مقدمة: تلعب الموارد الجبائية دورا في ميزانية الدولة وفي كل تنمية اقتصادية واجتماعية لهذه الأسباب عهد للإدارة نفسها باعتبارها سلطة عام...
مقدمة:
تلعب
الموارد الجبائية دورا في ميزانية الدولة وفي كل تنمية اقتصادية واجتماعية
لهذه الأسباب عهد للإدارة نفسها باعتبارها سلطة عامة أمر فرض الضرائب
وجبايتها، وتتجلى هذه السلطة في ما تملكه الإدارة الضريبية من امتيازات
وسلطات بمقتضى القانون قصد تمكينها من محاربة وظيفتها.
هذا
التدخل المستمر لإدارة الضرائب بحكم وظيفتها في خوض وتحصيل الضريبة وإحساس
الملزم بهذا التدخل من الطبيعي أن يثير الكثير من الخلافات بين الملزمين
والإدارة الضريبية.
ومن
خصوصيات المنازعة الجبائية أنها على مراحل، أي أنها لا ترفع مبدئيا إلى
القضاء، بل لا بد من المرور من مرحلة الطعن الإداري قبل اللجوء إلى القضاء،
وذلك لعله تخفيف العبء على القضاء، وتصفية المنازعات في مهدها إضافة إلى
توفير وقت وجهد الملزم. أي حد سن المشرع الضريبي نصوص قانونية تحتوي ضمانات
اصالح الملزم الطرف الضعيف في المعادلة الضريبية وما دور القضاء في حماية
هاته الضمانات التشريعية وهل عمل على خلق قواعد ومبادئ جديدة لصالح الملزم
وترتيبا على ما سبق فان مقاربة هاته الاشكالية ستتم انطلاقا من التصميم التالي :
مقدمة:
المبحث الاول: المسطرة القضائية المتعلقة بالمادة الجبائية
المطلب الأول: الاختصاص في المنازعات الجبائية
الفقرة الأولى: الاختصاص النوعي
الفقرة الثانية: الاختصاص المكاني
المطلب الثاني: سير الدعوى في المنازعات الجبائية
الفقرة الأولى: تقديم الدعوى
الفقرة الثانية: الإثبات
الفقرة الثالثة: الخبرة
الفقرة الرابعة: طرق الطعن
المبحث الثاني: المنازعات القضائية في المادة الجبائية
المطلب الأولى : منازعات تأسيس الضريبة
المطلب الثاني : منازعات تحصيل الضريبة
الفقرة الاولى: القضاء الإستعجالي ومنازعات التحصيل
الفقرة الثانية:قضاء الموضوع ومنازعات التحصيل
المبحث الاول: المسطرة القضائية المتعلقة بالمادة الجبائية
المطلب الأول: الاختصاص في المنازعات الجبائية
الفقرة الأولى: الاختصاص النوعي
بعد
ما كان الاختصاص القضائي في المادة الجبائية موكولا للمحاكم الابتدائية،
فإن إحداث المحاكم الإدارية بالمغرب، نقل هذا الاختصاص لصالح هذه الأخيرة
في المواد 28 إلى 36 من قانون 90-41، و رغم أن التساؤل يثور حول مدى احتكار
هذه المحاكم لكل المنازعات الجبائية أم ما ورد ذكره في تلك المواد فقط،
إلا أن المادة 8 من نفس القانون تنص على أن المحاكم الإدارية تختص بالنظر
في "النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة
بالضرائب و البث في الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة
العامة" مما يدفع بالقول إلى شمولية اختصاصها في هذه المنازعات، و هذا ما
لا نجده في بعض التجارب المقارنة، ففي فرنسا يتولى القضاء العادي البث في
منازعات المتابعة[1]
و هي جزء من منازعات التحصيل، و بالضرائب غير المباشرة و الرسوم المشابهة و
رسوم التسجيل، بينما يتولى القضاء الإداري الضرائب المباشرة و الضرائب
على قدر المعاملات نظرا لارتباطها بمساطير الفحص الجبائي[2]
و
في مصر حيث يسكت المشرع عن اختصاص منازعات الأساس الضريبي، يذهل القضاء
المصري إلى أن المحاكم غير مختصة بتقدير الأساس، كما في قرار لمحكمة النقض
المصرية –شأنهشأن الفرنسي-خص القضاء بكل المنازعات الضريبية باعتباره صاحب
الولاية العامة باستثناء الضريبة على إيرادات الثروة العقارية نظرا
لارتباطها بحق الملكية
و
بعدما كان المجلس بمثابة محكمة استئناف إدارية، إلا أن إحداث محاكم
الاستئناف الإدارية بموجب قانون 03-80 جعل هذه الأخيرة هي المختصة دون
استثناء.
أما
المجلس الأعلى فعلاوة على وظيفته الأصلية كمحكمة قانون إلا أنه يختص في
المادة الضريبية (و الإدارية عموما) بالبث ابتدائيا و انتهائيا في طلبات
الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلق ب:
-التصرفات التنظيمية و الرفدية الصادرة عن الوزير الأول
-قرارات السلطة الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[3].
وغني
عن البيان أن المحاكم الإدارية تبث في المنازعات الجبائية سواء منها
المندرجة في إطار القضاء الشامل أو قضاء الإلغاء على أن هذه الأخيرة لا بد
أن يسبقها طعن إداري[4]، و أن تنعدم إمكانية رفع دعوى موازية[5].
الفقرة الثانية: الاختصاص المكاني
في
المغرب تعتبر المحكمة في دائرة نفوذها تحصيل الضريبة ، هي المختصة
مكانيا، على أن تختص المحكمة الإدارية بالرباط في المنازعات التي تخرج عن
دائرة اختصاص المحاكم الإدارية[6] و بالنسبة للقرارات الضريبية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة واحدة فإن المجلس الأعلى هو المختص[7].
و
في مصر ترفع الدعوى امام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المركز
الرئيسي للمكلف أو محل إقامته المعتادة أو مقر المنشأة حسب المادة 162 من
القانون المصري رقم 157 لسنة 1981[8]، على أنه جل التشريعات تسند الاختصاص المكاني لمحكمة مكان تحصيل الضريبة.
و
في فرنسا يميز بين طعون ربط الضريبة، و طعون تحصيل الضريبة، ففي الولى
تختص المحكمة التي يوجد في دائرتها مقر المدير الإقليمي التابع له محل ربط
الضريبة، و في الثانية تتخصص المحكمة التي تباشر في دائرتها إجاراءات
التحصيل الجبري[9]
المطلب الثاني: سير الدعوى في المنازعات الجبائية
قبل الدخول في تفاصيل إجراءات الدعوى الضريبية يحسن التذكير أن هذه المسطرة تتميز بخهصائص معينة و هي كونها:
-مسطرة
كتابية: و هي بذكر منسجمة مع خصائص القضاء الإداري، و مع طبيعة المادة
الجبائية من حيث وقتها و تعقيدها، و هو ما يؤكده قانون 41-90 من ضرورة
التقدم بعريضة مكتوبة، و كذا غلزام المفوض الملكي بتقديم مستنتجاته كتابة.
مسطرة تواجهية:
و تتجسد في عملية تبادل المذكرات بين المتقاضين حتى إقفال باب المرافعة، و
مما يؤكد الطابع التواجهي في المسطرة. جواز الاطلاع على المستندات و
الأوراق التي يتكون منها ملف الدعوى لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة دون
إمكنية نقلها، و هي الإمكانية التي يسمح بها المشرع الفرنسي[10]. ثم إمكانية تقديم مذكرات بعد الميعاد المحدد و ذلك لسباب معينة يقدرها القاضي.
-مسطرة
تفتيشية : أي أن أطراف الدعوى هم الذين يتكفلون بسير الإجراءات عن طريق
عملية تبادل المذكرات، فالقاضي هو قاضي مقرر، إذ لا يتدخل إلا في نهاية
العملية ليقرر في موضوع النازلة[11].
الفقرة الأولى: تقديم الدعوى
يستلزم تقديم الدعوى توفر عدة شروط، منها ما يرتبط بالأطراف، أو الآجال، أو بمضمون العريضة.
أولا: بالنسبة لأطراف الدعوى.
فلا
يمكن رفع الدعوى غلا من طرف المكلف شخصيا، أو بوكالة، أو الشريك على أن
يقتصر اثرها عليه وحده، و استثناء اقر القضاء الفرنسي دعوى الغير بدون
وكالة بالنسبة للزوجة نيابة عن زوجها بشرط الإقامة معه[12] و دعوى الأم باسم ابنتها الميتة[13].
كما يلزم قانون 90-41 تنصيب محام مسجل في جدول هيئة للمحامين.
و
بالنسبة لإدارة الضرائب فإن مديرية الضرائب هي تمثل الدولة في منازعات
الوعاء و ترفع الدعاوى ضدها في مثل هذه المنازعات، كما ترفع ضد الخزينة في
شخص الخازن العام بالنسبة لمنازعات التحصيل[14].
أما في فرنسا فإن وزير المالية هو الممثل الوحيد بالنسبة لكل المنازعات الجبائية[15]
ثانيا: آجال الدعوى الضريبية
و
هي آجال تختلف حسب نوع كل ضريبة و كل مسطرة، و هي من النظام العام حيث أن
عدم احترامها يعرض الطعن لعدم القبول، و دون الخوض في الحالات المحددة لكل
أجل يكفي التذكير أن هذه الآجال تتوزع عموما بين الشهر و الشهرين و الثلاثة
اشهر دون احتساب يوم الافتتاح و الوم الأخير[16].
و
جدير بالذكر أن القضاء الفرنسي جرى على قبول الطعون التي تقدم أمامه بعد
انقضاء ميعاد 6 اشهر المحددة للادارة الضريبية قصد قرارها في موضوع
الشكايات، حتى و لو كان تقديم الطعن سابقا على غعلان قرار الإدارة الذي تم
بعد انقضاء الميعاد، فيما لا يقبل الطلب المقدم للمحكمة الإدارية قبل
انقضاء الميعاد الذي يجب على الإدارة الضريبية أن تصدر مقررها فيه، و قبل
إعلان مقررها، حيث أن الطلب يعتبر مقما قبل الميعاد
ثالثا:مضمون عريضة الدعوى
أحالت
المادة 7 من قانون 90-41 على المادة 32 من ق م م الذي يحدد البيانات
اللازم توفرها في عريضة الدعوى : افسم العائلي و الشخصي، الصفة أو مهنة و
موظف أو محل غقامة المدعي، ثم موضوع الدعوى بإيجاز و والوسائل المثارة و
الوقائع و ترفق بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء.
و قد سار القضاء الفرنسي على رفض العريضة في الحالتيني التاليتين:
*العريضة التي يقتصر فيها المكلف على مجرد غبداء رغبته في أن يعرضها على المحكمة.
*العريضة التي يعلن فيها المكلف فقط أنه لن يقبل قرار الإدارة الضريبية و أنه سيطعن فيه[17].
و
عموما فإن نختلف التشريعات ترفض الدعوى غير المسبوقة بطعن اداري أولي
مدام القانون يستلزم ذلك، كما تنص مناقشة الطلبات أو النزاعات افضافية في
العريضة و التي يجب أن تسبق بطعن إداري، كما تتقيد المحكمة بألا تقضي بأكثر
مما طلب أمام الإدارة[18].
الفقرة الثانية: الإثبات
يخضع
الإثبات في الدعوى الضريبية إلى القواعد العامة فحسب المادة 399 من ق ل ع
فإن عبء افثبات يقع على مدعيه، و هو ما يصعب تطبيقه في المادة الجبائية
بسبب عدم تكافؤ الإدارة مع الملزم، خصوصا أن القانون الضريبي جد معقد و
تقني، و الواقع أن اغلب الدعاوى الجبائية يرفعها الفراد في مواجهة الإدارة
الضريبية
أمام هذا التعميم في القانون المغربي نجد القضاء الفرنسي قد حدد عند اثبات:
+بالنسبة للملزم:
-حالة التقدير الجزافي للضريبة يتحمل الملزم عبء إثبات غلو التقدير
-حالات تحديد الساس الضريبي على غثر مسطرة التصحيح
-حالات خروقات تشوب المحاسب
+ بالنسبة للإدارة:
-حالة الخروقات المسطرية التي ارتكبتها أثناء الإجراءات أمام اللجن الضريبية
-إثبات سوء نية الملزم و الأعمال الاحتيالية
-وقوع التبليغ الصحيح
- إثبات عدم انتظام محاسبة الملزم[19].
و نظرا للمسطرة الكتابية للدعوى الضريبية فإن ذلك جعلها ذات خصوصية حيث لا يمكن مثلا الإثبات باليمين[20] و الشهود[21].
و تبقى الوثائق المحاسبية أهم وسائل افثبات، و إن كان للأطراف حرية الإثبات[22] مادامت وسائل الإثبات كتابية، و قد عمل القضاء المغربي على قبول الإثبات بواسطة القرائن[23]، و بواسطة الاعتراف[24]،
و عموما تبقى حرية الإثبات هي الأصل في ظل القواعد العامة، و في ظل عدم
التخصيص في القانون الضريبي على وسيلة معينة للإثبات، و كما هو الشأن في
المغرب، فإن الوثائق المحاسبية تبقى هي أهم وسائل الإثبات، أما الوسائل
الخارجة عن المحاسبة فلا يتم اعتمادها إلا استثناء حسب قرار صادر عن مجلس
الدولة الفرنسي بتاريخ 19-12-1973[25]
الفقرة الثالثة: الخبرة
يمكن للقاضي –تلقائيا- أو بطلب من أحد الأطراف القيام بخبرة أو تنظيم جلسة بجث أو المعاينة كما تنص على ذلك المواد 59 و 66 من ق م م
لكن
يلاحظ في الدعوى الضريبية أن الخبرة هي وسيلة التحقيق الأكثر استعمالا مما
يجعل القاضي الحقيقي هو الخبير، رغم أن تقرير هذا الأخير غير ملزم للقاضي،
إذ يمكنه عدم الاعتداد به أو الآمر بالقيام بخبرة أخرى.
و
عموما تخضع الخبرة في المنازعة الجبائية لنفس القواعد العامة ، بينما نجد
بعض التشريعات قد خصت الخبرة بقواعد خاصة كاالمشرع الفرنسي و الجزائري[26].
و
في قرار لمحكمة النقض المصرية بتاريخ 24-3-1974 .." يجوز للقاضي أن يستعين
بخبير في المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب النقاط الفنية..دون
الوسائل القانونية التي يفترض فيه العلم بها..."ّ[27].
و حسب الاجتهاد القضائي فإنه لا يمكن للمحكمة أن تصدر قرارا في القضية إلا بعد الاطلاع على نتائج الخبرة و إلا كان مآل حكمها الإلغاء[28].
ؤ كما هو الشأن في المغرب فإن تقرير الخبير لا شأن له بالفصل في النزاع القانوني كما جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية[29].
الفقرة الرابعة: طرق الطعن
و هي إما طرق عادية أو غير عادية
فأما
العادية فتنقسم إلى طعن بالإستئناف و كعن بالتعرض، و أما غير العادية
العادية فتضم تعرض الغير الخارج عن الخصومة، و إعادة النظر، ثم الطعن
بالنقض.
فكما
هو الشأن في فرنسا حيث تم إحداث محاكم الاستئناف الإدارية و التي دخلت حيز
التنفيذ في يناير 1990، أنشأ المغرب محاكم الاستئناف الإدارية بموجب
القانون رقم 03-80 بعدما كان المجلس الأعلى هو المختص بالاستئناف، و
بالتالي فهذه المحاكم هي المختصة في كل المنازعات الضريبية، و إن كان عددها
قليلا مما يضعف من فعالية دورها، فقد حدد المرسوم رقم 187-06-2 الصادر
بتاريخ 25 يوليوز 2006 عدد المحاكم في اثنين: إحداهما بالرباط و آخراهما
بمراكش[30].
أما التعرض فلا يمكن اللجوء إليه إلا عندما يكون الحكم غير قابل للاستئناف مع صدوره غيابيا[31]،
و هو أمر ضيق في المنازعات الجبائية مادام الفصل 344 من ق م م بدل على أن
الأحكام الصادرة بناء على مقالات أو مذكرات الأطراف، و معلوم أن المسطرة في
المنازعة الضريبية ذات طابع كتابي.
أما التماس إعادة النظر فهو من طرق الطعن الغير عادية، و لا يمكن استعماله لمن يملك حق الآستئناف أو التعرض [32]
و ذلك داخل أجل 30 يوما، و ذلك في حالات محددة قانونا على سبيل الحصر في
الفصل 402 من ق م م و يرفع إلى المحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه.
و يمكن استثناء لمن ليس طرفا في النزاع أن يطعن في الحكم من خلال تعرض الغير الخارج عن الخصومة[33] بعد توفر الشروط الثلاثة المنصوصة في ق م م، و نظرا لسهولة ضبط الأطراف المعنية فإن إمكانات هذه الدعوى ضيقة جد في النزاع الضريبي.
و
بصفته كمحكمة قانون فإن المجلس العلى يعتبر جهة قضائية لإلغاء الحكم
المطعون فيه أو ما يسمى بالطعن بالنقض و يبتدئ أجله من تاريخ تبليغ الحكم
للمعني بالأمر و يمتد إلى 30 يوما.
و ينظر المجلس العلى في هذه الدعوى في مدى موافقة الحكم المطعون فيه لمبادئ القانون و نصوصه و لا ينظر في جوهر النزاع[34]
و قد حدد الفصل 360 من ق م م أسباب طلب النقض في:
-خرق القانون الداخلي
-خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف
-عدم الاختصاص
-عدم ارتكاز الحكم على اساس قانوني أو انعدام التعليل .
و
نظرا لتعقد الإجراءات الضريبية و دقتها فإن الأحكام القضائية الصادرة في
منازعتها تعتبر المجال الخصب لدعاوى النقض مما جعلها أكثر الطرق استعمالا
من طرف المكلفين[35] .
المبحث الثاني: المنازعات القضائية في المادة الجبائية
المطلب الأولى : منازعات تأسيس الضريبة
تحدد مرحلة تأسيس الضريبة طبيعة المواجهة بين الملزم والإدارة الضريبية من
خلال مساطر تحديد اسس احتساب الضريبة ومراقبتها باعتبارها مجالا حساسا
تتراوح اطوارها بين التفاهم والانسجام ، وفي أغلب الأحيان تتم في جو مشحون
بعدم الثقة والحساسية والأصطدام خصوصا في مسطرة الفحص ، وتأتي منازعات
التأسيس من اجل تحقيق التوازن المنشود بين حقوق الملزم وسلطات الإدارة في
إطار تنفيذ المساطر الجبائية مما جعل الحسم في التوجه القضائي في هاته
المرحلة من المنازعات مرتكزا على مجموعة من الخصوصيات والمبادئ والقواعد
التي يتميز بها القانون الضريبي ، ونظرا لتنوع المنازعات المتعلقة بتأسيس
الضريبة نحاول رصد اهم الإشكاليات التي يطرحها التبليغ كمناط للنزاع
والتصادم بين الملزم والإدارة الضريبية .
المطلب الثاني : منازعات تحصيل الضريبة
لقد جاء القانون 97/15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ليدعم دولة
الحق والقانون في المغرب وكذا الإستجابة لمتطلبات الأوساط الإقتصادية
والإجتماعية والسياسية في هذا المجال وذلك من خلال محاولته تحقيق المعادلة
الصعبة وهي تحصين الوضعية القانونية للملزم وذلك بمجموعة من الضمانات
المخولة اليه بمقتضى هذا القانون من جهة وبين تقوية الآليات القانونية
خدمة لتحصيل الديون العمومية من جهة ثانية وهكذا سنحاول معرفة الى أي حد
استطاع القضاء الضريبي المغربي بشقيه الإستعجالي وقضاء الموضوع من جانبه
تحقيق الغاية التي من اجلها تم وضع مدونة تحصيل الديون العمومية
الفقرة الاولى: القضاء الإستعجالي ومنازعات التحصيل
ان اختصاص رئيس المحكمة الإدارية باعتباره قاضيا للأمور الإستعجالية ينحصر
في الإجراءات الوقتية التي من شأنها الحفاظ على الحق استنادا للفصل 149 من
ق م م ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان يمتد الى جوهر النزاع او المس
بموضوع الحق وبالتالي فإن الغاية من احداث مؤسسة القضاء الاستعجالى هي
المحافظة على المراكز القانونية للأطراف
الا ان ما يمكن ملاحظته على مستوى العمل القضائي هو تضار ب الأحكام الصادرة بخصوص منازعات التحصيل
وهكذا
وعلى مستوى العمل القضائي " يون طلب ايقاف اجراءات تحصيل دين عمومي مبررا
متى تبين من ظاهر اوراق الملف ان المنازعة في الدين مبنية على اسباب جدية
وأن من شأن مواصلة اجراءات التنفيذ حصول اضرار يصعب تداركها
كما
يمكن للمدين الذي ينازع كلا او بعضا في المبالغ المطالب بها ان يوقف الجزء
المنازع فيه شريطة ان يكون قد رفع مطالبته داخل الأجال القانونية وان يكون
قد كون ضمانات من شأنها ان تؤمن تحصيل الديون المتنازع عليها
عدم
تقيد الطالب بالمقتضيات المنصوص عليها في بالفصلين 117 و 118 من القانون
97/15 بمثابة مدونة التحصيل وعدم تكوين الضمانة الكافية لتأمين استخلاص
الدين المطالب به يعرض طلب ايقاف التنفيذ لعدم القبول" [36]
وعلى
النقيض من ذلك نجد ان المحكمة الادارية بوجد اعتبرت انه " فيما يخص الدفع
بعدم احترام مقتضيات المادتين 117 و 118 من مدونة التحصيل فإنه بتفحص
مقتضيات المادة 117 من المدونة المذكورة ليس من بينها ما يفيد ضرورة تقديم
الضمانة امام المحكمة كإجراء جوهري حتى يترتب عن الاخلال بذلك أي جزاء وان
المقتضيات المذكورة تتعلق بطلبات ايقاف المتابعة امام المحسب المكلف
بالتحصيل لذا فما دامت مشروعية فرض المبالغ المطلوب استيفاؤها موضوع
الاشعار للغير الحائز هي محل منازعة جدية امام محكمة الموضوع فإن الجهة
المدعية تبقى غير ملزمة بتقديم الضمانات المذكورة ويتعين بلتالي استبعاد
الدفع المذكور اعلاه"[37]
من جهته فإن المجلس الأعلى قد حسم النقاش الفقهي و الإختلاف القضائي حول مفهوم الجدية في مجال المنازعة الضريبية من خلال اعتبارها " تتجلى إما في منازعة الملزم في وضعيته كخاضع للضريبة أو في قانونية تأسيس و فرض تلك الضريبة."([38])
بمعنى ما تعلق باختصاص جهة الوعاء دون التحصيل. لكن ألا تعتبر حالات أخرى
قياسا على ما ورد في هذا القرار متسمة بالجدية مثل تقادم الوعاء و التحصيل و
عدم مشروعية مسطرة التحصيل ؟ نعتقد أن خرق قواعد المشروعية سواء لدى إدارة
الوعاء أو إدارة التحصيل أو انتفاء أساس المديونية كصفة الملزم أو سقوط
الحق بعدم المطالبة به داخل الآجال القانونية كلها تشكل أسبابا جدية تبرر
الإستجابة لطلبات الإيقاف ضمن القواعد العامة للإستعجال دون تقيد بشكليات
أخرى.
بخصوص
سلوك مسطرة التظلم الاداري المنصوص عليها في المادة 120 من مدونة التحصيل
قبل اللجوء الى القضاء الإستعجالي فإن المحكمة الإدارية بمراكش ذهبت الى
القول بأن التقيد بشكليات المادة 120 من مدونة التحصيل غير واجب كلما قدر
قاضي الأمور المستعجلة ان الطالب ينازع جديا في صفته كملزم وهو ما تم
تأييده من قبل المجلس الأعلى [39]
من
خلال ماسبق يتبين ان القضاء الاستعجالى الاداري يأمربوقف اجراءات التحصيل
الى حين البث في جوهر النزاع كلما توفر عنصر الاستعجال كما ان الوسائل
المعتمدة في موضوع المنازعة على درجة من الجدية وهو ما يؤكد بحق هاجس
القضاء في التوفيق بين تحصين الوضعية القانونية للملزم دونما عرقلة خدمة
تحصيل الديون العمومية .
الفقرة الثانية:قضاء الموضوع ومنازعات التحصيل
اذا كان اختصاص القضاء الاستعجالي في المادة الضريبية ينحصر في في
الإجراءات الوقتية التي من شأنها الحفاظ على الحق فإنه على النقيض من ذلك
نجد ان اختصاص قضاء الموضوع يشمل باقي النزاعات غير تلك التي تدخل ضمن
اختصاص قاض المستعجلات وهكذا يتبين الدور المركزي الذي يتعين على القضاء
لقيام به من خلال ضرورة تكريس وتحسين تعامل الادارة مع الملزمين و تقديم
ضمانات اوسع لحقوقهم مع مراعاة حقوق الخزينة في تحصيل ديونها
ومن
اهم الضمانات التي جاءت بها مدونة التحصيل هي منع القيام باعمال التحصيل
الجبري دون ترخيص مسبق تحت طائلة العزل المادة 35 من مدونة التحصيل كما ان
المادة 36 من ذات المدونة تنص على عدم امكانية اجراء التحصيل الجبري الا
بعد ارسال اخر اشعاربدون صائر يحث الكلف على تسوية دينه بطريقة وديه اضافة
الى مبدأ التدرج واحترام الترتيب الوارد في المادة 39 من مدونة التحصيل ،
كما ان المشرع نص في هذا الصدد على امكانية اللجوء الى الاكراه البدني
لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الاخرى وفق الشروط المشار اليها
في المواد من 76 الى 83 وهنا يتعين على القضاء ان يبرهن عن دفاعه عن الطرف
الضعيف في المعادلة وعلى التشدد في احترام المساطر والاجراءات في هذا الصدد
على اساس قاعدة التفسير الضيق للنصوص الضريبية اضافة الى ما سبق يلزم
المحاسب المكلف بالتحصيل مباشرة التحصيل بواسطة الانذار الذي ينبغي ان يتم
بواسطة قائمة اصلية للانذار اضافة الى مجموعة من الضمانات المنصوص عليه في
اطار التنفيذ الجبري بواسطة الحجز من خلال الديون العمومية غير قابلة للحجز
او البيوعات و حجز وبيع السفن و العقارات والاصول التجارية وفي مقابل ذلك
تم تعزيز الوسائل القانونة لتحصيل الدين العمومي من خلال التصدي لتنظيمم
افعال العسر وبعض الجرائم المعرقلة لعملية اتحصيل والتزامات الاغيار
المسؤولين او المتضامنين وكذا التزامات الاغيار الحائزين
[1] المادة 181 من مجموعة المسطرة الجبائية الفرنسية و انظر قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 13-12-1972 في "La Jurisprudence le fiscale de la juridiction administrative Guy Willy. L.G.D.J 1988 P 52
[2] Trotabas et JM cotteret, droit fiscale, Dalloz, 1997 p 247 مذكور لدى محمد شكيري " القانون لاضريبي المغربي " ص 563
[16] محمد
شكري " القانون الضريبي المغربي" منشورات م م ا م ت سلسلة مؤلفات و أعمال
جامعية ع 49 2003-ص 67 68، و انظر كذلك "المنازعات" م س ص 244-245-246
[17] زكرياء محمد بيومي " الطعون القضائية في ربط الضريبة" القاهرة 1979 ص 76 ذكره مؤلفا " المنازعات الجبائية " م س ص 248
[19] عبد
القادر التعلالي" حماية الملزم في التشريع الجبائي المغربي" مجلة الدراسات
القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، كلية العلوم القانونية وجدة ص 149،
نقلا عن محمد شكيري م س ص 573
[36] امر استعجالي رقم100/2006 صادر عن المحكمة الادارية بفاس بتاريخ 01/08/2006 في الملف الاستعجالي عدد 87 س/2006
[38] قرار الغرفة الإدارية عدد 10 بتاريخ 3/01/2002 ملف إداري 1528/4/1/2001 منشور بمجلة الخزينة عدد 2004.3.
ليست هناك تعليقات