المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

مدى ملاءمة التشريعات والقوانين في الجماهيرية الليبية للخدمات المالية الإسلامية

مدى ملاءمة التشريعات والقوانين في الجماهيرية الليبية للخدمات المالية الإسلامية     بحث مقدم لورشة العمل التدريبية حول المص...




مدى ملاءمة التشريعات والقوانين في الجماهيرية الليبية
للخدمات المالية الإسلامية
  
بحث مقدم
لورشة العمل التدريبية
حول المصارف الليبية والصيرفة الإسلامية
طرابلس من 7 – 10 / 6 / 2009 م .

إعداد  الدكتور

جمعة محمود الزريقي
المستشار بالمحكمة العليا
وأستاذ جامعي



بسم الله الرحمن الرحيم


         أخذت ليبيا بالنظام الليبرالي الغربي عقب استقلالها عن دولة إيطاليا الاستعمارية وعلى ذلك كانت تشريعاتها الأولى عقب سنة 1952 م تسير في هذا الاتجاه ، غير أنه بعد قيام الثورة في سبتمبر 1969 م بدأت تتجه نحو الاقتصاد الاشتراكي ، وفي نفس الوقف شرعت في تعديل التشريعات الصادرة عقب الاستقلال بما يوافق الشريعة الإسلامية ، ولدراسة مدى ملاءمة التشريعات القائمة للخدمات المالية الإسلامية ، نقسم هذه الدراسة إلى ثلاث مباحث : -

المبحث الأول : اتجاه المشرع الليبي إلى الأخذ بالشريعة الإسلامية في تقنين المعاملات .

المبحث الثاني : موقف التشريعات القائمة من الخدمات المالية الإسلامية .

المبحث الثالث :  الخطوات التنفيذية لإنشاء المصارف الإسلامية .



                              المبحث الأول : اتجاه المشرع الليبي
                        إلى الأخذ بالشريعة الإسلامية في تقنين المعاملات

      أثناء تبعية ليبيا لدولة الخلافة العثمانية تم تطبيق مجلة الإحكام العدلية الصادرة سنة 1293 هـ ( 1876 م ) على المعاملات المدنية بين السكان ، رغم أنها وجدت معارضة من القضاة والمفتين لأنها جاءت بنصوص قانونية مصاغة في شكل مواد خالية من الأدلة ، ويعود ذلك إلى اعتبار أن التقنين في حد ذاته أمر مستحدث لم يكن معروفا في السابق ( 1 ) وأثناء الاستعمار الإيطالي تم تطبيق القانون المدني الإيطالي على سكان ليبيا من قبل المحاكم المدنية ، وما إن استقلت البلاد سنة 1951 م ، حتى استعانت  بالشقيقة مصر في وضع تشريعاتها ، فكان من بينها القانون المدني الذي صدر بتاريخ 28/11/1953 م .

     وقد ساهم في إعداد هذا القانون الفقيه القانوني المشهور الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله ، الذي قال عنه : صدر التقنين المدني الليبي ، وهو كأخيه التقنين المدني السوري لا تكاد توجد فروق بينه وبين التقنين المدني المصري (2) غير أن هذا التشابه لم يمنع من وجود فروق بين التشريعين ، ذلك أن القانون المدني الليبي جعل الشريعة الإسلامية هي المصدر الثاني في التطبيق وقدمها على العرف إذا لم يجد القاضي النص القانوني الذي يطبقه على الواقعة المعروضة ، بينما تأتي بعد العرف في القانون المدني المصري ، وتم تبرير ذلك بأن المجتمع الليبي لا توجد به أقليات غير إسلامية ، عكس الحال في مصر حيث توجد فيها مثل هذه الأقليات المسيحية ، ولكن هذا الفارق لا يغير من حقيقة كون القانون المدني المصري الذي وضع سنة 1948 م يرجع في أصوله التاريخية إلى مدونة نابليون الصادرة عام 1804 م (3) .

    لا يخلو القانون المدني الليبي عند صدوره سنة 1953 م من وجود نصوص تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، منها مثلا التزامات الجوار المنصوص عليها في المادة 816 ، وأحكام العلو والسفل المنصوص عليها في المادتين 863 – 864 ، وأحكام الشفعة المنصوص عليها في المواد
939 – 952 ، وأحكام المغارسة المنصوص عليها في المواد 1003 – 1012 ، وهذه الأخيرة لا يوجد لها نظير في القانون المدني المصري ، وأحكام المزارعة والمساقاة ، فقد نص عليهما المشرع الليبي في أحكام عقد الإيجار ، ولكنه نص عليهما أيضا في الحقوق العينية (4) إلى غير ذلك من القواعد التي تعود إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، والتي تعتبر من البداية تقنينا لها منذ صدور القانون المدني الليبي ، إلا أن ذلك لا يعني أن كافة أحكامه مطابقة للشريعة الإسلامية فقد نقلها المشرع عن القانون المدني المصري المتأثر بالقانون الفرنسي كما سبق القول ، الأمر الذي جعل المشرع الليبي  يتدخل بتعديل الكثير من أحكام القانون المدني لكي يوافق الشريعة الإسلامية في أحكامها ،  وهذا ما سنبحثه فيما يلي : -
    إن أهم التعديلات التي تمت في القانون المدني الليبي لتنقيح نصوصه بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، هي : القانون رقم 74 لسنة 1392هـ / 1972 م بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية ، والقانون رقم 86 لسنة 1392 هـ / 1972 م في شأن تحريم بعض عقود الغرر في القانون المدني ، والقانون رقم 38 لسنة 1977 م بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية ، بعد أن قدمتها اللجنة العليا لمراجعة التشريعات المعمول بها واقتراح تعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية ، وندرس ذلك في المطالب التالية : -.





المطلب الأول : تحريم الربا في القانون المدني
بالقانون رقم 74 لسنة 1972 م بتحريم ربا النسيئة
في المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين ( الأفراد )
وبتعديل بعض أحكام القانون المدني والقانون التجاري

    جاء في ديباجة القانون الذي أصدره مجلس قيادة الثورة بتاريخ  27 ربيع الآخر 1392 هـ  الموافق  9 /6/1972 م : نزولا على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، واستجابة لرغبة الشعب العربي المسلم في الجمهورية العربية الليبية ، وهو ما يدل على أن هذا التشريع هو تقنين لأحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بتحريم الربا ،  يتكون هذا القانون من عشر مواد ، نصت المادة الأولى على أن [ يحرم التعامل بربا النسيئة في جميع أنواع المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين ، ويعتبر باطلا بطلانا مطلقا كل شرط ينطوي على فائدة ربوية صريحة أو مستترة ، وتعتبر من قبيل الفائدة المستترة كل عمولة أو منفعة أيا كان نوعها يشترطها الدائن إذا ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها منفعة أو خدمة حقيقية مشروعة يكون الدائن قد أداها ]  ثم نصت بقية المواد على التعديلات المقررة في القانون المدني والقانون التجاري  مع النص على بعض الأحكام اللازمة لذلك .
       جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون : أن اللجنة المكلفة بتقديم المشروع استعرضت أحكام كل من القانونين المدني والتجاري ، فبان لها أن نصوصهما تتضمن أحكاما تتعلق بالربا المنهي عن التعامل به شرعا ، فكان لا بد لها من العمل على تخليص القانونين المذكورين مما يصادم شريعة الله وتطهير أحكامهما منه ، وبدأت بإلغاء ما يسمى بربا الجاهلية وهو الربا الجلي أو الربا الكامل أو ربا النسيئة ، وهو نوع من الربا لا خلاف على تحريمه شرعا . . على أن هذا التعديل قد اقتصر في المشروع الحالي على المعاملات المدنية والتجارية فيما بين الأفراد الطبيعيين دون المعاملات فيما بين الأشخاص المعنوية بعضها البعض ، كالمؤسسات والهيئات
العامة ، أو فيما بينها وبين الأفراد . . . فنظرت في أحكام القانون المدني والتجاري التي تجيز الربا بين الأفراد في معاملاتهم ، وعمدت إلى تحريمه وتعديل القانون بما يسد الطريق إليه ، أما الربا الذي قد يتلبس بمعاملات المصارف والبيوت المالية ، فقد أرجأت اللجنة بحثه حتى تستكمل عناصر البحث فيه تحريا للدقة في العمل ، واعتبارا بما قد يسببه تغيير العمل في هذه المصارف فجأة من ضرر . . (5).
   يلاحظ أن تحريم ربا النسيئة الذي قرره المشرع الليبي وقام بإلغاء النصوص التي تقره في القانون المدني والقانون التجاري إنما اقتصر على المعاملات التي تتم بين الأشخاص الطبيعيين دون المعاملات التي تتم بينهم وبين المصارف أو غيرها من المؤسسات والأشخاص المعنوية وفي ذلك تقول المحكمة العليا : أما عن نصوص القانونين المدني والتجاري التي تبيح التعامل بالفوائد بين الأشخاص المعنوية بعضها لبعض ، أو فيما بينها وبين الأفراد ، فإن القانون رقم 74 لسنة 1972 م لم يتعرض لها ، وهي نصوص سابقة ، ولا زالت موضع دراسة من المشرع للتوصل إلى رأي نهائي في شأن تحريمها ، وقد صدرت صحيحة وقت صدورها ، ومن ثم تظل هذه النصوص قائمة ونافذة ولا تقبل الدفع بعدم صحتها وتعارضها من أحكام شريعـة المـجتمع   ( 6 )  .
       إن ما قام به المشرع الليبي منذ أكثر من ثلاثين سنة  بتحريم ربا النسيئة من القانون ، هو تقنين لأحكام الشريعة الإسلامية ، وقد لقي استحسانا من بعض الفقهاء حينذاك للعودة إلى أحكام الشريعة الغراء بدلا من التشريعات الوضعية  ( 7)  لقد كان أملا من المحكمة العليا في أن تصدر تشريعات أخرى حتى يشمل التقنين الإسلامي المعاملات الــربوية التي تتم بين المواطن والمصارف ،  فهي مثار جدل حتى الوقت الحاضر،  وكان الأجدر بالمشرع أن يتدخل في ذلك استجابة لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } (8)    رغم أن الواقع العملي سمح بوجود مصرفين في ليبيا لا يتعاملان بالفوائد الربوية كالمصرف الزراعي ، والمصرف العقاري الصناعي ،  والأمل أن يشمل إلغاء الفوائد  كافة المصارف والمؤسسات المالية الأخرى ، أو يقرر صيغة في التعامل تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية .

      والجدير بالذكر أن القانون المذكور لم يتطرق إلى إلغاء الفوائد في المعاملات الدولية التي تتم بين المؤسسات الليبية أو الدولة مع غيرها من المؤسسات المالية الأجنبية ، أسوة بالمعاملات التي تتم بين المصارف المحلية والأفراد ، وقد بينت المذكرة الإيضاحية للقانون السبب في ذلك بقولها : إن تحريم ربا النسيئة في المعاملات بين الأفراد لا يحتاج بالضرورة إلى إيجاد أحكام بديلة له يجري التعامل بينهم على أساسها ، بينما الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للتعامل الفردي مع الأشخاص المعنوية ، أو لتعامل هذه الأشخاص المعنوية فيما بينها ، فإن الأمر يستلزم قيام نظم بديلة تحل محل النظم القائمة على التعامل بالربا ، وإلى أن يتم التمكن من وضع هذه النظم فلا مناص من إبقاء الأحكام القائمة على حالها ، وليس من شك في أن الأمر يبدو جليا وفي أوضح صورة بالنسبة للتعامل المصرفي الذي لا يقتصر على النطاق الداخلي للدولة ، وإنما يرتبط دوليا بالمصارف الأجنبية والمعاملات في الخارج  (9) .
المطلب الثاني : إلغاء عقود الغرر
  بالقانون رقم 86 لسنة 1392 هـ / 1972 م
في شأن تحريم بعض عقود الغرر في القانون المدني
وتعديل بعض أحكامه بما يتفق مع الشريعة الإسلامية

   صدر هذا القانون عن مجلس قيادة الثورة بتاريخ 19 جمادى الأولى 1392 هـ الموافق 30/6/1972 م ، وجاء في ديباجته أنه نزولا على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء واستجابة لرغبة الشعب العربي الليبي المسلم في الجماهيرية الليبية ، حيث نصت المادة الأولى على أن يستبدل بسبعة عشر نصا من القانون المدني نصوص أخرى تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية  كما تم إلغاء خمس مواد من ذات القانون ، وهذه النصوص المستبدلة منها ما يتعلق بموضوع التقادم ، ومنها ما يتعلق بحكم الجهالة في عقد البيع ، والعيوب الخفية في القرض ، وحكم الرهان في المسابقات الرياضية ، ولكن المشرع نص على حالة استثنائية في المادة 740/1 [ ولا يعد في حكم الرهان المسابقات الرياضية أو الثقافية إذا كانت جائزة الفائز من أحد المتبارين أو كانت مقدمة للفائر تبرعا من غير المتبارين ] وهذا النص لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، بل منصوص على حكمه في كتب الفقه (10)   وهناك بعض المواد المتعلقة بموضوع الغرر شملها التغيير ، مما سوف نشير إلى بعضها فيما يلي .
     عالج المشرع في هذا القانون أحكام التقادم المنصوص عليها في بعض المواد لأنها  تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تجيز سقوط الحق بمضي المدة ، فالحق لغة هو الشيء الثابت والباطل ضده هو الشيء الزائل ، ولذلك فإن الشريعة لا تعرف المبدأ الذي تأخذ به غالب التشريعات الوضعية ، وهو مبدأ سقوط الحق بمضي المدة ، كمـا لا تـعرف الشريعة مـن جــهة

أخرى اكتساب الحقوق بمرور الزمن (11)  وعلى ذلك تم تعديل المواد التي ينص فيها على تقادم الحق  ، فأصبح النص يتعلق بتقادم دعوى المطالبة به ، على سبيل المثال ، كانت المادة 361 من القانون المدني تنص على أن [ يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون . . .  ] فأصبحت على النحو التالي [ تتقادم دعوى المطالبة بالالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة . . .  ]  ، كما نصت المادة 373 /1 المعدلة على أنه [ يترتب على التقادم عدم سماع الدعوى بالالتزام ، ومع ذلك يبقى الالتزام في ذمة المدين ديانة ] .
    شمل التعديل أيضا المادتين 458 – 462  ، حيث يتعلق الحكم الوارد فيهما بمسألة الجهالة الفاحشة والغرر الذي يدخل في المعقود عليه ، كما لو كان مقداره غير معلوم ، فيشترط لصحة العقد العلم بالمعقود عليه ، بأن يكون معينا أو قابلا للتعيين ، ولم تجز الشريعة بيع شيء لا يعلم قدره ولا صفته ، ومثاله أن يكون المبيع مكونا من جملة أشياء لا تعرف مفرداتها ولا قدرها ، ولا يمكن بالتالي معرفة قيمتها ، وبذلك يكون الغرر الفاحش ، ولبيان ذلك ، كانت المادة 462 من القانون المدني تنص على أنه [ من باع تركة ، دون أن يفصل مشتملاتها ، لا يضمن إلا ثبوت وراثته ما لم يتفق على غير ذلك ] فالجهالة هنا فاحشة ومن شأنها أن تؤدي إلى النزاع والشقاق   لذلك تم تعديلها على النحو التالي [ لا يجوز بيع التركة إلا بعد تفصيل مشتملاتها أو بالتخارج بين الورثة ]  وهذا الذي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تجيز الجهالة في المبيع أو في الثمن (12) .
    تتطرق التعديل أيضا إلى المواد التي تنص على تصرفات فيها غرر ، كالدخل الدائم والمرتب مدى الحياة ، والغرر بمعنى الإيهام والتوريط والمخاطرة ، وقد حرم الإسلام على الشخص أن يخاطر بماله ، ويكون ذلك طمعا منه في أن ينال غنما بلا غرم ، وربحا بلا خسارة ، ومثال ذلك المقامرة والرهان ، حيث يدفع الشخص بماله مع الخوف عليه واحتمال ضياعه ، وترقبا لخسارة غيره بلا تقصير ولا غنم عاد عليه ، ومتى كان الغرر بهذا المعنى فإنه يدخل حتما في نطاق النهي الذي ورد في قوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } (13) ويترتب على هذا النهي تحريم أكل أموال الناس بالباطل ، سواء كان وسيلة ذلك عقدا من العقود أو تصرفا من التصرفات ، لأن تحريم النتيجة يستتبع تحريم ما يفضي إليها   لذلك اتفق المفسرون على أن الغرر المنهي عنه يدخل في عموم الآية التي نهت عن أكل المال بالباطل  فالباطل ما لا يحل شرعا ولا يفيد مقصودا (14) .

    ألغى المشرع بموجب هذا القانون بعض المواد من القانون المدني ، منها المادة 545 المتعلقة بشرط الاستبدال في الدخل الدائم ، والمادة 546 الخاصة بالاستبدال الجبري للدخل الدائم والمادة 739  وهي بعنوان عقود الغرر ، ويقصد بها الاتفاق الخاص بالمقامرة أو الرهان ، ذلك أن الشريعة الإسلامية تحرم جميع صور المقامرة لأنها تقوم على الغرر ، أما الرهان فمنه صور جائزة شرعا كانت تتعداها المادة 740 /1 في فقرتها الثانية التي تجيز المقامرة في صورة أوراق اليانصيب  ولا وجه لهذا الاستثناء في الشريعة الإسلامية ، لذلك نص المشرع على إلغاء الأوجه المحرمة وأبقى على الجوائز الخاصة بالألعاب بالشروط التي ذكرتها سابقا ، وبصورة عامة فإن هذا القانون والقانون الذي جاء قبله والخاص بتحريم ربا النسيئة خطوة كبيرة في تقنين الشريعة الإسلامية ، وقد دلت التجارب على أن هذا التطبيق لم يسفر على وجـود عوائق أو مشاكل فـــي
النظام الاقتصادي أو الاجتماعي ، وقد عبر الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي عن ذلك بالقول : إن الذي صدر في ليبيا إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني المعارضة للشريعة وبدئ بوضع قانون جديد مستمد من الفقه الإسلامي ( 15)  .
     يلاحظ مما سبق أن المشرع الليبي اتخذ خطوات جيدة في البداية لتقنين الشريعة الإسلامية وتعديل المعاملات التي تتم بين المواطنين بما يتفق مع أحكامها ، على أمل أن يصل تحديث بقية التشريعات ليشمل المعاملات المصرفية ، وغيرها من المعاملات الربوية ، وكان ذلك أمل اللجنة التي قامت باقتراح التشريعات السابقة ، غير أنه للأسف تأخر هذا الأمر كثيرا ، لهذا فإن الأخذ بتجربة المصارف الإسلامية وتطبيقها في ليبيا سيكون له الأثر الجيد في تحقيق ذلك الأمل  وخدمة الاقتصاد الوطني لسببين : -
الأول : إحجام الكثير من المواطنين عن التعامل مع المصارف تهربا من شبهة الربا .
الثاني : تشدد بعض الواعظين ورجال الدين وحثهم  الجمهور على الابتعاد عن المعاملات الربوية ، رغم وجود فتاوى تبيح التعامل مع المصارف .
         وعندما تأخذ المصارف الليبية بالأساليب التي قامت بها المصارف الإسلامية في عدد من الدول ، والتي تبث نجاحها ، واتفاقها مع أحكام الشريعة الإسلامية ، سيكون إقبال الجمهور على التعامل مع المصارف وإيداع مدخراتها ، والاقتراض منها وفي ذلك دعم للاقتصاد الوطني .












المبحث الثاني : موقف التشريعات القائمة من الخدمات المالية الإسلامية

المطلب الأول : النظام القانوني للعمل المصرفي في ليبيا

      بعد صدور التشريعات المشار إليها بتعديل القانون المدني والقانون التجاري بما يوافق الشريعة الإسلامية في بعض المعاملات ، صدر الإعلان عن قيام سلطة الشعب في 2/3/1977 ف الذي نص في الفقرة الثانية منه على أن [ القرآن الكريم هو شريعة المجتمع في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية ] وينبني على ذلك أن أحكام الشريعة الإسلامية هي التي يجب أن تسود في التشريعات التي تصدر في ليبيا ، وأن القوانين التي تصدر يجب ألا تخالف تلك الأحكام إلا أن أمر تطبيق ذلك موكول للمشرع وحده ، إذ أن الخطاب في الإعلان عن سلطة الشعب موجه إليه ومن فلا يمكن اعتبار النصوص معدلة أو ملغاة إذا كانت تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية استنادا للنص المشار إليه ، بل يجب أن يتدخل المشرع بتعديل النصوص القائمة بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية ، أو أن يصدر تشريعات أخرى تتوافق مع تلك الإحكام ومن هنا يمكن القول بإمكانية إصدار تشريعات جديدة تنظم العمل المصرفي على الطريقة المتبعة في المصارف الإسلامية وفقا للتجارب التي تمت في بعض البلدان .
      غير إن ذلك لا يمنع من بحث الأمر على ضوء التشريعات السارية حاليا لبحث مدى توافقها أو تعارضها مع فكرة قيام مصارف تتعامل وفقا لنظام المعاملات الإسلامية ، وعلى الأخص التشريعات التي تنظم المصارف في ليبيا .
       لا شك أن الدولة الحديثة تمارس دورها في إقليمها عن طريق مؤسسات تقيمها لهذا الغرض ومن بينها المؤسسات التي تقوم بأعمال النقد وتداوله ، وعادة ما تكون من بين هذه المؤسسات بل من أهمها المصارف المركزية للدول ، ويعرف المصرف المركزي ( بأنه المؤسسة النقدية التي تقع على قمة الهرم المصرفي في البلاد ، وهي التي تقوم بمهمة إصدار النقود وممارسة السياسات النقدية لغرض المحافظة على الاستقرار النقدي وثبات الأسعار ، وتدبير وإدارة وسيلة تبادل النقود عن طريق تحكمها في احتياطات القطاع المصرفي ونوعية ومقدار حجم الائتمان  بالإضافة إلى الإشراف الفني على المصارف التجارية العاملة في البلاد ) (16) .
     ولا يخرج مصرف ليبيا المركزي عن هذا الدور ، فقد  بينت المادة الخامسة من القانون رقم 1 لسنة 1373 ور ( 2005 مسيحي ) بشأن المصارف اختصاصاته  بما يوافق ما ذكر ، ومن بينها : تنظيم السياسة النقدية ، وتنظيم السياسة الائتمانية والمصرفية والإشراف على تنفيذها في ظل السياسة العامة للدولة ، وتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية في استقرار المستوى العام للأسعار ، وسلامة النظام المصرفي ، إلى جانب تقديم المشورة للدولة في المسائل المتعلقة بالسياسة الاقتصادية العامة .
      ومن الأدوار المهمة التي يقوم بها المصرف المركزي هي الرقابة على المصارف حيث يخضع لرقابة مصرف ليبيا المركزي وفقا لنص المادة 55 من قانون المصارف لسنة 2005 مسيحي ، كل من : المصارف التجارية والمصارف المتخصصة التي يكون من بين أغراضها التمويل ومنح الائتمان لأنشطة محددة ، وشركات الصرافة والخدمات المالية . . . إلخ ، كما بينت المادة 56 من ذات القانون صلاحية مصرف ليبيا المركزي في وضع قواعد عامة للرقابة والإشراف على المصارف وغيرها من المؤسسات المالية ( مصارف تجارية ، مصارف متخصصة ، شركات الصرافة والخدمات المالية ) لتنظيم عدة مسائل تتعلق بالعمل المصرفي ومن بينها على وجه الخصوص ، ما جاء في الفقرة 3 – الوجوه التي يمنع على المصارف استثمار الأموال فيها ، 5 – النسب الواجب مراعاتها بين قيمة السلف وبين القيمة التسليفية للضمان وتعيين نوع الضمان ، 11 – الشروط والأوضاع التي يتم بموجبها سداد القروض غير المنتظمة وتجنيب الفوائد المحتسبة عليها والإعفاء منها ، كما يقوم المصرف أيضا بوضع الضوابط والقواعد الخاصة بعدة أنشطة تقوم بها المصارف من بينها أي مسائل نقدية ومالية وائتمانية تتفق مع أغراض المصرف ، ومن شأنها تحقيق مصلحة الاقتصاد الوطني .

            أما المادة 65 من القانون المذكور ، والتي عرفت المصرف التجاري ، أجازت إنشاء مصارف متخصصة وهي التي يكون غرضها الرئيس التمويل ومنح الائتمان لأنشطة محددة ولا يكون قبول الودائع تحت الطلب من أوجه نشاطها الأساس ، ويجوز بقرار من مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي الإذن للمصارف المتخصصة بممارسة بعض أنشطة المصارف التجارية وذلك بالنسبة للمستفيدين منها ، كما أجازت ذات المادة في الفقرة الثانية على أنه يجوز للمصرف التجاري أن يقوم بعدة أعمال مصرفية بينتها في الفقرات  1 – 11 ، وأردفت الفقرة 12 : أي أعمال أخرى تتعلق بالنشاط المصرفي يوافق مصرف ليبيا المركزي على ممارستها .
              إن كافة النصوص السابقة تؤيد إقامة مثل هذا النوع من المصارف ، وربما كان النص الأكثر ملاءمة الفقرة 9 من المادة 16 من قانون المصارف التي تمنح صلاحية لمصرف ليبيا المركزي بمنح ( الإذن بتأسيس المصارف التجارية والمتخصصة ومصارف التمويل والاستثمار وغيرها ، ووضع الضوابط المنظمة لممارسة أنشطتها ، ونماذج عقود تأسيسها ونظمها الأساسية ) فهذه الفقرة تعطي الحق في ذلك ، وهو نص واضح وصريح في إمكانية إنشاء مصارف متخصصة تؤدي الأعمال المصرفية الإسلامية .

      بعد استعراض أهم النصوص القانونية المتعلقة بالعمل المصرفي يمكن القول إن الأخذ بالنظام المصرفي الإسلامي في ليبيا لا توجد أمامه أي عوائق قانونية تقف حجر عثرة أمام تطبيقه والعمل به ، وكل ما يجب فعله إذا أريد الشروع فيه أن تصدر التشريعات ( اللوائح أو القرارات )  التي تعمل على تنظيمه ووضع ضوابطه ، دونما حاجة إلى تعديل قانون المصارف التي تبيح نصوصه العامة ، وخاصة المتعلقة باختصاصات مصرف ليبيا المركزي من وجود أنشطة مصرفية تتفق مع سياسة الدولة ، وتخدم مصلحة الاقتصاد الوطني ، علاوة على أن قيام المصارف الإسلامية أو ممارسة الأعمال المصرفية بالطريقة الإسلامية لا يتعارض مع النظام العام ، بل يتوافق معه .
           وهذا الرأي يجد تأييدا له من أحد علماء ليبيا في مجال الاقتصاد والأموال ،  وهو الأستاذ الدكتور نوري بريون حيث يقول : وتجدر الملاحظة بأن القانون رقم 1 لسنة 2005 م يتسم بالمرونة الفائقة التي يمكنها أن تستوعب متطلبات [ المصرف بدون ربا ] ليقوم بجميع أعماله واستثماراته طبقا للشريعة الإسلامية ( 17)  .
















المطلب الثاني : أسباب وأساليب قيام النظام المصرفي الإسلامي

    أشير في البداية إلى أن رغبة الجمهور في ليبيا تتجه إلى قيام النظام المصرفي الإسلامي فيها ويتحصل ذلك من وجود فتاوى عديدة تحرم التعامل بالفائدة مع المصارف ، منها على سبيل المثال ما أفتى به الشيخ الطاهر الزاوي مفتي ليبيا السابق عندما قال : إن مسألة التعامل مع المصارف مما عمت به البلوى في البلاد الإسلامية ، وقد اشتدت الحاجة إليها ، حتى أصبحت حياة الناس الاقتصادية مربوطة بها كل الارتباط ، خصوصا الأعمال الكبيرة التي تحتاج إلى المال الكثير، وقد درجت المصارف في البلاد الإسلامية وغيرها – في معاملاتها مع الناس – أن تعطي أكثر مما تأخذ ،وتأخذ أكثر مما تعطي ، ولم يوجد في شريعة الإسلام ما يبرر أخذ هذه الزيادة لظهور الربا في جميع صورها ، وصراحة النصوص الشرعية في تحريم أحذ أي زيادة قليلة كانت أو كثيرة ، لأنها ربا ، والربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } ، البقرة : 257  (18) .
       كما أفتى الشيخ الدكتور الصادق الغرياني بأن إيداع الأموال في بنوك ربوية بقصد تحصيل فوائد عليها ، هذا من عقود الربا الصريحة المحرمة بنص القرآن ، قال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } والربح على المال المودع في البنوك نظير الأجل هو نوع من ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن ، كما أفتى بأن القاعدة في المال المكتسب من حرام ، كالقروض الربوية  والعقود الفاسدة في البيع ، أنه يجب ردها وفسخ العقد ، مع التوبة من ذلك ، كما أفتى بأن الإسهام في إنشاء مصرف يتعامل بالربا والإقراض بالفوائد لا يجوز ، ومن أسهم فيه عليه أن ينسحب منه ، أيضا العمل في المصارف في قسم القروض بفوائد لا يجوز (19) .
      وتشير بعض الدراسات التي قامت في ليبيا إلى أن فكرة المصارف الإسلامية تقوم على أسس واضحة ، وتسعى لتحقيق أهداف محددة ، وترجع جميعها إلى البواعث الدينية التي تضمنت في داخلها البواعث الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتشريعية وحتى السياسية ـ لأن المصارف الإسلامية جزء من الاقتصاد الإسلامي الذي يقيم التوازن بين الماديات والروحانيات وأنها جاءت ثمرة من ثمار الصحوة الإسلامية التي عمت إرجاء العالم الإسلامي ، وأن العقيدة لها أثر فعال في ضبط السلوك وممارسة المعاملات على أساس سليم  (20) كما تشير الدراسات التي اعتمدت على البحث الميداني في البيئة الليبية إلى اقتناع الرأي العام ممن يتعامل مع المصارف التقليدية بفكرة تحول المصارف الليبية إلى مصارف تلتزم بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية على اختلاف مستوياتهم العلمية ، ودعمهم لها ، ويعلل أغلب المستجوبين بأن هذه الفكرة تتماشى مع البيئة الليبية وشريعة المجتمع المسلم ، وهي خلاص من الفوائد الربوية ( 21)
 
     تشير بعض الدراسات إلى أن الأخذ بفكرة المصارف الإسلامية والشروع في تطبيقها يتم بعدة أساليب ، وهي في مجموعها لا تخرج عن نطاق رقابة المصرف المركزي على هذا النشاط المصرف بحكم الصلاحيات القانونية الممنوحة له بموجب التشريع القائم ، وباعتباره هو المشرف على السياسة النقدية وطرق التمويل والاستثمار في البلاد ، وعلي ذلك يمكن قيام الخدمات المالية الإسلامية عن طريق تحديد العلاقة بين المصرف المركزي والمصارف الإسلامية على النحو التالي : -
الشكل الأول : علاقة أصلية متكاملة ، ويتم ذلك بتحويل المصارف العاملة من مصارف تقليدية إلى مصارف إسلامية ، بما في ذلك المصرف المركزي ، وقد حصل ذلك في الباكستان وإيران والسودان .
الشكل الثاني : علاقة خاصة في البلدان التي أولت المصارف الإسلامية اهتماما خاصا   فأصدرت لها قوانين خاصة تحدد علاقتها بالمصرف المركزي مما يجعل الطريق واضحا أمام كل مصرف إسلامي يتم إنشاؤه وإعانته على تحقيق أهدافه وتجنبه الوقوع في الربا المحرم   ومن هذه الدول الإمارات العربية وتركيا .
الشكل الثالث : إنشاء مصارف إسلامية بقوانين استثنائية تعمل إلى جانب البنوك التجارية التقليدية ومن الدول التي أخذت بذلك مصر الأردن ، البحرين (22) .
       وتقترح بعض الدراسات في ليبيا إلى إتباع سياسة مرحلية في هذا الإطار وذلك بالتحول التدريجي نحو الصيرفة الإسلامية بدءا بفكرة افتتاح فروع داخل المصارف القائمة ، أو تحويل فروع قائمة إلى نظام المصارف الإسلامية بعد تقرير ذلك عن طريق التشريع ، أو في نطاق المادة السادسة عشر من قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 مسيحي ، وانتهاء بالتحول الكامل نحو المصارف الإسلامية وتخلص الدراسة إلى [ أن أسلوب التحول التدريجي علاوة على كونه منهجا ربانيا سماويا ، فإنه يوصل فلسفة المصارف الإسلامية إلى النظام المصرفي التقليدي بشكل يشجع على التعايش بين النظامين بدلا من المواجهة بينهما ، ومن ثم البقاء للأصلح ، وقد كللت هذه الإستراتيجية بالنجاح في عدد من البلدان الإسلامية ] (23) .

المبحث الثالث :  الخطوات التنفيذية لإنشاء المصارف الإسلامية

    المطلب الأول : الأسلوب الأمثل للقيام بهذا النشاط

     قبل بيان الخطوات التنفيذية نحاول بحث الأسلوب الأمثل للشروع في هذا النشاط الذي يهدف إلى إدخال النظام المصرفي في بلادنا ،  حيث   يرى الخبير الدولي الدكتور محمد بلتاجي أن تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية + البنوك التقليدية يمكن أن يأخذ أحد الأشكال الآتية : -

1 – تحويل فروع تقليدية إلى فروع إسلامية بالكامل .

 2 – إنشاء فروع خدمات مصرفية إسلامية مستقلة .

 3 – إنشاء إدارات خدمات مصرفية إسلامية مستقلة بالإدارة العامة .

 4 – تقديم المنتجات الإسلامية من خلال فروع المصارف التقليدية .

 5 – إصدار منتجات مصرفية إسلامية في صورة صناديق استثمار إسلامية أو منتجات تمويلية إسلامية .

 6 – إنشاء أقسام للعمل المصرفي الإسلامي داخل الفروع التقليدية ، كأقسام مستقلة .( 24 ).

         إن كل هذه الصيغ أو الأشكال المذكورة سابقا تصلح لانطلاق العمل المصرفي الإسلامي  ولذا يقترح إجراء دراسة على واقع المصارف في ليبيا ومعرفة أفضل الصيغ المقترحة وأكثرها ملاءمة لهذا النوع من النشاط المستحدث ، والعمليات المصرفية التي يمكن القيام بها عن طريق هذا النشاط المصرفي الإسلامي .
         غير أن اختيار أي شكل من الأشكال أو الصيغ المقترحة يعتمد على السياسة المالية التي تنتهجها الدولة أو ترسمها لهذا النشاط المقترح ، أو التي تستهدفها من نشاط الخدمات المالية الإسلامية ، فهناك من المصارف الإسلامية التي تكون بديلا لعمل المصارف بحيث يكون نشاطها شاملا لكافة الأعمال المصرفية ، كالودائع تحت الطلب ، والودائع الادخارية ، وودائع الاستثمار  وصكوك الاستثمار ، ودفاتر الادخار الإسلامية ، وودائع المؤسسات المالية الإسلامية ، وصكوك المقارضة ، وشهادات الإيداع ، وصناديق الاستثمار ، وهذه كلها تمثل المصادر الخارجية للأموال ، إلى جانب المصادر الداخلية المتمثلة في حقوق المساهمين ( رأس المال والاحتياطات والأرباح المرحلة ) والمخصصات . .  إلخ (25) .

        وقد يكون الاتجاه في إنشاء  هذه المصارف لتكون مصارف اجتماعية تعمل على تحقيق التكافل الاجتماعي من خلال توزيع استثماراتها بين القطاعات المختلفة ، وتوزيع العائد لخدمة الأغراض الاجتماعية ، وتحتم هذه الصفة على المصارف الإسلامية إنشاء إدارات تعنى بالزكاة والتبرعات والقروض الحسنة والاستثمارات الخيرية ، وذلك للإشراف على توزيع زكاة أموال عملائها وغيرهم بتفويض منهم على مصارفها الشرعية ، إلى جانب الإشراف على تبرعات الأعمال الخيرية في عدة مجالات منها الصحة والتعليم والشؤون الدينية ومواجهة الكوارث والظروف الطارئة الشخصية والجماعية (26) .

المطلب الثاني : الخطوات الضرورية
للشروع  في الخدمات المالية الإسلامية

     إذا تم الأخذ بأي صيغة أو شكل قيام النشاط المقترح فينبغي أن تتخذ الخطوات التالية قبل البدء في التنفيذ ، وهي خطوات ضرورية قبل الإقدام على الشروع في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية ، وبيان ذلك على النحو التالي : -

أولا : موافقة الجهة الرقابية على القيام بهذا النشاط ، وهي هنا مصرف ليبيا المركزي استنادا إلى نص المادة 16 فقرة 9 من القانون رقم 1 بشأن المصارف التي أعطته الحق بمنح الإذن بتأسيس المصارف التجارية والمتخصصة ومصارف التمويل والاستثمار وغيرها ، ووضع الضوابط المنظمة لممارسة أنشطتها ، ونماذج عقود تأسيسها ونظمها الأساسية .

      ويمكن إذا ما أريد إنشاء مصارف جديدة ، أو مصرف واحد بفروع متعددة أن يتم بقانون خاص بنشاط المصارف الإسلامية ، فالمشرع يملك القيام بذلك ، وفي جميع الأحوال ستظل هذه المصارف أو المصرف تحت رقابة ومتابعة مصرف ليبيا المركزي ما لم ينص القانون على غير ذلك .

ثانيا : وجود هيئة شرعية تتولى مراقبة أنشطة المصارف أو فروع المصارف الإسلامية التي تنشأ لهذا الغرض ، وبيان مدى التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية ، وإبداء الرأي الشرعي في المسائل المصرفية والمالية التي تتصل بأمور المعاملات التي تقوم بها المصارف الإسلامية  وبيان الأحكام الشرعية في المسائل الاقتصادية التي تستجد في هذا النشاط ، وقد يحتاج الأمر إلى إنشاء هيئة شرعية في المصرف المركزي ، وهيئات أخرى في المصارف الفرعية .

ثالثا : تصميم نظم العمل وذلك يتطلب : ( أ ) إعداد الدورات المستندية لهذه المصارف ( ب ) إعداد النماذج والمستندات المستعملة في العمل ( ج ) إعداد العقود الشرعية والقانونية ، وفي هذا الخصوص يمكن الاستهداء بالنماذج المقترحة من الأستاذ الدكتور الصادق الغرياني وهي على سبيل المثال : نموذج عقد بيع سيارة بالآجل خال من الربا ، موجودة بالمستودع ، ونموذج عقد بيع سيارة بالآجل ليست في ملك البائع ، ونموذج عقد تمويل بيع بالآجل مع تقسيط الثمن ( 27 ) ويمكن وضع عدة نماذج عقود مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية تغطي كافة العمليات المصرفية التي تختص بها المصارف الإسلامية ، يضاف إلى ذلك  إعداد النظم المحاسبية ، وإعداد النظم الآلية .

رابعا :  اختيار وتهيئة الموارد البشرية ويتم ذلك بإعداد العنصر البشري الذي يتولى مباشرة هذه الاختصاصات وتدريبه وإرشاده في العمل المصرفي المرتبط بالأحكام الشرعية والمعاملات الإسلامية حتى يمكن نجاح التجربة وانطلاقها بصورة سليمة على أن يسبق ذلك كله إعداد حملة إعلانية موجهة للجمهور بصورة عامة ، وللعملاء المتعاملين مع المصارف التي يتم إنشاء فروع بها للقيام بالعمليات المصرفية الإسلامية (28)  .








الخاتمة
   يمكن من خلال هذا العرض المبسط لبحث مدى ملاءمة التشريعات والقوانين في الجماهيرية الليبية للخدمات المالية الإسلامية ، أن نخرج بالنتائج التالية : -

أولا : أن المشرع الليبي اتجه من بداية السبعينات من القرن الماضي إلى الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ، وقام بتعديل أهم أحكام المعاملات المخالفة للشريعة الإسلامية في القانون المدني والقانون التجاري بما يوافق أحكامها .

ثانيا : أن التشريع المنظم لأعمال المصارف في ليبيا لا يشكل عائقا أمام قيام نشاط مصرفي إسلامي ، بل إن المادة السادسة عشر من القانون رقم 1 لسنة 2005 ف تجيز لمصرف ليبيا المركزي منح الإذن بإنشاء مصارف تجارية أو متخصصة  أو مصارف تمويل واستثمار وغيرها ووضع الضوابط المنظمة لممارسة أنشطتها ، وبالتالي يجوز إنشاء مصارف أو فروع لمصارف قائمة لتقديم الخدمات المالية الإسلامية .

ثالثا : أن قيام هذا النوع من النشاط سيكون له الأثر الفعال في زيادة رأسمال المصارف واتساع نشاطها نظرا لأن الرأي العام في ليبيا يحجم في الكثير من الأحوال عن الإيداع في المصارف والتعامل معها بحجة قيامها بالمعاملات الربوية ، وقد ساعد على هذا الابتعاد وجود فتاوى عديدة تنفير منها ، فإذا ما أقدمت المصارف على تقديم الخدمات المالية الإسلامية ، فسوف تزال هذه العقبة ، ويتم الإقدام على العمل المصرف بشكل واسع .

رابعا : أن الصيغ المطروحة للقيام بهذا النشاط الجديد تقدم عدة أشكال يمكن الاستهداء بها وكلها أساليب يمكن القيام بها ، ومن أهمها تحويل بعض فروع المصارف العاملة إلى مصارف إسلامية أو افتتاح فروع جديدة لتقديم الخدمات المالية ، أو إنشاء مصارف متخصصة في هذا النشاط وكل من يجب عمله هو إجراء دراسة لاختيار النموذج الأمثل من الصيغ المطروحة .

خامسا : ضرورة تشكيل هيئة من العلماء تضم فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون ورجال الاقتصاد والأموال تعمل على اقتراح الصيغ المختلفة للتعاقد أو القيام بالمعاملات المصرفية بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية ، ويتوافق مع النظام العام في ليبيا .


والله من وراء القصد

                                                                                        المستشار الدكتور
                                                                 جمعة محمود الزريقي

طرابلس في 23 / 5 / 2009 مسيحي




الهوامش والإحالات
_________

 (1) التوثيق العقاري في الشريعة الإسلامية ، جمعة محمود الزريقي ، ص 144 ، المنشأة العامة للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1985 م ،  طرابلس ، ليبيا ، فصول من تاريخ  ليبيا الثقافي ، د / عبد الحميد الهرامة ص 240- 242  ، الطبعة الأولى ، 1999 م ، دار أصالة للنشر بيروت ، لبنان . 

 (2) الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، للأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري ، ص 10 المجلد الأول طبعة منقحة ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت لبنان ، 1998 م .

(3) النظرية العامة لعلم القانون ، المدخل لعلم القانون ،  د / عبد السلام المزوغي ص 195 ، منشورات الجامعة المفتوحة ، الطبعة الثالثة ، 1992 ، طرابلس ، ليبيا ، أساسيات القانون والحق في القانون العربي الليبي د / عبد القادر محمد شهاب ، ص 86 ،  منشورات جامعة قاريونس ، بنغازي ، ليبيا .،   1997 م .

 (4)  يراجع شرح ذلك كتابنا الحقوق العينية الأصلية والتبعية في التشريع الليبي ، الطبعة الثالثة ، منقحة ومزيدة مع أحدث مبادئ المحكمة العليا في ليبيا ،  حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ، طرابلس ليبيا ، 2008 م . .

 (5) المذكرة الإيضاحية بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية ، الموسوعة التشريعية للجماهيرية الليبية ، القوانين الصادرة سنة 1972 م ، المجلد الرابع ،  ص 257 – 264 ، نشر أمانة العدل ، طرابلس ليبيا . 

 (6)  طعن مدني رقم 3 / 36 ق ، بتاريخ 16 جمادى الأولى 1400 ور ، 2/12/1990 م ، مجلة المحكمة العليا العددان الأول والثاني ، السنة الخامسة والعشرون ، يناير 1998 م .

(7) الشريعة الإسلامية ومركزها من مصادر القانون ، رسالة دكتوراه من إعداد إبراهيم السوري المشعال ، جامعة الزاوية ، 2001 م ،  حيث نقل إشادة كل من الدكتور وهبة الزحيلي ، والدكتور محمد عبد الجواد ، والدكتور الكبيسي ،  بتلك التعديلات التي تمت في التشريعات الليبية آنذاك بإلغاء الفوائد الربوية ، ص 720 .

(8) البقرة : 277 .

(9) المذكرة الإيضاحية بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية ، المصدر السابق ، ص 258 .

(10)  جواهر الفقه ، للشيخ محمد مفتاح قريو ، كتاب المسابقة وما يتعلق بها ، ص 100 الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ، الطبعة الأولى ، 1994 م ،  مصراتة ، ليبيا ، أيضا ، بلغة السالك لأقرب المسالك ، على الشرح الصغير للقطب سيدي أحمد الدردير ، تأليف الشيخ أحمد الصاوي ، الجزء الثاني ص 208 ، دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان ، 1415 ه ـ / 1995 م .

(11) المذكرة الإيضاحية بتحريم بعض عقود الغرر والجهالة في القانون المدني ، الموسوعة التشريعية للجماهيرية العربية الليبية ، المصدر السابق ،  ص 345 .

(12) الفقه الإسلامي وأدلته  ، أ – د / وهبة الزحيلي ، ص 457 /4 ،  دار الفكر ، الطبعة الأولى ، 1404 هـ / 1984 م ، دمشق .

(13)  النساء : 29 .

(14)  المذكرة الإيضاحية بتحريم بعض عقود الغرر والجهالة في القانون المدني ، الموسوعة التشريعية   المصدر السابق ، ص 349 .

(15) الفقه الإسلامي وأدلته ، المصدر السابق ، ص 292 / 4 .

(16) النقود والمصارف ، د / صالح الأمين الأرباح ، ص 125 ، ط ، 2 ، 1996 م ، مصراتة ، ليبيا .

(17)  كيف يمكن إنشاء مصرف بدون فوائد ؟ ، أ – د / نوري عبد السلام بريون ، مؤتمر الخدمات المالية الإسلامية ، ص 392 ، طرابلس – ليبيا ، 29 – 30 / 6 / 2008 ف ..


(18)    مجموعة فتاوى ، للشيخ الطاهر أحمد الزاوي ، ص 208 ، دار الهدى للنشر ، ليبيا ، ط 3 ، 2006 م .
(19)  فتاوى وتحقيقات في مسائل تكثر الحاجة إليها ، أ ، د / الصادق عبد الرحمن الغرياني ، دار ومكتبة الشعب ، مصراتة  ، الطبعة الأولى ، 2003 .

(20)        دور المصارف الإسلامية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، د / رمضان المبروك الطوير ، ص 182 ، نشر الهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة ، ط ، أولى ، 2008 مسيحي ، طرابلس – ليبيا .

(21)         إمكانية تطبيق نموذج المصارف الإسلامية على المصارف الليبية ، د / نصر صالح محمد ، أ / يحيى محمد عاشور ، مؤتمر الخدمات المالية الإسلامية ، ص 442 ، طرابلس ليبيا ، 29-30/6/2008 ف .

(22)        علاقة البنوك الإسلامية بالبنك المركزي في ظل نظام مصرفي معاصر ، أ – مرغاد لخصر ، أ – رايس حدة ، كلية العلوم الاقتصادية ، بسكرة ، الجزائر ، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، العدد 27  ، 1426 هـ / 2005 م .

(23)                إمكانية تطبيق نموذج المصارف الإسلامية على المصارف الليبية ، المصدر السابق ، ص 454 .

(24)                موقع المصارف الإسلامية للدكتور محمد البلتاجي ، 14 /5/2009 مسيحي .

(25) مصادر الأموال في المصارف الإسلامية ، www.kantakji.com/fiqh/files/banks/4306.doc .

(26) الدور التنموي للبنوك الإسلامية ، رسالة دكتوراه للأستاذ جميل أحمد ، دراسة نظرية تطبيقية 1980 – 2000 ، نشر جزء منها بعنوان علاقة تطور البنوك الإسلامية بالمغرب العربي ، بالموقع العالمي للاقتصاد الإسلامي ، www.galam.com.forums/shpwthread.php?

(27)     من صيغ التمويل الإسلامي ، بدائل شرعية خالية من الربا ، أ – د / الصادق عبد الرحمن الغرياني ، مؤتمر الخدمات المالية الإسلامية ، المصدر السابق ، ص 98 – 122 .

(28)    موقع المصارف الإسلامية ، للدكتور محمد البلتاجي ، المصدر السابق ، وانظر أيضا : نشأة فكرة المصارف الإسلامية ، ماضي المصارف وحاضرها . موقع : -
www>darelmashara.com.n2/documents/5/-     17/5/2009 .


تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات