المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

كيفية اختيار موضوع البحث أو الرسالة

اختيار موضوع الرسالة قد يبدو مهمة شاقة على الطالب، إذ أنه ربما ظن أن أهم الموضوعات التي تتصل بتخصصه قد بُحثت ووضحت، والحقيقة أن هذه الفك...


اختيار موضوع الرسالة قد يبدو مهمة شاقة على الطالب، إذ أنه ربما ظن أن أهم الموضوعات التي تتصل بتخصصه قد بُحثت ووضحت، والحقيقة أن هذه الفكرة لا تتفق مع الواقع في شي، فأغلب الأساتذة -إن لم يكن كلهم- يدركون أن موضوعات كثيرة لا  تزال في حاجة إلى من يدرسها ويخرجها للوجود، وكثيرون منهم يشغلون أنفسهم بإخراج واحد من هذه الموضوعات، ويتمنون لو أتيح لهم أن يحصلوا على من يعمل معهم في الموضوعات الأخرى، ولكن الأساتذة يحرصون على أن يتركوا للطالب حرية اختيار موضوعه، ومن أجل هذا كان على الطالب أن يثابر على حضور محاضرات أستاذه، وأن يكون وثيق الصلة بأساتذة المادة التي تخصص فيها، يجالسهم ويناقشهم، وسيصل حتماً إلى معرفة الموضوعات التي تستحق دراسة أوسع وأعمق، فيختار منها ما يلائمه ويوافق ظروفه

وإذا وَجَدَ الطالب من نفسه ميلاً لدراسة موضوع ما، وجب عليه قبل تسجيله والتقيد به أن يسأل نفسه الأسئلة الآتية:
1- هل يستحق هذا الموضوع ما سيبذل فيه من جهد؟.
2- أمن الممكن كتابة رسالة عن هذا الموضوع؟.
3- أفي طاقتي أنا أن أقوم بهذا العمل؟.
4- هل أحِبُّ هذا الموضوع وأميل إليه؟.
فإذا كانت الإجابة بالنفي في أيّ من هذه الأسئلة، فليحاول موضوعاً آخر دون أن يُضيع وقته ونشاطه في دراسة لن تكتمل له فيها عناصر النجاح.
ولنعد إلى هذه الأمثلة بشيء من الإيضاح:
1- ليس كل موضوع يستحق الجهد الذي سيبذل فيه، وعلى هذا يجب أن يحرص الطالب الطموح على أن يختار موضوعاً حيّاً لا يحصل به على الماجستير أو الدكتوراه فقط، بل يفتخر بنشره وتقديمه للقراء بعد ذلك، وهنا أنتهز هذه الفرصة لأحث الطلاب على اختيار الموضوعات النافعة، لا الموضوعات التي تختفي في مكاتب أصحابها بمجرد حصولهم على الدرجة التي تقدموا لها، فليست المسألة أن يكتب الطالب رسالة، أو ينال درجة، بل أن يُخرج موضوعاً مفيداً يكون تذكاراً جميلاً لحياة الدراسة، وأثراً خالداً يتكافأ والوقت الذي قضَي فيه والعناء الذي صودف من أجله، ويدعو مبدأ ربط العلم بالحياة أن يحاول الطالب اختيار موضوع ينتفع به عملياً بعد تمامه، كأن يُحاضر فيه إذا كان مدرساً، أو ينتفع به في معمل أو عمارة إذا كان يشتغل بالعلوم أو الهندسة.
2- وقد يكون الموضوع مفيداً وطريفاً ولكن المادة الموجودة عنه غير متوافرة، ولا تكفي لتكوين رسالة، ومثل هذا الموضوع يصلح لمقال علمي يُنشر في المجلات العلمية، ولكنه لا يكون موضوع رسالة. والمقال العلمي من هذا النوع لا يختلف عن الرسالة من ناحية الكيف، وإن كان دونها من ناحية الكم.
3- وأما السؤال الثالث فيشير إلى حالة الطالب وظروفه الخاصة، ويشمل ذلك اللغات التي يعرفها، والوقت الذي يكون قد خُصِّصَ لهذا العمل، ومقدرة الطالب المالية، فالطالب الذي لا يعرف لغات متعددة لا يمكنه أن يكتب كتابة ناجحة عن موضوع كتب عنه بلغات متعددة كالشيعة والموالي في الدراسات الإسلامية.
وعلى هذا فالطالب الذي لا يجيد إلا اللغة العربية يحسن به أن يختار موضوعاً غير مطروق كثيراً للمستشرقين. حتى يستطيع أن يقرأ كل ما كتب عنه، ولا يصرفنا هذا عن تقرير حقيقة مهمة، هي إن إجادة لغة أخرى غنية على الأقل يُعد عنصراً هاماً من عناصر نجاح الرسالة، حتى يستطيع الطالب أن يقرأ أفكار قوم آخرين، ويرى كيف يعالجون الموضوعات العلمية، وسيلمس بنفسه حينئذ أنهم يختلفون في كثير من الاتجاهات عن قومه الناطقين بلغته، ولا يكفي أن يقرأ الطالب ترجمة أبحاثهم، لأن المربين يقررون أن قراءة أفكار الرجل بلغته تفضل كثيراً قراءة أفكاره بلغة سواه.
وتتدخل اللغات كذلك من ناحية أخرى، فالطالب الذي يجيد الأسبانية أو الروسية مثلاً في بلاد لا تنتشر فيها هاتان اللغتان، يجدر به أن ينتهز هذه الفرصة ويختار موضوعاً كَتَبَ عنه الأسبان أو الروس ليتمكن من نقل بعض أفكارهم إلى قومه.
وللوقت تأثير كبير في اختيار الموضوع، فإذا كان على الطالب أن ينتهي من بحثه في مدة محدَّدَة -كعضو البعثة مثلاً- فإن عليه أن يختار موضوعاً يستطيع الفراغ منه في هذه المدة.
وقد يكون للناحية المالية دخل قوي في اختيار الموضوع، كأن يستلزم السيرُ فيه القيامَ بزيارات نائية للدراسة، أو يحتاج إلى صورة مخطوطات تُطْلب من مكتبات بعيدة مقابل دفع تكالفيها، أو إلى شراء مراجع معينة حديثة لم تُزوَّد بها المكتبات العامة بعد، فإذا كانت حالة الطالب المالية لا تساعده على ذلك فالموضوع لا يناسبه، وقد يناسب سواه.
وبمناسبة الحديث عن المراجع يجدر بنا أن نقول: إن مراجع معنية قد تدفع الطالب لاختيار موضوع خاص، كأن يكون لدى الطالب أو أسرته مكتبة غنية بنوع من الكتب يناسب ثقافته مما قد يشجعه على اختيار موضوع تغذِّيه هذه المكتبة بالقسط الأوفر من المراجع، ويظهر هذا بوضوح في حالة بعض الهنود الذين يميلون لدراسات تتصل بالطائفة الإسماعيلية، لأن بالهند كثيراً من العلماء الذين يملكون مكتبات غنية بالكتب في هذا الموضوع، كما أن الطالب قد يعثر على مخطوط أو عدد من المخطوطات لم تنشر بعد، وفيها مادة جديدة، فيدفعه ذلك إلى موضوع يتصل بهذه المعلومات الجديدة النافعة.
ومثل المراجع أحياناً بعض المصانع، فمصنع السيارات مثلاً قد يُصادف مشكلة ما في عمله، فيحيل المصنع هذه المشكلة إلى كلية متخصصة لتدرسها ولتحاول أن تجد لها حلاً، ويعلن المصنع عادة عن ألوان من المساعدات والتسهيلات للطالب الذي يعني بهذه الدراسة.
4- وأما السؤال الرابع فيتصل بالعاطفة التي لا يمكن أن تتجاهل في هذا الصدد، إذ أن الطالب سيعيش مع موضوعه مدة أقلها سنتان، وعلى هذا يجب أن يختار موضوعاً يحبه، ويمتزج بدمه، ويتصل بروحه، يُقبل دائماً عليه، ويفر لا منه بل إليه.
ومما يناسب تفصيله هنا ما سبق أن أشرنا إليه من أن الطالب لا يختار موضوعاً يتعصَّب ضده أو يتعصب له، فالطالب الشيعي النزعة الإمامي العقيدة لا يكتب رسالة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. والطالب الشيوعي لا يدرس موضوعاً يدور حول نظرة اقتصادية ناجحة يحتضنها الاقتصاديون الرأسماليون، ففي مثل هذه الموضوعات يقف الطالب حائراً بين الأمانة العلمية وبين العاطفة التي قد تثور ضده، فلا يقوى على مواصلة العمل والتحمس له.
وكما أن الطالب لا يختار موضوعاً يتنافى مع عقيدته وعاطفته، فكذلك لا يختار موضوعاً توجب عليه عاطفته أن يسير فيه سيراً معيناً، فلا يكتب طالب رسالة عن أبيه العالم أو السياسي؛ خوف أن يغفل هفواته ويبالغ في تصوير حسناته، ومثل الأب أي إنسان أو أي موضوع يُكِنُّ له الطالب كامل الإجلال والتقدير لعلاقة خاصة.
ويجب أن نبرز نقطتين مهمتين:
1- من الممكن أن يكتب الإنسان كتاباً فيما لا يجوز أن يكتب فيه رسالة، ومن اليسير أن تلمس الفرق واضحاً بين كتاب ورسالة كُتِبَا في موضوع واحد، فمثلاً كتب سامي الكيالي كتاباً  عن طه حسين عنوانه، مع طه حسين، (سلسلة اقرأ عدد مايو سنة 1952) وقدَّم Pierre Cashia لجامعة أدنبرة رسالة سنة 1951 حصل بها على الدكتوراه موضوعها، "طه حسين" والمطلع على السفرين يرى أن سامي الكيالي يمدح الدكتور طه في كل سطر، ويدافع عنه في كل فقرة، ويملأ صفحات كتابه ثناء وإعجاباً بالمفكر الحر والكاتب العظيم دون أن يخط سطراً واحداً ينقده به أو يخالف فيه آراءه، فهذا كتاب وما كان من الممكن أن يكون رسالة. ولكن Pierre Cashia يحلل ويعرض، ويمدح وينقد، ويثني ويعاتب، ويتفق ويختلف، وغير ذلك مما جعل عمله رسالة وكتب له النجاح فيها.
2- إذا استطاع الطالب أن يجرد نفسه تجريداً تاماً من كل ميل، ويبدأ بحثه من أي مؤثر، مستعداً لينقب وليعلن النتائج التي يقوده إليها بحثه الحر، وكان الظروف تتيح له هذا الوضع، فإنه حينئذ يمكنه أن يختار موضوعاً من الموضوعات التي سبق أن حظرناها عليه.
واختيار موضوع الرسالة هو مهمة الطالب كما سبق، وهي مهمة تحتاج إلى إرشاد المشرف وتوجيهه، ويجب أن يكون الموضوع متصلاً تمام الاتصال بتخصص الطالب، وبدراسته بالجامعة في أثناء عمله للحصول على الليسانس أو البكالوريوس، كما يحسن أن يطلب إلى الطالب أن يكتب بضعة بحوث في موضوعات مختلفة في المادة التي تخصص فيها، ويدور بعضها حول موضوعه، قبل أن يبدأ العمل في رسالته، فإن هذه البحوث بإشراف الأستاذ ستعطى للطالب فرصة الدُّربة ليستطيع أن يبدأ عمله في الرسالة بنجاح.
ويميل كثير من الطلاب إلى أن يختاروا للماجستير موضوعاً. يكون هو أو ما يتصل به قابلاً فيما بعد لدراسة جديدة ذات طابع أعمق، وعناصر أوسع، حتى يصلح للدكتوراه، كأن يكتب الطالب رسالة الماجستير عن: أبو نواس: حياته وشعره. ثم يجعل رسالة الدكتوراه عن الخمريات في العصر العباسي الأول. وكأن تكون رسالة الماجستير عن: عبد الرحمن الناصر، ورسالة الدكتوراه عن: الحالة الاجتماعية في العهد الأموي بالأندلس.
ويحرص الطالب الطموح أيضاً على أن يختار للدكتوراه موضوعاً يكون أساساً لدراسات حرة يقوم بها فيما بعد، وقد انتفعت أنا بهذه التجربة فقد كتبت رسالة الدكتوراه عن "تاريخ التربية الإسلامية" وفيها تحدثت عن نقابات المدرسين وعن تاريخ الشهادات الدراسية وغير ذلك، ثم فَتَحَتْ هذه الرسالة أمامي آفاقاً أخرى لأبحاث واسعة في الحضارة الإسلامية، فكتبت مجموعة من الكتب عن السياسة والاقتصاد في التفكير الإسلامي، وعن المجتمع الإسلامي، وعن الجهاد والنظم العسكرية في التفكير الإسلامي...وغيرها.
ويجب أن تكون الرسالة عملاً مستقلاً يقوم به طالب واحد، ويحدث في بعض الأحيان أن يختار عدد من الطلبة موضوعاً واحداً ليبحثه كل منهم بحثاً مستقلاً من زاوية معينة مثل:
الدولة الفاطمية
1- المذهب الإسماعيلي: مبادئه وطرق الدعاية له.
2- السياسة الخارجية لخلفاء الفاطميين.
3- وزراء الدولة الفاطمية.
 كما يحدث أن يختار عدد من الطلاب موضوعاً واحداً ليبحثه كل منهم في فترة خاصة مثل:
الحياة الاقتصادية في الدولة الإسلامية
1- في صدر الإسلام
2- في العهد الأموي
3- في العصر العباسي الأول.

اختيار موضوع البحث (المشكلة):
إن إحساس الدارس الملح بوجود موضوع جدير بالدراسة، أو شعوره بوجوده مشكلة يراد حلها، هما البداية المنطقية للقيام ببحث علمي، أصيل.
هذا هو السبيل السليم إلى الإبداع الفكري، والأصالة العلمية؛ إذ أن أفضل البحوث وأرفعها ما كان مصدره الإلحاح الداخلي، والرغبة الذاتية، فالاختيار الشخصي للبحث مهم جداً

في تقدمه وتفوقه.
أثبتت التجربة بين طلاب البحوث بأن الذين يتوفقون إلى اختيار الموضوعات بأنفسهم يكونون أكثر تفوقاً، ونجاحاً، وسعادة بالعمل من أولئك الذين يفرض عليهم بحث معين.
وفي المقابل يحذر العلماء والباحثون من اعتماد طالب الدراسات على مقترحات الآخرين في اختيار موضوع البحث. يقول الدكتور شوقي ضيف:
"يجد ناشئة الباحثين صعوبة في اختيار موضوعات بحوثهم، وكثيراً ما يلجأون إلى بعض الباحثين، وبخاصة من أساتذة الجامعات ليدلوهم على موضوعات يبحثونها. وهي

طريقة خطرة؛ إذ قد يدلهم هؤلاء الباحثون على موضوعات لا تتفق وميولهم الحقيقية، فيتعثرون فيها، وقلما يحسنونها، ولعل في ذلك ما يجعل أول واجب على هؤلاء الناشئة

أن لا يلقوا بزمامهم في بحوثهم إلى غيرهم، وأن يعملوا على الاهتداء إليها من خلال قراءاتهم، وعكوفهم على كتب الباحثين من قبلهم، يستعرضون موضوعاتها، ويقرأون

فيها؛ حتى يتبين لهم موضوع يتفق وميولهم، ويحاولون بحثه ودراسته..، ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته عالة على غيره من الباحثين الذين سبقوه؛ فإن ذلك يصبح

خاصة من خواص بحثه، ولا يستطيع فيما بعد أن يتحول باحثاً بالمعنى الدقيق لكلمة باحث؛ فقد انطبع بطوابع التبعية لغيره، ولم يعد لنفسه بوجود حقيقي، فوجوده دائماً تابع

لوجود غيره، كوجود النباتات المتسلقة على الأشجار الشامخة".
والطريقة العملية في التوصل إلى اختيار بحث مناسب أن يتخير الباحث مجموعة من المصادر، والكتب في حقل التخصص، متنوعة بين قديم، وحديث، تمثل مدارس فكرية متنوعة،

ومناهج علمية مختلفة، يعكف على تأملها، ودراسة موضوعاتها بتأن وروية، ولن تخونه هذه الدراسة في اكتشاف عدد من البحوث والموضوعات التي تحتاج إلى زيادة في

الدراسة، والبحث. سيجد بعد ذلك أمامه قائمة طويلة بعناوين كثيرة، يلقي بعد ذلك عليها نظرة فحص، واختبار؛ ليقع اختياره على أحدها مما يتوقع فيه مجالاً واسعاً للبحث،

والكتابة.
حسن اختيار الموضوع، أو المشكلة هو محور العمل العلمي الناجح، وليضع الباحث في اعتباره أنه سيكون محور نشاطه، وبؤرة تفكيره لسنوات معدودة، بل ربما كان قرين

حياته إذا استمرت نشاطاته الفكرية في اتجاهه. وليتوخ في الاختيار ما يتوقعه من فوائد علمية في مجال التخصص، أو أهمية اجتماعية تعود بفوائدها على المجتمع؛ يستحق ما

يبذل له من وقت، وجهد، ومال. فالمهم في هذه المرحلة "أن تتخير وتحصل على موضوع له فائدته، وقيمته العلمية في مجال التخصص، وأن تضع في الاعتبار كل الاحتمالات

المتوقعة قبل البدء، من حيث مناسبته للزمن المقدر لمثل هذه المرحلة الدراسية، وأن تكون هذه بداية لدراسة أوسع".
"...كثيراً ما يستهوي الطالب موضوع جذاب، ولكن يتبين له أنه محدود للغاية؛ فلا يصلح لبحث طويل ينال عليه درجة علمية، وإنما قد يصلح لأن يكون موضوعاً لمقال يُنشر في

إحدى المجالات المتخصصة، وكثيراً ما يغير الطلبة موضوعات أبحاثهم بعد أن يكتشفوا ذلك، ولكن بعد أن يكونوا قد صرفوا وقتاً، وجهداً كان أولى بهم أن يبذلوه فيما يعود

بالنفع عليهم...".
وفي سبيل اختيار موفق لدراسة موضوع علمي يستحسن أن يتفادى الباحث في هذا الاختيار الأمور التالية:
أولاً: الموضوعات التي يشتد حولها الخلاف؛ حيث إنها بحاجة إلى فحص وتمحيص، ومن الصعب للباحث أن يكون موضوعياً في الوقت الذي تكون فيه الحقائق، والوقائع مختلفاً

فيها؛ إذ ليس البحث مجرد عرض آراء المخالفين، والمؤيدين فقط.
ثانياً: الموضوعات العلمية المعقدة التي تحتاج إلى تقنية عالية؛ لأن موضوعات كهذه ستكون صعبة على المبتدئ في هذه المرحلة.
ثالثاً: الموضوعات الخاملة التي لا تبدو ممتعة، فإذا كانت المادة العلمية من الأساس غير مشجعة؛ فإنه سيصبح مملاً، وعائقاً من المتقدم.
رابعاً: الموضوعات التي يصعب العثور على مادتها العلمية في مراكز المعلومات المحلية، وبصورة كافية، فليس من الحكمة أن يستمر الطالب في بحث تندر مصادره.
خامساً: الموضوعات الواسعة جداً: فإن الباحث سيعاني كثيراً من المتاعب، وعليه من البداية أن يحاول حصره، وتحديده، بدلاً من طرحه كما خطر بباله.
سادساً: الموضوعات الضيقة جداً: بعض الموضوعات قصيرة، وضيقة، ولا تتحمل لضيقها تأليف رسالة علمية في حدودها، وسيصيب الباحث الكثير من العنت في معالجتها.
سابعاً: الموضوعات الغامضة: يتبعها غموض الفكرة؛ فلا يعرف الباحث ما الذي يمكن تصنيفه من المعلومات مما يدخل تحتها، والأخرى التي يجب حذفها منه، وينتج عن هذا أن

الباحث ربما قرأ الكثير مما ليس له صلة؛ أو علاقة بالموضوع، وحينئذ يصعب أن يخرج برؤية، وتصور واضح له.
فإذا تم اختيار البحث على ضوء التعليمات السابقة وهو الجانب الأول، فإن اختبار استعداد الباحث له هو الجانب الآخر، فليتلمس في نفسه مدى توافره على العناصر التالية:
الكفاءة العلمية أولاً، والرغبة الصادقة في البحث ثانياً.
أما بالنسبة للعنصر الأول وهي الكفاءة العلمية "فإن دراسة أي بحث من البحوث العلمية يتطلب مستوى علمياً معيناً، وسيكون لهذا دوره الكبير في الإحاطة بالموضوع، وتحديد

زمن دراسته.
والبحث بحاجة إلى وقت قد يطول، وقد يقصر حسب طبيعة الموضوع، فمن الموضوعات ما يحتاج إلى رؤية، وقراءة متأنية، ومنها ما يحتاج إلى الكتابة المسهبة، وكلاهما

يستلزم الصبر.
وأما بالنسبة للرغبة في كتابة بحث بعينه، فإن نتائج هذا على البحث واضحة؛ إذ يكون أكثر متعة، والكتابة فيه تكون في مستوى أفضل، وبالتالي يتضاعف حماسه لإنهائه

في أحسن شكل، وأسلوب، وعلى العكس من ذلك، فإن الطلاب الباحثين يشعرون بالسآمة حالاً حينما لا يكون الموضوع ممتعاً، أو مستهوياً لهم، ولهذا تأثيره في سيرهم في

البحث بالبطء، والإهمال، فمن المستحسن مقدماً تبين هذه الأحوال قبل التورط فيها، وهذا يتطلب إمعان النظر طويلاً، وبشكل دقيق في الموضوع الذي وقع عليه الاختيار،

والتأكد من أهميته.
وأخيراً فإن موافقة المشرف على موضوع البحث هو حجز الزاوية، فمما لا شك فيه أن أكثر المشرفين من الأساتذة على الرسائل العلمية عندما يعرض عليهم موضوع للموافقة

عليه، ينظرون أولاً إلى مدى استعداد الطالب للقيام بتلك الدراسة، وإلى توافر المادة العلمية، ومصادر البحث ثانياً. والمشرف الواعي هو الذي ينظر نظرة متساوية إلى الموضوع

الذي وقع عليه اختيار الطالب بأنه مفيد، ومهم، وإلى المستوى العلمي للطالب، ومدى استعداده لبحث، ومعالجة موضوعاته".
اختيار الموضوع لا يعني تلقائياً تحديده، وبخاصة في الموضوعات العلمية، والثقافية ذات العلاقة بأكثر من علم، أو فن، وحتى في الموضوعات المختصة بعلوم معينة، فإنها

بحاجة إلى تحديد العناصر المطلوب دراستها.
فلا بد أولاً قبل كل شيء من صياغة الموضوع، (أو المشكلة) صياغة تتبين منها أبعاده، طبيعته، عناصره، الإشكالات حوله. من كل هذه الأمور مجموعة يتوصل الباحث إلى

تحديد الموضوع، أو المشكلة بصورة دقيقة، ومنها ينطلق إلى وضع خطة البحث.
من المسلم به أن هذه المرحلة تعد من أصعب المراحل، وبخاصة بالنسبة للباحث المبتدئ، إلا أنه يساعد على التغلب عليها:
أولاً: قراءة كل ما له صلة بالموضوع، أو (المشكلة) من البحوث، والكتابات، بحيث يصبح على إلمام تام بكل ما كُتب حولها، أو في مجالها.
ثانياً: الاستفادة من الخبرات العلمية التي اكتسبها البحث خلال السنين من القيام بعمل من الأعمال إذا كان ذا صلة بموضوع البحث، أو المشكلة، مما يهيء له كفاءة علمية جيدة

في البحث.
ثالثاً: البحوث الماضية التي سبق للباحث القيام بها.
أما الباحث المبتديء فإن استيعابه قراءة المكتوب في الموضوع، أو المشكلة يعطيه الثقة بأهمية البحث، وأنه جدير بالدراسة.
والبحث الجيد هو الذي يمد الباحث بالكثير من الأفكار، ويثير تساؤلات أكثر مما يقدم من إجابات.
        المبحث الثالث: خصائص البحث العلمي (Characteristics of scientefic Research):
تعريف: لعل تعريف البحث أسهل من تعريف العلم، رغم ذلك لم ينفق العلماء والباحثون العلميون على تعريف واحد، فكلمة (بحث) غير محددة، متعددة الوجوه، تتسم بالمرونة مثل (العقل) تستخدم في هذه الأيام لوصف كثير من الأنشطة، التي يبدو للوهلة الأولي أن لها روابط ظاهرية قليلة فيما بينها، أو بينها وبين العلم، ولها أيضا عدد من الروابط الأخرى، مما يثير غضب العلماء من ذوي الخبرة.
والاختلاف واسع الانتشار في استخدام كلمة (بحث) يوحي بتعدد التفسيرات الممكنة، ينحصر إحداها في أولئك الذين يعتقدون أنهم يستخدمون الكلمة بمعني صحيح وحصري وهم أقلية محدودة، وعلى كل حال فإن تحليل جميع التعاريف والاستخدامات السارية فيما يتعلق بكلمة (بحث)، أمر يتجاوزه الحيز المتاح، ومن خلال استعراضنا لتعاريف متعددة لكلمة (بحث) نستطيع أن نميز بعض الخيوط أو العناصر العامة.
إن الفعل ( RESEARCH) ( يفيد البحث) يعني ينشد ثانية، أو يفحص الشيء ثانية بعناية، أما الاسم (بحث) فيعرف عادة بأنه التقصي بعناية، وبخاصة الاستقصاء المنهجي في سبيل زيادة مجموع المعرفة، الذي يزداد بإضافة معرفة جديدة.
والبحث في اللغة كما يقول ابن منظور: "البحث طلبك الشيء في التراب" والبحث: "أن تسأل عن شيء وتستخبر" وعند الجرجاني: "البحث لغة: هو التفحص والتفتيش، واصطلاحاً: هو إثبات النسبة إيجابية أو سلبية بين الشيئين بطريق الاستدلال" ومعني اصطلاحي آخر يقول: "طلب الحقيقة وتقصيها وإشاعتها بين الناس" وقد ذكر المؤرخ التركي المعروف حاجي خليفة في كتابة "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون": أن التأليف والبحث لا يخرج عن أن يكون في سبعة أنواع، ونصت عبارته الشهيرة: "التأليف في سبعة أنواع" لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي:
1- إما إلى شيء لم يسبق إليه فيخترعه.
2- أو شيء ناقص يتمه.
3- أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه.
4- أو شيء متفرق فيجمعه.
5- أو شيء مختلط يربطه.
6- أو شيء مغلق يشرحه.
7- أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه.
أما في المصطلح العلمي، فقد تعددت معاني البحث فهو: "تقرير واف يقدمه باحث عن عمل أتمه وأنجزه، بحيث يشمل هذا التقرير كل مراحل الدراسة منذ كانت فكرة حتى صارت نتائج معروفة، مدعمة بالحجج والأسانيد".
وتعريف آخر: "البحث هو التنقيب عن حقيقة ابتغاء إعلانها دون التقيد بدوافع الباحث الشخصية أو الذاتية إلا بمقدار ما يفيد في تلوين البحث بطابع الباحث وتفكيره ويعطيه روحه التي تميزه عن غيره".
وآخر: "محاولة صادقة لاكتشاف الحقيقة بطريقة منهجية وعرضها بعد تقص دقيق ونقد عميق، عرضاً ينم عن ذكاء وفهم، حتى يستطيع الباحث أن يقدم للمعرفة لبنة جديدة ويسهم في تقدم الإنسانية".
وأيضاً: "البحث العلمي هو البحث النظامي والمضبوط والخبري (Empirical) في المقولات الافتراضية عن العلاقات المتصورة بين الحوادث الطبيعية" و "البحث استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف يمكن توصيلها والتحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي، ونستطيع أن نجمع مضمون ما ذكر ناه من التعاريف السابقة بما يلي:
"البحث العلمي هو نتاج إجراءات منظمة ومصممة بدقة من أجل الحصول على أنواع المعرفة والتعامل معها بموضوعية وشمولية، وتطويرها بما يتناسب مع مضمون واتجاه المستجدات البيئية الحالية والمستقبلية"، ولا بد لنا من التأكيد على نقطتين هامتين:
إن البحث العلمي نظامي ومضبوط، وإن البحث العلمي خبري، أي أن ما يحصل عليه الباحث العلمي يكون موضع اختبار، مما لا يسمح للباحث التساهل بالدقة والصحة والموضوعية في كل ما يصل إليه من نتائج.
إن ما يميز البحث العلمي عن الأنشطة الأخرى خصائصه، ورغم أن جميعها تشترك في خاصتي جمع الحقائق والبيانات وتبلغها، إلا أن الاستقصاء العلمي يهتم ويتسم بمجموعة من الخصائص والسمات هي:
1- الموضوعية: (Objectivity) الموضوعية في البحث والموضوعية في عرض النتائج، ورغم أنها حديثة على الفكر العالمي، إلا أنها أهم خصائص البحث العلمي، فالبحث العلمي يجب أن يكون منزهاً عن الهوى الذاتي، وأن تكون غايته الأولى الدخول إلى الحقيقة واكتشافها، سواء اتفقت مع ميول الباحث أم لم تتفق، ونشير بتحفظ إلى أن البحث رغم أنه لا يستطيع أن يتخلى عن الذاتية التي تتجلى في أثر الباحث، والتي تحدد نوع الإبداع والابتكار، وتعطيه طابع الأسلوب الشخصي فإن الصفة الموضوعية تلك التي تتجلى في تطبيق الوسائل العلمية على البحث، واستخدام المادة واستقرائها ومعالجتها بالتنقيب والتحليل والموازنة بذكاء وفهم، لتقود الباحث إلى الحقيقة المنزهة عن الهوى المؤيدة بالحجج والأسانيد، وجميع البحوث على الرغم من تنوع حقولها، علمية كانت أم اجتماعية أم فنية أم أدبية، لابد أن تسير في تحقيق أهدافها على الأسلوب الموضوعي المنهجي، فهي واحدة في جوهرها:
2- التكرار والتعميم: (Repetition) يهتم الاستقصاء العلمي في المقام الأول بالتعميم وتعريف الخصائص العامة، وأنماط السلوك المشتركة بين الأشياء والأحداث التي تتم ملاحظتها على انفراد بشكل موضوعي، وأن تكون تجربة الملاحظة قابلة للنقل للآخرين، أي أن تكون معرفة متبادلة بين الأشخاص ويعني التكرار إمكانية الحصول على نفس النتائج تقريباً، إذا تم أتباع نفس المنهج العلمي، وخطوات البحث مرة أخري، وفي ظروف وشروط موضوعية وشكلية مشابهة، والتعميم نوعان، أما بالنسبة للخصائص التي تتيح تصنيف الأشياء أو العلاقات القائمة بين الخصائص أو قد يكون التعميم والتكرار مستقلين تماماً عن الزمن والمكان والفرد الملاحظ.
3- الخصائص والتصنيف: نقصد بالخصائص الشيء المركب من الملاحظات السابقة والأسباب تتصل دائماً بالخصائص النوعية للأشياء أكثر من صفاتها الكمية، أما التصنيف: فهو إضفاء المنهجية الواعية على نزعة الجدولة والتعميم، والذي توضح فيه الأسباب جمع الأشياء المتشابهة، ويتراوح التصنيف بين العناصر المكونة للأشياء (البللورات) إلى التصنيف العملي (المنهجي) وتصنيف الأمراض، إلى التصنيف المستحيل تقريباً، مثل تصنيف السلوك الإنساني، ويمكن أن يسبب التصنيف النظري عدداً من المشكلات وعلى سبيل المثال: نجد أن تصنيف الصخور يقع في ثلاثة أنواع رئيسة: الصخور النارية، والصخور الرسوبية والصخور المتحولة، ولكن ماذا عن تدفقات الحمم النارية، وهي بركانية الأصل، لكنها تتواجد بين طبقات رسوبية أخرى.
4- بيان الاختلافات والضوابط: القياس الكمي والمعايرة، على الباحث العلمي أن يحاول بيان الاختلافات القائمة بين الأشياء، وقد تكون هذه الاختلافات نوعية أو كمية، ويتطلب قياس الاختلافات.
أولاً: وجود آلة القياس والتقدير الكمي الفعلي لهذه الاختلافات.
وثانياً: توافر معايير مشهود بدقتهاً، وتوضح المعايرة التفاعل بين التقانة والنظرية والحاجة الاجتماعية، وهو الذي يؤدي إلى مختلف صور التقدم للجمعيات العلمية ولهذه وللأنشطة الحكومية دور هام في هذا المجال، ولقد أصبح من الضروري وجود معايير مقبولة على الصعيد الدولي، وتشترك الهيئات العلمية الموجهة إلى الفروع العلمية المتخصصة بالإضافة إلى منظمات عامة (الإكسو) في مثل هذه الأعمال الأساسية للتوحيد القياسي الخاص بفروع علمية معينة، وربما الباحث العلمي العادي أقل دراية بالكثير من هذا النشاط، ومثال جيد لأحد المجهودات الدولية في مجال التوحيد القياسي هي منظمة (الصحة العالمية) و(الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان)، عن معايير تشخيص الأمراض الخبيثة وتصنيفها وتحديد مراحلها.
5- اليقين: ونقصد به استناد الحقيقة العلمية على مجموعة كافيه من الأدلة الموضوعة المقنعة، وهي صفة ترتبط بالتعميم، واليقين العلمي هو اليقين المستند إلى أدلة محسوسة، وهو ليس مطلقاً لا يتغير، لأن العلم لا يتسم بالثبات ولا يعترف بالحقائق الثابتة فالحقيقة العلمية هي حقيقة نسبية لا مطلقة، تتبدل وتتغير أثناء تطورها، لكنها حقيقة موثوقة.
6- تراكم المعرفة: ونقصد بذلك أن يستفيد الباحث ممن سبقه من الباحثين، فيكمل الخطوات الصحيحة ويوسع النطاق، من نهاية ما توصل إليه غيره، وبهذا فإن المعرفة العملية ترتفع عمودياً، وكل معرفة علمية جديدة يؤخذ بها وتصبح سابقتها في صف النسيان، لهذا فإن الحقيقة العلمية حقيقة نسبية ترتبط بفترة زمنية معينة، تتطور ولا تقف عند حد معين، كما لا ترتبط بباحث معين، فهي ليست ذاتية بل موضوعية تفرض نفسها على كل العقول.
7- البحث عن الأسباب: وهو عامل هام في فهم الظاهرات المدروسة، ولمعرفة الأسباب أهداف نظرية وأخرى عملية، وهذه هي بذاتها أهداف العلم، ويتم فهم الظاهرات بمعرفة الأسباب وعوامل النشوء والتطور، بهدف الضبط والتأثير والزيادة أو النقصان، وبالتالي التحكم بالظاهرة وإخضاعها للتجربة والتعديل والتطوير.
يبحث العلم عن الأسباب المباشرة، والبحث عن الأسباب يعمل على إرضاء حب الإنسان للاستطلاع والمعرفة والفهم، وزيادة قدرته على السيطرة على الظاهرات بوساطة معرفة أسبابها والتحكم فيها. وهي أسئلة محدودة، وقد يصعب على الباحث رد بعض الظاهرات إلى سبب معين، فالمطر لا ينتج عن التبخر نفسه ولا عن زيادة الرطوبة وحدها، ولا عن انخفاض درجة الحرارة وحدها، بل ينتج عن جملة أسباب تتكامل وتؤدي إلى ظاهرة المطر، لهذا لابد من توسيع فكرة (السببية)، وهذا ما جعل التفكير العلمي ينظر إلى الظاهرة ويفسرها من خلال تفاعل مجموعة من العوامل والعلاقات المتشابكة في مدخلات هذه الظاهرة.
8- التجريد والقياس الكمي: أو التكميم (Quantification) وهي سمة تميز التفكير العلمي عن أنماط التفكير الأخرى، يحدد الباحث مشكلاته وإجراءاته وفروضه، وبهدف الدقة فإنه يستخدم اللغة الرياضية، وهي لغة تقوم على أساس القياس المنظم الدقيق، ويؤدي هذا بالتالي إلى فهم دقيق للظاهرات، لأن الأحكام الكيفية تعطي فهماً خاطئاً لها، تقول: الجو حار، ولكن نحدد بدقة صفة الحرارة هذه حينما نقول: درجة الحرارة (45م) والجو بارد ونحدد حد البرودة حينما نقول: درجة الحرارة (10) والفرق بين الحار والبارد كماً هو (30م) وبهذا يجرد الباحث الأشياء من صفتها ومادتها حينما يستخدم الأرقام والقياس الكمي.
9- التنظيم: يستند التفكير العلمي إلى منهج معين في طرح المشكلة، ووضع الفروض والبرهان، ويتم وضع ذلك بشكل دقيق ومنظم، وهو فحوى المنهج العلمي، وهذا بدوره وسيلة العلم، فالعلم، معرفة منهجية تبدأ بالملاحظة ووضع الفروض واختيارها، بوساطة التجريب ثم الوصول إلى نتائج.
ونقصد بالتنظيم طريقة التفكير، وتنظيم العالم الخارجي؛ لأن الباحث العلمي يدرس الظاهرة في علاقاتها مع الظاهرات الأخرى؛ فيكشف العلامة بين الأسباب والنتائج ويكشف الصلات بين الظاهرات، والتنظيم ليس سمة للتفكير العلمي فقط ، لكن ما يميزه عن أنماط التفكير الأخرى هو أنه يأتي من جهد الإنسان وإرادته، لأن العقل العلمي هو الذي يضع النظام ويقيم العلاقات المنظمة بين الظاهرات، والوصول إلى الظاهرات هو غاية العلم والعالم، بينما يعتبر النظام هو الأساس الذي ينطلق منه الآخرون.
10- الدقة: وهي سمة يجب أن تلازم البحث العلمي، وتشمل في جوهرها جميع السمات السابقة ابتداء مع الباحث منذ بدء التفكير بالبحث، وما يميز البحث العلمي عن غيره من أنماط التفكير هي الدقة، إن تحديد مشكلة البحث، والقيام بالإجراءات، وبيان النتائج، واحتمالية الوصول إليها، والتعميم كل ذلك يجب أن يتم بدقة، لهذا نعطي هذه السمة صفة الشمول لكل ما يقوله الباحث أو يدونه أو يتوصل إليه من خلال بحثه.
        اختيار الموضوع:
يعد اختيار الموضوع الخطوة الأولى في مراحل إعداد البحث العلمي، وهذا الاختيار ليس مهمة يسيرة إنه يتطلب من الباحث قراءة واسعة في مجال التخصص، وقدرة على معرفة القضايا التي تحتاج إلى دراسة، إما لأنها لم تدرس من قبل، أو درست على نحو غير صحيح، أوجدت آراء ومشكلات تقتضي المراجعة ولتغيير في منهج البحث.
وبتلك القراءة الواسعة، وهذه القدرة الفاحصة يستطيع الباحث أن يختار موضوع بحثه احتيارا سليما؛ لأنه قام على تمثل واضح لأهم أبعاد الموضوع، والإلمام بمصادره، والرغبة الذاتية في دراسته.
وإذا كان على ناشئة الباحثين قبل اختيار موضوعاتهم، أن يوثقوا صلاتهم بأساتذة المادة التي تخصصوا فيها، وأن يجالسوهم ويناقشوهم حول الموضوعات التي تستحق الدراسة، فإن على هؤلاء الباحثين أن يحذروا قبول ما يملى عليهم من هؤلاء الأساتذة، وأن يدركوا أن التوجيه في هذه الحالة لا ينبغي أن يفقدهم حرية الاختيار، وتردد النظر فيما اقترحه أساتذتهم حتى يطمئنوا إلى أهمية الموضوع وفائدته، والقدرة على دراسته، والميل الخاص نحوه؛ لأن الباحث في النهاية هو المسئول عن موضوعه وليس أستاذه.
والباحث الذي يقبل ما يقترحه أستاذه دون إرادة ورغبة لا يحسن بحثه غالبا، وقد يتعثر فلا يواصل الدراسة، ثم هو بهذا يبدأ رحلة البحث العلمي عالة على سواه ممن لهم تجربة متكررة سابقة في هذا الميدان. وهذه البداية، بداية تابعية  لغيره، ومن ثم لا يستطيع أن يكون باحثا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة.
والموضوع فضلا عما أومأت إليه كلما كان دقيق العنوان ومحدد الفكرة، أو ضيق الدائرة، وكان يتناول مشكلة وثيقة الصلة بالحياة الإنسانية، كانت دراسته أكثر جدوى ، وأقرب إلى الكمال والنضج العلمي. فاختيار الموضوع لكي يتوافر له السداد ينبغي أن يراعى فيه ما يلي:
1- القراءة الواسعة ولا سيما في مجال التخصص.
2- ألا يكون الموضوع مكررا، أو درس من قبل دراسة لا تدع مجالا لتعقيب أو قول جديد.
3- التأني في الاختيار، "وأن يتوافر لدى الباحث ما يسمى بالحاجة إلى تقديم مساهمات مبتكرة وأصلية.
4- أن يكون عنوان الموضوع قصيرا، ومحدد المدلول، يشمل كل ما يستوعبه من جزئيات وتفاصيل.
5- أن يكون الموضوع أكثر صلة بالحياة، حتى لا يتوارى في مكتب صاحبه بمجرد حصوله على الدرجة التي تقدم لها.
6- تضييق دائرة الموضوع، حتى يتمكن الباحث -وبخاصة إذا كان ناشئا- من دراسته دراسة دقيقة لا تعرف الضعف أو الضحالة.
7- أن تتوافر مصادره وأن يكون الباحث قادرا بنفسه على الرجوع إليها، ولذا كان عليه أن يتجنب اختيار موضوع مصادره نادرة، أو مفرقة في أماكن شتى، ويتعذر الحصول عليها، كما أن عليه أيضا أن يتجنب اختيار موضوع يفتقر إلى لغة لا يتقنها، فالترجمة وحدها لا تكفي بصورة دقيقة للاعتماد عليها في هذه الحالة.
        اختيار الموضوع:
هذه في تقديري أهم مراحل البحث، وأكثرها جهدا ومشقة؛ إذ يكون الباحث الذي هو بصدد الاختيار أمام بحر لجي من المعارف والمؤلفات والأفكار التي طرحت في الميدان الذي يبحث فيه، ولا سيما أن تراث أمتنا في كل المعارف عظيم الثراء، وهذا يضاعف من الصعوبة التي يجدها الباحث.
والباحث الجاد الصادق يحس بمسئولية أعظم لأنه لا يريد كتابة أي بحث يوصله للدرجة التي يريدها، ولكنه يريد بحثا يحقق فيه نتائج يذكرها له معاصروه والباحثون من بعده.
واختيار الموضوع يدل دلالة واضحة على عقل صاحبه، وعلمه، وخبرته بتراث قومه، فهو حصيلة جهد ومثابرة، واطلاع واسع، وخبرة باحتياجات الفن الذي يبحث فيه.
وهناك عوامل عدة تسهم في نجاح الموضوع وتدل على مدى التوفيق في اختياره. ومن ذلك:
أ- الصياغة الدقيقة لعنوان الموضوع أو ترجمته.
ب- حجم الدراسة فيه كماً وكيفاً.
ج- طرافته وجدته.
د- صلته بالمطالب الحيوية للمجتمع الذي ينتظر أن تسهم المعرفة في رقية عقليا وماديا.
هـ- صلته بميول الطالب ومعارفه.
و- مراجع الموضوع ومدى توافرها، ولا تعني كثرتها؛ لأن الكثرة قد تكون مشكلة تدفع الطالب إلى نقول كثيرة تغيب معها شخصيته.
على أن الطالب الواعي يستطيع أن يعالج ذلك بمهارة وحسن تصرف.
وقضية التعامل مع المراجع لها حديث آخر.
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات