الدكتور احمد الدرداري استاذ القانون ا لعام والعلوم السياسية إن توسيع قيم الديمقراطية في العالم حسب أنتوني ليك يتطلب رسم مرجعية ترد ...
إن توسيع قيم الديمقراطية في العالم حسب
أنتوني ليك يتطلب رسم مرجعية ترد إليها الديبلوماسية، وترسخ عن طريق التعليم،
وللديمقراطية حبائل تفرض على أمريكا أن تخفف دعوتها المفرطة لإقامة التعددية
الحزبية في كل دولة من دول العالم الثالث بأكبر سرعة ممكنة، بحكم أن الاستقرار
الذي تسعى إلى تحقيقه الديمقراطية والمرتبط بالانتخابات سرعان ما تؤدي إلى الفوضى
أكثر من الالتزام بالديمقراطية، ويتغلب بذلك الواقع على القيم الديمقراطية.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يميز الفكر السياسي الحديث هو النظريات الدستورية
والفلسفة السياسية، بحيث أن الإنسانية كانت دائما محتاجة إلى التنظيم السياسي
والاقتصادي والإداري والاجتماعي، فالصينيون القدماء اعتمدوا أنظمة الإمبراطوريات
وإيديولوجية مرتبطة بالمعتقدات الدينية
اجتماعيا وسياسيا. واليونانيون أنشأوا دولة المدينة وربطوا المفاهيم السياسية
بتعدد الآلهة والفلسفة. والرومان اعتمدوا الامبراطورية التي بدأت وثنية وانتهت
مسيحية. والمسلين الذين اعتمدوا الدولة العالمية المستندة على الدين الإسلامي.
وظهرت الدولة القومية في واروبا بعد انهيار النظام الإقطاعي انتهت بتغليب السلطة
الزمنية على السلطة الروحية ، ثم ظهر الفكر التحرري مع بداية القرن 17 و18 فتطورت
المجتمعات الاوربية وتطورت العلوم والاقتصاد وسيطرت اوروبا على طرق الملاحة
والتجارة واستعمرت مناطق في أمريكا اللاتينية وآسيا وافريقيا ،مما ساعد ها على
بناء الحضارة الصناعية وأدى إلى ظهور فكر سياسي جديد يرتكز على الإنسان والدولة
والمجتمع والأسرة التي سوف يتم تقديمها في شكل إعلانات للحقوق كالإعلان الفرنسي
1789 والإعلان العالمي 1948 . فأصبحت لليبرالية مضمونا جديدا، وظهرت طبقة
البورجوازية التي أصبحت تحل محل الطبقة الارستقراطية على صعيد السلطة، واصبحت
الأنظمة تسمي نفسها بالديمقراطية.
ويقول هنتنجتون لا يمكن إنقاذ الديمقراطية
بإقبارها مستشهدا في ذلك بمقولة كاتب الدولة الأمريكي الأسبق جيمس بيكر. ويرى ألا
بديل عن الديمقراطية لكونها النظام الوحيد المستمد شرعيته من المحكومين، وطرح
بديلين على الأصح وهما : البديل الإسلامي
الذي يتقاسمه النموذج السعودي والنموذج الإيراني الذين يقومان على الدين الإسلامي
مع اختلاف مذهبيهما السني والشيعي. والبديل الأسيوي الكونفوشيوسي الذي يقوم على
القيم الأسيوية المتمحورة حول الجماعة والنظام والانضباط، وعدم احترام السلطة
بالمفهوم الغربي.
ويرى أن نهاية
الحرب الباردة نقلت الصراع من صراع ذي طبيعة إيديولوجية إلى صراع متنوع الحضارة،
وحلت فوضى عدم الاستقرار وتعدد الأقطاب محل صراع القطبين في المجتمع الدولي، وهذا
طبعا يقوي من إمكانية اللجوء إلى الخطر النووي في أية حرب مقبلة أو عملية تطهير
عرقي، لاسيما وأن تعطش الشعوب للقوة الاقتصادية والعسكرية يزداد والرغبة في الحفاظ
على هويتها أخذ منحى حساس لكونه حق من حقوق الإنسان، وحتى النظام الديمقراطي
الليبرالي الذي يراه فوكوياما نهاية التاريخ هو نظام تحفظ عليه كثير من المفكرين
ومنهم هنتنجتون نفسه، ويراه تشرشل أسوأ الأنظمة، ويراه روبرت دال أقل الأنظمة سوءا.
إن مقولة صراع
الحضارات تتأتى كلما خرجت الديمقراطية عن مسارها ، وتبقى قائمة بين القوى
المتصارعة المصالح، والديمقراطية اليوم إذا تحققت تكون أحسن ضمانة ضد الشطط والزيغ
عن الرؤيا المتفق عليها والمبصومة في الدساتير والمتمحورة حول الاستقرار والرفاه
والعيش المشترك الشيء الذي يمحو الاستبداد والفساد واستغلال السلطة، فهي عموما
ليست على نهج واحد لأنها من تصميم مفكرين بشر يعيشون وسط بيئة اجتماعية واقتصادية
وثقافية ، فكل الأنظمة تسمي نفسها ديمقراطية ومنها الديمقراطية الليبرالية التي
ليست على مقاس موحد بين نفس الدول الليبرالية، بل نماذج متقاربة فقط من التجارب
الغربية، كما أن القول بأن التعددية الحزبية والانتخابات يعنيان الديمقراطية غير
كافي، لأن نجاح تجربة ديمقراطية معينة، يفترض وجود دولة قوية ومجتمع مدني قادر على
إفراز ثقافة ديمقراطية، وهو ما يتطلب خروج المجتمع من آفة الأمية وتجاوز الخصاص
المادي وهناك معطيات تسمح بالتوجه نحو الديمقراطية وحبك التوازنات السياسية و فرض
الدولة لمكانتها دوليا هي:
ـ المعطى الجغرافي: ويعني مساحة الدولة ومناخها وتربتها
وثرواتها المعدنية وتضاريسها وموقعها في جغرافية العالم... .
ـ المعطى الديمغرافي: ويعني عدد السكان والمعارف واللغة
والكفاءات والتعليم والثقافة والصحة ودرجة التمدن... .
ـ المعطى العسكري: ويعني مستوى الدولة العسكري ودرجة
تكوين الجيش والتجهيزات والجاهزية والصناعات العسكرية وقوة المناورات و الاسطول
البحري ... .
ـ معطى المادة الرمادية: ويعني قوة المجتمع المدني
والتمثيل في المنظمات الدولية وقوة الديبلوماسية و الحضور في المحافل الدولية ... .
ـ ثم معطى الشجاعة والقدرة السياسية: ويعني قوة الإرادة
في تداول السلطة والإنجازات التنموية وتطوير
حقوق الإنسان .
فكل دولة
استطاعت ان تحاكي هذه المعطيات يمكنها أن تتغلب على المتاعب وتضع لنفسها مكانا
مناسبا في النسيج العلائقي الدولي وليس بالضرورة أن تكون تابعة، لأن نظام الحكم
الغربي ليس حكما ديمقراطيا حسب هنتنجتون ولكنه حكم جيد فقط بالمقارنة مع غالبية الأنظمة
السائدة في العالم في نظره.
والملاحظ أن
دول الشرق الأوسط تتوفر على هذه المعطيات بشكل متواضع، وأن الحروب ليست متكافئة
إذا لم تكن هناك حماية أو مؤازرة من دول غربية، بالإضافة إلى أن التدخلات العسكرية
في الشرق الأوسط هي بين الديمقراطية
والديكتاتورية من منظور الغرب، كحرب الولايات الامريكية على العراق، وهي حرب ضد
حزب البعث الديكتاتوري، والحرب على ليبيا هي
ضد نظام ديكتاتوري غير مستوعب للتعددية الحزبية، والجبهات المفتوحة في
سوريا برغبة أمريكية ومعارضة روسية، والممكن أن تتحول إلى حرب، تستهدف حزب البعث
السوري العسكري والذي لم يسوق بعد للتعددية الحزبية، كما أنه استمرار لحزب البعث
العراقي، وحتى وإن توفرت سوق سياسية في الدول العربية فإن الفعالية تتوقف على
الرغبة الجامحة والإرادة القوية ومن جهة أخرى فإن المعتقد أكبر معيق أمام
الديمقراطية، ولا يمكن لسلطة ما إجبار الشعوب على تغيير معتقداتها.
والتجربة
المصرية الأخيرة هي تجربة تمثل تقهقرا وتراجعا كبيرا عن الإيمان بالديمقراطية، ما
دامت الانتخابات كانت نزيهة وديمقراطية وشفافة، وتبقى طريقة استعادة السلطة غير
متخلقة وكان الأفضل التركيز على السبب بدل النتيجة، ولا يمكن للوضع الحالي إلا أن
يزيد بعثرة الأوراق داخليا وازدياد العداء للغرب، وحالة الإخوان المسلمين اليوم
سيئة بالمقارنة مع أية مرحلة من تاريخها،
ولكن وضعها السياسي متقدم رغم أنها لم
تستفيد من الماضي، ولم تستوعب نسق الدولة وميكانيزمات السلطة الفعلية عسكريا
وأمنيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا وإعلاميا، ولم تستطيع تغيير الوعاء السياسي
اعتمادا على السلطة الشرعية انتخابيا باعتبارها السلطة الوحيدة لفعل كل شيء لأن
ذلك يحتاج إلى وقت. والديمقراطية الليبرالية هي الحكم بكل مكونات المجتمع والدولة
وبالتالي هي عقد شراكة وليس عقد غلبة.
كما أن القول
بنهاية التاريخ لفوكوياما، أي إما الليبرالية وإما لاشي هي مقولة نسبية وغير حتمية
بالعقل، حيث السياق الفكري لهذا الموضوع يعتمد على التاريخ الغربي ومفكريه ومنظريه
بدءا من كوجيف وهيغل اللذين قالا إننا وصلنا إلى نهاية التاريخ وأن العقل سيطر
وأصبح الواقع عقلانيا، ونهاية التاريخ هي ضرورة فلسفية واكتمال سياسي، أي بلوغ
الحكمة والحري والمساواة. وقوله بالنظام الباهت للوجود في العالم اللاحق للتاريخ،
حيث ستكون نهاية التاريخ فترة بالغة الحزن، ويرى كوجيف بأن الانتفاضة ضد التاريخ
مدعاة للسخرية لأنها انتفاضة ضد العقل.
لقد سيطرت
الليبرالية لكنها غير مرضية في كل الأحوال، وكانت الشيوعية امتدادا مجنونا
للعقلانية الليبرالية، والسؤال هو هل هناك بديل عن الليبرالية ؟ وكيف يمكن مزج الدين بالحرية والتآخي
بينهما في دولة مسلمة يؤطر فيها الأول الثانية؟
إن أمم الشرق
الأوسط وافريقيا التي لم تتوصل إلى الحداثة بسهولة، هل ستواجه أشكالا مختلفة من
الظلامية؟ وما هو مآل الأعداد الكبيرة من المهاجرين في أوربا، ولتفسير الوضعية
الحالية، هل الفلسفة هي البديل عن الايديولوجيا التي ماتت حسب فوكوياما ؟ وهل
التاريخ سيستدل عليه بمعادلات الحرب والسلام والثورة والشرعية إذا ما جانبنا
التحليل العسكري والسياسي والاقتصادي؟
إن الشرق
الأوسط أمام خيارات ثلاث كمشاريع إصلاحية سياسية بعد ما انتهى مبدئيا عهد
الديكتاتوريات لإعادة بناء الدولة وهي:
ـ خيار العلمانية: النموذج التركي ويتعلق الأمر بفصل
الدين عن الدولة وتعويض الحكم بالدين بالحكم بالقانون، لكن وفي إطار التعددية
الحزبية يمكن لحزب ذي نزعة دينية أن يصل إلى الحكم كحزب العدالة والتنمية التركي،
إلا أنه يبقى مطالب باحترام القوانين التي أوصلته إلى منبر السلطة كيفما كان دين
المجتمع إسلاميا أو مسيحيا أو يهوديا، أو كانت الديانات متعايشة في دولة واحدة، ما
دام عدد الأصوات هو المتحكم في الانتخابات.
ـ خيار الحكم بالدين: النموذج الايراني حيث الاحتكام
للشريعة ذات التوجه الشيعي في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي
سلطة ودين في نفس الوقت، والاجتهاد لا يكون إلا من طرف الحوزة العلمية والمرشد هو
المفتي، وكل سلوك خارج عن الدين يكون محظورا والمؤسسات تخضع للمراقبة المتعددة
والدقيقة، وتشديد إجراءات أمن الدولة وتطبيق النص الديني إدارة وقضاء، وتتطلع إلى
أن تصبح الحاملة الوحيدة لرسالة الدين والمتحدثة به كونيا .
ـ خيار الحكم بتغليب السلطة على الدين : نموذج السعودية
كنموذج سني متناقض مع التوجه الإيراني، حيث خادم الحرمين يحتكر السلطة باسم
الدين نظرا لمكانته المركزية، واعتبار
السعودية قبلة ووجهة لتكملة للركن الخامس للدين الاسلامي، ويمثل الملك رمز الدولة والعناية في شتى المجالات، والمال هو عماد
الحكم ، وهذا النظام معتدل دينيا وقوي ماليا وقادر على خلق تنمية بكل متطلباتها،
ومؤسسة الجيش تسخر لهذا الغرض، إلا أن واجهة النظام هي أقرب إلى الدين منه إلى
الديمقراطية ما دامت الأحزاب غير موجودة .
-وخيار الحكم بالتأقلم والتعايش داخل الفكر الليبرالي
النموذج المغربي ، حيث يتسع النظام الملكي المغربي لكل المكونات الفكرية والسياسية
ويشترط للمشاركة في السلطة الالتزام بأرضية التنوع والتعدد الحزبي والثقافي،
واحترام أسس النظام القائم و حقوق الأقلية، وإقرار حق المعارضة باعتبار المغرب
استفاد من الماضي والحاضر، وجعل الدين خارج اللعبة السياسية رغم تواجد حزب العدالة
والتنمية على رأس الحكومة ، وهذا ما ساعد
على الاستقرار وتميزه عن الأنظمة التي شهدت ثورات الربيع العربي، ويستحق النموذج
المغربي الدراسة بشكل معمق لإبرازه كخيار بديل وتجربة ناجحة .
لكن هل هذه الأنظمة تضمن السلم والاستقرار للمنطقة العربية ؟
إن مفكري
أوربا من خلال ريمون آرون في كتاب: (المجتمع الصناعي والحرب )، عالجوا تنبؤات كانط
وماركس وتفسيرات شومبير ونيتشه، حيث أن طول مدة السلام تتوقف حسب فوكوياما على
عنصرين وهما : أولا الردع النووي الذي
يعطي حرب لا معقولة، ولا تميز الغالب عن المغلوب، وحساسية هذا السلاح لدى الدول
الغربية . والثاني هو التركيز على الملكية الفردية،
واستبدال الحرب بالعمل والتنمية.
إن غياب
الديمقراطية بالعالمين الشيوعي والثالث وعدم قدرتهما على إنتاج حريتهما
الديمقراطية وازدهارهما الرأسمالي، يجعل البعض يبحثون عنها في الغرب، أو التوجه
نحو التطرف والتشدد الديني، وإبداع أساليب مناهضة لهذه الأنظمة لأنهم يرونها غير
ذات جدوى.
والشرق الأوسط
يمثل مهد الأنبياء والرسالات السماوية، وللتاريخ أهمية كبرى في أية دراسة شرق
أوسطية سياسيا أو اقتصاديا أو فكريا أو عقديا، وهذا يجعل الشعوب منقسمة دينيا
إسلام ، مسيحية ، يهودية وكل دين منقسم إلى مذاهب وطرق وطوائف ، بالإضافة إلى بقية
الباقيات المختلفة المعتقدات والثقافات ، لذا نجد الانظمة القائمة كلما هبت عليها
رياح التجديد، إلا واصطدمت بمشاكل وصعوبات تتأثر بالتوازنات المذهبية، وتتحرك
العصبيات بالمفهوم الخلدوني وغيرها، فالتاريخ لم يمح شيئا قديما حتى يمكنه كتابة
شيء آخر جديد. فالدين كمعتقد غير قابل للمحو باعتباره امر إلهي وليس من صنع بشري،
وعليه يبقى الفكر الديني هو الفكر الذي لا يتقادم رغم مرور الوقت، عكس فلسفة الفكر
الوضعي مهما برع الإنسان لم يستطيع الثبات بل تغير عبر العصور منذ فلسفة الإغريق
إلى اليوم. بالإضافة إلى أن الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط مخالف للوضع الثقافي
والوضع السياسي والاجتماعي، وعليه يبدو الاستقرار بات ضعيفا في مواجهة الإحساس
بالتغيير، وتسخير القوة للردع لم يعد حلا، والعنف يقابل بالعنف في إطار الندية
التي أصبح الفرد يفرضها حتى في مواجهة الإدارة ، مما يعني أن النظرة للآخر والاقتناع
بمبدأ العيش المشترك وتعايش الثقافات حسب
جون رولز هي أفضل السبل لتحقيق الاستقرار بالإضافة إلى ربط الممارسة السياسية والسلطة بالتنمية.
وحتى
الانتخابات التي توظف فيها الانتماءات القبلية والعرقية والدينية تجعل من
الديمقراطية أداة لإشعال فتيل الخلافات وإثارة النعرات لكون الأنظمة العربية حديثة
العهد بفكرة الديمقراطية وحداثة الحياة السياسية فالمجتمع المصري مثلا يضم حوالي خمسين طريقة دينية وطائفة ، ولبنان حوالي
عشرون طائفة دينية ومذهبية...الخ، والقانون الدولي يقر باحترام حقوق الأقليات
ويحضر التمييز على أساس ديني أو طائفي أ عرقي، ويقر حق تقرير المصير والحرية في
الانتخابات... .
إن الموجة
الأولى والثانية لهنتنجتون في عقد الستينات والسبعينات، المتزامنة مع الحرب
الباردة، عرفت بالثورات وانقلاب الجنيرالات، وكانت مجتمعاتها تطبعها الأمية بأكثر
من سبعين في المائة وذات طابع زراعي بحوالي سبعين في المائة والحياة بدوية في
مجملها. أما الموجة الثالثة فمصدرها الديمقراطيين الذين أوصلتهم الديمقراطية إلى
السلطة، ويقدم هنتنجتون أخطارا تهدد الديمقراطية كعودة الخطر الأحمر كخطر مستبعد،
ثم خطر الأصولية كتجربة الجزائر في عقد التسعيينيات من القرن الماضي، حيث ألغى
العسكر الانتخابات، وتجربة مصر الأخيرة حيث أزاح الجيش النظام السياسي من أصله
الانتخابي بخلع رئيس الدولة المنتخب وحلول حكم العسكر بدعوى عدم شرعية الممارسات
الرسمية للنظام، فأقبرت تجربة حكم الإخوان في مهدها، ولهذا الوضع آثار سلبية على
مكانة مصر عربيا ودوليا.
أما الخطر
الثالث فيتعلق بالأشد وقعا على الديمقراطية وهو انتحال الديمقراطية من لدن السلطة
التنفيذية، حينما ينتخب رئيس الدولة ويضع السلطة بين يديه ثم يجعل السلطة
التشريعية تابعة له أو يعرقلها ويحكم بالمراسيم وسرعان ما تصبح ممارسة السلطة حالة
إدمان .
والسؤال
العريض اليوم هو كيف يمكن قبول وإدماج الإسلاميين
في الحياة السياسية كأحزاب في دول الشرق الأوسط بعد مشكل مصر؟ وكيف يمكن
الدفع بهم إلى الالتزام بقواعد وقيم الديمقراطية دون تغليب الدين وإقصاء الآخر؟
وهل يمكن لتجربة تركيا أن تكون الأقرب إلى الواقع؟
هذه العملية
تتوقف على إمكانية تحقيق الانتقال الديمقراطي في العالم العربي ككل، ذلك أن عدم
إدماج الإسلاميين وقبولهم في الحكم يجعلهم - في غياب نموذج عربي للديمقراطية –
ينتقلون من المعارضة المطلقة إلى ممارسة سلطة مطلقة في حالة وصولهم إلى الحكم.
بالنسبة لجون
واتربوري فإن الطبقة الوسطى تم احتوائها من طرف الدولة ولم تستطع تحقيق التوازن
بين الدولة وبقية مكونات المجتمع، كما أن البرجوازية القطاع الخاص بقيت تابعة أيضا
للدولة ولم تستطع إنشاء مجتمع مدني قادر على التفاوض مع الدولة وإنما مكمل لها إن
وجد.
كما أن الدولة
في الشرق الأوسط أسست مشروعيتها على نظام يستمد قوته من الرسالة السماوية المقدسة
وإيديولوجية الوحي، واحتكرت العنف عن طريق الجيش وفرضت مساندة المجتمع لها دون
مساءلة. وكل معارضة لا يمكن أن تحصل إلا إذا احتمت بدول غربية ورحب بالمعارضين من
طرف دولة غربية التي توفر لهم منبر إعلامي، وتضمن حرياتهم، في حين لا نجد معارضا
من أبناء دولة غربية يثبت العكس ويحتمي بدولة من دول العالم الثالث. لذا فالأنظمة
العربية والثالثية إجمالا هي ظواهر خصبة للدراسة لكونها غير مكتملة وغير راشدة
وهذا ما يفسر تعدد المرجعيات لإقامة نظام سياسي فتظهر الجماعات الاسلامية بديلا
لفشل الدول في تحقيق التنمية وغيرة الشعوب وكرامة أبنائها بين الأمم.
وعليه فإن ثقافة
شعوب الشرق الأوسط لا تتناغم مع الديموقراطية كما أن الضريبة المرتفعة في هذه
الدول لا تسمح بمسائلة الحكومات التي تنفق في مجال التسلح مبالغ كبيرة و تسخرها
مؤسسات الجيش لقتل الشعوب نفسها كلما طالبت بالتغيير كما حدث في ليبيا في الربيع
العربي ومصر حاليا.
إن استراتيجية
الحكومة في كل من مصر والأردن واليمن مثلا أخذت بأسلوب الادماج والقمع اتجاه
الاسلاميين وبينما تونس فقد نهجت أسلوب القمع وقد حاولت إدماج الاسلاميين منذ
الربيع العربي بينما الجزائر فقد نهجت القمع وما زالت محتفظة بنفس الأسلوب. مما
أدى إلى انتشار التطرف الديني وتوزيع دائرة الفتنة بسبب التهميش وظهور جماعات
مسلحة.
إن أعداء
الديموقراطية هم حديثون أيضا وأن الخلل لديهم يكمن في الفكر العقلاني والحرية
الشخصية والهوية والثقافة، وهذا يخلق تصدعا في التفرد والخصوصية . لذا
فالديموقراطية تجمع نظريا بين الوحدة والتنوع، وتربط بشكل متبادل ومتكامل بين حقوق
الانسان والمواطنة والسلطة التمثيلية للحكام بأبعادها الثلاثة: الأخلاق والمجتمع
والوطن. وعملية إعادة تركيب العالم حسب ألان تورين لا يمكن أن يكون إلا بالتعليم
الذي يرسخ فكرة العيش المشترك رغم الاختلاف، كما أن الديموقراطية في نظره هي
الاعتراف بالآخر، وأن الديموقراطية تقوم على ممارسة السلطة بشكل محدود باحترام
الحقوق الأساسية للأفراد والمواطنة
والسلطة التمثيلية للفاعلين السياسيين والمدنيين.
والشرق الأوسط
مر بمراحل حكم مختلفة عبر التاريخ
الاسلامي وهي الخلافة ، والحكم العاض والحكم الجبري بعد الرسول الأكرم ، أي
الأنظمة الملكية ثم الأنظمة الجمهورية وتغيرت حدود الدول عدة مرات آخرها الحدود الاستعمارية في القرن العشرون، ودخلت
مرحلة محاولة الحداثة دون النضج الكافي
للتحول نحو الديموقراطية، واليوم يخضع لمحاولة التقسيم باسم الشرق الأوسط الجديد،
ولكون التوتاليتارية الاثنية أو القومية والتوتاليتارية الدينية أصبحت تتوغل هي
الأخرى وتعيق انتشار الفكر الديموقراطي،
بينما التوتاليتارية الشيوعية فهي آخذة في التراجع. بالإضافة إلى الصراع
الاسرائيلي الفلسطيني ببعده العربي والإسلامي الذي ليس له بداية و لا نهاية مهما
تنوعت الحكومات والسياسات وهو محرك لبقية الصراعات الأخرى بين الدول العربية لأنه
يتوقف على التأييد والمعارضة للقضية الفلسطينية المنقسمة على نفسها داخليا ، مما
جعل هذا الصراع يأخذ بعدا دينيا متشددا إسلاميا شيعيا إيرانيا ضد إسرائيليا بشكل
واضح، وهذا المعطى سبب في الإقبال على التسلح الأعمى الذي يفرضه الخوف من المجهول ومساوئ
خسارة الحرب في حالة المواجهة .
إن وضع الشرق
الأوسط اليوم هو موطن الحساسيات الثقافية والدينية والوضع يزداد مع إهانة واحتقار
الثقافات، ولإنجاح الديموقراطية ينبغي ألا تكون مسطرة لصالح جهة معينة، بل لا بد
من تعايش الثقافات والأديان والاعتراف المتبادل بين كل مكونات المجتمعات الشرق
أوسطية بالإضافة إلى ربط الديموقراطية بالتنمية وتجنب ما وقع في البوسنة،
والديموقراطية تتناقض مع السلطة المطلقة، وتتجلى في الفكر والسياسة والثقافة
والدين ولحد الآن لم يستقر العالم على نظام القيم الديموقراطية ولم يتحقق
الاستقرار، بل تبدوا حالة هدنة فقط هي التي تسري في الواقع إلى حين استكمال الحرب.
إن شعوب الدول
العربية تزداد هيجانا وأصولية بسبب القضية الفلسطينية نفسها ومسألة دمقرطة هذه
الأنظمة صعب، لأن كل عملية انتخابية شفافة ستؤول إلى فوز الاسلاميين، كما أن
احتكار هذه الدول للقمع لا يمكنه أن يدوم بشهادة التاريخ على المراحل السابقة،
وإذا ما تم إبعاد الإسلاميين من العملية السياسية فستكون النتائج كارثية لكون
الارتباطات أصبحت كونية والتواصل أصبح يسيرا وحرية تنقل الأشخاص حقوق عالمية. بالإضافة إلى أن الأصول الاجتماعية للإسلاميين
العرب مرتبطة بتاريخ أجدادهم على اختلاف هذه الأصول نسبا وتأييدا ومشاركة ومساهمة
في نشر الدين الاسلامي.
إن الصراع
قائم بين من يمثل الدين والمجتمع كأساس لمشروعية الدولة وهذا ما يزيد من انفصام
العلاقة بين الدولة والمجتمع، وهو أمر مرتبط بفكرة تملك شيء ما، لهذا تلجأ الأنظمة
السياسية إلى إدماج الاسلاميين المعتدلين تدريجيا بينما المتطرفين الرافضين للنظام
القائم فنصيبهم دائما القمع والتهميش وتبقى العلاقة بين الاسلاميين والعلمانيين
مشوبة بالشك وخطر العنف حيث يشك العلمانيون في ارتباط الاسلاميين المعتدلين
بالمتشددين ويشك الاسلاميين بارتباط
العلمانيين بالأنظمة الغربية، لذا فمفهوم الدولة يتطور تبعا لتطور المجتمع
والمفاهيم المرتبطة به كمفهوم الملكية ومفهوم المجتمع المدني ومفهوم العدل ومفهوم
النقابة ومفهوم المساواة ومفهوم السلطة ومفهوم الحق ومفهوم الامن ومفهوم القانون
... إلخ، ما دامت سيادة الدولة ضرورية للحفاظ على العيش المشترك ومفهوم
الدولة كعلاقة ضرورية في إطار سيادة
القانون للحفاظ على التطور والحركية
والسلم الاجتماعي.
ليست هناك تعليقات