المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

السياسات الاجتماعية بالمغرب : نموذج سياسات محاربة الفقر

السياسات الاجتماعية بالمغرب : نموذج سياسات محاربة الفقر مصطفى المناصفي * أعتبر الإعلان عن "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...


السياسات الاجتماعية بالمغرب : نموذج سياسات محاربة الفقر
مصطفى المناصفي*
أعتبر الإعلان عن "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" في ربيع 2005 أهم قرار سياسي يهم السياسات الاجتماعية بالمغرب خلال الخمس سنوات الأخيرة (2005-2009). وتهدف هذه المبادرة، كما جاء في الخطاب الملكي التأسيسي لها، إلى الحد من الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وذلك من خلال تسهيل ولوج الأشخاص المستهدفين للخدمات الأساسية كالصحة والتربية، ومحاربة الأمية، والكهربة والماء الصالح للشرب بالعالم القروي، والقضاء على السكن غير اللائق، وتطوير الشبكة الطرقية. هذه المبادرة موجهة بالخصوص إلى الفئات الأكثر تهميشاً خصوصاً بالأحياء الحضرية المهمشة (250 حياً حضرياً فقيراً)، وبالمناطق القروية المعزولة (360 جماعة قروية الأكثر فقرا بالعالم القروي). و عرفت نفس الفترة منح ديناميكية جديدة لمجموعة من القطاعات الاجتماعية، كقطاع التعليم من خلال تبني مخطط جديد (المخطط لاستعجالي) يهدف إلى النهوض بالقطاع ؛ وقطاع الصحة، عبر وضع خطة عمل جديدة لتسهيل الولوج إلى الخدمات الصحية (تعميم "نظام المساعدة الطبية")، وغير ذلك من الإجراءات المبرمجة في إطار القطاعات الاجتماعية الأخرى.  
كيف كانت حركية الدولة، خلال الفترة الممتدة مابين سنتي 2005 و 2009، في مجال محاربة الفقر؟
        للإجابة عن هذا التساؤل، سنقوم في البداية، اعتمادا على التقارير الدولية و الوطنية و بعض الدراسات الأكاديمية و كذا التقارير الصحفية، بتشخيص موجز لحال الفقراء من أجل الوقوف على ظروف وعوامل التفقير بالمغرب (المبحث الأول)، بعد ذلك سندرس، اعتمادا على أشغال الورشة الدولية للسياسات الاجتماعية المنظمة من طرف وزارة التنمية الاجتماعية بشراكة مع "اللجنة الأوروبية"،-سندرس- حركية الدولة المغربية من خلال لآليات التي اعتمدت عليها هذه الأخيرة من أجل محاربة الفقر (المبحث الثاني) ؛ تم سنختم بمجموعة من التساؤلات قد تساعد على فهم ما يمكن انتظاره من البرامج و المشاريع الجديدة التي و ضعتها الدولة من أجل محاربة الفقر.
1- حال الفقراء
 سندرس من خلال هذا المبحث و ضعية الفقراء بالعالم القروي ؛ بعد ذلك،  سنعرج على حال هؤلاء بالمدن. 
1-1         فقراء العالم القروي
       حسب دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط حول الفقراء والتنمية البشرية في المغرب بتعاون مع صندوق البنك الدولي، أن ظاهرة الفقر تعتبر بالدرجة الأولى قروية[1].  تصل نسبة الفقراء بالعالم القروي حسب الإحصاء الوطني للسكان والسكنى إلى أزيد من 23 %، علما أن المعدل المتوسطي الوطني هو 14.2 %2.
وتعتبر أسباب الفقر بالأرياف متنوعة، منها ما هو مرتبط بالطبيعة نتيجة للجفاف وقساوة الطقس، ومنها ما هو بنيوي يرجع إلى فترة الاستعمار وبداية الاستقلال، بالإضافة إلى أن هناك أسباب تقنية مرتبطة بظروف اشتغال الفلاح، كما أن غياب البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالبادية يساعد في تفقيرها. وبتزايد حدة الجفاف بالعالم القروي وتوالي سنواته ظهرت ندرة المياه سواء الصالحة للشرب أو تلك الخاصة بالسقي. ومع تزايد انخفاض الموارد المائية بنسبة تصل إلى 40 %، عرفت جل الدوائر السقوية بالمغرب عجزاً في تأمين مياه الري، حيث تصل النسبة إلى 50 % بأحواض أم الربيع وسوس ماسة درعة وملوية، والى 80 % بأحواض زيز.
بالإضافة إلى ندرة المياه بالعالم القروي، يعتبر الغلاء من بين العراقيل التي تواجه الفلاح في حياته اليومية، خصوصاً غلاء الأسمدة الخاصة بالزراعة وغلاء أعلاف الأنعام (الماشية).
وتعتبر العزلة من بين مظاهر التهميش بالعالم القروي، إذ يعاني سكان القرى والمداشر و الأرياف والغابات من البعد عن المدن وعن الأسواق بعشرات الكيلومترات ومن انعدام وسائل النقل. الأكثر من ذلك، أن أغلب الممرات الموجودة بالقرى والرابطة بينها وبين المناطق الحضرية تعطل أثناء تهاطل الأمطار ونزول الثلوج، إذ يحكم هذا الوضع على ساكنة القرى بعدم التحرك في اتجاه الأماكن التي اعتادوا الذهاب إليها لاقتناء لوازم العيش.
نتيجة لذلك، يعاني أيضا أطفال البوادي مع سوء ظروف التمدرس، اذ في غالب الأحيان تطول المسافة التي تفصل السكن عن المدرسة.
إن المدرسة بالعالم القروي لا تتوفر على التجهيزات الأساسية ( كالمراحيض مثلا)، وظروف عمل المعلم بها جد صعبة، كما أن غلاء الكتب لا يشجع أولياء التلاميذ القرويين إرسال أبنائهم إلى المدرسة خصوصاً الفتيات.
وعلى ذكر الفتيات، العديد منهن في القرى المغربية لا تحصلن على تعليم ثانوي، فيما يحرم بعضهن كلياً من التعليم. وتستقر نسبة تعليم ثانوي بالبوادي في 16.5 % فقط، وذلك لأسباب تتمثل بالأساس في تشدد المواقف التقليدية وعزلة بعض الدواوير ونقص الطرق المعبدة و النقل العام3. هذا دون الحديث عن النسب المرتفعة التي يعرفها العالم القروي في ما يخص الهدر المدرسي.
 و إذا كان سكان البادية يواجهون صعوبات من أجل تدريس أبنائهم، نفس الحال ينطبق على الاستفادة من الخدمات الصحية.
   أن العالم القروي بالمغرب يفتقد لأبسط الخدمات الصحية، حيث تكاد تنعدم المستشفيات، حتى وإن وجدت، فهي تفتقد للتجهيزات الضرورية كسيارة الإسعاف، بالإضافة إلى قلة الأطر من أطباء وممرضين، خصوصاً الممرضات المختصات في التوليد، مما يسبب في ارتفاع نسبة الوفيات أثناء الولادة، سواء بالنسبة للأطفال أو الأمهات، اذ يموت 40 % من الأطفال و 227 امرأة حامل من كل 100 ألف حالة ولادة.
و تعاني الماشية أيضا من قلة التأطير الصحي، فالفلاح يعاني مع ماشيته، لأن هذه الأخيرة يلزمها عناية صحية تجنبها الأمراض، خصوصاً تلك الأمراض الموسمية السريعة الانتشار التي تتطلب أدوية باهظة الثمن.
وتعيش المرأة القروية حياة صعبة، زاد من صعوبتها النظرة الذكورية السائدة تجاه المرأة بالعالم القروي، وكذلك عدم فعالية البرامج التي تهدف إلى تحسين وضعية المرأة القروية. وتعتبر الأمية من بين أهم المشاكل التي تواجه النساء القرويات، اذ تبلغ نسبتها بالعالم القروي 70 %4.
نظيف إلى ذلك، عوامل أخرى مرتبطة بالخصوص بالظروف التقنية التي تحيط بظروف عمل الفلاح، والمتمثلة أساساً في تخلف هياكل الملكية وتبني نظم زراعية عتيقة وشيوع وحدات إنتاجية صغيرة لا تلبي الحاجيات الأساسية للفلاح وأسرته، بالإضافة إلى ضعف الحصول على قروض بنكية لتطوير وسائل الإنتاج5.
كل هذه العوامل، جعلت الفلاح يفقد الثقة في الاستمرار في العيش بالبادية وتحويل وجهته نحو المدينة. وتشير المعطيات الإحصائية إلى أن ثلث الفلاحين الصغار يهاجرون إلى الحواضر، بمعدل 200 ألف نسمة سنويا6. 
ويبقى الجفاف العامل الأساسي للهجرة نحو المدن. فالفلاح لم يعد قادرا على تحمل مخلفات الجفاف رغم تدخلات الدولة ؛ من ثمة، يبقى الحل بالنسبة للفلاح هو الرحيل نحو المدينة بعد بيع الأراضي وجميع الممتلكات التي كانت متوفرة بالبادية ؛ وبذلك، فالسبب الأساسي للهجرة القروية يرجع بالأساس إلى العامل السوسيو-اقتصادي، ذلك أن الجفاف ينتج تدنياً ملحوظا على مستوى المداخيل، بالإضافة إلى دوره في تفشي البطالة والفقر والهشاشة7.
إذا كانت للهجرة القروية أسباب ذاتية و موضوعية، أشرنا إليها أعلاه، فهي في الوقت نفسه سببا لظواهر أخرى تولد في المجال الجغرافي الأخر(المدينة). كيف هو حال الفقراء بالمجال الحضري؟
2-1   فقراء المدن
عاش المغرب خلال الفترة الممتدة مابين سنتي 2005 و 2009 مجموعة من الاحتجاجات على الوضع الاجتماعي، تجلت إحدى صوره في التظاهر للأحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الأساسية. كانت المدن، خصوصا الصغرى، هي ابرز هذه المحطات الاحتجاجية. وانطلقت شرارة الاحتجاجات بمدينة بوعرفة (سنتي2005 و2007)، مروراً بمدينة صفرو(2007)، وانتهاءً بمدينة سيدي افني (2008).
بمجرد القيام بجولة بالأحياء الشعبية للمدن، يلفت انتباه الزائر الأنشطة والحرف الصغيرة غير المهيكلة التي تنشط بشكل كبير. هذه الأنشطة تشكل جزءاً مهما من البناء الاجتماعي للمجال الحضري جراء البطالة المتفشية وسط الشباب.
و تعد هذه الأخيرة من بين إحدى علامات الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، يمكن ملاحظة ذلك من خلال معاناة الأطر العليا، خريجي الجامعات، مع نضالهم اليومي في الشارع الرئيسي للعاصمة المغربية من أجل المطالبة بالإدماج في ميدان الشغل.
بمقابل الأطر، هناك فئة عريضة من الشباب غير المؤهل تستقر في الشوارع والأزقة، المحضوضون منهم يمتهنون مهن حرة في إطار الاقتصاد غير المهيكل8.
حالة البطالة توضح وجود صعوبات بنيوية تقف حاجزا أمام إدماج الشباب، مما يدفع أزيد من 100 ألف شاب مغربي سنويا إلى القيام بمحاولة الهجرة سرا نحو الخارج، أغلبهم يموتون في الساحل المتوسطي.
من جهة أخرى، تعد ظاهرة التسول المتفشية وسط المجتمع من بين صور الفقر والهشاشة. فهناك ما يزيد عن 200 ألف مغربي يمتهنون التسول، 48.9 % رجال و51.1 % نساء، في حين يمارس 62.4 % من مجموع المتسولين التسول الاحترافي. إن أسباب التسول راجعة بالأساس إلى الفقر والإعاقة والمرض.
بمدينة الدار البيضاء مثلا، صرح مدير المركز الاجتماعي لتيط مليل "أن الفقر دفع 51.8 % لامتهان التسول، والإعاقة ب 12.7 %، والمرض ب 51.8 %، فيما 24.7 % وجدوا أنفسهم يمارسون التسول لأسباب مختلفة". وأضاف مدير المركز، "انه على مستوى مدينة الدار البيضاء فقط تمت إحالة 5042 متسول ومتسولة على المركز الاجتماعي الذي يديره. وتبقى النساء، خصوصاً المطلقات وأمهات عازبات رفقة أطفال رضع وأرامل رفقة أطفال رضع، هي الفئة الأكثر تعاطي للتسول، بعد ذلك، تأتي فئة المسنات بدون عائل"9.
ومن جهة أخرى، تعد ظاهرة عمل الأطفال بالمدن مسألة تستأثر بالاهتمام، اضطرت هذه الفئة، نتيجة للفقر، الذهاب للاشتغال في المعامل وورشات إصلاح السيارات وغيرها من الأنشطة التي لا تلائم سنها.
وخلال أواخر سنة 2005، نشرت منظمة "هيومنرايتش" الأمريكية تقريرا حول ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب، دقت من خلاله ناقوس الخطر، موضحة الظروف السيئة التي يشتغل فيها أطفال في سن التمدرس، بالإضافة إلى معاناة الأطفال، خصوصاً الفتيات، من العمل في البيوت10.
وحسب مديرية الإحصاء، أن عدد الأطفال المشتغلين بالمغرب، والذين تتراوح أعمارهم مابين 7 و12 سنة، يبلغ أكثر من 600 ألف طفل، وتعتبر الفاقة والحاجة هما السببان الرئيسان لتشغيل الأطفال وذلك لبحتهم عن مداخيل لإعالة أسرهم.
وارتباطاً بظاهرة الفقر بالمدن المغربية، من بين علامتها مدن الصفيح والسكن العشوائي التي يرجع سببها الأساسي إلى الهجرة القروية، إذ أن المهاجرين القادمين من البادية يستقرون بمدن الصفيح، وذلك لسهولة التوفر على هذا النوع من السكن، ولكونه يجنب قاطنيه أداء فاتورة استهلاك الماء والكهرباء.
وخلال السنين الأخيرة، بلغ عدد الأسر التي تقيم في سكن حاط للكرامة ويفتقد إلى أساسيات السكن اللائق –بلغ- 700 ألف أسرة11.
إن الهجرة نحو المدينة كانت ولازالت من بين العوامل التي ساعدت على تغيير الجغرافية الاجتماعية للمناطق الحضرية، بحيث عرفت المدينة انتشاراً كبيراً لأحياء الصفيح والسكن الهامشي وارتفاع عدد المتسولين والأطفال المشردين.
ومن ناحية أخرى، يعيش الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وضعاً لا يحسدون عليه نظراً لعدم توفر البلاد على سياسة عمومية فعالة تستهدف هذه الفئة.
لقد كشف البحث الوطني حول الإغاثة، أن هناك 1.530.000 شخص في وضعية إعاقة بالمغرب بنسبة 5.12 %. وقد أظهرت نتائج هذا البحث أنه من بين أربعة أسر هناك أسرة تتوفر على شخص معاق12.
وتعتبر الفئة الأكثر تقدما في السن هي الأكثر تضررا من الإعاقة اذ تبلغ نسبة 20.5 % بالنسبة للأشخاص الذين يبلغ عمرهم 60 سنة فما فوق.
 من خلال ما تقدم، ونتيجة لذلك، اضطر العديد من المواطنين إلى الهجرة، سواء  من البادية إلى المدينة أو الهجرة نحو الضفة الأخرى (أوروبا)، مما خلف تحولات داخل المجتمع المغربي كتفشي الإجرام بالمدن، وهجرة الأدمغة والأطر العليا الى الخارج، وكذلك تغير الخارطة الجغرافية بالمدار الحضري من خلال تنامي الأحياء الهامشية وأحياء القصدير. هذا الوضع دفع بالدولة إلى التحرك. فكيف كانت حركية الدولة في مجال محاربة الفقر خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2005 و 2009 ؟
2- سياسات الدولة من أجل محاربة الفقر (2005-2009) 13
       
سندرس من خلال هذا المبحث منظور الدولة المغربية من أجل محاربة الفقر، مع تقديم لأهم البرامج و الإجراءات التي تبنتها الدولة خلال الفترة موضوع الدراسة ؛ بعد ذلك، سندرس الآليات التي اعتمدت عليها الدولة في سياساتها المتعلقة بمحاربة الفقر.
1-2  منظور الدولة من أجل محاربة الفقر
        من أجل محاربة الفقر تبنت الدولة تصورا جديدا يرتكز على وضع إستراتيجية جديدة في مجال التنمية الاجتماعية. هذه الإستراتيجية تتمحور حول مجموعة من التوجهات أهمها: جعل التضامن و التماسك الاجتماعي هما محورا التنمية البشرية، تحسين مؤشرات التنمية البشرية من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ضمان التوزيع العادل لثمار النمو و ذلك من خلال استهداف الأفراد و المناطق المحرومة و أخيرا تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين المستهدفين.
وتعتبر هذه التوجهات بمثابة مفهوم جديد للتنمية الاجتماعية حاملة معها المحاور الكبرى للإستراتيجية الجديدة. و يعد تحفيز "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، و تعزيز الاستراتيجيات القطاعية، و الاهتمام بالمناطق الريفية و الجبلية و كذا استهداف السكان من أهم محاور الإستراتيجية الجديدة للتنمية الاجتماعية.
و يتجلى ذلك، في كون تحفيز "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" سيمكن من الحد من الفقر و الضعف و الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي، و تعزيز التضامن من خلال تعبئة كل قوى المجتمع في المشاركة و المبادرة، و تعزيز برامج التنمية القطاعية من خلال أسهم إضافية من أجل تشجيع الإدماج الاجتماعي و خلق فرص شغل جديدة، وإنجاز 18775 مشروع يستفيد منها 4،6 مليون شخص بتكلفة تصل إلى 11،13 مليون درهم.
ومن جهة أخرى، ومن أجل تعزيز الإستراتيجيات القطاعية  بهدف محاربة الفقر، تم التركيز على قطاع الصحة و قطاع التربية و التكوين و قطاع الإسكان و قطاع التشغيل و قطاع الشباب و الرياضة، خصوصا بالمناطق القروية المهمشة و بالأحياء الحضرية المصنفة في عداد الأحياء الفقيرة.
فيما يخص قطاع الصحة، تم وضع خطة عمل جديدة في أفق 2012. و تهدف هذه الأخيرة إلى:
-       تسهيل الحصول على الرعاية الصحية للفقراء و خاصة بالنسبة لسكان الأرياف ؛
-       زيادة معدل التغطية الطبية الأساسية من 34 ٪ إلى 60 ٪ من السكان ؛
-       تخفيض معدل وفيات الأمهات من 227 إلى 50 ولادة حية ؛
-       تخفيض معدل وفيات الرضع من 15 إلى 40 لكل 1000 ولادة حية ؛
وبالنسبة لقطاع التربية و التكوين، تم تبني مخطط جديد (المخطط لاستعجالي) للنهوض بقطاع التعليم، وتتجلى أهم الأهداف الرئيسية لهذا المخطط في:
-       زيادة فرص الحصول على التعليم الأساسي، و ذلك بتحقيق نسبة التمدرس تصل إلى 95 ٪ في كل جماعة (حضرية أو قروية)، و ذلك في أفق 2012 ؛
-       مكافحة ظاهرة الهذر المدرسي من 5،7 ٪ إلى 2،5 ٪ ؛
-       تحسين إدارة النظام التعليمي، وذلك عبر تنظيم دورات تكوينية للأطر التربوية و الإدارية و تنمية الموارد البشرية و تطوير نظم المعلومات.
أما بالنسبة لقطاع الإسكان، فأن أهم الأهداف جاءت على الشكل التالي:
-       تسريع وتيرة برامج السكن الاجتماعي عبر الزيادة في إنتاج الوحدات السكنية (من 120.000 وحدة سكنية سنويا إلى 150.000) و ذلك حتى حلول عام 2012 ؛
-       القضاء على الأحياء الفقيرة من خلال استفادة 280.000 أسرة بحلول عام 2012.
وبالنسبة لقطاع التشغيل، فقد تم تشجيعه من خلال اعتماد البرامج التالية: "مقاولتي"، "تأهيل" و "إدماج" ؛ وكذا عبر مبادرات تدريب المهندسين (15.000 سنويا في أفق 2012 ) و تخرج 3300 طبيب سنويا في أفق سنة 2020 وأخيرا تكوين 10.000 من العاملين الاجتماعيين، وذلك إلى غاية 2012.
وفيما يخص قطاع الشباب و الرياضة، تتجلى أهم الأهداف في:
-       تعزيز تأطير الشباب (مليون شاب في أفق 2012) ؛
-       خلق مراكز سوسيو-رياضية ؛
-       تأهيل الرياضيين ؛
-       توسيع برنامج "العطلة للجميع" ؛
-       توسيع نطاق مراكز الشباب و رعاية الطفل.
بالمقابل، من أجل إنجاز هذه المشاريع يلزم التوفر على آليات و "حكامة" قد تساعد في تحقيق الأهداف المسطرة. فما هي، إذن، الآليات التي اعتمدت عليها الدولة من أجل محاربة الفقر؟
2-2           محاربة الفقر بين آليات متعددة وحكامة متجددة
من اجل بلوغ نتائج إيجابية عبر استهداف فعال للسكان، و ضعت الدولة، ممثلة في المؤسسات التابعة لها، آليات متعددة بهدف التدخل من أجل محاربة الفقر. يتجلى ذلك، في دعم ولوج التعليم من خلال توزيع الحقائب المدرسية، 3.700000 حقيبة بتكلفة تبلغ 510 مليون درهم  وذلك في أفق 2012 ؛ وتقديم المساعدة المالية للأسر المحتاجة من خلال برنامج "تيسير"، وسيبلغ عدد المستفيدين من هذا البرنامج 280.000 مستفيد خلال سنة 2010، مقابل 80.000 خلال سنة 2009، وتبلغ تكلفة المشروع 240 مليون درهم ؛ بالإضافة إلى ذلك، ستوزع مجموعة من الملابس المدرسية لفائدة 750.000 تلميذ، بتكلفة تبلغ 100 مليون درهم، و ذلك في أفق سنة 2012 ؛ كما تم دعم مدارس المناطق الريفية بالنقل المدرسي بقيمة تبلغ 100 مليون دهم.
ومن أجل ولوج أفضل للخدمات الصحية، أقرت الدولة بضرورة التعميم التدريجي "لنظام المساعدة الطبية" (RAMED)، وتم كذلك العمل على تخفيض معدل وفيات الرضع عند الولادة من خلال إدخال لقاحات جديدة لفائدة الأطفال حديثي الولادة.
ومن بين لآليات التي تبنتها الدولة بهدف اكتساب نتائج فعالة على مستوى عيش الأفراد المستهدفين ، تمت جهود مكتفة في المناطق الريفية و الجبلية، وذلك من خلال تسريع وتيرة إنجاز المرافق الاجتماعية الأساسية لفائدة المناطق الريفية كالماء الصالح للشرب و الكهربة. وتم كذلك تعبئة موارد مالية وبشرية مهمة لصالح القطاعات الاجتماعية إذ بلغت نسبة تعبئة الوسائل المادية والبشرية مابين 2008-2010 في قطاع التربية و التكوين 34 ٪ ؛ قطاع الصحة   36 ٪ ؛ قطاع الشباب و الرياضة 46 ٪ و العالم القروي 14،5 ٪.
         ومن أجل تفعيل البرامج الهادفة إلى القضاء على الفقر، قامت الدولة بتبني مفهوم جديد "للحكامة" المالية و الإدارية و ذلك من خلال القيام بإصلاحات على مستوى إدارة الميزانية، إذ أضحى تدبير هذه الأخيرة مرتكز على النتائج وكذلك على ألامركزية و البرمجة المتعددة.
كما أن الدولة تبنت مبدأ "التعاقد" كأداة لتنفيذ السياسات العمومية، و يتم ذلك من خلال الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، و مع القطاع الخاص و كذا بين الدولة و المؤسسات العمومية الأخرى.
ويتضمن هذا التعاقد: الأهداف المسطرة، المدة، تعهدات جميع الأطراف، كيفية المتابعة، التقييم، التزامات الشركاء، الترتيبات اللازمة لرصد و مراقبة التعاقدات الموقعة من خلال لجنة الرصد و المراجعة وغير ذلك من الوسائل التي تهدف إلى تجديد مفهوم "الحكامة"  من اجل محاربة الفقر.
         وفي الختام، يمكن القول أن وتيرة تدخل الدولة من أجل محاربة الفقر ازدادت بشكل ملفت خلال الخمس سنوات الأخيرة، وتعد "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" هي نقطة انطلاق أغلب البرامج و المشاريع الهادفة إلى محاربة الفقر.
بالمقابل، من أجل معرفة نتائج هذه البرامج/المشاريع على المستوى الميداني ومدا تأثير ذلك على الأشخاص المستهدفين يلزم انتظار بعض الوقت للحكم على فعالية هذه الإجراءات الجديدة.
 إلا أن ذلك لا يمنع من تقديم مجموعة من الأسئلة قد تساعد على فهم ما يمكن انتظاره من تلك البرامج/ المشاريع: هل الطريقة التي تصاغ بها المشاريع التي تدخل في إطار "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" كفيلة بتحقيق رقي على مستوى عيش الأفراد المستهدفين؟ هل صياغة مشاريع محاربة الفقر مرتكزة على الاستشارة و التنسيق بين جميع الفاعلين بما فيهم غير المؤسساتيين (الأشخاص المستهدفين)؟ ما دور الأشخاص المستهدفين قبل برمجة المشاريع، هل يشاركون فعليا في صياغة المشاريع، أم لهم دور ثانوي؟ و إذا كان الجواب إيجابا، كيف تتم هذه المشاركة؟ هل يكفي تنظيم اجتماعات مع السكان/الأشخاص المستهدفين للقول بأن هؤلاء يشاركون في صياغة المشاريع التي تدخل في إطار محاربة الفقر؟ هل الطريقة التي يتم بموجبها إشراك الفاعلين غير المؤسساتيين في صياغة المشاريع هي نفسها المعتمدة بالدول الصاعدة وكذا المتقدمة؟ يدفعنا، هذا، إلى طرح التساؤل التالي: هل المغرب يعتمد في سياساته الهادفة إلى محاربة الفقر على "حكامة خاصة به"، بمعنى "حكامة مغربية" أم يتبنى نفس "الحكامة" المتعارف عليها عالميا؟
ويبقى السؤال المحوري الذي تدور في فلكه جميع هذه الأسئلة: إلى أي مدا مكنت البرامج المصاغة خلال الفترة الممتدة مابين 2005-2009، في مجال محاربة الفقر، من تحقيق تطور ملموس في تطبيق مفهوم "الحكامة "؟
 *باحث في السياسات العمومية (تخصص السياسات الاجتماعية)
m.elmnasfi@gmail.com                                         
الهوامش                                                                                             
1- Rapport sur la pauvreté : comprendre les dimensions géographiques  de la pauvreté pour améliorer l’appréhension à travers les politiques publiques. Groupe du développement économique et social. Région du Moyen orient et Afrique du Nord. Rapport n° 28223-MOR, Doc. de la Banque Mondiale.  
2- عبد الرحيم العطري، أعطاب المغرب الاجتماعي، سنة تكريس التفاوت وتجدير الهشاشة، حالة المغرب 2006-2007، سلسلة كراسات إستراتيجية 3، الرباط : الطبعة الأولى، 2007،، ص 237.
3- انظر موقع "المغاربية" على شبكة الأنترنيت www.magharebia.com، " الفتيات القرويات في صراع لاستكمال تعليمهن"، 20 نونبر/تشرين التاني 2007.
4- انظر تقرير التنمية البشرية لصندوق الأمم المتحدة للتنمية، 2007- 2008.
5- محمد العودي، فقراء زمن العولمة، الرباط : منشورات دار التوحيدي، 2008، ص 151.
6- نفس المرجع السابق.
7- عبد الرحيم العطري، أعطاب المغرب الاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص 267.
8- M. Aoudi, Casablanca à travers ses petits entrepreneurs de la pauvreté, aperçue sur les micro- activités marchands de rue dans une métropole maghrébine, Casablanca : Pub. de l’université  Hassan II, 2001.
9- بمناسبة لقاء نظمه المركز الاجتماعي لتيط مليل لتقديم حصيلة الإستراتيجية الجهوية لمحاربة التسول، الدار البيضاء، 27 شتنبر/أيلول 2009.
10- عبد الرحيم العطري، المغرب الاجتماعي خلال 2005، سنة بطعم الهشاشة والاحتقان، حالة المغرب 2005-2006، سلسلة كراسات إستراتيجية 2، الرباط : الطبعة الأولى، 2006، ص 153.
11- عبد الرحيم العطري، أعطاب المغرب الاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص 238.
12- انظر ملف في الموضوع أنجز من طرف الطالب الباحث ناصر بنحميدوش، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط – أكدال، 2006-2007.
13- جميع المعطيات التي يتضمنها هذا المبحث مصدرها عرض قدمه السيد عبد اللطيف بناني باللغة الفرنسية تحت عنوان "التعاقد، الطريقة المفضلة لتدخل القطاع العام من أجل التنمية"، الورشة الدولية للسياسات الاجتماعية، المنظمة من طرف وزارة "التنمية الاجتماعية، الأسرة و التضامن" بشراكة مع "اللجنة الأوروبية"، الرباط، 2 دجنبر 2009.   



تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات