مقدمة من خلال هذا البحث سنحاول القيام بدراسة تأصيلية في تاريخ الجهة بالمغرب لاعتبارها اختيار استراتيجي نهجه مغرب الحد...
مقدمة
من خلال هذا البحث سنحاول القيام بدراسة تأصيلية في تاريخ الجهة بالمغرب لاعتبارها اختيار استراتيجي نهجه مغرب الحديث عبر مجموعة من المراحل. و محاولة لتحديد مفهوم الجهوية المتقدمة في نموذجها المغربي المغربي و أهم المرتكزات القائمة عليها من اجل تحقيق مجموعة من الأهداف التنموية.
و في بادئ الامر لابد من تحديد مفهوم الجهة . بحيث ان موضوع الجهوية من بين المواضيع التي تحظى باهتمام و متابعة من طرف الرأي العام منذ الخطاب الملكي بتاريخ 3 يناير 2010 , و يأتي هذا الاهتمام ليس فقط في خضم تجربة اكتسبها النظام اللامركزي , و لكنها أصبحت تحتل حيزا كبيرا في تفكير السلطات و القوي السياسية و الفعاليات الاقتصادية و الاجتماعية و الهيئات التمثيلية على الصعيد المركزي و الجهوي , يستطيع المغرب و بفضلها ان يؤسس لمرحلة تنموية جديدة بتفكير جديد و مناهج جديدة.
و قد يصعب تحديد مفهوم الجهوية , و الاتفاق حوله , فهذه الاخيرة تتحكم فيها معطيات و خصوصيات تختلف باختلاف الانظمة السياسية التي تتبانها حيث تتنوع علاقة التنظيم المجال و مدى استقلالية عن المركز , لكون الجهة من الضاحية او المجال المحيط بالمركز , و فيما يتعلق بأنواع الجهوية و اشكال تحديدها .
ان تحديد مفهوم الجهوية يقتضي التمييز بين الجهوية régionalisme التي لها مدلول مجموعات متماسكة ذات اهداف سياسية دفاعية و الجهوية Régionalisation بمفهوما الحديث المعاصر الذي يعني مجموعة متناسقة تهدف الي تكامل اقتصادي إداري تنموي من اجل النهوض بمؤهلاتها و تسخير إمكانياتها البشرية و الطبيعة المادية في إطار متكامل.
فالجهوية المتقدمة في شكلها المغربي المغربي ستشكل إطارا للانعاش و تنمية وسائل و آليات جديدة , و فاعلا تنمويا لابد منه لإنجاح السياسات العمومية التنموية .
ان نظام الجهوية كمكسب و خيار ديمقراطي لصالح التنظيم الاداري بالمغرب اصبح في حاجة الى ان يتوفر على سبل تقوية الاليات و الميكانيزمات الاساسية و الجوهرية , و خاصة على مستوي اليات التأسيس لمباشرة تدبير الشأن العام المحلي
لكن لتقرب الى الموضوع بشكل خاص و متأني لابد من صياغة إشكاليات التي تطرح نفسها بقوة, و ضرورية لفهم السياق العام للجهة كأسباب اخفاق الجهات كتجربة تنموية بالمغرب؟ أهي مرتبطة بضعف سياسة اللاتمركز أم بإنحسارات مسلسل اللامركزية أم هي نتيجة للمنطلق العام لحكامة البلاد؟
من أي منطلق يمكن ضمان نجاح إصلاح تجربة الجهة بالمغرب؟ و هل اختيار الجهوية المتقدمة استرتيجية تنموية او ضرورة سياسة ؟
من خلال الفصل الاول سنحاول التركيز على السياق التاريخي للجهة بالمغرب الحديث مع الاشارة الى التنظيم المحلى للقبائل قبل الحماية و الى الجهة في فترة الحماية و بالأسس على ما بعد الحماية باعتبارها فترة محورية للانتقال بالتدرج نحو تنظيم جهوي والتركيز على الظهريين المنظمين للجهة.
و بخصوص الفصل الثاني سيتم التركيز حول المرتكزات الاساسية للجهوية المتقدمة في نموذجها المغربي عبر دراسة تحليلية و الاخذ بتصور بعض الفاعلين لطرحهم لتصور الجهوية المتقدمة و كذا توضيح الافاق المسطرة للجهوية لاعتبارها اختيار استراتيجي ومرحلة متطورة من الإصلاحات الجوهرية لمغرب الحديث.
المنهجية:
الفصل الاول/ التطور التاريخي للجهة بالمغرب
المبحيث الاول : محاولة في تأصيل الجهة
المطلب الاول: مرحلة قبل الحماية و فترة الحماية
المطلب الثاني: مرحلة الاستقلال
المحبث الثاني: الإطار القانوني للجهة
المطلب الاول :ظهير 1971 كإطار قانوني و مؤسساتي
المطلب الثاني : ظهير 1997 الرقي بالجهة الي مستوى الجماعات المحلية
الفصل الثاني: الرؤية الرسمية للجهوية الموسعة ومستويات نجاحها.
المبحث الأول: الرؤية الرسمية للجهوية الموسعة:
المطلب الأول: أهداف الجهوية الموسعة:
الفرع الأول: ترسيخ الحكامة المحلية
الفرع الثاني: تعزيز القرب من المواط
الفرع الثالث: تفعيل التنمية الجهوية المندمجة الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية
المطلب الثاني: مرتكزات الجهوية الموسعة :
الفرع الأول: الوحدة
الفرع الثاني: التضامن
الفرع الثالث: التوازن
الفرع الرابع: الاعتماد على انتهاج اللاتمركز الواسع
المبحث الثاني: مستويات نجاح مشروع الجهوية الموسعة:
المطلب الأول: آراء وموافق بعض القوى السياسية الفاعلة:
الفرع الأول: تصور حزب الأصالة والمعاصرة
الفرع الثاني: تصور حزب الاتحاد الاشتراكي
الفرع الثالث: تصور حزب العدالة والتنمية
المطلب الثاني: شروط ومستويات نجاح الجهوية الموسعة:
الخاتمة:
الفصل الاول: الإطــار التاريـخي للجـــهوية و تطور الجهة بالمغرب
المبحث الاول : التأصيـــل التاريخي للجـــــهة
المطلب الأول: مرحلة قبل الحمايــــة و الحمايـــة
هذا المطلب اساسي لاعتباره بداية تأصيل لمفهوم الجهة بالمغرب و كيف تم صياغة هذا المفهوم ’ سنحاول من خلاله علاج الاطار العام للجهة في المغرب من خلال قراءة تحليلية تاريخية ذلك من خلال شقين الاول قبل الحماية الثاني خلال فترة الحم
مرحلة قبل الحماية
لقد تعرف المغرب على الجهوية منذ زمن بعيد " أي ما يقارب ثمانية قرون قبل الميلاد و حوالي خمسة عشر قبل الغزو الإسلامي" إذ عاش الامازيغ أيام القرطاجيين في مجموعات شبه مستقلة رسخت مفهوم الجماعة كأسلوب في الإدارة و الحكم المرتكز أسسا على النظام القبلي الذي إتسم بإسناد تسيير الشؤون المحلية لبعض الوجهاء و الأعيان, ينتخب من بينهم رئيسا يفصل في مختلف القضايا و يعتبر رجل النصيحة , و هذا النظام استمرت اشكاله في كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب من قرطاجيين و رومان و وندال,وبالرغم من أن ممارسة الشؤون المحلية لم تكون مقننة بنص قانوني , فإن مداولات الجماعة كانت دائما تتمحور حول مواضيع إدارية قانونية و قضائية تهم قضايا السكان المحليين .
بعد ذلك سيعرف المغرب تنظيما جهويا يعتمد على أسس عسكرية و قبلية تتميز بالاستقلال و الحرية , و هذا الاستقلال عن السلطة المركزية كان يختلف بإختلاف قوتها و ضعفها , و في الوقت الذي تكون فيها الدولة في أوج قوتها يتقزم دور المجموعات المحلية " الجماعة" التي تتشكل في غالب الاحيان من قبيلة واحدة او مجموعة قبائل تجمعها رابطة الدم او العرق, إما أثناء مرحلة انهيار الدولة فان الجماعات القبيلة تتقوي لـتأخذ في أحيان كثيرة شكل مجموعات مستقلة بصورة شبه نهائية عن السلطة المركزية .
و ما تجدر الإشارة إليه ان الدول التي تعاقبة على حكم المغرب ,قد وضعة الملامح الأولى للنظام الجهوي , و هكذا عمد المرابطين إلي تقسيم المغرب إلى أربع جهات رئيسة على رأس كل واحدة منها حاكم ينتمي إلى الأسرة الحاكمة , أي أبناء السلطان و ذويه . إما السعديين فقد قاموا بتقسيم المغرب إلى 12 إقليما تضع كلها لنظام عسكري على شكل باشوات خاضعة لسلطة ممثل السلطان " باشا", في حين تميزت فترة العلويين بأنها بداية عهد جديد في التنظيم الإداري بحيث عرفت البلاد تقسيمات إدارية كان الهدف منها ضبط المجال, خصوصا و ان السلطة السياسية أصبحت يتقسمها كل من الجيش و الزوايا و القبائل , فسخر التنظيم الجهوي لاحتواء الزوايا و استقطابها لجعلها تحت راية السلطان , إضافة الي زجر القبائل المنتفضة على السلطة المركزية, ليدخل المغرب بعد ذلك فترة الإصلاح الإداري على عهد الحسن الأول في القرن 19 م بحيث قسم المغرب إلى ثلاث جهات رئيسية, معينا على رأسها عمالا يمثلونها.
حيث لم يكن ممكن الحديث عن الجهوية بمعناها المعاصر لاعتبارها تنظيمات جهوية تعتمد على أسس قبلية و جغرافية و خير مثال على ذلك , جهات" الصحراء , سوس , الحوز و الشاوية . هذه المناطق كانت تقيم فوقها القبائل ذات تنظيم المحلي الغير التابع للمخزن او السلطان كقبيلة الحياينة و الزيان و أيث بعمران و عبدة و دكالة و الشرادة .
إن المغرب عرف فكرة الجهات قبل فرض الحماية الفرنسية سنة 1912 إذ كان التراب الوطني مقسما في ظل الوحدة الترابية إلى مجموعات قبلية عديدة , فالتقسيم الجهوي أنذاك لم يكون تقسيما قائما على أسس تشريعية حديثة . بل كانت عبارة عن بنيات جهوية جنينية تتميز بالبساطة التركيب.
لقد كان التظيم الجهوي بالمغرب قبل الحماية يتسجد إما في إطار واقعي تمارسه " الجماعة " المحلية دون تفويض من السلطة المركزية لضعفها أو بعد بعض المناطق الجغرافي عن عاصمة الحكم , و إما في إطار تنظيم مخزني محلي مفوض من طرف السلطان و الذي عادة ما يتم اختياره من بين أفراد الأسرة هذا الأخير حيث يمثل السلطة الدينية و يكون رابطة وصل بين الرعية و السلطان .
إن ما يميز هاته الحقبة هو النزعة الاستقلالية التي كانت سائدة ,حيث كان المغرب مقسم إلى مناطق متباينة مناطق تسمى ببلاد السيبة و مناطق المخزن .
فترة الحماية الأجنبية " الاسبانية- الفرنسية"
لقد انبعثت فكرة الجهوية في عهد الحماية في شكل حديث و متميز خلافا لما كانت تعرف به من قبل كتنظيم تاريخي يتجسد في التركيب القبلي . فقد أقرت معاهدة الحماية التزام فرنسا باجراء اصلاحات في البلاد تعيد النظام وتقوي الجهاز الإداري, وبذلك تكون السلطة الاستعمارية هي التي نهضت بإجراء برنامج الإصلاحات بعد أن اخفق المخزن في ذلك , ولقد اثرت الحماية بعمق في النظام الاداري المغربي الذي أصبح يتأرجح بين إدارة تقليدية مخزنية متجدرة , وبين إدارة حديثة في الوسائل والإمكانات , وانتهجت فرنسا سياسة الجهوية للتحكم في المجال وضبطه وفق مقاربة امنية وضعت ملامحها الاولى في ما يعتبر مرحلة تاسيس حقيقي للاهتمام بالمجال الجهوي , وذلك بادخال بعص الاجراءات الاولية المعمول بها في فرنسا انذاك, مهدت لمرحلة توطيد دعائم الحكم الاستعماري على كافة تراب المغرب, ليشكل الهاجس الامني المحرك الاساسي والفعلي للتقسيم الجهوي, اذ غدت الجهوية الية لمراقبة التراب الوطني لتامين استمرار الحماية على البلاد , لذلك عملت سلطات الحماية الى تقسيم المغرب الى جهات عسكرية تطورت بعد ذك الى جهات مدنية.
ففي هذه الفترة اصبح التظيم الجهوي يسخر لأغراض أمنية و عسكرية ,و ذلك حتي تتمكن سلطات الحماية من مراقبة التراب بهدف إخضاعه للسيطرة الاستعمارية و محاصرة المقاومة المغربية .
هذا , و لقد احدثت الجهة فترة الحماية بناء على قرار الصادر عن المقيم العام الفرنسي بتاريخ 4 غشت 1912 . اما الجهات الامنية , فلم تحدث الا ابتداء من سنة 1919 و احدثت جهة الدار البيضاء و الرباط بقرار المقيم الصادر في 27 مارس 1919 و جهة وجدة بقرار الصادر في 22 دجنبر 1919 في حين احدثت جهة الغرب سنة 1920 . و في 11 دجنبر 1923 صدر نص تنظيمي عن الاقامة الفرنسية يعدل التظيم الترابي للمغرب ,و بذلك تم تقسيم البلاد الى اربع جهات مدنية هي الرباط الدار البيضاء و جهة الغرب و ثلاث مراقبات مدنية هي اسفي , "مازكان الجديدة" الصويرة موكادور", و ثلاثة جهات عسكرية هي فاس مراكش و مكناس. و في سنة 1935 تغير هذا التقسيم بدوره للتقسيم البلاد الى منطقتين مدنية و عسكرية و ذلك على الشكل التالي :
_ المناطق المدنية : تضم ثلاث جهات هي وجدة , الدار البيضاء , الرباط و ثلاث اقاليم اقليم اسفي , ميناء ليوطي , مازكان.
_ المناطق العسكرية : تضم ثلاث جهات فاس مكناس مراكش و أربعة أقاليم, تازة تافيلالت , تخوم درعة وسط الاطلس .
كما عملت الحماية على انشاء المؤسسات ذات الطابع الجهوي منها المجالس الجهوية عبر قرار رسمي في 1 يوليوز 1936, المجالس الجهوية اسست لغايات وجود وصل بين الممثلين الجهويين و مختلف الادارات بغية الحصول على توافق و توحيد الادارة التي تسبق كل قرار و تحقيق.
و قد حذفها في 1941 بأن لها في اختصاصات اللجان الاقتصادية الجهوية , حيث تم تحديد اختصاصاتها عبر قرار 1 يوليوز 1936 و يقتصر دوره علي تلبية حاجيات خاصة و تجتمع هاته اللجان تحت سلطة رئيس الجهة و يمكن ان تستشار هاته اللجان في جميع الاسئلة الخاصة بالاقتصاد العام للجهة.
فكل هذه التقسيمات و الاجهزة و المؤسسات وجدت لخدمة المصالح الاستعمارية مما ترتب عنه تقسيم البلاد الى مغرب نافع و مغرب غير نافع , فالمغرب النافع يتمثل في فاس مراكش الدار البيضاء ضاما الجهات و المناطق الغنية فلاحيا و اقتصاديا و هي تطابق الواقع الجغرافي في السهول الساحلية الاطلسية في الغرب و نواحي القنيطرة مرورا بالشاوية و دكالة .
كما تطابق جزءا من احواز مراكش و تادلة و سهل فاس و مكناس , هذه الجهات هي التي استفادة من اكبر حصة من الاستثمارات لكن بنسب متفاوت و متباينة . في حين يتكون المغرب الغير النافع من المناطق الصغيرة والفقيرة و المحرومة الا ان بعضها قد استفاد من جزءا من البنية التحتية اما لكونها تقع في ملتقى الطرق الرئيسية او انها تعرف نشاطا معدنيا هاما او تمثل نقطة استراتيجة من الناحية العسكرية .
هذا وقد كان رئيس الجهة يلعب دورا مزدوجا , فهو سلطة مراقبة أي عون لسلطة الحماية, وسلطة ادارية تمثل السلطات الفرنسية, وبذلك بتفويض من المقيم العام دون امتلاك السلطة التنظيمية , وهو ما يجعله مجرد عون للسلطات الفرنسية , إذ يقوم بدور تسيقي لعمل المصالح الخارجية للادارات التقنية, و حراسة اعوان المراقبة الفرنسين بالجهة , و تزويد السلطة المركزية بالمعلومات و التقراير الضرورية , وما عزز الدائرة الجهوية و برر وجودها احداث ميزانية خاصة تمكن من تحديد طرق عمل الادارة الجهوية و وسائل عملها على المستوي المالي غير ان هذا التنظيم- الى جانب المقاربة الامنية الضبطية – كان يعمل على ابعاد المغاربة عن تسير شؤونهم على المستوي المركزي ام المحلي , و لقد ظل هذا الاقصاء يقابل بالرفض حتي حصول المغرب على استقلاله السياسي.
ان سياسة التمييز التي نهجتها سلطات الحماية بين ما يسمى بالمغرب النافع و المغرب الغير نتج عنها تفقير مناطق على حساب مناطق أخرى , وهذا ما يجسد التوزيع الغير المتكافئ للبنايات, و خلق فوارق اجتماعية متباينة.
المطلب الثاني : مرحلــــة الاستقلال.
خرج مغرب الاستقلال منهمكا من تجربة استمعارية طويلة استنفذت كل طاقات البلاد , و سخرت منظوماتها الادارية لخدمة مصالحها الامبريالية , لتجد البلاد نفسها امام تركة تنظيمية مهترئة تتميز بالازدواجية بين ادارة تقليدية عتيقة و ادارة عصرية,وامام اكراهات تشكل الدولة الوطنية غداة الاستقلال,انصب الاهتمام على تكريس مركزية شمولية لمواجهات التحديات الاقتصادية و الاجتماعية الكبيرة , و ذلك لتلبيات الحاجات الملحة والضرورية لكافة شرائح و طبقات المجتمع ضمن منظور وطني عام , فمشكلات أساسية كالصحة و التعليم , و بناء المؤسسات الادارية و توفير البنيات الاساسية لازمة لذلك , كلها مسائل لم يكون الاهتمام بها في مغرب ما بعد الاستقلال يتيح امكانية اعطاء الجهة ما تستحقه من عناية و تأطير .
بعد الاستقلال أهمل التقسيم الجهوي و اهملت الجهة ليأخذ الاطار الاقليمي محلها كوسيلة تمكن من فرض سلطة الدولة الفتية سياسيا و اداريا بحيث اعتبر الاقليم اهم التقسيمات الادارية للدولة .
و لم يظهر الاهتمام بالمجال الجهوي والجهة الا بعد التأكيد و التيقن من استفحال خطورة الفوراق الجهوية و عجز الاهتمامات الاولية المبعثرة ألا متناسقة و الاطار الاقليمي عن مواجهتها نظرا لانه إطار محدود لا يلائم الهدف المرجو من التنمية الجهوية بفعل ضيق اختصاصاته الاقتصادية و الاجتماعية و ضعف الامكانيات الموضوعة تحت تصرفه و سلطة الوصايا القوية المفروضة عليه . و لكنه وضع تبعا لاهداف سياسية و ادارية بقصد ضمان تأطير جيد لسكان.
غير ان الاقليم في بداية الامر لم يتم توظيفه سوى كإطار للتنسيق الاداري و المراقبة , و رغبة في تطوير اللامركزية المحلية فان السلطات العمومية سعت سنة 1963 الى توظيفه كذلك كإطار للتنمية و ذلك من خلال احكام الظهير المتعلق بالتنظيم الاقليمي غير ان هذا التظيم لم يعطي في الواقع النتائج المتواخاة منه في المجال التنموي , و خاصة و أن الإقليم انصب دوره أساسا على الجانب لإداري أكثر منه على الجانب التنموي الامر الذي يتعارض مع كل سياسية لإعداد التراب الوطني يكون الهدف منها هو تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية بشكل متوازي و عادل بين مناطق و اقاليم المملكة .
و من ثم ظهرت ضرورة التفكير في ايجاد إطار جديد يمكن من تحقيق تنمية جهوية متوازنة . و ظهرت الجهة كقاعدة ترابية لهذه التنمية من خلال اصدار ظهير 1971 المتعلق بتنظيم الجهات.
المبحث الثاني : الإطار القانوني للجهة بالمغرب
المطلب الاول : ظهير 1971 كإطار قانوني و مؤسساتي.
في بداية السبعينات حظيت الجهة و الجهوية باهتمام خاص من طرف السلطات العمومية و ذلك بهدف تحقيق تنمية جهوية شاملة و متوازنة لجميع المناطق و جهات المملكة .
و جاء هذا الاهتمام بعد عجز الإطار الإقليمي على مواجهة المشاكل المطروحة . خاصة و ان الاقاليم إنصب دورها أساسا على الجانب الإداري , و من هنا ظهرت ضرورة إيجاد إطار و تنظيم يتحمل مهمة تحقيق التنمية المتوازنة فصدر ظهير رقم 1.71.77 بتاريخ 16 يونيو 1971 و ذلك للتخفيف ظاهرة و مركزية القرار و لتفادي تعثر التنمية و للحد من الفوارق الجهوية , حيث أعطيت الأهمية للعامل الاقتصادي ليكون هو الحافز الاساسي في إنشاء الجهات خاصة بعدما اتضح آن الجماعات المحلية و الإقليمية لا تتسع للقيام بالمشاريع الكبرى .
إن مشروع ظهير 1971 لم يجعل من الجهة جماعة محلية متمتعة بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و الإداري , بل اكتفى فقط بجعل الجهة إطار ترابي لتحقيق النمو الاقتصادي لتخفيف العبئ على الدولة.
و قد جاء تعريف الجهة في الفصل الثالث من الظهير رقم 1.7.1.77 بتاريخ 16 يوليوز 1971 بشأن احداث الجهات الاقتصادية السبع بأنها" اطار اقتصادي لتنفيذ و تنسيق الاشغال و الدراسات و الأعمال المتعلق بالمناطق, و العمل بصفة عامة على إزدهار إقتصاد المناطق"
اما المنطقة فيراد بها حسب الفصل الثاني من نفس الظهير " مجموعة من الاقاليم التي تربط بينها او يحتمل ان تربط بينهما على الصعيد الجغرافي و الاقتصادي و الاجتماعي علاقة كفيلة بتقوية نموها , و التي تقتضي من جزاء ذلك القيام بهيئة عامة , و تشكل المنطقة إطار عمل إقتصادي , و يباشر داخله إجراء دراسات و انجاز برامج قصد تحقيق تنمية منسقة و متوازنة لمختلف أجزاء المملكة .
فالجهة على هذا الأساس لا تعدو ان تكون اداة لتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية على ان تظل الاقاليم الداخلة في محيطها, محافظة على شخصيتها الإدارية .
وقد ادى هذا التصور الى تقسيم ترابي للمجال الوطني الى سبع جهات اقتصادية تتجلى في:
1- الجهة الشمالية الوسطى: تحتضن الأقاليم التالية : فاس, بولمان, تاونات, تازة, الحسيمة,مساحتها تقدر ب 43950 كلم مربع ساكنتها تفوق 2720000 نسمة بكثافة سكانية تقدر ب 5,62 نسمة في الكلم المربع.
2- الجهة الاقتصادية الوسطى: تضم ولاية الدار البيضاء وأقاليم الجديدة سطات بن سليمان خريبكة بني ملال وازيلال تغطي هذه الجهة 8,5% من مجموع التراب الوطني ويفوق عدد سكانها 6440000 نسمة حسب احصاء سنة 1987, اكثر من 58% منهم يعيشون في الوسط الحضري.
3- الجهة الاقتصادية الشرقية وتشمل على اقاليم وجدة الناظور فكيك يبلغ عدد سكناها 177000 و كثافة سكانية تتعدي 2346 كلم مربع كما تبلغ مساحتها 28750 كلم مربع .
4- الجهة الاقتصادية الوسطى الجنوبية تظم اقاليم مكناس افران خنيفرة و رشيدية تمتد مساحتها على 29210 كلم مريع أي ما يعادل 11,44% من مساحة البلاد عدد سكانها حسب احصاء سنة 1987 و صل 1698000 نسمة بكثافة سكانية تبلغ 5’21 % كلم مربع.
5- الجهة الاقتصادية تانسيفت و تضم ولاية واقاليم مراكش اسفى الصويرة و قلعة سراغنة تقدر مساحتها بحوالي 39000 كلم مربع عدد سكانها 5,3 ملايين نسمة
6- الجهة الشمالية الغربية و تضم و لاية الرباط و سلا و اقاليم القنيطرة العرائش و تطوان و شاون و الخمسيات و طنجة و تبلغ مساحتها 29955 كلم مربع و عدد سكانها يناهز 4788000 نسمة و كثافة سكانية تقدر ب 5969 كلم مربع .
7- الجهة الجنوبية و تتكون من اقاليم تزنيت تارودنت طاطا كلميم طانطان العيون السمارة بجدور اما عدد سكانها يناهز 4788000 نسمة و كثافة سكانية تبلغ 6,98 كلم مربع .
و قد تحكم في تقطيع 1971 اعتبارين هما بالاساس
- استجماع قاعدة اساسية يتوفر فيها الشرط المجالي و الديموغرافي و الرأسمال الاقتصادي .
- التأكيد من حصول او امكانية حدوث و تكامل و انسجام هذه العناصر من اجل تنمية ذاتية مع ضرورة وجود قطب و مركز بالجهة يشكل قاطرة لتمنية باقي المناطق.
فاذا قمنا بقراءة لظهير 16 يونيو 1971 الذي بموجبه ثم تبنى الجهوية الاقتصادية ’ فأننا نستنتج انه من المنطقي ان تتبلور عملية تطبيقها في وثائق التخطيط لذا و بغية معلرفة ما جاءت به السياسة الجهوية كان من الضروري الرجوع الى المخططات خصوصا مخطط 1973-1977 ة مخطط 1978-1980 ’ مخطط 1981- 1985 ’ مخطط المسار 1988-1992.
+ فبرجوعنا الي مخطط 1973-1977 يفترض ان يكون هذا المخطط من اهم المخططات و امثرها تطلعا لارساء ارضية صالحىة الانطلاق العمل بالمؤسسات الجهوية التي يلزم لتحقيقها انطلاق العمل بالمؤسسات التي اقرها ظهير 1971 لاجلذلك عمل المخطط على تصوير سياسة لادخالها حيز التنفيذ بتحديد اطار عمل المؤسسات الجهوية و تحديد بالتنمية الجهوية.
+ اما مخطط 1978-1980 فقط اعتبر مخطط انتقاليا و قد احتفظ هذا المخطط بنفس الاهداف المسطرة في الفترة السابقة اضافة الي مجموعة من الاهداف الاخرى ابرزها :
- تدعيم مسلسل اللامركزية بنقل تدريجي للمهام و الوسائل الي المؤسسات العمومية .
- تحقيق الجوتنب الاجتماعية للمخطط على الصعيد الجهوي.ا
+ اما مخطط الخماسي ما بين 1981- 1985 فاه يعتبر من اكثر المخططات طموحا ’ و هو ما يظهر بظهير من خلال مقترحات المشاريع التي استهدفت خلق قطيعة مع السياسة الجهوية السابقة ’ غير ان هذا التطلع الاداري الذي تبناه المخطط لم يقترح اصلاحا عميقا للمؤسسات و لا لاطار القانوني للجهو الذي ظل اطار لعدم التركيز و الاستشارة
+ اما مخطط المسار و الافاق 1988-1992 حيث اكد هذا المخطط على رؤية جديدة للسياسة الجهوية و اعداد التراب و انعاش اللامركزية و عدم التركيز, و ذلك عبر جهوية التخطيط و المبادرة , و هو ما عبر ت عنه الرسالة الملكية التي بعث بها الملك الحسن الثاني الى الوزير الاول بتاريخ 12 ماي 1987 في وضوع اعداد مخطط المسار و الافاق للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية 1988-1992 و التي جاء فيها "... ان تخطيطا يجب ان يكون في الحاضر و المستقبل على مستوى الجهة لانها الخلية التي تلائم و تناسب بلادنا و ما يطبعها من تنوع و موازاة لذلك تتواصل الجهود البذولة في مجال التخطط في اطار تشاور و تشارك جميع الاطراف الاقتصادية و الاجتماعية و هذا يعتبر مجالا متيزا تتبلور فيها بتكامل و تناسق اولويات الاقتصاد الوطني في قطاعيه العام و الخاص بغية تحقيق تهيئة رشيدة للتراب الوطني.
هذا و قد احدث ظهير 1971 هيئات للتسيير فالي جانب خلق مجالس استشارية جهوية للعمل عن قرب احتفظت السلطات بالعمل مركزيا من خلال مؤسسات تعمل على ادماج البعد الجهوي في السياسة الحكومية
على المستوي المركزي نجد:
- اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة باعداد التراب
يترأسها الملك و يمارس الوزير الاول مهمتم نائب الرئيس و تضم في عضويتها الوزراء الذين يشرفون على اهم الحقائب الوزارية ' الداخلية , المالية ’ الفلاحية و الاشغال العمومية و يدعى باقي الوزراء غير الاعضاء في اللجنة لحضور اجتماعاتها كلما ادرجت فيها مسألة تهمهم .
- مديرية التنمية الجهوية : هي ادارة تابعة للوزير الاول احدثت بموجب الفصل الثالث من ظهير يونيو 1971 و هعي مكلفة بتنفيذ و تنسيق الاشغال و الدراسات و الاعمال المتعلقبة بالجهات ,
- و رغم ان ظهير 1971 طالب باحداث هذه المديرية على اهمية مهامها فقد تم الاقتصار فقط على احداث قسم مكلف بالتنمية الجهوية تابع لمديرية التخطط ملحق بكتابة الدولة المكلفة بالتخطيط و التنمية الجهوية. أي الربط بين لمخطط الجهوي عبر اعتماد اليات تنفيذ جهوية المخططات
+ الصندوق الخاص بالتنمية الجهوية :
احدث هذا الصندوق بمقتضى مخطط 73-77 و لقد رصد لهذ الصندوق لتنفيذ المخطط الخماسي المذكور 300 مليون درهم , و تودع اموال هذا الصندوق في حساب خاص للميزانية و ذلك بهدف تمويل بعض المشاريع ذات الصبغة الاستعجالية التي تقترحها السلطات المركزية او الجهات بعد دراسة الملف من لدن السلطات الحكومية المكلفة بالتنمية الجهوية و المصادقة عليه من طرف اللجنة الوزارية لهيئة التراب الوطني.
يحظر الوزير الاول بصفة الامر بالصرف اما العمال فيتصرفون في الاعتمادات بصفتهم نواب الامر بالصرف .
على المستوي الجهوي :
احدث على المستوي كل جهة مجلس جهوي استشاري يتألف من الاعضاء الاتية :
- رؤساء مجالس العمالات و الاقاليم الداخلة في نفوذ الجهة .
- ممثلوا الغرف الفلاحية و غرف الصناعة التقليدية و التجارة و الصناعة العصرية في مجالس العمالات و الاقاليم .
- خمسة اعضاء يعينهم كل مجلس عمالة او اقليم من بين اعضاء عمال و العمات و الاقاليم الداخلة في دائرة نفوذ الجهة و مساعديهم و رؤساء المصالح الخارجية للوزارات. و يترأس المجلس رؤساء مجالس العمالات و الاقاليم بصفة دورية كل سنة . و يتولى العمال بصفة دورية كذلك مهام الكتابة العامة للمجلس الجهوي الاستشاري.
- و يعقد المجلس اجتماعاته بمقر مجلس العمالة او الاقليم الذي يترأس رئيسه المجلس الجهوي .
- ان مهام المجلس الجهة في جميع برامج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و اعداد التراب التي تضم الجهة , كما يقدم مقترحات لتنفيذ برامج التنمية الجهوية و له الحق في تتبع تنفيذها بالاضافة الي المجالس الجهوية الاستشارية , عملت الدولة على نشر المصالح الخارجية للوزارات احيانا على المستوى الجهوي من خلال احداث المندوبيات الجهوية و ذلك بهدف حضور مختلف الوزارات جهويا عبر مصالحها الخارجية .
و بعد دراستنا لتجربة 1971 فقد يتبين لنا ان تقسيم المجال المغربي الى سبع مناطق اقتصادية لم يتمكن من تحقيق الهدف الذي جاء من اجله و الذي هو خلق توازن عادل و قار بين جميع المناط ق و داخل المنطقة بين الاقاليم المكونة لها ’ و ذلك راجع الى :
- عدم التوازن على مستوى التقطيع الترابي حيث نجد تفاوتا من حيث النفوذ الترابي بين جهة و تضم 11 اقليم " الجهة الجنوبية " و جهة لا تتعدي 3 اقاليم " الجهة الشرقية "
- ضعف الوسائل المادية و البشرية الموضوعة رهن اشارة البنيات الجهوية و عدم التنصيص على احداث هيئة قارة تتولي تنفيذ ىالمقرارات التي يمكن اتخاذها على صعيد كل جهة .
- غياب في اختصاصات الواضحة للمجلس الجهوي الذي كان دوره لا يعدو ان يكون تستشاريا دون ان يتعداه الى اتخاذ القرار .
- غياب الموارد البشرية و الماليو
- عدم وجود تجمع للانشطة او الخدمات العمومية الضرورية لحياة السكان
اذن التقسيم الجهوي السبع الاقتصادية لم يحقق ما كان منتظرا منه اذ سجل ضعف تنمويا ملحوظا مع بطئ الحركة الاقتصادية في اغلب الجهات ’ اضافة الى خلل واضح في توزيع الاستثمارات ..
ان هذا الوضع فرض التفكير في اعادة تنظيم الجهة و ذلك باقامة وحدة تشكل مجموعة منسجمة و مندمجة و جعلها تتماشي و متطلبات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسة و الثقافية من جهة ’ و ما تفرضه سياسة اللامركزية و الديمقراطية من جهة اخري .
المطلب الثاني : ظهير 1997 الرقي بالجهة الي مستوى الجماعات المحلية.
من خلال قرائتنا لتجربة الجهوية لسنة 1971 ووقوفنا على اهم المميزات التي تميزت بها هذه التجربة يمكن تسجيل ان هذه التجربة قد اخفقت في تحقيق اهدافها ,الامر الذي اضطر معه أصحاب القرار في التفكير في تجربة جديدة ترتكز على أسس اقتصادية اجتماعية وثقافية جديدة بالفعل كانت البوادر الأولى لهذه التجربة تتضح من خلال مضمون خطاب الملك الحسن الثاني بتاريخ
24 اكتوبر 1984 بفاس حيث قال ...''وضع هياكل كل جهوية تكون اساسا لذلك كله لها من الامكانيات تشريعيا وماليا و اداريا ما يجعلها قادرة على ان تقف على رجلها وان تعرف حاجياتها وان تقيم سلم أسبقياتها وان تعبر بصوت جماعي كامل.بقطع النظر عن اختلاف الاحزاب او المشارب السياسية .عن الحاجيات وعن المطامح وان تكون هي الناطقة وهي المبرمجة وهي البانية والمطبقة على اراضيها ...فكرت ان اضع انظار البرلمان مشروع قانون خاص بمجالس الجهات المغربية التي تكون له سلطتها التشريعية وسلطتها التنفيذية الخاصة بها وتكون لها هيئة الموظفين.''
ولكن سوف تكون هذه الجماعات الجهوية ...مرتبطة مباشرة بملك المغرب فيما يخص مطالبها ليس في التطبيق ولكن في الابراز وفي النتاج وفي الخلق والابتكار...''(الفصل 100)الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات الحضرية والقروية ولا يمكن احداث أي جماعة اخرى الا بقانون'' تزامن الطرح مع مواقف كانت فيها الادارة تحتل مكانا واسعا وتقوم بادوار وتدخلات وتتزايد يوما بعد يوم وضلت الجهة هي مجال السياسة الاكثر تحررا والأحسن ملائمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية اذ يشكل مجالا لجماعات تدبرها وتسيرها هيئات منتخبة بكيفية حرة تتيح لمختلف الاتجاهات التدخل والابتكار في مختلف المسائل باستثناء ما له صلة بالمجال السياسي العام للدولة.وهكذا بدء المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة ابرزها التعديل الدستوري لسنة 1992 الذي ارتقى بالجهة الى مصاف الجماعات المحلية حسب مقتضيات الفصل (94) وتم تدعيم مركز في دستور 1996 حسب مقتضيات الفصل (100) بالاضافة الى القانون المنظم للجهات 47.96 الصادر في ابريل 1997 حيث اصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي و اختصاصات قانونية تقريرية واستثمارية.
كما ارتقى بالجهة الي مستوى مؤسسة دستورية تتمتع بالشخصية المعنوية و بالاستقلال المالي والاداري و هكذا اصبحت للجهة قاعدة دستورية تستمد منها وجودها لأول مرة على هذا المستوي مما يجعل الجهة في مقدمة المؤسسات التمثيلية المحلية و اللامركزية كخطوة تعتبر تكريسا للعهد الدستوري للجهة و هكذا فالفصل94 منه ينص على ان " الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات و العمالات و الاقاليم و الجماعات الحضرية و القروية"و لا يمكن احداث أي جماعة محلية إلا بقانون و بذلك وضعت الجهة في مصاف الجماعات المحلية و بالتالي أعطاها قاعدة دستورية .و هذا ما تام تأكيده من خلال دستور 13 شتنبر 1996 .
حيث اصبحت الجهات وحدة جماعية ترابية تخضع لنفس المقتضيات الدستورية التي كانت تخضع لها الوحدات الجماعية الاخرى و ذلك بمقتضى الفصول 100 و الفصل 101 و الفصل 102 . لقد حاول دستور 1996 ادماج الجهة في المجال السياسي بواسطة نظام التمثيلية , مثل الاحزاب السياسية و النقابات و الغرف المهنية و ذلك في اطار مجلس المستشارين كمؤسسة دستورية تمارس السيادة بصفة غير مباشرة وفقا للفصل الثاني من الدستور .
و تشتمل الجهة كذلك على هياكل منتخبة تتمثل في مجلس جهوي و رئيس المجلس الجهوي و لجن للعمل , و للجهة كما نص عبى ذلك الدستور عمال يتولون تنفيذ قرارات المجالس الجهوية طيق شروط يحددها القانون و في هذا السياق صدر القانون رقم 96-47 المتعلق بتنظيم الجهات و الذاليتم تنفيذخ بمقتضى ظهير مؤرخ في 2 ابريل 1997 و بموجب هذا القانون سيكون للجهة مجموعة متنوعة من الاختصاصات و موارد و طرق الوصاية , كما توضح ذلك الاجهزة المساعدة التداولية و تنفيذية.
_ المجلس الجهوي :
هو من يتولى تدبير الجهة بكل حرية و ديموقراطية و ينتخب بشكل غير مباشر عن طريق الاقتراح باللائحة و التمثيل النسبي و يتكون من المكتب و الرئيس و اللجان.
_ مكتب المجلس الجهوي:
يتم تشكيل المجلس الجهوي وفق مقتضيات قانون الجهة من المواد 10 الى 40 اذ ينتخب خلال خمسة عشر يوما الموالية للانتخاب المجلس و لانقضاء مدة انتداب اعضاء المكتب المنتهية مهامهم او بتاريخ انقطاع مزاولة المكتب لمهامه لاي سبب من الاسباب. ويتألف المكتب من الرئيس وعدة نواب للرئيس تبعا لعدد سكان الجهة ويعتبر المكتب جهازا داخليا للمجلس ينتخب لمدة ثلاث سنوات قابلة لتجديد و يتم انتخاب الرئيس و النائبين الاول و الثاني بواسطة الاقتراع بالأغلبية المطلقة في الدورة الأولى و الثانية و النسبية في الدورة الثالثة, اما باقي النواب فينتخبون عم طريق الاقتراع بالقائمة بالتمثيل النسبي على أساس اكبر بقية .
بالإضافة إلى المكتب المشكل من الرئيس و نوابه ينتخب المجلس الجهوي من بين أعضاءه بالاقتراع السري و بالأغلبية النسبية كاتبا يعهد إليه على الخصوص محاضر الجلسات و حفظها ومقررا عاما للميزانية يكلف بتقديم التقديرات المالية و الحساب الإداري إلى المجلس الجهوي , ووفقا لنفس الشروط السابقة ينتخب المجلس نائبا للمقرر العام .
اذا كانت الجهوية اختيار دأب عليه المغرب منذ ما يقرب عن خمسة عقود و طوره عبر السيرورة التاريخية, فإن ذلك لم يكون وليد الصدفة بل جاء نتيجة الاعتقاد بأن الصيغ و الاساليب القديمة قد انتقدت امكانياتها فالدولة اقتنعت بحتمية الاقلاع عن عدم التمركز و جعل ادوات القرار قريبة من المعنيين و اصلاح اللامركزية , و هنا مشروع الجهوية الموسعة كاختيار استراتيجي للمغرب و كاصلاح شامل للامركزية الجهوية .
الفصل الرؤية الرسمية للجهوية الموسعة ومستويات نجاحها: الثاني:
أصبحت الجهوية من أبرز السمات التي تميز الأنظمة السياسية والإدارية الديمقراطية المعاصرة، وهي شكل جد متطور لنظام اللامركزية فهي وسيلة مثلى لإشراك الساكنة في تدبير شؤونها من خلال مؤسسات محلية تحظى بصلاحيات وإمكانيات مادية دون المس بسيادة الدولة ووحدتها، وهي وإن كانت لها مجموعة من المقومات والشروط المتعارف عليها عالميا، فإن تطبيقاتها تتخذ أشكالا متباينة تبعا لخصوصيات الدول كما أنها تنطوي أيضا على خلفيات متعددة.
وقد مرت أكثر من ثلاثة عقود على بداية تداول مفهوم الجهوية في الخطاب السياسي والاقتصادي المغربي، وقد تغيرت دلالاته ورهاناته حسب الظروف والأزمنة التي طرح فيها.
وجاء الخطاب الملكي بتاريخ 3 يناير 2010 بمفهوم وتصور جديدين للجهوية ينبينان على مجموعة من الأسس المرتبطة بالوحدة وثوابت الدولة والتضامن والتناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانيات بين الجهات، ثم اللاتمركز الواسع ضمن حكامة ترابية ناجعة، ويمكن القول إن تشكيل اللجنة المكلفة بإعداد تصور لتطبيق مشروع "الجهوية الموسعة"، والتي ضمت كما يعلم الجميع شخصيات من مختلف التخصصات الاقتصادية والجغرافية والتاريخية والقانونية والسياسية والإدارية... مما يعكس الرغبة في بلورة تصور منسجم يقف على العناصر الكفيلة فإنجاح هذا المشروع في مختلف تجلياته، حيث إن إصلاح النظام اللامركزي وتطويره من أهم أسس تحديث أنظمة تدبير الشؤون المحلية وتطوير أداء الهيئات المنتخبة، كما يعتبر تجسيدا فعليا وميدانيا لديمقراطية الحكامة الترابية.
وقد كثر الجدال مؤخرا حول المقاربات الملائمة لصياغة رؤية متكاملة للجهوية، بالتوازي مع اعتماد نموذج أكثر تقدما للجهات، مما يطرح مجموعة من الإشكالات المتعلقة من جهة، بأسس اعتماد النظام الجهوي وقواعده الدستورية والقانونية، من جهة ثانية بالإجراءات الموازية لإنجاح هذا الورش الكبير، وتحويله إلى مشتل حقيقي لممارسة الديمقراطية المحلية وتدبير أكثر فعالية لمصالح السكان.
وعليه، فقد ارتأينا غلى تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:
< المبحث الأول: الرؤية الرسمية للجهوية الموسعة.
< المبحث الثاني: مستويات نجاح الجهوية الموسعة.
المبحث الأول: الرؤية الرسمية للجهوية الموسعة:
يشكل الخطابان الملكيان بمناسبة الذكرى 33 لمسيرة الخضراء، وحدث تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة، المرجعية الموجهة للاختيار الجهوي الموسع، بل بالإمكان الإقرار بوجود خارطة طريق للجهوية المأمولة، خاصة من خلال تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، إذ سيعمد هذا الخطاب إلى تحديد الأهداف العامة للجهوية باعتبارها ورشا هيكليا لتحديث مؤسسات الدولة، والإعلان عن متركزات أربع لهذا التوجه، ستشكل هي الأخرى إطارا رباعيا للجهوية بخصوصية مغربية، ستجعل من هذه الدولة في إطار هذا التوجه دولة محكومة بقواعد, الوحدة والتضامن والتوازن واللاتركيز الواسع، كما أن خارطة الطريق الملكية ستحيل في مقام ثالث إلى المقاربات المطلوبة اعتمادها في بناء التصور الجهوي المأمول، ومنها التأكيد على النموذج المغربي للجهوية، والاعتداد بالرصيد التاريخي والتجريبي لمسلسل اللامركزية، والابتعاد قدر الإمكان عن الاستنساخ الشكلي للتجارب الجهوية المقارنة.
كما أن الخطاب الملكي يعتبر خارطة طريق لمشروع الجهوية الموسعة المنشودة، إذ سيعمد إلى تحديد الأهداف العامة لهذه الجهوية، باعتبارها ورشا هيكليا لتحديث مؤسسات الدولة.
وعليه، ومن خلال هذه التوطئة ارتأينا إلى تقسيم مبحثنا هذا إلى مطلبين رئيسيين، بحيث سنتناول في (المطلب الأول) أهداف الجهوية الموسعة على ضوء الخطاب الملكي، وفي (المطلب الثاني) سنخصصه للمرتكزات العامة للجهوية الموسعة.
الفرع الأول: ترسيخ المحلية المطلب الأول: أهداف الجهوية الموسعة::
يكتسي مفهوم الحكامة المحلية في السنوات الأخيرة، أهمية بالغة على مختلف الأصعدة وذلك مرده إلى ارتباطه بمفهوم التنمية، والتنمية دعامة أساسية لتقوية مسلسل اللامركزية، وآلية أساسية في النهوض بالدور التنموي للجماعات المحلية بالمغرب، الأمر الذي جعل الحكامة المحلية تعبر عن الوضع الذي يعطي فيه حق المشاركة في اتخاذ القرار للجماعات المحلية، دون أن يلغي ذلك حق الجهة المركزية في اتخاذ القرار وذلك في إطار مبدأ توزيع سلطة صنع القرار، والصلاحيات بين السلطة المركزية وهيئات أخرى متنقلة تتواجد في الجماعات الحضرية والقروية والعمالات والأقاليم والجهات.
إن إخراج الإدارة المحلية من أزمتها ومشكلاتها المختلفة، كان لابد من استحضار الحكامة المحلية التي تعتبر علاجا لهذه المشاكل المختلفة، ووسيلة لمعالجة صلابة أنماط الفعل الإداري المحلي لتحقيق أقصى مردودية للنخب المحلية، والإنصات لطموحات وانتظارات وحاجيات المواطنين، عن طريق التواصل معهم عن قرب والسعي بالتزام ومسؤولية، في إطار المبادئ العامة للحكامة المحلية لتحقيق حاجياتهم ومصالحهم، وكذا إشراك مختلف الفاعلين في إطار مبدأ التعاون بين الفاعلين المحليين، واعتماد مقاربة تشاركية من أجل الصالح العام، وهذا يتطلب تغييرا جذريا في ثقافة الحكام والإداريين والموظفين وكذا تغيير في المساطر.
إن الحكامة المحلية أصبحت مطلبا أساسيا للنهوض بالأوضاع التي تعيشها الجماعات المحلية، والرقي بها إلى مستويات العيش الكريم وتحقيق دورها كاملا في التنمية المستدامة لساكنتها.
الفرع الثاني: تعزيز القرب من المواطن:
يعد مطلب تعزيز القرب من المواطن، مطلبا ملحا ومتجددا لمتطلبات الإدارة المواطنة القريبة من اهتمامات وتطلعات المواطن في الخدمات العمومية الجيدة، في إطار سياسة لا تركيز الدولة، مما يتطلب تنظيم الإدارة المحلية وتحديث أساليبها، واعتماد نهج تدبيري عصري يعتمد على التخطيط الاستراتيجي والمقاربة التشاركية, وكذا توفير أجهزة إدارية ومالية مستقلة، وذلك بغية جودة التدبير الجهوي الفعال وإدارة جيدة ضمانا لقربها من المواطنين وتحقيق مصالحهم وتطلعاتهم، وذلك من خلال إشراكهم في تدبير الشؤون العامة المحلية.
الفرع الثالث: تفعيل الجهوية الموسعة المندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا
يعد الإختلال المجالي والاقتصادي والاجتماعي للمنظومة الجهوية في شكلها الحالي (16 جهة) من أكبر معيقات التنمية، مما أصبح يستدعي اعتماد مدخلات بديلة للتنمية الجهوية المندمجة، ومنها مدخل إعادة النظر في التقطيع الجهوي الحالي الذي يعرف اختلالا واقعا، يبرز خاصة بين جهات تنتمي للجنوب (جهة وادي الذهب لكويرة) وجهات تنتمي لجهة الوسط للمملكة.
إن من بين ما تسعى إليه الجهوية الموسعة، إيجاد جهات قائمة الذات، من خلال بلورة معايير واقعية في تقسيم جهوي جديد يفرض ضرورة التعاطي العقلاني والموضوعي مع مكونات الجهة التاريخية منها، والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك من أجل بناء جهة جديدة مندمجة تراعي هذه الخصوصيات.
في هذا الإطار يرى مجموعة كبيرة من الباحثين في هذا المجال، أن التقسيم الجهوي يجب ألا يتجاوز 6 جهات، بالشكل الذي يعمل على تجميع إمكانياتها ومؤهلاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هذا يجعل فرص نجاح تحقيق فائدة التقسيم الجهوي كبيرة في التنمية المندمجة، مع مراعاة الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
1-بالنسبة للخصوصيات الاقتصادية
بحيث ان مطلب تحقيق جهوية موسعة جيدة, يفرض تطبيق خطوات ملائمة ومنها خلق أبناك جهوية، ومصالح اقتصادية جهوية وذلك عبر خلق جهات على أساس توازن اقتصادي فيما بينها.
2-بالنسبة للخصوصيات الثقافية والاجتماعية
حيث ان الخصوصية الثقافية والاجتماعية، إذا تمت مراعاتها من شأنها أن تحافظ على الجهوية وترسخ التماسك الاجتماعي، مما يجعل الجهة مجالا للتنمية المحلية والجهوية، وهو مجال أمثل لتوظيف التراث واستثماره في مسلسل التنمية المستدامة.
هذا كله يستوجب منح موارد بشرية ومالية مهمة للجهوية الموسعة، لتمكينها من وسائل العمل والقدرة على القيام بالاختصاصات الممنوحة لها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المطلب الثاني: مرتكزات الجهوية الموسعة على ضوء الخطاب الملكي:
في خطاب 3 يناير 2010، وعند تنصيبه للجنة الاستشارية لإعداد مشروع جديد للجهوية الموسعة، أعلن الملك عن رؤيته الواضحة للمسألة الجهوية، ففي تصوره يجب أن تستوفي اربعة شروط: الوحدة والتضامن والتوازن، انتهاج اللاتمركز الواسع، وسنتناول هذه المرتكزات في أربعة فروع.
الفرع الأول: الوحدة:
ان الوحدة هي التي تنبنى على وحدة الوطن والتراب، التي تحيل في معناها الملكي إلى التشبت بمقدسات الأمة وثوابتها، وبالإمكان اعتبارها المرجعية الصلبة في كل توجه مستقبلي للجهوية الموسعة، بل إن التجارب الدولية في هذا الإطار تؤكد على الأولوية التي يجب إعطاؤها لهذا المبدأ المحوري، الذي يجعل "وحدة الدولة" القاعدة الجامعة لاعتبارات التنوع المجالي والإثني والثقافي، فالجهوية الموسعة يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية المنصهرة في هوية وطنية واحدة، وأيضا أن تكون جهوية مغربية صرفة نابعة من خصوصيات المغرب، غير مقلدة أو مستنسخة، متشبثة بمقدسات الأمة وثوابتها، في وحدة الدولة والوطن والترات ، اعتبارا من أن الملك هو أمير المؤمنين، ويعتبر الإمام الوحيد والأوحد والضامن لوحدة البلاد، واستقرارها، والساهر على ضمان حريات عامة الشعب المغربي بمختلف مكوناته.
الفرع الثاني: التضامن:
التضامن ما بين الجهات أو التضامن الوطني، كلها مسميات لقاعدة مقابلة، وهي قاعدة "تضامن الدولة"، إذ أن التنوع في الإمكانيات والوسائل يلزم ان يتوحد على مستوى دعم شروط تنمية الدولة الواحدة اقتصاديا، واجتماعيا، وهذا ما يستدعي استثمار كل جهة لمؤهلاتها على الوجه الأمثل، مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب موحد.
وعلى هذا النحو يمكن الجزم بالتكامل والتضامن الاقتصادي بين الجهات الذي سيضمن النمو الاقتصادي المتكافئ والذي بدوره سيضمن النمو والاستقرار الاجتماعي والسياسي، بعيدا عن القبلية والعرقية والتصلب الفكري والتعنت الحزبي والديني.
الفرع الثالث: التوازن:
أي التناسق في الصلاحيات والإمكانيات وتفادي تداخل الاختصاصات بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، فمقومات مثل هذا المبدأ ينبغي أن تقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة، مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية، في مراعاة استلزامات العقلنة والانسجام والتكامل، هذا التوجه، يقابله مبدأ يقوم على قاعدة توازن الدولة الذي يجعل الجهوية الموسعة، "لا تذويبا لصلاحيات الدولة المركزية التي تحتفظ في ظلها بمقومات الفعل السياسي وما يستتبعه من مهام واختصاصات، ولا تضخيما غير معقلن لصلاحيات الجهات، التي تبقى الفاعل المرجعي في شروط التنمية
الجهوية بالمغرب
يستقطب موضوع الجهة اهتماما متزايدا ليس فقط في المغرب، بل بمختلف بقاع العالم، كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحلية وتقوم على تعبئة الموارد والطاقات الملحية من أجل ترسيخ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي.
وتهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا بالمؤسسة الجهوية كإطار ملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية.
حيث أن سياسة الجهة كتنظيم إداري سياسي، تبنتها ألمانيا في دستور1949، وإيطاليا في دستور 1948وإسبانيا في دستور 1978، وجعلت من الجهة العنصر الأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما في المغرب فقد غدت سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية والتحاليل الأكاديمية بعد وضع دستور 1992، و1996 وقانون تنظيم الجهات 96-47 في 2أبريل 1997 نظرا لدور هذا النموذج اللامركزي في تحقيق تنمية اجتماعية، ونمو اقتصادي لجهات المملكة من جهة، ولمجموعة من الأوراش من جهة ثانية.
وأصبحت الجهة في المغرب مطالبة من أي وقت مضى بأن تساهم في النمو الاقتصادي وفي تنسيق مختلفتدخلات الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين على المستوى الجهوي والمحلي، وذلك بحكم العديد من المبررات والقرارات التي حتمت إعادة النظر في مفهوم الجهة والجهوية.
وقد أكد المشرع المغربي على السير قدما في السياسة الجهوية ، وهو ما أكد عليه في الفصل 100 من دستور 1996 ،حيث أضاف إلى الجماعات المحلية وحدة ترابية جديدة. فالفصل 100 من الدستور ينص على أن الجماعات المحلية بالمملكة في الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية. ولا مراء في أن تخويل الجهة صفة جماعة محلية إلى جانب الجماعات المحلية الأخرى يدل على أن السلطات العمومية المغربية، وبتوافق الهيئات والمنظمات السياسية، أرادت تعميق النظام اللامركزي الترابي الذي اعتمد منذ الظفر بالاستقلال كنظام لتدبير الشؤون المحلية.
وسيكون لها بدون أدنى شك نتائج إيجابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وكذا الثقافي، حيث لا يمكن الحديث عن التنمية بدون مجال واسع متكامل كفيل بإدماج العوامل التنموية في مسلسل الإقلاع الاقتصادي الجهوي.
ولقد اختلفت الاتجاهات والتعريفات بخصوص الجهة، وذلك باختلاف الأشخاص المعرفيين لها، فمفهوم الجهوية يفيد معنيان، الأول يفيد (régionalisme) ، ويعني مجموعة متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية1، وقد تتحول إلى توجه سياسي، أما المعنى الثاني فيفيد (régionalisation)، معناه الإطار والمجال الإداري والاقتصادي، رغم أن الجماعة المحلية هي نتاج بيئة سياسية تساهم في تسييس المواطنين بصفة عامة. وتبدو الجهوية أنها توزيع لأنشطة الدولة على المستوى الجهوي بطريقة إدارية وبالتالي فالجهة هي مجموعة منسجمة تهدف إلى تحقيق تكامل اقتصادي واجتماعي، وإداري تنموي على نماء الوطن.
ونظام الجهة يقوم على معطيات تختلف باختلاف الأنظمة السياسة التي تتبناه2، ويتميز في ذلك جهوية الدولة الفيدرالية بألمانيا، حيث تتمتع الجهة بالشخصية المعنوية والاستقلال الثلاثي الأبعاد، دستوري،إداري، تشريعي.
وفي المغرب وبتصفحنا لقانون الجهات الأخير 96-47، نجد المادة الأولى منه، تعتبر الجهات جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تساهم إلى جانب الدولة والجماعات المحلية الأخرى في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبالتالي فالجهة خرجت من النفق الاستشاري، وارتفعت إلى مستوى جماعة محلية، وحلقة من حلقات اللامركزية، التي أصبحت حقيقة لا تجادل3.
وفي هاته الدراسة المختصرة للجهوية بالمغرب سوف نكتفي بتسليط الضوء على الأشواط التي قطعتها الجهة للوصول إلى ما هي عليه اليوم مع دستور 1996، وكذا الدوافع والأسباب التي كانت وراء الاقتناء بالعمل الجهوي.
ترى ما هي مراحيل ترسيخ التنظيم الجهوي بالمغرب؟ وما هي الدوافع والأسباب الرئيسية التي كانت وراء الاقتناء بالعمل الجهوي بالمغرب؟
أولا: مراحيل ترسيخ التنظيم الجهوي بالمغرب
إن سياسة الجهوية هي أداة لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة، فالنظم سواء كانت إدارية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لا تنشأ من فراغ، بل عبارة عن تطور متثالي الحلقات تستند كل مرحلة فيه أسبقها، وتكون أساس لما سيعقبها4.
وعن تطور نظام الجهة بالمغرب والذي يعكس عقليات اختلفت بحسب الحقب التاريخية، يجعلنا نتبنى تقسيما ثلاثيا، لتوضيح المخاض الذي قطعه التنظيم الجهوي بالمغرب. مرحلة قبل الحماية، فترة الحماية، وعهد الاستقلال.
• مرحلة ما قبل الحماية: في هاته المرحلة أثارت الجهوية نقاش بين من يسير في اتجاه نفي وجود تنظيم إداري وإقليمي، فبالأحرى نظام الجهة، واتجاه يرى أن المغرب عرف نظاما للجهة قبل الحماية الفرنسية5.
وقد عرف المغرب فكرة الجهوية منذ القديم حيث كان التقسيم الجهوي يقوم على أساس قبلي نتيجة كبر المساحة، إلا أنه خلال مرحلة ما قبل الحماية لم يكن هناك تنظيم جهوي بمفهومه الحديث، بل كانت كل التنظيمات تعتمد على الأسس القبلية والجغرافية، وفي هاته المرحلة عرفت الجهة كواقع لأجل تنظيم المجال، وإدارة البلاد الشاسعة، وكإطار لتوزيع وممارسة السلطة على أساس وحدة السلطة والوظيفة السياسية والإدارية6.
• الجهوية في عهد الحماية:
بعد توقيع معاهدة فاس 1912، بسط الاستعمار نفوذه على المغرب محاولا مس هويته الإسلامية والعربية، وانتهج سياسة فرق تسد من خلال تغييرات مستوردة على التنظيم الجهوي السائد قبل الحماية.
وتميزت سياسة الجهوية إبان فترة الحماية بالحداثة إلا أنها جاءت في مراميها مناقضة للمعنى القانوني للجهة، بحيث لم تكن للجهة في ترسانة مؤسسة الحماية إدارة مركزية وإنما آلية للتأطير والتحكم السياسي والعسكري اللازمين لتهدئة البلاد، وقامت مراقبتها من طرف المستعمر وذلك بإحداث جهات عسكرية وأخرى مدنية واستعملت الجهة كإطار لعدم التركيز في نطاق الاعتبارات العسكرية والاستعمارية دون أي اعتبارات اقتصادية واجتماعية.
من هنا يتضح أن الجهوية في عهد الحماية لم تكن تعني تنظيم وإعادة هيكلة المجال بصفة عامة بقدر ما كان التقسيم الجهوي الذي اعتمدته سلطات الحماية الفرنسية ذا اعتبارت عسكرية وأمنية بالأساس7.
وعمل المستعمر على طمس روح النظام المحلي الجهوي الذي عرفه المغرب وحلت أنظمة إدارية جديدة مستمدة من النظام الفرنسي محل أساليب وهياكل الإدارة التقليدية للإمبراطورية الشريفة.
- التنظيم الجهوي في عهد الاستقلال
واجهت الإدارة المغربية الفتية عدة عوائق بوصفها الوصية على إرث الحماية المتمثل في بنية تحتية معقدة لم تحظى لا بالقبول ولا بالرفض المطلق من قبل السلطات المستقلة ولا هي متكيفة مع حاجات السكان8.
وفي هاته المرحلة تراجع الاهتمام بالتنظيم الجهوي ليحل الإطار الإقليمي والجماعي محل بغية فرض سلطة الدولة المستقلة إداريا وسياسيا، بحيث اعتبر التقسيم الإقليمي، أهم التقسيمات الإدارية للدولة.
ولم يظهر الاهتمام بالمجال الجهوي إلا بعد استفحال خطورة الفوارق والتفاوتات الجهوية وعجز الإطار الإقليمي عن مواجهتها9، وذلك نظرا لمحدوديته وقصوره عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الاختلالات واللاتوازنات التي خلفتها السياسة الكلونيالية التي خدمت الأهداف الاستعمارية.
وبسبب الاختلاف في بناء حجم الأقاليم وعدم تساويها من حيث عدد السكان وعن الموارد الطبيعية، أصبحت الجهة هي الوسيلة الملائمة كاختيار لإعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية، إذ بدأ الانشغال بالجهوية من خلال المخططات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المستمرة التي عرفها المغرب لولوج مرحلة جديدة نحو ترسيخ الديمقراطية المحلية.
لكن هذه السياسة كانت تفتقر إلى التنسيق والانسجام وعلى رؤية واضحة للقضايا الجهوية وظلت مجرد متمنيات10.
وفي سنة 1971 جاء نظام الجهات الاقتصادية كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتبرها قاعدة ترابية لهذه التنمية، وقد تم تقسيم المجال الترابي إلى سبع جهات، وبذلك تم وضع الهياكل وتحديد المفهوم القانوني للجهة.
وهكذا تحول الاتجاه صوب تقرير التمركز الإداري حتى يتماشى بموازاة مع اللامركزية، وجاء خطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني سنة 1984، مؤكدا للرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل جهوية وتشريعية وتنفيذية.
وتزامن الطرح مع مواقع كانت فيه الإدارة تحتل مكانا واسعا، وتقوم بأدوار وتدخلات تتزايد يوم بعد يوم، وظلت الجهة هي المجال السياسي الأكثر تحررا والأحسن ملائمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية، إذ تشكل مجالا لجماعات تديرها هيآت منتخبة وتسيرها بكيفية حرة، تتيح لمختلف الاتجاهات التدخل والابتكار في مختلف المسائل باستثناء ماله صلة بالمجال السياسي العام للدولة.
وهكذا بدأ المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة أبرزها التعديل الدستوري لسنة 1992، الذي ارتقى بالجهة الى مصاف الجماعات المحلية، حسب مقتضيات الفصل (94). وتم تدعيم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة 1996، حسب مقتضيات الفصل (100)، بالإضافة الى القانون المنظم للجهات رقم 96-47 الصادر في 2أبريل 1997، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي واختصاصات قانونية تقريرية واستشارية.
إذا كانت هذه مجمل المراحل الرئيسية للتنظيم الجهوي بالمغرب، فما هي يا ترى الدوافع والأسباب التي كانت وراء الاقتناء بالعمل الجهوي؟
ثانيا: دوافع وأسباب إحداث الجهة
يمكن تلخيص الدوافع الأساسية للجهوية بالمغرب من خلال ثلاث محاور:
- دوافع سياسية تهدف إلى تدعيم اللامركزية ودمقرطة المؤسسات الجهوية
- دوافع إدارية، فضلا عن دوافع اجتماعية واقتصادية
* الدوافع السياسية: تتجلى في كون المسألة الديمقراطية المحلية، أصبحت إحدى المظاهر السياسية للمجتمع المدني، وقد جعلت من الجهة عبر مجلسها المنتخب بطريقة ديمقراطية ذلك المجال الذي يتيح للسكان المحليين عبر منتخبيهم الجهويين حق المشاركة الشعبية القادرة على تحقيق التطور الذاتي.
فالجهوية احتلت مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق الديمقراطية المحلية من خلال دعم السياسة الجهوية التي نشدتها الإصلاحات الدستورية والسياسية11.
وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع اللامركزية لأنها تشكل أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناتها12.
وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثلي للمملكة وتوفر فضاءا جديدا للتداول والتشاور والإنجاز، خصوصا بعد أن ثبت فشل إدارة جميع المرافق المركزية.
وهكذا أصبحت الجهة تقنية جديدة لممارسة الديمقراطية على الصعيد الجهوي كما أنها تعتبر وسيلة لتحديث الدولة، ومحورا جديدا للديمقراطية وشرعية السلطة السياسية.
* الدوافع الإدارية
هنا عملت السلطة المركزية منذ الاستقلال على إنشاء مصالح ومرافق إدارية تساعد الحكومة على الصعيد المحلي وأيضا عملت على الزيادة في عدد الولايات والعملات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، وإحداث وحدات ترابية جديدة وهي الجهات، كل ذلك بغية تقريب الإدارة من المواطنين13. وبالتالي يصبح التنظيم الجهوي أحد الأساليب الإدارية لإدارة المرافق العامة لتلبية حاجيات الأفراد والسكان لأن المجلس الجهوي المنتخب من قبل سكان الجهة يكون على دراية بحاجياتها وإدارة مرافقها بالشكل الذي يتلائم ورغبات السكان وبفعالية أكبر ولو سيرت تلك المرافق من قبل المسسؤولين الحكوميين على الصعيد المركزي14 .
وأصبح المنهج الجهوي آلية مناسبة للتقليص من البيروقراطية ، وذلك لتقريب القرار الإداري من مكان تنفيذه.
وإقرار الجهة كوحدة لا مركزية في إطار تنظيم الإدارة المحلية، يدخل إجمالا في إطار الإصلاح الإداري عموما، والدافع الإداري في إقرار الجهة جاء في إطار تقليص دور الدولة في بعض المجالات وتفويتها للجهة حيث تصبح هي المسؤولة عن الوظيفة والموظفين في نطاق ترابها.
- الدوافع الاقتصادية والاجتماعية:
أصبحت الجهوية من الاستراتيجيات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والإقلاع السوسيو اقتصادي، بصفة عامة ، فالسياسيات الاقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره الإطار الأصلح، لوضع كل الاستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح.
فالجهة هي الفضاء الذي لا بد منه لتنسيق التنمية، الأمر الذي يصعب على الجماعات الترابية الأخرى القيام به وعلى الحكومة ممارسته.
فالدافع الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية هو الدافع الأساسي نحو إقرار سياسته الجهوية لأن موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية على كافة المستويات يكتسي أهمية قصوى في الوقت الراهن وفي المستقبل.
وأمام فشل الدولة في القضاء على اللاتوازنات فيما بين مناطق وجهات المغرب، فقد تم التكريس الدستوري للجهة منذ سنة 1992، والتركيز على التوجهات التنموية والاقتصادية على أساس الجهوية والتنمية المحلية، وكذلك اختيار المخططات كوسيلة لتحقيق تلك الأهداف، سواء على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي15.
وبذلك تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية دافعا أساسيا نحو تفعيل دعم وجود الجهة
ليست هناك تعليقات