رؤية موجزة عن القضاء المغربي
هــشام الــفــقــيــه
باحث في ميدان السجون
و الاصلاحيات
رؤية موجزة عن
القضاء المغربي
مما لا شك فيه ، أن
اختيار الموضوع ما هو إلا لتنوير و الشعور بمؤسسة قائمة ، يعهد إليها صلاحية في
البت و إصدار الأحكام و القرارات التي خلصت إليها هيئة القضاء ،إذ أن اختيار كذلك
كلمة * موجزة *، أي عند التحدث عن القضاء فهو بحر شاسع و كبير ، كتب فيه فقهاء
القانون مجلدات و كتب قيمة في الموضوع ، إذ هنا أكتفي إلى الاشارة لبعض الجوانب
الملحة التي يمكن للقارئ أن يعرف مجرى المؤسسة المذكورة بشكل مبسط و مختصر . ومن خلال هذا يمكن
أن نقول ، بأن كلما حدث تطورا متقدما في المؤسسات السياسية و الدستورية لدولة ما ،
إلا و ينبني عليها التطور في التقدم التشريعي ، و هذا ما نستشفه من خلال ما جسده
الدستور الجديد 1 يوليوز 2011 للمملكة المغربية. فالتنظيم القضائي
بمفهومه الواسع ما هو إلا نظام و مرجع قانوني ينظم ركائز و قواعد العمل القضائي
بصفة عامة ، و ذلك ما نراه على الخصوص فيما يتعلق بإنشاء المحاكم و تأليفها و
إختصاصها و طريقة اشتغالها ، بالاضافة إلى الأسس التي تنظم عمل القضاة و مساعدي
القضاء(محامين ، موثقين ، خبراء ، عدول ...). فبالمغرب ، نجد آخر
التعديلات أتت في المنظومة الدستورية الجديدة في الشق القضائي ، مثلا كإلغاء محاكم
الجماعات و المقاطعات و تعويضها بقضاء القرب ، و هذا الأخير الذي يختص فيه قاضي
القرب بالنظر في الدعاوى الشخصية و المنقولة التي لا تتجاوز 5000 درهم ، و لا يختص
في النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة و العقار و القضايا الاجتماعية ...، و كذا تعديل آخر يتجلى في اعتماد القضاء الفردي
أمام المحاكم الإبتدائية مع بعض الاستثناءات ، و كذلك احداث درجة استئنافية لدى المحاكم
الابتدائية للنظر في القضايا التي لا تتجاوز 20.000 درهم ، و إلى غير ذلك من
التعديلات الأخرى. فمن خلال الحركة الانتقالية التي عرفها التنظيم القضائي المغربي من خلال
الدستور الجديد ، نرى أنه أعطى له خاصية الاستقلال ، و هو تعبير عن فصل السلطة
التشريعية و التنفيذية عن القضائية ، فهذه الاستقلالية هي أساسية و ملحة التي تفرض
ضمانات و حماية المتقاضين ، و الحكمة من هذا ، أي ان خضوع القاضي و التأثير عليه
من جهة خارجية عن جسم القضاء ، سوف يجعله غير حر عند اتخاذ قراراته . فنستخلص من مبدأ
استقلالية القضاء ، على أن تمتنع الهيئة القضائية (قضاة الحكم) التدخل في السلطة
التشريعية و التنفيذية ، و العكس كذلك ، لا يمكن لهاتين السلطتين الأخرتين بالتدخل
في وظيفة القضاء ، و هذا ما يمكن أن نقول بأنه لا يجوز لأي كان أن يتدخل ليلغي أو
يعدل أو يمتنع عن تنفيذ حكم ، فهذا الأخير يبقى أساسيا إلى أن يلغي من طرف السلطة
القضائية أو بحجية التقادم . و عندما نتحدث مثلا عن ضمانات استقلال القضاء ، نجد الدستور الجديد
للمملكة ، سيج المؤسسة القضائية بالتعامل معها كمؤسسة راقية و سامية ، وملزمة في
اتخاذ قراراتها و أحكامها في القضايا المعروضة أمامها و لا يمكن لها بتلقي أوامر و
تعليمات ، و لاتخضع لأي ضغط خارجي ، فإن حدث العكس ، أي كلما أحس القاضي مثلا أن
استقلاليته تتحكم فيها جهات خارجية ليست من رحم القضاء ، آنذاك سيحيل الأمر إلى
المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، و الذي أحدث بموجب الدستور الجديد و يرأسه صاحب
الجلالة ، و هذا الأخير الذي يتولى تدبير شؤون القضاة من تعيينهم و ترقيتهم و
تقاعدهم و تأديبهم. و من ثم ، نستدرج مفهوم مبدأ وحدة القضاء ، أي أن كل المواطنين المغاربة
سواسية أمام القضاء من حيث الاستفادة من خدماته ، و القضاء على كل تفرقة بين
المتقاضين ، و هذا ما استنتجته من خلال خطاب صاحب الجلالة ليوم 20 غشت 2013. أما مبدأ مجانية
القضاء ، ما هو إلا مبدأ موجه للمتقاضين في تبسيط مساطر التقاضي ، و لكن إن فتح
الباب في الجانب المجاني ، سوف يدفع بكثير من الناس و بدون تردد إلى مقاضاة الآخرين
في أتفه السباب ، لذلك أحث المشرع المغربي إلى سن و إلزامية الرسوم عن تقييد كل
دعوى ، فهذه الرسوم لا يجوز للمتقاضين بأن يدفعونها مباشرة إلى القاضي بتعويضه عن
الأتعاب ، بل و إنما توضع في صندوق المحكمة المخصص لذلك مع توصيل يشهد بحجية
القيمة المالية التي وضعها المتقاضين . ومن ثم يمكن أن تكون الرسوم رمزية متواضعة
في المتناول في نفقات الدعوى منطلقا من صيغة التريث حتى لا تسجل إلا الدعاوي
الجدية ، للإشارة فمصاريف الدعوى يتحملها من خسرها . و رغم تواضع الرسوم
و الصوائر ، فقد لا يستطيع البعض أدائها ، لذلك نجد المشرع وضع نظام المساعدة
القضائية ، أي أنه إذا ثبت الشخص معوزا و أن له دخلا بسيطا ، يعفى من أداء هذه
الصوائر ، و إذا اقتضى الحال سيستفيد حتى من خدمات المحامي . و من أهم آليات
المنظومة القضائية بالمغرب و التي هي أساسية كذلك ، تعدد درجات التقاضي ، أي إذا
صدر حكم من أدنى محكمة ، يمكن إستئناف الحكم إلى أعلى محكمة منها في الدرجة ، و من
ثم ان اقتضى الحال ، الطعن في الحكم ، الذي سيوجه إلى أعلى محكمة في الدرجة كذلك
(محكمة النقض). فالحكمة مما سبق ، أي أن القضاء هو عمل انسان ، يحتمل الصواب و الحطأ ، و
لذا خلقت تعدد الدرجات في التقاضي على تصحيح كل خطأ يشوب الحكم ، فوضعت المحاكم
على درجات يمكن خلالها المحكمة الدرجة العليا تصحيح خطأ المحكمة الدرجة الأدنى ، و
الغاية من هذا هو اعطاء الفرصة كذلك لتقديم الدلة و مناقشة المنحى الذي سلكه الحكم . و هذ يسجل القضاء
على الاجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل صدور الحكم ، يجب أن تصدر بصورة علنية ،
لكي يتسع مجال للجمهور بتتبع أطوار المحاكمة ، و سماع ما يروج في الجلسة ، لكي
يبقى الجمهور ملم بالقوانين و معرفة الخطاء التي يمكن أن تتسبب لصاحبها الزجر و
الردع و الايلام من طرف القانون . ومن هنا ، لابد
لجميع الناس أن يكونوا حاملين لمفهوم المنظومة القضائية من منطلق الردع و الزجر
نتيجة للقانون السائد في البلاد ، و ذلك حتى لا ينطبق عليه المبدأ الراسخ * لا
يعذر أحد لجهله للقانون *.
البطاقة التعريفية للباحث
- الاسم الكامل : هــشــام الــفــقــيــه
- رقم البطاقة الوطنية : R 277321
- الهاتف : 06.65.65.08.31
- من مواليد مدينة الحسيمة 1985/2/4 بني بوعياش
- دبلوم في : ماستر الطفولة و قضاء الأحداث - بكلية الحقوق بطنجة
- عنوان البحث لنيل شهادة الماستر : دور المؤسسات الادارية (السجون و الاصلاحيات ) في إعادة بناء شخصية الأحداث الجانحين .
- إجازة مهنية في شعبة : الفاعل في التنمية الاجتماعية
- اجازة أساسية في شعبة : القانون الخاص
- رئيس جمعية النسيم للطفولة والبيئة
التعليقات على الموضوع