سلطة مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية




سلطة مجلس الأمن
في
الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية


دكتور
أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي المساعد
كلية الحقوق – جامعة القاهرة
  
في السابع عشر من يوليو 1998م، وافق مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي المنعقد بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في روما على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وفي الأول من يوليو سنة 2002م، دخل هذا النظام حيز النفاذ، بعد أن قامت (60) دولة بالتصديق على النظام الأساسي([1]).


والمحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية دائمة نشأت بموجب معاهدة دولية اتفق أطرافها على ضرورة التحقيق ومحاكمة أشد الجرائم خطورة وأكثرها اهتماما من جانب المجتمع الدولي، وهي: الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، وجريمة العدوان. والواقع أن وجود آليات قوية ومستقلة قائمة على تحقيق العدالة الجنائية الدولية لمن أهم دعائم الحفاظ على الأمن الدولي وإعادة السلام إلى كافة أنحاء المعمورة، فضلا عن أن إنشاء تلك الآليات يعكس تطور الشعور بالمسئولية والعدالة كقيم معترف بها على المستوى الدولي([2]).

وقد حرص المشرع الدولي على بيان وسائل اتصال المحكمة بالدعوى أو بالجريمة. بيان ذلك أنه تحت عنوان «ممارسة الاختصاص»، تنص المادة (13) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن «للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية: (أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛ (ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛ (ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقا للمادة 15». ويستفاد من هذا النص أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية محدد بالجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي. وعلى غرار القضاء الوطني، ثمة جهة للادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويطلق النظام الأساسي على الشخص المنوط به القيام بمهمة الادعاء اصطلاح «المدعي العام». والمدعي العام قد يقوم من تلقاء نفسه بمباشرة التحقيق في الجريمة، وقد يكون البدء في التحقيق بناء على إحالة من دولة طرف أو من مجلس الأمن. وسنقتصر هنا في هذه الدراسة على تناول الفرض الذي يقوم فيه مجلس الأمن بإحالة «حالة» إلى المدعي العام، يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الواردة في النظام الأساسي قد ارتكبت.

خطة الدراسة:                   
حتى يتسنى الإلمام بمختلف جوانب هذا الموضوع، نرى من الملائم أن نعرض أولا العلة التي تقف وراء منح مجلس الأمن سلطة الإحالة (المطلب الأول)، ثم نقوم بعد ذلك بتحديد نطاق هذه السلطة (المطلب الثاني)، ومضمونها (المطلب الثالث)، وشروط استعمالها (المطلب الرابع)، وشكل الإحالة (المطلب الخامس)، والآثار المترتبة عليها (المطلب السادس).  

المطلب الأول
علة تخويل المجلس سلطة الإحالة

خلال المناقشات في مؤتمر روما، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تطالب بأن يكون لمجلس الأمن وحده سلطة الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولكن الدول الأخرى صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن ارتأت أن يشترك المجلس في ذلك مع الدول الأطراف في النظام الأساسي والمدعي العام للمحكمة([3]). والواقع أن غالبية الدول المشاركة في مؤتمر روما لم تؤيد تخويل مجلس الأمن سلطة واسعة تجاه المحكمة. وسبب ذلك هو الرغبة في تأكيد استقلالية المحكمة، وتفادي أن تتحول إلى مجرد جهاز سياسي تابع لمجلس الأمن، والخشية من أن يؤدي تمتع الدول ذات العضوية الدائمة بحق الاعتراض إلى تعطيل مهمة المحكمة في تحقيق العدالة في حالات بذاتها([4]).

وعلى أية حال، فقد أقر النظام الأساسي الاتجاه القائل بتخويل مجلس الأمن سلطة الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى الدول الأطراف في النظام الأساسي والمدعي العام للمحكمة. وفي تبرير ذلك، قيل إن مجلس الأمن درج خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي على إنشاء محاكم جنائية خاصة لنظر جرائم محددة. ولا شك أن إعطاء مجلس الأمن سلطة الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية من شأنه ألا يكون المجلس محتاجا إلى إنشاء محاكم جنائية خاصة، الأمر الذي يدعم دور المحكمة الجنائية الدولية([5]). ويضيف بعض الفقه أن «العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن ما هي إلا تطبيق لسلطة مجلس الأمن كما هي محددة في ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة الفصل السابع، والذي يعطي للمجلس سلطة سياسية مطلقة فيما يتعلق بالأمور التي تنطوي على حفظ واستعادة وبقاء السلام ويعطي أيضا الفصل السابع مادة 39 للمجلس سلطة فرض العقوبات لحفظ وبقاء السلام، ونتيجة لذلك فإن لمجلس الأمن الحق في أن يحيل حالة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق وإقامة الادعاء النهائي»([6]).

غير أن بعض الدول والمنظمات غير الحكومية تنتقد تخويل مجلس الأمن سلطة الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. ويستند هذا النقد إلى أن تمتع المجلس بهذه السلطة يمكن أن يؤثر على استقلال المحكمة وحيادها، ويؤثر بالتالي على دورها في تحقيق العدالة الدولية، ويمكن أن ينال أيضا من إرادة الدول المعنية وسيادتها([7]).

المطلب الثاني
نطاق سلطة المجلس في الإحالة

§1. نطاق سلطة المجلس من حيث الجرائم
        لا تقتصر الإحالة المقررة لمجلس الأمن على حالة ارتكاب جريمة العدوان، وإنما تشمل الجرائم الأخرى الوارد النص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي يكون للمحكمة الجنائية اختصاص النظر فيها، وهي: جريمة الابادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.

        من ناحية أخرى، ينبغي أن يكون موضوع الإحالة واحدا أو أكثر من الجرائم التي ورد النص عليها في نظام روما. وبناء على ذلك، لا يجوز لمجلس الأمن أن يحيل – على سبيل المثال – حالة تتعلق بجرائم الإرهاب أو الاتجار غير المشروع في المخدرات أو الهجرة غير الشرعية أو غسل الأموال أو الاتجار في النساء والأطفال أو الاتجار في السلاح أو مخالفة الحظر الدولي المفروض بواسطة مجلس الأمن على توريد السلاح إلى بلد معين. فعلى الرغم من خطورة هذه الجرائم، إلا أنها لم يرد النص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولا يجوز بالتالي أن تكون موضوعا للإحالة الصادرة عن مجلس الأمن إلى المدعي العام للمحكمة. ومع ذلك، ليس ثمة ما يحول دون قيام المجلس في هذه الحالة بإنشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا([8]).  

§2. نطاق سلطة المجلس من حيث الزمان
        وفقا للمادة (11) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لا تختص المحكمة إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام الأساسي. وتجدر الإشارة إلى أن النظام الأساسي قد دخل حيز النفاذ اعتبارا من أول يوليو سنة 2002م([9]). ومن ثم، فإن اختصاص المحكمة يقتصر على الجرائم التي ترتكب في وقت لاحق على هذا التاريخ. وهذا الحكم خاص بالدول التي قامت بالتصديق على النظام الأساسي قبل بدء نفاذه. فإذا أصبحت دولة ما طرفا في النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة، ما لم تكن قد قبلت باختصاص المحكمة في تاريخ سابق على انضمامها.

         وبناء على ذلك، لا تختص المحكمة الجنائية الدولية بنظر الجرائم التي وقعت قبل بدء نفاذ نظام روما من حيث المبدأ. ويرى بعض الفقه أن المحكمة الجنائية الدولية يحق لها «أن تتخذ قرارا بعدم قبول الدعوى كلما تبين أن موضوع الإحالة يخرج عن نطاق اختصاصاتها... خاصة من حيث الموضوع والزمان والأشخاص، ولو كان مجلس الأمن هو جهة الإحالة. وعليه إذا أحال مجلس الأمن إلى المدعي العام حالة تتعلق بجريمة من جرائم الحرب ارتكبت قبل دخول النظام الأساسي في 1/ 7/ 2002م، فإن المحكمة لها الحق في عدم قبول الدعوى لخروج الموضوع عن نطاق اختصاصها الزمني. ولكن ليس ثمة ما يمنع المجلس – إذا رأى ملاءمة ذلك – إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة ومؤقتة»([10]).

        على النقيض من ذلك، يرى بعض الفقه([11]) جواز أن يسند الاختصاص إلى المحكمة بنظر الجرائم التي ارتكبت قبل بدء نفاذ نظام روما، بمقتضى قرار يصدر عن مجلس الأمن عملا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو أن تنشأ محكمة خاصة مؤقتة بقرار أيضا من مجلس الأمن مثل محكمة يوغوسلافيا السابقة ومحكمة رواندا.
 
        وباستقراء التطبيق العملي، نجد أن قرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005م بشأن دارفور قد قرر صراحة – في البند الأول منه – «إحالة الوضع القائم في دارفور منذ 1 تموز/ يوليه 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية». ويعني ذلك أن مجلس الأمن قد قصر الإحالة على الوقائع اللاحقة على تاريخ بدء نفاذ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الواقع في الأول من يوليو سنة 2002م.  

§3. نطاق سلطة المجلس من حيث المكان
        يكاد يجمع الفقه([12]) على أن مجلس الأمن يتمتع بسلطة الإحالة، أيا كان مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الجناة فيها، أي سواء كانت الجريمة قد ارتكبت في إقليم دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة أو من أحد مواطني هذه الدولة أو كانت قد ارتكبت في إقليم دولة ليست طرفا. ففي هذه الحالة، يمتد الاختصاص المكاني للمحكمة الجنائية الدولية إلى أقاليم الدول غير الأطراف في النظام الأساسي، وبغض النظر عن قبول تلك الدول لاختصاص المحكمة. وقد تأكد ذلك من خلال التطبيق العملي، حيث قام مجلس الأمن الدولي بإحالة قضية «دارفور» إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أن السودان ليس طرفا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية([13]).

ويمكن تبرير ذلك بأن سلطة مجلس الأمن في الإحالة تستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم يكفي أن تكون الدولة عضوا في هذه المنظمة العالمية. وإذا كان من الجائز لمجلس الأمن أن ينشىء محكمة جنائية خاصة للتحقيق في جرائم الابادة الجماعية والجرائم الإنسانية التي ترتكب في أي دولة عضو في الأمم المتحدة، فلا يكون مقبولا حرمانه من سلطة الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة عن ذات الجرائم. إذ يقود هذا الحرمان إلى قيام مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية خاصة، الأمر الذي يؤثر في النهاية على المحكمة الجنائية الدولية الدائمة. ويختلف نطاق السلطة المخولة لمجلس الأمن في هذا الشأن عن السلطة المخولة للدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة، والتي تقتصر على الجرائم المرتكبة في إقليم دولة طرف. وهكذا، عند إحالة مجلس الأمن لقضية أو حالة معينة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، متصرفا وفقا للفصل السابع، فإن المحكمة لا تتقيد بالشروط المذكورة في المادة الثانية عشرة من نظامها الأساسي، وهي: ارتكاب الجريمة على إقليم دولة طرف أو بواسطة أحد مواطنيها. ويمكن استخلاص هذا الحكم – بمفهوم المخالفة – من المادة (12) البند الثاني من النظام الأساسي للمحكمة، والذي ينص على أنه «في حالة الفقرة (أ) أو (ج) من المادة 13، يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية طرفا في هذا النظام الأساسي أو قبلت باختصاص المحكمة وفقا للفقرة 3». فهذا النص يحدد الاختصاص المكاني للمحكمة، مقررا اقتصار ممارسة المحكمة لاختصاصها على الجرائم المرتكبة في إقليم دولة طرف في النظام الأساسي أو على الأقل قبلت ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث، وذلك إذا كانت الإحالة إلى المحكمة من قبل دولة طرف أو كان المدعي العام قد باشر التحقيق من تلقاء نفسه. وبعبارة أخرى، فإن اختصاص المحكمة في هاتين الحالتين يتوقف على ارتكاب الجريمة في إقليم دولة طرف في النظام الأساسي أو في إقليم دولة تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها في شأن الجريمة قيد البحث. وقد سكت النص عن بيان الحكم في حالة الإحالة من مجلس الأمن وفقا للبند (ب) من المادة (13)، الأمر الذي يعني بمفهوم المخالفة أن تمارس المحكمة اختصاصها في هذا الفرض، سواء كانت الجريمة قد ارتكبت في إقليم دولة طرف في النظام الأساسي أو من أحد مواطنيها أو كانت قد ارتكبت في إقليم دولة غير طرف.

        ويثور التساؤل عما إذا كان مجلس الأمن يملك هذه السلطة كذلك حيال الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة. فإذا فرضنا أن دولة غير عضو في الأمم المتحدة ارتكبت على أراضيها إحدى الجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة، ماذا سيكون الحكم القانوني في هذه الحالة، وهل يملك مجلس الأمن سلطة الإحالة في هذا الفرض؟ وإذا فرضنا أن إحدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد انسحبت من هذه المنظمة العالمية([14])، هل يبقى مجلس الأمن متمتعا بسلطة الإحالة إزاء الجرائم التي ترتكب على إقليم هذه الدولة؟ ولو افترضنا أن الأمم المتحدة قامت بفصل إحدى الدول الأعضاء([15])، فهل يحول هذا الفصل دون تمتع مجلس الأمن سلطة الإحالة عن الجرائم المرتكبة على إقليمها؟

نعتقد أن الإجابة على هذه التساؤلات هي بالإيجاب. وسندنا في ذلك أن المادة الثانية البند السادس من الميثاق تنص على أن «تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادىء بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي». ويستفاد من هذا النص أن الأثر الملزم للميثاق لا يقتصر على الدول الأعضاء، وإنما يمتد في حدود معينة إلى الدول غير الأعضاء، وبحيث تلتزم هذه الدول بمبادئ الميثاق بالقدر اللازم لحفظ السلم والأمن الدولي. والحقيقة أن هذا الحكم يخالف القواعد التقليدية في القانون الدولي، ويمثل بالتالي تجديدا في هذه القواعد. بيان ذلك أن القاعدة العامة في القانون الدولي هي نسبية أثر المعاهدات، الأمر الذي يتسق مع القاعدة العامة في القانون الوطني، أي نسبية أثر العقد. ويعني ذلك أن الدول لا تلتزم بغير رضائها، وأن المعاهدات الدولية لا يمتد أثرها إلى غير الأطراف فيها. ولكن ميثاق الأمم المتحدة يشذ عن هذه القاعدة، حيث أوجب على الدول غير الأعضاء أن يكون سلوكها متفقا ومبادئ الأمم المتحدة، متى كان احترام هذه المبادئ ضروريا للمحافظة على السلم والأمن الدولي. ويبرر بعض الفقه([16]) هذا الحكم في ضوء الطبيعة الدستورية الخاصة لميثاق الأمم المتحدة، باعتباره جزءا من القانون الأساسي للمجتمع الدولي المعاصر، والذي لا يقتصر على ترتيب حقوق والتزامات بالنسبة للدول الأعضاء، وإنما يتجاوز ذلك إلى وضع تنظيم عام للمجتمع الدولي بأسره. ويضيف صاحب هذا الرأي أن الثابت قانونا هو جواز امتداد أثر المعاهدة الدولية إلى غير أطرافها، طالما أنها تنظم مسائل موضوعية عامة تهم المجتمع الدولي ككل، الأمر الذي يصدق على الأمم المتحدة. ويذهب رأي آخر إلى أن «الأمم المتحدة، باعتبارها ممثلة للأغلبية وكذلك أداة هذه الأغلبية، تستطيع أن تقرر ما يتعين توافره من قواعد لتحقيق أهداف هذه الأغلبية دون أن يعتد بتعلل أقلية محدودة لم تنضم لها، خاصة وأن هذه القواعد تتصل بسلامة وأمن كل الجماعة الدولية»([17]).

        ونعتقد أن التعليل الصحيح للحكم السابق يكمن في ضرورات العيش المشترك في ظل مجتمع دولي واحد. إذ لن يتسن للأمم المتحدة أن تحقق مقصدها الرئيسي في حفظ السلم والأمن الدولي، ما لم تتقيد كل الدول بضرورة حفظ السلم والأمن الدولي([18]). وفي تعبير آخر، يسوغ القول بأن أي انتهاك لمبادئ الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدولي، يصدر من إحدى الدول غير الأعضاء في هذه المنظمة، يؤثر بالضرورة على الدول الأعضاء وعلى السلم الدولي بصفة عامة. فحرية الدولة غير الطرف تنتهي حيث يؤدي سلوكها إلى الإضرار بالآخرين. ووجه الإضرار هو المساس بالأمن والسلم الدولي. فإذا كان سلوك الدولة غير الطرف يمس بالأمن والسلم الدولي، فلا يجوز لها أن تتذرع بعدم الانضمام إلى الأمم المتحدة، وبأنها لم يسبق لها التوقيع على ميثاقها، وإنما يجوز لمجلس الأمن في هذه الحالة أن يتخذ في مواجهتها ما يراه مناسبا من التدابير الكفيلة بحفظ السلم والأمن الدولي.

        ولما كانت سلطة الإحالة المقررة لمجلس الأمن تستند إلى الفصل السابع من الميثاق، وتندرج ضمن التدابير التي يتخذها المجلس للمحافظة على السلم والأمن الدولي، لذا نرى أن مجلس الأمن يملك هذه السلطة كذلك حيال الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة. ولعل هذا الرأي يتأكد في ضوء التطبيق العملي لعمل أجهزة الأمم المتحدة. بيان ذلك أنه قد استند إلى نص المادة (2/6) أمام مجلس الأمن في أكثر من مناسبة، أولها المسألة المعروفة باسم المسألة الأسبانية، حيث طلب مندوب بولندا في خطاب موجه إلى مجلس الأمن، بتاريخ التاسع من أبريل سنة 1946م، بحث الموقف في أسبانيا – ولم تكن قد انضمت إلى الأمم المتحدة – بدعوى أن تصرفات نظام فرانكو تهدد الأمن والسلم الدولي. وطالما أن مجلس الأمن يستطيع مناقشة الموضوع واتخاذ التدبير المناسب للحفاظ على السلم، فإن من حقه أن يحيل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا وجد فيها ما يوحي بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة.

المطلب الثالث
مضمون الإحالة

تحدد المادة (13) البند (ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية موضوع الإحالة، مقررة أنها تنصب على «حالة... يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم (أي من الجرائم المشار إليها في المادة الخامسة من النظام الأساسي) قد ارتكبت»([19]). ومن ثم، ينبغي تحديد المراد بلفظ «حالة»، وبيان الفارق بينها وبين الواقعة والجريمة والقضية.
      
        وقد ورد لفظ «حالة» في المادتين (13) و(14) من النظام الأساسي. وينص البند الثاني من المادة الرابعة عشرة على أن «تحدد الحالة، قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة». وتجدر الإشارة هنا إلى أن المادة الثالثة عشرة تتعلق ببيان حالات ممارسة الاختصاص، وهي: الإحالة من قبل دولة طرف، والإحالة بواسطة مجلس الأمن، ومباشرة المدعي العام التحقيق من تلقاء نفسه. وتنصرف المادة الرابعة عشرة إلى الفرض الذي يتم فيه «إحالة حالة ما من قبل دولة طرف». ولكن، ثمة فرض آخر تمارس فيه المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها، وهو قبول دولة غير طرف في النظام الأساسي لاختصاص المحكمة «فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث»، بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة (المادة 12 البند الثالث). وبالتمعن في هذه المادة، يلاحظ أنها تستعمل لفظ «جريمة» لتحديد مضمون الإحالة. ومن ثم يثور التساؤل عما إذا كان للفظ «حالة» ذات مدلول لفظ «جريمة»، وهل كان من الأدق أن يستخدم النظام الأساسي لفظ «جريمة» عند الحديث عن سلطة مجلس الأمن في الإحالة ؟

        يرى بعض الفقه([20]) أن لفظ جريمة أدق من حيث حسن الصياغة التشريعية من لفظ حالة. ومع ذلك، فإن اللفظين يؤديان نفس المعنى وذات المدلول، وهو مجرد نزاع يثور فيه شك حول مدى وقوع جريمة مما تختص به المحكمة من عدمه. ومن ثم، يخلص القائل بهذا الرأي إلى أن لفظ حالة له نفس معنى جريمة، الأمر الذي يستلزم القول بأن مجلس الأمن يستشعر أن إحدى الجرائم التي تختص بها المحكمة قد ارتكبت، وهذا المعنى هو المقصود بعبارة «يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت»، وذلك من أجل تحديد ما إذا كان من الممكن توجيه الاتهام لشخص أو أكثر بارتكاب هذه الجرائم.

        غير أن فريقا آخر في الفقه([21]) يذهب إلى أن ثمة خطأ ماديا في المادة (12/3) الذي يتناول قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من قبل دولة غير طرف في حدود «الجريمة قيد البحث». فوفقا لهذا الرأي، يبدو أن اللفظ «جريمة» قد استخدم على سبيل الخطأ بواسطة أولئك الذين صاغوا هذا النص بوجه غير رسمي، بدلا من اللفظ «حالة» الذي تم استخدامه بصدد الإحالة من مجلس الأمن أو الدولة الطرف. وكان الغرض من هذا النص هو أن يكون للدولة غير الطرف الحق في إحالة «حالة»، والتي قد تشكل «جريمة» من الجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة. ولا يعتقد أن هذا الخطأ المادي الوارد في المادة (12/3) سوف يقود المحكمة إلى تفسير هذا النص على نحو مغاير للفظ «حالة» الوارد في المادتين اللاحقتين عليه. وبذلك، فإن كلمة «حالة» التي من الجائز إحالتها للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن أو الدولة الطرف، هي ذاتها المقصودة عند الإحالة من دولة غير طرف، وذلك على الرغم من استخدام لفظ جريمة في البند الثالث من المادة الثانية عشرة. فالأقرب إلى الظن والاحتمال في تفسير هذه المادة أن النية قد اتجهت إلى «حالة» تحدث جريمة تدخل ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة. وقيمة هذا الرأي أن القائل به هو رئيس لجنة الصياغة للمؤتمر الدبلوماسي الخاص بتحرير الاتفاقية الدولية المحتوية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدا أن مسودة نص المادة (12/3) كعمل تحضيري لم تتم صياغته بواسطة اللجنة التحضيرية وإنما وضعه قلة من المندوبين.

        وعلى هذا النحو، يبدو جليا أن استخدام لفظ «حالة» في المادة (13) الخاصة بحالات ممارسة الاختصاص كان مقصودا. فما هو المراد إذن بهذا المصطلح ؟

        وفي الإجابة على هذا التساؤل، يرى بعض الفقه([22]) أن اللفظ «حالة» لا يجوز تفسيره ذلك التفسير المحدود أو الضيق الذي يعني قيام نزاع بين مجموعة أو فرد أو وحدة عسكرية أو أن يفسر ليشير إلى حدث معين دون الرجوع إلى السياق العام للنص. وهذا المعنى المقصود للفظ «حالة» سوف يكون بالطبع مختلفا من واقعة إلى أخرى. فالحالة إذن هي النص الفعلي العام الذي يعتقد بموجبه أن جريمة داخلة في اختصاص المحكمة قد تم ارتكابها. ويعني ذلك أن مجلس الأمن لا يجوز له توجيه الاتهام ضد شخص معين، وبالتالي يصعب استخدام المحكمة كأداة سياسية قبل أي فرد.

        ونعتقد أن ثمة اختلافا في المدلول بين لفظ «حالة» ولفظ «جريمة». وليس أدل على ذلك من قراءة نص المادتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من النظام الأساسي، ولاسيما عبارة «حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت». إذ لا يمكن وضع كلمة «جريمة» محل كلمة «حالة» في هذه العبارة، وإلا صارت نشازا.

المطلب الرابع
شروط الإحالة

        عندما يحيل مجلس الأمن قضية أو حالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إنما يتصرف طبقا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وقد ورد النص على ذلك صراحة في المادة (13) البند (ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويرى بعض الفقه أن القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي بإحالة قضية أو حالة معينة إلى المحكمة الجنائية الدولية استنادا إلى أحكام الفصل السابع من الميثاق يندرج ضمن التدابير التي يتخذها المجلس بموجب المادة (41) للمحافظة على السلم والأمن الدولي، أي التدابير التي لا تشتمل على استخدام القوة العسكرية([23]).

        ويحمل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان». ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة عشر مادة (المواد من 39 إلى 51). إذ تخول أولى مواد الفصل المشار إليه لمجلس الأمن سلطة تحديد وجود أي تهديد للسلم الدولي أو وقوع عمل عدواني، ومن ثم يقدم التوصيات أو يحدد الإجراءات التي تتخذ استنادا إلى المادتين 41 و42 من الميثاق للمحافظة على السلم والأمن الدولي. وبناء على ذلك، يشترط في الحالة أو القضية التي يحيلها المجلس إلى المحكمة الجنائية الدولية أن تتضمن تهديدا للسلم والأمن الدولي([24]). ولعل هذا هو السبب وراء التأكيد في قرارات مجلس الأمن الصادرة بالإحالة على أن الحالة «لا تزال تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين»([25]).

        وعلى الرغم من استعمال مجلس الأمن العبارة سالفة الذكر، وبصفة خاصة اللفظ «لا يزال»، فإن ذلك لا يعني اشتراط أن يكون تهديد السلم والأمن الدولي مستمرا. وإنما يجوز أن يكون قد انتهى التهديد للسلم والأمن الدولي. المهم أن تكون الحالة وقت حدوثها قد شكلت تهديدا للسلم والأمن الدولي.   

        وبالإضافة إلى الشروط المتعلقة بالجريمة، يرى بعض الفقه([26]) أنه عند ممارسة مجلس الأمن لسلطة الإحالة، يجب أن يستند قراره إلى اعتبارات العدالة الجنائية الدولية، وألا يكون للاعتبارات السياسية دورا في هذا الشأن. 

المطلب الخامس
شكل الإحالة

        اختص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مجلس الأمن دون فروع الأمم المتحدة الأخرى وأناط به سلطة إحالة أي حالة للمدعي العام، يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت. ويعني ذلك أن هذا الحق يعد حقا استئثاريا وانفراديا لمجلس الأمن وحده دون غيره من الهيئات الدولية، سواء كانت فروعا في الأمم المتحدة أو في أية منظمة أخرى([27]).

        وتتم الإحالة وفقا للإجراءات المعمول بها عند صدور قرارات المجلس، والتي ورد النص عليها في المادة السابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة. ولما كانت الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية تندرج ضمن المسائل الموضوعية، لذا فإن قرار الإحالة يصدر بموافقة تسعة من أعضاء المجلس على أن يكون من بينهم أصوات الأعضاء الدائمين. وبصدور القرار على هذا النحو، يقوم رئيس المجلس باتخاذ الإجراءات اللازمة وإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يقوم بدوره بإخطار الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية([28]).

        وتجدر الإشارة إلى أن العمل في مجلس الأمن قد درج على إنشاء «لجنة تحقيق دولية»، تتولى فحص البلاغات والمعلومات التي يتحصل عليها المجلس، والتي تفيد وقوع انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وتنذر بوقوع جرائم خطيرة في المجتمع الدولي. وقد سار مجلس الأمن على هذا النهج عند إنشاء المحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، واستمر على ذات النهج عند استعمال سلطته في الإحالة المقررة بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة. ولعل أبرز مثال على ذلك هو إنشاء لجنة التحقيق الدولية بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في دارفور([29]). وهكذا، يسوغ القول بأن خطة مجلس الأمن تجري على مرحلتين: أولاهما، تكوين لجنة تحقيق دولية. وثانيتهما، الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إذا استبان للمجلس من تقرير اللجنة وقوع انتهاكات للقوانين آنفة الذكر([30]).

        ويرى بعض الفقه([31]) أن خطة مجلس الأمن في تكوين لجنة تحقيق دولية عن انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان لا تستند إلى نصوص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث لم يرد بهذه المواد ذكر لهذه اللجنة. وإنما يمكن أن تندرج ضمن التدابير التي يملكها مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدوليين، وتستند بالتالي – على حد قوله – إلى المادة (41) البند الأول التي تخول لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، والمادة (49) الخاصة بتضافر أعضاء الأمم المتحدة على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير التي قررها مجلس الأمن.

        ونعتقد أن قيام مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية قبل استعمال سلطته في الإحالة، إنما يستند إلى المادة (29) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تخول «لمجلس الأمن أن ينشىء من الفروع الثانوية ما يرى له ضرورة لأداء وظائفه». واستنادا إلى نص هذه المادة، وإلى النصوص الأخرى الواردة في النظام الداخلي المؤقت له، قام مجلس الأمن بإنشاء العديد من اللجان اللازمة لمساعدته في أداء وظائفه([32]). وهذه اللجان قد تكون دائمة، وقد تكون مؤقتة لأداء مهام خاصة بحيث ينتهي دورها بانتهاء الغرض من إنشائها. ومن أمثلة هذا النوع الثاني من اللجان، نذكر لجنة الأمم المتحدة لاندونيسيا التي أنشأها المجلس سنة 1949م لتسوية النزاع الهولندي الاندونيسي. وقد انتهى وجود هذه اللجنة بصدور قرار مجلس الأمن في الثالث من أبريل سنة 1951م. ومن أمثلتها أيضا اللجنة الخاصة بناميبيا، والتي انتهى دورها بعد استقلال هذه الدولة وانضمامها إلى الأمم المتحدة في عام 1990م. ويمكن إدراج لجان التحقيق الدولية التي ينشؤها المجلس قبل استعمال سلطته في الإحالة ضمن هذه اللجان المؤقتة.             

المطلب السادس
آثار الإحالة

§1. أثر الإحالة على سلطة المدعي العام في تقدير جدية التحقيق
        ينعقد إجماع الفقه([33]) على أن إحالة حالة معينة عن طريق مجلس الأمن، شأنها في ذلك شأن الإحالة عن طريق الدول الأطراف في النظام الأساسي، لا تمثل التزاما على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمباشرة إجراءات التحقيق في الجريمة موضوع الإحالة، وإنما تظل للمدعي العام سلطة تقدير البدء في الإجراءات من عدمه. وبعبارة أخرى، فإن الإحالة من مجلس الأمن لا تلزم المدعي العام بمباشرة التحقيق، بل يجوز له ألا يباشر التحقيقات إذا اقتنع أن الإحالة استندت إلى معلومات غير صحيحة أو أدلة تافهة أو كانت مبنية على أهواء سياسية أو افتراضات غير واقعية.  

فوفقا للمادة (53) البند الأول من النظام الأساسي، «يشرع المدعي العام في التحقيق، بعد تقييم المعلومات المتاحة له، ما لم يقرر عدم وجود أساس معقول لمباشرة إجراء بموجب هذا النظام الأساسي. ولدى اتخاذ قرار البدء في التحقيق، ينظر المدعي العام في: (أ) ما إذا كانت المعلومات المتاحة توفر أساسا معقولا للاعتقاد بأن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو يجري ارتكابها. (ب) ما إذا كانت القضية مقبولة أو يمكن أن تكون مقبولة بموجب المادة 17. (ج) ما إذا كان يرى، آخذا في اعتباره خطورة الجريمة ومصالح المجني عليهم، أن هناك مع ذلك أسبابا جوهرية تدعو إلى الاعتقاد بأن إجراء تحقيق لن يخدم مصالح العدالة. فإذا قرر المدعي العام عدم وجود أساس معقول لمباشرة إجراء، وأن قراره يستند فحسب إلى الفقرة الفرعية ج السابقة، كان عليه أن يبلغ الدائرة التمهيدية بذلك». وهذا النص عام، يسري على الفرض الذي تكون فيه الإحالة إلى المدعي العام من قبل الدول الأطراف في النظام الأساسي، كما يسري على الإحالة من مجلس الأمن.

وعلى هذا النحو، فإن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يملك – وفقا للنظام الأساسي – سلطة تقدير جدية «الحالة»، وما إذا كانت تتوافر لها أسبابا معقولة تجعلها جديرة بالتحقيق من عدمه. وإذا انتهى المدعي العام إلى عدم وجود أساس كاف للمقاضاة أو أن المقاضاة لن تخدم مصالح العدالة، وجب عليه أن يبلغ الدائرة التمهيدية ومجلس الأمن بالنتيجة التي انتهى إليها والأسباب التي بنى عليها رأيه([34]). ويجوز لمجلس الأمن أن يطلب من الدائرة التمهيدية مراجعة قرار المدعي العام بعدم مباشرة إجراء، وللدائرة التمهيدية أن تطلب من المدعي العام إعادة النظر في ذلك القرار. ويجوز للدائرة التمهيدية من تلقاء نفسها – ودون حاجة إلى طلب من مجلس الأمن – مراجعة قرار المدعي العام بعدم مباشرة إجراء، إذا كان هذا القرار يستند فحسب إلى أن إجراء التحقيق والمقاضاة لن يخدم مصالح العدالة. وفي هذه الحالة الأخيرة، لا يصبح قرار المدعي العام نافذا إلا إذا اعتمدته الدائرة التمهيدية([35]).

أما إذا ارتأى المدعي العام وجود أساس معقول لمباشرة التحقيق، ورأي بعد الشروع في التحقيق ضرورة القبض على أحد الأشخاص، فإن أمر القبض أو الحضور لا يصدر سوى من الدائرة التمهيدية بناء على طلب المدعي العام. وتصدر الدائرة التمهيدية أمر القبض بعد فحص الطلب والأدلة أو المعلومات الأخرى المقدمة من المدعي العام، متى قدرت وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة وأن القبض على هذا الشخص يبدو ضروريا لضمان حضوره أمام المحكمة أو لضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيق أو إجراءات المحكمة أو تعريضهما للخطر أو لمنع الشخص من الاستمرار في ارتكاب تلك الجريمة أو لمنع ارتكاب جريمة ذات صلة بها تدخل في اختصاص المحكمة وتنشأ عن الظروف ذاتها([36]).   

وهكذا، نخلص إلى أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يملك سلطة تقدير جدية الحالة المحالة من مجلس الأمن. ويخضع تقدير المدعي العام للمراجعة القانونية من قبل دائرة مكونة من ثلاثة قضاة طبقا للمادة (61)، ولمراجعة نهائية من دائرة الاستئناف بموجب المادة (82). وتكون هذه المراجعة القانونية على درجتين يتكونان في مجملهما من ثمانية قضاة لضمان تكامل العملية القانونية([37]).

§2. أثر الإحالة على مبدأ التكامل
        المحكمة الجنائية الدولية نظام تكميلي للقضاء الوطني. فالمحكمة ليست في مرتبة أعلى أو ذات سيادة على الدول الأعضاء بها، كما أنها ليست بدرجة أعلى أو مرحلة أسمى من مراحل التقاضي في النظم القضائية الوطنية، بل هي قضاء تكميلي لا ينعقد له الاختصاص ما دام القضاء الوطني قادرا وراغبا في التحقيق ومحاكمة المشتبه بهم([38]). وفي تعبير آخر، يكون للقضاء الجنائي الوطني الأولوية دائما على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولا تستطيع المحكمة ممارسة اختصاصها إلا عند انهيار النظام القضائي الوطني أو عند رفض أو فشل القضاء الوطني في القيام بالتزاماته القانونية([39]). ومن ثم، يثور التساؤل عما إذا كان يترتب على الإحالة من مجلس الأمن إلى المدعي العام عدم استطاعة المحاكم الوطنية بعد ذلك ممارسة ولايتها القضائية في شأن الجريمة محل الإحالة، أم أن مبدأ التكامل يبقى واجب التطبيق على الرغم من لجوء مجلس الأمن إلى استعمال سلطته في الإحالة.

        وفي الإجابة على هذا التساؤل، يرى بعض الفقه([40]) أن الإحالة من مجلس الأمن إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من شأنها أن تعطل أية مبادرة تقوم بها المحاكم الوطنية في ممارسة اختصاصها بشأن الحالة موضوع الإحالة. وبعبارة أخرى، فإن مجلس الأمن يبقى «صاحب القرار النهائي من حيث طلبه الإحالة، وذلك لحقه في اللجوء إلى إلزام الدول غير الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة والأعضاء في منظمة الأمم المتحدة من عدم مباشرتها اختصاصها الجنائي، تجاه بعض القضايا لصالح المحكمة الجنائية، أو أية جهة قضائية وذلك استنادا إلى مواد الفصل السابع من الميثاق، الذي يصبح هو المقيد أو الضابط لمبدأ التكاملية. وقد يذهب الوضع إلى أبعد من ذلك، حيث إنه من الناحية القانونية والعملية ليس من حق المحكمة الجنائية أن ترفض طلب المجلس إذا تأكد لديها أن الدولة قامت فعلا بكل إجراءات التحقيق والبحث والمحاكمة وليس لها أن تصرح عمليا بعدم قبول الحالة، في حالة اعتبار مجلس الأمن أن الدولة غير قادرة، وبالتالي لمجلس الأمن أن يلزم المحكمة بالنظر في الحالة، حتى وان سبق للدولة الفصل في القضية ومحاكمة مرتكبي الفعل المجرم بحكم اختصاصها الوطني، ذلك لأن الدول، في هذه الحالات، "ملزمة بالخضوع لقرارات مجلس الأمن، طبقا لنصوص الفصل السابع، وأكثر من ذلك طبقا لنص المادة 25 من الميثاق وهذا المر لا يمنع المحكمة من التحقق من وجود عناصر التكاملية، طبقا لنظامها الأساسي إلا في حالة اعترافها الصريح بتطبيق المادة 103 من الميثاق من طرفها على الدول الأعضاء في نظامها الأساسي وخاصة على الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وبتطبيق المادة 48 من الميثاق". وزيادة على ما سبقت الإشارة إليه ولتأكيد مدى قوة وهيمنة وأولوية مجلس الأمن، يمكن التذكير بأن مجلس الأمن،له أن يضع التزامات مباشرة على عاتق المؤسسات الدولية والعالمية والإقليمية أو الخاصة، مثل المحكمة الجنائية الدولية، وهذا كله من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وفي المقابل، وإذا أرادت الدول أن تقف في وجه طلب مجلس الأمن فلها أن تقوم بمفردها وبإرادتها بإحالة المتهمين إلى القضاء الدولي أو معاقبتهم داخليا أو أن تبلغ المحكمة الجنائية عن طريق النائب العام بمثل هذه الجرائم. وفي نفس الوقت، وحتى تتجنب تدخل المجلس بالإحالة ضد إرادتها، فما عليها إلا أن تنضم إلى النظام الأساسي للمحكمة بالتوقيع والتصديق عليه وهكذا تباشر المحكمة اختصاصها عن طريق الدولة الطرف في النظام الأساسي أو التي قبلت اختصاصها»([41]).  

ويستند هذا الرأي – كما هو واضح – إلى أن مجلس الأمن يتصرف هنا بموجب الفصل السابع من الميثاق وليس بمقتضى نظام روما الأساسي. ووفقا للمادة (103) من ميثاق الأمم المتحدة، «إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق». ويعني هذا النص أن ميثاق الأمم المتحدة يسمو – من الناحية القانونية – على غيره من الاتفاقيات الدولية([42]).

§3. دور المجلس إزاء الامتناع عن التعاون مع المحكمة
        يكرس النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الباب التاسع منه للأحكام الخاصة بالتعاون الدولي والمساعدة القضائية (المواد 86- 102). كذلك، يحرص مجلس الأمن – في قرارات الإحالة – على تقرير التزام جميع الدول المعنية بالتعاون الكامل مع المحكمة. فعلى سبيل المثال، ينص البند الثاني من قرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005م بشأن دارفور على أن «تتعاون حكومة السودان وجميع أطراف الصراع الأخرى في دارفور تعاونا كاملا مع المحكمة والمدعي العام وأن تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة، عملا بهذا القرار، وإذ يدرك أن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي لا يقع عليها أي التزام بموجب النظام الأساسي، يحث جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى المعنية على أن تتعاون تعاونا كاملا».

ولما كانت حكومة السودان قد أعلنت – مرارا وتكرارا – أنها لن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ولن تسلم أيا من مواطنيها إلى المحكمة، لذا فإن التساؤل يثور عن دور مجلس الأمن في حالة امتناع دولة طرف، أو عدم امتثال دولة غير طرف لطلبات التعاون المقدمة من المحكمة إذا كان المجلس هو الذي أحال الحالة إليها.

والواقع أن المادة (87) من النظام الأساسي قد تكفلت ببيان الحكم القانوني في هذه الحالة. ففيما يتعلق بالدول غير الأطراف، ينص البند الخامس من المادة آنفة الذكر على أن «للمحكمة أن تدعو أي دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في هذا الباب على أساس ترتيب خاص أو اتفاق مع هذه الدولة أو على أي أساس مناسب آخر. في حالة امتناع دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي، عقدت ترتيبا خاصا أو اتفاقا مع المحكمة، عن التعاون بخصوص الطلبات المقدمة بمقتضى ترتيب أو اتفاق من هذا القبيل، يجوز للمحكمة أن تخطر بذلك جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة». أما فيما يتعلق بالدول الأطراف، فإن البند السابع من ذات المادة ينص على أنه «في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام، يجوز للمحكمة أن تتخذ قرارا بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن إذا كان المجلس قد أحال المسألة إلى المحكمة».

وغني عن البيان أن الغاية من ذلك الإخطار تمكين مجلس الأمن من ممارسة دوره الرقابي الذي يخوله فرض تدابير عقابية على الدولة الممتنعة عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وقيام مجلس الأمن بفرض هذه التدابير يستند أساساً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصا المادة (39) التى تخول المجلس سلطة فرض العقوبات لحفظ السلم والأمن الدولي. ولا شك أن عدم امتثال دولة ما لطلبات التعاون المقدمة من المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يشكل تهديداً للسلم والأمن الدولي، على اعتبار أن الجرائم الداخلية في اختصاص المحكمة تعد - كما ورد في ديباجة النظام الأساسي - من الجرائم الدولية الخطيرة التي تثير قلق المجتمع الدولي، وتهديد السلم والأمن الدولي. وفيما يتعلق بماهية التدابير العقابية التي يجوز لمجلس الأمن فرضها في حالة عدم التعاون من جانب الدول الأطراف أو غير الأطراف مع المحكمة في الفرض الذي نحن بصدده أي في - حالة ما إذا كان المجلس قد أحال الحالة إلى المدعي العام للمحكمة، يلاحظ أن النظام الأساسي للمحكمة لم يتضمن نصاً خاصاً يتعلق بتحديد هذه التدابير. وإزاء ذلك، ليس ثمة من سبيل سوى الرجوع إلى القاعدة العامة، ونعني بذلك المادة (39) من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على التدابير الوقائية التي يجوز للمجلس فرضها لحفظ السلم والأمن الدوليين وقمع العدوان، وهي تدابير تتنوع لتشمل تدابير غير عسكرية كالعقوبات الاقتصادية، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وكذلك تدابير عسكرية قد تصل إلى حد استعمال القوة المسلحة([43]).  

§4. عدم تحمل الأمم المتحدة نفقات المحاكمة
        إذا كانت الإحالة صادرة من مجلس الأمن، فإن التساؤل يثور عمن يتحمل نفقات التحقيق والمحاكمة، وما إذا كانت هيئة الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية.

وفي الإجابة على هذا التساؤل، فإن الآراء التي يمكن تصورها لا تخرج عن ثلاثة: (الأول) تحمل الأمم المتحدة نفقات التحقيق والمحاكمة، باعتبار أن المجلس يتصرف في هذه الحالة بموجب الفصل السابع من الميثاق، ولأن الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تندرج ضمن التدابير غير العسكرية التي يتخذها مجلس الأمم للمحافظة على السلم والأمن الدولي. (الثاني) أن المحكمة الجنائية الدولية ذاتها هي التي تتحمل نفقات المحاكمة. ويشفع لهذا الرأي أن الأمر يتعلق بجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة، ولا يهم نوع الجهة التي قامت بالإحالة، فيستوي أن تكون دولة طرف أو مجلس الأمن أو أن المدعي العام للمحكمة قد باشر التحقيق من تلقاء نفسه. فلا يجوز التفرقة بين ما إذا كانت الإحالة قد صدرت عن مجلس الأمن أو عن دولة طرف، والقول بتحمل الأمم المتحدة نفقات المحاكمة إذا كانت الإحالة صادرة عن مجلس الأمن. (الثالث) التفرقة بين ما إذا كانت الحالة موضوع الإحالة تتعلق بدولة طرف ووقعت في تاريخ لاحق على نفاذ النظام الأساسي للمحكمة، وبين ما إذا كانت الحالة تتعلق بدولة غير طرف دون أن تكون هذه الدولة قد قبلت اختصاص المحكمة بنظرها. ففي الفرض الثاني، يترتب على الإحالة الصادرة عن مجلس الأمن مد اختصاص المحكمة إلى وقائع لا يجوز للمحكمة نظرها إلا بناء على هذه الإحالة. ولذلك، يغدو من السائغ عقلا ومنطقا القول بتحمل هيئة الأمم المتحدة نفقات المحاكمة. أما في الفرض الأول، فإن المحكمة ذاتها هي التي تتحمل نفقات المحاكمة.

هذه هي الآراء المتصورة نظريا. ولكن في الواقع العملي، وبالإطلاع على قرار مجلس الأمن بشأن إحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يلاحظ أن البند السابع من هذا القرار ينص على أن المجلس «يسلم بأنه لا يجوز أن تتحمل الأمم المتحدة أية نفقات متكبدة فيما يتصل بالإحالة، بما فيها النفقات المتعلقة بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية فيما يتصل بتلك الإحالة، وأن تتحمل تلك التكاليف الأطراف في نظام روما الأساسي والدول التي ترغب في الإسهام فيها طواعية».

خاتمة

        تناولنا في هذا البحث موضوع «سلطة مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية». وقد رأينا من خلال الدراسة أن هذه السلطة قد ورد النص عليها في المادة الثالثة عشرة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

والواقع أن موضوع العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية لم يكن محل اتفاق بين وفود الدول التي شاركت في مؤتمر روما الدبلوماسي للمفوضين بشأن إنشاء المحكمة الجنائية (روما 1998م)، بل كانت محل جدل كبير فيما بينها. وقد دفع ذلك بعض الدول لاحقاً إلى عدم التوقيع على نظام روما الأساسي، أو عدم التصديق عليه حتى الآن.
ويرجع هذا الخلاف إلى أن بعض الدول، وفي مقدمتها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ترى أن العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن كما هي موضحة في نظام روما ليست بدعاً، بل هي تطبيق لسلطة المجلس كما هي محددة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنحه سلطات واسعة ومطلقة في مجال استعادة وبقاء السلام وحفظ الأمن.
غير أن فريقاً آخر من الدول التي شاركت في مؤتمر روما، كان يشكك في مصداقية مجلس الأمن ويرى أن منح المجلس كل هذه الحقوق، وإعطائه السلطات الواردة بمشروع إنشاء المحكمة – آنذاك – من شأنه أن يؤدي إلى تسييس المحكمة الجنائية الدولية، بالتالي يؤثر عليها سلباً باعتبارها أداة للعدالة الجنائية الدولية.

وعلى أية حال، فقد تم إقرار حق مجلس الأمن في الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وتتميز سلطة مجلس الأمن في هذا الشأن عن سلطة الدول الأطراف في الإحالة وعن حق المدعي العام في مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه. إذ أن مجلس الأمن وحده يملك الإحالة، ولو كانت الحالة موضوع الإحالة تتعلق بدولة غير طرف في النظام الأساسي. والمأمول هو أن يبتعد مجلس الأمن في ممارسة هذه السلطة عن الإعتبارات السياسية، وأن يكون رائده وهدفه فعلا هو إقامة العدالة الجنائية الدولية.  



[1])) تنص المادة 126 من النظام الأساسي للمحكمة على أن «يبدأ نفاذ هذا النظام الأساسي في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع الصك الستين للتصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة».
([2]) راجع: د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، بدون دار نشر، 2002م، تقديم الطبعة الثالثة.
[3])) د. حازم محمد عتلم، نظم الادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية، بحث مقدم إلى ندوة «المحكمة الجنائية الدولية: تحدي الحصانة»، والتي نظمتها كلية الحقوق – جامعة دمشق بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في الفترة من 3- 4 نوفمبر سنة 2001م، إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدمشق، سنة 2002م، ص 192.
([4]) Voir: M. HENZELIN, La Cour pénale internationale: organe supranational ou otage des Etats?, RPS, 2001, p. 233.
)[5] (M. POLITI, Le statut de Rome de la Cour pénale internationale, RGDIP, 1999, p. 839.
[6])) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، رقم 116، ص 197.
[7])) راجع: د. سوسن تمر خان بكة، الجرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 2004م، ص 123. راجع أيضا:
F. LATTANZI, Compétence de la Cour pénale internationale et consentement des Etats, RGDIP, 1999, p. 440.
[8])) د. محمد هاشم ماقورا، علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن، بحث منشور على موقع وزارة العدل الليبية على شبكة الانترنت، في العنوان التالي: (www.aladel.gov.ly).
[9])) راجع: المادة 126 من النظام الأساسي.
([10]) د. محمد هاشم ماقورا، علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن، سابق الإشارة إليه.
[11])) د. علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي. أهم الجرائم الدولية، المحاكم الدولية الجنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الأولى، 2001م، ص 330.
([12]) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، رقم 46، ص 165؛ د. شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004م، ص 158؛ د. محمد هاشم ماقورا، علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن، بحث منشور على موقع وزارة العدل الليبية على شبكة الانترنت، في العنوان التالي: (www.aladel.gov.ly).
[13])) راجع: قرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005م، الصادر في جلسة المجلس رقم 5158 بتاريخ 31 مارس 2005م.
[14])) يشهد تاريخ الأمم المتحدة حالة انسحاب واحدة، وتتعلق بدولة إندونيسيا.
[15])) تنص المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه «إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادىء الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن».
[16])) د. محمد سامي عبد الحميد، قانون المنظمات الدولية، الأمم المتحدة، منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة التاسعة، 2000م، رقم 20، ص 86 وما بعدها؛ د. أشرف عرفات أبو حجازة، الوسيط في قانون التنظيم الدولي، المرجع السابق، ص 379.
([17]) د. إبراهيم أحمد شلبي، التنظيم الدولي، المرجع السابق، ص 199.
[18])) راجع في ذات الاتجاه: د. إبراهيم محمد العناني، التنظيم الدولي، النظرية العامة والأمم المتحدة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982م، ص 192 و193.
([19]) «A situation in which one or more of such crimes appears to have been committed is referred to the prosecutor by the Security Council acting under Chapter VII of the Charter of the United Nations».
[20])) د. محمد حنفي محمود، جرائم الحرب أمام القضاء الجنائي الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006م، رقم 66، ص 90 و91.
([21]) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، رقم 50، ص 166 و167.
[22])) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، رقم 48 و49، ص 166.
[23])) د. مدوس فلاح الرشيدي، آلية تحديد الاختصاص وانعقاده في نظر الجرائم الدولية وفقا لاتفاق روما لعام 1998: مجلس الأمن الدولي، المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد الثاني، يونيو 2003م، ص 19.
[24])) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، رقم 46، ص 165.
([25]) راجع: قرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005م بشأن إحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
([26]) د. شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، ص 159.
([27]) د. محمود حنفي محمود، جرائم الحرب أمام القضاء الجنائي الدولي، المرجع السابق، رقم 70، ص 95.
[28])) د. بن عامر تونسي، العلاقة بين المحكمة الجنائية ومجلس الأمن، مقال سابق الإشارة إليه، ص 1155 و1156.
([29]) راجع: قرار مجلس الأمن رقم 1564 لسنة 2004م، الصادر في جلسة المجلس رقم 5040، المنعقدة بتاريخ 18 أيلول/ سبتمبر 2004م. إذ ينص البند الثاني عشر من هذا القرار على أن «يطلب إلى الأمين العام أن يقوم على وجه السرعة بإنشاء لجنة تحقيق دولية تضطلع فورا بالتحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف في دارفور، ولتحدد أيضا ما إذا كانت وقعت أعمال ابادة جماعية، وتحديد هوية مرتكبي تلك الانتهاكات لكفالة محاسبة المسؤولين عنها، ويدعو جميع الأطراف إلى التعاون التام مع تلك اللجنة،...». وجدير بالذكر أن اللجنة قدمت تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 25 يناير 2005م، وخلص إلى التوصية بتطبيق المادة 13/ب من النظام الأساسي، وبالتالي قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. 
([30]) ولعل ذلك يبدو جليا في ديباجة قرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005م بشأن إحالة الوضع القائم في دارفور منذ أول يوليو 2002م إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. إذ يشير صدر الديباجة إلى احاطة المجلس علما بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في دارفور (S/2005/60).  
([31]) د. محمد حنفي محمود، جرائم الحرب أمام القضاء الجنائي الدولي، المرجع السابق، رقم 73، ص 97 و98.
([32]) راجع: المادة 28 من النظام الداخلي المؤقت لمجلس الأمن.
([33]) راجع: د. شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، ص 159؛ د. محمد هاشم ماقورا، علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن، بحث منشور على موقع وزارة العدل الليبية على شبكة الانترنت، في العنوان التالي: (www.aladel.gov.ly).
[34])) تنص المادة 53 البند الثاني من النظام الأساسي على أنه «إذا تبين للمدعي العام بناء على التحقيق أنه لا يوجد أساس كاف للمقاضاة: أ- لأنه لا يوجد أساس قانوني أو وقائعي كاف لطلب إصدار أمر قبض أو أمر حضور بموجب المادة 58 أو؛ ب- لأن القضية غير مقبولة بموجب المادة 17 أو؛ ج- لأنه رأى بعد مراعاة جميع الظروف بما فيها مدى خطورة الجريمة ومصالح المجني عليهم وسن أو اعتلال الشخص المنسوب إليه الجريمة أو دوره في الجريمة المدعاة أن المقاضاة لن تخدم مصالح العدالة: وجب عليه أن يبلغ الدائرة التمهيدية والدولة المقدمة للإحالة بموجب المادة 14 أو مجلس الأمن في الحالات التي تندرج في إطار الفقرة ب من المادة 13 بالنتيجة التي انتهى إليها والأسباب التي ترتبت عليها هذه النتيجة».
([35]) تنص المادة 53 البند الثالث من النظام الأساسي على أنه «أ- بناء على طلب الدولة القائمة بالإحالة بموجب المادة 14 أو طلب مجلس الأمن بموجب الفقرة ب من المادة 13، يجوز للدائرة التمهيدية مراجعة قرار المدعي العام بموجب الفقرة 1 أو 2 بعدم مباشرة إجراء ولها أن تطلب من المدعي العام إعادة النظر في ذلك القرار. ب- يجوز للدائرة التمهيدية بالإضافة إلى ذلك وبمبادرة منها مراجعة قرار المدعي العام بعدم مباشرة إجراء إذا كان القرار يستند فحسب إلى الفقرة 1/ج أو 2/ج ، في هذه الحالة لا يصبح قرار المدعي العام نافذا إلا إذا اعتمدته الدائرة التمهيدية».
([36]) راجع: المادة 58 من النظام الأساسي.
([37]) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، رقم 49، ص 166.
([38]) راجع: المواد 1، 17، 18 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
([39]) د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق، ص 144 و145.
[40])) د. محمد هاشم ماقورا، علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن، سابق الإشارة إليه.
([41]) د. بن عامر تونسي، العلاقة بين المحكمة الجنائية ومجلس الأمن، مقال سابق الإشارة إليه، ص 1154 و1155.
([42]) Voir: P. IOANNIS, La justice pénale internationale à l'épreuve du maintien de la paix, à propos de la relation entre la cour pénale et le conseil de sécurité, RBDI, éd. Bruylant, Bruxelles, 2006, p. 75 et s.
[43])) د. محمد هاشم ماقورا، حق مجلس الأمن في وقف إجراءات التحقيق والمحاكمة بالمحكمة الجنائية، مقال منشور في موقع وزارة العدل الليبية على شبكة الانترنت، في العنوان التالي: (www.aladel.gov.ly).

ليست هناك تعليقات