عقد التدبير المفوض
مقدمة
يعتبر التدبير المفوض من الأساليب الحديثة لتسيير المرافق العمومية، و خاصة منها المحلية، و قد ظهر مصطلح تفويض المرفق العمومي أول الأمر بفرنسا سنة 1987 في دورية 7 غشت 1987 المتعلقة بتدبير المرافق المحلية، و استخدم المشرع الفرنسي تفويض المرفق العام délégation du service public في قانون 6 فبراير 1992 الخاص بالإدارة اللامركزية للجمهورية، حيث يفرض هذا القانون بعض الشروط الإجرائية في إبرام عقود تفويض المرفق العام من قبل الجماعات المحلية، كما يقر مبدأ العلانية السابقة، غير أن قانون 29 يناير 1993 الخاص بالوقاية من الرشوة و وضوح الحياة الاقتصادية و المساطر العمومية، قطع شوطا كبيرا في تطور الفكرة، حيث وسع نطاق عقود تفويض المرافق العامة إلى العقود التي يبرمها كل شخص عام،كما استخدم المشرع نفس المصطلح في القانون الصادر في 2 فبراير 1995 المتعلق بتقوية البيئة، و قانون 4 فبراير 1995 المتعلق بالصفقات العمومية، و تفويضات المرفق العام .
أما بالمغرب، فبدا بالتدبير المفوض من التسعينات، نظرا للتحولات الكبرى التي عرفها، و خاصة على صعيد الشأن العام، إذ سيتم البدء في تطبيق مقتضيات قانون الخوصصة و الذي ادخل ثقافة اقتصادية جديدة في المغرب، و هكذا وقع المغرب أول عقد للتدبير المفوض سنة 1997 بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء و شركة la lyonnaise des eaux و الذي تحول بموجبه تدبير مرفق توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل لهذه الشركة لمدة 30 سنة.
و يبقى لجوء السلطة العمومية بتفويت بعض القطاعات الحيوية للشركات الخاصة من اجل تسييرها نتيجة لعدة أسباب: فإذا كانت فرنسا قد لجأت لهذا الأسلوب لإعادة تأهيل المرافق العامة المحلية لان لفرنسا رهانات كبرى تتمحور حول الاتحاد الاروبي، فان اللجوء للتدبير المفوض بالمغرب، قد أملته التحولات الكبرى للنظام العالمي الجديد، و اكراهات المؤسسات المالية، حيث أصبح المغرب مطالبا بتلميع صورته على الصعيد الداخلي و الخارجي ، بالإضافة إلى نهج الدولة سياسة التخلي ناهيك عن غياب الوسائل اللوجستيكية و قصور المقاربة الكلاسيكية البحتة في تسيير المرافق العمومية المحلية، خاصة إذا علمنا أن هذه الأخيرة تعاني من ضعف الاستثمار و سوء التدبير و ارتفاع تكاليف التمويل.
كما انه و إذا كانت فرنسا قد حاولت تقنين التدبير المفوض و لو بطريقة غير مباشرة من خلال بعض القوانين ، فان المغرب كذلك أحال على أسلوب التدبير المفوض في بعض القوانين على سبيل الإشارة فقط، و هكذا فالمغرب عرف التدبير المفوض كممارسة لما يناهز عشر سنوات حتى شهد تاريخ 14 فبراير 2006 ميلاد قانون 05- 54 المتعلق بالتدبير المفوض.
و بالرغم من أن التاطير القانوني للتدبير المفوض بالمغرب لا يختلف عن نظيره الفرنسي، فالإشكال الذي يبقى مطروحا هو: لماذا لم يتم التوصل لنفس النتائج في ظل تجارب التدبير المفوض؟ لماذا فشلت التجربة المغربية؟ و نجحت في فرنسا؟
و هذا لن يتأتى لنا إلا من خلال الإلمام بالتساؤلات التالية:
ما هو التدبير المفوض و ما هي طبيعته القانونية و ما خصوصياته؟ و هل انعكست تجربة التدبير المفوض بشكل ايجابي أم سلبي على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية؟ و ما مدى تأثير التدبير المفوض على المرفق العام ككل؟ و على علاقة هذا الأخير بالمواطن؟
و هذا لن يتضح إلا بالتطرق لبعض من تطبيقات التدبير المفوض، و عليه سنتناول الطبيعة القانونية للتدبير المفوض و خصوصياته في المبحث الأول على أن نبرز انعكاسات التدبير المفوض من خلال الممارسة لهذا الأخير كمبحث ثان و ذلك وفق المنهجية التالية:
المبحث الأول: الإطار القانوني لعقد التدبير المفوض
المطلب الأول: الطبيعة القانونية و الفقهية لعقد التدبير المفوض
المطلب الثاني: خصوصيات عقد التدبير المفوض
المبحث الثاني: المقاربة العملية لعقد التدبير المفوض
المطلب الأول: تطبيقات عقد التدبير المفوض
المطلب الثاني: انعكاسات التدبير المفوض
المبحث الأول: الإطار القانوني لعقد التدبير المفوض
أن صدور القانون 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، يعد حدثا بارزا، حيث جاء في الوقت المناسب لسد فراغ تشريعي في مجال تسيير المرافق العامة، و ضبط سلوكات و ممارسات تواترت في غياب تام لمقتضيات قانونية خاصة بهذا الأسلوب.
و يجسد التدبير المفوض إحدى الحالات النادرة في بلادنا، و التي تكشف عن تأخر القانون عن الواقع، إلا أن المشرع تدارك ذلك و وضع إطارا قانوني عام و واضح ارتقى بأسلوب التدبير المفوض إلى المستوى المؤسساتي، حيث أصبح هذا الأسلوب خاضعا لتنظيم محكم و مفصل، يطبق على مراكز الأطراف المعنيين به، و يضبط علاقتهم، و يحدد نوعية و مستوى الخدمات المقدمة للمرتفقين.
و سنحاول تفصيل ذلك داخل هذا المبحث من خلال مقارنته بمثيله في فرنسا من خلال مطلبين نتناول في الأول الطبيعة القانونية و الفقهية لعقد التدبير المفوض، على أن نتناول في المطلب الثاني خصوصياته.
المطلب الأول: الطبيعة القانونية و الفقهية لعقد التدبير المفوض
لم يقم المشرع المغربي أو الاجتهاد القضائي بإعطاء أي تعريف للتدبير المفوض باستثناء ما تم التنصيص عليه في المادة 39 من الميثاق الجماعي 78.00 حيث تم ذكر المرافق و التجهيزات العمومية المحلية التي يقرر المجلس في طريق تدبيرها عن طريق الوكالة المباشرة و الوكالة المستقلة و الامتياز و كل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للأنظمة المعمول بها.
و إلى حدود سنة 2004 لم يكن هناك أي قانون يقوم بتنظيم عقود التدبير المفوض، و بذلك ظلت الترسانة القانونية مبتورة علما أن مجموعة من المرافق العمومية قد تم تفوت تدبيرها للخواص.
أولا: تعريف التدبير المفوض
يعرف القانون الجديد الخاص بالتدبير المفوض هذه التقنية بمثابة عقد يفوض بموجبه شخص معنوي عام يسمى "المفوض"، لمدة محدودة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي عام أو خاص "المفوض إليه"، و الذي يصبح في حكم المخول له تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا. مؤكدا أن العقد قد يكون موضوعه أيضا في السياق ذاته انجاز أو تدبير منشاة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العمومي المفوض.
و بالرجوع إلى مختلف التعريفات التي حاولت مقاربة مفهوم التدبير المفوض و تحديد مدلول هذا الأسلوب في تدبير المرافق العامة، نجد الأستاذ احمد بوعشيق قد عرفه بأنه عقد إداري تعهد السلطة المفوضة للمفوض له، داخل المجال الترابي المحدد في مدار التفويض باستغلاله و تدبير المرفق العام الصناعي و التجاري المحلي لمدة محددة تنتهي بانقضاء مدة العقد.
و اعتبره الأستاذ عبد الله حداد: طريقة جديدة من بين الطرق المعتمدة لتسيير المرافق العامة، تتشابه مع عقد الامتياز، و تختلف عنه لان المدة الزمنية لعقد الامتياز تكون أطول، كما أن الملتزم يتعهد بتوفير الأموال و المستخدمين بينما في التدبير المفوض تبقى التجهيزات في ملكية الإدارة، كما يحتفظ المفوض له بالمستخدمين مع مراعاة حقوقهم .
في حين عرفه الأستاذ محمد اليعقوبي: كل تدبير لمرفق عام بواسطة شخص معنوي خاص، و غالبا ما يوكل تفويض تدبير المرافق العامة للخواص و التدبير المفوض بغطي مختلف طرق التسيير التقليدية مثل عقود الامتياز و الوكالة و مختلف اتفاقيات التفويض الذي يختلف مداه بين حد أقصى و حد ادني.
هذه المقاربة و إن كانت صحيحة إلى حدود صدور القانون الجديد المتعلق بالتدبير المفوض فقد أصبحت متجاوزة لاسيما و أن القانون الجديد يتبنى تصورا جديدا للتعاقد مع شخص معنوي عام أو خاص مما يصبح معه استحالة تعريفه من خلال نظام الامتياز.
فالتدبير المفوض أصبح له مفهوم اعم يجمع بين جميع الأشكال الاستغلالية الانجازية و التدبيرية للمرافق العمومية.
و في نفس السياق، فان مختلف التعريفات التي حاولت مقاربة التدبير المفوض للمرافق العامة نجد أن أهم ما يميزها هو التناقض و عدم وضوح ماهية هذا الأسلوب، حيث اغلب تلك المقاربات تندرج في إطار الأشكال التقليدية المختلفة للتسيير المفوض كالامتياز و العقود الأخرى المتفرعة عنه كما هو الشأن في القانون الفرنسي.
ففي قراءة متأنية لهذه المقاربات تقود إلى اللبس قياسا على ما دأب عليه الفقه الفرنسي في مقارباته للموضوع، فالتسيير المفوض بما لا يدع مجالا للشك هو شكل جديد ينفرد عن الأشكال التقليدية ببعض العناصر الجوهرية التي حددها المشرع في القانون الإطار لعقود التدبير المفوض.
و على هذا الأساس، يمكن الجزم بكون التدبير المفوض يعتبر عقد إداري أملته معطيات عملية، و بالتالي فتطبيقاته من خلال التجربة المغربية بعيدة كل البعد عما هو وارد في التشريع، القضاء و الفقه الفرنسي، و لعل الهاجس الأساسي بالنسبة للمغرب يبقى دعم المنافسة لتكريس الشفافية و توفير كل الشروط المناسبة لانجاز هذه المقاربة الجديدة في إسناد عقود التدبير المفوض، خصوصا بعد ظهور العديد من الاختلالات و الانتقادات التي وجهت للنماذج التقليدية مما يدفع بالمشرع باستحداث هذه التقنية الجديدة.
ثانيا: المفهوم القضائي لعقد التدبير المفوض
إن التدبير المفوض لا يعني الخوصصة النهائية، بقدر ما يعني تفويض التدبير فقط دون التنازل عن القطاع الذي يظل خاضعا لملكية المجلس الذي له وحده الحق في التصرف فيه و في ملكيته، أما الطرف المفوض له فلا يجوز له التصرف في المرفق بالبيع أو الشراء أو التنازل عليه لصالح الغير.
تأسيسا على ما سبق يمكن القول بان التدبير المفوض كوسيلة حديثة للنهوض بالشأن المحلي و تمكين المواطنين من الحصول على جودة أفضل في الخدمات المقدمة على مستوى المنتوج و الأداء و على مستوى المحيط البيئي العام للمدينة و يقوم على مجموعة من المبادئ.
فعلى مستوى الاجتهاد القضائي الفرنسي، اقر مجلس الدولة عدة مبادئ نذكر منها:
لا يجوز لبعض الهيئات العمومية أن تتنازل عن اختصاصها لفائدة شخص خاص، كتفويض اختصاصات الغرف الفلاحية أو مهام الشرطة لصالح الأشخاص الخاصة.
السلطة المفوضة تلتزم بمراقبة المفوض له لكي يحترم قواعد المرفق العام، فان رفض تطبيقها يحق للمستفيدين من المرفق أن يرفعوا دعوى ضده.
يجوز للسلطة المفوضة أن تعدل شروط تنفيذ العقد كما يجوز لها أن تضع نهاية لعقد التدبير المفوض.
يعتبر عقد الانتداب عقدا إداريا و هذا هو الرأي المسلم به في الفقه الفرنسي، الذي اعتبر أن عقود التدبير المفوض هي بالضرورة عقود إدارية لكونها تتضمن معايير العقود الإدارية.
و من الناحية القضائية أكد القضاء الفرنسي انه يكفي لتقرير الصفة الإدارية للعقد أن يكون موضوعه يتعلق بتنفيذ مرفق عام، دون البحث فيما إذا كان العقد يتضمن شروطا استثنائية أم لا.
المطلب الثاني: خصوصيات عقد التدبير المفوض
إن التدبير المفوض باعتباره عقدا إداريا يتضمن محددات تؤطر تمايزه عن باقي الأشكال الأخرى كالامتياز و الاستئجار و الإنابة، كما انه يتميز بنظام قانوني يجسد المبادئ التي يقوم عليها هذا العقد، و يحتوي عقد التدبير المفوض على مجموعة من العناصر الجوهرية التي تعد المرجعية الأساسية المكونة للعقد و هي: الاتفاق، دفتر التحملات و الملاحق، و عليه للوقوف على خاصيات عقد التدبير المفوض يجب التطرق إلى طرق إبرام العقد، مدته و نوعية الرقابة المطبقة على هذا النوع من العقود دون أن ننسى الحديث عن حقوق و واجبات المفوض إليه.
أولا: طريقة إبرام العقد
إذا كان عقد الامتياز يتم إبرامه بحرية، دون اللجوء أحيانا إلى مسطرة الإشهار و الإعلان عن المنافسة نجد المشرع في عقد التدبير المفوض قد ألزم السلطة المفوضة بوضع دفتر التحملات الخاص بين المتنافسين، من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من الشفافية بل الجودة بالنسبة للمرتفقين.
و في هذا الإطار نميز بين الطرق العادية و الاستثنائية لإبرام عقد التدبير المفوض.
1- الحالات العادية : كقاعدة عامة، و طبقا للمادة 5 من قانون 54.05: لاختيار المفوض إليه يجب على المفوض القيام بدعوة إلى المنافسة قصد ضمان المساواة بين المرشحين و موضوعية معايير الاختيار و شفافية العمليات و عدم التحيز في اتخاذ القرارات، يجب أن تكون مسطرة إبرام عقد التدبير المفوض إشهار مسبق، كما أن أشكال و كيفيات إعداد وثائق الدعوة إلى المنافسة، و لاسيما خلال مختلف مراحلها، بالنسبة للجماعات المحلية من قبل الحكومة، و بالنسبة للمؤسسات العمومية من قبل مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي.
يتضح من خلال هذه المادة أن تطبيق عقد التدبير المفوض يجب أن يخضع لمبدأ الموضوعية و الشفافية و المساواة عن طريق الإشهار و الإعلام عن المنافسة و ذلك تطبيقا لما جاء في مرسوم 30 دجنبر 1998 المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة.
و ما يميز عقد التدبير المفوض، مقارنة مع باقي العقود خصوصا عقد الامتياز كون ابرم عقد التدبير المفوض ينتم بطرق متعددة حيث يتم بحرية عن كريق المباراة، طلب العروض أو الاتفاق المباشر حسب الأحوال.
و في هذا الصدد نجد فرنسا بدورها لم تخرج عن هذا الإطار، حيث تنص المادة 38 من قانون 29 يناير 1993 المتعلق بمحاربة الرشوة و شفافية الحياة الاقتصادية و الإجراءات العمومية على أن تفويض المرفق العمومي يتم وفق إجراءات تحترم الشفافية و الإشهار و تتم بناء على طلب العروض و في إطار منافسة محدودة كما أن هناك مجموعة من القيود التي وردت على أسلوب التنافس و طلب العروض، فقانون 8 غشت 1994 أكد على عدم إخضاع العقود التي لا يتجاوز مجموع تحملات المفوض 1.35 مليون فرنك فرنسي للمنافسة و طلب العروض.
2- الحالات الاستثنائية : مما لاشك فيه أن القانون حدد الحالات الاستثنائية لإبرام عقد التدبير المفوض، و ذلك عن طريق التفاوض المباشر أو الاقتراحات التلقائية.
فبالنسبة لاختيار المفوض إليه عن طريق التفاوض المباشر فيتم في الحالات الاستثنائية التالية:
- حالة الاستعجال قصد ضمان استمرارية المرفق العام.
- أسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام.
- بالنسبة للأنشطة التي يختص باستغلالها حاملوا براءات الاختراع.
- بالنسبة للأعمال التي لا يمكن أن يعهد انجازها إلا إلى مفوض إليه معين.
إن اللجوء إلى مسطرة التفاوض المباشر قد تكون في بعض الحالات نتيجة رفض المستثمرين التقدم بملفاتهم بسبب رفضهم القيام بذلك في إطار المنافسة، و من اجل ذلك أكد المشرع انه إذا كان المفوض جماعة محلية، و إذا تم الإعلان عن عدم جدوى الدعوة إلى المنافسة أو إذا لم يتم تقديم أي عرض يمكن للمفوض المذكور أن يلجا إلى التفاوض المباشر و ذلك بعد إعداد تقرير يبين فيه الأسباب التي أدت إلى اللجوء إلى هذه الطريقة و إلى اختيار المفوض إليه المقترح، و يعرض التقرير المذكور على مصادقة سلطة الوصاية على الجماعات المحلية لاتخاذ القرار بشان التدبير المفوض للمرفق العام المعني.
كما يمكن اختيار المفوض إليه عن طريق الاقتراحات التلقائية ، حيث يمكن لأي شخص أن يقوم بتدبير المرفق العام بصفة تلقائية إذا كان يجيد استعمال تقنية أو تكنولوجيا من شانها أن تكون مفيدة في تدبير مرفق عام.
ثانيا: مدة العقد
تنص المادة 18 من القانون 54.05 على انه " يجب أن تكون مدة كل عقد تدبير مفوض محددة، و يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في المدة طبيعة الأعمال المطلوبة من المفوض إليه و الاستثمار الذي يجب أن ينجزه، و لا يمكنها أن تتجاوز المدة العادية لاستهلاك الإنشاءات عندما تكون المنشاة ممولة من قبل المفوض إليه. لا يمكن تمديد مدة العقد إلا عندما يكون المفوض إليه ملزما من اجل حسن تقنين خدمة المرفق العام أو توسيع نطاقه الجغرافي و بطلب من المفوض، بانجاز أشغال غير واردة في العقد الأولي، من شانها أن تغير الاقتصاد العام للتدبير المفوض و لا يمكن استهلاكها خلال مدة العقد المتبقية إلا مقابل رفع مفرط في الثمن بشكل جلي" ، من هنا نجد القانون المغربي الجديد على غرار نظيره الفرنسي ل 29 يناير 1993 لم يحدد مدة العقد على سبيل الحصر.
في حين كانت مدة عقد التدبير المفوض قبل صدور القانون 54.05 لا تتعدى 30 سنة، و لا تقل عن 5 سنوات استنادا لمختلف التطبيقات التي عرفها المغرب في هذا المجال ابتداء من سنة 1997 .
و عليه، انطلاقا مما سبق، يمكن القول أن مدة العقد منظمة على الأقل بالنظر إلى المهام المطلوب القيام بها من طرف المفوض إليه، أو بالنظر إلى قيمة و طبيعة الاستثمارات المنفذة. إذا كان المفوض إليه يتحمل مسؤولية الاستثمارات المنفذة في البنيات الأساسية على سبيل المثال، فان المدة قد تكون طويلة بما يمكن المفوض إليه انجاز المهام المعهودة إليه بتنفيذها، أما إذا كان الأمر يتعلق فقط بتسيير مرفق عمومي فان المدة و إن كانت قصيرة فهي كافية، و في جميع الحالات كما أكد ذلك المجلس الدستوري الفرنسي فالمدة مرتبطة بالحرية التعاقدية للأطراف المتعاقدة .
و بمقتضى المادة 13 من القانون الجديد نجد المشرع المغربي قد أكد انه لزوما يجب أن تنحصر قصرا مدة التمديد على الآجال الضرورية لإعادة توفير شروط استمرارية المرفق أو التوازن المالي للعقد على أن هذا التمديد غير وارد إلا مرة واحدة، مع تبرير ذلك في تقرير يعده المفوض و أن يكون موضوع عقد ملحق يعقد التدبير المفوض، و في جميع الحالات فان هذا التمديد غير وارد من قبل الجماعات المحلية و هيأتها إلا بعد مداولة خاصة للجهاز المختص.
كما يجب نشر عقود التدبير المفوض في الجريدة الرسمية بالنسبة لجميع المؤسسات العامة و الجماعات المحلية، و أن يتضمن ذلك صفات المتعاقدين و موضوع التفويض و مدته و محتواه. و ذلك تجسيدا لمبدأ الشفافية و الوضوح.
فيما يخص إنهاء عقود التدبير المفوض، فإنها تتم إما بطريقة طبيعية بعد انتهاء مدة العقد أو قد يتم استرجاع المرفق قبل انتهاء مدة العقد، وهو ما تنص عليه المادة 46 من عقد التدبير المفوض مع لاليونيز دي زو بالدار البيضاء، و المادة 70 من عقد التدبير المفوض لريضال بالرباط، إما بناء على اتفاق الطرفين، أو أن تقوم السلطة المفوضة باسترجاع التفويض عن طريق الشراء بعد مرور مدة محدودة باتفاق الطرفين. و تصل هذه المدة في كل من عقد لاليونيز دي زو و ريضال إلى 15 سنة حسب المادة 41 من العقد الأول و المادة 71 من العقد الثاني.
كما يمكن إنهاء عقد التدبير المفوض في حالة ارتكاب المفوض إليه خطا جسيما، أو فسخ العقد نتيجة ارتكاب المفوض لخطأ بالغ الجسامة. كما تعد القوة القاهرة سببا منطقيا لفسخ العقد، و عموما فان إنهاء التدبير المفوض يحدد بموجب عقد يتضمن اتفاقية بين المفوض له و السلطة المفوضة و دفاتر التحملات و ملحقات، تحدد جميعها العلاقة بين السلطة المفوضة و المفوض له.
ثالثا: شكل الرقابة
إذا كانت الأساليب التقليدية لتدبير المرافق العامة كالامتياز، تخضع من حيث الرقابة لظهير 14 ابريل 1960 المعدل بقانون 69.00 المتعلق بالرقابة المالية للدولة على المؤسسات العمومية و الشركات ذات الامتياز، و المنظمات المستفيدة من الدعم المالي العمومي، فان عقود التدبير المفوض تخضع بالإضافة إلى رقابة المجالس الجهوية للحسابات طبقا للفقرة الثانية من المادة 118 من قانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية و رقابة المجلس الأعلى طبقا للمادة 25 المنظم له، لرقابة لجينة الضبط أو لآليات الافتحاص الخارجي و التدقيق، بمبادرة من وزير الداخلية و الوزير المكلف بالمالية .
كما ينفرد المفوض تجاه المفوض إليه بسلطة عامة للمراقبة الاقتصادية و المالية و التقنية و الاجتماعية و التدبيرية المندرجة في إطار الالتزامات المتبادلة المترتبة على مقتضيات العقد .
و في هذا السياق يتمتع المفوض بكيفية مستمرة بجميع سلط المراقبة للتأكد من خلال المستندات و بعين المكان من حسن سير المرفق المفوض، و سلامة تنفيذ مقتضيات العقد، إذ يجب أن يتضمن عقد التدبير المفوض دورية و أشكال المراقبة.
كما يمكن للمفوض أن يحضر بصفة استشارية اجتماعات مجلس الجهات المكلفة بالتفويض و كذا في الجمعيات العامة للشركة المفوض إليها. إلا إذا نص عقد التدبير على خلاف ذلك، و أن أي عرقلة لهذه المراقبة، تعرض المفوض إليه للزجر.
أما ما يتعلق بتتبع التدبير المفوض ، فيتم عبر هياكل ينص عليها عقد التدبير المفوض، و يحدد اختصاصاتها و صلاحيتها. و يحدد نظام داخلي كيفيات سير هذه الهياكل.
و فيما يخص المراجعات الدورية فأكد المشرع على ضرورة تنصيص العقد على عقد اجتماعات بين المفوض و المفوض إليه، وفق فترات منتظمة، للنظر في مدى تقدم تنفيذ العقد، كما يجوز أن يرخص العقد للمفوض و المفوض إليه بإعادة النظر في شروط و سير التدبير المفوض قصد ملاءمته مع الحاجيات عملا بمبدأ ملائمة المرفق العام.
و من واجب المفوض أن يتخذ جميع الإجراءات الضرورية لأجل حسن تنفيذ التدبير المفوض و المترتبة على الالتزامات التعاقدية و لاسيما في مجال التعريفات.
و تكمن حجة المشرع في هذه المراقبة، في كون المفوض له يدير مرافق عمومية حيوية تمس الحياة اليومية للمواطنين و أن أي إخلال يؤدي إلى نتائج وخيمة.
كما تتضمن عقود التدبير المفوض في صيغتها الجديدة مقتضيات خاصة بالجزاءات، التي قد يتعرض لها المفوض إليه في حالة إخلاله بالتزاماته في إطار الصلاحية المعطاة للمفوض لتتبع و مراقبة عقد التدبير المفوض حسب المادة 19 من القانون الجديد للتدبير المفوض رقم 54.05، و تمتد تلك العقوبات لتشمل زجر عرقلة المراقبة التي يمارسها المفوض، و كذا زجر عدم الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالإعلام و التواصل التي على المفوض إليه القيام بها. و تندرج في نفس السياق أحكام المادة 30 من القانون الجديد للتدبير المفوض الذي وضع في إطار المراقبة الداخلية نظاما بالإعلام و التدبير و المراقبة الداخلية و الإشهاد على الجودة.
رابعا: حقوق و واجبات المفوض إليه
إذا كان عقد التدبير يسمح للمفوض إليه أن برخص بكيفية تبعية للتعاقد من الباطن بشان جزء من الالتزامات التعاقدية خصوصا في مجال التعريفات، فانه يبقى مسؤولا بكيفية شخصية تجاه المفوض عن الوفاء بجميع الالتزامات التي يفرضها عقد التدبير المفوض، و ذلك باعتبار أن المشرع قد ألزم المفوض إليه بتدبير مرفق عمومي على مسؤوليته و مخاطره.
يتمتع المفوض إليه بمجموعة من الحقوق يمكن إجمالها في:
وضع الملك العام رهن تصرف المفوض إليه: من حق المفوض إليه الحصول على حق لاحتلال الملك العام، و ذلك من السلطة المختصة، أي السلطة المفوضة من اجل تلبية حاجيات التدبير المفوض، و يرتبط ذلك بالعقد طيلة مدته، و هذا الحق يجد سنده القانوني في المادة 23 من قانون 54.05
و بالتالي فمن واجب المفوض أن يقدم مساعدته اللامشروطة للمفوض إليه للحصول على هذا الحق، و نجد هذا الحق معمول به حتى في فرنسا، حيث يعمل المفوض على تقديم جميع المساعدات في هذا الباب للمفوض إليه قصد سير و استمرار المرفق و تحقيق مردودية أكثر و تقديم خدمة أفضل.
حق المقابل المالي : يعتبر حق المقابل المالي من ابرز و أهم الحقوق بالنسبة للمفوض إليه، حيث يمكن لعقد التدبير المفوض أن يأذن للمفوض إليه بتحصيل و استخلاص الرسوم من الأتاوى أو الأموال أو المساهمات لحساب المفوض أو الدولة و يبين كذلك دخول و حقوق الأتاوى بالنسبة للمفوض إليه، و في هذا الباب يتحدث مجلس الدولة الفرنسي في قرار له عن اجر ناجم جوهريا عن نتائج الاستغلال ، فإذا كان المفوض إليه يتقاضى ثمنا فالعقد يعتبر صفقة عمومية، أما إذا كان يحصل على وجيبات يؤديها المنتفعون، فالاتفاقية تنطوي على تدبير مفوض للمرفق العام ، و منه فمن واجب المفوض إليه الحصول على مقابل في شكل وجيبات مقابل ما يقدمه من خدمات للمرفق العام.
و عموما فكيفما للمفوض إليه من حقوق، فانه في مقابل ذلك له واجبات تجاه المفوض و من أهم هذه الواجبات نجد:
واجب الاحتفاظ بمستخدمي التدبير المفوض: فمن واجب المفوض إليه أن يحتفظ عند دخول تاريخ العقد حيز التنفيذ بالمستخدمين السابقين التابعين للمرفق المفوض مع الإبقاء و الاحتفاظ على حقوقهم المكتسبة، ما عدا إذا تم التنصيص على مقتضيات مخالفة في عقد التدبير المفوض.
و في حالة إذا اعتزم المفوض إليه إدخال تعديلات هامة في إعداد المستخدمين المذكورين، فانه يجب التنصيص على ذلك في عقد التدبير المفوض من حيث مستويات هذه التعديلات و كيفيات إجرائها، و ذلك مع احترام التشريع الجاري به العمل، و نجد هذا الأمر حتى في فرنسا، حيث يعتبر الاحتفاظ بالمستخدمين من بين شروط و أركان عقد التدبير المفوض، إذا غاب هذا الشرط زاغ معنى التدبير المفوض و تحول إلى عقد آخر.
واجب التراخيص و التأمينات : إن عقد التدبير المفوض لا يعفي منح المفوض إليه من الحصول على التراخيص المطلوبة قانونا، و لاسيما في مجال التعمير و احتلال الملك العام و السلامة و حماية البيئة.
ففي هذا المجال يكون المفوض إليه مجبرا على سلك جميع المساطر و الإجراءات القانونية لكي تكون تصرفاته قانونية و صحيحة.
كما يجب على المفوض إليه ابتداء من دخول عقد التدبير المفوض حيز التنفيذ أن يغطي طيلة مدة العقد تحت مسؤوليته المدنية و المخاطر التي قد تترتب على أنشطته بواسطة عقود مكتتبة بصفة قانونية.
و في مجال التامين فان فرنسا كانت رائدة في هذا الصدد، و كان التامين يعتبر من أولى الأولويات، بل اغلب الشركات الموجودة في المغرب في ميدان التامين هي شركات فرنسية و منها شركة "أكسا للتامين" و هذا يبين وعي المشرع الفرنسي بالتامين ضد المخاطر التي يمكن أن تقع فجأة و بطريقة غير متوقعة.
أما فيما بتعلق بالعقوبات و التعويضات، فان عقد التدبير المفوض هو الذي يعد بمثابة المرجع الأساسي بهذا الخصوص، حيث بمقتضاه يتم تحديد وفق كل فرضية العقوبات التي يتخذها المفوض تجاه المفوض إليه، فغي حالة إخلاله بالتزاماته أو مخالفة البنود التعاقدية لاسيما الجزاءات و التعويضات عن الأضرار، و قد يذهب الأمر بالأشياء إلى حد إسقاط حق في تدبير المرفق المفوض إليه كأقصى جزاء.
مسطريا، يجب توجيه إنذار إلى المعني بالأمر، وفق شروط منصوص عليها في عقد التدبير قبل تطبيق أي عقوبة، و للمفوض إليه الحق في التعويض في حالة إخلال المفوض بالتزاماته و بسبب فسخ العقد لظروف خارجة عن إرادة المفوض.
المبحث الثاني: المقاربة العملية لعقد التدبير المفوض
لقد عرف المغرب نماذج مختلفة من عقود التدبير المفوض، و التي عمل من خلالها على تفويت عدة مرافق عمومية ليتم تسييرها من قبل الخواص و تركزت بالأغلب في قطاعي الماء و الكهرباء و تطهير السائل.
إن قيام السلطة العامة بتفويت هذه القطاعات الحيوية للشركات الخاصة من اجل تسييرها و تحمل العبء عنها كانت له انعكاسات شتى في جميع الميادين، سواء منها المرتبطة بالقانون العام الداخلي أو أسباب أخرى فرضها واقع الاقتصاد الدولي.
و سنقوم في هذا المبحث بالتطرق لبعض نماذج تطبيقات عقد التدبير المفوض في المطلب الأول، على أن نخصص الثاني للحديث عن انعكاسات هذا التفويض.
المطلب الأول: تطبيقات عقد التدبير المفوض
المغرب كباقي دول العالم عرف نماذج مختلفة من عقود التدبير المفوض التي فوت وفقها أمر تسيير العديد من المرافق الحيوية للقطاع الخاص والتي يمكن إجمالها في قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل وجمع النفايات والنقل الخ...، والمستقبل وحده كفيل باكتشاف مرافق أخرى ستفوت وقد تكون ذات طبيعة أخرى – لاسيما الإدارية – وبخصوص تطبيقات هذا النموذج في المغرب نجد :
- في مجال الماء والكهرباء وتطهير السائل :
تم إبرام عقد التدبير المفوض بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء و شركة لا ليونيز دي زو سنة 1997 والذي موضوعه تدبير مرفق توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل طبقا لمقتضيات فصل (59) من الميثاق الجماعي سنة 1976 الذي يخول للمجموعة الحضرية كشخص معنوي يجري عليه القانون العام تدبير بعض الميادين المتعلقة بالماء والكهرباء وأشغال التطهير .
وبعبارة أخرى تم بموجب هذا العقد، تفويت تدبير الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء إلى لاليونيز دي زو قصد تحقيق هدف عام يتجلى في توسيع وتحسين وعصرنة الخدمات حتى تكون في المستوى المعاير الدولية : توفير جودة أفضل في الخدمات المقدمة للمواطنين على مستوى المنتوج والأداء وعلى مستوى المحيط البيئي العام للمدينة .
وتحقيقا لهذه الأغراض، سينجز بموجب العقد برنامجا للأشغال تبلغ الاعتمادات المرصودة له ما لا يقل على 30 مليار درهم وينقسم استعمال هذا الغلاف إلى ثلاثة أقسام ، الأول يعني الاستثمار في الماء الشروب وتبلغ قيمته 5 ملايير درهم والثاني يتعلق بتوزيع الكهرباء ، ورصدت له 9 ملايير درهم ، أما الثالث المتعلق بتطهير السائل فقد رصدت له 16 مليار درهم
و نفس الحالة عرفتها الجماعات الحضرية بالرباط وسلا والصخريات وتماره خلال دورتها بشهر مارس 1998 مع شركة " ريضال" وهي مجموعة إسبانية برتغالية في مجال توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل ، وقد حددت مدة سريان العقد في 30 سنة، ويقدر المبلغ الإجمالي بكلفة الاستثمارات خلال هذه المدة ب13.747 مليار درهم و ينص العقد أن يوفر المنتدب له بعض الإمكانيات التقنية والتجارية والمالية وأن السلطة المنتدبة تتوفر على صلاحيات لاتخاذ العقوبات في حق المنتدب له عند الإخلاء بمقتضيات العقد كما يمكن للسلطة المنتدبة استرجاع التدبير المنتدب عن طريق شراء بعد انصرام أجا أدنى حدد في 15 سنة ابتداء من تاريخ بداية سريان العقد
وانخرطت مدينة طنجة هي الأخرى على ضوء التجارب السابقة في نفس العملية بتفويت الماء والكهرباء لشركة أمانديس الفرنسية سنة 2002
- في مجال النظافة :
أقدم المجلس الحضري لمدينة طنجة في دورته الحادية لشهر أكتوبر 1998 على تفويت و تدبير مصلحة النظافة و التطهير للقطاع الخاص , و كذلك فعلت ملها جماعة توجيهات الوزارة الوصية فنص الدفتر على إشراك القطاع الخاص لتدبير مرفق جمع و إخلاء النفايات المنزلية فأعلنت لجماعات على مناقصة دولية نالت شركة إسبانية " CESPA NADAFA" الصفقة. أما الشركة التي تدير تدبير هذا المرفق حاليا هي شركة تيكمد وهي كذلك شركة إسبانية .
وفي نفس السياق نشير إلى عقد التدبير المفوض الذي أبرمته جماعة أكدال – الرياض بالرباط مع شركة سيجيديما التابعة لمجموعة يبزورنو لتدبير مرفق جمع و نقل و إفراغ النفايات بجميع أنواعها و تنظيف الأرصفة والشوارع والأزقة، و ستعمل شركة سيجيديما على القيام بالمهام الأساسية التالية:
• إعادة توزيع مناطق جمع النفايات المنزلية.
• وضع الوسائل المادية والبشرية الأزمة خصوصا:
- تدعيم فرق جمع النفايات
- تجهيز مرآب الشاحنات الضاغطة
- وضع سلات رمي الأوراق في جميع الشوارع والأزقة .
- الكنس اليدوي والآلي للشوارع والأزقة.
- الغسل الآلي لبعض الشوارع الرئيسية والثانوية .
وقد خصصت الشركة المذكورة غلافا ماليا قدره 20 مليون درهم .
- في مجال النقل : تم إنجاز محطة أرضية لوقوف السيارات بساحة المامونية وتنظيم وقف السيارات بواسطة العددات في وسط مدينة الرباط في إطار شراكة بين المجلس البلدي والقطاع الخاص شركة RABAT PARKING التي هي شركة مجهولة الاسم يبلغ رأس مالها 20 مليون د رهم وتساهم فيها جماعة الرباط حسان بحصة 39%.
من جهة أخرى تم تفويت تدبير ميناء طنجة الأطلسي إلى شركة Bouyguer France والتي ستقوم بإنجاز ميناء على بعد 20 كلم جنوب مدينة طنجة، وتجهيزه بكل التجهيزات الضرورية وفقا للمواصفات الدولية وسيتولى تسيره إلى غاية 2049
وبعد جرد بعض نماذج تطبيقية للتدبير المفوض في المغرب يتبين أنه منذ 1997 تصاعد منحى تخلي من طرف الجماعات المحلية عن تسيير مباشر للمجموعة من المرافق العمومية والمحلية وتم إيكال إدارتها أو تسيرها للخواص خصوصا الأجنبي مما يطرح سؤال حول ما موقع الرأس مال الوطني وفعاليته في مجالات حيوية كهذه، كالنموذج الفرنسي التي تعمل على تشجيع الاستثمار المحلي
ومن جهة أخرى إذا كان التسيير المفوض يشمل المرافق العمومية ذات الطبيعة الصناعية والتجارية، فإن تطور الأشكال التعاقدية المختلطة مجتمعة فاد إلى قبول إمكانية تفويض المرافق ذات الطبيعة الإدارية كما تم تأكيد ذلك من قبل مجلس الدولة الفرنسي في قراره رقم 304-609 لـ 7 أكتوبر 1986 وهي الرؤية التي جسدها القانون المغربي الجديد في هذا الخصوص كما أدخل إمكانية التفويض للأشخاص العامة إلى جانب الخواص , إلا أن هناك مرافق لا يمكن تفويتها كما جاء في نفس قرار مجلس الدواة الفرنسي حيث أكد فيه ,أن الطابع الإداري للمرافق العمومية لا يمنع الجماعة الترابية المتخصصة من أجل أن تسند تسيره إلى أشخاص قانون خاص لكن مع ذلك لا ينبغي أن يكون ضمن المرافق والتي بحكم طبيعتها أو بحكم إرادة المشرع لا يمكن تسيرها إلا من طرف الجماعات الترابية كالأمن، والدفاع والقضاء حيث تشرف الدولة مباشرة على إدارتها وتوكلها للخواص لما يمكن أن يترتب عنه من نتائج سلبية واضطرابات .
المطلب الثاني: انعكاسات التدبير المفوض
باعتبار أن المرافق العامة هي وسيلة تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة و إشباع الحاجيات الأساسية فان تخلي الدولة عن بعض وظائفها عن طريق تفويت تسيير بعض القطاعات الحيوية سيخلق انعكاسات مختلفة مباشرة و أخرى غير مباشرة.
أولا: الانعكاسات المباشرة
تتجلى هذه الانعكاسات في المجالين التاليين:
1- المجال القانوني:
في الماضي كان تسيير المرافق العمومية ينحصر في إطار الامتياز، تأجير الأراضي، الإنابة، الوكالة، بعد ذلك حصل تطور أدى إلى ظهور أساليب أخرى، فقامت الدولة بتفويت تسيير بعض المرافق الحيوية.
و نظرا للفراغ التشريعي الذي كان يطرح بحدة كلما عهدت السلطة العامة إلى تفويض تسيير احد مرافقها، فان المغرب كان معتادا على اقتباس جل القوانين الفرنسية و إدخالها حيز التطبيق رغم عدم مطابقتها لخصوصيات المجتمع المغربي.
و لهذا السبب عملت الحكومة على تشكيل لجنة وزارية في فبراير 1999عهد إليها بصياغة إطار قانوني شامل لجميع أشكال التسيير المفوض، و ما يمكن تسجيله بخصوص عقد التدبير المفوض خلال المرحلة الأولى للتجربة الأولية هو أن تفويت تسيير المرافق العمومية المحلية بسبب الفراغ التشريعي الذي صاحب هذه العملية قبل فبراير 2006 أدى إلى حدوث مشاكل أعاقت تحقيق الأهداف المسطرة، أهمها نفور المستثمرين في هذا المجال بسبب غياب ضمانات فعلية.
2- المجال الاجتماعي:
ترتب على عملية تفويت التسيير التأثير على المستهلك بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات في الوقت الذي كان هدف هذا التفويض هو إرساء خدمات بأقل تكلفة.
و في هذا الصدد قامت شركة أمانديس بتسيير مرفق الماء و الكهرباء بمدينتي طنجة و تطوان برفع فواتير الماء و الكهرباء بعد تسلمها لهذا المرفق، و نفس الشيء بالنسبة لشركة ريضال في الرباط و سلا و تمارة ، حيث الأثر السلبي البالغ على المستهلك الذي يتضرر من هذه الزيادات التي تنعكس على القدرة الشرائية لهذا الأخير، فالسلطات العمومية المفوضة مطالبة بمراعاة الجانب الاجتماعي بالقطاعات الحيوية الاجتماعية التي تمس العمق الاجتماعي للمواطنين.
فالتدبير المفوض من هذا المنطلق إذا كان قد ساهم في تطوير المرافق العامة و خفف عن الدولة اعباء كثيرة غير انه قد كرس انعكاسات سلبية على المستوى القانوني و الاجتماعي .
ثانيا: الانعكاسات غير المباشرة لعملية تفويت التسيير
1- التأثير على مفهوم المرفق العام:
عملت معظم الدول الليبرالية على تفويت اغلب أنشطتها إما عن طريق الخوصصة أو عن طريق تفويت التسيير، الشيء الذي أدى إلى فقدان مفهوم المرفق العام للبناء النظري الذي أسس وفقه.
و بخصوص الأنشطة التي يقوم بها الخواص يبدو غير منطقي الاعتراف بوجود مرافق عامة إدارية معهود بتدبيرها لمقاولة خاصة لان ذلك يعني تطبيق القانون الإداري و إلا تتدخل الإدارة أو عنصر المصلحة في حدود معينة.
من هنا يظهر أن المفهوم التقليدي للمرفق العام لم يعد يستوعب المتغيرات المتلاحقة، أي أن المرفق العام معطى متغير و حتى يتسنى تجاوز هذا النوع من المخاطر لابد من إقرار تدابير مرفقية مواكبة لعملية تفويت التسيير تضمن استعمالا ايجابيا و تهدف حماية المرفق العمومي و المحافظة عليه.
و في هذا الصدد بادت ايطاليا إلى إصدار ما يسمى بميثاق المواطن و المرفق العمومي في 7 يناير 1994، و قد دأبت فرنسا على نفس التوجه، حيث ظهر ما يسميه البعض بالمرفق العمومي الدستوري و ذلك اثر الإضرابات التي عرفها قطاع السكك الحديدة في بداية ولاية Alain JUPE الوزير الأول ( 5 دجنبر 1995 ) أمام إلحاح العمال على المحافظة على المرفق العام، الشيء الذي أدى بالوزير الأول الفرنسي اقتراح إجراء تعديل للدستور يضمن إدخال ضرورة المحافظة على المرفق العام في ديباجته إلى مبادئ إعلان حقوق الإنسان و المواطن، و نأمل أن يسير المغرب في هذا الاتجاه بالتفكير في وضع ميثاق حقوق و واجبات المرافق العامة على غرار الدول الاروبية للحفاظ على هوية المرفق العام و جعله قادرا على التكييف مع التطورات التي قد تطرأ على سياسة الدول و وظائفها .
2- التأثير على علاقة المواطن بالمرفق العام:
يجب على الإدارة ضمان استمرارية المرافق العامة و تامين الحاجيات الأساسية التي ناشات من اجلها، فأساس وجودها هو تلبية حاجيات المواطن.
فتفويت تسيير المرافق العمومية إلى الخواص يؤدي إلى تجاهل للحاجيات الأساسية، و إلغاء دور الدولة في مجالات حيوية لاسيما في الدول المتخلفة لعدم استمرارية الدولة أو الجماعات المحلية في مراقبة الخواص مما يجعل مصالح المواطن عرضة للتلاعب في أيدي الشركات و المقاولات الخاصة، و هو واقع يدعمه ثقافة المواطنة، و كذا في ظل ضعف القطاع الخاص و محدودية القدرة الاستهلاكية لعموم المواطنين، مما يؤدي إلى تجسيد أوضاع هشة بمجرد انتقال هذه المرافق إلى الخواص، فالمواطن يفقد حس الاطمئنان بالمقارنة مع الدولة التي تقوم بتقديم خدمات معينة بثمن مناسب لاسيما و أن القطاع الخاص يبحث عن مردودية النشاط و الإنتاجية بشتى الوسائل بدل التركيز على هدف النشاط و هو تقديم خدمة عامة للمنتفع بأقل تكلفة ممكنة.
لتجاوز سلبيات التفويت لابد من تشديد الرقابة من الهيئة العامة على الهيئة الخاصة حين تسيرها للمرفق العام و مراعاة كل الظروف حتى لا تكون هذه العملية رافد من روافد القلق و التوتر الاجتماعيين إقرارا للتوازنات الماكرو-اقتصادية و للمنافسة.
خاتمة
عموما، يمكن القول بان التدبير المفوض و إن ساهم في تحقيق بعض المنجزات الاقتصادية و التنموية، فانه قد كرس العديد من السلبيات مما يحتم على الدولة إعادة النظر في التفعيل الصارم لمبدأ المراقبة، و مراعاة المصلحة العامة حيث تتحقق الأهداف المنشودة، و ذلك بخلق ترسانة قانونية متينة تأهله لمواجهة كل الانعكاسات السلبية، و هذا هو التوجه الذي سعت إليه الدولة عند إدخال تعديلات على الميثاق الجماعي لسنة 2002، حيث كان هناك إجماع حول ضرورة استبعاد التدبير المفوض و تعويضه بأسلوب أخر و هو تدبير المرافق العمومية المحلية عن طريق شركات الاقتصاد المختلط، فالي أي مدى سيكون هذا الأخير ناجعا و فعالا و متجاوزا لسلبيات التدبير المفوض.
Post a Comment