم الاختصاص السلبي فيمكن إثارة حكم إدارية مراكش الصادر بتاريخ 19 ماي 1999 الذي قرر انه لا يحق للسلطة المحلية رفض تسليم وصل الإيداع المتعلق بتأسيس الجمعيات وان القضاء وحده هو المختص بمراقبة المشروعية ومدى احترام الجمعيات للقانون والتزامها به[6].
- عدم الاختصاص المكاني
ويتعلق الأمر بإصدار قرار إداري يخرج عن الدائرة الترابية للجهة المصدرة له. فإذا كان الأصل في اختصاص بعض أعضاء السلطة التنفيذية ( كالوزراء مثلا ) يشمل مجموع تراب المملكة فان المشرع قيد اختصاص بعض الأشخاص في نطاق جغرافي محدد ويجب من ثم على هؤلاء الأشخاص أن يحترموا في اتخاذ قراراتهم الحدود الجغرافية التي تقع تحث سلطتهم وإلا لكانت هذه القرارات معيبة بعيب عدم الاختصاص المكاني.
- عدم الاختصاص الزماني
ويعني أن يصدر القرار الإداري في فترة زمنية لا يكون الاختصاص منعقدا للشخص الذي أصدره أي أن يصدر القرار إما قبل تقليد الاختصاص لمصدر القرار وإما بعد انتهاء المدة التي كان له خلالها الاختصاص.
كما أن المشرع حدد بعض المدد الزمانية لإصدار بعض القرارات الإدارية إذا لم تصدر خلالها أصبحت معيبة بعيب عدم الاختصاص الزماني.
2- عيب الشكل
يقصد بالشكل في القرار الإداري أن يتم وفقا للإجراءات التي يجب احترامها قبل صدوره وعلى الشكل الخارجي الذي نص عليه القانون. ومن الفقهاء من يفرق بين عيب الإجراء وعيب الشكل ومنهم من يجمع الاثنين في عيب الشكل.
و يمكن الدفع بعيب الشكل إذن كلما صدر القرار الإداري دون احترام الإجراءات أو الشكليات المتطلبة قانونا.
والإجراءات القانونية التي يجب أن تسبق بعض القرارات الإدارية متعددة ومتنوعة وتعني مجموع العمليات التي يجب على الإدارة إتباعها قبل الإقدام على اتخاذ القرار الإداري. وتختلف الإجراءات من قرار لآخر حيث من الممكن أن تتعلق مثلا بضمان الحق في الدفاع.
وهكذا قضت المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 27-9-2000 بإلغاء القرار الإداري الصادر عن رئيس المجلس الجماعي لسيدي بوعثمان القاضي بعزل الطاعن عن عمله لان القرار انطوى على مخالفة أساسية تتجلى في تفويت الفرصة عليه للدفاع عن نفسه ( طبقا للفصلين 66 و67 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية ) ومن تم خرق الضمانات التأديبية قبل اتخاذ العقوبة[7]
كما يمكن للإجراءات التي تسبق اتخاذ القرار الإداري أن تنصب على الالتزام باحترام وقت معين من طرف الإدارة.
وهكذا قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 25-4-2001 بان قرار توقيف الموظف مع استمرار حرمانه من رواتبه وأجوره ودون إحالته على المجلس التأديبي رغم المدة التي حددها القانون لهذه الحالة (أربعة أشهر حسب الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية ) يجعل القرار مشوبا بالشطط في استعمال السلطة وقابلا للإلغاء[8] ،
أما بخصوص الشكل الذي يجب أن يتوفر في القرار الإداري فيقصد به الصورة التي يوضع فيها القرار. ولا يشترط في القرار الإداري أن يصدر في صيغة معينة أو بشكل معين إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك. فيمكن أن يكون القرار مكتوبا أو شفويا أو أن يأخذ شكلا آخر كالإشارة أو الايماءة أو السكوت الذي يعني الرفض أو القبول. "ولا يمكن للقاضي أن يفرض على الإدارة كتابة قرارها الشفوي"[9].
والقرار المكتوب يتضمن غالبا بعض البيانات التي ينص عليها المشرع أو العرف الإداري.
ومن جملة ما يتضمنه القرار عادة مكان وتاريخ صدوره ومضمون القرار و تسبيبه والتوقيع عليه من الجهة المصدرة له.
أما فيما يخص تسبيب القرار الإداري كصورة لإشكاله فان الأمر يتعلق ببيان الأسباب الداعية لاتخاذ القرار الإداري المكتوب. والمشرع المغربي لم يلزم الإدارة بتسبيب قراراتها إلا سنة 2002 بمقتضى الظهير رقم 01-03 الصادر بتاريخ 12 غشت 2002. وهنالك فرق شاسع بين عيب الشكل المتمثل في انعدام التسبيب ( أو انعدام التعليل ) وعيب السبب الذي سنتطرق إليه فيما بعد.
ومن جهة أخرى يعتبر التوقيع من أهم الشكليات التي يجب أن يتضمنها القرار لمعرفة الشخص الذي اتخذه ومعرفة هل يتوفر على الاختصاص لاتخاذه.
ويمكن الاستدلال بحكم المحكمة الادارية باكادير الصادر بتاريخ 23-1-1997 الذي أورد أن المادة 3 من ظهير 27-4-1919 حددت تشكيلة مجلس الوصاية في انعقاده برئاسة وزير الداخلية أو من ينوب عنه ومن وزير الفلاحة والغابات أو نائبه ومديري الشؤون السياسية والإدارية بوزارة الداخلية أو من ينوب عنهما بالإضافة إلى عضوين اثنين يعينهما وزير الداخلية وان المادة 12 من نفس الظهير وضعت قواعد شكلية وإجراءات تتوقف عليها سلامة قراراته أهمها هو تشكيل هذا المجلس حسب ما ورد أعلاه وضرورة توقيع جميع الأعضاء المكونين له على المقررات الصادرة عنه. وباعتبار انه يستخلص من القرار المطعون فيه انه لا يتضمن جميع أعضاء مجلس الوصاية ولا توقيعاتهم باستثناء توقيع مدير الشؤون القروية نيابة عن وزير الداخلية الشيء الذي يجعل القرار متسما بتجاوز السلطة لإخلاله بالشكليات الجوهرية التي يترتب عن تخلفها البطلان[10].
أما فيما يتعلق بالشكل الشفوي للقرار الإداري فاهمه السكوت الذي يعني غالبا الرفض وقد يعني القبول في بعض الحالات التي يحددها القانون وهو ما يعبر عنه بالقرار الضمني. وقد نصت المادة 23 من قانون إحداث المحاكم الإدارية على انه " إذا التزمت الإدارة الصمت طوال ستين يوما في شأن طلب قدم إليها اعتبر سكوتها عنه ما لم ينص قانون على خلاف ذلك بمثابة رفض...".
3- عيب مخالفة القانون
ويتجسد هذا العيب في محل أو موضوع القرار الإداري وفي الأثر القانوني الذي يحدثه. ويشترط في المحل إلا يخالف أحكام القانون وان يكون ممكنا.
وهكذا حكمت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 13-9-1999 بإلغاء القرار الصادر عن مدير دار الحديث الحسنية القاضي برفض قبول ترشيح الطاعن لمباراة ولوج دار الحديث الحسنية بعلة عدم حصوله على الإجازة بميزة مستحسن على الأقل لأنه ما دامت شروط تنظيم مباراة ولوج دار الحديث الحسنية محددة بمقتضى المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 6-8-1968 فان أي تغيير لهذه الشروط يجب أن يكون بمقتضى مرسوم ايضا، أو بموجب مقتضيات قانونية أو تنظيمية ولا تغني عن ذلك التوصيات الصادرة عن اللجنة الوطنية للاعتماد والتقييم أو رسالة السيد وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي إلى السيد مدير دار الحديث الحسنية لان كلا من تلك التوصيات وتلك الرسالة لا ترقى إلى درجة القانون الملزم للجميع والواجب التطبيق[11].
و قضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 15 نونبر 2001 بان المجلس البلدي ملزم بمراقبة مدى مطابقة التصاميم للضوابط القانونية والتقنية المعمول بها طبقا لقانون التعمير وان منحه للرخصة المطعون فيها دون مراعاة الضوابط المذكورة يجعل قراره بهذا الشأن مشوبا بعيب مخالفة القانون مما يبرر الحكم بإلغائه[12].
وقضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 22 يناير 2004 بان إمكانية توقيف رجل السلطة من طرف عامل العمالة أو الإقليم منوط بضرورة إخبار وزير الداخلية على الفور بقرار التوقيف وباستدعاء المجلس التأديبي للانعقاد في اجل أقصاه أربعة أشهر[13] على صدور القرار، وان عدم مراعاة هذين الشرطين تجعل القرار مشوبا بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون[14].
كما قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 20-2-2002 بإلغاء قرار امتناع رئيس غرفة الصيد البحري من عقد دورة استثنائية بطلب من ثلث الأعضاء لأنه يشكل مخالفة للقانون ويتسم بالشطط في استعمال السلطة[15].
وقضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 11 دجنبر 2003 بإلغاء قرار وزير التربية الوطنية بعزل موظف اثبت أن تغيبه كان مبررا بحالته المرضية واثبت توصل الإدارة بشهادات طبية تفيد ذلك قبل اتخاذ القرار بوقت طويل وان الإدارة لم تحترم مقتضيات الفصل 75 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية مما يجعل القرار مشوب بعيب مخالفة القانون[16].
وقضت المحكمة الإدارية بوجدة برفض طلب إلغاء قرار إداري اسند المنصب الشاغر إلى معلمة حديثة العهد تقدم به احد الموظفين بسلك التعليم معللة حكمها "بان العمل على تجنيب الإناث المدرسات المشاق والانشغالات التي يتعرضن لها عند تعيينهم في المناطق النائية وجعل هذا التعيين مقتصرا على المدرسين الذكور ليس فيه أي خرق للقانون ولا يمس بمبدا المساواة وإنما يخدم المصلحة العامة المتمثلة في الرفع من مستوى المردودية وتربية النشىء في أحسن الظروف"[17].
ومن جهة أخرى فانه يشترط في المحل أن يكون ممكنا من الناحية القانونية ومن الناحية الواقعية كذلك. فلا يمكن اتخاذ قرار بتعيين موظف مثلا إذا لم يكن هناك منصب مالي شاغر أو اتخاذ قرار بترقية موظف إلى درجة أعلى بالرغم من وجود الدرجة المرقى لها مشغولة أو غير شاغرة.
كما لا يمكن اتخاذ قرار بهدم منزل آيل للسقوط إذا تبين أن المنزل قد انهار فعلا قبل اتخاذ القرار. ويترتب عن ذلك أن مثل هذه القرارات الإدارية تصبح منعدمة وليس فقط قابلة للبطلان أو الإلغاء. والفرق بين القرار المعدوم أو المنعدم والقرار الباطل أو القابل للإلغاء هو أن القرار المعدوم لا يتحصن بفوات آجال الطعن بالإلغاء.
4- عيب الانحراف في استعمال السلطة
القرار الإداري ليس غاية في حد ذاتها بل هو وسيلة يهدف منها تحقيق الغايات والأهداف والمصالح العامة للمجتمع. فإذا كان مصدر القرار الإداري يستهدف غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو غاية بعيدة عن الغاية التي حددها القانون فان قراره يكون مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة ويقال له كذلك عيب إساءة استعمال السلطة مما يجعل القرار مستحقا للإلغاء.
وكمثال عن ذلك القرار الإداري الذي يقصد به تحقيق غرض شخصي لمصدره أو كوسيلة للانتقام من غيره.
وعيب الانحراف في استعمال السلطة يكون متصلا بنفسية مصدر القرار وبنواياه وما ينتظر تحقيقه من خلال القرار الإداري. وهو عيب عمدي القصد منه غير المصلحة العامة. و كمثال على ذلك القرارات التي تهدف إلى الانتقام من موظف معين لأسباب سياسية أو نقابية أو دينية أو بسبب خصومة شخصية أو غيرها.
وقد قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بان قرار نقل موظف وان كان يتجلى من ظاهره انه اتخذ لتحقيق المصلحة العامة فانه في باطنه جاء متضمنا في طياته قرارا تأديبيا مقنعا باعتبار أن نية الإدارة اتجهت إلى عقابه ( للحيلولة بينه وبين ممارسة نشاطه النقابي ) من غير إتباع الإجراءات المقررة لذلك وبذلك تكون قد انحرفت بسلطتها في القرار لتحقيق هذا الغرض المتستر ويكون قرارها بمثابة الجزاء التأديبي مما يجعله مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة ومعرضا للإلغاء[18]
كما قضت المحكمة الإدارية بمراكش وفي نفس الاتجاه بان إصدار عقوبة تأديبية في حق موظف ثم أردافها بعد مضي يوم واحد من تاريخ استئنافه لعمله بقرار نقله لأجل المصلحة العامة دون سبب مصلحي حقيقي يدل بوضوح على انحراف الإدارة في استعمال سلطتها مما يتعين معه التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه.[19]
5- عيب السبب
السبب في اتخاذ القرار الإداري هو كل حالة قانونية او واقعية ( مادية) تدفع الجهة المختصة إلى إصداره. وتتمثل الأسباب القانونية في اتخاذ القرارات الإدارية من التشريع حيث تبقى سلطة الإدارة مقيدة وفق ما يلزمه القانون على سبيل الجزم ومن تم تنعدم سلطتها التقديرية طبقا لمبدا المشروعية. فتقديم طلب للحصول على جواز سفر مثلا واستيفائه الشروط التي يتطلبها القانون هما السبب القانوني لصدور قرار بمنح جواز السفر أو برفضه إذا لم تتوفر فيه الشروط القانونية.
أما الأسباب الواقعية أو المادية التي تدفع السلطة لاتخاذ بعض القرارات الإدارية فإنها تخضع لسلطتها التقديرية بحسب الظروف والملابسات المحيطة بكل حالة على حدة. فشغل منصب مالي شاغر مثلا لا يعني أن الإدارة ملزمة بالتعيين مثلا.
وقد اختلط الأمر على المشرع المغربي بالمادة 20 من القانون رقم 90-41 بين عيب انعدام التعليل الذي هو بإجماع الفقه والقضاء من مشتملات عيب الشكل اللاحقة بالقرارات الإدارية والذي أصبح منصوصا عليه بمقتضى الظهير رقم 01-03 المؤرخ في 12 غشت 2002 بشأن إلزامية التعليل أو إلزامية التسبيب وبين عيب السبب المتحدث عنه سابقا والذي اجمع عليه الفقه وأكده القضاء.
وقد وقعت وزارة العدل في نفس الخطأ من خلال دليل المحاكم الإدارية الصادر سنة 2004 حينما اعتبرت بان انعدام التعليل هو عيب السبب[20] . كما وقع بعض القضاء في نفس الخلط حينما اعتبر بان "انعدام التعليل يقوم مقام الخطأ في التسبيب أي عدم صحة الوقائع المعتمدة كسبب للقرار الإداري المتخذ"[21] .
وعلى خلاف انعدام التعليل او انعدام التسبيب فالسبب هو الحالة القانونية أو الواقعية التي تدفع الإدارة إلى إصدار القرار الإداري. ففي الحالة الأولى تكون سلطة الإدارة مقيدة طبقا للقانون أما في الحالة الثانية فان الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في انخاد القرار.
إلا أن السلطة التقديرية للإدارة ليست بسلطة مطلقة في بعض الحالات وتبقى للقضاء سلطة الملائمة. إلا انه لا يصح للمحكمة تعديل القرار الإداري بل يقتصر دورها في الإلغاء أو في رفضه لا غير.
وهكذا قضت المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 10-7-1997 ان وجود نظام قانوني يحدد شروط وكيفيات إبرام الصفقات العمومية يتنافى والقول بصلاحيات تقديرية مطلقة للإدارة فيما يخص إبرام الصفقات. وباعتبار ان اقصاء الطاعنة يتمثل أساسا في وجود منازعة قضائية بين الطرفين وان هذه العلة التي اعتمدتها الإدارة تخرج عن القواعد والمعايير التي وضعها ظهير 1976 والتي تعتبر معايير موضوعية تعتمد الكفاءة التقنية والمالية وتستبعد الحزازات والاعتبارات الشخصية، فان القرار المطعون فيه يكون مشوبا بعيب تجاوز السلطة ويكون بالتالي جدير بالإلغاء[22].
و قضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 14 فبرابر 2002 على أن أي قرار إداري يجب ان يقوم على سبب يبرره. وان الرقابة القضائية تمتد إلى صحة الوقائع التي تكون ركن السبب في الجزاء التأديبي. وانه أمام عدم ثبوت المخالفات المنسوبة يكون القرار المطعون فيه مشوبا بتجاوز السلطة لعيب انعدام السبب مما يتعين معه الحكم بإلغائه[23].
كما قضت المحكمة الرادارية بالدار البيضاء بتاريخ 21-11-2001 ان القاضي الإداري باعتباره قاضي المشروعية له أن يتفحص القرارات الإدارية المتخذة من طرف الإدارة ومقارنتها مع الأسباب المعتمدة في اتخاذ هذه القرارات وذلك في إطار سلطة الملائمة. واعتبرت أن القرار الإداري يكون مشوبا بالشطط في استعمال السلطة متى ثبت ان العقوبة التأديبية لا تتناسب والأفعال المنسوبة للطاعن[24].
وفي نفس الاتجاه قضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 27 يونيو 2002 بان القول بتناسب عقوبة العزل التي هي اشد الجزاءات التأديبية صرامة وأكثرها وقعا على حياة الموظف ومستقبله مع خطأ منسوب إلى هذا الأخير يستلزم بالضرورة ان يكون هذا الخطأ من النوع الذي يجعل من مرتكبه شخصا متنافيا مع وظيفته وغير صالح لها على الإطلاق. وانه ما دام الخطأ المنسوب ليس بهذا الوصف والتأثير فان ترتيب عقوبة العزل يتسم بالغلو وعدم الملائمة مما يجعل القرار بتبني هذه العقوبة مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة ويتعين إلغاءه[25].
كما قضت المحكمة الإدارية بمكناس على أن الإدارة ولان كانت تتمتع بسلطة تقديرية لمنح الترخيص في متابعة الدراسة، فان ممارسة هذه السلطة لابد أن تأسس على معطيات واقعية موضوعية تستهدف الموازنة بين متطلبات المرفق العمومي والحق في متابعة الدراسة الذي يعتبر حقا دستوريا، إذ أن الحق في الامتناع عن منح الترخيص المذكور لا يكون له مسوغ إلا في حالة عدم إمكانية الجمع بين هذين الامرين وهو الشيء الذي لم تثبته وثائق الملف مما يجعل القرار الضمني بالرفض مشوبا بتجاوز السلطة ومآله الإلغاء[26].
المراجع :
المؤلفات :
عبد الوهاب رافع، مقاضاة الدولة والمؤسسات العمومية في التشريع المغربي، 1987.
عبد القادر باينة، تطبيقات القضاء الإداري بالمغرب، دار توبقال للنشر، 1988.
عبد الله حداد، القانون الإداري على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية، منشورات عكاظ، 1994.
ميشيل روسي، المنازعات الإدارية المغربية، منشورات لابورط، 2001.
محمد المحجوبي، الوجيز في القضـاء الإداري بعد إحــداث المحاكم الإدارية، دار القلــم، 2002.
وزارة العدل، دليل المحاكم الإدارية، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 3، 2004.
خالد سمارة الزغبي، القرار الإداري بين النظرية والتطبيق، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع بعمان، 1999.
نـوفل كنـعان، القـانــون الإداري، الكتــاب الأول، دار الثـقـافـة للنشـر والتـوزيع، عمان، 2002.
نوفل كنعان، القانون الإداري، الكتاب الثاني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2005.
محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري، الكتاب الأول والثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2003.
احمد بوعشيق، الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، الجزء الأول والثاني والثالث، منشورات المجلـة المغـربية للإدارة المحلـية والتنميـة، سلسلـة دلائل التسيير، 2004
[1] محمد محجوبي، الوجيز في القضاء الإداري المغربي بعد إحداث المحاكم الإدارية، دار القلم، 2002، ص. 131 )
[3] ( المحكمة الإدارية بوجدة، حكم 111-99، بتاريخ 29 شتنبر 1999، الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، 16، الجزء الأول، ص.175.).
[6] ريمالد، المرجع السابق، ص. 181، أو حكم نفس المحكمة الصادر بتاريخ 9-10-1997، مجلة المحامي العدد 32 ص,262.
Post a Comment