المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

الثابت والمتحول في دستور 2011

قراءة في مسارات التطبيق   (محاولة قانونية لفهم معنى "التعيين" و"التنصيب") توطئة: تروم هذه القراءة إلى توضيح ...


قراءة في مسارات التطبيق

 (محاولة قانونية لفهم معنى "التعيين" و"التنصيب")
توطئة:
تروم هذه القراءة إلى توضيح بعض الإشكاليات التي أثيرت أثناء وخلال تطبيق الدستور الجديد، خاصة في الجوانب المتعلقة باختصاصات السلطة التنفيذية، وتوضيح بعض القضايا الملتبسة التي صاحبت نهاية الحكومة السابقة وتعيين الحكومة الجديدة، وكذا التنبيه إلى بعض المنزلقات والأخطاء التي وقع فيها بعض الباحثين والفقهاء، ربما عن غير قصد، وأحيانا أخرى عن قصد لتبرير اتجاه طرف معين.
ونقصد هنا بالثابت الأعراف والتراكمات الموروثة عن الثقافة السياسية السائدة التي تعود عليها الفاعل السياسي بالمغرب في ارتباط مع نمط سياسي مغلف، أما المتحول فنعني به أساسا المستجدات الواردة في الوثيقة الدستورية مقارنة مع نظيرتها لسنة 1996.

مفهوم "التعيين" الوارد في الفصل 47 من الدستور:
لا بد من التأكيد، قبليا، أن الفصل 47 من دستور 2011 يختلف كليا عن فحوى الفصل 24 من دستور 1996، باعتبار أن هذا الأخير كان ينص صراحة على أن "الملك يعين الوزير الأول، ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، وله أن يعفيهم من مهامهم، ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها". وهذا يعني أن سلطة الملك في تعيين الوزير الأول كانت سلطة مطلقة لا تتقيد بأي شرط، عكس ما نص عليه دستور 2011 في الفقرة الأولى من الفصل 47 حيث نص على أن "الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها"، مما يعني أن الفصل 47 في صيغته المتضمنة في الفقرة الأولى يقيد سلطة الملك في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، أي أن سلطة الملك أصبحت مقيدة ومشروطة بتعيين رئيس الحكومة من الحزب التي تصدر انتخابات مجلس النواب.
ووفقا لذلك، فإن رئيس الحكومة أصبح معروفا لدى الجميع تبعا لنتائج الانتخابات التشريعية، مما يستفاد منه أن التعيين الملكي أصبح مجرد إجراء شكلي لتقنين واقع مفروض مسبقا، في حين أن دستور 1996 كان يمنح الملك حرية غير مقيدة لتعيين واختيار الوزير الأول دون الاعتداد بنتائج الانتخابات التشريعية.
ومن أجل فهم مغزى أهمية التعديل الذي طال الفصل 24 من دستور 1996، الذي يقابله الفصل 47 من الدستور الجديد، يجدر التذكير على أهمية الحذف الذي طال الفقرة الأولى من الفصل 60 من دستور 1996، الذي يقابله الفصل 88 من دستور 2001، والتي كانت تنص على أن "الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان"، يتماشى والمنطق القانوني الذي جاء به منطوق الفصل 47 من الدستور الجديد الذي لم ينص، كما هو الحال في الفصل 24 من الدستور القديم، على أحقية الملك في إعفاء الحكومة بمبادرة منه، مما يؤكد فرضية سلطة وصلاحية مجلس النواب في التعيين النهائي للحكومة (التنصيب)، أي أن الحكومة لا تستكمل وجودها القانوني والفعلي إلا بعد الحصول على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهم لصالح البرنامج الحكومي، حسب الشكليات المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل 88 من الدستور.
وتيعا لذلك، فإن القراءة الأحادية والسطحية للفصل 47 من الدستور بمعزل عن الإحالة القانونية للفصل 88 يعتبر عبثا دستوريا وتبريرا غير ذي جدوى، وهو نفس المنحى الذي سقط فيه المجلس الدستوري في قراراته الصادرة في هذا الشأن، وكذا اجتهادات بعض الفقهاء والباحثين في مجال القانون الدستوري.

مسؤولية الحكومة وفق مضامين الفصل 88 من الدستور
وبصفة عامة، وانطلاقا من هذا المستجد القانوني الجديد، يمكن القول أن الحكومة أصبحت مسؤولة فقط أمام مجلس النواب باعتبار  أن أعضاءه يستمدون نيابتهم من الأمة (الفصل 60 من الدستور) كما أن الوجود القانوني للحكومة أصبح مرهونا بسلطة مجلس النواب بمقتضى الفصل 88 والفصل 105 الذي يخول لمجلس النواب معارضة الحكومة في مواصلة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة، وفق الشكليات المنصوص عليها في ذات الفصل، والذي يترتب عن الموافقة عليه إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية، كما أن الفصل 103 من الدستور  ينص على أنه بإمكان رئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه، ويمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، بالأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس النواب، وفي هذه الحالة يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية
أما ما تنص عليه الفقرة الثالثة من الفصل 47 والتي تتيح للملك سلطة إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة، فيجدر التوضيح أن هذا الإجراء يندرج في إطار الصلاحيات والاختصاصات المسندة إلى الملك باعتباره أميرا للمؤمنين (الفصل 41) وباعتباره رئيسا للحكومة (الفصل 42). وبالتالي، فإن مضامين هاته الفقرة تتلائم مع نظرية الانتقال التدريجي للسلطة، خاصة وأن المشهد الحزبي المغربي ما زال محكوما بأنساق أوليغارشية وعائلية تمنع بروز نخب سياسية قادرة على مسايرة مع الحركية المستمرة للمجتمع المغربي.

التجاوزات التي رافقت تطبيق الوثيقة الدستورية على مستوى السلطة التنفيذية.
والحالة هاته، أنه منذ  إقرار الدستور الجديد بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 29 يوليو 2011 بتنفيذ نص الدستور، طرحت عدة إشكاليات سواء على مستوى تنزيل الدستور الجديد (التطبيق العملي) أو على مستوى التأويل، فضلا عن بروز  إشكالات أخرى ترتبط بالعلاقة بين السلط، خاصة علاقة السلطة الملكية بالسلطة التنفيذية، فضلا عن  علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية.

التجاوزات التي ارتكبتها الحكومة السابقة:
قبليا، لا بد من التأكيد أن الإشكال الدستوري الأول الذي تفرعت عنه كل الإشكالات الأخرى، تمثل في مواصلة الحكومة السابقة لمزاولة مهامها بعد إقرار الدستور الجديد، مما عمق الجرح الدستوري في المغرب وطرح تساؤلات أخرى تتعلق بطبيعة واختصاصات الحكومة بعد المراجعة الدستورية.
فالحكومة السابقة، وبدون احترام المنهجية المنصوص عليها في الفصل 47 من الدستور الجديد، أعلنت عن استبدال تسمية الوزير الأول برئيس الحكومة، وتم عقد اجتماعات للمجلس الحكومي وفق الفصل 92 من الدستور الجديد، مما ترتب عنه إحالة بعض المراسيم إلى الأمانة العامة مباشرة دون مرورها بالمجلس الوزاري، وكذا إحالة مشروع قانون المالية إلى البرلمان دون عرضه على المجلس الوزاري... وهي  الإجراءات التي لم يعارضها الفاعلون السياسيون ولا المجلس الدستوري، ولم تطعن فيها المعارضة السابقة. لكن، في المقابل قام الملك بتعيين مجموعة من السفراء دون التقيد بأحكام الفصل 49 من الدستور الجديد، وكذا تعيين رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف.
إن كل هاته الإجراءات تعتبر تجاوزا صريحا للأحكام المنصوص عليها في الدستور الجديد، خاصة وأن نص الدستور الحالي لم ينص في أي من مقتضياته على احتفاظ الحكومة السابقة بتدبير الشأن العام إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، مثلما تم التنصيص صراحة في الفصول 176 و177 و178 و179 على استمرار  بعض الهيئات الدستورية الأخرى في ممارسة صلاحياتها، إلى حين تنصيب هيئات جديدة وفق مضامين الدستور الجديد
فتسمية الوزير الأول السابق برئيس الحكومة، وما استتبعه من آثار قانونية تتعلق باختصاصات السلطة التنفيذية، خاصة الاختصاصات الموكولة لمجلس الحكومة بمقتضى الفصل 92، تعتبر غير دستورية من الناحية القانونية، لأن اختصاصات الوزير  الأول السابق تجد مرجعيتها في الفصلين 24 و 60 من دستور 1996، كما أن سلطته يستمدها من الظهير الشريف رقم 1.07.194 الصادر في 19 سبتمبر 2007، وكذا من ثقة مجلس النواب القديم.
وكان من الممكن تفادي كل هذه التجاوزات، دون الدخول في جدالات فقهية ودستورية، من خلال تعيين الوزير الأول السابق رئيسا للحكومة وفقا لأحكام الفصل 47 من الدستور الحالي إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، أو تعيين حكومة انتقالية تسهر على تأمين الانتقال الديمقراطي (إجراء وتنظيم الانتخابات، تدبير الشأن العام،...) كما هو الشأن في جميع ديمقراطيات العالم.
والواقع أن الأمور سارت في اتجاه آخر، مما خلق ارتباكا وتراجعا في بعض الأحيان، بسبب تعود النخبة السياسية المغربية على العمل بمفاهيم "العائلية" و"العشائرية" ضمن دائرة "التوافقات" المحبوكة دون احترام للقوانين المعمول بها، ودون إيلاء أية أهمية للضوابط التي تحكم دولة الحق والمؤسسات.

موقف المعارضة البرلمانية:
إن هذه الاختلالات التي رافقت منهجية تطبيق الدستور الجديد، إبان تعيين الحكومة الجديدة، أفرزت وأثارت مجموعة من ردود الفعل من لدن بعض النخب الحزبية، خاصة منها المصطفة في المعارضة الجديدة بالرغم من أن إثارتها لهذه القضايا لا تندرج في إطار تكريس دولة الحق والقانون، وإنما لإضفاء عنصر البهرجة والتهويل الذي يميز مفهوم المعارضة المغربية (مثال الزوبعة التي أثيرت إبان تقديم ترشيح رئيس البرلمان دون تقديم استقالته من منصب وزير، وهي حالة تنافي  نص عليها الفصل 13 من القانون التنظيمي لمجلس النواب).
فالمعارضة الحالية، خاصة تلك التي كانت مصطفة ضمن الأغلبية الحكومية السابقة، ساهمت إلى حد كبير في تكريس الاعوجاج الذي رافق التطبيق "العادي" للدستور الجديد من خلال عدم إثارتها لقضايا تعتبر بديهية في الأدبيات القانونية، منها على سبيل الذكر لا الحصر، إعداد انتخابات سابقة لأوانها دون حل مجلسي البرلمان، فتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية دون سند دستوري، تسمية الوزير السابق برئيس الحكومة ضدا على مبدأ عدم رجعية القوانين، عدم تقديم الحكومة لاستقالتها بعد إقرار الدستور الجديد، عقد مجالس حكومية وفق الفصل 92 من الدستور الجديد، وهلم جرا....


موقف المجلس الدستوري
وبخصوص الطعن الذي تقدمت به أحد الفرق البرلمانية في شأن انتخاب رئيس مجلس النواب، يجدر التأكيد أن القرار رقم 826.12 الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 12 يناير 2012 القاضي بعدم اختصاصه في النظر في الطلب المعروض عليه، يعتبر مخالفا لأحكام الفصل 177 من الدستور الذي ينص على أن المجلس الدستوري القائم حاليا سيستمر في ممارسة صلاحياته، إلى حين تنصيب المحكمة الدستورية.
والحال، أن الطعن الذي تم تقديمه في هذا الشأن سليم من الناحية القانونية ويتماشى مع حالات التنافي المشار إليهما في الفقرة الأولى من المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، خاصة وأن رئيس مجلس النواب تقدم بطلب استقالته من مهامه كعضو في الحكومة في نفس التاريخ، أي يوم 19 دجنبر 2011، وتم نشر الظهير المتعلق بإعفائه من مهمة وزير بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 دجنبر 2011، مما يفيد أن طلب الإعفاء من المهام تم تقديمه بعد إثارة هذا الطعن.

التجاوزات التي سقطت فيها الحكومة الحالية:
إن التجاوزات الدستورية التي رافقت نهاية الحكومة السابقة، أثرت وانعكست بشكل كبير على مسار التطبيق السليم للدستور ووضعه في سكته الصحيحة، وهو ما ساهم كذلك في تناسل الاختلالات والتجاوزات من لدن بعض الأطراف الفاعلة في الحقل الدستوري المغربي بالرغم من أن بعض المقتضيات صريحة وواضحة، ولا تحتاج إلى أدنى تأويل أو اجتهاد.
وعليه، يمكن القول أن التجاوزات التي ارتكبتها الحكومة السابقة سقطت فيها الحكومة المعينة من قبل الملك بموجب الظهير الشريف رقم 1.12.01 الصادر في 3 يناير 2012، إذ بمجرد تعيين أعضاء الحكومة وفقا للفصل 47 من الدستور الجديد سارع أعضاؤها إلى عقد مراسيم تسلم السلط مع الوزراء السابقين دون احترام المرجعية الدستورية في هذا المجال، أي استكمال تنصيب الحكومة من طرف مجلس النواب، فضلا عن أن الحكومة السابقة جرى تكليفها بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.184 بتصريف الأمور الجارية.
ولعل الحكمة المستسقاة من التنصيص على الفقرة المتعلقة بتكليف الحكومة السابقة بتصريف الأمور الجارية نابع من رغبة المشرع في التأكيد على أن الحكومة في ظل الدستور الجديد لا تعتبر حكومة قائمة بذاتها إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، كما أن الغاية من التنصيص على هذا المقتضى في الدستور هو الافتراض الممكن حدوثه في حالة عدم حصول الحكومة المعينة من طرف الملك على ثقة مجلس النواب.
لذا، يمكن القول صراحة أن الحكومة المعينة من لدن الملك لا تعتبر حكومة قائمة بالفعل إلا بعد الحصول على ثقة مجلس النواب كشرط لاستكمال التعيين، أي أن تعيين الحكومة في الدستور الجديد أصبح من مسؤولية مجلس النواب، لأن الملك أصبح دوره ينحصر في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على المرتبة  الأولى في الانتخابات التشريعية، "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها" الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور،       كما أن مصطلح "التنصيب" يتضمن حمولة قانونية ودلالة سياسية أقوى من مصطلح "التعيين"، الذي يحيل إلى إتمام بعض الشكليات المنصوص عليها في الدستور، فضلا عن أن الاشتقاق اللغوي لكلمة "تنصيب"، من فعل نصب تنصيبا الشيء أي وضعه وثبته، ونقول نصب الحاكم عونا أي ولاه منصبا، كما أنه بالرجوع إلى أصل الكلمة الفرنسي« INVESTITURE » ، التي يعني الاعتراف الرسمي لسلطة في تمثيل جماعة، يمكن القول أن مصطلح "التعيين" في الدستور الجديد يحيل إلى إجراء شكلي، في حين أن "التنصيب" يحيل إلى إجراء فعلي، بدليل أن الظهير الشريف رقم 1.11.184 الصادر في 29 نوفمبر 2011 بتكليف الحكومة الحالية بتصريف الأمور الجارية نص في مادته الثانية على أن الحكومة الحالية تكلف بتصريف الأمور الجارية، إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، ولم يتحدث عن تعيين الحكومة.
         فالظهير المشار إليه أعلاه، يتحدث عن "تشكيل" الحكومة وليس تعيينها، والفرق واضح بين "التعيين" كإجراء شكلي و"التشكيل" أي "التنصيب" كإجراء فعلي لمنح الوجود القانوني للحكومة.

وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه المجلس الدستوري في قراره رقم 825.12 الصادر بتاريخ 2 يناير 2012 عندما صرح أن حالة التنافي بين العضوية في مجلس النواب وصفة عضو في الحكومة، المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب لا تنطبق على رئيس الحكومة إلا ابتداء من تاريخ تعيين جلالة الملك للحكومة الجديدة.
والحال، أنه طبقا لأحكام الفصل 88 من الدستور، والظهير الشريف رقم 1.11.184 الصادر في 29 نونبر 2011 وكذا المرسوم رقم 2.11.184 الصادر في 24 ديسمبر 2011 فإن حالة التنافي المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب لا تدخل حيز التنفيذ إلا ابتداء من تاريخ تنصيب الحكومة، بدليل أن الفصل 47 الذي تم اعتماده كمرجعية لإصدار الحكم ينص في فقرته الأخيرة على أن الحكومة المنتهية ولايتها تواصل تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، أي بعد حصولها على ثقة مجلس النواب. كما أن القرار المشار إليه أعلاه يتناقض في مضامينه مع القرار رقم 824.11 الصادر في 27 ديسمبر 2011 الذي صرح من خلاله المجلس الدستوري على أن الحكومة السابقة تظل قائمة دستوريا إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، ما عدا في حالة إعفاء أعضائها أو قبول استقالتهم وفق أحكام الفصل 47 من الدستور.
إن القرارات المشار إليها، اعتمدت منهجية القراءة الأحادية للفصل 47 من الدستور دون أية إحالة للفصل 88 الذي ينص صراحة على أن الحكومة تعتبر منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي، هذا فضلا عن أن الوجود القانوني للحكومة في الدستور الجديد مرتهن أساسا بالصلاحيات الممنوحة لمجلس النواب بمقتضى الفصول 60 و88 و103 و105.

حول مدى مشروعية انعقاد المجلس الحكومي:
أما في ما يتعلق بالجدل الفقهي الذي أثير حول مدى مشروعية انعقاد المجلس الحكومي ليوم 5 يناير 2012، فلابد من التمييز بين دستوري 1996 و2011، إذ أن المجلس الحكومي في ظل دستور 1996 لم يكن يتوفر على أية صلاحيات تقريرية، ويقتصر دوره على إعداد و تهييئ و ترتيب الملفات و دراستها من الناحية الفنية والتقنية قبل عرضها على أنظار المجلس الوزاري،.في حين أن دسترة المجلس الحكومي في دستور 2011 منحته اختصاصات في غاية الأهمية، منها على الخصوص: التداول في القضايا والنصوص التي تندرج ضمن  السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري،  السياسات العمومية، السياسات القطاعية، طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام، مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من هذا الدستور، مراسيم القوانين، مشاريع المراسيم التنظيمية،  مشاريع المراسيم المشار إليها في الفصول 65 (الفقرة الثانية) 66 و70 (الفقرة الثالثة) من الدستور، المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري، ثم التعيين في مناصب الكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا.
والقول بمشروعية انعقاد المجلس الحكومي لأن الحكومة معينة من طرف الملك، أمر مردود عليه باعتبار أن الفصل 47 من الدستور الذي يحيل على الفصل 88 يشترط لاستكمال التعيين الملكي حصول الحكومة المعينة على ثقة مجلس النواب، مما يعني أن تعيين الملك لأعضاء الحكومة لا يعتبر تعيينا نهائيا، بل لا بد من الحصول على ثقة مجلس النواب كإجراء أساسي لاستكمال تنصيب الحكومة الجديدة. إذ أن الفصل 88 ينص على أنه "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.
 يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب.
تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة"

استنتاجات عامة:
الواقع أن هذه التأويلات الخاطئة التي رافقت تطبيق الوثيقة الدستورية تعود بالأساس إلى التراكمات السلبية التي راكمتها النخبة السياسية خلال المرحلة السابقة (بعضها موضوعي يعود إلى طبيعة البنيات السياسية والاجتماعية، وبعضها ذاتي يتماهى مع التصورات والإرادات والطموحات)، حيث ظلت النخبة السياسية المغربية حبيسة ثقافة سياسية تمتح من نموذج سياسي مغلق مرتهنة بدستور يكرس هيمنة السلطة الملكية وانعدام فصل السلط كمبدأ أساسي لإرساء الدولة المغربية الحديثة.
وعموما، فإن بعض الإشكالات الأخرى التي لم يتم الحسم فيها على مستوى الوثيقة الدستورية أو التي أثارت جدلا دستوريا تستدعي تضمينها في القانون التنظيمي المشار إليه في الفصل 87 من الدستور، خاصة منها القضايا التالية:
ü       تحديد كيفية تعيين رئيس حكومة جديدة في حالة تعذر الحصول على ثقة مجلس النواب أو تعذر تشكيل ائتلاف الأغلبية الحكومية؛
ü       حدود صلاحيات ومجالات تدخل الحكومة المكلفة بتدبير الأمور الجارية خلال المرحة الممتدة من تاريخ التعيين إلى تاريخ الحصول على ثقة مجلس النواب. إذ بالرغم من قصر المدة التي تفصل بين تعيين الملك لأعضاء الحكومة وتقديم البرنامج الحكومي، فإن العديد من الإجراءات تظل عالقة أو يتم  اتخاذها بطريقة غير دستورية؛
ü       إمكانية تأخير تعيين الحكومة من طرف الملك إلى حين حصولها على ثقة مجلس النواب لتفادي تداخل الاختصاصات والتخلص من بعض الإشكاليات الدستورية التي طرحت إبان تعيين الحكومة الجديدة.

إن مفهوم الانتقال الديمقراطي الذي هو جزء من لحمة الدينامية المجتمعية، لا يمكن اختزاله فقط في وجود وثيقة دستورية، بل لابد من اتخاذ إجراءات مصاحبة في اتجاه تأمين مسار الانتقال الديمقراطي وضمان مشاركة فعالة لجميع الفاعلين السياسيين، لأن من شأن هذه التدابير (سياسية، حقوقية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، بيئية...) أن تعبد الطريق لتجسير الفجوة بين النخب السياسية والمجتمع وإعادة الثقة في مفهوم المشاركة السياسية بهدف تقويم الترهل الفكري والإديولوجي للمشهد الحزبي المغربي، وبلورة مشاريع مجتمعية جديدة تتماشى مع الدينامية المتغيرة للمجتمع المغربي، ومقاومة كل أشكال الاحتيال السياسي والانتهازية والبيروقراطية من أجل إبداع صيغ جديدة لإرساء وعي سياسي جديد أساسه ومنتهاه التنمية السياسية باعتبارها أساس وجود الفعل السياسي.
                                                                                                                  الرباط، في 17 يناير 2012  ذ. عبد العزيز فجال

تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات