Header Ads

الاعمال المستبعدة من الطعن بالإلغاء


الاعمال المستبعدة من الطعن بالإلغاء
مقدمة :
المبحث الأول: أعمال السيادة
المطلب الأول: ماهية أعمال السيادة
الفرع الأول:الأصل التاريخي لنظرية أعمال السيادة
الفرع الثاني: تعريف أعمال السيادة
الفرع الثالث: معيار تمييز أعمال السيادة
المطلب الثاني : الأساس القانوني لأعمال السيادة
الفرع الأول: الأساس القانوني
الفرع الثاني: موقف الفقه و القضاء من أعمال السيادة
المبحث الثاني: استبعاد أعمال السلطات الدستورية غير الإداريةالمطلب الأول: استبعاد الأعمال الملكية من الطعن بدعوى الإلغاء
الفرع الأول: الاختصاص الملكي في المجال الإداري
الفرع الثاني :الطبيعة القانونية للظهائر الملكية في المجال الإداري


المطلب الثاني: استبعاد الأعمال التشريعية و القضائية من الطعن بدعوى الإلغاء
الفرع الأولً: القرارات الإدارية والأعمال التشريعية
الفرع الثاني: القرارات الإدارية والأعمال القضائية



مقدمة: 

إن وجود الإدارة طرفاً في علاقة قانونية مع الأفراد، بما تتمتع به من سلطات وامتيازات كثيرة لاشك يؤدي في كثير من الأحيان إلى ارتكاب الإدارة بعض الأخطاء عندما تصدر قراراتها دون روية أو على عجل، وقد يحدث أن تتجاهل الإدارة بعض القواعد القانونية التي سنها المشرع حفاظاً على مصلحة الأفراد.
ولما كانت الإدارة في اتصال مستمر مع الأفراد فقد تؤدي هذه الأخطاء إلى الأضرار بهم، ومن مقتضيات العدالة ومقوماتها أن تخضع الإدارة لحكم القانون وأن تكون كلمة القانون هي العليا، ولابد لذلك من تنظيم رقابة قضائية على أعمال الإدارة تضمن سيادة حكم القانون .
يقول الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري في هذا المعنى : " أن من كان مظلوماً وكان خصمه قوياً كالإدارة، فلابد من ملاذ يلوذ به ويتقدم إليه بشكواه ولا شيء أكرم للإدارة وأحفظ لمكانتها من أن تنزل مع خصمها إلى ساحة القضاء تنصفه أو تنتصف منه وذلك أدنى إلى الحق والعدل وأبقى للهيبة والاحترام " .
وقد حمل القضاء الإداري على كاهله عبء تحقيق التوازن بين مقتضيات المصلحة العامة التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها وبين حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الإدارة إذا ما اعتدت على هذه الحقوق إذ من المهم تقرير خضوع قرارات الإدارة وتصرفاتها كافة لرقابة القضاء ضماناً لاحترام حريات الأفراد بصرف النظر عن كون هذا القضاء عاديا أم إداريا , لكن القضاء الإداري يتمتع بخصوصية تجعله أكثر كفاية في هذا المجال لاعتبار أن القاضي الإداري هو مفتاح الالتزام بسيادة القانون ويتوقف عليه احترامه بمعناه الواسع الذي يتجاوز التقيد المجرد بالنصوص إلى احترام مضمون القانون من حيث وجوب حمايته لحقوق الإنسان ، فإذا عجز القانون عن توفير الحماية لم يصبح جديرا بان تكون له السيادة .
و القضاء الإداري في المغرب و المنظم بمقتصى القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية[1] ، ينقسم إلى شقين قضاء شامل و قضاء الإلغاء أو دعوى الإلغاء، إذ أن هذا الأخير يقتصر على النظر في طلبات إلغاء المقررات الإدارية الصادر عن الإدارة و فق الشروط المتطلبة قانونا سواء منها المتعلقة بالقرار المطعون فيه أو بالطاعن أو بالإجراءات[2] .
و من هذه الشروط أن يكون القرار المراد الطعن فيه بالإلغاء قرارا إداريا[3] ، و على هذا الأساس تم إستثناء الأعمال غير الادارية من الطعن ، و من تم استبعادها من نطاق الرقابة القضائية بواسطة دعوى الإلغاء ، فما هي هذه الأعمال المستبعدة ؟ و ما هو وجه استبعادها و أساس ذلك ؟ وما موقف الفقه القانوني و القضاء الإداري من ذلك ؟ ثم إلى أي حد استطاع القضاء الإداري رغم حداثته خلق توازن بين المصالح العامة للدولة و بين حقوق الأفراد و الهيئات، في ظل مبدأ المشروعية ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من الخلال التطرق في البداية إلى نظرية السيادة و القرارات الادارية ( المبحث الأول ) لنعرج بعد ذلك لدراسة استبعاد الأعمال الصادرة عن بعض السلطات الدستورية و بالخصوص الأعمال الملكية و التشريعية والقضائية ، من دائرة القضاء الإداري ( المبحث الثاني ).

المبحث الأول: أعمال السيادة


تختص السلطة القضائية بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والدولة أو فيما بين الأفراد أنفسهم، وتقوم ببسط رقابتها على أعمال السلطة التنفيذية لفحص مشروعيتها -أي اتفاقها مع القانون- والحكم بإلغائها أو التعويض عنها أو كلا الأمرين معا إذا قضت بعدم مشروعيتها . إلا أن الأمر -في الواقع- ليس بهذه البساطة فلا تزال بعض أعمال السلطة التنفيذية بمنأى عن الرقابة القضائية ، ومن هذه الأعمال ما يسمى 'بأعمال السيادة' أو 'أعمال الحكومة' ، حيث يمنع القضاء من نظر مثل هذه الأعمال إما بنصوص تشريعية أو باجتهادات قضائية مستقرة ، فما هو أصل هذه النظرية و ما مفهومها ؟ و ما هو الأساس الذي تنبني عليه ؟

المطلب الأول : ماهية أعمال السيادة
نناقش في هذا المبحث ماهية أعمال السيادة من خلال ثلاثة فروع : نبحث في الفرع الأول كيف نشأت أعمال السيادة وأصلها التاريخي ، ثم نبحث في الفرع الثاني تعريف أعمال السيادة ، وأخيراً نبحث في الفرع الثالث معيار تمييز أعمال السيادة .
الفرع الأول:الأصل التاريخي لنظرية أعمال السيادة
بعد قيام الثورة الفرنسية عمل رجالها على منع القضاء من التدخل في عمل الإدارة نهائياً ، وكان سبب ذلك هو ما كان يحمله رجال الثورة من صورة سيئة للقضاء وكثرة تدخله في أعمال الإدارة وتعطيلها عن القيام بمهامها واختصاصاتها ، وقد سّوغ رجال الثورة الفرنسية هذا الأمر بالاستناد إلى مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث فسروا هذا المبدأ تفسيراً صارماً وخاصاً بهم، وعدّوا أن هذا المبدأ يقضي بألا يتدخل القضاء في عمل الإدارة بتاتاً ، ولقد كشفت الأيام عدم صدق هذا التفسير ومخالفته لأبسط قواعد المنطق القانوني السليم .
وبناء على ما سبق فقد كان القضاء ممنوعاً من التدخل في أعمال الإدارة وقراراتها ، وسميت هذه المرحلة بمرحلة 'الإدارة القاضية' ، حيث كانت الإدارة تقوم بنفسها - بالفصل في المنازعات التي تنشأ بينها وبين الأفراد ، ولا يخفي ما في هذا الأمر من مخالفة لمبادئ القانون العامة التي تقضي بعدم جوز اجتماع صفتي الخصم والحكم في شخص واحد . و لذلك لم تظهر أعمال السيادة في هذه المرحلة لعدم جدواها، فالقاعدة السائدة في ذلك الوقت هي عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها[4] .
وفي مرحلة لاحقة وبالأحرى في ظل الإمبراطورية الفرنسية الأولى ، أنشأ نابليون بونابرت مجلس الدولة الفرنسي ليقوم بمهام تساعد الإدارة في عملها ، ومن أهم هذه المهام حق الفصل في الطعون والتظلمات التي تقدم ضد القرارات التي تصدر عن الإدارة[5] ، إلا أن حكمه في هذه الطعون لم يكن نهائياً حيث كان يلزم تصديق الإمبراطور عليه ليكون نافذاً ، وسميت هذه المرحلة بمرحلة 'القضاء المحجوز' .
وفي مرحلة لاحقة - وبالتحديد بعد سقوط الإمبراطورية الأولى وعودة الملكية إلى فرنسا سنة 1814م - كان مجلس الدولة ينظر إليه بعين الشك والريب ، حيث أنه يعد من مخلفات النظام البائد وامتداداً لحكم نابليون ، لذلك كانت رغبة رجال النظام الجديد هي إزالة هذا الكيان والقضاء عليه ، فإن لم يكن فعلى الأقل تقليص نفوذه والحد من رقابته على أعمال الإدارة ، فعملوا على انتظار أول فرصة للاحتكاك والاصطدام به ، إلا أن قضاة مجلس الدولة تنبهوا لهذا الأمر وأدركوا مقاصد النظام الجديد ، ولذلك عملوا جاهدين من أجل تجنب الاصطدام بالنظام حتى يحافظوا على وجود المجلس واستمراره، ومن هنا ظهرت نظرية أعمال السيادة على يد مجلس الدولة والتي بموجبها أخرج عدداً من أعمال الإدارة السياسية المهمة من رقابته ، وذلك منعاً للاصطدام بالحكومة ومحاولة منه لكسب ثقتها ، ويجمع شراح القانون العام على أن هذا التصرف من المجلس يعد سياسة حكيمة للحفاظ على كيانه .
ومن الصدف الغريبة التي واجهت مجلس الدولة الفرنسي وقت إقرار هذه النظرية أنه اعترف بها في قضية تتعلق بأسرة نابليون بونابرت صاحب الفضل في وجوده ، وموضوعها رفض النظام الحاكم تسليم أموال تم التبرع بها لعائلة بونابرت وتقريره حرمانها كلية من هذه الأموال ، وعرض النزاع على مجلس الدولة ليقول كلمته في مدى مشروعية هذا التصرف الحكومي وفي مدى أحقية الأسرة المدعية في هذه الأموال ، وكان رأي المجلس أن هذه المطالبة تتعلق بمسألة سياسية لا يختص هو بالفصل فيها وإنما يكون التقرير فيها أصلا للحكومة[6] .
ثم عادت الإمبراطورية الثانية واسترد المجلس مركزه السابق وثقة الحكومة ، وكان المجلس قد قطع شوطاً كبيراً في إخضاع الكثير من أعمال الإدارة لرقابته ، ومن أجل المحافظة على ما قام به لإرساء مبدأ المشروعية ، وحتى لا يضيع هذا الجهد العظيم ، ترك المجلس للإدارة - وعلى رأسها الإمبراطور - قدراً كبيراً من الحرية حتى لا يعوقها بتدخله ورقابته[7] .
وفي ظل الجمهورية الثالثة كانت الأوضاع القانونية قد استقرت ، ورسخت دعائم مبدأ المشروعية في فقه القانون ، وتدخل المشرع ليسجل ما أحرزه من تطور ، وختم كل ذلك بأن جعل للمجلس سلطة القضاء النهائي وكان ذلك بقانون 24 مايو سنة 1872، وسميت بمرحلة 'القضاء المفوض'[8].
وكان يعتقد أن مجلس الدولة الفرنسي قد قبل هذه النظرية مكرهاً ، وأنه بعد منحه سلطة القضاء المفوض سينهال على أعمال السيادة بأحكام تقبرها في الماضي ، ولكن العكس هو الذي حدث تماماً ، إذ استمر المجلس واضطرد في أحكامه اللاحقة على سنة 1872على الاستناد لهذه النظرية حاكماً بعدم اختصاصه ببعض الأعمال التي سماها بأعمال السيادة تارة وبالأعمال السياسية تارة أخرى ، وما تزال تطبيقات النظرية موجودة في القضاء الإداري الفرنسي إلى الآن[9].
وبعد هذا السرد التاريخي لكيفية ظهور أعمال السيادة ، يتبين لنا أن هذه النظرية سياسية البواعث قضائية الصنع ، إلا أننا وإن كنا نقبل ظهورها في ظل الأوضاع والضغوط التي كانت موجودة عند نشأتها إلا إننا نستغرب بقاءها بعد زوال أسباب ظهورها ، بل وفي ظل التطور الكبير الذي ساد في عالم القانون ، وخاصة فيما يتعلق بمبدأ المشروعية وسيادة القانون .
الفرع الثاني: تعريف أعمال السيادة
لقد حاول الفقه والقضاء وضع تعريف لأعمال السيادة، وباستعراض هذه التعريفات يمكن تصنيفها إلى الطوائف التالية:
الطائفة الأولى : وتركز هذه الطائفة من التعريفات على جانب نفي خضوع أعمال السيادة لرقابة القضاء بجميع صورها ، ومن أمثلة هذه التعريفات نرى أن البعض يعرف عمل السيادة بأنه : 'طائفة من أعمال السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء بجميع صورها أو مظاهرها ، سواء في ذلك رقابة الإلغاء أو رقابة التعويض أو رقابة فحص المشروعية'[10] .
والحقيقة أن هذه الطائفة تشمل الجانب الأكبر من محاولات الفقه لتعريف أعمال السيادة ، إلا إن هذه التعريفات لم توضح لنا المقصود بأعمال السيادة ولم تكشف لنا حقيقة هذه الأعمال ، وكل ما عملته هو تعريف عمل السيادة بطريقة سلبية معتمدة على النتيجة المتحققة من اكتساب عمل ما لصفة السيادة وهي عدم خضوعه لرقابة القضاء .
الطائفة الثانية : وتركز هذه الطائفة في تعريفها لأعمال السيادة على جانب الجهة التي تملك تكييف العمل والحكم على ما إذا كان يعد من أعمال السيادة أم لا وهذه الجهة تتمثل في القضاء ، وعليه فتعرف هذه الطائفة عمل السيادة بأنه : 'كل عمل يقرر له القضاء الإداري هذه الصفة'[11] وهذا التعريف أيضاً قاصر عن تحديد ماهية أعمال السيادة ، بل إنه لم يتعرض لطبيعة عمل السيادة وعناصره ، وكل ما قام به هو التأكيد على أن القضاء هو الجهة المخولة بتكييف عمل السيادة .
الطائفة الثالثة : وتركز هذه الطائفة في تعريفها لأعمال السيادة على إظهار الجانب السياسي المرتبط بهذه الأعمال ، كما تركز على تحديد الحكمة من تحصين هذه الأعمال من رقابة القضاء وهي تعلقها بمصالح الدولة العليا ، ومن أمثلة هذه الطائفة تلك التي تعرف عمل السيادة على أنه 'العمل الذي تباشره الحكومة - بمقتضى سلطتها العليا - في سبيل تنظيم القضاء والإدارة والنظام السياسي والدفاع عن كيان الدولة وسلامتها في الداخل والخارج …' ، أو كما عرفته محكمة القضاء الإداري في مصر بأنه : 'العمل الذي يتصل بالسيادة العليا للدولة والإجراءات التي تتخذها الحكومة بما لها من سلطان الحكم للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها في الداخل والخارج'[12].
والحقيقة أنه رغم تميز تعريفات هذه الطائفة على ما سبقها ورغم أنها كانت أكثر نجاحاً وتوفيقاً في تعريفها لعمل السيادة إلا أنه يعيبها اعتمادها على ألفاظ ومفردات واسعة ومطاطة تفتقر للدقة والضبط والتحديد ، عجزت عن إعطائنا تعريفاً دقيقاً لأعمال السيادة ولم تكشف لنا طبيعة هذه الأعمال وعناصرها الموضوعية .
وبعد هذا العرض لمحاولات الفقه والقضاء لوضع تعريف جامع مانع لأعمال السيادة ، يتبين لنا أن كل هذه المحاولات لم تحقق هذا الهدف ، وهذا ما أعلنته صراحة محكمة القضاء الإداري في مصر حيث قضت بأنه : '… لم يتيسر وضع تعريف حاسم أو حصر دقيق لأعمال السيادة ، إذ أن ما يعتبر عملاً إدارياً عادياً قد يرقى في ظروف وملابسات سياسية في دولة ما إلى مرتبة أعمال السيادة ، كما أن ما يعتبر من أعمال السيادة قد يهبط في ظروف أخرى إلى مستوى الأعمال الإدارية …'[13] .
ويرجع عجز هذه المحاولات في رأينا إلى غموض نظرية أعمال السيادة وعدم قيامها على سند متين من المنطق والقانون ، بل ومخالفتها لمبدأ المشروعية وسيادة القانون ، إلا أنه - رغم ذلك - يجب أن يحمد للفقه والقضاء قيامه بهذا الدور ومحاولته تحديد أعمال السيادة من أجل تقييدها وضبطها حتى لا تكون واسعة المدى في الوقت الذي تشكل فيه اعتداء على حقوق وحريات الأفراد .
الفرع الثالث: معيار تمييز أعمال السيادة
تقضي نظرية أعمال السيادة بخروج طائفة من أعمال السلطة التنفيذية من رقابة القضاء، ومن الطبيعي أن الأمر يحتاج لمعيار يميز أعمال السيادة عن غيرها من الأعمال الإدارية التي تظل خاضعة للرقابة القضائية.و لذلك اهتم رجال الفقه والقضاء بالعمل على وضع معيار يميز أعمال السيادة عن غيرها من أعمال السلطة التنفيذية، وكانت نتيجة محاولات الفقه في هذا المجال أن ظهرت العديد من المعايير، نعرض لها فيما يلي:
أولاً : معيار الباعث السياسي ويعد هذا المعيار أول المعايير التي قيلت في هذا الصدد ، وقد أخذ به مجلس الدولة الفرنسي عند ظهور أعمال السيادة لأول مرة ، ويقضي هذا المعيار بأن العمل الصادر من السلطة التنفيذية يعد من أعمال السيادة متى كان الباعث على إصداره تحقيق مقصد سياسي هدفه حماية الحكومة من أعدائها في الداخل والخارج[14].
وكان معيار الباعث السياسي يجد مسوغه في حقيقة الوضع الذي كان يشغله مجلس الدولة في المرحلة الأولى من بدء نشاطه القضائي ، ذلك أن المجلس كان لا يزال محكوماً بفكرة القضاء المحجوز ، حيث كانت قراراته خاضعة لتصديق رئيس الدولة ، ومن ثم كان طبيعياً أن يساير الحكومة في اتجاهاتها العليا ، وخاصة بالنسبة للإجراءات التي تتخذها لمقاومة أعدائها وللحد من نشاطهم ، حتى تدعم وجودها وتثبت أركان النظام الجديد .
والحقيقة أنه لا تخفى خطورة هذا المعيار ، حيث أنه يوسع من نطاق أعمال السيادة ويضيق من مدى رقابة القضاء لأعمال السلطة التنفيذية ، لأنه يعتمد في تحديده لعمل السيادة على باعث إصدار هذا العمل ، وكان تحديد الباعث موكولا للسلطة التنفيذية ذاتها ، فمتى ما أعلنت الحكومة بأن الباعث على إصدار هذا العمل سياسياً امتنع على القضاء نظر هذا العمل لأنه من أعمال السيادة .
ثانياً : معيار طبيعة العمل ذاته ويقوم هذا المعيار في تحديده لأعمال السيادة على التمييز بين نوعين من أعمال السلطة التنفيذية وهما أعمال الحكم وأعمال الإدارة ، ويقضي بأن أعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية في مجال وظيفتها الحكومية  ورغم قيام هذا المعيار على طبيعة العمل ذاته وليس على الباعث من إصداره، إلا أنه يؤخذ عليه غموضه ، كما أنه يحل المشكلة بمشكلة أخرى ، فهذا المعيار يحتاج لمعيار آخر يميز بين أعمال السلطة التنفيذية الحكومية وأعمالها الإدارية .
ثالثاً : معيار النصوص القانونية المطبقة يستند هذا المعيار في تحديده لأعمال السيادة على التفرقة بين النصوص الدستورية والنصوص القانونية ، فأعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية تنفيذاً لاختصاصاتها المحددة في النصوص الدستورية ، أما الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية استناداً إلى نصوص القوانين واللوائح فإنها تعد أعمالاً إدارية وتخضع للرقابة القضائية[15] .
والحقيقة أن هذا المعيار منتقد ، لأنه يؤدي إلى الخلط بين الأعمال الإدارية وأعمال السيادة ، حيث أن كثيراً من الأعمال التي يعدها القضاء أعمال سيادة ليست تنفيذاً لنصوص دستورية ، كما أن كثيراً من الأعمال الإدارية هي تنفيذ مباشر لبعض نصوص الدستور ولم يعدها القضاء أعمال سيادة[16] ، كما يعيب هذا المعيار أنه يؤدي إلى عدم إخضاع الأعمال المقيدة للحقوق والحريات الفردية لرقابة القضاء لمجرد صدورها تنفيذاً لنصوص دستورية ، وهو الأمر الذي يحول الدستور من أداة أساسية في تقرير الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأفراد وحرياتهم إلى أداة في يد السلطة التنفيذية تستخدمها للتخلص من الرقابة القضائية على أعمالها في مواجهة الأفراد[17] .
رابعاً : معيار العمل المختلط يقضي هذا المعيار بأن أعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية بمناسبة علاقتها بسلطات أخرى سواء كانت هذه السلطات داخلية أم خارجية ، ومثال ذلك علاقة الحكومة بالبرلمان على المستوى الداخلي ، وعلاقاتها بالدول الأخرى على المستوى الخارجي . ويستند هذا المعيار في تحديده لأعمال السيادة وعدم إخضاعها لرقابة القضاء ، على أن القضاء يعد غير مختص بنظر هذه الأعمال لأن ولاية القضاء الوطني تقتصر على تصرفات السلطة التنفيذية فحسب ولا تشمل ولايته أعمال السلطات الأجنبية أو أعمال السلطة التشريعية .
ورغم أن هذه النظرية تستند على أساس قانوني مستمد من القواعد التي تحكم القضاء الإداري ، إلا إن هذا المعيار - كما يرى البعض - لا يزال قاصراً عن تحديد أعمال السيادة ، لأن التصرف موضوع البحث مهما يكن مركباً أو مختلطاً، فإنه لا يزال من حيث المصدر تصرفاً صادراً عن الهيئة التنفيذية وفي حدود ولايتها الخاصة بتنفيذ القوانين واللوائح و القرارات التنظيمية ، كما أن اللجوء إلى القضاء إنما يكون لرقابة تصرفات السلطة التنفيذية ، فهي وحدها التي تخضع للمناقشة بمناسبة العمل المختلط ، إذ أنها مصدر العمل وفاعله الوحيد ، دون أن يغير من هذا النظر أن يكون العمل قد صدر بمناسبة علاقة قانونية مع هيئات عامة أخرى لا تخضع بذاتها للرقابة ، فارتباط التصرف بهذه العلاقة لا يصلح مسوغاً لحصانته في جملته ضد رقابة القضاء[18].
خامسا: معيار القائمة القضائية اتجه البعض في تحديد أعمال السيادة إلى استقراء الأحكام القضائية وتعداد أعمال السيادة طبقاً لهذه الأحكام ، وذلك اعترافاً منهم بالعجز عن وضع معيار دقيق لتمييز أعمال السيادة عن غيرها من أعمال السلطة التنفيذية .
ويعيب هذا الاتجاه أنه لا يضع معياراً لأعمال السيادة بالمعنى الفني الدقيق ، كما أنه يؤدي إلى تحكم القضاء بدلاً من الإدارة في تحصين العمل الإداري من الرقابة القضائية ، فمنح القضاء سلطة تحديد عمل السيادة لا يعني عدم الحاجة إلى معيار لتحديد هذه الأعمال ، فالقضاء نفسه يحتاج هذا المعيار وإلا كان الأمر تحكماً واضحاً من القضاء طالما أن تحديد أعمال السيادة يتم بطريقة مزاجية من القاضي ودون معيار موضوعي واضح وسليم .
سادساً : النظرية السلبية قامت هذه النظرية في فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر ، وتهدف إلى إنكار وجود أعمال سيادة بجوار الأعمال الإدارية ولا تسلم بأن هذين النوعين من الأعمال يختلف أحدهما عن الآخر في المصدر والطبيعة والهدف ، وتقول هذه النظرية بأن ولاية القضاء تتسع لكل نزاع يتعلق بالحقوق والحريات وعلاقات الحاكم بالمحكوم وعلاقات الأفراد والجماعات فيما بينها وكل ما يتعلق بالعدل والإنصاف ، ولا تتقيد ولاية القضاء إلا بالقدر الذي يقضي به نص صريح في الدستور أو في القانون ، ولهذا أخذ فقهاء هذه النظرية يضعون قوائم لحصر تلك الأعمال التي تخرج عن ولاية القضاء ، لا من واقع قضاء المحاكم ومجلس الدولة كأصحاب الحصر العددي أو معيار القائمة القضائية ، بل من واقع الدستور والتشريعات المعمول بها .
والحقيقة أننا نتفق مع أصحاب هذه النظرية فيما قالوا به من إنكار وجود أعمال السيادة واتساع ولاية القضاء لكل المنازعات ، بل إننا نتفق معهم أيضاً فيما قرروه من إمكانية المشرع الدستوري في تحديد ولاية القضاء ، إلا أننا لا نوافقهم فيما ذهبوا إليه من إمكانية المشرع العادي من أن يحدد ولاية القضاء وتحصين بعض الأعمال الإدارية من الرقابة القضائية ، فإذا كان المشرع الدستوري يختص بتحديد السلطات العامة في الدولة وتوزيع الاختصاصات فيما بينها ، فإن المشرع العادي لا يملك - وهو أحد السلطات - أن يعتدي على السلطات الأخرى ومنها السلطة القضائية وذلك بأن ينتقص من ولاية القضاء ويخرج بعض المنازعات أو يحصن بعض الأعمال من الرقابة القضائية ، لأن ذلك يعد اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات وتعدياً على حقوق الأفراد وحرياتهم وإخلالاً بمبدأ المشروعية وسيادة القانون .
والخلاصة في هذا الأمر ، أن الفقه فشل في العثور على معيار يقوم بتمييز أعمال السيادة عن غيرها من أعمال السلطة التنفيذية ، لذلك نراه لجأ إلى معيار القائمة القضائية الذي نقل - بموجبه - هذه المهمة إلى عاتق القضاء ، وحتى القضاء نفسه عجز حتى الآن عن صيانة معيار واضح في هذا الشأن ولذلك نراه يوسع من مدى أعمال السيادة في أحيان ويضيق من مداها في أحيان أخرى .
ويرجع هذا الفشل في العثور على معيار واضح وموضوعي يحدد أعمال السيادة ويميزها عن غيرها من الأعمال الإدارية إلى غموض نظرية أعمال السيادة نفسها وعدم توافقها مع المنطق القانوني السليم وأنها أحد تدخلات السياسة في عالم القانون ، بالإضافة إلى مخالفتها لمبدأ المشروعية وسيادة القانون واعتداءها على حقوق الأفراد وحرياتهم ، فإذا كانت الفكرة غامضة وغير متوافقة مع المنطق القانوني ، فأنه يصعب تحديدها ووضع معيار واضح لها .

المطلب الثاني : الأساس القانوني لأعمال السيادة



الفرع الأول: الأساس القانوني
اختلف الفقه الفرنسي حول أساس حصانة أعمال السيادة ضد رقابة القضاء، وتبلورت أهم الآراء فيما يلي:
1 - ذهب بعض الفقهاء - ومنهم العلامة موريس هوريو - إلى مسوغ لها بقوله : إنها تمثل سياسة حكيمة لمجلس الدولة الذي تحاشى - عن طريقها - قيام النظام الجديد - بعد عودة الملكية - بإلغائه للتخلص من رقابته ، وذلك كما أوضحنا سلفاً في دراسة نشأة أعمال السيادة وأصلها التاريخي .
2 - كذلك ذهب البعض إلى أن نظرية أعمال السيادة تستند إلى اعتبارات سياسية ، وذلك إبان الفترة التي كان القضاء يطبق فيها على تلك الأعمال معيار الباعث السياسي ، فاعتناق القضاء للمعيار المذكور ينم عن رغبته في عدم التدخل في الأعمال السياسية للحكومة ، لأن رقابة هذه الأعمال سوف تكون بالضرورة ذات طابع سياسي ، وبالتالي يجب أن يعهد بها إلى هيئة سياسية[19]. ومن أصحاب هذا الرأي العلامة ادوارد لافريير الذي ذهب في سبيل وضع مسوغ نظرية أعمال السيادة - إلى القول بأن السلطة التنفيذية تتولى في الواقع وظيفتين أساسيتين هما الحكم والإدارة ، وبناء على ذلك فإن ما تصدره من قرارات وما تتخذه من إجراءات قد تقوم به باعتبارها حكومة ، وقد يصدر عنها بوصفها إدارة ، والطائفة الأولى من الأعمال يغلب عليها الطابع السياسي ، ومن ثم تخرج من رقابة القضاء وتخضع لرقابة الهيئات السياسية ، وهي المجالس النيابية ، فالمبادئ العامة للقانون وطبيعة الأشياء تقضي بضرورة التمييز بين العمل الحكومي والعمل الإداري[20] .
ويقترب من هذا المعني ما ذهب إليه دوجى من أن أعمال السيادة لا تخضع لرقابة القضاء لأنها تصدر من السلطة التنفيذية لا بوصفها هيئة إدارية وإنما بوصفها هيئة سياسية ، وهي لا تخضع للمحاكم ليس لأنها بطبيعتها تتنافى مع الرقابة القضائية ، بل لأن التنظيم القضائي في الدول المختلفة لم يصل بعد إلى سحب هذه الرقابة عليها ، ولذلك يفضل دوجي تسمية هذه الأعمال بالأعمال السياسية بدلاً من أعمال السيادة[21].
3 - لجأ بعض الفقهاء - لاسيما بعد عدول القضاء عن تطبيق المعيار السياسي السابق ذكره - إلى وضع مسوغ للنظرية بالاستناد إلى أساس من القانون ، وقد وجد هذا البعض ذلك الأساس في المادة (26) من القانون الصادر في 24-5-1872 المنظم لمجلس الدولة والتي تنص على : 'حق الوزراء في أن يحيلوا الأمر إلى محكمة التنازع بشأن القضايا المرفوعة أمام القسم القضائي بمجلس الدولة والتي تخرج من اختصاصه' ، حيث ذهبوا إلى القول بأن المقصود بالقضايا المذكورة في هذه المادة تلك المتعلقة بأعمال السيادة .
إلا أن اعتبار النص المذكور سنداً قانونياً لنظرية أعمال السيادة أمر محل نظر ، فهذا النص يهدف لإقامة نوع من التوازن بين جهتي القضاء ، وحماية اختصاص القضاء العادي من اعتداء القضاء الإداري عليه ، وأيّا كان تفسير هذا النص فإنه لم ينتقل إلى حيز التطبيق .
4 -ذهب البعض في وضع مسوغ نظرية أعمال السيادة من الوجهة القانونية إلى أن عمل السيادة هو عمل مختلط ، بمعنى أنه ليس صادراً من السلطة التنفيذية وحدها وإنما هو صادر منها في مجال علاقاتها بالسلطات الأخرى التي لا تخضع لرقابة القضاء .
وقد أخذ - بحق- على هذا الرأي قصوره ، حيث أنه تقتصر صلاحيته على القضاء الفرنسي الذي لم يعترف لنفسه حتى الآن بسلطة رقابة دستورية القوانين ، ومن ثم لا يصدق هذا الرأي - حيث يباشر القضاء هذه السلطة - بل يفقد كل قيمته ، وأكثر من ذلك فإن هذا الرأي يعجز - حتى في ظل النظام الفرنسي - عن تفسير خضوع لوائح الإدارة العامة لرقابة القضاء الإداري ، وهي وفقاً للرأي المذكور تعد أعمالاً مختلطة[22] .
5-حاول البعض كذلك وضع مسوغ لنظرية أعمال السيادة بالاستناد إلى بعض الاعتبارات القانونية والعملية ، فقرر أن القانون وسيلة لا غاية في ذاته ، فهو وسيلة للمحافظة على سلامة الدولة وصيانة كيانها ، فإذا كان التمسك به على حساب سلامة الدولة وجبت التضحية به ، إذ أن سلامة الدولة فوق القانون ، ومن ثم وجب الاعتراف للحكام بالخروج على القانون كلما اقتضت الظروف ذلك ، تحقيقاً لتلك الغاية العليا .
ونلاحظ أن هذا الرأي ينطوي على خلط بين نظرية أعمال السيادة ونظرية الضرورة وهما نظريتان متميزتان عن بعضهما ، ذلك أن أعمال السيادة قد تصدر في غير حالات الضرورة ، وحينئذ لا تصلح المسوغات المذكورة كأساس لتدعيم نظرية أعمال السيادة .
6 -يذهب الرأي الراجح في الفقه إلى القول بأن الأساس الحقيقي لعدم اختصاص القضاء بالنظر في أعمال السيادة هو قواعد الاختصاص القضائي ذاتها ، حيث أن هذه الأعمال تخرج من نطاق اختصاص القضاء بجهتيه ، إما لأنها تتصل بعلاقات السلطات العامة ببعضها ، كقرار حل البرلمان وقرارات العفو ، وإما لأنها تتصل بمعاهدات وعلاقات دولية ، وتثير مسائل تدخل في نطاق القانون الدولي كإعلان الحرب ، وهي مسائل لا تدخل في مدلول المنازعات الإدارية التي يختص القضاء الإداري بالفصل فيها ، كما لا تدخل في مدلول منازعات الأفراد التي يختص القضاء العادي بنظرها .
وبعد هذا العرض للآراء التي قيلت في محاولة وضع أساس قانوني لأعمال السيادة يتبين لنا تباين تلك الآراء ويرجع ذلك إلى صعوبة إيجاد أساس قانوني سليم ومسوغ منطقي معقول لنظرية أعمال السيادة ، بسبب مخالفة هذه النظرية لمبدأ المشروعية وسيادة القانون وعدم تلاؤمها مع المنطق القانوني السليم ، لذلك لا يمكن وضع مسوغ لها إلا بالاستناد إلى الاعتبارات السياسية والعملية .
الفرع الثاني : موقف الفقه و القضاء من أعمال السيادة
نستعرض في هذا الفرع موقف الفقه من هذه النظرية وذلك في نقطة أولى ، ثم نعرض في نقطة ثانية لموقف القضاء من هذه النظرية والتطورات التي طرأت عليها في القضاء .
اولا : موقف الفقه من نظرية أعمال السيادة
يتفق الفقه على مخالفة نظرية أعمال السيادة لمبدأ المشروعية وسيادة القانون ، حيث أن هذه النظرية تمثل نقطة سوداء في جبين المشروعية كما يرون بأنها تمثل اعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم باعتبارها مانعاً من موانع التقاضي ، بل واعتداء على السلطة القضائية ، وذلك بحجب اختصاصها عن المنازعات التي تثار في شأن أعمال السيادة ، كما أنها تخالف النصوص الدستورية التي تقضي بصيانة وكفالة حق التقاضي للناس كافة .
إلا أن الفقه - رغم اتفاقه على ما سبق - فإنه يختلف وينقسم في مسألة التعامل مع هذه النظرية إلى رأيين:
الرأي الأول[23] : ويذهب أصحابه إلى أنه رغم مخالفة نظرية أعمال السيادة لمبدأ المشروعية واعتداءها على حقوق الأفراد وحرياتهم ومخالفتها للنصوص الدستورية التي تكفل التقاضي للكافة ، ورغم انتقاد هذا الرأي للنظرية ، إلا أنه لا يذهب في نقده لها إلى درجة إنكار وجودها ، فهي حقيقة قانونية واقعية لا يمكن تجاهلها ، لأن إنكار هذه النظرية هو خلط بين الأماني والحقائق القانونية، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك حينما يرى أنه في وجود هذه النظرية بعض الأهمية للمحافظة على كيان الدولة الداخلي والخارجي[24] .
ويرى أصحاب هذا الرأي أن التعامل مع هذه النظرية يكمن في التوفيق بين اعتبارين : الأول هو ضرورة الإبقاء على نظرية أعمال السيادة ، والثاني هو ضرورة احترام حق التقاضي وكفالته ، ويذهبون إلى أن هذا التوفيق يمكن أن يتحقق إذا ما أخذنا بأمرين[25] :
1 - ضرورة التعويض عن أعمال السيادة ، إذ من الممكن الإبقاء على عمل السيادة دون إلغاء حتى تتحقق الغاية منه ، مع السماح للأفراد الذين قد يصيبهم ضرر من جراء هذا العمل باللجوء إلى القضاء لتعويض الضرر الذي أصابهم ، فالذي يعني الحكومة من عمل السيادة هو بقاؤه قائماً ومنفذاً على الوجه الذي ترتضيه ، ولكن لن يضيرها أن تتحمل الجماعة نتائج عمل السيادة الضارة ، لأن هذا هو النتيجة المنطقية لمبدأ مساواة الأفراد أمام التكاليف العامة ، وبجواز التعويض عن أعمال السيادة يمكن للأفراد اللجوء للقضاء بشأن هذه الأعمال ، ومن ثم لن تعوق هذه الأعمال ممارسة الأفراد لحريتهم في التقاضي بصورة كاملة .
2 - ضرورة حصر أعمال السيادة حصراً دستورياً ، أي في صلب الدستور ، لأن هذه الأعمال لا يمكن إلغاؤها بمعرفة القضاء ، بل فقط من الممكن التعويض عنها كما ذكرنا ، وعدم إمكانية إلغاء هذه الأعمال يعني عدم كفالة حق التقاضي بصورة كاملة ، لأن الأفراد لن يتمكنوا من رفع دعاوى بإلغاء هذه الأعمال ، بل فقط بالتعويض عنها ، ولذلك فإن هذا الانتقاص بحق التقاضي يجب النص عليه في صلب الدستور ، لأن هذا الحق من الحقوق الدستورية المنصوص عليها في صلب الدستور ، وأي انتقاص له يجب النص عليه في الدستور كذلك ، والحصر الدستوري لهذه الأعمال سوف يقيد السلطة التنفيذية في هذا الصدد ، بل إنه سوف يقيد المشرع كذلك ، ولن يستطيع رئيس الدولة أن يصدر قراراً أو مرسوماً بقانون يحصن عمل من الأعمال من رقابة القضاء بحجة كون هذا العمل من أعمال السيادة ، إلا إذا كان هذا العمل من قبيل أعمال السيادة فعلاً المنصوص عليها في صلب الدستور .
الرأي الثاني[26] : يرى أصحابه أن الرأي السابق لا يكفي ، وإنما ينبغي إنكار نظرية أعمال السيادة دون تردد ، لأن الأخذ بمدلول هذه النظرية يمثل امتهاناً لمبدأ المشروعية وسيادة القانون .
وإذا كان المشرع لا يملك تحصين العمل الإداري من رقابة القضاء التزاماً بسيادة القانون، فإنه ينبغي على السلطة القضائية أن تلتزم في عملها بسيادة القانون ، ومن ثم يجب عليها فحص مشروعية كافة الأعمال الإدارية دون اللجوء إلى نظرية أعمال السيادة .
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن إضفاء صفة عمل السيادة على أعمال السلطة الحاكمة من شأنه أن يثير الريبة والسخط عليها لموقفها السياسي غير المتفق مع القانون ، فالتمسك بأعمال السيادة يعد أحد العوائق التي تمنع التعبير الصادق عن اتجاهات الشعب والهيئات المنتخبة .
ويؤكد أصحاب هذا الرأي بأن إنكارهم لهذه النظرية ليس إنكاراً لحقيقة قانونية ، لأن النصوص القانونية التي تشير إلى هذه الأعمال - وذلك في القوانين المنظمة للسلطة القضائية - هي نصوص غير دستورية .
كما يضيفون بأن إنكارهم لهذه النظرية ليس خلطاً بين الأماني والحقائق القانونية ، فالحقائق القانونية تفرض علينا الاستناد إلى القواعد القانونية لمعرفة نظام كل عمل تقوم به سلطة من السلطات في الدولة ، وليس في التنظيم القانوني ما يسّوغ وجود أو مشروعية أعمال السيادة كاستثناء على مبدأ المشروعية وعلى اختصاص القضاء بالرقابة القضائية على مشروعيتها .
ومع ذلك ، يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن قواعد الاختصاص القضائي تؤدي إلى إخضاع كافة المنازعات الإدارية لرقابة القضاء الإداري ، وتتصل هذه المنازعات بالأعمال الإدارية - أي بالأعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية بصدد وظيفتها الإدارية - أما أعمالها الأخرى المتصلة بالحكم - وهي تلك التي تتعلق بالصلات بين السلطة التنفيذية والسلطات العامة الأخرى الوطنية أو الأجنبية - فإنها تخرج عن نطاق اختصاص القضاء الوطني ، إما لأنها تدخل في دائرة المسئولية السياسية للحكومة أمام البرلمان ، أو لاختصاص القضاء الدولي بنظر المنازعات المتصلة بها .
وعليه فإن إعمال قواعد الاختصاص القضائي من شأنها وحدها أن تحقق إخراج كافة أعمال السيادة المتفق عليها فقهاً - وهي الأعمال المتصلة بالبرلمان وبالعلاقات الدولية - من نطاق اختصاص القضاء بالرقابة على أعمال الإدارة .
أما باقي أعمال السيادة ، فعلاوة على أن تسميتها من أعمال السيادة يعد محل خلاف فقهي ، إلا أن إعمال نظريتي السلطة التقديرية وأعمال الضرورة من شأنه تحقيق الحماية الكافية لأعمال الإدارة وتمكينها من أداء واجبها ورسالتها ووظائفها على أكمل وجه دون التضحية بالحقوق العامة والحريات الفردية والصالح العام .
خلاصة هذا الرأي هو أن كافة أعمال السلطة التنفيذية المتصلة بوظيفتها الإدارية تدخل في اختصاص القضاء بالرقابة عليها ، أما أعمالها المتصلة بوظيفتها الحكومية - وهي الأعمال المتصلة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطات العامة الأخرى في الدولة أو بعلاقاتها الدولية - فإنها تخرج عن نطاق اختصاص القضاء بالرقابة على مشروعية أعمال الإدارة وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي في الدولة ، إما لأنها لا تثير سوى المسئولية السياسية للسلطة التنفيذية أمام البرلمان ، أو لاختصاص القضاء الدولي بذلك دون الجهات القضائية الوطنية ، وتبعاً لذلك فإن القول بوجود طائفة من الأعمال هي أعمال السيادة ، يكون قولاً يجانبه الصواب .
ورغم احترامنا للرأي الأول إلا أنه - في رأينا - يتعامل مع الخطأ بسياسة قبول الأمر الواقع، ويعمل جاهداً على محاولة تقليص الأضرار والسلبيات الناتجة من قبول وتطبيق نظرية أعمال السيادة[27] .
ونعتقد أن هذه السياسة والتوجه لا تكفي للتعامل مع نظرية أعمال السيادة ، وذلك لفداحة الأخطار التي تترتب على قبول هذه النظرية والاعتراف بها ، حيث أن هذه النظرية تمثل - بإجماع الفقه - إخلالاً خطيراً بمبدأ المشروعية وسيادة القانون ، واعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم ، ومخالفة صريحة لحق التقاضي والنصوص الدستورية التي تكفله .
ولذلك فإننا نؤيد ما ذهب إليه الرأي الثاني من المطالبة بإنكار وجود هذه النظرية وإلغائها من النظام القانوني والاستعاضة عنها بنظريات أخرى مثل السلطة التقديرية ونظرية الضرورة والحالات الاستثنائية ، وإعمال قواعد الاختصاص القضائي ، ففي هذه النظريات ما يكفي من إعطاء الإدارة حرية واسعة في قيامها بأداء واجباتها واختصاصاتها على النحو الذي يكفل لها عدم تعطيلها عن أداء مهامها من ناحية وحماية مبدأ المشروعية وصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم من ناحية أخرى[28] .
ثانيا : موقف القضاء من نظرية أعمال السيادة ذكرنا فيما سبق أن نظرية أعمال السيادة هي نظرية قضائية الصنع والمنشأ ، حيث ابتكرها مجلس الدولة الفرنسي لظروف سياسية مرتبطة بتلك المرحلة ، إلا أنه بزوال هذه الظروف والاعتبارات كان المتوقع أن يقوم مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء هذه النظرية ، إلا أن هذا الأمر لم يحدث ، بل بقيت النظرية قائمة في القضاء الفرنسي ، وقام الفقه بوضع مسوغ لهذا الأمر مفاده أن مجلس الدولة الفرنسي عمل على إبقائها حماية لما قام به من جهود كبيرة في إرساء مبدأ المشروعية وترسيخ أركانه في النظام القانوني . إلا أن القضاء لم يجار في تطوراته موقف الفقه في هذا الشأن ورغم ذلك فقد قام بالعديد من الأعمال التي تهدف إلى التضييق من نطاق هذه النظرية والحد من آثارها السلبية وذلك كما يلي:
أ) - اعترف القضاء لنفسه بحق تقرير أن عملاً ما يعد من أعمال السيادة ، بمعنى أن القضاء هو صاحب الحق في إلباس ثوب السيادة لأي عمل تقوم به السلطة التنفيذية ، وذلك بعد أن كان يعطي هذا الحق للسلطة التنفيذية نفسها في ظل أخذه بمعيار الباعث السياسي .وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا في مصر هذا الأمر في حكمها الصادر في 10-12-1966[29] حيث تقول : 'الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية وبين أعمال السيادة مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه ، وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره ، أو عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه …' .
كما حكم القضاء الإداري المصري " بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من بيع الغاز لبعض الدول الأجنبية ومن بينها إسرائيل مع ما يترتب على ذلك من آثار" بقولها أن : "الثابت بالأوراق أن المنازعة الماثلة تدور حول سلطة الإدارة في تنظيم وإدارة واستغلال موارد الدولة وأحد ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها وقد اختصمها المدعي كسلطة إدارية تقدم على هذا المرفق وينبغي عليها أن تلتزم في ذلك حدود الدستور والقانون, ومن ثم لا يعد تصرفها في هذه الحالة ولا القرار الصادر بشأنه من أعمال السيادة بالمعنى القانوني والدستوري وإنما يعتبر من قبيل أعمال الإدارة التي يقوم على ولاية الفصل فيها القضاء الإداري دون سواه طبقا لنص المادة 172 من الدستور. ومتى كان ذلك فإن للمحكمة بسط رقابتها على القرار المطعون فيه ويضحى الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى في هذه الحالة في غير محله متعينا رفضه" .
و على هذا الأساس انبنى موقف الاجتهاد القضائي المغربي الحديث الذي بدأ يقلص من مجال أعمال الحكومة لأن وجودها كان يعتبر ثغرة كبرى في مبدأ الشرعية ، ففي قضية الجامعة الوطنية لنقابات أرباب النقل على الطرقات في المغرب ضد وزير الشغل اعتبر المجلس الأعلى أن قرار الوزير المتعلق بفض النزاع هو قرار إداري و لا يمكن أن يكون من فئة أعمال الحكومة[30] ، و سار على نفس الاتجاه حينما اعتبر الأعمال التي عينت بمقتضاها أرض من جملة الأملاك المسترجعة من طرف الدولة أعمالا إدارية لا تدخل ضمن طائفة أعمال السيادة[31] .
ب) - اتجه القضاء نحو التضييق من دائرة أعمال السيادة ، وذلك بأن أخرج من قائمتها أعمالاً كان من قبل يعدها من أعمال السيادة ، وبدأ يبسط عليها رقابته إلغاءً وتعويضاً ، من ذلك مثلاً - في فرنسا ومصر - قرارات إبعاد الأجانب والإجراءات الإدارية التي تتخذ تبعاً له ، وكذلك القبض على الأفراد. وباستعراض أحكام القضاء في فرنسا ومصر يمكن أن نقول: إن القضاء قد حصر أعمال السيادة في الطوائف الآتية[32] :
1 - الأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان وبضمان سير السلطات العامة وفقاً للدستور ، ومن هذه الأعمال دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء البرلمان ، ودعوة البرلمان للانعقاد ، وتأجيل جلسات البرلمان ، وفض دور الانعقاد ، وحل البرلمان ، ومنها أيضاً استعمال السلطة التنفيذية لحقوقها المتعلقة بالتشريع كاقتراح القوانين أو الاعتراض عليها أو التأخر في إصدارها ، أو سحب مشروع قانون كانت قد تقدمت به ، أو إهمالها في استصدار قانون يتضمن الموافقة على قانون معين ، أو رفض أحد الوزراء طلب اعتمادات مالية من البرلمان … الخ[33] .
2 - الأعمال المتعلقة بسير مرفق التمثيل الدبلوماسي : وفي هذا المجال توجد معظم تطبيقات نظرية أعمال السيادة ، من ذلك القرارات المتعلقة بحماية المواطنين المقيمين في الخارج عن طريق الوسائل الدبلوماسية ، ورفض الدولة التدخل بالطرق الدبلوماسية لمطالبة دولة أجنبية بتعويض أحد المواطنين نتيجة الاعتداء عليه أثناء إقامته في تلك الدولة ، والتعليمات الصادرة من الحكومة لممثليها الدبلوماسيين في الخارج ، كما أن من أهم التطبيقات في هذا الصدد إبرام المعاهدات وما يتعلق بها .
3 - بعض الأعمال المتعلقة بالحرب : وخاصة تلك التي تتم خارج حدود الدولة ومنها الأوامر الصادرة بتغيير اتجاه السفن أو حجزها أو حجز ما تحمله من بضائع ، ومنها أيضاً الحوادث أو التلف الذي ينال السفن في عرض البحر ، وضحايا الغارات والقذائف ، وما ينال المواطنين من أضرار بسبب الحرب خارج نطاق الإقليم .
4 - بعض الأعمال المتعلقة بسلامة الدولة وأمنها الداخلي : ومنها الإجراءات التي تتخذها الإدارة لوقاية الصحة العامة في حال الأوبئة ، وإعلان الأحكام العرفية في حال قيام اضطرابات تهدد سلامة الدولة وأمنها وتحديداً هو مرسوم إعلان الأحكام العرفية ذاته ، ومنها أيضاً بعض إجراءات الضبط التي تتخذ ضد الأجانب لا سيما في حال الحرب ، والإجراءات التي تتخذها الدولة للدفاع عن ائتمانها وماليتها .
ج) اتجه القضاء نحو الحد من الآثار الخطيرة التي تترتب على نظرية أعمال السيادة ، وذلك بقصر هذه الآثار على الحصانة ضد الإلغاء دون التعويض ، وهكذا بدأ القضاء الفرنسي يحكم في قضايا متفرقة بالتعويض عن أعمال السيادة استناداً إلى نظرية تحمل التبعة وإعمالاً لمبدأ مساواة الأفراد أمام الأعباء العامة[34] .
وهكذا فإن القضاء رغم عدم استجابته للتيار الفقهي الذي ينادي بإنكار وجود نظرية أعمال السيادة ، إلا أن موقفه من هذه النظرية قد لحقه العديد من التطورات الإيجابية التي عملت على تقليص مدى هذه النظرية والحد من آثارها السلبية ، وذلك بالاعتراف لنفسه بحق تكييف عمل السيادة ، وتقليص مدى هذه الأعمال بإخراج العديد من الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية من دائرة أعمال السيادة ، وقبوله مبدأ التعويض عن بعض هذه الأعمال .
ورغم تأييدنا لهذه التطورات الإيجابية في موقف القضاء من نظرية أعمال السيادة، إلا إننا مازلنا نقف - في صف واحد - مع المطالبين بإلغاء هذه النظرية والاستعاضة عنها بأفكار أخرى كالسلطة التقديرية ونظرية والظروف الاستثنائية، وإعمال قواعد الاختصاص القضائي[35] .



المبحث الثاني: استبعاد أعمال السلطات الدستورية غير الإدارية


المقصود بالسلطات الدستورية في هذا المقام الملك ( الفصل 19 من الدستور ) ثم السلطات التشريعية و السلطات القضائية، فماذا إذن عن قرارات هذه السلطات ؟ و هل يمكن إصباغ قراراتها بالطابع الإداري ؟ أم أنها مستبعدة من نطاق دعوى الإلغاء ؟
المطلب الأول: استبعاد الأعمال الملكية من الطعن بدعوى الإلغاء
تتألف الحكومة من الوزير الأول و الوزراء ، كما جاء في الفصل 59 من الدستور المغربي الأخير ويحتل جلالة الملك قمة هذا الجهاز التنظمي . وذلك طبقا للفصل 19 من الدستور الذي جاء فيه : الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة و استمرارها وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور وله صيانة حقوق المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.
ويمارس جلالة الملك وفقا لباقي فصول الدستور مجموعة من الاختصاصات في مختلف المجلات التشريعية والتنفيدية والقضائية وهو لا يعد جزاء من إحدى السلطات الثلاث داخل الدولة إذ يشارك كلا منها في بعض اختصاصاتها ، ويمارس اختصاصات معينة قصد توجيه تلك السلطات أو التحكيم فيما بينها ، وذلك باعتباره سلطة عليا بالنسبة لتلك السلطات ولكن الذي يهمنا بالأساس في هدا المجال هو دراسة الاختصاص الإداري للملك ( الفرع الأول ) كأرضية لتحديد الطبيعة القانونية للقرارات الملكية في المجال الإداري على ضوء قرارات المجلس الأعلى و المحاكم الإدارية ( الفرع الثاني ) .
الفرع الأول: الاختصاص الملكي في المجال الإداري
عرف الاختصاص الملكي في المجال الإداري اختلافات متعددة ناجمة عن الظروف السياسية التي كان يعيشها المغرب فالدستور المغربي الأول الصادر سنة 1962 ميز بين مجال القانون والمجال الإداري فأسند السلطة الإدارية المستقلة إلى الوزير الأول ومنحه الحق في تفويض جزء منها، كما أن هذا الدستور أسند للملك ممارسة السلطة الإدارية في الميادين المقصورة عليه في الفصول 29 و30 و 68 .و لوحظ في الفترة ما بين 13 نونبر 1963 و7 يونيه 1965 أن الوزير الأول هو الذي مارس السلطة الإدارية بواسطة مراسيم وكذا وزير الدفاع الوطني ، وذلك بقرارات منهم ولم تصدر آنذاك مراسيم ملكية[36] .
لكن بإعلان حالة الاستثناء يوم 7 يونيه 1965 ، تم حل الحكومة القائمة فتشكلت حكومة جديدة برئاسة الملك فانتقلت إليه السلطة الإدارية التي كانت للوزير الأول ، وحتى في الحالة التي عين فيها الوزير الأول الجديد يوم 6 يوليوز 1967 فإن ذلك لم يغير من الوضع شيء ، نظرا لأن الوزير الأول الجديد لم تسند إليه الاختصاصات التي يخولها النص الدستوري لصاحب هذا المنصب إذ أصبح يمارس اختصاصات معينة في إطار مجال التفويض ، واستمر هذا الوضع إلى حين صدور دستور 1970 الذي أوكل السلطة الإدارية برمتها لجلالة الملك كما منح له الحق في تفويض جزء منها للوزير الأول وذلك حسب الفصل 29، وفعلا فقد مارس الملك خلال تلك الفترة السلطة الإدارية بالإضافة إلى بعض التفويضات الجزئية يتجلى أهمها في التفويض المسند للوزير الأول بظهير شريف 28 ابريل 1971.
و بصدور دستور 1972 فإن السلطة الإدارية أسندت كاملة للوزير الأول حسب الفصل 62 والذي يجيز له الحق في تفويضها إلى الوزارة.
وإذا كان دستور 1972 وكذا دستور 1992 المراجع سنة 1996 قد اسندا جميع السلطة الإدارية إلى الوزير الأول فهذا لا يعني فقدان أي إشراف ملكي على هذه السلطة، فكون جلالة الملك يرأس المجلس الوزاري الذي تعرض عليه وجوبا المراسيم التنظيمية ، فهو بذلك يضع الحدود السياسية لاستقلال السلطة الإدارية.
أما بالنسبة للتعيينات الملكية، يمارس جلالته مبدئيا سلطة واسعة في التعيين طبقا للفصل 30 من الدستور الحالي ، وإذا أردنا أن نبين اختصاصات جلالته في هذا المجال فإن هناك ثلاث أنواع من التعيينات :
1- التعيينات الدستورية وتشمل التعيينات المنصوص عليها في الدستور ومنها :
* تعيين 10 شخصيات في مجلس الوصاية
* تعيين الوزير الأول والوزراء .
* تعيين 6 من أعضاء المجلس الدستوري
* تعيين رئيس المحكمة العليا
2- التعيينات بمقتضى نصوص عامة : ويتعلق الأمر بالنصوص التي تقضي بتفويض سلطة التعيين إلى سلطات إدارية معينة ومنها المرسوم الملكي الصادر يوم 20 نونبر 1963 والظهير الملكي الصادر في 24 غشت 1971.
3- التعيينات بمقتضى نصوص خاصة وهي التعيينات المحالة على المقتضيات الأخرى الأكثر تفصيلا والخاصة بمجالات متنوعة أهمها:
* مجال الدفاع : حيث نجد أن جميع المناصب الأعلى درجة يعين فيها بظهير مثل المفتشين العامين للقوات المسلحة.
* مجال الأمن والداخلية مثل مناصب المدير العام للأمن الوطني ومدير الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني والمفتشون العامون للقوات المساعدة.
* المجال الدبلوماسي: مثل المناصب الخاصة بالسفراء إذ يتم تعيينهم بظهير شريف
و بالنسبة للتدابير التأديبية فإن المعينين بظهير شريف يخضعون إلى التدابير التي تتخذ أيضا بظهير شريف كالتدابير المتعلقة بالتأديب ولا نستثني من ذلك إلا الحالات التي تقضي نصوص خاصة بإحالة الاختصاص في ذلك إلى سلطة أخرى ، فمثلا إذا كان ظهير فاتح مارس 1963 بشأن النظام الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية قد نص على أن السلطة التأديبية في حق رجال السلطة موكول بها إلى الجهة المكلفة بتعيينهم أي الملك ، فإنه يستثنى من ذلك عقوبتي التوبيخ والإنذار.



الفرع الثاني :الطبيعة القانونية للظهائر الملكية في المجال الإداري
إن تحديد هذه الطبيعة يقتضي البحث عن ما إذا كانت الظهائر الملكية في المجال الإداري تشبه القرارات الإدارية العادية [37].
الواقع أن المجلس الأعلى قد رفض تشبيه تلك الظهائر الملكية بالقرارات الإدارية العادية في الأحكام الأولى التي تصدي لها بشأن ذلك .وقد أتيحت للمجلس الأعلى الفرصة الأولى في هذا المجال في " قضية عبد الحميد الروندة "[38] هذا الأخير الذي تم توقيفه عن مزاولة مهامه كقاضي عن طريق ظهير ملكي ، فقدم طعنه أمام المجلس الأعلى مطالبا إلغاء القرار بسبب الشطط في استعمال السلطة إلا أن المجلس الأعلى لم يقبل هذا الطعن مستبعدا بذلك الظهائر الملكية من دعوى الإلغاء بالرغم مما تتضمنه من تدابير فردية ، وقد أسس رفضه ذلك بالاعتماد على صفة صاحب القرار و ليس على مضمون القرار . و لم يتغير موقف المجلس الأعلى من القرارات الملكية إذ ظل متمسكا باجتهاده السابق و الذي أكده في أحكام أخرى لاحقة[39] .
وأهم ما يلاحظ على هذه القضايا هو أنها طرحت على المجلس الأعلى قبل صدور دستور،1962 أي في حقبة المزح بين السلطة وصعوبة التمييز بين أنواع الضهائر، وحتى بعد صدور هذا الدستور بما اشتمل عليه من توزيع للسلط لم يؤثر على موقف المجلس الأعلى ، حيث استمر مبدأ اعتبار الملك سلطة غير إدارية مبدأ ثابتا و أساسا مطردا في الأحكام اللاحقة للمجلس الأعلى سواء بالنسبة للمراسيم الملكية أو بالنسبة للظهائر ، و هكذا صرح المجلس الأعلى في " قضية عبد العزيز الزموري " بأن : " الظهير المذكور لم يصدر عن سلطة إدارية "[40] .
و هذه القضية – مزرعة عبد العزيز - أثارت نقاشا مفيدا انقسم بشأنه الفقهاء إلى اتجاهين رئيسيين الأول يرفض موقف المجلس الأعلى- الغرفة الإدارية القاضي بعدم اختصاصه بالنظر في دعوى السيد عبد العزيز الزموري وذالك لعدم صدورها من سلطة إدارية والثاني يؤيده بالمطلق مع إبداء عدم رضاه بشان بعض التأويلات فالاتجاه الأول الذي يعارض موقف الغرفة الإدارية يمثله الأستاذ ميشال روسي الذي يرى بأنه عندما طبقت نظرية الإمامة التقليدية قد خالف تأكيد الدستور على مبدأ استقلال السلطة القضائية وعند رفضها مراقبة القرارات الملكية تكون الغرفة قد أخلت بنظام الرقابة القضائية وانتهى إلى أن إفراغ مؤسسة المجلس الأعلى من محتواها يعطي عنها صورة مشوهة ويمنعها من بلوغ أهدافها. أما الاتجاه المؤيد لموقف المجلس الأعلى فقد حاول البحث عن تبريرات جدية لرأي الغرفة الإدارية وان لم يقتنع بقولها "أن الملك لا يعتبر سلطة إدارية" فمنهم من حاول الانطلاق من القانون العام الإسلامي الذي يعتبر الخلفية أميرا للمؤمنين بيده جميع السلطات مثل ابن خلدون والمارودي حيث حسب هؤلاء فالخلفية في الإسلام هو القاضي الأعلى والممثل الاسمي للأمة وان القضاء يمارس بالنيابة عنه و بالتالي فالقاضي لا يمكن أن يراقب القاضي الأعلى و هدا رأي الأستاذ عبد العزيز بن جلون كذلك ، لكن هدا الأخير يقرر زيادة على ذلك أن القانون المغربي لا يعرف مبدأ عصمة الحاكم[41] .
نفس التوجه كان لأحكام المحاكم الإدارية ، و هكذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط في أحد أحكامها : " أنه بعد اطلاع المحكمة على قرار العزل المطعون فيه تبين أنه موقع من طرف صاحب السمو الملكي الأمير ولي العهد منسق مكاتب و مصالح القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية و ذلك بإذن من صاحب الجلالة الملك .
و حيث أنه تبعا لذلك يكون القرار المطعون فيه هو قرار ملكي سامي و بالتالي فإن المحكمة الإدارية غير مختصة للبت في طلب إلغائه "[42] . و قضت المحكمة الإدارية بفاس في حكم لها : " قرار التشطيب على الطاعن من صفوف القوات المسلحة الملكية قرار صادر باسم جلالة الملك و بذلك فهو ليس بقرار صادر عن سلطة إدارية حتى يمكن الطعن فيه بالإلغاء "[43] . و في حكم للمحكمة الإدارية بمراكش جاء فيه : " و حيث من المعلوم أن القضاء الإداري استقر على أن القرارات الملكية لا تعتبر صادرة عن سلطة إدارية و من ثم فهي غير قابلة للطعن بالإلغاء "[44] و قد اعتبر هذا الحكم أن " الملك يمارس اختصاصاته بصفته أميرا للمؤمنين ، و القضاء من وظائف الإمامة و مندرج في عمومها نيابة عن الإمام و أحكامه تصدر و تنفذ باسم جلالته "[45]
و على هذا الأساس فان القضاء الإداري و غالبية الفقه القانوني اعتبر الأعمال الملكية الصادرة عن الملك كظهائر أو الصادرة بمقتضى تفويض ملكي منه ، قرارات غير إدارية بالنظر إلى معيار شخصي هي صدورها عن جلالة الملك بغض النظر عن كونها تمس الجانب الإداري أو جانب آخر ، أي استبعاد المعيار الموضوعي لتحديد القرار الإداري من غيره ، و من ثم استبعد قضاء المجلس الأعلى هذه القرارات من إطار دعوى الإلغاء[46] ، ومن دائرة المراقبة القضائية عموما .
المطلب الثاني: استبعاد الأعمال التشريعية و القضائية من الطعن بدعوى الإلغاء
من شروط دعوى الإلغاء أن يكون القرار إداريا و صادرا عن سلطة إدارية فماذا إذن عن مراقبة القضاء الإداري لأعمال السلطة التشريعية، و أعمال السلطة القضائية ؟

الفرع الأولً: القرارات الإدارية والأعمال التشريعية
القرارات الإدارية تقبل الطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري وعلى العكس من ذلك فإن القوانين لا يمكن الطعن فيها إلا بالطريق الدستوري المقرر[47] ، ويتردد الحديث بين معيارين لتحديد صفة العمل تشريعية أم لإدارية .

أولا: المعيار الشكلي[48]


وفقاً للمعيار الشكلي أو العضوي يتم الرجوع إلى الهيئة التي أصدرت العمل أو الإجراءات التي اتبعت في إصداره دون النظر إلى موضوعه، فإذا كان العمل صادراً من السلطة التشريعية فهو عمل تشريعي، أما إذا كان صادراً من إحدى الهيئات الإدارية بوصفها فرعاً من فروع السلطة التنفيذية فهو عمل إداري .
ومن ثم يمكن تعريف العمل الإداري وفق هذا المعيار بأنه كل عمل صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها.
فهذا المعيار يقف عند صفة القائم بالعمل دون أن يتعدى ذلك إلى طبيعة العمل ذاته، وهو معيار سهل التطبيق لو التزمت كل سلطة بممارسة نشاطها وأخذت بمبدأ الفصل التام بين السلطات، إلا أن طبيعة العمل تقتضي في أحيان كثيرة وجود نوع من التداخل والتعاون بين السلطات مما دعى بالفقه إلى البحث عن معيار آخر للتمييز بين القرارات الإدارية والأعمال التشريعية .

ثانيا : المعيار الموضوعي[49]


يعتمد المعيار الموضوعي على طبيعة العمل وموضوعه بصرف النظر عن الجهة التي أصدرته أو الإجراءات التي اتبعت في إصداره فإذا تمثل العمل في قاعدة عامة مجردة فأنشأ مركزاً قانونياً عاماً اعتبر عملاً تشريعياً أما إذا تجسد في قرار فردي يخص فرداً أو أفراداً معينين بذواتهم فأنشأ مركزاً قانونياً خاصاً اعتبر عملاً إدارياً .
وينتقد أنصار هذا الاتجاه المعيار الشكلي لأنه يقف عند الشكليات وعدم الاهتمام بطبيعة العمل وجوهره، ويأتي في مقدمة أنصار الاتجاه الموضوعي الفقيه دوجي وبونار وجيز .
ويؤمن هؤلاء الفقهاء بأن القانون يقوم على فكرتين أساسيتين هما فكرتا المراكز القانونية والأعمال القانونية [50]: 1- المراكز القانونية: وهي الحالة التي يوجد فيها الفرد إزاء القانون وتقسم إلى قسمين :
أ- المراكز القانونية العامة أو الموضوعية: وهو كل مركز يكون محتواه واحد بالنسبة لطائفة معينة من الأفراد، فترسم حدوده ومعالمه قواعد مجردة متماثلة لجميع من يشغلون هذا المركز ومثله مركز الموظف العام في القانون العام والرجل المتزوج في القانون الخاص.
ب- المراكز القانونية الشخصية أو الفردية : وهي المراكز التي يحدد محتواها بالنسبة لكل فرد على حده، وهي بهذا تختلف من شخص إلى آخر ولا يمكن أن يحدد القانون مقدماً هذه المراكز لأنها تتميز بـأنها خاصة وذاتية ومثله مركز الدائن أو المدين في القانون الخاص ومركز المتعاقد مع الإدارة في القانون العام .

2. الأعمال القانونية : وتمتاز بأنها متغيرة ومتطورة بحسب الحاجة ويتم هذا التغيير إما بإرادة المشرع أو بإرادة شاغلها ويقسم " دوجي " هذه الأعمال إلى ثلاثة أقسام :
أ- أعمال مشرعة: وهي كل عمل قانوني ينشئ أو يعدل أو يلغى مركزاً قانونياً عاماً أو موضوعياً ومن هذه الأعمال القوانين المشرعة واللوائح والأنظمة، والتي تتضمن قواعد تنظيمية عامة وغير شخصية .
ب- أعمال شخصية أو ذاتية: وهي الأعمال القانونية التي تنشئ أو تتعلق بمراكز شخصية لا يمكن تعديلها إلا بإرادة أطرافه وأوضح مثال على هذه الأعمال العقود .
جـ- أعمال شرطية: وهي الأعمال الصادرة بصدد فرد معين وتسند إليه مركزاً عاماً، فهي تجسيد لقاعدة عامة على حالة أو واقعة فردية، ومثاله في القانون العام قرار التعيين في وظيفة عامة، فهذا القرار يعد عملاً شرطياً لأنه لا ينشئ للموظف مركزاً شخصياً، لأن هذا المركز كان قائماً وسابقاً على قرارا التعيين .

ويخلص " دوجي " إلى ان العمل التشريعي هو الذي يتضمن قاعدة عامة موضوعية " قوانين أو اللوائح " بغض النظر عن الهيئة أو الإجراءات المتبعة لإصداره، في حين يعد إدارياً إذا اتسم بطابع الفردية وهذا يصدق على القرارات والأعمال الفردية والأعمال الشرطية[51] .
ويبدو أن المشرع والقضاء الفرنسيان يأخذان بالمعيار الشكلي فالأصل أن لا يقبل الطعن بالإلغاء ضد أعمال السلطة التشريعية سواء في القوانين أو القرارات الصادرة من البرلمان، واعتمد المشرع على ذلك في الأمر الصادر في 31/7/1945 المنظم لمجلس الدولة، إذ نص على أن محل الطعن بسبب تجاوز السلطة هو الأعمال الصادرة من السلطات الإدارية المختلفة .
إلا أن القضاء الفرنسي لجأ في بعض الحالات إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي للتمييز بين الأعمال الإدارية والأعمال التشريعية قابلاً الطعن بالإلغاء في أعمال البرلمان المتعلقة بتسيير الهيئة التشريعية كاللوائح الداخلية للبرلمان والقرارات الصادرة بتعيين موظفيه، لا سيما بعد صدور الأمر النظامي في 17/11/1958 الذي سمح لموظفي المجالس برفع المنازعات ذات الطابع الفردي إلى القضاء الإداري[52] .
وهو الاتجاه الذي اعتمده القضاء الإداري المصري فهو وإن اعتمد المعيار الشكلي قاعدة عامة في الكثير من أحكامه إلا انه اعتبر في أحكام أخرى القرارات الصادرة من مجلس الشعب بإسقاط عضوية أحد أعضاءه عملاً إدارياً يقبل الطعن فيه بالإلغاء[53] .
أما بالنسبة للقرارات التي يصدرها مكتب البرلمان أو رئيسه و الخاصة بموظفي المجلس، فإنها تعتبر قرارات إدارية يجوز الطعن فيها بالإلغاء طبقا للمادة 8 من قانون المحاكم الإدارية المغربي. و على هذا الأساس فإن تعيين موظفي البرلمان و ترقيتهم و تأديبهم هو بطبيعته عمل إداري مغاير للأعمال البرلمانية ، و أن رئيس المجلس أو مكتبه عندما يتخذ مثل هذه القرارات ، إنما يتخذها بصفته سلطة إدارية[54] .

الفرع الثاني: القرارات الإدارية والأعمال القضائية

يشترك القضاء مع الإدارة في سعيهما الحثيث نحو تطبيق القانون وتنفيذه على الحالات الفردية، فهما ينقلان حكم القانون من العمومية والتجريد إلى الخصوصية والواقعية وذلك بتطبيقه على الحالات الفردية.
ويظهر التشابه بينهما أيضا في أن الإدارة شأنها شأن القضاء تسهم في معظم الأحيان بوظيفة الفصل في المنازعات من خلال نظرها في تظلمات الأفراد وفي الحالتين يكون القرار الإداري الصادر من الإدارة والحكم القضائي الصادر من السلطة القضائية أداة لتنفيذ القانون .
ومع هذا التقارب سعى الفقه والقضاء إلى إيجاد معيار للتمييز بين العمل القضائي والعمل الإداري لخطورة النتائج المترتبة على الخلط بينهما، فالقرارات الإدارية يجوز بصورة عامة إلغاؤها وتعديلها وسحبها، أما الأحكام القضائية فطرق الطعن فيها محددة تشريعياً على سبيل الحصر.
وبرزت في مجال التمييز بين القرارات الإدارية والأعمال القضائية نظريات عدة يمكن حصرها في ضمن معيارين[55]:
أولا : المعيار الشكلي
يقوم هذا المعيار على أساس أن العمل الإداري هو ذلك العمل أو القرار الذي يصدر عن فرد أو هيئة تابعة لجهة الإدارة بصرف النظر عن مضمون وطبيعة العمل أو القرار ذاته، بينما يعد العمل قضائياً إذا صدر عن جهة منحها القانون ولاية القضاء وفقاً لإجراءات معينة، بصرف النظر عن مضمون وطبيعة العمل .
وهذا المعيار منتقد من حيث أنه ليس جل الأعمال القضائية أحكاماً، بل أن منها ما يعد أعمالاً إدارية بطبيعتها، ومن جانب آخر نجد أن المشرع كثيراً ما يخول الجهات الإدارية سلطة الفصل في بعض المنازعات فيكون لهذه الجهات اختصاص قضائي.
وعلى هذا الأساس فإن المعيار الشكلي لا يكفي لتمييز الأعمال الإدارية عن الأحكام القضائية.

ثانيا: المعيار الموضوعي
المعيار الموضوعي أو المادي يقوم على أساس النظر في موضوع وطبيعة العمل نفسه دون اعتبار بالسلطة التي أصدرته، واعتمد هذا المعيار عناصر عدة يتم من خلالها التوصل إلى طبيعة ومضمون العمل، فيكون العمل قضائياً، إذ تضمن على " إدعاء بمخالفة القانون، وحل قانوني للمسألة المطروحة يصاغ في تقرير، وقرار هو النتيجة الحتمية للتقرير الذي انتهي إليه القاضي "[56] .
في حين يكون العمل إدارياً إذا صدر من سلطة تتمتع باختصاص تقديري وليس من سلطة تتمتع باختصاص مقيد كما في أحكام القضاء، وأن يصدر بشكل تلقائي وليس بناءً على طلب من الأفراد وأن يكون الغرض من العمل إشباع حاجات عامة.
ولا شك أن هذه العناصر لا تكفي لتمييز الأعمال الإدارية عن أعمال القضاء، لأن الكثير من قرارات الإدارة إنما تصدر عن اختصاص مقيد، وكثيراً منها لا يصدر إلا بطلب من الأفراد.
والإدارة عندما تفصل في المنازعات باعتبارها جهة ذات اختصاص قضائي إنما يقترب نشاطها من نشاط القضاء ويهدف إلى حماية النظام القانوني للدولة.
إزاء ذلك نشأ معيار مختلط يقوم على أساس المزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي إذ ينظر إلى طبيعة العمل من ناحية، والشكل الذي يظهر فيه العمل والإجراءات المتبعة لصدوره من ناحية أخرى .
والمتتبع لأحكام مجلس الدولة في فرنسا يجد أنه يأخذ في الغالب بالمعيار الشكلي لتمييز العمل القضائي عن القرار الإداري إلا أنه يتجه في بعض الأحيان إلى المعيار الموضوعي فهو يمزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي لأن العمل القضائي الذي لا يعد قراراً إدارياً ولا يخضع للطعن أمام القضاء الإداري لا يشمل حتماً كل ما يصدر عن الجهة القضائية .
ويبدو أن القضاء الإداري المصري قد واكب هذا الاتجاه فقد قضت محكمة القضاء الإداري : " أن شراح القانون العام قد اختلفوا في وضع معايير التفرقة بين القرار الإداري والقرار القضائي فمنهم من أخذ بالمعيار الشكلي، ويتضمن أن القرار القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون ولاية القضاء، ومنهم من أخذ بالمعيار الموضوعي وهو ينتهي إلى أن القرار القضائي هو الذي يصدر في خصومة لبيان حكم القانون فيها و بينما رأى آخرون أن يؤخذ بالمعيارين معاً – الشكلي والموضوعي – وقد اتجه القضاء في فرنسا ثم في مصر إلى هذا الرأي الأخير وعلى أن الراجح هو الأخذ بالمعيارين معاً مع بعض الضوابط، وبيان ذلك أن القرار القضائي يفترق عن القرار الإداري في أن الأول يصدر من هيئة قد استمدت ولاية القضاء من قانون محدد لاختصاصها مبين لإجراءاتها وما إذا كان ما تصدره من أحكام نهائياً أو قابلاً للطعن مع بيان الهيئات التي تفصل في الطعن في الحالة الثانية وأن يكون هذا القرار حاسماً في خصومة، أي في نزاع بين طرفين مع بيان القواعد التي تطبق عليه ووجه الفصل فيه"[57].
وتطبيقا لذلك فقد قضت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى فيما يخص أعمال النيابة العامة " أن قرارات النيابة العامة بوصفها سلطة مسؤولة عن إقامة الدعوى العمومية تعتبر قرارات قضائية لا تخضع لولاية القضاء الإداري .... مع استثناءات أحيانا ، فالنيابة العامة و إن كانت مهمتها تنحصر أساسا في القيام بإجراءات الدعوى العمومية من تحقيق و اتهام و تنفيذ للأحكام القضائية الصادرة في المادة الزجرية و غيرها من الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ، فإنها تصدر قرارات إدارية تخضع في ذلك لرقابة القضاء الإداري كالقرارات المتخذة من طرف النيابة العامة بتسخير القوة العمومية و خارجا عن وظيفتها الأساسية تقبل الطعن الإداري أمام المحاكم الإدارية "[58] .
و الجدير بالذكر أن أعمال بعض الهيئات كهيأة المحامين تشبه إلى حد ما الأعمال القضائية رغم الفرق الذي يوجد بينهما ، فرغم الطابع الإداري لبعض أعمال هذه الهيئات فلا يمكن اعتبارها صادرة عن سلطة إدارية و بالتالي لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء .
و عليه فخلافا للرأي الذي الذي ينادي بإمكانية الطعن بدعوى الإلغاء في قرارات هيئة المحامين ، فإن قضية حسن فتوح المستدل بها لا يمكن اعتبارها دعوى إلغاء لعدة أسباب :
1- أن النزاع رفع أمام المجلس الأعلى بناء على طلب النقض ضد حكم صادر عن محكمة الاستئناف بفاس و ليس بناء على طلب الإلغاء بسبب تجاوز السلطة .
2- أن المجلس الأعلى عندما اعتبر المنازعة إدارية ، فإنه لم يقل أنها تخضع لدعوى الإلغاء ، بل اعتبرها منازعة إدارية عادية و نظر فيها على سبيل النقض لا على أساس الإلغاء .
3- إذا بتت الغرفة الإدارية في الموضوع فإنها استعملت حق التصدي ( الفصل 23 من ظهير 27/9/1957 ) و لم تكتف بإلغاء قرار الهيأة بل أمرتها بتسجيل الطاعن بجدول هيأة المحامين بوجدة ، علما بأن السلطة القضائية لا توجه أوامر للسلطات الإدارية .
4- صرحت الغرفة الإدارية في قضية أخرى متعلقة بالسيد بنحدو ضد هيئة المحامين بوجدة ( في 26/2/1982 ) على أن هذه الأخيرة لا تعتبر إدارية و بالتالي لا يحق للطاعنين أن يمارسوا دعوى الإلغاء ضد مقرراتها أمام الغرفة الإدارية .
و هكذا فإن المقررات الصادرة عن مجلس هيئة المحامين تخضع للطعن أمام محكمة الاستئناف التي يوجد مقر الهيئة بدائرتها ، و ذلك بمقتضى مقال يوضع بكتابة الضبط داخل أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ أو من اليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاذ المقرر الضمني ( الفصل 90 من قانون المحاماة ) [59]


و على هذا الأساس الأخير – أي اعتبارها قابلة للطعن أمام محكمة الاستئناف- آثرنا تناولها إلى جانب أعمال السلطة القضائية .



خاتمة:
ما يمكن أن نستنتجه في اخر هذا البحث هو أن وجود أعمال مستبعدة من الطعن بالإلغاء أمام القضاء الاداري ، يجعلنا نحكم في الوهلة الأولى على هذا القضاء حكما سلبيا ، لان هذا الاستبعاد يمس مبدأ المشروعية الذي يعد أساس قيام هذا القضاء ، لكن دراسة هذه الأعمال من حيث أسبابها و مرتكزاتها كل واحدة على حده ، يغير تلك النظرة السلبية إذ يجد القاضي نفسه بين مصلحتين ، المصلحة العامة للدولة ، و المصلحة الشخصية للفرد ، لكن هذا لا يعني أن نضحي بمصلحة الفرد دائما ، خاصة عندما تستغل الدولة هذه الاستثناءات التي قررت فقط لضرورة ملحة ، و تجعلها مطية لأصحاب النفوذ و السلطان .
لهذا فالعنصر المعول عليه لحماية مبدأ المشروعية و النهوض بدولة القانون هو القاضي الاداري الذي رغم تجربته القصيرة ، استطاع أن يفرض نفسه ، فهو مفتاح الالتزام بسيادة القانون بمعناها الواسع الذي يتجاوز مجرد احترام القانون , بل يمتد إلى مضمون القانون ذاته من حيث وجوب حمايته لحقوق الإنسان , فإذا عجز القانون عن توفير هذه الحماية لم يعد جديراً بان تكون له السيادة .


لائحة المراجع


- خطابي المصطفى : القانون الإداري و العلوم الإدارية ، نشر ايزيس ، الطبعة الأولى 1991 .
- عبد الله حداد : القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية .
- ذ. إدريس سدود : محاضرات في القانون الإداري ، 2003 .
- تركي سطام المطيري : نظرية أعمال السيادة وموقف المشرع والقضاء الكويتي منها ، بحث بإشراف د. عبد القادر عثمان ، نوفمبر 2000م .
- مليكة الصروخ : القانون الإداري ، دراسة مقارنة ، مطبعة النجاح الجديدة ، طبعة 2001 .
- سليمان الطماوي : النظرية العامة للقرارات الإدارية - الطبعة السادسة 1991م .
- محمود حافظ: القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن - دار النهضة العربية 1993 .
- مازن ليو راضي : دراسة لأسس و مبادئ القضاء الإداري في العراق .
- محمد الأعرج: القضاء الإداري بالمغرب، طبعة 2005 .
- عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة و الوراقة الوطنية، الطبعة الخامسة 2008.
- محمد عبد السلام: أعمال السيادة في التشريع المصري - بحث منشور في مجلة مجلس الدولة التي يصدرها مجلس الدولة المصري - السنة الثانية - يناير 1951م.
- رأفت فودة : مصادر المشروعية ومنحنياتها- دار النهضة العربية 1994م .
- محمود سامي جمال الدين: الرقابة على أعمال الإدارة - طبعة 1992.
- ندوة: " القضاء الإداري حصيلة و آفاق " المنظمة من طرف الجمعية المغربية للعلوم الإدارية يومي 3 و 4 مايو 1991 .
- أحمد البوخاري- أمينة جبران: اجتهادات المجلس الأعلى – الغرفة الإدارية ، طبعة 1996 .
- المنتصر الداودي : قضاء الإلغاء و السلطة التقديرية للإدارة ، منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد و القانون المقارن : ندوة المحاكم الإدارية و دولة القانون عدد:21 ، سنة 1994 .
- - هاشم خالد – مفهوم العمل القضائي في ضوء الفقه وأحكام القضاء – مؤسسة شباب الجامعة – 1990 .
- المجلة المغربية للاقتصاد و القانون المقارن :عدد 21 سنة 1994 ، تصدرها جامعة القاضي عياض بمراكش

[1] - الظهير الشريف رقم 225 .91. 1 الصادر في 22 من ربيع الأول 1414 ـ 10 شتنبر 1993 ، كما صدر المرسوم رقم 59. 92. 2 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414( 3 نونبر 1993) محددا عدد المحاكم الإدارية في سبعة بكل من الرباط ، الدار البيضاء ، فاس ، مكناس ، مراكش ، أكادير، وجدة : منشور بالجريدة الرسمية عدد 4229 الصادر في 17/11/1993 .[2] - مليكة الصروخ : القانون الاداري ، دراسة مقارنة ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، طبعة 2001 ، ص 70 و ما بعدها .[3] - عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة و الوراقة الوطنية ، الطبعة الخامسة 2008 ، ص 31 .[4] - سليمان الطماوي : النظرية العامة للقرارات الإدارية - الطبعة السادسة 1991م - ص130 .[5] - محمد عبدالسلام : أعمال السيادة في التشريع المصري - بحث منشور في مجلة مجلس الدولة التي يصدرها مجلس الدولة المصري - السنة الثانية - يناير 1951م - ص9 .[6] - رأفت فودة : مصادر المشروعية ومنحنياتها- دار النهضة العربية 1994م - ص202 .[7] - سليمان الطماوي : مرجع سبق ذكره -ص130 .[8] - سليمان الطماوي : مرجع سبق ذكره -ص130 .[9] - رأفت فودة : مرجع سبق ذكره - ص202 ، 203 .[10] - محمود حافظ: القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن - دار النهضة العربية 1993- ص53 ، 54 .[11] - صاحب هذا التعريف هو العميد الفرنسي هوريو وقد ذكره في كتابه الموجز في القانون الإداري - طبعة 1933 - ص418 (نقلاً عن : د.سليمان الطماوي - مرجع سبق ذكره - ص135) .[12] - حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 5-2-1952 في الدعوى رقم 588 - السنة 5 ق - مجموعة الأحكام - السنة السادسة - ص416 .[13] - محكمة القضاء الإداري - حكم بتاريخ 19-1-1956 .[14] - سليمان الطماوي : مرجع سبق ذكره - ص132 .[15] - محمود سامي جمال الدين : الرقابة على أعمال الإدارة - طبعة 1992 - ص254 .[16] - سليمان الطماوي : مرجع سبق ذكره - ص134 .[17] - محمود سامي : مرجع سبق ذكره - ص254 وما بعدها .[18] - محمود سامي : مرجع سبق ذكره - ص256 وما بعدها .[19] - محمود حافظ : مرجع سبق ذكره - ص54 .[20] - نفسه ص54 .[21] - نفسه ص 56 .[22] - محمود حافظ: المرجع السابق - ص57 وما بعدها .[23] - من الذين قالوا بهذا الرأي : د. سليمان الطماوي : مرجع سبق ذكره - ص171 وما بعدها .[24] - سليمان الطماوي : مرجع سبق ذكره - ص165 .[25] - تركي سطام المطيري : نظرية أعمال السيادة وموقف المشرع والقضاء الكويتي منها ، بحث بإشراف د. عبد القادر عثمان ، نوفمبر 2000م ، ص : 9 .[26] - تركي سطام المطيري : نظرية أعمال السيادة وموقف المشرع والقضاء الكويتي منها ، بحث بإشراف د. عبد القادر عثمان ، نوفمبر 2000م ، ص : 11 .[27] - تركي سطام المطيري : نظرية أعمال السيادة وموقف المشرع والقضاء الكويتي منها ، بحث بإشراف د. عبد القادر عثمان ، نوفمبر 2000م ، ص : 12.[28] - تركي سطام المطيري : م.س ص 15 .[29] - مجموعة أحكام المحكمة : س12 -ص380 (نقلاً عن : د. سليمان الطماوي - مرجع سبق ذكره - ص141 وما بعدها) .[30] - قرار عدد 46 بتاريخ 30/04/1959: ذكره عبد الله حداد في كتابه : القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية ص: 48[31] - حكم عدد 4 بتاريخ 21/11/1969 : ذكره عبد الله حداد : م.س ، ص: 48 .[32] - لمزيد من التفاصيل حول هذه الأمثلة وغيرها أنظر : د. سليمان الطماوي - مرجع سبق ذكره - ص142 وما بعدها .[33] - محمد الأعرج: القضاء الإداري بالمغرب ، طبعة 2005 ، ص 56 .[34] - محمود حافظ : مرجع سبق ذكره - ص62 .[35] - تركي سطام المطيري : م.س ص 19 .[36] - عبد الله حداد : القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، ص : 47 .[37] - أمينة جبران – أحمد بوخاري : تفاعل القضاء الإداري مع المحيط السياسي و الاجتماعي : مساهمة في ندوة " القضاء الإداري حصيلة و آفاق " المنظمة من طرف الجمعية المغربية للعلوم الإدارية يومي 3 و 4 مايو 1991 ص 28 .[38] - المجلس الأعلى 18 يونيو 1960- عبد الحميد الروندة ، مجموعة قرارات المجلس الأعلى 1957-1960 . ص 136 .[39] - المجلس الأعلى 15/07/1963- بن سودة ، المجموعة 1961-1975. ص: 173.
- حكم عدد : 228، بتاريخ 7 ابريل 1978 ، ملف عدد 38241 : اجتهادات المجلس الأعلى – الغرفة الإدارية : أحمد البوخاري- أمينة جبران، طبعة 1996 ، ص : 55 .[40] - حكم عدد :15، بتاريخ 20مارس 1970، مزرعة عبد العزيز ضد الوزير الأول ، ملف : 29483 : اجتهادات المجلس الأعلى – الغرفة الإدارية : أحمد البوخاري- أمينة جبران، طبعة 1996 ، ص : 54 .[41] - المنتصر الداودي : قضاء الإلغاء و السلطة التقديرية للإدارة ، منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد و القانون المقارن : ندوة المحاكم الإدارية و دولة القانون عدد:21 ص 147 ، سنة 1994 .[42] - المحكمة الإدارية بالرباط: حكم عدد 14 بتاريخ 06/01/1998 ، وكرش أحمد ضد إدارة الدفاع الوطني ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية . عدد 24 يوليوز – شتنبر 1998 ص 139 – 140 .[43] - أمر استعجالي للمحكمة الإدارية بفاس ، عدد 483 بتاريخ 04/07/2000 ، عبد الرزاق غيوت ضد إدارة الدفاع الوطني ، ص 161 : ذكره محمد الأعرج ، مرجع سابق ص : 55 .[44] - حكم عدد 67 بتاريخ 17 / 07 /2002 ، العمراني عبد المالك ضد إدارة الدفاع الوطني ، ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية . عدد 56 ص :232 . ذكره محمد الأعرج، مرجع سابق ، ص : 56 .[45] - محمد الأعرج : القضاء الإداري بالمغرب ، طبعة 2005 ص 55 .[46] - خطابي المصطفى : القانون الإداري و العلوم الإدارية ، نشر ايزيس – الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 1991 ، ص: 166 .[47] - سليمان محمد الطماوي – القضاء الإداري – الكتاب الأول – قضاء الإلغاء – دار الفكر العربي – القاهرة – 1996 – ص 289 وما بعدها .
- * تخضع القوانين في المغرب للمراقبة الدستورية من قبل المجلس الدستوري إما تلقائيا أو بناء على الإحالة من مجلس النواب حسب الحالات ، و هو طريق قبلي لمراقبة دستورية القوانين .[48] - يطلق البعض على هذا المعيار ، المعيار العضوي : الأستاذ إدريس سدود في كتابه محاضرات في القانون الإداري ، 2003 ، ص : 212 .[49] - يطلق البعض على هذا المعيار ، المعيارالمادي أو وجهة النظر المادية : الأستاذ إدريس سدود في كتابه محاضرات في القانون الإداري ، 2003 ، ص : 212 .[50] - - للمزيد ينظر : محمود محمد حافظ – القرار الإداري – دار النهضة العربية – 1993- ص15 وما بعدها .[51] - للمزيد ينظر : - د. ليون دوجي – دروس في القانون العام – ترجمه : د. رشدي خالد – منشورات مركز البحوث القانونية – بغداد 1981[52] - مازن ليو راضي : دراسة لأسس و مبادئ القضاء الإداري في العراق، ص: 116 .[53] - ينظر : حكم المحكمة الإدارية العليا في 9/4/1977 مجموعة المبادئ ص 2183 وحكم الصادر في 28/1/1978 مجموعة المبادئ ص 2204 .[54] - محمد الأعرج: القضاء الإداري بالمغرب ، طبعة 2005 ، ص 54 .[55]- مازن ليو راضي : مرجع سابق، ص: 116 .[56] - - هاشم خالد – مفهوم العمل القضائي في ضوء الفقه وأحكام القضاء – مؤسسة شباب الجامعة – 1990- ص 17 .[57] - حكمها رقم 3940 لسنة 7ق في 13/2/1954 المجموعة 1 لسنة 9 بند 101 ص 128 .[58] - قرار عدد 1085 بتاريخ 15/01/1998 ، الوكيل القضائي ضد شركة سوس إفازيو ، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية . عدد: 27 ، ص : 145 . ذكره محمد الأعرج : م .س ، ص : 55 .[59] - عبد الله حداد ، القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، ص 55 و 56 .

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.