رضوان طلحة : طالب بجامعة عبد المالك السعدي الكلية المتعددة التخصصات تطوان o تمهيد إذا كان الدستور يضم في ديباجته و فصوله...
رضوان طلحة: طالب بجامعة عبد المالك السعدي
الكلية المتعددة التخصصات تطوان
o
تمهيد
إذا كان
الدستور يضم في ديباجته و فصوله أهم المبادئ التي تتعلق بالدولة, و
سلطاتها و حريات ,و حقوق الأفراد كان لابد من
إيجاد طريقة للحفاظ على هذه المبادئ ,فيما يصدر من قوانين و تشريعات
و تنظيمات التي تصدرها السلط الرئيسية في الدولة .و تعتبر أهم طريقة للحفاظ على
هذه المبادئ ,هي ما يعرف بالرقابة على
دستورية القوانين .هذه الأخيرة التي تعني التأكد
من أن الأعمال و القوانين الصادرة عن الحكام مطابقة للدستور.
ويقصد بهذا المبدأ او هذه التقنية,
التأكد من ان القواعد القانونية التي توجد في مرتبة ادنى من الدستور مطابقة لروح
واحكام هذا الاخير.[1]
وهي
بهذا المعنى موجودة في الدساتير الصلبة المدونة دون الدساتير المرنة, لأن هذه
الأخيرة و خاصة التي لا تميز بين القوانين الدستورية و العادية فإنها لا تنطوي على
مراقبة دستورية القوانين. لأن إصدار تشريع برلماني مخالف للدستور معناه تعديل
الدستور[2].وعلى
هذا فالوثيقة الدستورية تجد أساسها في التفريق بين السلطة التأسيسية و السلطة
المؤسسة من طرفها الشيء الذي يترتب عليه سمو الدستور بالنسبة لباقي القواعد
القانونية في الدولة[3]. و
يبقى القائد الأمريكي مارشال أول من طبق الرقابة على دستورية
القوانين سنة 1803.و الذي استبعد لأول مرة
تطبيق قانون اتحادي مخالف للدستور الاتحادي الأمريكي. وتتجلى أهمية الرقابة في
كونها تمنحنا تدرج التشاريع)القوانين) التي تقضي بالتقيد
التشريع الأدنى للتشريع الأعلى.
· فكيف تتم هذه الرقابة؟
·
و ما هي الهيئات المكلفة بها؟
·
و من له الحق في إحالة هذه
الرقابة؟
هذا ما
سنحاول الإجابة عليه من خلال هذه المحاور معتمدين في ذلك الترتيب الزمني ذلك أنه
لما كانت الرقابة القبلية سابقة على صدور القانون و التي سنتناولها في( المبحث
الأول) على أن نتطرق في( المبحث الثاني) للرقابة البعدية باعتبارها تتم بعد صدور
القانون.
المبحث
الأول : الرقابة
السابقة على إصدار القاعدة القانونية محل الطعن
ما يميز أسلوب هذه الرقابة أنها
أسلوب وقائي préventif
يسبق صدور القانون, تتولاه هيئة سياسة محددة بنص صريح من الدستور. هدفها
التأكد من مطابقة القانون لأحكام الدستور, و الحيلولة دون صدور الأول إذا كان مخالفاً للقانون[4].
وإذا
كانت فرنسا تعتمد على هذه الرقابة اعتماداً محضاً[5],
فإننا
سنخصص )المطلب الأول( للكلام
عن المجلس الدستوري الفرنسي على أن نرجئ الحديث عن الهيئة المكلفة بالرقابة في
المغرب وذلك في)المطلب الثاني(.
المطلب
الأول : المراقبة
الدستورية بواسطة جهاز سياسي )المجلس الدستوري بفرنسا(
لقد نودي في فرنسا بضرورة الأخذ بالرقابة السياسية على
دستورية القوانين ,دون
الرقابة القضائية ,و
كان فقيه الثورة الفرنسية "سيس Sieyès" هو المدافع الأول على رقابة
دستورية القوانين بواسطة هيئة سياسية وليس هيئة قضائية, نظراً لعدم الثقة في الحاكم قبل الثورة لما
فرضته من سطوة على الحياة السياسية[6].
يقدم
لنا تاريخ الدستور الفرنسي صوراً عن هذه المراقبة التي تعاقبت مجالسها بعد الثورة
الفرنسية ,و بالضبط في السنة الثامنة من
الثورة و إلى سنة 1852 فلم تستطع تلك
المجالس وخاصة في عهد حكم نابليون أن تقوم
بدورها ولو في حدود الاختصاصات الضيقة التي خولت لها و ضلت تزاول تجاربها العميقة
إلى أن و قع الانصراف نهائياً عن مبدأ مراقبة دستورية القوانين. ولم تعد فرنسا إلى
التفكير فيه إلا عند وضع الدستور سنة 1946
الذي نص في الفصل 91 على تشكيل لجنة
دستورية[7] .ثم جاء دستور سنة 1958 و
الذي أنشأ هيئة تسمى بالمجلس الدستوري المعمول به حتى الآن وهو يتألف بناءاً على
المادة 56 من 9
أعضاء تستمر عضويتهم 9 سنوات غير قابلة
للتجديد على أساس أن يتجدد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات ويعين كل من رئيس الجمهورية و
رئيس الجمعية الوطنية و رئيس مجلس الشيوخ ثلاثة أعضاء وزيادة على هؤلاء الأعضاء
التسعة يعتبر رؤساء الجمهورية السابقون أعضاء في المجلس الدستوري بحكم القانون مدى
الحياة. كما يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس الذي يعتبر صوته مرجحاً في حالة
تساوي الأصوات
أما من
حيث الرقابة السابقة (الوقائية )التي يمارسها المجلس و اختصاصاته فإنها تتمثل
أولاً ,في الرقابة الوجوبية على القوانين التنظيمية ثم ثانياً في الرقابة الجوازية
الخاصة بتأكد المجلس الدستوري من مدى مطابقة أو مخالفة القوانين التي يبينها
البرلمان للدستور ,و ذلك بناءاً على طلب رئيس
الجمهورية بحكم رعايته لاحترام الدستور أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية
أو رئيس مجلس الشيوخ أو ستين نائباً في المجلسين طبقاً للتعديل الصادر في تاريخ 29 أكتوبر سنة 1974.كما
يتكفل بالإشراف على صحة انتخابات رئيس الجمهورية و ينظر في الطعون الانتخابية,و يراقب صحة الاستفتاءات الشعبية ,و يقوم بدور استشاري لدى رئيس
الجمهورية في حالة لجوئه إلى حالة الاستثناء و أيضاً بنظر في مدى دستورية اتفاقية
دولية طبقا( للمادة 54 من الدستور)[8].
ومن مزايا
هذه الرقابة أنها تحقق نوعاً من الاستقرار الدستوري في البلاد فهي رقابة وقائية
تضمن قيام القوانين على أساس مطابقتها للدستور من أجل تفادي مفاجآت التطبيق العملي
التي قد تصيب قوانين أساسية تمس الحقوق السياسية أو نظام الحكم لكن مع هذا فقد
وجهت لها انتقادات من بعض المفكرين السياسيين على رأسها أنها لم تخول للمواطنين
اللجوء إليها و إنما قصرت ذلك المؤسسات الحاكمة كما أن المجلس الذي يقوم بهذه
الرقابة لا يتدخل من تلقاء نفسه[9], و إنما
بعد أن يوجه الأمر إليه من طرف المؤسسات الحكومية علاوة على ذلك أنه لا يملك
مباشرة مراقبة مراسيم رئيس الجمهورية و لا مراسيم الوزير الأول أي النشاط التنظيمي
ككل وهو ميدان هام بشكل عدم مراقبته المباشرة في نظر المفكرين السياسيين الفرنسيين
ثغرة ينبغي سدها[10].
و إذا
كانت هذه الرقابة تقوم على هيئة سياسية محضة فإن هناك من الرقابة من تقوم بها هيئة
مختلطة[11]
هذه الهيئة سنحاول إعطاء النموذج المغربي عليها من خلال المطلب التالي:
المطلب
الثاني : الهيئة
المكلفة بالرقابة في المغرب
يعتبر المجلس الدستوري الجهاز
المكلف بالرقابة على دستورية القوانين في المغرب حالياً فهو شبيه بالمجلس الدستوري
الفرنسي سابقاً إن لم نقل هو نفسه سواءً من ناحية تأليفه أو اختصاصه لكن قبل أن
نخوض في الحديث عنه لابد أن نشير إلى الهيئة التي كانت تقوم مقام هذا المجلس.
لقد نص
دستور 1972 في
صيغته الأصلية على إحداث غرفة دستورية بالمجلس الأعلى و أفرد لها قانوناً تنظيمياً
و خولها بعض اختصاصات القضاء الدستوري. فيما يتعلق بمراقبة الجهاز السياسي خاصة
التجربة الفرنسية كمصدر للتجربة المغربية يلاحظ أن اختصاصات و طرق الإحالة على
الغرفة الدستورية كانت دون نظيرتها لدى المجلس الدستوري.
وهكذا
فإن اختصاص الغرفة الدستورية كان ينحصر من جهة وضمان إحالة إجبارية في البث في
دستورية القوانين التنظيمية القانون الداخلي لمجلس النواب مراقبة صحة عملية الاستفتاء
و من جهة أخرى البث بإحالة اختيارية بالطبيعة التشريعية أو التنظيمية لنصوص
قانونية سابقةودفع الحكومة لعدم القبول (مقترح قانون لا يدخل في مجال القانون) والمنازعات
الانتخابية و البرلمانية.
وبذلك
فإن الغرفة الدستورية لم تكن تراقب مثل المجلس الدستوري الفرنسي دستورية القوانين
العادية و لم تكن تبدي رأيها أو تتدخل أثناء إعلان حالة الإستثناء. أما الإحالة
فكانت تنحصر في الوزير الأول و رئيس مجلس النواب (حالة القوانين التنظيمية و
القانون الداخلي لمجلس النواب) والوزر الأول فقط أو المرشحين للانتخابات
البرلمانية (حالة الطعن في انتخاب البرلماني).
ولأن
كانت تتشكل هذه الغرفة من سبعة أعضاء ستة منهم معينون من قبل سلطة سياسية الأمر
الذي أضفى عليها الصبغة السياسية و العضو الباقي (الرئيس) من قبل الرئيس الأول بالمجلس
الأعلى (وهو قاضي) وكذا يتضح أن الهيئة كانت مكونة من جهاز مخضرم وليس لجهاز سياسي
كما رأينا في التجربة مع فرنسا أو قضائي صرف كما سنرى في الرقابة اللاحقة[12]
وهكذا فإن ضيق اختصاص الغرفة الدستورية و طرق الإحالة عليها[13]مقارنة
مع المجلس الدستوري الفرنسي و عدم أخذها بطرق المراقبة القضائية[14]. وقد أدى إلى طرح تساؤلات حول صدور قوانين لا
دستورية بالمغرب و حماية الحريات من تعسفات الحكومة و البرلمان و النزاعات بين
هذين الجهازين وليس هذا الفراغ في أفق بناء دولة القانون بالمغرب و إيجاد قضاء
دستوري قائم أوجبت المراجعة الدستورية الملكية لدستور 1972, المصادق
علها بالاستفتاء يوم 4 سبتمبر1992. مجلساً دستورياً بذل الغرفة الدستورية و تم
تأكيده بمقتضى الفصل 78 من دستور 1996. الذي تالف من شقين مزدوجين نصفه الأول يعين من
لدن الملك منهم الرئيس و نصفه الثاني يعينه البرلمان ثلاثة منهم رئيس مجلس النواب
و ثلاثة رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة ,بعد استشارة الفرق ويتم تحديد
ثلث كل فئة من أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات. ومهمة الرئيس و الأعضاء الآخرين غير
قابلة للتجديد و يعد المجلس الدستوري أعلى جهاز دستوري ذي طابع قضائي إفتائي إذ أن
قراراته نافذة لا تقبل الطعن أي طريق من طرق الطعن و تلزم كل السلطات العامة و
جميع الجهات الإدارية و القضائية.[15]
أما الاختصاصات
فهي نفسها التي كانت مخولة للغرفة الدستورية بالإضافة إلى استشارته من قبل الملك
في حالة اللجوء إلى أعمال الفصل 35 الخاص بحالة استثناء بالنظر في دستورية
القوانين العادية و على العموم فالاختصاصات المخولة لهذا المجلس قد حددتها الفصول (35,
44, 48, 53و81)[16].
كما أن
حق الإحالة لم يبق محصوراً في الوزير الأول و رئيس البرلمان كما كان في الغرفة
الدستورية بل توسع ليشمل الملك و ربع أعضاء البرلمان الذين يمكنهم إحالة قانون
صادق عليه البرلمان على المجلس الدستوري ليبث في دستوريته قبل إصدار الأمر
بتنفيذه.[17]
وعلى
العموم فالرقابة السابقة إما أن تتجه نحو أعمال السلطة التنفيذية أو أعمال السلطة
التشريعية بالنسبة للمراقبة الأولى تخول عادة للبرلمان سلطة تنحية رئيس الدولة أو
الوزراء في حالة انتهاكهم للدستور. ونظراً لندرة خرق الدستور من طرف السلطة
التنفيذية و اعتباراً لصعوبة إعمال هذا الإتهام الموجه إليها فإن ممارسة هذا النوع
يبقى ناذراً إن لم نقل منعدماً و يبقى أن المراقبة العملية لأعمال السلطة
التنفيذية تبقى غالباً أثناء نظر القضاء في شرعية هذه الأعمال[18]
و إذا كانت هذه الأعمال لا تخضع للرقابة السابقة نظراً لما تتضمنه من حصانة بالإضافة
إلى بعض القوانين التشريعية و التي قد يظهر عدم دستوريتها بعد صدورها و بالتالي
ماذا سيكون الحال؟ هذا ما سنعالجه من خلال المبحث الثاني.
المبحث
الثاني : الرقابة
اللاحقة على دستورية القوانين
خلافا للرقابة الوقائية السابقة التي تخول لهيئة سياسية
فإن الرقابة اللاحقة تسند لهيئة قضائية هذه الأخيرة انطلقت من أمريكا مع القاضي
الأمريكي مارشال. وتعتمد هذه الرقابة إما
عن طريق الدعوة الأصلية (المطلب الأول) أو عن طريق الدفع (المطلب الثاني).
المطلب
الأول : الرقابة
عن طريق الدعوة الأصلية (المحكمة الدستورية الألمانية)
و يقصد بها قيام ذوي الشأن الذين
يمكن أن يتضرروا من القانون بالطعن أمما المحكمة المختصة ابتداءً و دون أن ينتظر
تطبيق القانون عليه طالباً من تلك المحكمة الحكم بإلغاء ذلك القانون[19]لمخالفته
أحكام الدستور. كما تسمى أيضاً هذه الطريقة برقابة الإلغاء.[20]ومن
الدول التي تأخذ بهذه الرقابة مصر (المحكمة الدستورية العليا) و ألمانيا مع
المحكمة الدستورية. هذه الأخيرة سنحاول التركيز عليها من خلال هذا المطلب.
تتألف
هذه المحكمة من 16 قاضياً ينتخب كل مجلس في البرلمان (البوندستاغ و البوند سترات)
ثمانية منهم بأغلب الثلثين بإشراك الأقلية المعارضة[21]
و يقوم القضاء الألماني باختصاصات واسعة فلم يقتصر دوره على مراقبة دستورية
القوانين وفرض سمو سلطة الدستور كدستورية القوانين وتطبيق مبدأ الشرعية يأتي في
طليعة اختصاصاته بل يضيف إلى مراقبة القوانين مراقبة التنظيمات الحكومية و
المقررات الإدارية ة يملك حق تعطيلها و إلغاءها. وأهم ما يميز الرقابة الألمانية
عن غيرها هي شمولها لميدانين أولهما مراقبة القضاء لشرعية المنظمات و الجمعيات و
حماية النظام السياسي و الاجتماعي و مراقبة دستورية الأحزاب السياسية و مدى
تعارضها مع النظام الليبرالي (فقد سبق للمحكمة بهذا الصدد أن منعت الحزب النازي
سنة 1952 و الحرب الشيوعي الألماني سنة 1956).
و ثانيهما
تخويل المواطنين و الجماعات حق اللجوء إلى أعلى درجات القضاء لحمايته من القضاء
نفسه هذا الأخير قد تلغى أحكامه و قد يتعرض أصحابه للتوقيف و العزل من طرف القضاء
الأعلى[22].
بالإضافة إلى الاختصاصات السابقة تختص هذه المحكمة أيضاً في دستورية القوانين و
الأحكام الصادرة عن المحاكم و تفصل في الطعون الانتخابية كما تبث في الاتهام
الموجه لرئيس الجمهورية. و تفصل في المنازعات الدستورية بين أجهزة الدولة و
الولايات[23]وتحتوي
المحكمة على غرفتين مستقلتين لكل غرفة قضاتها المختصون إحداهما متخصصة في حماية
حقوق الأفراد و الثانية مختصة في حماية تنظيمات الدولة و عندما يطلب من المحكمة رأي
استشاري أو يراد توحيد اجتهاد الغرفتين في نوازل تهم اختصاصهما أو يتعلق الأمر
بالبث في نزاع بينهما فإن الغرفتين يجتمعان في جلسة واحدة[24].
أما اللجوء لهذه المحكمة فإنه يختلف باختلاف موضوع الدعوة و في بعض الحالات العامة
يقتصر اللجوء إليها على الرئيس و الحكومة الفيدرالية و مجلسي البرلمان و في حالات
أخرى فأن الولايات أو الجماعات المحلية يمكنها اللجوء إليها للدفاع عن استقلالها
الذاتي و أخيراً فإن المواطن يمكنه التقاضي أمام المحكمة بعد استنفاذ كل الطعون العادية[25].
وإذا
كان المواطن العادي يمكنه الطعن في عدم دستورية القانون من خلال هذه الدعوة فإن
الحق في رفعها لا يكون لجميع الأفراد بل يجب أن تتوفر في رافع الدعوة إصابته
بالضرر أو يحتمل ذلك فيما لو طبق عليه الأمر الذي يجعلنا نبحث عن طريقة أخرى تنسجم
مع جميع المواطنين.
-هذا فيما يخص الرقابة عن طريق
الدعوة الاصلية ,اما الرقابة عن طريق الدفع والذي اتينا بالنموذج الامريكيكمثال
على ذلك سنحللها في هذا المطلب :
المطلب
الثاني : الرقابة
عن طريق الدفع (النموذج الأمريكي)
بخلاف المراقبة بطريقة الدعوة
فإن المراقبة بطريقة الدفع لا تحتاج إلى نص دستوري يقرها وينظم مسطرة المراقبة و
يحدث محكمة دستورية خاصة بل يكفي عدم منع النظام الحقوقي للدولة ليتاح لجميع
المواطنين ممارستها أمام جميع المحاكم و بالنسبة لجميع القوانين[26]
كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية ذلك أن الدستور الفيدرالي لم ينص
صراحة على الرقابة ولا على الهيئة المكلفة بها و لذلك فالرقابة الدستورية في
أميركا تبقى من اختصاص جميع المحاكم و مفتوحة لجميع المواطنين و قد سميت هذه
الطريقة بطريقة الدفع لأنها تخول لأي مواطن مدعى عليه في قضية مدنية أو جنائية أن
يدفع أمام هذه المحكمة بعدم دستورية النص المراد تطبيقه عليه بحيث أنه يتعين على
المحكمة آنذاك أن تنظر أولاً في هذا الدفع
بعدم دستورية القانون فإذا ما أقرت بعدم دستوريته فإنها تمتنع عن تطبيقه في
النازلة. و لا يشكل حكمها هذا إلغاء للقانون بل فقط إمتناعاً عن تطبيقه في قضية
معينة. ولذلك سميت هذه الطريقة أيضاً بطريقة الامتناع لأن القاضي يكتفي بالامتناع
عن تطبيق القانون في القضية موضوع الدفع و هذا الدفع لا يستفيد منه متقاضون
آخرون الذين يكون عليهم إثارة دفع جديد بل
يستفيد منه المتقاضي صاحب الدفع[27]
وعليه فإن هذا النوع من الرقابة القضائية لا ترفع دعوى مباشرة بإلغاء القانون بعدم
دستوريته و إنما تثور دستوريته بطريقة فرعية أثناء نظر قضية موضوعية معروضة أمام
إحدى المحاكم[28]
وكما
أشرنا آنفا فإن هذا النوع من الرقابة لا
يلغى فيها القانون نهائياً و الذي يمكن أن يعمل به قاض أخر أو نفس القاضي في نازلة
أخرى إذ لم يثر عليه أحد أطراف الدعوة أي اعتراض وراء قاض النازلة أنه لا يخالف
الدستور. ولكي يلغى القانون كلية من النظام القانوني بمقتضى هذه الطريقة يجب أن
يصدر حكم من المحكمة العليا يؤكد حكم المحاكم العادية ذلك أن المحكمة العليا. (ذلك أن المحكمة
العليا) . ويلاحظ من الناحية التطبيقية أن الولايات المتحدة الأمريكية تضل
نموذجاً لهذه الطريقة في المراقبة حيث يحق للمواطن الأمريكي أن يدفع بعدم دستورية
القوانين في قضية معينة أمام المحاكم العادية للولايات فيما يخص مطابقة قوانينها
لدساتيرها أو للدستور الاتحادي أو أمام المحكمة العليا فيما يتعلق بأحكام هذه
المحاكم و كذا فيما يخص مطابقة القوانين الفيدرالية للدستور الفيدرالي. ورغم أن
الدستور الأميركي لم يخول المحكمة العليا صراحة مراقبة دستورية القوانين فإن عدم
منعه لها و تأويل القضاة الأمريكان لمبدأي سمو الدستور و فصل السلط على أنهما
يلزمان القاضي بالتحقيق من دستورية القانون قبل تطبيقه قد جعل هذه المحكمة العليا
مشكلة من 9 قضاة يحتل رئيسه الرتبة الثانية في قمة مسيري الدولة يعينهم الرئيس
بموافقة أغلبية مجلس الشيوخ تمارس دوراً كبيراً في مراقبة دستورية القوانين. و على
الرغم من الكفاءة القانونية لأعضاء المحكمة العليا الأمريكية فإن أحكامها كثيراً
ما تتأثر بالاتجاه السياسي المحافظ أو الليبرالي لأعضائها كما أن إمناعها في نقض
التشريع بدعوى عدم دستوريته قد يشكل أزمة بين المحكمة و الرئاسة. وقد سبق للرئيس
"روزفلت" بإدخال إصلاح عميق غلى المحكمة العليا بعد شلها في الثلاثينات
لتشريعه الاقتصادي و الاجتماعي بدعوى عدم دستوريته[29].
وإذا
كانت هذه جملة من الانتقادات التي وجهت إلى هذا النوع من الرقابة بالإضافة إلى
كونها تقحم القضاة في الأمور السياسية و تسمح لقضاة معينون بمراقبة نواب منتخبين
مما يجعل سلطة القضاء أسمى من سلطة ممثلي الإرادة الشعبية المنتخبة فإن أهم ما
يميز هذا الشكل هو أنه يتيح للأفراد إثارة المسألة الدستورية مباشرة أمام المحاكم
من خلال النزاع الموضوعي المعروض أمامها مما يكفل الحماية القضائية لحقوقهم و
حرياتهم دون حاجة لإجراءات خاصة قد تحول دون تحقيق منازعتهم الدستورية[30]
ويبقى
في الأخير أن نشير إلى أن فريق من الدول مثل رومانيا يرى أن لمحكمة النقد و
الإبرام وحدها دون غيرها الحق في الحكم بعدم دستورية القانون المشوب بعيب مخالفته
للدستور و تحكم بعدم تطبيقه على النزاع. ولذلك إذا دفع أحد الخصوم بعدم دستورية
أحد القوانين أمام المحاكم وجب على المحكمة إيقاف الفصل في الموضوع و إحالة الدفع
على محكمة النقد و الإبرام للفصل فيه[31].سواء كانت الرقابة على دستورية القوانين سابقة كما رأينا
في المبحث الأول مع مجلسي الدستور الفرنسي و المغربي أو لاحقة كما تطرقنا لها مع
النموذج الألماني و الأمريكي. فإنها تبقى دائماً لها هدف واحد وهو حصانة الحريات
من تعسف المشرع العادي ومراقبة شرعية الانتخابات و الاستفتاءات و الحرص على احترام
توزيع الاختصاصات. و احترام سمو الدستور. وهكذا فإن تحقيق هذه الرقابة يجسد لنا
مبدأ تدرج القوانين و حضور الشرعية و نفاذها بالمجتمعات و تمنحنا دولة القانون
وكما قال الفقيه "إيسمانEisemann" :
إذا لم تتأكد سيادة الدستور بالرقابة على دستورية القوانين فإن الدستور يكون
برنامجاً سياسياً له قوة إلزامية أدبية و
يصبح مجموعة من النصائح الأدبية المفيدة للمشرع مع تركه حراً يفعل ما يشاء. لأن
الأفعال المخالفة للدستور سوف تضل صحيحة في جميع الأحوال وعلى هذا النحو فإن رقابة
دستورية القوانين تؤكد إلزامية قواعد الدستور و بها يتأكد أن الدستور هو القاعدة
القانونية الأسمى وأن الأصل في كل صحة قانونية[32]إذن
فلا دستور بلا رقابة و لا رقابة بدون دستور.
لائحة
المراجع
v محمد
معتصم.مختصر النظريات العامة
للقانون الدستوري و المؤسسات السياسية. مؤسسة إيزيس الدار البيضاء. 1992.
v
رقية المصدق. القانون الدستوري و المؤسسات السياسية
–الجزء الأول-. دار توبقال.1986.
v علي
الحنودي. مدخل إلى القانون العام. مطبعة الخليج العربي. تطوان 2010.
v عبد
الهادي بوطالب. المرجع في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية -الجزء الأول-.
دار الكتاب. الدار البيضاء.
v
أحمد
عبد القادر الجمال. النظم الدستورية العامة في ضوء الاتجاهات الحديثة. ملتزمة
النشر و الطبع. 1953.
v
محمد
المالكي.القانون الدستوري والمؤسسات السياسية. الجزء الاول.المفاهيم الاساسية.تيمل
للطباعة والنشر. طبعة 1993.
ملحوظة:كوني اعتمدت على الكتب ذو الطبعة القديمة لداعي قلة الكتب في مكتبة
الجامعة.
اتمنى ان اكون قد وفقت في عملي هذا
واللـــــه ولــــــــــــي التوفيـــــــــــــق
1- علي
الحنودي (ورد في محمد المالكي.القانون الدستوري والمؤسسات السياسية. الجزء
الاول.المفاهيم الاساسية).تيمل للطباعة والنشر. طبعة 1993ص153
[2]محمد معتصم.مختصر النظريات العامة للقانون الدستوري و
المؤسسات السياسية.مؤسسة إيزيس الدار البيضاء. 1992. ص 73
[5]لقد أعطيت الرقابة
على دستورية القوانين لأول مرة لمجلس الشيوخ المكوم من 80 عضواً وكفل لهم الدستور
ضمانات هامة تكفل استقلالهم مثل تعيينهم مدى الحياة عدم جواز عزلهم ثم جاءت بعده
اللجنة الدستورية سنة 1946 و المجلس الدستوري سنة 1958
[7]عبد الهادي
بوطالب. المرجع في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية -الجزء الأول-. دار الكتاب.
الدار البيضاء. ص 284
[9]يعاب على
المجلس أيضاً كونه مكون من الهيئة السياسية مما قد يؤدي إلى تغليب الإعتبارات
السياسية على الإعتبارات القانونية. وقد تنعدم فيه الحرية و الإستقلال
[11]قسم الفقيه
الدستوري محمد معتصم طرق المراقبة إلى ثلاثة أقسام :
إما عن طريق هيئة سياسية أو هيئة قضائية أو هيئة مختلطة
[13]الغرفة
الدستورية لم تكن تنظر في دستورية القوانين العادية ولم تكن تبدي رأيها أو تتدخل
أثناء إعلان حالة الاستثناء. ولم يكن لمجموعة من النواب البرلمانيين المغاربة
اللجوء إليها إسوة بنظرائهم الفرنسيين الذي يمكن لـ 60 نائباً أو شيخاً منهم
اللجوء إلى المجلس الدستوري
[14]يتيح
للمغاربة رفع طلب إلغاء مقرر إداري بسبب الشطط في استعمال السلطة للغرفة الإدارية
التابعة للمجلس الأعلى. ومن حق هذه أن تلغي مقرر السلطة الحكومية أو الإدارية لذلك
السبب وهي الحالة الوحيدة التي يتمكن بها القضاء من مراقبة مقرر حكومي أو إداري
والتصريح بإلغائه
[20]علي الحنودي. مرجع سابق. ص 291
[23]محمد
معتصم. مرجع سابق. ص 78
[26]نفس
المرجع. ص 80
[31]أحمد عبد
القادر الجمال. النظم الدستورية العامة في ضوء الإتجاهات الحديثة. ملتزمة النشر و
الطبع. 1953. ص 47
ليست هناك تعليقات