المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

أراضي الجموع من المشترك القبلي

أراضي الجموع من المشترك القبلي إلى الهيمنة الإدارية للدولة نموذج من قبائل زيان إقليم خنيفرة



أراضي الجموع من المشترك القبلي
إلى الهيمنة الإدارية للدولة
نموذج من قبائل زيان

إقليم خنيفرة
. تقديــم 
تتوسل مداخلتي هاته الاقتراب من إحدى الموضوعات الحساسة لكونها تفصح عن تقاطع جاذبيتين. الأولى سكانية – قبلية بثقل ثقافي وموروث عرفي، والثانية دولتية إدارية بحضور قانوني ورقابة سياسية.القبيلة في الأطلس المتوسط كيان متحرك، يحب الترحال، ويرفض الخضوع غير المتفاوض عليه. انتقاله الدائم بين الجبل وأزغار يوفر له مساحة زمنية كافية لتدبير وجوده والاكتفاء بذاته. أما المخزن فكان يجتهد لترويض هذا الكيان، والسعي لاحتوائه، وتحييده بل والحد من " تهديده ". لأنه يتفاوض ككل متماسك، ولا يسمح لأي فرد من القبيلة أن ينهج استقلالا ما، في الرأي أو في التعامل مع أي كيان آخر، هذا الالتحام المبني على ثقافة عضوية، هو الذي لازال لحد اليوم يقف وجه كل محاولات إضعاف النسيج القبلي أو تهشيشه اجتماعيا، لاحتوائه سياسيا. ولعل فشل الأحزاب في النفوذ إلى القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط لدليل ساطع على مدى صحة الرأي الذي يقول بعدم نفاذية النسيج القبلي وانغلاقه في وجه الاختراقات الفوقية. هناك وعي ذاتي لدى القبائل بالأطلس المتوسط وبالخصوص قبائل زيان التي هي موضوع حديثنا في هذه الورقة، إنه وعي راسخ، متجدد، مرتبط بالتاريخ، وبالهوية، وبالأرض. لهذا شكل المجال الترابي دوما مركز صراع بل واقتتال إما داخلي وإما خارجي. ويمكن تفسير ذلك بالرغبة في الحفاظ على الملكية وحمايتها من أية سيطرة. وهنا تغدو ملكية الأرض هدفا ساميا لأنها المكان الذي تمتد فيه القبلية وتعيد إنتاج وجودها وما يرتبط به من قيم ومبادئ ورموز. (1)
تسمى القبائل المنتشرة على سفوح الأطلس المتوسط بقبائل " الدير " أو آيت أومالو. ويمتد وجودها من قبائل مرموشة إلى حدود قبيلة آيت سخمان. وهذا التحديد الجغرافي له ما يبرره واقعيا. من حيث اشتراك  هذه القبائل في اللسان، والتقاليد، والأعراف، بل والاشتراك في الحروب، وأقسام الأرض والتواصل الثقافي والشعور بنفس المصير.
هذا لا يعني الاكتفاء بالذات والقطيعة مع النسيج القبلي الآخر الذي يتواجد في جنوب الأطلس وشرقه وغربه. ويمكن عرض مؤشرات على هذا الامتداد لكن المقام ليس مناسبا للدخول في هاته التفاصيل التي لها علاقة بحقول معرفية قد لا نقوى على ارتيادها بحكم محدودية تخصصنا وارتباطنا بالموضوع.

لقد أفادتنا بعض الروايات المحلية من منطقة مريرت في الوقوف على ظاهرة احتفالية لها علاقة بالأرض. حيث يصادف هذا الاحتفال فصل الربيع " تفسا " ويقام سنويا بمنطقة أزغار أي السهل حيث يكثر الربيع وتزهر الأشجار، وينمو الكلأ، ويغدو الانتجاع مضمونا. تقول الرواية أن شهر مارس يكون هو الزمن الذي تدق فيه القبائل الخيام في المكان المحدد لإقامة الاحتفال بفصل الربيع. حيث تتزين النساء. وتظفر العذارى شعورهن كتمييز لهن عن النساء الأخريات. وهذا تقليد يحيل على ظواهر أخرى يمكن العودة إليها عند إثارة قضايا آخرى ( كالزواج، والختان...) كما يرتدي الرجال أفخم ثيابهم، ويستعد الفرسان لأداء وصلات من لعبة الفروسية.
قبل موعد الاحتفال يجتمع كبار القبائل أي الأعيان ويشكلون فوجا يضم تمثيلية لكل المشاركين في هذا اللقاء الربيعي،  ثم ينطلقون في زيارة النسوة المتواجدات داخل الخيام. وتقول مصادرنا أن العبارة التي كانت تتردد في كلام هذا الوفد عند دخوله إلى كل خيمة على حدى هي: " ترونخ ترونون " أي أبناؤنا هم أبناؤكم " . وبعد انتهاء هذا البروتوكول تعطى انطلاقة الأفراح وتنحر الذبائح. وتقام حفلات أحيدوس والفروسية ويدوم هذا الحفل أكثر من ثلاثة أيام. وخلاله ينفصل الكبار عن الجموع للبث في المشاكل العالقة بين القبائل وبالخصوص تلك المتعلقة بالأرض وما يرتبط بها من رعي واستغلال متنوع.
لقد استمرت هذه الظاهرة طوال فترة الحماية، لكن بعد الاستقلال اختفت نهائيا ولا أحد من المهتمين بالأتروبولوجيا الأمازيغية أشار إليها.
لقد قدمنا هذه الظاهرة كنموذج على التدبير الداخلي لأراضي المشتركة بين القبائل الأطلسية. حيث كان الاحتفال مناسبة لاجتماع والتداول في الشأن العام القبائلي ولهذا التقليد علاقة بتقاليد أخرى أهم منها ، مثلا ما يتعلق بالطعام والذبيحة وهما رمزان ماديان لتقييد المتعاقدان من خلال تناولهما معا بروابط قدسية حيث تغيب الكتابة والتدوين ولا يحمي التعاهد سوى الكلمة والرجولة المبثوثة في العادة الشفوية بين القبائل الأمازيغية.
لقد استهللت هذا العمل بهذه الرواية التي لازال بعض أفرادها على قيد الحياة بهدف إثارة المشكلات التي لها علاقة بالأرض المشتركة بين قبائل زيان بالأطلس المتوسط. فما دام هناك إرث ثقافي غير مدون ينظم الاستغلال لهذه الأراضي خلال فترات الحرث والانتجاع، نجد اليوم قانونا للدولة يفرض وصاية ينظمها ظهير شريف، تشرف على تطبيقه ومراقبة هذه الأراضي من خلاله، سلطة وزارة الداخلية.
لقد عرفت هذه الأراضي نزاعا قويا بين القبائل حول حقوق ملكيتها. وصل أحيانا إلى مجابهات جسدية استعمل فيه السلاح الأبيض والسلاح الناري. وسقطت فيه ضحايا من الأطراف المتصارعة. وقد اشتد فتيل هذا الصراع مباشرة بعد الاستقلال مثل ما وقع بالأرض المعروفة بإسرفان "  وتلموت أومزيل " بأزغار زيان.
حيث لم ينحصر الصراع حول ملكية هذه الأراضي في منطقة أزغار بل امتد لهيبها لأراضي جموع أخرى بالجبل حيث ينتشر الانتجاع في فصل الصيف، وتمحور الصراع حول الأراضي القريبة من المياه كالأراضي المجاورة لعيون أم الربيع والبحيرات.
لقد تدخلت الدولة بعنف في إرجاع الأمور إلى نصابها وذلك بفرض حضورها المادي والمعنوي ولإشعار القبائل أن المشترك هو في العمق ملك للدولة ولا مجال للتصارع حوله، حتى ولو اتخذ الظهير الشريف مظهر القانون الراغب في الحفاظ على العرف في تدبير استغلال هذه الأراضي، وسنعود لتقديم قراءة في بعض بنوده على ضوء المشاكل الناجمة عن تطبيقه وحدود نجاحه أو إخفاقه في فض المشكلات. ليس هناك طرفان فقط في معادلة الصراع أو إرادة الهيمنة في تدبير شؤون الأراضي المشتركة أي القبائل والدولة. هناك طرف ثالث له امتداد جغرافي قوي في مناطق زيان ويحظى بهيبة سياسية متينة ويستمد وجوده من شرعية المقاومة ونعني هنا طبقة الإقطاع التي رسخها الاستعمار بعد انطفاء جذوة مقاومة موحى أو حمو الزياني. حيث تصالح أبناء هذا المقاوم مع الاستعمار وحصلوا في مقابل ذلك على "شرف" " حكم " منطقة خنيفرة. وسمح لهم الاستعمار بإطلاق أياديهم في المنطقة حين تمكنوا من نزع أغلب الأراضي الصالحة للرعي والانتجاع من قبائلها الأصلية وأضافوها إلى رأسمالهم الإقطاعي، وحولوا الكثير من القبائل إلى تجمعات صغرى، تراجعت وكادت أن تختفي من الوجود من خلال هذه المعطيات يمكن التساؤل حول أراضي الجموع من الزوايا التالية:
 - كيف أدار الأمازيغ، تقليديا إرثهم المجالي المشترك .
- الإقطاع ككيان منبث في قبائل زيان ما دوره في خلق التوتر حول هذه الأراضي     وإعاقة التنمية وتكريس تهميش هذه القبائل وترسيخ سلطة المخزن بين قبائل زيان.
- دور المخزن، عبر وزارة الداخلية في التدبير السياسي لمشكلة الأراضي المشتركة، ولعب دور الحكم الصوري، والمستشار القانوني، والمرجع الوصي. وما علاقته بالإقطاع في أداء دور المراقب السياسي بالوكالة لحركة الوعي السياسي لدى قبائل زيان خاصة بعدما أظهروا روحا وطنية نادرة في مقاومة الاحتلال خلال بداية القرن 20 وأثناء نفي الملك الشرعي عن البلاد، أي ما يعرف بثورة الملك والشعب.

. الأرض كرهان على الحرية لدى الأمازيغ:
يميز أمازيغو الأطلس المتوسط بين كلمتين لهما علاقة بالأرض: هناك كلمة أشال أو أكال التي تعني في ترجمتها الحرفية " التراب " وكلمة " تمزيرت " التي تشير إلى البلدة أو البلد أو القبيلة أو المنطقة التي ينحدر منها الفرد الأمازيغي، وهي المعادلة لكلمة " تمورت " عند أهل الريف.
رغم هذا التمايز الاصطلاحي بين الكلمتين، فإنهما معا يحظيان تقريبا بنفس القيمة الرمزية في المتخيل الأمازيغي الذي يحيل على علاقة الوعي بالأرض. وهذا ما يعبر عنه الاستنفار الوجداني الذين يحدثانه معا وبنفس القوة تقريبا في ضمير الأمازيغي حينما يصبحا موضوعا للانتهاك ، أو مهددان بالسطو والاحتلال.
يمكن التمييز بين الكلمتين خلال الاستعمال اليومي الذي يحدد ما يسميه المناطقة ب "الماصدق" أي الموضوع الذي ينطبق عليه المفهوم.
فكلمة " أشال "تعنى البقعة الأرضية التي سيقام فوقها بناء أو زراعة أو سكن . أي ما معناه أقرب بقعة ترابية وأصغرها في التصور الهندسي الأمازيغي للمكان المحيط به.
كما تدل الكلمة نفسها على الأرض في صيغتها الكلية كرمز للولادة وكحضن للوفاة واحتضان الموتى. فالأمزيغي في شعره الذي له علاقة بالرثاء لا يتحدث عن الموت كدخول في زمن مطلق كما تقدمه غالبا التصورات الفلسفية والأسطورية المشرقية، بل يخاطب الموت كاختفاء الإنسان في جوف الأرض أي أن الأرض تبتلعه وتمنعه من العودة ثانية إلى الحياة وغالبا ما يوجه الشاعر رجاءه لهذه الأرض لكي تحسن معاملة ضيفها وأن لا تطبق عليه بل تمنحه فرصة الامتداد مماثلة لذلك الامتداد المكاني الذي كان يعيشه قبل وفاته.
أما كلمة " تمزيرت "فهي الأرض التي تحتضن الهوية والانتماء سواء في بعدهما الجغرافي أو اللساني. " فتمزيرت " هي البلدة التي ولد فيها الأمازيغي أي جذره القبلي وتنشئته الاجتماعية الأولى والحنين إليها دائم ومتأجج حيث نجد حضورا غنائيا وشعريا كثيرا يقدس الرابط بين الإنسان الأمازيغي ووطنه الأول. أي مكان طفولته، حيث لا يجد خارج هذا الوطن إلا الاغتراب والضياع. وقد يعمم هذا اللفظ ليصنف الآخرين حسب انحدارهم من بلدانهم. فنقول مثلا إن " تمزيرت " كل إنسان  سواء كان أمازيغيا أم لا هو وطنه الأصلي أو بلدته الصغيرة التي ولد ونشأ بها، وينظر إليها بنفس الاحترام الذي يكنه الأمازيغي لبلدته. أي لا مجال للشوفينية أو الكبرياء في الحديث عن البلدة الأمازيغية، بل هناك عواطف إنسانية شاعرية تتخلل هذا الإنتماء وخاصة لدى الشعوب الموغلة في القدم كالمصريين والهنود الحمر وغيرها من الثقافات التي اضمحلت أو انقرضت نهائيا.
كما تشير كلمة " تمزيرت " في الوعي السياسي الناضج لدى الأمازيغ إلى الوطن ككل بحيث خارج الحدود الوطنية، تغدو " تمزيرت " هي المغرب. والذوذ عنه لا يقل أهمية أو حماسا عن الذوذ عن " تمزيرت "كإحالة على البلدة الشخصية للأمازيغي أي أن هناك جدلا صاعدا ونازلا في الوعي الأمازيغي بحدود المكان وعلاقته بمشاعره وثقافته التاريخية.
أما عند قبائل زيان " فتمزيرت " هي الحدود المجالية لهذه القبائل والتي تحدها شرقا قبائل أيت سكوكو القاطنين بمنطقة  مريرت، وجنوبا القبائل الصحراوية وغربا قبائل اشقيرن  وشمالا قبائل زمور.
فداخل هذا المكان يجد الزياني هويته المنفردة، فنقول أحيدوس نزيان تميزا له عن أحيدوس إمرابطن أو اشقيرن أو غيرهم من القبائل المجاورة. وتشترك قبائل متعددة في تأثيث هذا الفضاء واقتسام خيراته نذكر منها: آيت معي، آيت بوحدو، آيت عمو أو عيسى، آيت بوحماد آيت شارض، آيت خويا، آيت بوهو، آيت لحسن...
إنها قبائل تدخل في نظام الترحال السنوي، حيث تقيم شتاءا في أزغار  أي الأراضي الموجودة على سفوح جبال الأطلس المتوسط، وتنتقل صيفا إلى الجبال حيث يكثر الكلأ بعد ذوبان الثلوج وتنتشر زراعات أخرى كالذرة والشعير والقمح. وهذا ما يعني أن هناك مجالين لنفوذ القبلية واحد في الجبل والآخر في السهل أو أزغار. وقد نفهم من هذا الترحال، الرغبة في الاحتفاظ بعمق استراتيجي داخل الجبال قصد الحماية وضمان المؤونة والكلأ للماشية التي تشكل النشاط الفلاحي الأكثر انتشارا بين قبائل الأطلس المتوسط، حين تشير بعض الدراسات التاريخية القديمة أنهم كانوا يسمون " بآيت أولي " أي أهل الماشية.
أنهم إذن نصف رحل، هذه طبيعتهم الأصلية، التي باتت اليوم في عداد التاريخ بفعل التمدن والتغيرات الإجتماعية والسكانية التي عرفتها المنطقة، وتمركز المؤسسات الرسمية في المناطق السهلية، ونظام التعليم الذي لعب، هو أيضا دورا حاسما في إنزال الكثير من الأسر من الجبال نحو التجمعات السكنية السهلية للحصول على التعليم لأبناءها، مما حولها، تدريجيا، لأسر معزولة، مستقرة أي ذوبانها في النظام الاجتماعي الجديد الذي فرضته سياسة الدولة في التنمية والتعليم، والصحة بشكل عام.
قديما انخرطت هذه القبائل في نسيج التقاليد الموروثة عن الأجداد، حيث كان العرف سيد الموقف في حسم الخلافات وسن العقوبات وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. لكن دخول متغيرات أخرى كالاستعمار، والدولة الحديثة، أدى إلى إحداث رجات عميقة في البنيات الثقافية عموما لدى هذه القبائل مما أثر سلبا، على نموها، وتطورها، وحولها، وتبعا للعبة السياسية ببلادنا إلى رصيد احتياطي في خلق التوازنات السياسية وضبط الخريطة الانتخابية بعد كل استحقاق وهذا موضوع آخر يمكن التطرق غليه خارج هذا السياق * (2)
لقد أفادتنا الروايات المتداولة حول ملكية الأراضي بهذه المنطقة، وبالخصوص قبل الحماية وما نجم عنها من ظواهر جديدة فتتت النسيج القبلي، وفصلته عن مرتكزاته الترابية. أن القبائل الزيانية  كانت تمارس الرعي في أراضي الجموع حسب المساحات المقسمة لكل قبيلة، وكان شيخ المرعى هو الإطار المسؤول عن احترام هذا التوزيع. أي ما كان يعرف " بأمغارن توغا " حيث كانت مهامه تنحصر في وضع مخطط للرعي والانتجاع حسب حاجات القبائل ومدة إقامتها. وعند ما يشعر بخطورة نفاذ الكلأ قبل نموه الطبيعي، كان يعلن عن إغلاق المراعي المشتركة وهو ما كان يعرف ب " تقن " وهي ظاهرة علمية قريبة من مفهوم الراحة البيولوجية التي تمارس عندنا اليوم في مجال ضبط الصيد في الشواطئ المغربية.
وتفيدنا الأخبار المروية عن بعض شيوخ هذه القبائل عن أن منطقة زيان كانت تتسع منتجعاتها لتضم قبائل بعيدة عنها، كقبيلة  " آيت سخمان " وذلك في إطار التسامح مع القبائل التي تعاني نقصا في المراعي أو تصاب منتجاتها بضعف في الإنتاج نتيجة عوامل بشرية في شكل اعتداءات من جهات أخرى، أو حصول ظواهر طبيعية تؤثر على طبيعة الكلأ. حيث لازال السكان إلى اليوم يتذكرون المساحة التي كانت مخصصة لقبيلة آيت سخمان والتي تحول روادها إلى أفراد منصهرين داخل النسيج القبلي لزيان  وذلك بفعل عوامل متعددة منها ما هو سياسي ومنها ما هو تاريخي. من هذه الأسباب التاريخية يمكن الإشارة إلى أن طبيعة هذه القبائل كانت دوما تتسم بالثورة والتمرد على السلطة المركزية وخاصة عندما يثقل كاهلها بالضرائب، حيث تلتجئ إلى العصيان والصعود إلى الجبال كإعلان التمرد. وكانت السلطات المخزنية، وبالخصوص في عهد المولى إسماعيل تقوم بردود أفعال للحد من هذا العصيان وذلك عبر تقسيم الوحدة السياسية لهذه القبائل وزرع التناقض بينها لتسهيل مأمورية ضبطها. وهذا ما حصل مثلا عندما قوى مولاي إسماعيل حلف "ادراسن" بمنطقة ملوية حيث استعمله لحماية ما كان يسمى آنذاك بطريق السلطان أي بين مكناس وتافيلالت، وبعد وفاته دخل أمازيغ الأطلس المتوسط في رهانات وتناقضات خلافته، حيث سيسمح سيدي محمد بن عبد الله لحلف آيت إدراسن بالدخول إلى سايس، وسيعمل هذا الحلف على محاصرة آيت أومالو وحرمان قبائلهم من الانتجاع في جنوب الأطلس المتوسط (3)
كما تفيد المصادر التاريخية أن المخزن في عهد المولى إسماعيل كان ينهج سياسة تثبيت القبائل الرحل من خلال خلق طبقة أو ليغارشية محلية تقوم بأدوار المراقبة والتنسيق بين القبائل والمخزن. وحسب بعض التأويلات، فإن الرهان على هذه الاوليغارشية المحلية كان على خلفية تكسير ميثاق "TAYSSA " الذي كان عبارة عن عهد للحماية يجمع بين الرحل الذين يقومون بدور الحماية للمستقرين وهذه ظاهرة كانت منتشرة بالخصوص بالجنوب الشرقي للمغرب (4)
أما في عهد المولى الحسن الأول، فستعرف منطقة زيان حصول أحد أعيانها على ظهير قائد للمنطقة. وهي سياسة عامة نهجها هذا الملك في إطار ضمان طاعة القبائل عن طريق أعيان محليين يعينهم بهذه الشرعية المخزنية التي كانت لا تخلو من شرعية دينية لها علاقة بطبيعة الملك وبعده القدسي.

. أراضي زيان بين الضبط المخزني وسلطة الإقطاع:
لا يخفى على المتتبعين لتاريخ المغرب خلال القرن 19 وبداية القرن 20 أن الأمن والسيادة كان هما المطلبين الأساسيين في سياسة السلطة المركزية آنذاك. فلكل ظرف مطالبه وحاجياته. فسيقوم موحى أو حمو الزياني الذي حصل على ظهير قائد لمنطقة زيان، بإعادة تنظيم القبائل وضمان خضوعها لسلطاته في مقابل تفاوضه الإيجابي مع المخزن ومع الفرقاء الآخرين أي القبائل المجاورة.
هنا سيقوي هذا القائد موقعه وسيلجئ لأسلوب التصاهر والتضامن الحربي مع كثير من القبائل بقصد ترسيخ نفوذه وتكريس سلطته. حيث وصلت حركاته إلى قبائل الشاوية، ووقف بجيشه إلى جانب قائد قبائل المذاكرة " العربية " في مواجهتها للتغلغل الفرنسي بهذه المنطقة. ولازالت القصائد " العروبية " إلى اليوم تشيد بشجاعة فرسان زيان بقيادة موحى أو حمو في الدفاع عن حوزة هذه البقعة من الوطن.. وقد طلب موحى أو حمو من القائد أحمد بن منصور وخاصة بعد ميل موازين القوى لصالح فرنسا باللجوء إلى منطقة زيان للحماية لكن قبائل بني خيران تكلفوا بمهمة حماية قائد الشاوية (5) *
هكذا سيغدو موحى أو حمو  قائدا لحركة قبلية لا ينحصر وعيها الترابي في المجال الإقليمي بل سيمتد إلى ما هو أشمل وأقدس أي حماية التراب الوطني ككل. وهذا ما سيعيدنا إلى معاني كلمات الأرض التي حددناها سابقا، أي سيغدو البلد " تمازيرت " هو كل التراب الوطني إلى جانب " تمازيرت الأصلية أي منطقة خنيفرة. أو بلغة أخرى سيتدرج الوعي بالأرض من البقعة الجغرافية الجهوية إلى ما هو أرحب، إلى احتضان الوطن ككل. (6)
ويتحدث أحد المؤرخين عن هذا الزعيم الأمازيغي بجرأة لا تخلو من خبث استعماري: » رأيناه أنه لا يقيم أبدا بمدينة خنيفرة، يعيش وحيدا مع ابنه البكر ونسائه وثروته، فضلا عن ذلك أن إقامته كانت قصيرة وخاصة إبان فترة الاضطرابات الجوية وتساقط الثلوج، وبمجرد حلول فصل الربيع يعود إلى الجبل مع جميع محلته وخيامه الكبيرة، حنينه إلى جولة على الحصان ومعسكر متنقل للصيد والحرب والفضاءات الواسعة، في النهاية هذه هي الحرية. الأسوار بالنسبة إليه هي عوائق بسمكها وجمودها، فعودته من حين لآخر إلى خنيفرة هي للمراقبة أو لإقتسام أو لتخزين الغنيمة أو لتحصيل الرسوم والإتاوات. رأينا الزياني وقدا جلب من فاس أحد القضاة وهو مولاي علي ليحكم بالشريعة.. في الحقيقة القاضي والأربعة هم بالنسبة إليه مستشارون وعدول، ولم يأت بهم إلى خنيفرة سوى من أجل تهدئة الحساسيات الشديدة والقديمة لأناس فاس، حيث لا نفهم ولا نعلم لماذا استقروا في مدينة بدون قاض؟ ولا يصدرون أي حكم قبل عرضه على القائد؟ في الواقع موحا أو حمو كان غيورا على سيادته ولا يسمح بوجود سلطة إلى جانب سلطته ولا يقبل التباطؤات وشكليات الشريعة، ويكره الناس العارفين للقرآن والكتابة، ويمقت "الطلبة".على كل حال لم يعترف بالشريعة لعدم جدواها في المسألة المغربية(7).
ولا تتوقف هذه الرواية الفرنسية عن وضع اليد من جديد على هامشية العقيدة الإسلامية في حياة موحى أو حمو الزياني حيث تقول: " التفكير في التعليم ليس إرضاء لموحى أو حمو الأمي الذي منع كل أبنائه من تعلم القرآن خوفا من أن تنسيهم اللغة العربية مهنة السلاح " قائلا لا أريد أن يصبحوا جبناء "كالطلبة" ويفضل أن يصطحبهم للمعارك، ففي يوم امتطى فرسه وعض على الزمام وعلى ذراعه الأيسر ابنه البكر حسن وعمره سنتان ليبين له كيف يحرز على النصر (8).
نستشف من هذه الروايات، التي أخذت في إطار الاستخبارات الفرنسية حول منطقة زيان، الصورة النمطية التي وضع فيها الاستعمار قائد زيان من حيث شخصيته ونمط عيشه وعلاقته بالقبائل الواقعة تحت نفوذه.
نحن ما يهمنا هو ظاهرة التدبير السياسي والقضائي بالمنطقة، وخاصة في مرحلة بداية سيادة نمط زراعي إقطاعي، ستنجم عنه عدة مشاكل لها علاقته بالأرض ولا زالت لحد اليوم تشكل عائقا حقيقيا في التنمية المنشودة لهذه المنطقة.
الروايات الفرنسية تكشف عن غياب الثقافة العربية سواء في التداول أو في النظام القضائي الذي كان يعتمد في فك النزاعات وإصدار الأحكام، حيث أن موحى أو حمو ، ومن بعده أبناؤه مارسوا قضاءا، تقريبا أسبوعيا، دون إلمام أو استحضار للجانب الفقهي في هذا الصدد. وغالبا ما كان القضاء المتعلق بالأحوال الشخصية يمارسه فقهاء قادمون من تافيلالت أو من فاس أو من منطقة جبالة.
من هنا يمكن النظر إلى أن النزاعات حول الأراضي ستتخذ بعدا معقدا بحكم انفراد أسرة أمحزون بسلطة القضاء والإدارة. وهذا الأمر سيغدو واقعا مؤلما بعد وفاة موحى أو حمو وانفراد أبنائه بالسلطة بعد تفاوض مع الاستعمار.
. الأرض الجماعية أساس مجالي لطبقة إقطاعية صاعدة
لقد قاتل زيان إلى جانب موحى أو حمو بشراسة نادرة. اعترف بها حتى خصومه الألذاذ من الاستعمار وحلفائه. وكان ذلك على حساب مصالح هذه القبائل. التي ستضطر لمواصلة القتال بعد استشهاد موحى أو حمو، وذلك باتباع طريق الصحراء لتقديم الدعم لقبائل الصحراء، حيث سيكتب لأكثر هؤلاء الفارين من الاحتلال المشاركة في معركة جبل صغرو إلى جانب عسو أو بسلام . لكن لما عادوا إلى أوطانهم وجدوا الأمور قد انقلبت رأسا على عقب، حيث اكتشفوا أن أراضيهم قد قامت بطانة إمحزان بضمها تحت الضعط والتهديد بدعم الاستعمار الذي منح لأبناء موحى أو حمو سلطة حكم خنيفرة وقبائلها، فهذا باشا، وذاك قائد. وأغلبية القبائل التي شاركت في المعارك ضد الاستعمار بدأ يطلق عليها مصطلح " إغواغن "أي " المتمردين "المقابل تقريبا لمعنى " السيبة " وبهذا ستكتسح عشيرة موحى أو حمو الأراضي الصالحة للرعي والإنتاج، وستضمها إلى ملكيتها، حيث توفرت لها الإرادة والحماية السياسية.
لقد ساهم هذا الوضع في تفجير النسق القبلي داخل منطقة زيان وبالخصوص بعد بداية تلاشي النفوذ السياسي لقواد الاستعمار وظهور بوادر الاستقلال، حيث ستعرف منطقة زيان في العقدين الأولين لما بعد الاستقلال تطاحنا حول ملكية الأراضي الجماعية.
إن الطبقة الإقطاعية التي هيمنت على أغلب الأراضي الصالحة للزراعة والرعي لا تمثل في الحقيقة قبيلة، إنما مجرد أسرة لها نفوذ سياسي عميق، ساهمت عوامل تاريخية وسياسية في ضمان سيطرتها على منطقة زيان. أما أغلب القبائل الزيانية، والتي كانت تنظم تناوبها في إستغلال الأراضي المشتركة، فأصبحت محشورة في مجال ترابي جد محدود، بل أحيانا مقطع وأجزاؤه متباعدة. فهذه القبيلة تعتبر الأخرى معتدية على أرضها، والأخرى تعتبر ما حصلت عليه هو واقع الأمر، ولا أحد يستطيع أن يوجه سهامه للكيان الإقطاعي الذي داس الأعراف والقوانين. وهنا يمكن العودة إلى تحليل الوعي بالمجال لدى أمازيغ الأطلس المتوسط على ضوء المعطى الإقطاعي، حيث سيتراجع هذا الوعي من بعده الوطني أي حماية البلاد ككل وهذا ما لاحظناه في انتقال قبائل زيان لدعم قبائل الشاوية وقبائل آيت عطا وآيت احديدو وآيت مرغاد وآخرين. إلى مجرد مطالبين بمجالات ترابية محدودة في المكان. إنه اندحار لوعي وطني أمازيغي كان الإقطاع أحد العوامل التي أفرزته.
. عودة الدولة لتنظيم تدبير الأراضي المشتركة.
إن اشتداد الصراع حول الأراضي الجماعية، وتحول هذا الصراع إلى مواجهات دموية أحيانا بين القبائل الزيانية، فرض تدخل الدولة المادي لفض النزاعات والتحكم في التدبير السياسي لمشاكل أراضي الجموع. وستقوم وزارة الداخلية بلعب دور الوصي على أراضي الجموع بمقتضى ظهير شريف صادر في هذا الشأن. وفيما يلي قراءة في بعض بنود هذا الظهير بهدف استخراج فلسفته القانونية وملاحظة مدى مسايرتها للأعراف الأمازيغية في تدبير المجال الأرضي المشترك.
يقول الفصل الأول من ظهير 12 رمضان 1382 6 فبراير 1963: لا يمكن للقبائل وفصائل القبائل وغيرهم من العشائر الأصلية أن يتصرفوا بحقوق الملكية على الأراضي المعدة للحرث أو لرعي المواشي المشتركة بينهم حسب العوائد المألوفة في الاستغلال والتصرف إلا تحت ولاية الدولة وحسب الشروط المقررة في ظهيرنا الشريف .
 نستخلص من هذا الفصل أن القانون يسمو على العادات والتقاليد في تدبير الأراضي الجماعية. مادامت الدولة تفرض وصاية واضحة على القبائل في استعمال إرثها العرفي في هذا الشأن.
ويقول جزء من الفصل الثاني: كل تعرض على تدبير من تدابير التنفيذ التي تتخذها السلطة المحلية يعاقب عنه بالسجن لمدة تتراوح بين شهر واحد وثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 120 درهما و 500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط بصرف النظر عن العقوبات المنصوص عليها في حالة العصيان.
  إذن هناك إرادة سياسية في الضبط عبر استعمال فصل للجزر في حالة العصيان.
ويقول الفصل الخامس: لا يمكن للجماعات أن تقيم أو تؤيد في الميدان العقاري أية دعوى قصد المحافظة على مصالحها الجماعية، ولا أن تطلب التحفيظ إلا بإذن من الوصي وبواسطة مندوب أو مندوبين معينين ضمن الشروط المحددة في الفصل 2.
هذا على الجماعة أن تختار جماعة النواب أي المندوبين لتمثيلها لدى المحاكم.
أما الفصل الثالث من ظهير 10 ذي الحجة 1335 – 28 يوليوز 1956 فيقول: " يعهد بالوصاية على الجماعات إلى وزير الداخلية ويسوغ له دائما أن يستشير مجلس الوصاية الذي يجب على الوزير جمعه في الأحوال المستوجبة لتدخله والمبينة بهذا الظهير، وهذا المجلس الذي ينعقد تحت رئاسة الوزير أو نائبه يتركب من وزير الفلاحة والغابات أو نائبه ومديري الشؤون السياسية والإدارية بوزارة الداخلية أو نائبيهما وعضوين اثنين يعينهما وزير الداخلية.
ويمكن لمدير إدارة الأمور السياسية أن يباشر وحده إجراء الأمور بالنيابة عن الجماعات. إذا كانت تلك الأمور متعلقة بدفع بعض الأمور للخزينة أو لصندوق السلف الفلاحي الأهلي باسترجاعها منهما. «
هنا تتضح الرغبة القوية للدولة في الاحتفاظ بهذا الملف داخل دواليب وزارة الداخلية. حيث سيسود التدبير السياسي حسب النوازل. وتغيب النظرة الاستراتيجية في إيجاد حلول على الأرض.
كما نلاحظ غياب أي تفتح على الأعراف الأمازيغية في هذا الشأن. وهذا ما سيحكم على هذا القانون بعدم القدرة على الفعالية الإجرائية في حل معضلات ميدانية لها علاقة بالمشاكل العالقة للأراضي الجماعية.
وسيصبح مجلس الوصاية سلطة حقيقية لمراقبة كل معاملة تجري بين الجماعات، وممثليها وبين الغير، كعقود الاشتراك والأكرية حدد الظهير سقفها في ثلاث سنوات. وهذه المعاملات لا تصبح سارية المفعول إلا بموافقة وزارة الداخلية.
وعندما نستحضر الحالات الملموسة التي وقع فيها إنزال هذا الظهير لتطبيقه، فسنكتشف أنه لم يتمكن من إيجاد منفذ لاقناع المتنازعين حول أراضي الجموع بقوته الإنصافية. فهو لا يصدر أحكاما ولا يعيد النظر في تاريخية المشكلة، ولا ينفتح على الأعراف الأمازيغية، كما أنه لا يضع اليد على العناصر الحقيقة التي كانت وراء ضياع حقوق القبائل في الأرض. ومنها السطو  الإقطاعي إبان مرحلة الاستعمار على أراضي القبائل وتحويلها إلى إقطاعيات خاصة.
نجاز: الأستاذ عبد الإله حبيبي


بيبليوغرافيا

1. انظر نص لميشوبلير ب

" النسق المغربي " مجلة العالم الاسلامي


السنة الثالثة عدد 9 – شتنبر 1923

2. انظر مقالنا المنشور بجريدة الأحداث المغربية

بتاريخ يوليوز 2001 بعنوان.

" انتريبولوجيا المشهد السياسي

لدى قبائل الأطلس المتوسط "

3.Amina Aauchar «  Colonisation et .3

                                    Compagne berbére au maroc »  

Afrique orient. Beyrut. Libanan 2002


4. MEZZINE (L) , le tafilalt, contribution à l’histoire du maroc

 aux 17  -  18   siecles, ,Rabat, Pub de la fac

des lettres et sciences humaines  Mohamed 5

cite par Amina  Aauchar .op.cit.

5. M le glay « les sentiers de la guerre et de l’amour »

                          edition Berger – LEVRANT

                        1930 de plaines et de monts.

6. فرانسوا بيرجي: " موحى أو حمو الزياني "


1921 – 1877

ترجمة وتعليق: ذ. محمد بوستة.

7. المرجع السابق ص. ص: 41- 40


8. المرجع السابق ص . ص 44 . 43

9. الظهير الشريف المؤرخ في 26 رجب 1337 ( 27 أبريل 1919 )

بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها.

 

 
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات