تجربة التدبير المفوض بمدينة طنجة المرافق العمومية، وذلك بإبرام عدة عقود امتياز همت إنتاج وتوزيع وتزويد عدة مدن مغربية بالماء الصالح لل...
تجربة التدبير المفوض بمدينة طنجة
المرافق العمومية، وذلك بإبرام عدة عقود امتياز همت إنتاج وتوزيع وتزويد عدة مدن مغربية بالماء الصالح للشرب، واستغلال الموانئ، وخطوط السكك الحديدية.
وبعد الاستقلال سيتم أولا استرجاع تلك المنشآت وتحويلها إلى منشآت عمومية محتكرة في أغلبها بواسطها وكالات.
ومع مطلع الثمانينات سيزيد الاهتمام بالتسيير الخاص للمرافق العمومية في عدة مجالات كالنقل الحضري
تعريف التدبير المفوض
يعرف القانون الجديد الخاص بالتدبير المفوض
هذه التقنية بمثابة عقد يفوض بموجبه شخص معنوي عام يسمى "المفوض"، لمدة محدودة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي عام أو خاص "المفوض إليه"، و الذي يصبح في حكم المخول له تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا. مؤكدا أن العقد قد يكون موضوعه أيضا في السياق ذاته انجاز أو تدبير منشاة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العمومي المفوض.
التدبير المفوض بالنسبة للمغرب
أما المغرب فدخل تجربة التدبير المفوض في منتصف التسعينات، نظرا للتحولات الكبرى التي عرفها
خاصة على صعيد تدبير الشأن العام
المحلي، إذ سيتم البدء في تطبيق مقتضيات قانون الخوصصة و الذي ادخل ثقافة اقتصادية جديدة تروم الى تحرير الاقتصاد، و هكذا عرف المغرب أول عقد للتدبير المفوض سنة 1997 بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء و شركة
و الذي تحول بموجبه تدبير مرفق توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل لهذه الشركة لمدة 30 سنة
والتدبير المفوض للمرافق العمومية بالمغرب عرف في السنوات الأخيرة تطورا منقطع النظير، خاصة وأنه يعيش اليوم مع تفاعلات التجربة الجماعية الجديدة التي دخلها المغرب منذ اقتراع 12 شتنبر 2003 والتي يؤطرها ميثاق جماعي جديد.
وفي إطار هذه الدينامية الجديدة، احتضنت وزارة الداخلية يوم 11 دجنبر 2003 اجتماعا مع عمال العمالات والمقاطعات بالمدن الخاضعة لنظام وحدة المدينة، والتي وافقت على رفع التدبير المفوض للمرافق العمومية كشعار للمرحلة المقبلة، بعدما كانت العديد من الجماعات السابقة قد أدرجتها في دوراتها الأخيرة.
وتسجل سنة 2006 إخراج حيز التنفيذ قانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض، فهذا الأخير لا يعني الخوصصة النهائية بقدر ما يعني تفويض التدبير فقط دون التنازل عن القطاع الذي يظل خاضعا لملكية المجلس الذي له وحده الحق في التصرف فيه، وفي ملكيته، أما الطرف المفوض له فلا يجوز له التصرف في المرفق بالبيع أو الشراء أو التنازل عليه لصالح الغير.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل التدبير المفوض إعلان عن افلاس وعجز الجماعات المحلية عن تدبير المرافق العامة، أم أنها طريقة جديدة في تدبير الشأن العام المحلي؟
ان الاحاطة بجوانب هذا السؤال تتطلب النظر اليه من زاويتين:
أولا:الجانب الايجابي في عقود التدبير المفوض
1- الجودة التقنية للخدمات وتسييرها الاداري، وتتجلى مظاهرها في تقريب الزبون أو المنتفع من الشركة المفوض لها مع مراعاة ما يسمى بمبدأ المساواة، ومبدأ الاستمرارية، وكذا التعجيل المستمر أو الدائم لخدمات المرفق العام•
2 - نقل التكنولوجيا الحديثة على مستوى بعض المرافق العامة•
3 - ما يسمى بادخال مناهج التدبير الخاص على مستوى مرافق ذات طابع استراتيجي واحتكاري كانت تدار من قبل الشخص العام•
4 - سيادة نوع من الشفافية على مستوى التدبير الداخلي وهذا الأمركان شبه منعدم خلال مرحلة تدبير شؤون المرفق الجماعي المحلي•
5 - توفير امكانيات مالية مهمة للجماعات المحلية، حيث يحل المستثمر الاجنبي محل الشخص العام في انجاز التمويل الذاتي و التوازن المالي للمرفق وتحديث بنيته التحتية الخ
أما الوجه السلبي للتجربة فأوجزه كعناوين رئيسية في:
1 - ارتفاع اسعار الخدمات•
ب - غياب ما يسمى بمنطق المرفق العام
•ج - لم يتم تفعيل ما يسمى ب >المرفق العالمي< ونعني به تعميم الخدمات على سائر المواطنين بأقل تكلفة •أما النقطة السلبية الأخيرة في اعتقادي، فإنها تتمثل في الرجوع المكثف للاستثمار الأجنبي، والاستحواذ على بعض القطاعات، وهو ما يشار إليه بالتمركز الرأسمالي، وخلق نوع من الاحتكارات الفعلية وليست القانونية• > هل يفهم من هذا، أن التسيير المنتدب كنمط حديث للتدبير، أضحى الأسلوب الأكثر ربحا العمل به مقارنة مع الخوصصة واسلوب الامتياز؟
فهناك من يعتبر أن اللجوء للتدبير المفوض منبعه هو الحرص على تحصيل مداخيل قارة ومقدرة والبحث عن تحسين وتنويع الخدمات بجودة أكثر،وتسريع وثيرة الأشغال المتعلقة بالمرفق المفوض،وجلب استثمارات اضافية من الخارج،وكسب مزيد من التجارب،ونقل تقنيات شركات عالمية وجعلها في خدمة المرفق،وهنا سيتبادر للأذهان سؤال عميق حول مغزى فوز شركات عالمية عملاقة بصفقات التدبير المفوض،على حساب الشركات الوطنية،فإذا كان تفويض مرفق عمومي لهذه الشركات على حساب الشركات الوطنية،لا يحقق الأهداف المرجوة منه،فاختيار الشركة الوطنية ستكون لها انعكاسات افضل،لأن الشركات العالمية هدفها الاستثمار وتحقيق الربح،وتحويله للبلدان الاصلية كعملة صعبة.
كما أن القانون ايضا يمنح للجماعات المحلية تأسيس شركات التنمية بشكل منفرد أن بشراكة مع القطاع الخاص،والتي يمكن توجيهها لتشتغل في مجال التدبير المفوض،وهو الأمر الذي لا تقوم به الجماعات المحلية.
كثير من التجارب شابتها نواقص وسلبيات، والتي يكتوي بنارها أساسا المواطن المسكين الذي لا حول له ولا قوة، أمام عدم وضوح المسؤول والمخاطب لمواجهته ومطالبته بالحق، والتهرب في تحمل المسؤولية، إلا أنه لا يمكن اعتماد سلبيات بعض التجارب عنوانا لعدم نجاعة هذا النوع من التسيير، لعدة اعتبارات منها أن مستوى جودة الخدمات المقدمة في بعض المرافق يفوق بكثير مستويات التسيير المباشر، ثم إن مستوى نجاعة أي تدبير منه التدبير المفوض مرتبط أساسا بمدى فاعلية متابعة المفوض لتطبيق بنود الاتفاقيات وعقود الالتزام من طرف المفوض إليه، اتخاذ الاجراءات الزجرية المناسبة في حالة عدم الوفاء والتملص والتهرب.
التدبير المفوض بطنجة
ان التجربة الحالية مع شركة أمانديس، تعتبر نموذج حي لطريقة التدبير المفوض بمدينة طنجة، إذ عمدت شركة أمانديس بمجرد دخول قانون التدبير المفوض حيز التنفيذ على وضع إستراتيجية من أجل تحسين اشتغال التجهيزات المتعلقة بشبكات توزيع الماء بهدف الرفع من نسبة المردودية. واتخاذ عدة تدابير وإجراءات استعجالية في مدينة طنجة، تهدف إلى تعزيز فرق الكشف بإصلاح الشربات عن طريق تزويدها بالوسائل المادية واللوجيستيكية الكفيلة بضمان سرعة وفاعلية في الإنتاج، كما قامت شركة أمانديس بالعديد من الأشغال في مجال الكهرباء، مما ارتفعت وتيرة الخدمات المقدمة في مجال الكهرباء بسرعة وفاعلية في الجودة.
أما قطاع التطهير السائل، فقد أعطت شركة أمانديس، منذ أبريل 2002 الانطلاقة العملية لعملية تهيئة التصميم المديري الجديد للتطهير السائل الذي يهدف إلى تحديد معالم شبكات التطهير المستقبلية، وكذا التطور الذي تستهدفه على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
وعلى غرار ما قامت به أمانديس منذ عشر سنوات، فإن التجربة الحالية تثير العديد من المخاوف حول الخدمات المقدمة للمواطنين، وسنوضح ذلك عبر قطاع الماء الصالح للشرب مرورا بقطاع توزيع الكهرباء، وأخيرا قطاع التطهير السائل.
· بالنسبة لتوزيع قطاع الماء والكهرباء :
- عدم التزام الشركة بكل الالتزامات التي تعهدت بها في دفتر التحملات.
- غلاء فواتير الأداء التي تتضاعف كل شهر بأرقام قد تصل أحيانا إلى الدخل الفردي للمواطن.
- تأخير قراءة العدادات.
- اعتماد أسلوب التقدير للاستهلاك عن بعد دون قراءة العداد وعدم احتساب الاستهلاك الشهري الحقيقي.
- عدم وجود مقاييس موحدة فيما يخص تحديد عقود الاشتراك في الشبكات داخل المنطقة الواحدة.
· بالنسبة لتوزيع قطاع الكهرباء :
- الزيادة في التسعيرة، بحيث لا تتناسب مع مستوى الدخل الفردي.
- شكاوي المواطنين واحتجاجاتهم بسبب حالات الغلاء المهولة في فواتير الكهرباء.
- عدم التزام الشركة بقراءة العدادات خلال المدة القانونية المحددة في 30 يوما.
- تأخر عملية الإصلاح بسبب المصابيح المعطلة في الأحياء الشعبية.
- تأخر في توصيل الفواتير في الوقت المناسب.
· بالنسبة للتطهير السائل :
على غرار المهام المحددة لشركة أمانديس في عقد التدبير المفوض، وما قامت من أجله الشركة بعدة منجزات، تبقى نسبية ومشوبة بعدة خروقات، حالت دون تحقيق الأهداف المسطرة في دفتر التحملات.
وهنا نسرد مجموعة من الاختلالات المسجلة في هذا الميدان وفق ما يلي :
- معاناة سكان مدينة طنجة عند سقوط الأمطار مع الفياضانات، والروائح الكريهة.
- ضعف البنيات والتجهيزات، وانعدام البالوعات وقنوات الربط مع شبكة التطهير.
- غياب مراقبة الأشغال الخاصة بالإنجازات وانعدام الصيانة.
- أشغال مد القنوات تم بطريقة عشوائية، وباقي التجهيزات المستعملة في هذا المجال، تفتقر إلى مواصفات الجودة والصلاحية.
وأمام كل هذه الاختلالات التي تعبر عن عدم التزام الشركة بما هو مسطر في دفتر التحملات وإخلالا منها بمصلحة السكان وأهداف العقد، نقترح بعض المقترحات الآتية:
- يجب إشراك المواطنين والمجتمع المدني عند وضع دفتر التحملات، أضف إلى ذلك خلق مجالس للمرافق العمومية المحلية، التي ستمكن من حل الكثير من المشاكل خاصة على مستوى قطاع الماء والكهرباء.
- تكتيف من وصلات تحسيسية للمواطنين من أجل وعي الجميع، بأن الماء والكهرباء حق للجميع.
- يجب إعادة النظر في أسلوب التدبير المفوض، وخلق بدائل أخرى للتسيير.
- يجب إنشاء مجلس للمراقبة مستقل تماما عن شركة أمانديس، يقوم بتتبع كل صغيرة وكبيرة من قطاع الماء والكهرباء.
- مراعاة حقوق المنتفعين في أسلوب التدبير المفوض.
- إحداث الشباك الوحيد لمخاطبة المنتفع، هذا سيساهم بدوره في التخفيف من حدة المشاكل المرتبطة بالمرفق والمرتفق.
- إعطاء لمجلس المراقبة صلاحيات واسعة في مجال الرقابة، خصوصا فيما يتعلق باحترام المبادئ الأساسية للمرافق العامة. حتى لا تكون هناك تجاوزات من قبل الشركة.
ولعل الاعتماد المكثف للتدبير المفوض في إدارة المرافق العامة المحلية بالمغرب، كان نتيجة عجز التسيير العمومي في إدارة المرافق العمومية المحلية، وتحقيق التنمية المحلية على اختلاف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
غير أن هذه التجربة المرتكزة على التدبير المفوض أبانت عن فشلها بسبب غياب غلبة هاجس الربح على حساب تحقيق المصلحة العامة، وهو ما ساهم أيضا في غياب أي متابعة قانونية لمن لا يحترمون الصالح العام.
وفي حالة الإبقاء على تجربة التدبير المفوض، رغم فشلها في تحقيق التنمية المحلية، فإن هذا الأمر يستدعي تفعيل التسيير المنتدب الجيد باتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق ذلك، كالتعجيل باعتماد مجالس المرافق التي ستمكن في حل الكثير من المشاكل المرتبطة بين المرفق والمنتفع، أضف إلى ذلك إدراج المجتمع المدني في تسيير المرافق العمومية المسيرة من طرف الخواص، والتي تتماشى مع التوجهات التي أقرتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية القائمة على المشاركة والتشاور، وهو ما أكده جلالة الملك محمد السادس بقوله : "اعتماد مقاربة تقوم على الإصغاء والتشاور مع كل القوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، ومنظمات نقابية، وجماعات محلية، هيئات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وحتى مع المواطنين الذين لهم غيرة في التنمية".
[1] راجع الظهير الشريف رقم 1.06.15 الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006 بتنفيذ القانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية، الجريدة الرسمية عدد 5404 بتاريخ 16 مارس 2006.
ليست هناك تعليقات