مقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد، لقد بات موضوع المحافظة على ال...
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد، لقد بات موضوع المحافظة على البيئة حديث المثقفين والمفكرين والعلماء في العالم كله حيث أصبحت من أهم القضايا التي يوليها العالم اهتماما كبيرا في هذا العصر، بل تحولت إلى هم يؤرق حياة المهتمين بشؤون المجتمعات البشرية.
ومع أن الدول أولته اهتماما بالغا وذلك بخلق مؤسسات دولية وشعبية وإقليمية إلا أنها لم تتمكن من وقف الاستغلال العشوائي للبيئة، كما لم توقف مسلسل الاعتداءات المتكررة على مكوناتها، الشيء الذي دفع العلماء والباحثين إلى البحث عن مداخل أخرى لعلاج قضايا البيئة وتتعلق بضمير الإنسان وعقيدته ويأتي تفعيل دور الدين وخاصة الإسلام في مقدمة هذه المداخل باعتباره شاملا لم يغفل صغيرة أو كبيرة من حياة الإنسان في الأرض، فهو دستور الحياة الشاملة للبشرية كافة حتى الساعة مصداقا لقوله عز وجل: " ما فطرنا في الكتاب من شيء" .
ويقول تعالى في كتابه العزيز: " وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" .
وبالتالي أصبح الإنسان في حاجة إلى دراسات وأبحاث تزاوج بين القضايا الكونية المعاصرة وبين
الشريعة الإسلامية، وهي دراسات تتطلب الجمع بين تخصصات مختلفة، بالإضافة إلى الإلمام بمصادر التشريع الإسلامي، والقدرة على الربط بين النواحي العلمية والشرعية.
وهذا النمط من الدراسات ذو أهمية بالغة في معالجة القضايا المعاصرة والتقعيد لها، استنادا لما جاء في القرآن والسنة النبوية. وفي نفس الوقت، هذه الدراسات خير دليل لغير المسلمين على مرونة الشريعة الإسلامية، وملاءمتها لحل المشكلات المستعصية التي ظهرت في المجتمعات المعاصرة.
وهذا البحث المتواضع هو محاولة لدراسة موضوع المحافظة على البيئة في الإسلام والمواثيق الدولية، حيث يتم التطرق لقضية البيئة من منظور علمي وإسلامي استنادا إلى ما ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية من أحاديث شريفة، وما ورد في المراجع العلمية الحديثة.
وكان سبب اختياري لهذا البحث هو هيمنته وسيطرته على الساحة الدولية والحاجة الماسة لتوضيح موقف الإسلام منه.
الفصل الأول: البيئة والمواثيق الدولية.
لا تزال الأرض مصدر رزق وفير وخيرات كثيرة جدا للإنسان، فضلا عن حياته وموته عليها، لهذا كله حظيت الأرض برعاية واهتمام التشريعات والدراسات المختلفة.
فقد ظلت البيئة دوما موضع اهتمام البشر على مر العصور، وتطورت رؤاهم وتصوراتهم للبيئة وقضاياها عبر القرون. فقد أدى الاستخدام المكثف لهذا المصطلح على كافة المستويات، وفي كل مجالات المعرفة إلى اكتسابه لمفاهيم متعددة بتعدد العلوم الإنسانية، ومختلفة باختلاف مضامينها وغاياتها. ونظرا لتداخله في كل العلوم أصبح دارجا الحديث عن البيئة الاجتماعية والجغرافية والبيئية الاقتصادية والبيئة الحضارية...إلخ.
لقد بات هذا المفهوم شائع الاستخدام، يرتبط مدلوله بنمط العلاقة بينه وبين مستخدمه، حيث أنه مرتبط بالعديد من النشاطات الحيوية. لذا فمن الصعب تحديد تعريف شامل للبيئة؛ فهي تتجاوز الطبيعة الفيزيائية إلى مختلف الوجود الإنساني، وتتنوع بتنوع نشاط الإنسان، والذي يعد في جوهره جدلا بين الإنسان والطبيعة، وهو الذي أثمر الحضارة الإنسانية بأسرها. لذا سأعرض في هذا الفصل: إشكالية تعريف هذا المصطلح وعلاقته بالمواثيق الدولية، وتطوره إلى قانون خاص يطلق عليه قانون البيئة.
المبحث الأول: مفهوم البيئة.
من الصعب تقديم مفهوم للبيئة دون التطرق إلى المفهوم اللغوي، فالمفهوم العلمي الذي يعطي صورة للمفهوم القانوني.
المطلب الأول: المفهوم اللغوي.
يعود الأصل اللغوي لكلمة البيئة في اللغة العربية إلى الجذر " بوأ" الذي أخذ منه الفعل الماضي "باء"
قال ابن منظور في معجمه الشهير لسان العرب : باء إلى الشيء أي رجع إليه، وذكر المعجم نفسه معنيين قريبين من بعضهما البعض لكلمة " تبؤأ":
الأول: إصلاح المكان وتهيئته للمبيت والثاني: بمعنى النزول والإقامة.
كما ورد معنى البيئة في أساس البلاغة ، وفي القاموس المحيط بمعنى المنزل، وقد جاء في الشعر بمعنى التهيئة والإنزال في المكان.
وبوئت في صميم معشرها وتم في قومها متبوؤها
فالبيئة اسم واستباءة اتخذه مباءة، وتبوأت منزلا بمعنى نزلته وحللت فيه .
وفي الصحاح للجوهري ، المباءة منزل القوم في كل موضع، ويقال في كل منزل ينزله القوم.
قال طرفة بن العبد:
طيبو الباءة ولهم سبل إن سئت في وحش وعر
أما في المعجم الوسيط : فالبيئة هي المنزل والحال، ويقال بيئة طبيعية، وبيئة اجتماعية، وبيئة سياسية...
وفي المنجد : بوأه منزلا: هيأه له وانزله فيه.
أما في المعاجم الفرنسية فالفظ environnement الذي هو ترجمه للفظ البيئة يعني مجموع العناصر والظروف الطبيعية للمكان من أرض وماء وهواء وكائنات .
وفي المعاجم الانجليزية للبيئة مصطلحان متداخلان" environment":وهو يعني الظروف أو المؤثرات الخارجية التي لها تأثير في حياة الكائنات ( بما فيها الإنسان) ومصطلح Ecology: هو علم الأرض .
مما سبق يمكن استخلاص أن البيئة هي النزول والحلول في المكان ويمكن أن تطلق على المكان الذي يعيش فيه الإنسان ويستقر فيه، هذا بالنسبة للغة العربية. أما في اللغات الأجنبية فتعني مجموع العناصر والظروف والمؤثرات التي تؤثر في الكائنات الحية بما فيها الإنسان.
المطلب الثاني: المفهوم العلمي للبيئة.
من الناحية العلمية، تعرف البيئة بأنها الأحوال الفيزيائية والكيميائية والإحيائية للإقليم الذي يعيش فيه كائن حي .
تعرف أيضا بأنها: " كل ما يحيط بالإنسان من أشياء تؤثر على الصحة،فتشمل المدينة بأكملها،مساكنها،شوارعها،أنهارها،آبارها،شواطئها، كما تشمل كل ما يتناوله الإنسان من طعام وشراب وما يلبسه من ملابس بالإضافة إلى العوامل الجوية والكيميائية وغير ذلك" .
أما في علم الأحياء فالبيئة تعني"كل العوامل والظروف الخارجية التي تؤثر في أي كائن حي أو مجتمع حي ما"
ومن تعريفات البيئة في هذا العلم أيضا ما قاله البعض أن للبيئة مفهومين يكمل بعضهما الآخر: " أولهما البيئة الحيوية وهي كل ما يختص بحياة الإنسان وبعلاقته بالمخلوقات الحية، الحيوانية والنباتية التي تعيش معه.
أما ثانيهما فهي البيئة الطبيعية وتشمل موارد المياه والفضلات والتخلص منها، والحشرات وتربة الأرض والمساكن والجو ونقاوته أو تلوثه والطقس، وغير ذلك من الخصائص الطبيعة للوسط" .
أما البيئة في الجيولوجيا فتعرف بأنها " كل الظروف الفيزيقية والكيميائية والبيولوجية وكذلك القوى والمؤثرات الأرضية التي تؤدي إلى ترسيب صخر ما في إقليم جغرافي معين".
أما في علم الاجتماع فالبيئة تعني " الأحوال الاجتماعية والطبيعية التي يعيشها الإنسان" .
إن البيئة في مفهومها التقليدي " اقتصرت على البعد الايكولوجي أو الطبيعي:
• البيئة العادية التي تتألف من مجموع المكونات غير الحية.
• البيئة البيولوجية التي تتألف من مجموع الكائنات الحية بما فيها الإنسان.
• العلاقات المتبادلة والتوازن القائم بين هاتين البيئتين.
أما البيئة بمفهومها الواسع فهي تشمل البعد الايكولوجي إلى جانب الأبعاد الأخرى: أبعاد تكنولوجية، اجتماعية، اقتصادية، تاريخية، ثقافية...الخ.
وكل بعد من هذه الأبعاد يتفاعل مع الأبعاد الأخرى ويلعب دورا حيويا في توازن هذا الكل. فعندما نقول البيئة فنحن نقصد جميع العناصر التي تحيط بالإنسان وتتفاعل معه من خلال قيامه بنشاطاته الحيوية" .
يمكن إدراج تعريف آخر مشابه لما سبق ذكره، فالبيئة حسب بعض الباحثين: "عبارة عن نسيج من التفاعلات المختلفة بين الكائنات العضوية الحية بعضها البعض ( إنسان، حيوان، نبات...) وبينها وبين العناصر الطبيعية غير الحية ( الهواء، الشمس، التربة...) ويتم هذا التفاعل وفق نظام دقيق، متوازن ومتكامل يعتبر عنه بالنظام البيئي" .
وهناك من عرف البيئة من الناحية العلمية بأنها " مجموع العناصر الطبيعية التي تكيف حياة الإنسان" .
نظرا لما سلف ذكره، يمكن استخلاص تعريف علمي لمفهوم البيئة بأنها إجمالي الأشياء المحيطة بالإنسان والمؤثرة على وجود الكائنات الحية على سطح الأرض متضمنة الهواء والماء والتربة والمعادن والمناخ والكائنات أنفسهم.
كما يمكن وصفها بأنها مجموعة من الأنظمة المتشابكة مع بعضها البعض لدرجة التعقيد والتي تؤثر وتحدد بقاء الإنسان في هذا العالم، والتي تتعامل وفق نظام دقيق متوازن ومتكامل يعبر عنه بالمنظومة البيئية.
المطلب الثالث: المفهوم القانوني للبيئة.
إن تعريف البيئة من الناحية القانونية يقتضي محاولة تفهم الحقائق من الناحية العلمية في المقام الأول واستيعابها تمهيدا لإدراجها في الأفكار القانونية.
فالباحث عن تعريف محدد للبيئة يدرك أن الفكر القانوني يعتمد بصفة أساسية على ما يقدمه علماء البيولوجيا والطبيعة للبيئة ومكوناتها. وسيظهر هذا جليا من خلال بعض التعاريف القانونية المختلفة من دولة إلى أخرى والتي سنقدمها كما يلي:
• القانون المغربي عرف البيئة بأنها: " مجموعة العناصر الطبيعية والمنشآت البشرية، وكذا العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن من تواجد الكائنات الحية والأنشطة الإنسانية وتساعد على تطورها" .
• القانون المصري رقم 4 لسنة 1994 عرف البيئة بأنها: " المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط به من هواء وماء وما يقيمه الإنسان من منشآت" .
• القانون الليبي: أقر بأن البيئة هي: " المحيط الذي يعيش فيه الإنسان وجميع الكائنات الحية، ويشمل الهواء والماء والتربة والغذاء" .
• اما القانون الكويتي فعرفها بأنها: " المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات وكل ما يحيط به من هواء وتربة وما يحتويهما من مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو إشعاعات إضافة إلى المنشآت الثابتة والمتحركة التي يقيمها الإنسان" .
• أما مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية في ستوكهولم سنة 1972 قدم تعريفا للبيئة بأنها " رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما، وفي مكان ما، لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته" .
وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات السالفة الذكر نجد أنها تختلف باختلاف الأنظمة القانونية، لكنها تتفق في الإطار العام الحاكم للمفهوم.
المبحث الثاني: البيئة والمواثيق الدولية.
إن الإنسان جزء لا يتجزأ من هذه البيئة لكن الميزة التي تميزه عن باقي عناصرها ومكوناتها انه يعي دوره الفاعل فيها، هذا الدور الذي يتوضح من خلال ممارسته اليومية لمظاهر حياته، وبفعل قدراته الجبارة أصبح مهيمنا على البيئة المحيطة به، وساعده في ذلك تزايده السريع وتطوره العلمي والتكنولوجي، وسعيه الحثيث لتلبية حاجاته.
ونظرا لهذا يصعب التطرق للبيئة وعلاقتها بالمواثيق الدولية دون إعطاء نظرة عن العلاقة التي تجمع الإنسان والبيئة. لذا سيتم التحدث في المطلب الأول عن علاقة الإنسان بالبيئة، وفي المطلب الثاني عن قانون البيئة في المواثيق الدولية.
المطلب الأول: علاقة الإنسان بالبيئة.
حسب ما رأيناه في المبحث الأول، يمكن اعتبار الإنسان مكونا من مكونات النظام البيئي والمجال الحيوي، فالإنسان يحتل مكانة خاصة ومتميزة في علاقته مع البيئة وذلك راجع لأسباب تركيبية وفسيولوجية وسلوكية. هذه الأسباب هي التي جعلت من الإنسان أكثر الأحياء تأثيرا في البيئة.
لقد حدد الانتربولوجيون أشكال علاقة الإنسان بالبيئة منذ وجوده على سطح الأرض حيث كانت هذه العلاقة بسيطة لا تخرج عن حيز الارتباط بالزراعة والصيد، لكن هذه العلاقة في العصر الحديث تغيرت جذريا فأصبحت متعددة ومعقدة حيث أن العلاقة القائمة بين الإنسان وبيئته حاليا أصبحت تتمحور حول الأهداف الاقتصادية والنظرة الكلية الصناعية والتقنية والنفسية.
هناك من يعتقد أن الإنسان فوق الطبيعة، وهو المسيطر عليها. هذه الرؤيا تضع الإنسان في مقارنة بينه وبين الطبيعة من حيث القوة والسيطرة، وهي مقارنة غريبة لأنها مقارنة بين العاقل ( الإنسان) وغير العاقل ( الطبيعة)، والتي تجعل من الإنسان المتحكم والمسيطر على الطبيعة .
وهناك طرف آخر يعتبر الطبيعة "مجرد مواد خام متاحة للإنسان في كل الأوقات ليستفيد منها، وتصبح تحت رحمته ونفوذه. في هذه الحالة تشبه الطبيعة بشيء جامد، لا تقوى على مقاومة من يهيمن ويسيطر عليها أو يتلاعب بمكوناتها" .
إضافة لما سبق هناك اعتقاد آخر: يضع الإنسان في مواجهة ضدية مع الطبيعة لشعوره بان هذه الأخيرة هبة من الخالق له يتصرف فيها كيفما يشاء.
" إن علاقة الإنسان حسب بعض الإيكولوجيين والتربويين البيئيين لا تخلو من النظرة الإيديولوجية الأفلاطونية التي تعكس الوجودية المادية والنفعية المسيطرة على عقول البشر" .
ولتقنين العلاقة بين الإنسان وبيئته يرى البيئيون أن ضدية الإنسان نحو الطبيعة ينبغي أن تتحول إلى توافق بين الطرفين من خلال الوعي البيئي عند الناس، والتركيز على مناهج التعليم البيئي في المؤسسات التعليمية، إضافة على العمل بمحاور الميثاق الأخلاقي للبيئة التي تتبنى أفكارا رئيسية أهمها:
أ- اعتبار الإنسان جزءا من الطبيعة، فهو يشكل مكونا ديناميكيا فعالا في عملياتها حيث ينبغي عليه أن يدرك أنه ليس فوق الطبيعة بل هو أحد عناصرها يدين بالولاء لها، ويحافظ عليها ولا ينعزل عنها.
ب- اعتبار الطبيعة أساس ودعامة للبيئة البشرية حيث لا يمكن اقتصار مفهوم الطبيعة على أنها الموارد الأرضية التي يستغلها الإنسان لصالحه.إنما هي كل الرموز والفنون والجماليات التي خلقها الخالق، والتي تشكل الإبداعات الكونية والمعجزات الإلهية لتسخر من الإنسان بتعقل واعتدال وليس بفوضى وإسراف.
ت- بناء مشاعر الارتياح في علاقة الإنسان ببيئته، والمواءمة بين العقل والجسد كوحدة متكاملة بعيدة عن المتناقضات والازدواجية المربكة التي نجدها في الغالب تعكس استخدام الجسد في تلويث وتدمير البيئة، بينما نجد العقل قد لا يوافق على سلوك التدمير.
ث- تنمية الوجدان وترسيخ القيم، وكسب المهارات التي تساعد على سلامة تعامل الفرد مع البيئة" .
إن التعامل الحكيم و الرصين مع البيئة يتطلب إذن قدرا كافيا من حسن التصرف، كتعلم كيفية التفكير السليم لإيجاد حلول للمشكلات البيئية المختلفة، والهدف من خلق علاقة وطيدة بين الإنسان وبيئته هو التحرك من الانشغال المستمر والدائم في معالجة الأزمات الطارئة إلى منع حدوثها من خلال الوعي والتخطيط الهادف.
فالإنسان يسعى دائما إلى استغلال موارد بيئته بطريقة أو بأخرى، هدفا منه في إشباع حاجاته الأساسية والثانوية. ويترجم هذا الاستغلال في صوره المختلفة العلاقة المتبادلة بينهما ( الإنسان والبيئة) وإن كان الإنسان هو المستفيد الأكبر.
لذا فقد انشغل العديد من العلماء بهذه القضية والتي أطلقوا عليها: " العلاقة الإنسانية_ البيئية"" .
لقد تباينت وتعددت نظريات هذه العلاقة منذ القرن التاسع عشر، يمكن إجمالها في ثلاث نظريات:
النظرية الحتمية البيئية.
النظرية الاحتمالية.
النظرية التوفيقية.
• النظرية الحتمية: يقر أصحاب هذه النظرية " أن الإنسان يخضع بكل ما فيه من للبيئة فهو يتفاعل معها مؤثرا ومتأثرا في دائرة تعكس خضوعه لها. فالإنسان لا يمكنه أن يحيا بعيدا عن البيئة، ما دامت تقدم له العناصر الحياتية من طاقة وغذاء وكساء وهواء وماء وغيره." .
هذه النظرية تظهر سلطة البيئة على الإنسان فهي التي تسيره وتقرر مصيره وتجعله غنيا أو فقيرا، قويا أو ضعيفا. وخير مثال على ذلك، تأثير البيئة على عظام الإنسان:إذا كان الإنسان يعيش في بيئة جبلية يكون تأثيرها بالإيجاب على تقوية عضلات الأرجل، أما إذا كانت بحرية فهي تقوى عضلات الكتف والساعد.
• النظرية الاحتمالية: وهي عكس النظرية الأولى حيث تقر بإيجابية الإنسان لأنه يقوم بدور كبير وفعال في تعديل بيئته وتهيئتها وفقا لمتطلباته واحتياجاته." فهو ليس مجرد مخلوق سلبي ينصاع لسلطان البيئة الطبيعية، بل هو بما حباه الله من فكر وإدراك وقدرات يستطيع أن يحول الظواهر البيئية لصالحه، ويؤكد أصحاب هذه النظرية أن مظاهر البيئة هي من فعل الإنسان مثل: حقول الشعير ومزارع الأرز... ولا يقتصر فعل الإنسان على هذا فقط ( الزراعة) بل يمتد إلى الصناعة أيضا" .
• النظرية التوفيقية: وتقوم هذه النظرية بدور الوساطة بين النظريتين السابقتين حيث كان لابد من ظهور نظرية ثالثة تحاول التوفيق بين الآراء المختلفة." هذه النظرية تؤمن بدور الإنسان والبيئة وتأثير كل منهما على الآخر بشكل متغير. كما تستند على البراهين الواقعة في هذا العصر، من حيث تأكيدها على الدور الفعال للإنسان في البيئة وقدرته على تغيير البيئات الطبيعية إلى بيئات مشيدة .إضافة إلى هذا تؤكد هذه النظرية على الوسطية بين الخضوع للبيئة وسيطرة الإنسان عليها اعتمادا على الحالة البيئية" .
مما سبق يمكن القول أن علاقة الإنسان بالبيئة هي علاقة خاصة، فالإنسان يأخذ مكانة متميزة- كأحد كائنات النظام البيئي- ويرجع ذلك إلى تطوره الفكري والنفسي، وعلى حسن تصرفه تتوقف المحافظة على النظام البيئي وعدم استنزافه.
المطلب الثاني: قانون البيئة في المواثيق الدولية.
إن التأثير المتزايد لأخطار التلوث على البيئة، واعترافا بالحاجة الملحة لتطوير القواعد القانونية المتعلقة بحماية البيئة والحفاظ عليها. جعل مشكلات حماية البيئة تفرض نفسها بقوة على الساحة الدولية كي تجد لها مكانا في القانون الدولي. من هنا يمكن طرح تساؤلات متعلقة بمفهوم قانون البيئة، وبأهم الاتفاقيات الدولية المبرمة في مجاله، وأخيرا الآليات الدولية لحمايته.
قبل التطرق إلى مفهوم قانون البيئة لا ضرر من تقديم نبذة عن مرجعيته التاريخية والقانونية. " يرجع تاريخ المحافظة على البيئة في أقل تقدير إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، عندما شرعت آر " UR" ( العراق اليوم) قوانين تضمن عدم اضمحلال الغابات من جراء الاستنزاف الجائر. وبالمثل أقر المجلس الروماني قبل نحو ألفي سنة قانونا يقضي بحفظ المياه خلال فترات الجفاف.
فغني عن التذكير بان جذور المحافظة على البيئة مغروسة بثبات في تعاليم الأديان السماوية الربانية بل حتى في شعائر الأديان الوثنية كالبوذية والهندوسية...التي ترشد أتباعها إلى حسن المحافظة على الطبيعة الأم" .
" لقد ظهر قانون البيئة نتيجة التطورات التي جرت في الواقع في مجال البيئة وتلويثها حيث أظهرت بوضوح أهمية إقرار حق الإنسان في حماية بيئية سليمة ومناسبة.يعتبر هذا الحق من حقوق الجيل الثالث من أجيال حقوق الإنسان والتي أطلق عليها حقوق التضامن" .
يعتبر القانون الدولي للبيئة حديث النشأة إذ أن أصوله الحقيقية تعود إلى نهاية الستينات وهي المرحلة التي بلغ فيها النمو الاقتصادي مستويات مرتفعة بعد مرحلة البناء التي تلت الحرب العالمية الثانية.
يعد قانون البيئة احد فروع القانون الدولي العام الذي يهتم بحماية البيئة بمختلف جوانبها. ويمكن إجمال المواضيع التي يهتم بها القانون الدولي البيئي فيما يلي:
• "منع تلوث المياه البحرية وتوفير الحماية والاستخدام المعقول للثروات والأحياء البحرية.
• حماية المحيط الجوي من التلوث.
• حماية النباتات والغابات والحيوانات البرية.
• حماية المخلوقات الفريدة.
• حماية البيئة المحيطة من التلوث" .
مما سبق يمكن تعريف القانون الدولي البيئي بأنه "مجموعة قواعد ومبادئ القانون الدولي التي تنظم نشاط الدول قي مجال منع وتقليل الأضرار المختلفة التي تنتج من مصادر مختلفة للمحيط البيئي" .
لقد أبرمت مجموعة من الاتفاقيات بشأن حماية البيئة سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي.
على المستوى العالمي : أهم الاتفاقيات المبرمة.
- " اتفاقية لندن 1954 الخاصة بمنع تلوث البحار بالنفط.
- اتفاقية باريس 1960 بشأن التجارب الذرية.
- اتفاقية 1969 بشأن التدخل في أعالي البحار في حالات الكوارث الناجمة عن التلوث. لقد عالجت هذه الاتفاقية القواعد المنظمة للإجراءات الضرورية لحماية الشواطئ في حالة وقوع أضرار ناشئة عن كوارث نفطية في أعالي البحار.
- اتفاقية بروكسيل 1970 بشأن صيد وحماية الطيور.
- اتفاقية باريس 1972 المبرمة في إطار منظمة اليونسكو بشأن حماية التراث الطبيعي والثقافي.
- اتفاقية أسلو 1972 بشأن منع التلوث البحري من خلال إلقاء النفايات من الطائرات والسفن.
- الإعلان العالمي للبيئة في استوكهولم 1972 وهو اللبنة الأولى في صرح القانون الدولي للبيئة"
- اتفاقية واشنطن 1977 في إطار منظمة العمل الدولي بشأن حماية العمال من الأخطار الناجمة في بيئة العمل عن تلوث الهواء وعن الضوضاء وما شابه ذلك .
- الميثاق العالمي للطبيعة 1980.
- اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982.
- اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون.
- الاتفاقية الدولية المبرمة سنة 1986 بشأن المساعدة المتبادلة في حالة وقوع حادث نووي .
- الإعلان الصادر عن قمة الأرض بريودي جانيرو 1992.
- اتفاقية مكافحة التصحر 1994 .
- - بروتوكول كيوطو 16 مارس 1998 الذي يلزم الدول المتقدمة بالحد من الأنشطة الاقتصادية .
- على المستوى الإقليمي : أهم الاتفاقيات .
- " الاتفاقية الإفريقية لحفظ الموارد الطبيعية 1968.
- مبادئ سنتي 1974 بشأن حماية البيئة لبحر البلطيق.
- اتفاقية جدة 1982 بشأن حماية البيئة البحرية للبحر الأحمر وخليج عدن " .
أما فيما يتعلق بالآليات الدولية لحماية هذا القانون ، نجد في هذا الخصوص، أنه بعد مؤتمر استوكهولم 1972 الذي حضره ممثلون عن جميع أعضاء الأمم المتحدة ، " تم إنشاء جهاز دولي تابع للأمم المتحدة .يعنى هذا الجهاز بشؤون البيئة حيث أطلق عليه " برنامج الأمم المتحدة للبيئة PNUE" . فهو يسهم في تقديم المساعدات اللازمة في نشر المعارف البيئية . كما قامت بعض المنظمات الدولية المتخصصة بتوفير آليات خاصة بقضايا البيئة كمنظمات اليونسكو للأغذية والزراعة، منظمة العمل الدولية....
وأخيرا يمكن القول، أنه ورغم النمو المزدوج للقانون الدولي البيئي على المستوى الكمي والنوعي، مازال يعاني من صعوبات في التطبيق . فهو في الغالب يأخذ شكل توصيات غير ملزمة للدول.
ويتضح هذا جليا في الممارسات التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني باعتباره مكونا من مكونات البيئة، وضد البيئة الفلسطينية من تدمير وتخريب وقطع للأشجار واستعمال الأسلحة الكيماوية التي تفتك الكائنات الحية وغير الحية.وهي بهذا تتحدى جميع القوانين الدولية المتعلقة بحماية البيئة وبحقوق الإنسان.
الفصل الثاني: البيئة والإسلام
إن القرآن الكريم هو دستور الحياة الشاملة للبشرية كافة حتى الساعة، وهو القاعدة المتينة والسليمة المؤدية – إذا ما التزامنا بها – إلى الارتقاء بالسلوك المادي والخلقي والروحي للبشرية في آن واحد لما فيه خيرها.
فهو المنهاج الذي يملك القدرة على إعادة بناء البشرية على الوجه الصحيح الذي أراده الله خلافة بالحق والصلاح لهذه الأرض مصداقا لقوله تعالى: " وما فرطنا في الكتاب من شيء" .
وجاءت السنة النبوية لتستكمل مصادر التشريع الإسلامي الذي يوجهنا إلى طريق الخير والصلاح والإعمار يقول رسول الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله" .
وليس ثمة شك أن الرسالة الإسلامية من منطلق كونها خاتمة الرسالات السماوية إلى البشرية كافة، اهتمت بالبيئة اهتماما كبيرا باعتبارها ميراث الأجيال المتلاحقة حيث أودع الله فيها كل مقومات الحياة للإنسان المستخلف فيها . كما أرسى الإسلام الأسس والقواعد والمبادئ التي تضبط وتقنن علاقة الإنسان ببيئته لتتحقق من خلالها العلاقة السوية التي تصون البيئة من جهة، وتساعدها على أداء دورها المحدد من قبل الخالق سبحانه في إعالة الحياة من جهة أخرى.
من خلال ما سبق ذكره، تتبادر إلى الذهن عدة تساؤلات، منها:
ما هو التصور الإسلامي للبيئة؟ وما هي الركائز المعتمدة في حمايتها والمحافظة عليها؟ ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بين الإسلام والمواثيق الدولية.
المبحث الأول: تصور الإسلام لمفهم البيئة.
لا يمكن إعطاء صورة واضحة للتصور الإسلامي للبيئة دون التطرق إلى مفهوم البيئة في الإسلام، وإلى العلاقة التي تربط الإنسان ببيئته وذلك من خلال الدراسات الإسلامية المقدمة في هذا الإطار .
المطلب : مفهوم البيئة في الإسلام .
إن مصطلح البيئة هو مصطلح إسلامي نظرا لذكر اشتقاقاته في عدة سور من القرآن الكريم يقول تعالى : "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقوكما بمصر بيوتا" أي اتخذ لهم بيوتا للصلاة والعبادة.
كما يقول تعالى :" وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا"
فكلمة البيئة لم يرد ذكرها لفظا في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة إلا أنه إذا أخذ مفهوم البيئة _مما سبق ذكره في الفصل السابق – بأنها الأرض وما تتضمنه من مكونات غير حية متمثلة في مظاهر سطح الأرض من جبال وهضاب وسهول وصخور ومعادن وتربة...إلخ ، ومكونات حية متمثلة في الإنسان والنبات والحيوان سواء أكانت على اليابسة أو في الماء . تجد أن البيئة بهذا المفهوم قد وردت في القرآن في 199 آية في سورة مختلفة.
يتميز مفهوم البيئة في الإسلام بشموليته فهو يعني الأرض والسماء والجبال وما فيها من مخلوقات بما فيها الإنسان وما يحيط به من دوافع وعواطف وغرائز . وهذا ما سيظهر من خلال التعريفات التالية:
يقول الدكتور القرضاوي في كتابه رعاية البيئة في شريعة الإسلام: "البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويبوء إليه إذا سافر واغترب بعيدا عنه فهو مرجعه في النهاية"
وهذه البيئة تشمل البيئة الجامدة والحية.
فالجامدة تشمل الطبيعة التي خلقها والصناعية التي صنعا الإنسان
أما الحية فتشمل الإنسان والحيوان والنبات.
أما الدكتور قطب الريسوني فيعرف البيئة في الإسلام بأنها: " المحيط الطبيعي الذي يكتنف مخلوقات الله تعالى حية وغير حية ، وما ينتظم هذه المخلوقات من علائق تفاعل وتكامل في إطار السنن الكونية والنواميس الإلهية التي تنتصب ميزانا ضابطا لتصرفات المستخلف في التسخير والتعمير."
وقد أتقن الله سبحانه وتعالى صنع هذه البيئة كما ونوعا ووظيفة فلا ترى في صنعه من تفاوت أو فتور. قال تعالى في كتابه العزيز: "صنع الله الذي أتقن كل شيء"
وتصطبغ البيئة الطبيعية في المنظور الإسلامي بثلاث سمات مميزة" .
- السمة الوظيفية: التي تسخر للبيئة بمواردها في تلبية مصالح الإنسان وقضاء حوائجه. فالأرض ذللت له تذليلا. قال تعالى: " والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ،وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين" .
وكان من لوازم هذه التسخير أن جعلت تربة الأرض خصبة معطاء لتستنبت فيها الأقوات، ثم هيئ الماء لتحيى به الأرض بعد موتها ويسقي الناس والأنعام . مصداقا لقوله تعالى:" وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ،وأنزلنا من السماء طهورا ،لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا" .
- السمة التفاعلية : التي تجعل عناصر البيئة في تفاعل مع بعضها البعض، وتوازن محكم تتجلى فيه بدائع الصنع الإلهي ؛ فكل عنصر يتأثر بنظيره ويِؤثر فيه وفق سنن الله تعالى في كونه . وبهذا يظل التكامل البيئي محفوظا ومرعيا . فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بمقدار وذلك للحفاظ على التوازن البيئي.
- السمة الجمالية: "التي تستوفي غرض الترفيه والترويح عن الإنسان ،فالله سبحانه وتعالى أوجد الموارد الطبيعية مختلفة الألوان والأشكال لتدخل البهجة على النفس البشرية" . فهذا مطلب شرعي يراعى حيث قال سبحانه في كتابه العزيز:" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ،ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك "
نستخلص مما سبق ذكره، أن المفهوم الإسلامي للبيئة لا يختلف عن المفاهيم المدروسة في الفصل السابق.
المطلب الثاني: العلاقة بين الإنسان والبيئة وفق المنظور الإسلامي.
إن علاقة الإنسان بالبيئة في المنظور الإسلامي محكومة بضابطين أولهما :
التسخير: أي تسخير العناصر البيئية لخدمة الإنسان لتساعده على النهوض برسالته الاستخلافية. قال تعالى: " ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" .
وثانيهما الاعتدال: وهو شرط في استثمار موارد البيئة ومنافعها، ينبع من طبيعة دور المستخلف الذي جعل سيدا في الكون لا سيد الكون. فالبيئة أمانة تراعى، وملكية عامة مشتركة، يحافظ عليها ضمانا لصيرورة الوجود واستقامة موازينه،فإذا انقلب الاعتدال إلى إسراف والإحسان إلى عدوان حوربت الفطرة، وعوديت السنن الإلهية الراعية لتوازنات البيئة،فحل الدمار وانتفش البلاء .
فالإنسان يقوم بدور مهم في البيئة حيث أن كل ما فيها مسخر له، وعليه أن يتعامل معها بما لا يجافي سنن الله في خلقه ولا أحكام الله في شرعه ،فيأخذ منها ويعطيها، ويرعى لها حقها لتؤتي له حقه .
ويتمثل هذا الدور في مهام ثلاثة تعتبر هي الأهداف للحياة الإنسانية:
- عبادة الله: "إن التأمل والتفكير في هذه البيئة بعناصرها الحية وغير الحية، ،باعتبارها آية من آيات الله يهدينا إلى الإيمان بوحدانيته سبحانه وتعالى" ويتجلى ذلك في قوله تعالى: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" .
وهذا يوصل الإنسان إلى عبادة الله تعالى التي "تشمل كل مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، فهي تستوعب كل مجالات الحياة" .
- الخلافة لله في الأرض: إن الإنسان يعتبر خليفة الله في الأرض مصداقا لقوله تعالى: " وإني جاعل في الأرض خليفة " . وهذه الخلافة لا تتم إلا بإقامة الحق والعدل ،ونشر الخير والصلاح . لذا فإن المستخلف في الأرض هو المسؤول عن حماية ورعاية البيئة .
- عمارة الأرض: وإليه الإشارة بقوله تعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" واستعمركم معناها: "طلب إليكم أن تعمروها"
وعمارة الأرض إنما تتم بالغرس والتشجير والتثمير والإصلاح والإحياء، وسد الذرائع إلى الفساد.
هذه الأهداف متداخلة ومتكاملة ومتلازمة فيما بينها :فعمارة الأرض تدخل في الخلافة، وكلتاهما ضرب من العبادة الله تعالى. كما أن العبادة تدخل في الخلافة فلا خلافة بلا عبادة.
فلو قام الإنسان بهذا الدور وحقق هذه المقاصد لسعد هو،وأسعد من حوله، يقول تعالى :"ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" .ويقول سبحانه أيضا: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلتحيينه حياة طيبة" .
ومن أجمل ما جاء به الإسلام في علاقة الإنسان بالبيئة وبالكون عامة من حوله، " إنشاء عاطفة الود والحب لما حول الإنسان من كائنات جامدة وحية . فالأحياء من الطيور والدواب هي أمم أمثالنا " .
يقول تعالى :" وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " .
وغير الأحياء من الكائنات ترى ساجدة مسبحة لله تعالى، يقول عز وجل في كتابه المحفوظ: " ألم تر أن الله يسجد له ما في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" .
فلا عجب أن يضمر الإنسان لهذه الكائنات الساجدة المسبحة لله الود والحب والشعور بالألفة بينه وبينها؛ لأنها تعبد الله كما يعبده هو.وخير دليل على هذا ما قاله خير البرية على جبل أحد: "هذا جبل أحد يحبنا ونحبه " .
لقد ورد في المطلب السابق أن الله تعالى قد أوجد الموارد الطبيعية مختلفة الألوان والأشكال لتدخل البهجة على النفس البشرية. فهذا مستوى آخر للعلاقة التي تجمع الإنسان ببيئته. فالله سبحانه وتعالى " خلق في مسارح الكون ومعارض الطبيعة جماليات وبدائع تدل على قدرته جلا وعلا. فالاستمتاع به يغذي الوجدان، ويصقل الذوق ويروح عن النفس " . قال تعالى: "والأنعام خلقها الله لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" .
وعلى ضوء ما سبق ذكره فإن علاقة الإنسان ببيئته " لا تتحول إلى سيطرة بمسيطر عليه أو علاقة مالك بمملوك ،إنما هي علاقة أمين استؤمن عليها بكل ما يعنيه من وفاق وانسجام وتكامل معها " . فإن الكائن البشري هو عنصر مميز من عناصر البيئة ،ومكون فريد من مكوناتها.
المبحث الثاني: التصور الإسلامي لعلاج مفهوم البيئة:
لقد جعل الله في الكون الفسيح مسخرا من أجل الإنسان ليؤدي مهمته كما أرادها الله بنظام ثابت لا يتغير . ولقد شاءت الإرادة الإلهية أن تؤخر ظهور الإنسان على هذه البسيطة حتى يتم إعدادها بكل لوازم الخلافة فيها كالماء والنبات والحيوان والغلاف الجوي المناسب ،وقبل أن يتم ذلك لم يكن للإنسان وجود قال تعالى :"هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا" .
وجاء الإنسان وتسلم هذه الخلافة فكانت الأرض متوازنة في كل شيء ،نظيفة من كل شيء، معطاءة لكل شيء ،مهيأة للحياة في كل عناصرها.
لكن الإنسان لم يحافظ عليها وأفشى الفساد فيها وذلك راجع إلى "سلوكياته وتصرفاته التي لا تفتأ تلحق أضرارا بالبيئة حيث سيتحتم عليه تذوق النتائج السلبية التي تعتبر عقابا له وتحذيرا في ذات الوقت" . قال تعالى:" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " .
لذا سيتم التطرق في هذا المبحث إلى دراسة التصور الإسلامي لعلاج مفهوم البيئة من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: ربط الحفاظ على البيئة بالعقيدة الإسلامية .
المطلب الثاني: الركائز المعتمدة في المحافظة على البيئة.
المطلب الأول: ربط الحفاظ على البيئة بالعقيدة الإسلامية.
لقد سبق الإسلام النظريات الاقتصادية والتنبؤات البيئية في دعوته إلى المحافظة على البيئة بجميع مكوناتها . فهذه الدعوة نابعة من منظومة إيمانه تراعي دور القيم والأخلاق في توجيه الاقتصاد وترشيد أنماط الاستهلاك .
ومن هنا عد الإسلام المحافظة على البيئة شعبة من شعب الإيمان، كما جاء في تمثيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدنى وسائل هذه المحافظة في قوله.
"الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول :لا إله إلا الله ،و أدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان" .
فالإسلام " لا يربط العبادة بالشعائر الدينية فقط، بل هي تتجاوز ذلك، فهي تعني الالتزام الصادق بالتوجيهات الإسلامية في كل مضمار، صيانة الموارد عبادة، الرفق بالحيوان عبادة، المعاملة الحسنة عبادة ....إلخ "
وانطلاقا من هذا التصور الشمولي لمفهوم العبادة يصبح الإحسان للبيئة بشتى مكوناتها وعناصرها أمر إلهيا يكتسي صفة الوجوب والطاعة،وإلا كفر الإنسان بأنعم الله تعالى. يقول عز وجل في كتابه العزيز:" وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الإرض إن الله لا يحب المفسدين" .
يمكن القول أن التصور الإسلامي لحماية البيئة يصدر عن منظومة إيمانية ثلاثية الأبعاد:
- البعد التوحيدي: " إن التوحيد جوهر الأديان والرسالات فهو المصدر الرافد للتدين والأخلاق والسلوك الإجتماعي؛ فكل عمل يوزن بميزانه ، ويقاس بمقياسه فإما الفلاح والفوز، أو الخسران وحبوط العمل". .
فالعمل الصالح طريق إلى التوحيد الحق، إذ به يزكو الإيمان، ويتقوى الورع، وتتحقق العبودية لله في أمثل صورة وأقومها، ومن شعب هذا العمل رعاية البيئة من جهة العدم وجهة الوجود أي صونها من دواعي الإفساد والإتلاف . فكل مكونات البيئة هي مخلوقات لله تسبح بحمده وتخشع لعظمته ،والتعدي عليها تعطيل لوظيفتها التوحيدية. وفي الحديث الصحيح أن الله عز وجل أوحى لأحد أنبيائه: "إن قرصتك نملة أحرقت أمة تسبح بالله" .
والإيمان بالله تعالى: " إيمان بالرقابة الدائمة على أعمال الإنسان في الدنيا، ومن شأن هذه الرقابة أن تعمق الوعي بالمسؤولية وتحفز إلى الالتزام بآداب التعامل مع المخلوقات والإحسان إليها" .
- البعد الإستخلافي : كرم الله الإنسان وجعله خليفة في أرضه سبحانه يعمرها وينشئ فيها منافعه بما يتوافق وسنن الفطرة ونواميس الكون .قال تعالى :" وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات" .
و"القصد من الاستخلاف هو الاختبار والنظر في صنيع المستخلف:هل يحسن التدبير أو يسيئه" . وهذا ما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " إن الدنيا حلوة خضرة والله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون"
فالإنسان وصي على هذه البيئة بكل مكوناتها، وإذا كان الشرع قد أباح له استغلال مواردها " استيفاءا لمصالحه وقضاءا لرغباته، فإنه لم يمكنه من السيادة التامة. فقد ألزمه الشرع بالاعتدال وحسن التصرف،وقيده بواجب التنمية والتزكية مع دفع أسباب التخريب والإتلاف."
ومن هنا كانت البيئة أمانة لدى المستخلف يتصرف فيها بحدود يراعى فيها الانتفاع المعتدل والاستثمار القويم.
- البعد الأخروي: إن الإيمان بالآخرة ركن عقدي يؤثر في توجيه علاقة الإنسان ببيئته في إطار مبدأين:
الأول: مبدأ الحلال والحرام، وهو ضابط متين لعلاقة الإنسان بالبيئة وكيفية استغلالها. فسلطة التحليل والتحريم هي من حقه تعالى ،فلا يجور للإنسان التطاول على هذه السلطة رغم ما أوتي من علم وحكمة لأن العقل البشري يبقى قاصرا على "إدراك استقلال وجوه المصالح والمفاسد ومآلات الأفعال من حيث النفع والضر، فضلا عن تأثره بدواعي الهوى والتشهي وموافقة الغرض. لذا يجب الاحتكام إلى المنهج الإلهي المعصوم في التشريع والتقنين لأنه الحق الذي ما بعده إلا الضلال." .
وفي ضوء هذا المبدأ يميز بين الصالح والطالح ،والضار والنافع ، " فكل ما من شأنه أن يفضي إلى الانتفاع بالموارد البيئية ويعود على الإنسان بالخير والصلاح فهو حلال،بل قد يعتري فعله أو السعي إليه حكم الوجوب ، ولا سيما ما يدلي بسبب أو نسب إلى حفظ الضروريات الخمس _ الدين ، النفس ، النسل ، العقل ، المال – وجلب المصالح ورد المفاسد."
" وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال بتوازن البيئة وإتلاف مواردها فهو حرام تستنكره النصوص العامة في النهي عن الإفساد ، والنصوص الخاصة في حفظ المجال البيئي" .
المبدأ الثاني: هو مبدأ الحساب والعقاب الذي يترتب على المبدأ الأول ترتبا مباشرا فإذا التزم الإنسان بالأمر الإلهي في الامتثال بالأوامر ، واجتناب المعاصي ، ثقلت الموازين وتحقق الفوز . لكن إذا حدث العكس ، وتمت مخالفة الأمر الإلهي تعمدا وتقصدا استحق المخالف العقاب والحساب .
هذا المبدأ " هو خير حافز للإنسان على الإحسان إلى البيئة، ومراعاة شرائع الله فيها حماية وتنمية لأنه مستشعر للرقابة الدائمة وطامع في الفوز بالنعيم الأخروي . لذلك كان تحقيق الإستخلاف بصورته المثلى ومقصده العالي شرطا للنجاة من العذاب في الآخرة" . قال عز وجل في كتابه العزيز:" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه ، فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " .
مما سبق يمكن استخلاص أن إلزام احترام الركائز المعتمدة للمحافظة على البيئة نابع من مصدرها الإلهي وتعاليم الرسول الكريم . فالدين الإسلامي جعل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة تتعدى مجرد التوصية إلى إيجابية التنفيد الواقعي للأوامر ، وهذا مذهب لمنع الفساد في الأرض-(اختلال النظام البيئي في الأرض). فيكون المعروف إذا تم التوجيه لصيانة حقوق البيئة، والنهي عن المنكر إذا تم إيقاف العدوان على عناصر البيئة.
الإسلام دين وسط يدعو إلى العدل في التصرفات ،والوسطية في السلوك في مجالات الحياة هو السبيل في سمو المسلمين بين الأمم.
المطلب الثاني : الركائز المعتمدة في المحافظة ورعاية البيئة.
لقد اعتمد المنهج الإسلامي في حماية البيئة والمحافظة عليها على الركائز التالية :
- التشجير والتخضير .
- العمارة والتثمير .
- النظافة والتطهير.
- المحافظة على الموارد.
- الحفاظ على الإنسان.
- الإحسان إلى البيئة .
- المحافظة على البيئة من الإتلاف.
- حفظ التوازن الطبيعي.
سيتم التطرق إلى كل ركيزة على حدة:
- التشجير والتخضير: فهي من أهم الركائز المعتمدة في المحافظة على البيئة ، ومما يجدر ذكره في هذا الصدد،أن الاهتمام باستزراع النباتات لم يكن وليد العصر ، ولا من محدثات الزمن ،بل دعا إليه الدين الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرغب أصحابه ويدعوهم إلى الزرع والتشجير .
- ويظهر هذا جليا في القرآن الكريم في معرض امتنان الله على خلقه بما سخر لهم من أسباب الزرع والغرس والتشجير والخضرة فيقول سبحانه:"وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا تخرج منه حبا متواكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يومنون" . وفي سورة أخرى يقول تعالى :" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ، ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون" .
وكما توجد في القرآن آيات تحث على الزراعة والغرس، توجد أحاديث نبوية تؤكد نفس الأمر : عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حنى يغرسها فليغرسها " . فالمراد من هذا الحديث هو الحث على الغرس إلى آخر رمق في حياة الإنسان .
كما يدل أيضا على الطبيعة المنتجة والخبرة للإنسان المسلم فهو بفطرته عامل معطاء للحياة، كالنبع الفياض، لا ينصب ولا ينقطع، حتى إنه ليظل يعطي ويعطي إلى آخر لحظة في حياته رغم أنه لن يأكل من ثمر غرسه . فالعمل هنا يؤدى لذات العمل لأنه ضرب من العبادة والقيام بحق الخلافة لله في الأرض إلى آخر نفس .
ولقد بين العلم الحديث: أن التشجير له فوائد أخرى غير ما عرفه الناس قديما من الثمار والظل وتخفيف الحرارة وغيرها ، مثل : المساعدة في حفظ التوازن البيئي ، وامتصاص الضوضاء ومقاومة الآثار الضارة للتصنيع على البيئة أو التخفيف منها على الأقل .
لقد رغبت السنة النبوية في الغرس والتشجير وفلاحة الأرض، وجعلت ثواب ذلك أجرا عظيما فاعتبرت هذا العمل صدقة ينميها الله عز وجل لصاحبها إلى يوم القيامة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم :"ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة ،إلا كان له به صدقة" .ومن مستلزمات الزراعة حفر الأنهار والقنوات، لذلك السنة النبوية على هذا العمل . فشق الأنهار من الأعمال التي يلحق ثوابها المؤمن بعد موته." فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره ، وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه، أو بيتا لا بن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته."
- العمارة والتثمير:
- ومن المقومات الأساسية للمحافظة على البيئة في نظر الإسلام: ما حث عليه التوجيه الإسلامي وقام عليه التشريع الإسلامي من عمارة الأرض و إحياء مواتها، وتمييز مواردها وثرواتها.
وقد تم توضيح الأهداف التي خلق من أجلها الإنسان في المباحث السابقة – علاقة الإنسان بالبيئة في المنظور الإسلامي – التي من بينها نجد الخلافة في الأرض ويندرج ضمنها التعمير. قال تعالى:"وهو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" . ومعنى استعمركم أي طلب منكم أن تعمروها .
لقد اتفقت شرائع الأنبياء ورسالات السماء على عمارة الأرض وإصلاحها وحظر الإفساد فيها . فالإسلام نهى عن الإفساد في الأرض مصداقا لقوله سبحانه: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا " . وهذا الإفساد يشمل الإفساد المادي ، بتخريب العامر وإماتة الأحياء، وتلويث الطاهرات ، وتبديد الطاقات واستنزاف الموارد في غير حاجة ولا مصلحة وتعطيل المنافع . كما يشمل أيضا الإفساد المعنوي كمعصية الله تعالى ، ومخالفة أمره والكفر بنعمته ، والتمرد على شريعته والاعتداء على حرماته ومحاربة الفضائل وترويج الرذائل .
وما جاءت به شريعة الإسلام من عمارة الأرض:إحياء الموات. وإحياء الموات هو تعبير إسلامي مقتبس من الحديث النبوي: " من أحيا أرضا ميتة فهي له " . والأرض الميتة هي الأرض البور ، التي لا زراعة فيها و لا بناء ، سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ميتة للإشارة أن الأماكن والأراضي تموت وتحيى، كما يحيى الإنسان ويموت
وموت الأرض إنما يكون بتركها بوارا، لا ينبت فيها نبات ولا يغرس فيها شجر، ولا يقوم فيها بناء ولا عمران . وحياة الأرض بإجراء الماء فيها، وإنبات الزرع، وغرس الشجر وإقامة أسباب السكن والمعيشة. قال سبحانه في كتابه المحفوظ: " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون".
ومما سبق يمكن القول أن زراعة الأراضي واستصلاحها يعد من أفضل الأعمال حث عليها الإسلام، ورغب فيها، ووعد فاعليها بأفضل الثواب. فالرسول صلى الله عليه وسلم قرر ملكية الأرض لمن أحياها، تشجيعا على الإحياء. ولا ريب أن حب التملك دافع قطري قوي في الإنسان، فإذا وجد أن كل ما يحييه ويعمره من الأرض يملكه، دفعه ذلك إلى تحريك الهمة.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق " .
ولا يخفى فضل إحياء الأرض في زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني فضلا عن دوره في المحافظة على التربة و منع تفككها و تعرضها للتصحر.
النظافة والتطهير :
اهتم الإسلام بالنظافة اهتماما خاصا وحث على الطهارة ،فموقفه هذا لا نظير له في أي دين من الأديان ، فالنظافة فيه عبادة بل فريضة من فرائضه . وبهذا تكون النظافة والطهارة اندرجت تحت أحكام العقيدة .
وقد امتدت هذه النظافة إلى البيئة حيث من واجب الإنسان أن يعيش في بيئة نظيفة طاهرة . فمن أول مباحث العبادات في الإسلام الصلاة ،ومن أهم واجباتها الطهارة .
فالصلاة تستلزم طهارة البدن ونظافة اللباس والمكان من الأخباث والقاذورات .
ويدخل في هذا الإطار نظافة مصادر الماء : فالماء نعمة كريمة وسبيل عملي لحياة الإنسان والحيوان والنبات ،وإفساده يؤدي إلى مخاطر كبيرة تهدد جميع عناصر البيئة .
قال تعالى في كتابه العزيز: "وجعلنا من الماء كل شيء حي " .
لقد أولى الله تعالى اهتماما بالنظافة والطهارة ، ويظهر هذا جليا في قوله سبحانه:"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " .
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الطهور شرط الإيمان " . أي نصفه وقد اهتم عليه الصلاة والسلام بنظافة الأمكنة أيضا ." فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ،فماتت ،فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، فقالوا: ماتت،فقال :أفلا كنتم آذنتموني، دلوني على قبرها ،فأتى قبرها فصلى عليها" . لقد استحقت هذه المرأة هذه المكانة نتيجة قيامها بتنظيف المسجد . فالنبي صلى الله عليه وسلم يضرب المثل للصحابة ،لذلك حرص على إزالة الأذى والقذر بنفسه ، حتى يعلمهم العناية بالنظافة عامة بالمساجد خاصة لأنها ملتقى المسلمين ومظهر حضارتهم، ووجه دينهم، وعلى الأخص جهة القبلة.
- المحافظة على الموارد :
هو موضوع مهم يبحثه الاقتصاديون ،كما يبحثه علماء البيئة، فهو دعامة من الدعائم المهمة في الحفاظ على البيئة وصلاحها ونمائها وبركتها .
فالمحافظة على الموارد تكون بالحفاظ عليها من التلف والخراب أو الإسراف أو التلوث أو غير ذلك . ويقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : "كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين " . ويقول أيضا سبحانه :"ولا تطيعوا أمر المسرفين ،الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " .
فالموارد هي هبات الله في الطبيعة التي يمكن أن تتحول إلى ثروة: الغلاف الجوي الغازي بعناصره المختلفة ،الغلاف المائي ،الغطاء النباتي الطبيعي في صوره المختلفة. وبمعنى آخر هي الموارد الزراعية (المناخ ،التربة) والموارد النباتية في صورة الغابات والحشائش ، الموارد البحرية ،الموارد التعدينية في صخور الأرض ومعادنها المختلفة ........
لذلك وجب على الإنسان أن ينهج الترشيد في استخدام واستهلاك هذه الموارد حسب الحاجة إليها بشكل منظم ومخطط،إذ إن هناك ثروات وموارد غير متجددة تنفذ بالاستهلاك .
إن الإسراف في استنزاف الموارد واستهلاكها بشكل عشوائي يمثل نوعا من الأنانية؛إذ إنه يؤدي إلى حرمان الآخرين من هذه المواد . وإضافة على ذلك، فالإسراف إهدار لنعم الله عز وجل .
وتحفل السنة النبوية بالعديد من النصوص التي تحث على حماية الموارد وصيانتها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه " .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :اتقوا الملاعن الثلاث :البراز في الموارد ،وقارعة الطريق والظل " .
إن ممارسة هذه السلوكيات وغيرها يتسبب في إفساد الموارد وتلويثها . فالتبول والبراز يجعل البيئة خصبة لتكاثر الميكروبات والفيروسات التي تساعد على انتشارها الأوبئة .والإسراف في استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات، يِؤدي إلى تدهورنوعية مياه الأنهار والبحيرات وبالتالي تلويث غذاء الإنسان والحيوان والنبات.
-الحفاظ على الإنسان:
إذا كان مطلوبا من الإنسان أن يحافظ على موارد البيئة وثرواتها الحيوانية والزراعية،و المائية ....فأولى من ذلك كله، المحافظة على الثروة البشرية أي عليه باعتباره خليفة الله في الأرض.
فالإنسان هو من أنفس الموارد وأثمن الثروات وأغلاها قيمة. فهو الغاية من المحافظة على الموارد والمستفيد منها ،وقد سخرها الله كله له، وهو كذلك الوسيلة لذلك في المحافظة عليها .
إن الإسلام يحث المؤمن على أن يحافظ على نفسه وذلك عن طريق الوقاية من الأمراض وإكساب القوة للبدن بممارسة الرياضة....
كما رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل والنشاط والحركة حيث قال عليه الصلاة والسلام:" اللهم بارك لأمتي في بكورها"
لقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه أراد أحدهم أن يقوم الليل فلا ينام ،والثاني أن يصوم فلا يفطر والثالث أن يعزل النساء فلا يتزوج .وقال لهم عليه الصلاة السلام :"أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ،لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " .
ومن عناية الإسلام بالإنسان وصحته ما شرعته أحكامه من رخص في أداء الفرائض إذا كان أداؤها يؤذيه :"إن الله يحب أن تؤتى رخصه ،كما يكره أن تؤتى معصيته" .
ومن ذلك أيضا ما شرعه القرآن والسنة من أحكام الضروريات التي تباح بها المحظورات فمن هذه المحظورات :المحافظة على الجسم وسلامته.
-الإحسان إلى البيئة :
الإسلام يربي الفرد على التعامل مع كل ما حوله بإحسان كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله كتب الإحسان على كل شيء" . ومعنى أنه كتبه أي فرضه .
فالإحسان هو الإحكام والإتقان وفي حديث جبريل الشهير الإحسان :أن تعبد الله كما تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهو يفسر معنى الإحسان في العبادة .
ومعناه الثاني : هو الإشفاق والحنان والإكرام .قال تعالى :"وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين "
المعنيان مطلوبان في التعامل مع البيئة ،فيجب على الإنسان أن يعاملها بإحكام وإتقان لا بإهمال وغفلة وإضاعة . كما يجب أن تعامل برفق وإشفاق وحنان كما في الحديث: " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" .
ويتجلى هذا الرفق مع كل عناصر البيئة ،فيشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد ويدخل في هذا الإطار :
• الإحسان بالإنسان: عن المستنير بن الأخضر قال : حدثني معاوية بن قرة قال :كنت مع معقل المزني، فأماط أذى عن الطريق ، فرأيت شيئا فبادرته ،فقال: ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي ؟ قال رأيتك تصنع شيئا فصنعته فقال : أحسنت يا ابن أخي! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من أماط أذى عن طريق المسلمين كتبت له حسنة ،ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة " .
ويدل هذا الحديث أن إماطة الأذى عن الطرقات يكسب الثواب والأجر. كما أن رسول الله جعلها شعبة من شعب الإيمان .
• الإحسان بالحيوان :من أروع ما جاء به الإسلام في عصر ما كان يعتبر لهذه الحيوانات قيمة أو حقا ،وأن في الإحسان إليها أجر . عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا –أو دجاجة – يترامونها . فلما رأوا ابن عمر تفرقوا:فقال ابن عمر: من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ،إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " .
لقد جاءت الأحاديث النبوية تحرض على الرحمة بالحيوان وترهب من القسوة عليه وإضاعته وإهماله منذرة بوعيد شديد لمن اقترف شيئا من هذه السلوكات ،عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"عذبت امراة في هرة،سجنتها حتى ماتت ،فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها، ولا سقتها ،إذ حبستها ولاهي تركتها تأكل من حشاش الأرض " .كما تنبأ بجزيل المتوبة عند الله لمن أحسن إلى هذه المخلوقات.
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :بينما رجل بطريق اشتد عليه العطش ،فوجد بئرا فنزل فيها ،فشرب ثم خرج . فإذا كلب يلهث،يأكل الثرى من العطش ،فقال الرجل :لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ،فسقى الكلب ،فشكر الله له فغفر له ،قالوا :يارسول الله ،وإن لنا في البهائم لأجرا ؟فقال: في كل ذات كبد رطبة أجرا " .
- المحافظة على البيئة من الإتلاف:
يقاوم الإسلام بشدة كل عمل يفسد البيئة ويتلف عناصرها ويعتبر ذلك عملا محرما يعاقب الله عليه، ومنكرا يجب النهي عنه ، وتغييره باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان .
وهناك أنواع من الإتلاف بدوافع مختلفة كلها محرم شرعا:
- الإتلاف بدافع القسوة : وخير مثال ما جاء في حديث المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت جوعا .فاستحقت النار لقسوة قلبها وخلوه من الرحمة.
- الإتلاف بدافع الغضب :غالبا ما يؤدي الغضب بصاحبه إلى سلوكيات غير شرعية وهو محرم لا سيما إذا أدى إلى إبادة عنصر من عناصر البيئة ( كنوع من الحيوان،أو النبات) .فقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب والاتصاف بالحلم والصبر.
- الإتلاف بدافع العبث : هو من الإتلاف المحذور شرعا ومعناه :ألا يكون له هدف يحقق له المنفعة معتبرة من وراء هذا الإتلاف المعتمد ،وأفضل ما نستشهد به ما أقره خير البرية في الذي يعبث بأرواح المخلوقات بأنه ملعون.
- الإتلاف بلا ضرورة ولا حاجة :وهو قريب من الإتلاف العبثي:وهو إتلاف لعناصر البيئة بلا ضرورة تلجئ إلى ذلك ولا حاجة معتبرة تدفع إليه، إنما هو الجهل
والظلم والإفساد في الأرض .
- قال رسول الله صلى اله عليه وسلم :" من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " .
والسدر شجر يقاوم الحر وينتفع الناس بثماره . وهذا الحديث يدل على تأكيد المحافظة على البيئة بكل عناصرها.
-الإتلاف بسبب الإهمال :وهذا النوع محرم أيضا لأن التقصير والإهمال في حق البيئة يِؤدي إلى أخطار جمة . إذن لا يجب إهمال الحيوان حتى يموت ، أو إهلاك الزرع حتى تأكله الآفات ،والأطعمة حتى يتلفها العفن ، إهمال الآلات حتى يأكلها الصدأ ،إضاءة الأنوار نهارا حتى تستهلك الطاقة وغيرها من السلوكات السيئة في حق هذه البيئة.
- الإتلاف في الحرب :من روائع هذه الشريعة الإسلامية عدم جوازها للإتلاف والفساد لعناصر البيئة حتى في حالة الحرب ،التي يخرج فيها الناس عن المعتاد.
جاء في وصايا أبا بكر لقواده في الحرب هذه الوصية الواضحة الحاسمة:
" فقد قال يحي بن سعيد : حدثت أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام ،فخرج يشيع يزيد بن أبي سفيان فقال : إني أوصيك بعشر لا تقتل صبيا ،ولا امرأة ،ولا كبيرا هرما ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ،ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تغرقن نخلا ،ولا تحرقنه ، ولا تغلل ولا تجبن" .
- حفظ التوازن الطبيعي :
لقد خلق الله تعالى هذا الكون بحساب وقدر مصداقا لقوله تعالى :"وخلق كل شيء فقدره تقديرا " . قال سبحانه :" الشمس والقمر بحسبان ،والنجم والشجر يسجدان،والسماء رفعها ووضع الميزان،ألا تطغوا في الميزان ،وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ".
فالمطلوب من الإنسان العدل والاعتدال في معاملته مع البيئة وعناصرها، ويدخل في هذا الإطار المحافظة على التنوع الحيوي الذي يوفر القاعدة الأساسية للحياة على الأرض. كما أن الحياة الفطرية تعد المصدر الرئيسي لتزويد الإنسان بالغذاء والمواد الخام اللازمة لصناعة ملابسه ،وتتيح له المجال لممارسة هواياته في الصيد أو الترويح عن النفس.
ولعل ما هو أهم من ذلك أن لكثير من الأنواع الحية دورا أساسيا في استقرار المناخ وحماية موارد المياه والتربة. كما أن كثرة الأنواع الحية توفر مخزونا للمعلومات عن السمات الوراثية التي ترشد إلى اختيار محاصيل جديدة وتساعد على تحسين الأنواع الموجودة حاليا.
المبحث الثالث: البيئة بين التصور الإسلامي والمواثيق الدولية.
من خلال ما تم التطرق له في الفصلين الأول والثاني يتبين ان الإسلام قد عنى عناية كبيرة بالبيئة ، ووضع للإنسان القواعد والأسس السليمة التي تكفل حسن استغلال البيئة والمحافظة عليها.اعتمد المنهج الإسلامي على الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى .
كما ربط الحفاظ على البيئة ومكوناتها بالضروريات الخمس ،إضافة على أن كل العلوم التي انبثقت كأصول الفقه وعلم شروح الحديث النبوي تعرض جوانب هامة من رعاية البيئة.
إن الإسلام يربط بين البيئة وبين البعد التوحيدي والمنظومة الأخلاقية. فالنظام البيئي ليس مجرد مكونات مرصودة وعناصر محسوبة ،وإنما لا بد من وصل بينها وبين النفس البشرية ليتأتى تزكيتها وتطهيرها .
كما أن التعاليم والأحكام الإسلامية في رعاية البيئة وإصلاحها ليست مجرد أفكار فلسفية ،حبر على ورق، كما يقال ،بل هي أوامر إلهية وتوجيهات ربانية يجب على المسلمين تفاديها بمقتضى إسلامهم وبحكم إيمانهم
أما القوانين الوضعية فهي وإن واتاها التحكم في الجوارح وترويضها، فلا سلطان لها البتة على الجوانح التي يرعاها الدين وتزكيها التقوى . يقول عز وجل في كتابه: " قد أفلح من زكاها ،وقد خاب من دساها " .
لقد كان الإسلام سباقا إلى عدة حلول تسهم في الحفاظ على البيئة ومكوناتها،منها : نظام المحميات الذي لم يعرفه العالم المعاصر إلا في القرن التاسع عشر حيث أعلنت حكومة واشنطن عن تأسيس محمية طبيعية سنة1864م،و انعقد أول مؤتمر دولي للمحميات في الولايات المتحدة سنة 1964 م .فالإسلام زف إلى الكون إنشاء محميتين لا نظير لهما في تاريخ البشرية وهما : المحمية المكية والمحمية المدنية .فهذه هي الدعوة التي تبناها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا.
يتميز المنهج الإسلامي بخطاه المدروسة والعملية وحتمية تنفيذه. بينما المواثيق الدولية هي توصيات تضرب عرض الحائط من طرف الدول المهيمنة وتطبق فقط في حق الدول الضعيفة.
لقد عرف العرب نوعا من الغلو في جوانب الرفق بالحيوان حيث أن 80 مليون كلب يربى في المنازل ،إضافة إلى إعطائه حق الإرث ،كما الكلاب في بعض الدول يصل مصروفها اليومي إلى ما يصرف عن عائلته بأكملها في بلدان العالم الثالث. فهذا يعتبر تغييرا لفطرة الله التي فطر الناس عليها فلا يمكن أبدا أن يتساوى الإنسان مع الحيوان ، فهذا فيه نوع من التزايد والمغالاة.
خاتمة:
من خلال هذه الدراسة المقارنة يتضح أن علاج مشكلات البيئة رهبن بعلاج الإنسان نفسه، فهو الذي أفسدها بجشعه وظلمه وإسرافه وعليه أن يصلحها.
فمن استقراء الأحاديث النبوية يجد الباحث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير داخل الصحابة ويعالج نفوسهم فهي أصل الداء. والقرآن الكريم يقر هذه القاعدة الاجتماعية ، يقول سبحانه: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
كما أن السنة النبوية لم تقتصر على تحديد أساليب الثواب للمحسنين للبيئة والعقاب للمسيئين لها، بل تعدت ذلك إلى جعل أخلاقيات التعامل مع البيئة سلوكا حميدا يجب أن يلتزم به المسلم ويراقب في أدائه ربه. أما فيما يتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات المبرمة في هذا الشأن يجب أن تخرج من هذا الإطار النظري المحبوسة فيه إلى إطار التنفيذ وسن العقوبات الزاجرة لهذه السلوكات المخلة بالبيئة ومكوناتها.
أهم النتائج التي انتهى إليها البحث:
1- التزام بالسلوكيات الإيجابية والابتعاد عن كل ما هو سلبي في الحياة.
2- سن قوانين زجرية وعقوبات في حق كل من تجاوز الحدود في معاملته للبيئة ومكوناتها.
3- تعميم التربية البيئية في المدارس ضرورة فرضتها الحاجة لتفادي هذه الكوارث الطبيعية.
4- تشجيع مشاريع بيئية تسهم في المحافظة على البيئة ورعايتها.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
وإليه أنيب
قائمة المصادر والمراجع
القرآن الكريم
1. لسان العرب لابن منظور الإفريقي، الطبعة الأولى سنة 1968م دار صادر بيروت.
2. أساس البلاغة للزمخشري تحقيق عبد الرحيم محمود سنة، 1982 دار المعرفة بيروت.
3. القاموس المحيط للفيروزأبادي الطبعة الثالثة 1352هـ 1933م المطبعة المصرية.
4. الصحاح للجوهري الطبعة الأولى سنة 1999م دار الكتب العلمية بيروت.
5. المعجم الوسيط للدكتور إبراهيم أنيس الطبعة الثانية.
6. المنجد في اللغة والإعلام الطبعة السابعة والعشرين، دار المشرق بيروت.
7. البحث العلمي: مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 46 سنة 1999: ملف البحر والبيئة في التراث الإسلامي.
8. الوجيز في قانون البيئة للدكتور عبد المجيد السملالي الطبعة الأولى سنة 2006، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع.
9. جريدة المنعطف ضمن سلسلة من سبع حلقات ما بين 19و 28 فبراير 1998م.
10. المحافظة على البيئة من منظور إسلامي للدكتور قطب الريسوني الطبعة الأولى 1429 م 2008 م دار ابن حزم.
11. مجلة عالم الفكر، العدد 3 المجلد 32 سنة 2004 مطابع دار السياسة، مقالة: التربية البيئية ومأزق الجنس البشري ليعقوب أحمد الشراح.
12. رعاية البيئة في شريعة الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي، الطبعة الأولى 1421هـ-2001 م دار الشروق، القاهرة.
13. الموطأ للإمام مالك الطبعة الثالثة، سنة 1416هـ/ 1996م مطبعة فضالة المغرب.
14. الأدب المفرد للبخاري تحقيق: سمير بن أمين الزهيري 1419 هـ/1998م مكتبة النشر والتوزيع الرياض.
15. صحيح البخاري الطبعة الأولى سنة 1419 هـ 1998 م دار الكتب العلمية بيروت.
16. سنن ابن ماجة لمحمد بن يزيد القزويني تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف الطبعة الأولى 1418 هـ 1998م دار الجيل بيروت.
17. رؤية الدين الإسلامي في الحفاظ على البيئة للدكتور شحاتة، الطبعة الأولى 1421هـ 2001م دار الشروق القاهرة.
18. صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثانية 1972م دار إحياء التراث العربي بيروت .
19. سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس الطبعة الأولى 1388هـ/ 1969م دار الحديث حمص سوريا .
20. سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني سنة 1415هـ /1995 م مكتبة المعارف للنشر والتوزيع .
21. مسند أحمد بن حنبل دار صادر بيروت .
22. موقع الإلكتروني ماهية البيئة / knol.google.com/k/judge_dr.osama مقالة ماهية البيئة للمستشار الدكتور أسامة عبد العزيز.
23. الموقع park على الشبكة العنكبوتية ، سلسلة أوراق غير دورية: جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة، مقالة التشريعات البيئية للمستشار محمد عبد العزيز الجندي تاريخ النشر يناير 2000.
24. الموقع الإلكتروني ongla ayoune2010.heber gratuit.com إسم المقالة: التنمية والبيئة والمعادلة الصعبة, القانون المغربي رقم 11.03 المتعلق بحماية البيئة واستصلاح البيئة المادة :3
25. الموقع الإلكتروني www.cmes_maroc.com
المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية: مقالة :القواعد الدولية لحماية البيئة للأستاذة الباحثة حياة زلماط بتاريخ 2004-11-24 .
26. أنظر الموقع الإلكتروني quran.maktoob.com/vb/quran21595
البيئة ومنهج الإسلام / منتديات صوت القرآن الحكيم.
27. أنظر الموقع الإلكتروني www.islamset.com/arabic/aenv/eip.htmel
البيئة من منظور إسلامي تقديم الأستاذ الدكتور سالم مرزوق الطحيح من كلمات السمو الشيخ جابر أحمد الصياح في دعوته المخلصة لحماية البيئة.
فهرس الموضوعات
إهداء
كلمة شكر
المقدمة............................................................................
الفصل الأول: البيئة والمواثيق الدولية.....................
المبحث الأول: مفهوم البيئة............................................
المطلب الأول: المفهوم اللغوي...................................
المطلب الثاني: المفهوم العلمي..................................
المطلب الثالث: المفهوم القانوني............................
المبحث الثاني: البيئة والمواثيق الدولية..............................
المطلب الأول: علاقة الإنسان بالبيئة...................
المطلب الثاني: قانون البيئة في المواثيق الدولية.......................
الفصل الثاني: البيئة والإسلام.................................
المبحث الأول: تصور الإسلام لمفهوم البيئة.................................
المطلب الأول: مفهوم البيئة في الإسلام...................................
المطلب الثاني: العلاقة بين الإنسان والبيئة وفق المنظور الإسلامي........
المبحث الثاني: التصور الإسلامي لعلاج مفهوم البيئة......................
المطلب الأول: ربط الحفاظ على البيئة بالعقيدة الإسلامية.............
المطلب الثاني: الركائز المعتمدة في المحافظة ورعاية البيئة.........
.
المبحث الثالث: البيئة بين التصور الإسلامي والمواثيق الدولية................
خاتمة...........................................................................
لائحة المصادر والمراجع.........................................................
فهرس الموضوعات..............................................................
ليست هناك تعليقات