الجهوية بالمغرب سؤال "الجهوية" أصبح موضوع "الجهوية في المغرب، وخاصة في السنوات الأخيرة، "ضرورة" يقت...
الجهوية بالمغرب
سؤال "الجهوية"
أصبح
موضوع "الجهوية في المغرب، وخاصة في السنوات الأخيرة، "ضرورة"
يقتضيها التطور السياسي (مسلسل الانتقال الديمقراطي) والعمراني (تضاعف عدد أقاليم
و عمالات المملكة) والاقتصادي (قضايا التنمية، وخاصة منها المحلية) والاجتماعي
(طبيعة النسيج المجتمعي المغربي) والثقافي (تنوع الروافد الثقافية)، وغدا مطلبا
ملحا يسعى إلى تحقيقه الجميع؛ أعلنت عنه الدولة والسلطات العامة كما يتضح ذلك،
سواء في منطوق دستور 2011 أو في عدد من الخطب الملكية.
وتبنته كل القوى السياسية بدون استثناء، بتسطيرها له ضمن برامجها وإدراجه في حملاتها الانتخابية.
كما تنادي به عدد من "الجمعيات" والفاعلين المدنيين، وخاصة منهم المهتمين بقضايا التنمية "المحلية" والشأن الثقافي. كما تنصح بتفعيله عدد من المؤسسات الدولية، الحكومية منها وغير الحكومية.
وتبنته كل القوى السياسية بدون استثناء، بتسطيرها له ضمن برامجها وإدراجه في حملاتها الانتخابية.
كما تنادي به عدد من "الجمعيات" والفاعلين المدنيين، وخاصة منهم المهتمين بقضايا التنمية "المحلية" والشأن الثقافي. كما تنصح بتفعيله عدد من المؤسسات الدولية، الحكومية منها وغير الحكومية.
ومع
كل هذا الإجماع حول المبدأ العام "للجهوية"، تظل بعض الأسئلة عالقة:
ماذا نعني ب: "الجهوية"؟ و ما علاقتها ب: "اللامركزية"، وما
أشكال تفاعلها مع "التنظيم الجماعي" وما حدود ارتباطها ب:
"اللاتمركز الإداري" وما موقعها من "الإدارة الترابية" أو
"الجغرافيا الإدارية" ؟...
وبعيدا
عن تحديد المفاهيم، ألا يختلف تصور "الجهوية" والغاية المتوخاة منه من
فاعل إلى آخر؟ ألا ترى فيها الدولة أنجع أداة لتخفيف أعباء "المركز" و
إشراك باقي الفعاليات في تحمّل شيء من المسؤولية؟ ألا تغلّب بعض
"الجمعيات"، حسب مجال اهتمامها، الحقوق "الثقافية" في نظرتها
للنظام "الجهوي"، وألا تستحضر أخرى، وخاصة منها المهتمة بالتنمية
المحلية، البعد الاقتصادي؟ وألا تتصورها العديد من المؤسسات الدولية طريقا نحو
تفعيل الديمقراطية "المحلية"؟
ومهما
تباينت الأسس التي تنبني عليها "الجهوية" (سياسية، ثقافية، اقتصادية،
اجتماعية، طبيعية) فإنّ ارتباطها بتقعيد مبادئ الديمقراطية والمواطنة مجمع عليه،
وليس صدفة أن يتداول موضوع "الجهوية" بشكل كبير بالتزامن مع الحديث عن
"الانتقال الديمقراطي" الذي يعيش المغرب مقدّماته.
وعلى
الرغم من هذا "الإجماع" حول "مبدأ الجهوية"، يبدو، وباعتراف
الجميع، حاكمين ومنتخبين وفاعلين مدنيين وباحثين مهتمين أن مسار اللامركزية
والجهوية بالمغرب يشهد تعثرات، و تعترضه عوائق عدة، إن لم نقل "مقاومات"
من طرف بعض الجماعات و"اللوبيات" التي لا ترى لها مصلحة في تفويض
"المركز" لعدد من الاختصاصات والسلطات ل:"الأطراف"، كما تحدّث
العديد أيضا عن فشل "التجارب الجماعية" التي لم تحقق بشكل كامل النتائج
المرجوة منها!
كيف
نفسر إذن هذه "المفارقة" بين الإجماع حول المبدأ والتعثر في التنفيذ؟ و
ما هي العوائق التي تقف وراء تفعيل هذا الإجماع؟
لو
عدنا للقانون المنظم للجهة الصادر سنة 1997، لوجدناه يتحدّث بتفصيل عن تعريف
"الجهة"، واختصاصات "المجلس الجهوي" وقواعد تنظيمه، وطرق
تسييره ومجالات اشتغاله، وعلاقته بالسلطة المركزية وممثليها، وحدود وصايتها عليه،
ومصادر تمويله، و آليات التعاون بين الجهات...لقد سنّ المغرب بعد فترة وجيزة من
استقلاله مجموعة من القوانين بهدف تفعيل مبدأ "اللامركزية"، بدءا من
القانون المنظم للعمالات والأقاليم سنة 1963 إلى الميثاق الجماعي الجديد لسنة 2002
المعدل لميثاق سنة 1976، ومن قانون 1971 المنظم لوضعية الجهة، إلى الخطة الجديدة
لإصلاح الجهة كما نص عليها قانون 1997 ...
وأمام
كل هذه الترسانة القانونية يظل السؤال مطروحا: هل مشكل "الجهوية" في
جوهره مشكل "قانوني"؟ هل يكفي وضع قواعد قانونية للتغلّب على قضايا
يتداخل فيها ما هو تاريخي و اجتماعي و ثقافي...؟ إذا كان من الصعب نفي أهمية
"القاعدة القانونية" في كونها الخطوة الأولى نحو تطبيق مضمونها، فإنه
يمكن التأكيد أيضا أن المعالجة "القانونية" لموضوع "الجهوية"
تظل عاجزة لوحدها عن الجواب عن سؤال يفترض بطبيعته استحضار الأبعاد الاجتماعية و
الثقافية و الاقتصادية، و هي الأبعاد التي تحول، ربما، دون التفعيل الأمثل
للقوانين مهما كانت دقتها النظرية و راهنيتها العملية.
لقد
كانت "الدولة" المغربية في إرثها التاريخي دولة "تقليدية"
مركزية، أو هي، على الأقل، كانت دائما تطمح لذلك. ولا مجال هنا للاحتجاج بكون
التنظيمات القبلية و العشائرية كانت تشكّل نوعا من أنواع "التنظيم
الجهوي"، إذ "الجهوية" مبدأ حديث يرتبط أشد الارتباط بمفهوم
"الدولة الحديثة" بل إنه تتويج و خلاصة لمسار هذه الدولة نفسها التي
كانت في بدايتها، و جوابا على ضرورات التأسيس، "مركزية" في نظامها. كما
حافظت الدولة المغربية في فترة ما بعد الاستقلال على جوانب كثيرة من مركزيتها بغية
تقعيد سلطاتها الحديثة على مختلف التراب الوطني من جهة، و نتيجة الإرث
"الكولونيالي" الفرنسي ذي الماضي "اليعقوبي" المفرط في
مركزيته.
وإذا
كان المغرب بجغرافيته المتنوعة و نسيجه المجتمعي المتعدد يبدو مؤهلا أكثر من غيره
لاستبطان "الجهوية"، فإنّ ضعف "النخب المحلية" و تقليديتها
(فئة "الأعيان") من جهة، و ضعف، أو على الأقل، تباين الطاقات الاقتصادية
بين "الجهات" و نقص الموارد البشرية و تفشي الأمية، يحول دون التحقيق
الأمثل "للجهوية".
و
مع ذلك، ليست "الجهوية" مبدأ فقط، و لاهي ب: "المفهوم"
المجرّد، بل إنها أيضا سلوك إداري وثقافة يومية وتقنيات عملية. وفي هذا السياق
يعيش المغرب عددا من "المفارقات" التي ينبغي التغلب عليها. وأول هذه
المفارقات، كما يؤكد بعض الباحثين، عدم مسايرة "اللاتمركز الإداري" ل:
"اللامركزية" الفعلية، وما ينتج عنه من تذبذب بعض الإدارات "المركزية"
في تفويض سلطاتها. و ثاني العوائق هو "الوصاية" اللصيقة و المبالغ فيها،
في نظر البعض، و هذا مأخذ ضد سياسة: "المركز" أو من يمثله في الجهة، وما
يقابله أيضا من "فساد مالي" و سيطرة "الأعيان" في تنظيم
الشؤون المحلية وتدبير أمورها، وهذا مأخذ ضد "الجهة" نفسها. و ثالث
العوائق يتمثل في ضرورة ضبط عتبة التوفيق بين معيار الدولة السياسي والأمني
لاستباق أي "خطر جهوي" يهدد وحدة البلاد، واستقلال الجهات الفعلي في
إطار الوحدة السياسية .
و
أخيرا، إذا كانت "الجهوية" مبدأ "عاما" يتفق العالم بأسره على
تبنيه، فإنّ وسائل تفعيله و جعله أمرا معيشا و ثقافة يومية، مسألة
"خاصة" مرتبطة أشد الارتباط بمعطيات ميدانية واقعية. وإذا كان أيضا من
الصعب إصدار حكم جازم على التجربة الجهوية في المغرب، وهي حديثة العهد مقارنة مع
مثيلاتها في البلدان المتقدمة، فإن هذا لا يعفي المسؤولين، حاكمين و منتخبين، من
البحث في الآليات المتلائمة مع أوضاع البلاد والمسايرة لطبيعته في أفق تحقيق
"جهوية" فعالة تجيب على انتظارات المغاربة. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل
حول كيفية معالجة الأبعاد "القانونية" و "المؤسساتية"
للجهوية؟ وعن مدى تأثير الأبعاد "الاجتماعية" و"الاقتصادية"
في تفعيل الجهوية؟ وعن الحدود الفعلية لاستحضار الأبعاد "الثقافية" بحيث
تكون عنصر تكامل وانسجام في هذا المسعى؟
ليست هناك تعليقات