أخذ المغرب بنظام الصفقات العمومية منذ بداية القرن الماضي (1) حيث تميزت هذه المرحلة بمجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الثنائية أو م...
أخذ المغرب بنظام الصفقات العمومية منذ بداية القرن الماضي (1) حيث تميزت هذه المرحلة بمجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف التي كانت تتضمن بنودا متعلقة بشرط المنافسة لنيل الطلبيات العمومية. وأهمها معاهدة الخزيرات المبرمة بتاريخ 7 أبريل 1906، التي نص الفصل 66 منها على إحداث اللجنة العامة للإشراف على تطبيق الإجراءات الشكلية للمناقصات المتعلقة بتنظيم المنافسة وعرض الصفقات بعد إرسائها على المترشحين الفائزين للمصادقة عليها من طرف السلطات المخزنية (2).
وبالرجوع إلى الفصل 107 من هذه المعاهدة، يتبين أن تطبيق مبدأ المناقصة المفتوحة يقوم على شرطين أساسين : الأول يتعلق بفتح باب المشاركة أمام جميع المترشحين من دون أي تمييز بينهم على أساس الجنسية، والثاني يتعين بموجبه إرساء الصفقة على المتعهد صاحب العرض الأقل ثمنا.
وعلى صعيد تسوية المنازعات بشكل عام، فقد كانت خاضعة لنظام امتيازات الدول الأجنبية تكون بموجبه النزاعات المتعلقة بأشخاص أجانب من اختصاص المحاكم القنصلية المكونة من هيئات مشتركة بين الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص (3)، وهو وضع سيمتد أيضا بالنسبة لمنازعات إبرام الصفقات إلى فترة ما بعد سنة 1912.
أما بعد توقيع الحماية بالمغرب، فقد تم إرساء القواعد الأولى للصفقات العمومية (4) عبر ظهير 1917 بمثابة نظام للمحاسبة العمومية (5)، حيث تم حذف لجنة الصفقات المحدثة بموجب الفصل 66 من معاهدة الخزيرات، مع الاحتفاظ بمبدأ المناقصة كأصل معتمد لإسناد الصفقات ؛ ومن جهة أخرى، عمل المشرع على تلطيفه بالاستثناء المتمثل في جواز إبرام الصفقات عن طريق الاتفاق المباشر في الحالات الست عشرة بالفصل 23 من نظام المحاسبة العمومية.
غير أنه سرعان ما برزت استثناءات أخرى تؤكد نزوع الإدارة إلى التحرر من قيود المنافسة المرتكزة على معيار الثمن وحده. وهو نزوع يستند إلى أسباب موضوعية مرتبطة بالصعوبات التي كانت تعترض تنفيذ الصفقات نتيجة الفارق بين الكلفة الحقيقة للأعمال المطلوب إنجازها وبين الثمن المنخفض الذي تضطر الشركات المتعاقدة للالتزام به من أجل ربح المنافسة في إطار المناقصة المفتوحة (6).
ففي هذا السياق، أصبحت الإدارة تلجأ إلى نظام المباراة كبديل عن المناقصة المفتوحة قصد اختيار نائل الصفقة على أساس المفاضلة بين الحلول التقنية المقترحة من طرف المتنافسين لإنجاز الصفقة، في غياب أي معايير محددة سلفا من طرف صاحب المشروع الذي يكتفي بالإشارة إلى طبيعة الأشغال في إطار برنامج عام يتم على أساسه في مرحلة أولى انتقاء المتبارين المقبولين لتقديم العروض. كما أصبحت المناقصة المحدودة هي الأصل في إبرام الصفقات، باعتبار ما تمنحه من حرية للإدارة في اختيار من ترخص لهم بالمشاركة في المناقصة على أساس مقدراتهم التقنية والمالية (7).
علاوة على ذلك، فإن رغبة الإدارة في توسيع دائرة حريتها في التعاقد لم تقف عند هذا الحد، إذ صدر المقيم العام المؤرخ في 6 فبراير 1943 بشأن نظام طلب العروض (8) الذي يمكن أن يكون بدوره مفتوحا أو محدودا. وهكذا أصبح بإمكان الإدارة أن تفتح مع المتنافسين دائرة التفاوض من أجل اختيار صاحب أفضل عرض من بينهم ليس فحسب على أساس الثمن، بل أيضا بالاحتكام إلى مجموعة من المعايير المتمثلة على وجه الخصوص في كلفة استعمال الأشغال والتوريدات بعد إنجازها وقيمتها التقنية ومدة التنفيذ والضمانات المهنية والمالية.
غير أنه وبعد حصول المغرب، تم إصدار مرسوم 1957 بشأن إحداث لجنة للصفقات (9)، التي ستضطلع أساسا بمهام الرقابة القبلية على صحة إجراءات تنظيم المنافسة من خلال ممارسة صلاحيتها في إصدار رأيها الإجباري بالموافقة قبل إبرام الصفقة، كلما تعلق الأمر بمناقصة محدودة أو مباراة يقل عدد المتنافسين فيها عن ثلاثة أو بطلب عروض أو باتفاق مباشر.
لكن سيتم التخلي عن هذه الرقابة بموجب إعادة تنظيم لجنة الصفقات، التي صدر بشأنها مرسوم 1975 (10)، وذلك في إطار إصلاح يرمي إلى رفع الازدواج والتداخل بين مهام لجنة الصفقات واختصاص الجهاز المكلف بمراقبة الالتزام بالنفقات.
كما شهدت هذه المرحلة أيضا صدور مرسوم 1965 المتعلق بإبرام صفقات الدولة (11)، الذي حافظ على مبدأ المناقصة كأصل في تنظيم المنافسة.
هذه النصوص لم تتطرق إلا للصفقات المبرمة من طرف الدولة، أما الصفقات المبرمة من طرف الجماعات الترابية فقد تم تنظيمها عن طريق مرسوم 1959 المتعلق بالمحاسبة البلدية (12) ومرسوم 1965 المتعلق بمحاسبة الجماعات القروية (13) ومرسوم 1967 المتعلق بمحاسبة الجماعات المحلية (14) وكذا مرسوم 1976 المتعلق بمحاسبة الجماعات المحلية وهيئاتها (15) حيث تم إقرار مبدأ المنافسة عن طريق السمسرة العمومية.
ولم يتم التخلي نهائيا عن المناقصة إلا بعد مرور أكثر من عقدين آخرين بمناسبة صدور مرسوم 1998 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها (16)، الذي أفصحت من خلاله السلطات العمومية عن إرادتها في إخضاع إبرام الصفقات إلى مبادئ الشفافية والمساواة والمنافسة من أجل ضمان فعالية النفقات المخصصة لإنجاز الأعمال موضوع الصفقات (17).
وفي سنة 2007 تم إصدار مرسوم جديد متعلق بأشكال وإبرام الصفقات المنجزة لفائدة الدولة وإداراتها (18) والذي ألغى مرسوم 1998.
ورد في بيان الأسباب المتعلقة بإصلاح مرسوم الصفقات العمومية الصادر بتاريخ 5 فبراير 2007 أن إصلاح نظام صفقات الدولة يندرج في إطار أوراش الإصلاح الكبرى التي تهدف إلى مواكبة الإدارة العمومية للتغيرات الجارية والتزامات المغرب إزاء شركائه.
باعتبار أن متطلبات التحديث وحسن الحكامة والانفتاح الاقتصادي يقتضي التوفر على نظام للصفقات يأخذ بعين الاعتبار ترسيخ الشفافية والحفاظ على مصالح الإدارة والقطاع الخاص في إطار شراكة متوازنة يتوخى منها إنجاز أعمال بجودة عالية وبكلفة مناسبة.
وفي هذا الصدد نصت المادة الأولى من مرسوم 2007 على : « يجب أن يستجيب إبرام صفقات الدولة لمبادئ الولوج إلى الطلبيات العمومية والمساواة في التعامل مع المتنافسين والشفافية في اختيارات صاحب المشروع.
ومن شأن هذه المبادئ أن تمكن من تأمين الفعالية في الطلبية العمومية وحسن استعمال المال العام، وتتطلب تعريفا قبليا لحاجات الإدارة واحترام واجبات الإشهار واللجوء إلى المنافسة واختيار العرض الأفضل اقتصاديا.
ويتم تفعيل هذه الواجبات وفقا للقواعد المحددة في هذا المرسوم الذي يهدف إلى تحديد الشروط والأشكال التي تبرم وفقها صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات لحساب الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها ».
إن استعراض كل هذه المعطيات التاريخية والقانونية يفرض علينا إعطاء تعريف للمصطلحات المستعملة في هذا الموضوع :
I. طبقا لمقتضيات المادة 3 الفقرة الثانية عشر من مرسوم 5 فبراير 2007 فالصفقة هي : « كل عقد بعوض يبرم بين صاحب مشروع من جهة، وشخص طبيعي أو معنوي من جهة أخرى، يدعى مقاول أو مورد أو خدماتي، ويهدف وفق التعريفات الواردة إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات...» .
كما أن المادة 15 الفقرة أ على أن : « الصفقات عقود مكتوبة تتضمن دفاتر تحملات تحدد الشروط التي بموجبها تنفيذ الصفقات، وتتألف دفاتر التحملات من دفاتر الشروط الإدارية العامة ودفاتر الشروط المشتركة ودفاتر الشروط الخاصة ».
II. أما الجماعات الترابية فقد تعريفها كما يلي :
أ. طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 135 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية » (19) ؛
ب. الجماعة الترابية عبارة عن وحدة ترابية يتم تعيين حدودها الجغرافية بشكل دقيق طبقا لاعتبارات تاريخية وسوسيو قبلية وثقافية واقتصادية ومؤسساتية أو سعيا لتحقيق تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة ؛
ت. ويتولى تدبير شؤون الجماعة الترابية أجهزة خاصة بها : مجلس منتخب، مجلس تنفيذي منتخب أو معين (20).
تكتسي دراسة الصفقات العمومية المحلية بين الإطار النظري وآفاق الإصلاح أهمية بالغة نظرا لكونها تمكن الدارسين والباحثين في ميدان الصفقات العمومية المحلية من معرفة الإطار النظري لهذه الصفقات وآفاق إصلاح الصفقات العمومية المحلية.
وتبعا لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تم تنظيم الصفقات العمومية المحلية وآية آفاق يمكننا استشرافها لإصلاح الصفقات العمومية المحلية ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
كيف تم تعزيز الشفافية في الصفقات العمومية المحلية ؛
ماهي آليات التخليق والتظلم المنصوص عليها في مجال الصفقات العمومية المحلية ؛
آية آفاق يمكننا استشرافها لإصلاح الصفقات العمومية المحلية.
مما سبق، فقد تقرر تناول موضوع الصفقات العمومية المحلية بين الإطار النظري وآفاق الإصلاح على ضوء المبحثين الآتيين :
الإطار النظري للصفقات العمومية المحلية ؛
آفاق إصلاح الصفقات العمومية المحلية.
المبحث الأول
الإطار النظري للصفقات العمومية المحلية
إن الصفقات العمومية هي أحد أهم طرق تسيير وتنفيذ النفقة العمومية وأداة لتحقيق سياسة الدولة من حيث البنيات التحتية ووسائل سير المرافق العامة (21).
فالطلبات العمومية بالمغرب تقدر بما يناهز 58 مليار درهم سنويا بالنسبة للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية أي ما يعادل 17 % من الناتج الداخلي الوطني (PIB).
تشكل الصفقات العمومية أيضا أداة لتنمية المقاولة المغربية، حيث أننا نجد قطاع البناء والأشغال العمومية يحقق 70 % من مبيعاته في إطار الصفقات العمومية وقطاع الهندسة يحقق 80 % من مبيعاته في هذا الإطار. هذا يبين مدى أهمية الرهانات التي تمثلها الصفقات العمومية ومدى أهمية المسؤولية القانونية التي تقع على عاتق مختلف المتدخلين في مرحلة من مراحل هذه المسطرة (22).
تبعا لذلك، فقد ارتأينا تناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : ترسيخ الشفافية في ميدان الصفقات العمومية المحلية (المطلب الأول)، وتعزيز آليات التخليق والتظلم (المطلب الثاني).
المطلب الأول : ترسيخ الشفافية في ميدان الصفقات العمومية المحلية
من خلال قراءة متأنية لمضمون مرسوم 5 فبراير 2007، يتبين حرص السلطات العمومية على الحفاظ على المكتسبات المتعلقة بحرية المنافسة التي تحققت في إطار المحطة الإصلاحية السابقة، مع تقويتها بضمانات جديدة بهدف تحصين المنافسة الحرة بسوق الطلبيات العمومية.
من هذا المنطلق، فصاحب المشروع ملزم بعدم التمييز في اختياره لنائل الصفقة. أي عدم محاباة أي مترشح على حساب الآخر (23).
وقد تم ترسيخ الشفافية في ميدان الصفقات العمومية المحلية عن طريق ضرورة نشر البرامج التوقعية (الفقرة الأولى)، تحديد معايير الانتقاء (الفقرة الثانية)، إعلام المترشحين (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : ضرورة نشر البرامج التوقعية
تبعا لمقتضيات المادة 87 من مرسوم 5 فبراير 2007 : « يتعين على صاحب العمل قبل متم الثلاثة أشهر الأولى من كل سنة مالية، على أبعد تقدير، نشر البرنامج التوقعي للصفقات الذي يعتزم طرحها برسم السنة المالية المعنية وذلك على الأقل في جريدة ذات توزيع وطني وفي بوابة صفقات الدولة المنصوص عليها في المادة 76 أعلاه.
إلا أن إدارة الدفاع الوطني تعفى من هذا النشر ».
ويهدف هذا النشر إلى تكريس مبدأ الشفافية اتجاه سلطات المراقبة من جهة أولى، و اتجاه المقاولات المنافسة من جهة ثانية، و اتجاه العموم من جهة ثالثة (24).
إضافة إلى ضرورة نشر البرامج التوقعية، فإبرام الصفقات العمومية المحلية تخضع لمعايير انتقاء من أجل تكريس الشفافية في مجال اختيار المترشحين من طرف صاحب المشروع.
الفقرة الثانية : معايير الانتقاء
بما أن صاحب المشروع هو المسؤول الأول عن صفقة طلب العروض، فإنه يتحتم عليه – قبل الإعلان عن طلب العروض بشأنها- إعداد نظام الاستشارة، وبيان محتويات ملف طلب العروض، ثم القيام بإشهار طلب العروض مع إعلام المتنافسين (25).
ووفق ما تقضي به المادة 18 من مرسوم 5 فبراير 2007 بشأن تحديد شروط وأشكال إبرام الصفقات يتعين احتواء نظام الاستشارة على الخصوص، مجموعة من المقاييس التي يجوز الزيادة أو النقصان فيها تبعا لما يتطلبه موضوع صفقة طلب العروض، وذلك كالآتي بيانه :
1-لائحة المستندات التي يجب أن يدلي بها المتنافسون والتي تخص إثبات كفاءتهم ومؤهلاتهم (26) ؛
2-مقاييس قبول المتنافسين، ويتعلق الأمر بالمقاييس التي تأخذ بعين الاعتبار الضمانات والمؤهلات القانونية والتقنية والمالية التي تتطلبها الصفقة، وكذا المراجع المهنية للمتنافسين للتأكد من مطابقة وضعيتهم للضوابط والشروط القانونية والمهنية ؛
3-مقاييس اختيار وترتيب العروض، والتي يتم بموجبها التأكد من العرض الأكثر أفضلية من الناحية الاقتصادية، لإسناد الصفقة إلى المتنافس الذي تقدم به ؛
ويجب أن تراعى في وضع هذه المقاييس : الموضوعية، النزاهة والمصداقية تحقيقا للهدف من إجراء الصفقة.
وتتعدد هذه المقاييس وتتنوع بتعدد وتنوع موضوع الصفقة، إلا أن مرسوم 5 فبراير 2007، في مادته 18 قد حدد جزءا كبيرا من تلك المقاييس، كما أشار إلى إمكانية تطبيق مقاييس أخرى إذا كان موضوع الصفقة يقضي بما يبرر ذلك نظرا لخصوصيات طبيعته.
إلى جانب وضع معايير شفافة لعملية الانتقاء، فقد تم تعزيز حقوق المترشحين في مجال الحصول على معلومات أو توضيحات بشأن طلب العروض موضوع الصفقة في إطار ضمان حق إعلام المترشحين.
الفقرة الثالثة : إعلام المترشحين
طبقا لمقتضيات المادة 21 من مرسوم 5 فبراير 2007 : « يمكن لكل متنافس أن يطلب من صاحب المشروع، بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو بفاكس مع إثبات التوصل أو بشكل إلكتروني، أن يقدم إليه توضيحات أو معلومات تتعلق بطلب العروض أو بالوثائق المرتبطة به ولا يجوز قبول هذا الطلب إلا إذا توصل به صاحب المشروع سبعة أيام على الأقل قبل التاريخ المحدد لجلسة فتح الأظرفة... ».
ويتعين على صاحب المشروع في حالة تقديم التوضيحات والبيانات إلى أي متنافس بطلب من هذا الأخير، تمكين بقية المتنافسين الآخرين ( الذين سحبوا ملفاتهم)، من نفس البيانات والتوضيحات في نفس اليوم وحسب نفس الشروط، وعلى الأقل ثلاثة أيام قبل التاريخ المحدد لفتح الأظرفة، وذلك بواسطة إحدى الطرق القانونية للتبليغ في هذا المجال.
وينطبق نفس الوضع على حالة عقد اجتماع أو تنظيم زيارة إلى المواقع، فالمحاضر المعدة بشأنها، وبالنظر لما تحتويه من بيانات توضيحية، يتعين تبليغها إلى جميع المتنافسين المعنيين بالأمر- بنوع من التساوي- وكذا إلى لجنة طلب العروض (27).
إن ترسيخ الشفافية في ميدان الصفقات العمومية المحلية لايمكن عزله عن تعزيز آليات التخليق والتظلم كلازمتين للإطار النظري للصفقات العمومية المحلية.
المطلب الثاني : تعزيز آليات التخليق والتظلم
يعتبر وضع مسطرة خاصة بشكايات المتنافسين من الضمانات ذات الأهمية البالغة، بالنظر إلى توفره من تدعيم للرقابة الإدارية الداخلية على سير عملية المنافسة، من خلال تمكين صاحب المشروع أو الوزير المعني بتوقيف مسطرة إبرام الصفقة فورا لتصحيح الإخلال الذي لحقها، عند الاقتضاء. لذلك يتعين اكتشاف ما يشمله نطاق مسطرة التظلم وما يجد منه وكذا فروض تخليق إبرام الصفقات سواء المتعلقة بالمتنافسين أو بأعوان الإدارة.
مما سبق فقد تقرر تناول هذا المطلب وفق الفقرتين الآتيتين : مسطرة التظلم ( الفقرة الأولى)، وفروض تخليق إبرام الصفقات ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مسطرة التظلم
توفر هذه المسطرة عدة إمكانيات للتسوية الحبية شريطة أن يتم اللجوء إلى صاحب المشروع أو الوزير المعني كتابة داخل الأجل الخاص بكل حالة من الحالات المنصوص عليها بالمرسوم الجديد (28).
فالمادة 19 من مرسوم 5 فبراير 2007 تنص على أنه يمكن للمتنافس أن يلجأ كتابة بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل إلى السلطة التابع لها صاحب المشروع، قصد بسط احتجاجه بسبب عدم تسليمه ملف طلب العروض أو المباراة.
أما المادة 47 فتنص على المسطرة الواجب إتباعها من طرف المتنافس في حالة التظلم بسبب عدم احترام إحدى القواعد المنظمة لإبرام الصفقات، أو في حالة الاحتجاج ضد قرار إقصاء عرضه من طرف اللجنة المختصة.
ففي الحالة الأولى، يجب على المتنافس تقديم شكايته كتابة إلى صاحب المشروع داخل المدة الفاصلة بين تاريخ نشر إعلان طلب العروض وسبعة أيام بعد إلصاق نتيجته بمكاتب الإدارة المعنية.
أما في الحالة الثانية، فإنه يجب تقديم الشكاية داخل عشرة أيام الموالية لتاريخ تسلم الرسالة المضمونة التي توصل بها المتنافس بشأن إقصاء عرضه.
وفي الحالتين معا، يجب على صاحب المشروع أن يبلغ المتنافس المشتكي بجوابه في أجل سبعة أيام الموالية لتاريخ توصله بالشكاية.
وللمتنافس في حالة عدم اقتناعه بجواب صاحب المشروع أن يرفع الأمر إلى الوزير المعني، الذي يمكنه إما إصدار أمره بإصلاح العيب المحتج بشأنه بعد ثبوته، وإما إلغاء مسطرة الإبرام بعد استنفاذ إمكانية توقيفها لمدة عشرين يوما على الأكثر، شريطة أن يكون الضرر الذي يهدد المتنافس المتظلم راجحا على الضرر الذي قد يلحق صاحب المشروع أو المتنافسين الآخرين، وأن لا توجد اعتبارات استعجالية متصلة بالصالح العام ومعاكسة لهذا التوقيف بحسب التعليل الواجب تضمينه بشأنها بمقرر الوزير.
وأخيرا، بموجب المادة 95 يملك المتنافس الذي لم يقتنع بموقف الوزير من احتجاجه إمكانية تقديم شكاية إلى الأمين العام للحكومة قصد عرضها على أنظار لجنة الصفقات.
إضافة إلى التظلم الإداري، فالمتنافس يملك حق اللجوء إلى القاضي الإداري طبقا للمادة 3 من قانون المحاكم الإدارية التي نصت على : « ترفع القضايا إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب ويتضمن، مالم ينص على خلاف ذلك، البيانات والمعلومات المنصوص عليها في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية.
ويسلم كاتب ضبط المحاكم الإدارية وصلا بإيداع المقال يتكون من نسخة منه يوضع عليها خاتم كتابة الضبط وتاريخ الإيداع مع بيان الوثائق المرفقة.
يجوز لرئيس المحكمة الإدارية أن يمنح المساعدة القضائية طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال » (29).
إن التنصيص على مسطرة التظلم ساهم في الارتقاء بنظام الصفقات العمومية المحلية حيث عزز من إمكانية حل النزاعات بشكل حبي. كما أن الصفقات العمومية المحلية تم تطويرها عن طريق فرض تخليق إبرام الصفقات العمومية المحلية.
الفقرة الثانية : فروض تخليق إبرام الصفقات
هذه الفروض تهم المتنافسين (أ) وأعوان الإدارة (ب) على السواء :
أ. فروض التخليق المتعلقة بالمتنافسين
أصبح من المتعين أن يتضمن التصريح بالشرف المدلى به من طرفهم ضمن وثائق الملف الإداري التزامهم بعدم القيام بأنفسهم أو بواسطة أشخاص آخرين بأفعال الغش أو الرشوة وكذا التزامهم بعدم تقديم وعود أو هبات أو هدايا قصد التأثير على مسار المنافسة لنيل الصفقات ( المادة 23 / د/ه).
ويبدو أن تضمين هذين الالتزامين بالتصريح بالشرف يضعهما في مقام وسط بين الواجب الأخلاقي والواجب القانوني، على اعتبار أن طبيعتهما متأرجحة بين الاستناد إلى وازع الضمير والمروءة لدى المتنافسين لتلقي بيانات مطابقة للوضعية التي يوجدون عليها بتاريخ المشاركة في المنافسة، وبين توقع إنزال الجزاء العقابي المنصوص عليها قانونا في حالة الإدلاء ببيانات غير صحيحة، أو عدم الحفاظ على خصلة « الأيادي النظيفة » (30).
ويتمثل الجزاء المترتب عن الإخلال بالالتزامات المتضمنة بالتصريح بالشرف في الإقصاء المؤقت أو النهائي من المشاركة في المنافسة، بناء على قرار صاحب المشروع بالنسبة للصفقات التي تبرمها المصالح التابعة له، أو بموجب مقرر صادر عن الوزير الأول في حالة تمديد إجراء الإقصاء إلى الصفقات التي تبرمها جميع الإدارات العمومية ؛ وذلك بصرف النظر عن المتابعات والعقوبات الصادرة عن الجهات القضائية المختصة ( المادتان 24 و 85).
ب, فروض التخليق المتعلقة بأعوان الإدارة
تنص مقتضيات المادتين 93 و 94 بالتوالي على واجب التحفظ وكتمان السر المهني وواجب الترفع عن الغش والرشوة. وهي مقتضيات تخاطب أعضاء اللجان المكلفة بفحص الملفات وتقييم العروض في إطار مختلف طرق إبرام الصفقات، وكذا سائر المتدخلين في عملية تنظيم المنافسة من موظفين وخبراء وتقنيين.
كما نصت المادة 92 على : « تخضع الصفقات والعقود الملحقة بها، بغض النظر عن المراقبات المحدثة بموجب النصوص العامة في مجال النفقات العمومية، إلى مراقبات وتدقيقات داخلية تحدد بمقررات للوزير المعني بالأمر. ويمكن أن تتعلق هذه المراقبات والتدقيقات الداخلية بتهييء وإبرام وتنفيذ الصفقات.
وتكون المراقبات والتدقيقات إجبارية بالنسبة للصفقات التي يتجاوز مبلغها خمسة ملايين (5.000.000) درهم ويجب أن تكون موضوع تقرير يرفع إلى الوزير المعني بالأمر... ».
وإذا ثبت أي ارتكاب للموانع المشار إليها سابقا، يحال المعني بالأمر على الجهة المختصة بالمتابعة لتحريك الإجراءات التأديبية أو الجنائية أو المدنية في حقه. وقد يشكل الفعل الواحد متابعات مختلفة تبعا لخطورة الفعل ومجالات تجريمه.
بعد استعراض هذه المعطيات الهامة عن الإطار النظري للصفقات العمومية المحلية فإن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هو أية آفاق يمكننا استشرافها بغية إصلاح الصفقات العمومية المحلية ؟ وهو ما سنحاول التطرق إليه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني
آفاق إصلاح الصفقات العمومية المحلية
إن إصلاح الصفقات العمومية المحلية يهدف إلى تعزيز الحكامة الجيدة، التي أصبحت مطلوبة بغية التسيير الإيجابي والفعال في الميادين الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، تحقيقا للتنمية المنشودة على المستوى المحلي. وذلك بالنظر إلى تطوير الآليات المختلفة للرفع من مستوى الأداءات وعقلنة التسيير وترشيد الإنفاق العمومي لأن الترشيد الجيد في تدبير الشأن العام يعد مؤشرا مهما على مدى تجدر وترسيخ دولة القانون والمؤسسات. لاسيما ونحن في مرحلة العولمة الاقتصادية، التي تحكمها قواعد التجارة الحرة، والانفتاح على دول العالم والتكتلات الإقليمية والجهوية والتطور العلمي والتكنولوجي، الكفيلة بتجاوز المنافسة الشرسة تحقيقا للريادة العالمية أو لجعل دول تلك التكتلات في مركز القوة عالميا.
تبعا لذلك، فإن الصفقات العمومية المحلية تقتضي من السلطة التنفيذية في المغرب التسريع بضرورة وضع مرسوم خاص بالصفقات العمومية المحلية ( المطلب الأول)، ووجوب تعزيز الآليات المواكبة للمرسوم الخاص بالصفقات العمومية المحلية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : ضرورة وضع مرسوم خاص بالصفقات العمومية المحلية
لقد احتلت اللامركزية الترابية مكانة كبيرة في دستورنا الجديد حيث خصص 12 فصلا في بابه التاسع المعنون ب « الجهات والجماعات الترابية الأخرى» (31).
إن هذا التكريس الدستوري يفرض على السلطة التنظيمية في المغرب التعجيل بإصدار نظام خاص بالصفقات العمومية المحلية بغية الأخذ بعين الاعتبار المستجدات الدستورية الآتية :
يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات.
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور (32) ؛
يقوم رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها (33) ؛
تتولى الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المحدثة بموجب الفصل 36، على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة (34) ؛
مجلس المنافسة هيأة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار (35) ؛
الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية (36) ؛
المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال (37).
إن ضرورة وضع مرسوم خاص بالصفقات العمومية المحلية يفرض أيضا تعزيز هذا المرسوم بآليات من شأنها أن تضمن حسن تطبيق هذا الأخير.
المطلب الثاني : ووجوب تعزيز الآليات المواكبة للمرسوم الخاص بالصفقات العمومية المحلية
لقد أصدرت لجنة الصفقات عدة آراء تتعلق بمشاكل تهم الجماعات الترابية لها علاقة بالمشاكل العامة أو الخاصة المرتبطة بتحضير صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات وإبرامها وتنفيذها وتسديد مبالغها أو بالنزاعات المتعلقة بمساطر ونتائج طلبات العروض والمنافسة، ويمكن تلخيص بعض هذه الآراء فيما يلي :
توصية تتعلق بإعداد لائحة موحدة وشاملة بقائمة الأعمال الممكن إبرامها على شكل صفقات إطار بالنسبة لجميع الجماعات الترابية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية بعضها نظرا لوجودها في مناطق نائية ولقلة وسائلها المادية والبشرية ؛
ووجوب إدلاء التعاونيات بشهادة القيد في السجل التجاري من أجل مشاركتها في طلبات العروض عملا بمقتضيات القانون المتعلق بمدونة التجارة والقانون المتعلق بتحديد النظام الأساسي للتعاونيات ؛
اختصاص وزير الداخلية بالفصل بشأن إمكانية اللجوء إلى المسطرة التفاوضية ؛
عدم ملائمة اللجوء إلى صفقات إطار من أجل إنجاز أشغال تتعلق بترميم بنايات آيلة للسقوط نظرا لكون هذه الأعمال لا تكتسي صبغة توقعية ودائمة (38) ؛
ضرورة اعتماد الجماعات الترابية على مقرر الوزير الأول رقم 3.56.99 بتاريخ 19 يوليو 1999 من أجل إبرام صفقات على شكل صفقات إطار (39) ؛
دراسة إمكانية إحداث لجنة للصفقات خاصة بمعالجة صفقات الجماعات الترابية اعتبارا لكون هذه الأخيرة تتوفر على هيئة خاصة بموظفيها وعلى ميثاق جماعي وعلى مالية محلية وعلى محاسبة عمومية ؛
توفير الوسائل البشرية المؤهلة لتدبير صفقات الجماعات الترابية والوسائل المادية الضرورية لتدبير الصفقات بتعميم المعلوميات خاصة وأن ميدان الصفقات يميل إلى نزع الصفة المادية في مجال الصفقات العمومية خصوصا مع صدور الإصلاح الجديد لنظام الصفقات ؛
إعداد كتب وجيزة ودلائل إرشادية لمساطر إبرام وتنفيذ صفقات الجماعات الترابية ؛
وضع برنامج طويل المدى للتكوين من أجل تعميم مساطر إبرام وتنفيذ الصفقات لفائدة منتخبي وأطر الجماعات الترابية.
خاتمة عامة
وخلاصة القول، يتبين لنا أن الصفقات العمومية المحلية في المغرب قد عرفت نقلة نوعية على مستوى تنظيمها منذ صدور مرسوم 5 فبراير 2007 الذي ارتقى بتدبير الصفقات العمومية المحلية حيث رسخ قيم الشفافية وعزز آليات التخليق والتظلم كدعامات لدولة الحق والقانون.
إلا أن هذه المقتضيات التنظيمية تستلزم إصلاحا عميقا عن طريق وضع مرسوم خاص بالصفقات العمومية المحلية الذي من شأنه أن يعزز اللامركزية الترابية التي تفرض وجود خصوصيات محلية لايمكن لنظام المتعلق بصفقات الدولة تدبيرها.
كما يجب أيضا اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحسن ضمان تطبيق المرسوم الخاص بالصفقات العمومية المحلية من خلال تكوين الموارد البشرية المحلية و إعداد كتب وجيزة ودلائل إرشادية لمساطر إبرام وتنفيذ صفقات الجماعات الترابية.
ليست هناك تعليقات