إسماعيل حمودي التجديد : 29 - 11 - 2008 أكد الدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ...
التجديد : 29 - 11 - 2008
|
أكد الدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة عبد الملك السعدي أن المغرب اليوم يتجه نحو جهوية سياسية، بعد تجربة الجهوية الاقتصادية والإدارية، وقال بوخبزة إن هو التوجه لن يصل إلى حد إقرار الحكم الذاتي في كل جهات المغرب، كما أنه سيكون فوق الجهوية الإدارية، وأضاف في حوار مع التجديد أن التحدي الذي يواجه المغرب يتمثل في كيفية الحفاظ على وحدته الوطنية وفي الوقت نفسه
اعتماد نظام جهوية فعال، منبها على أهمية التوزيع العادل للثروات، وكذا التوازن في الاختصاصات بين السلطة المركزية والسلطات الجهوية. وفيما يلي نص الحوار: أعلن الملك محمد السادس في خطابه الأخير عن عزمه
تشكيل لجنة استشارية من أجل إقرار جهوية موسعة، بنظركم هل يمكن القول أن المغرب يتجه، بعد إقرار الجهوية الاقتصادية في ,1971 والجهوية الإدارية في ,1997 نحو جهوية سياسية؟ في الواقع إن اختبار نموذجين للجهوية، الأولى كانت اقتصادية، والثانية إدارية، وبناء على الخلاصات المستفادة خاصة من التجربة الأخيرة، يؤكد اليوم أن المغرب بحاجة ضرورية إلى إعادة النظر في الجهوية المعتمدة وإقرار نموذج جديد للجهوية، وأعتقد أن هناك ضرورتان على الأقل لمضي قدما في هذا الاتجاه: الضرورة الأولى مرتبطة بتقييم التجربة الجهوية للمغرب، ذلك أنه بد سنوات من تجربة الجهوية الإدارية، هناك اليوم دعوات متوالية من لدن فقهاء القانون الإداري بالخصوص، وكذلك كثير من السياسيين، ينادون بضرورة إعادة النظر في هذه التجربة، خاصة على مستوى الإطار القانوني لها، حيث كشفت الممارسة أن هناك العديد من الثغرات والنواقص التي أثرت بشكل كبير على حصيلة هذه التجربة، إذن هناك ضرورة لإعادة النظر في المعطى القانوني. أما الضرورة الثانية، فهو المعطى المتعلق بمشروع الحكم الذاتي، فهو وإن كان مشروعا للأقاليم الجنوبية للمغرب، ويبقى رهين بمدى الوصول إلى حلّ النزاع حول الصحراء، بمعنى رهين بالتطور الممكن في مواقف الأطراف الأخرى التي للمغرب معها نزاع، فإن الخطاب الملكي أكد على أن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي ينتظر فقط ما ستسفر عنه التطورات في مواقف تلك الأطراف. وبالتالي هناك ضرورة اليوم للمضي قدما في اتجاه إقرار حكم ذاتي تماشيا مع هذا التوجه العام لإقرار جهوية موسعة أو جهوية سياسية أو موسعة حسب التسميات التي تعطى لها، إذن هناك ضرورتين اليوم للإقرار هذه الجهوية. غير أني أود التنبيه على أمر مهم جدا في هذا السياق، وهو أن ما جاء في خطاب الملك محمد السادس الأخير في الذكرى الثالثة والثلاثين على المسيرة الخضراء، لا يختلف كثيرا عن ما جاء في خطاب الملك الحسن الثاني رحمه الله في سنة 1984 بفاس، والذي كان قد تحدث فيه عن ضرورة انتقال المغرب إلى جهوية موسعة على غرار التجربة الألمانية، وأظن أن المغرب خسر منذ 1984 الشيء الكثير، إلا أنه من الإيجابي والضروري أن ينخرط اليوم في هذا التوجه، دون تباطؤ. هناك رأي يقول أن التصور المتوقع لهذه الجهوية، لن يصل إلى درجة الحكم الذاتي كما هو قائم في بلدان أخرى، إسبانيا مثلا، ولن يزيد عن كونه تجربة ستكون أكبر من الجهوية الإدارية القائمة اليوم، بالرغم مما كشفته الممارسة من نقائص، ما رأيكم؟ الجهوية الموسعة أو المتقدمة، والتي وضع جلالة الملك ركائزها الثلاث وهي التوازن والتضامن والوحدة، أعتقد أنها ستكون أكبر من تجربة الجهوية الاقتصادية والإدارية، ومتباينة عنها، بحيث يتوقع أن تنقلنا نحو مأسسة العمل الجهوي محليا، بمعنى إحداث مؤسسات جديدة لها سلطات تقريرية وتنفيذية بشكل كبير، وهذا غير موجود حاليا في التجربة القائمة، وهي مؤسسات قد تكون لها سلطة فعلية تدبر من خلالها الشأن العام الجهوي. كما أن الخطاب الملكي، ومن خلال التوازن المتحدث عنه كإحدى ركائز المشروع المنتظر، ويقصد التوازن ما بين السلطة المركزية والسلطات الجهوية، فإن الملك كان واضحا في التأكيد على حصر اختصاصات السلطات المركزية، وترك المجال واسعا للسلطات الجهوية، في إطار التكامل طبعا بين الاختصاصات، لكن هذا غير مألوف في تجربة الجهويات الاقتصادية والإدارية. في حين أن السقف الذي يمكن الوصول إليه مع هذه الجهوية الموسعة يستبعد أن يصل إلى الحكم الذاتي، لأنه يحتاج إلى ركائز ومقومات أخرى. وفي الجهوية المنشودة حاليا، هناك مسألتين مهمتين تثيرا النقاش، ويتعلق الأمر بتوزيع الاختصاصات والسلطات من جهة، وبتوزيع الخيرات الاقتصادية من جهة ثانية. فبالنسبة لتوزيع السلطات والاختصاصات تثار مشكلة التوازن في توزيع الاختصاصات داخل الجهة ما بين السلطة المنتخبة من لدن الشعب والسلطة المعينة التي تمثل الدولة، وكذلك توزيع الاختصاصات ما بين المجالس الجهوية والدولة المركزية. وبالنسبة لتوزيع الثروات، فإن كان هنالك أنماط متعددة ومختلفة لتوزيع الثروة، فإن الأمر لا بد أن يتجه إلى نحو مراعاة التضامن بين الجهات، من أجل التغلب على مشاكل طالما أثيرت في التجارب الجهوية في العالم، أي وجود جهات غنية إلى جانب أخرى فقيرة، وهذا سيطرح سؤال توزيع الثروة في العمق داخل المغرب. المفروض في الجهوية إشراك النخبة المحلية، مما يعني ضرورة تمكين هذه الجهات من أجهزة تنفيذية وتشريعية، هل تعتقد أن المغرب مؤهل كدولة للتوجه نحو إقرار هذا المستوى من الجهوية؟ في الواقع هناك إكراهات متعددة تواجه المغرب في هذا الخيار، نحن نعلم أن ورش المغرب بعد الاستقلال كان هو بناء وترسيخ دولة وطنية بمؤسساتها، وكان هناك صعوبات كثيرة في هذا الصدد، ولكنه كرّس بمجهودات كبيرة هذا الورش، لكن بقيت دائما هناك تخوفات بين المركز والجماعات المحلية، كنا نلاحظه، وهو ما ترجم في وصاية و رقابات بأشكالها المختلفة، ونحن نعلم كذلك أن في التشريعات المغربية هناك الكثير من الحرص على عدم المساس بمبدأ الوحدة، وعلى سبيل المثال، فإن القانون المنظم للجهات لسنة ,1997 هناك تأكيد على مفهوم الوحدة وتشديد على ضرورة المحافظة على وحدة الأمة، وكذلك الأمر في قانون الأحزاب الصادر في 2006 والذي نجده يمنع تأسيس أحزاب على أساس جهوي، وهذا الأمر يترجم التخوف الموجود لدى الدولة المغربية منذ سنين، أي هاجس الحفاظ على وحدة الأمة المغربية. لكن بالرغم من هذا التخوف، وبالرغم مما تطرحه اليوم الدعوة إلى تكريس جهوية موسعة من تخوفات مماثلة، فإن هذه تبقى محطة ضرورية لا بد منها، نحن طالما نتحدث عن الجماعات المحلية، والجهات لا تعدو أن تكون جماعات محلية حسب دستور .1996 وعليه فإنه يمكن وضع الكثير من الترتيبات التي تحمي الدولة الوطنية، وفي الوقت ذاته منح سلطات تشريعية والتنفيذية للجهات، مع وضع ضمانات لذلك، قد تكون دستورية ورقابية يتم بموجبها الحفاظ على الوحدة الوطنية. على كل حال، فالتخوفات الموجودة تبقى مشروعة، ونحن نلاحظ مثلا كيف أن التجربة الإسبانية سقطت في بعض الإشكالات، إذ ثمة جهات اليوم تطالب بالاستقلال والانفصال عن إسبانيا، كما هو الحال بالنسبة لكل من إقليمي كطالونيا والباسك، وهذا بالنظر إلى كونهما حققا الاكتفاء الذاتي على مستوى تراكم الثروة. وعليه، وكما قلت لك لابد من تحصين الوحدة الوطنية عبر إجراءات دستورية وغيرها، احترازية واحتياطية، كما يمكن التفكير في إقرار جهوية موسعة، للجهات فيها صلاحيات واسعة، لكن عبر مراحل. بالنظر إلى أن المغرب أقر مشروع الحكم الذاتي لحل النزاع حول الصحراء من جهة، واليوم يتم الاستجابة لمطلب الطبقة السياسية بإقرار جهوية متقدمة في خطاب ملكي، هناك من يرى أنه في المستقبل سنلاحظ أن هنالك جهوية متباينة بين الأقاليم الصحراوية وباقي الجهات؟ إن الحكم الذاتي وجد لحل مشكل الصحراء، هذا شيء له سياقه المعروف، لكن لا يجب أن ننسى أن المغرب خاض تجربة الجهوية منذ ,1971 وهناك من يؤرخ لها بمرحلة سابقة، ولذا في رأيي فإن الجهوية المتقدمة هي تطور طبيعي للتجربة الجهوية المعتمدة في المغرب، سواء على مستوى مأسسة الدولة، أو على مستوى اللامركزية، وهو اختيار أعلنه المغرب منذ السنوات الأولى للاستقلال، ولذلك أستبعد القول بأن الجهوية المتقدمة مرتبطة بالحكم الذاتي في الصحراء ورهينة به، ويمكن القول أنه في حالات معينة يمكن الفصل بين المشروعين. بمعنى أن مشروع الجهوية الذي هو نتاج طبيعي لما سبق، هو يحتاج، طال الزمن أو قصر، إلى مراجعة الإطار القانوني له، أي قانون الجهات، بل إعادة النظر في التجربة الجهوية ككل، لكي تكون أكثر فعالية، خاصة، وأن المغرب يجد على مستوى بعض المؤسسات صعوبات، هنالك الكثير من الغرف، وهي كثرة بدون مردودية في كثير من الأحيان، سواء كانت مردودية سياسية أو تنموية، كما أن مجلس المستشارين بدوره تثار حوله العديد من التساؤلات بشأن جدواه، وهناك من يطالب بإلغائه نهائيا، نظرا لدوره المعرقل للعمل التشريعي، وأعتقد أنه في إطار الجهوية الموسعة سنجد حلا ومبررا لاستمرار هذا المجلس، وبالتالي حل مشكل مؤسسات دستورية غائبة، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، معنى ذلك، أن الحاجة ضرورية وحتمية، في رأي، إلى إعادة النظر في الجهوية القائمة حاليا. أما ما يتعلق بمشروع الحكم الذاتي، فله سياقه، ذلك أنه يناقش ليس داخل المغرب فقط، ولكن يناقش أساسا مع أطراف أخرى، والأرضية التي قدمها المغرب حول الحكم الذاتي، أعتقد أنه فيها الكثير من عناصر الجهوية الموسعة. وعليه فإن الظاهر هذه المرة أن الجهوية الموسعة قد تكون فيها بعض مقومات الحكم الذاتي، لكنها ستكون محض تجربة مغربية، وليس بالضرورة أن يشمل الحكم الذاتي جهات أخرى غير جهة الصحراء. هناك من يرى أن التفكير في الجهوية الموسعة يأتي في سياق تعرف فيه جهات مهمشة انتفاضات اجتماعية، ومعنى ذلك أن التفكير في الجهوية الموسعة يترجم حاجة لدى الدولة بمنطق أمني وحتى سياسي لإدماج هذه الجهات عبر منحها سلطات لتدبير شؤونها؟ أنا أرى أنه لا علاقة بين الأمرين، وهذا رأي، لماذا؟ لأننا نعلم أن مسألة المناطق المهمشة كانت مرتبطة بسياسات عمومية أفرزت نتائج سلبية، نحن نعلم أن هناك مغرب نافع وآخر غير نافع، ومغرب العالم الحضري وآخر للعالم القروي، وهذا كان منتهجا في وقت من الأوقات. ويمكن قول هذا الرأي، فقط إذا لاحظنا أن ثمة سياسات عمومية منتهجة شبيهة بتلك التي اتبعت في إقليم دارفور في جمهورية السودان، بحيث أن المتتبع لهذه المشكلة، يلحظ ضعف اعتناء الدولة السودانية المركزية بهذا الإقليم، كما أن المطالب الأولى لأبناء هذا الإقليم تجاه حكومة السودان كان هو الاهتمام بهم، قبل أن تتطور الأمور، بمعنى كان هناك تهميش، ونحن في المغرب لم نصل إلى هذا المستوى. نعم هناك تفاوت الموجود، وهذا التفاوت قائم بين القرية والمدينة، وعلى مستويات عدة، وهو ناتج عن ويلات السياسية العمومية المنتهجة، بمعنى كانت تعاني منها جميع الجهات، ولم يكن هناك تفضيل بين هذه الجهة أو تلك. ولم تكن هناك جهات تحظى باهتمام الدولة في حين تعاني الأخرى، بل المعاناة كانت واحدة في الغالب الأعم. وفي الواقع فإن القول بأن الحراك الاجتماعي الذي تعرفه جهات في المغرب، من بين العناصر الدافعة إلى تبني جهوية موسعة، غير دقيق تماما، بل إني أقول أن هذا الحراك هو طبيعي، ونتاج لوضعية عامة يعرفها المغرب، ولا يمكن ربطه بالجهوية المتقدمة. وإن كنت أرى أن هذا الحراك مسألة طبيعية، ويمكن أن يقع في أي منطقة من المناطق، ويعبر عن وضع صحي لأنه ستساعد السلطة على إعادة النظر في الكثير من سياساتها. وكما أن الحراك الاجتماعي طبيعي، فإن التوجه نحو إقرار جهوية موسعة مسألة طبيعية، لأنها تعبر تطور عادي عبر عقود من الزمن، غير أنه لا يمكن الربط بين الأمرين، وهناك مسافة كبيرة بينهما. أي نظام جهـوي نريد؟ قد تتعدد المقاربات وتختلف المناهج والآليات، وقد يبدو السياق السياسي العام الحالي قابلا لاعتماد جهوية موسعة أو متطورة، لكن التساؤل الحقيقي يتمحور في واقع الأمر حول المدى الذي يمكن أن تتخذه مبادرات ترسيخ النظام اللامركزي ومنح الهيئات المنتخبة سلطة تدبيرية حقيقية للشأن العام في مستواه الجهوي. فإذا كان الخطاب الملكي الأخير واضحا على مستوى المبادئ الكبرى التي يعتين اعتمادها، وفي ترسيم خارطة طريق للنظام الجهوي المأمول، فإن التنزيل القانوني والعملي لهذه القواعد والمباديء لا بد له من مسار منهجي متكامل ومنسجم مع منطق الأشياء عمقها. فترسيخ النظام اللامركزي في مستواه الجهوي ومنح سلطة التدبير كاملة للهيئات المنتخبة يعد أحد أهم أوجه تطبيق قواعد الحكامة المرتكزة على ديمقراطية الاختيار والتدبير، وهذا ما يفترض من جهة تعديلات دستورية تفسح المجال للقانون بمنح الاختصاص التنفيذي لرئيس منتخب، سواء كان انتخابه بشكل مباشر عبر الاقتراع العام المباشر، وهو قمة التدبير الديمقراطي، أو بشكل غير مباشر على درجة أولى ومن مجلس جهوي منتخب من جهته بالاقتراع العام المباشر. وفي مقابل ذلك تعتبر الإصلاحات القانونية والمؤسساتية الضامن الأساسي لترجمة مباديء الجهوية الحقيقية، سواء على مستوى النظام الانتخابي نفسه، والذي يعد أحد عوائق إرساء هيآت ديمقراطية حقيقية تضطلع بمهام واختصاصات تنموية واسعة، أو على مستوى نقل جزء من الاختصاصات المركزية للمستوى الجهوي ومواكبته بالإمكانات المالية والبشرية والتقنية المتناسبة معه، مما يتطلب وجوبا إعادة النظر في بنية المالية الجهوية وفي قواعد المالية العمومية ذاتها. فالتجارب الدولية، التي اعتمدت نظاما موسعا للجهوية الإدارية، أقرت تنازلا لنسبة قانونية من الضرائب الوطنية لهذه الهيآت اللامركزية بالتناسب مع حجم وتكلفة الاختصاصات المنقولة، بل إن بعضها أحدثت نظاما متكاملا للموازنة المالية، بأخذ بعين الاعتبار ثقل الاختصاصات والمهام التنموية، بشكل يعزز الاستقلال المالي للهيآت اللامركزية ويضع قواعد واضحة لتمويل إدارة الشأن العام على المستوى الجهوي. إن اعتماد الجهوية الموسعة يتطلب إيجاد نظام متكامل، دستوري وقانوني ومؤسساتي، يحترم قواعد التدبير الديمقراطي ويعمل على تحقيق القواعد الكبرى المحددة له، بل إن الضمانات الدستورية لإنجاح هذا النظام تبدو ملحة وآنية وأساس كل مبادرة في اتجاه إصلاح قانوني ومؤسساتي، بهدف تجنب الاقتصار على توسيع محدود للاختصاصات التقريرية وترك التدبير الحقيقي بعيدا عن الهيآت المنتخبة بشكل ديمقراطي وتمثيلي حقيقي للسكان على المستوى الجهوي.
ليست هناك تعليقات