مقدمة صدر مؤخرا قانون جديد للأسرة بعد الجدل الحاد الذي أثاره هذا الموضوع بين أنصار الاتجاه المحافظ وأنصارالاتجاه الحداثي (1) ، وقد أجم...
مقدمة
صدر مؤخرا قانون جديد للأسرة بعد الجدل الحاد الذي أثاره هذا الموضوع بين أنصار الاتجاه المحافظ وأنصارالاتجاه الحداثي (1) ، وقد أجمع الجميع على أنه قانون متميز، وأنه نجح في التوفيق بين الاتجاهين، بحيث اعتبر في مضمونه مسايرا لواقع العصر، ومتوافقا مع الاتفاقيات الدولية، وفي عمقه مستمدا من الشريعة الإسلامية (2) ، ومن الأمور التي وقع عليها الإجماع أيضا نجد ضرورة وجود قضاء متخصص من أجل ضمان التطبيق السليم لهذا القانون، فالجميع ربط نجاح هذا القانون بوجود قضاء فعال وعادل، وعلى رأسهم صاحب الجلالة محمد السادس، ويتضح هذا من خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للبرلمان ـ السنة التشريعية 2003-2004 والذي أعلن فيه جلالته عن الخطوط العريضة لهذا القانون حيث أشار إلى قيامه بتوجيه رسالة إلى وزير العدل تضمنت ما يلي : «.... وقد أوضحنا فيها أن هذه المدونة مهما تضمنت من عناصر الإصلاح فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل، وعصري وفعال، لا سيما وقد تبين من خلال تطبيق المدونة الحالية أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنودها ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل، ماديا وبشريا ومسطريا، لتوفير كل شروط العدل والإنصاف، مع السرعة في البث في القضايا، والتعجيل بتنفيذها...».
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يسبق للتنظيم القضائي المغربي أن عرف جهازا قضائيا مستقلا وخاصا بالقضايا الأسرية، وقد يزعم البعض بوجود هذا الجهاز قاصدا المحكمة الشرعية غير أننا نرد بأن دور هذه المحكمة المتكونة فقط من قاض للتوثيق والسادة العدول يقتصر فقط على تلق ـ ي الاشهاد بالزواج، والطلاق وبعض القضايا المتعلقة بالإرث والمحاجير، كما أن تصف ـ ح تاري ـ خ الأحوال الشخصية يبرز لنا غياب أي إشارة إلى هذا القضاء، بداية م ـ ن مدون ـ ة 1957 ومرورا بتعديلات 1993، و قد تضمن مشروع الخطة الوطنية للإدماج المرأة في التنميـة ضرورة وجود محاكم خاصة بالقضايا الأسرية (3).
وهكذا فقد كان النظر في قضايا الأحوال الشخصية مسندا إلى غرفة الأحوال الشخصية، وهي غرفة من ضمن غرف المحكم ـ ة الابتدائي ـ ة ، والمعروف أنه لم يكن هناك ما يمنع من أن تنظر باقي الغرف في أي قضية كيفما كان نوعها.
وقد تم تدشين أقسام القضاء الأس ـ ري ي ـ وم 05/09/2002 بكل من المحكمة الابتدائية بالرماني وابن سليمان، وذلك نظرا للإحساس بخصوصي ـ ة القضايا بالأسري ـ ة، والمشاكل التي تعتريها، غير أن إحداث هذه الأقسام لم يكن يستند على أي أساس قانوني، وذلك إلى غاية صدور قانون 73-03 المتعلق بتعديل التنظيم القضائي، الذي إلى جانب تكريس ما سبق، قام أيضا بتدقيق اختصاص هذا القسم، كما منحه الاستقلالية عن باقي الغرف وقد انطلقت بعد صدور هذا القانون سلسلة من التدشينات لأقسام قضاء الأسرة بمختلف محاكم المملكة كان آخرها بالمحكمة الابتدائية بمراكش.
ومن الدول التي سبقتنا في هذا المجال نجد تونس ( 4 ) التي تعتبر تجربتها تجربة رائدة بالنسبة لنا، أما مصر التي سبقتنا في تعديل قانونها الأسري، فإن مسألة إحداث قضاء أسري مستقل ما تزال إلى حد الآن مجرد مشروع ( 5 ).
وبما أن إحداث قسم قضاء الأسرة تجربة حديث بالنسبة للمغرب فإن دراسته من الناحية النظرية تكتسي أهميـة بالغـة، و ذلك مـن أجل التعريف به و بمكوناته و خصوصيته، خصوصا وأننا أشرنا سابقا إلـى أن الكل يعـول عليـه مـن أجل تفعيل المدونـة الجديـدة، كما أن أهميته العملية تنبع من نفس السبب – أي كونه تجربة جديدة- ، فمن المعروف أن كل تجربة جديدة مهما بلغة درجة الحرص على نجاحها إلا و تتخللها بعض الهفوات ، ومن تم فإن دراسة هذا الموضوع ستمكننا من الوقوف على هذه الثغرات من أجل العمل على تجاوزها.
و السؤال الذي يمكن إثارته هو كيف يمكن لقسم قضاء الأسرة أن ينجح في تفعيل مدونة الأسرة؟.
و الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الإجابة على السؤالين التاليين :
الأول هو التساؤل عن ماهية الأهداف المتوخى تحقيقها من خلال إحداث قضاء أسري متخصص؟، و الثاني: هو مدى نجاح هذا القضاء في تحقيق هذه الأهداف من خلال الاختصاصات الموكولة إليه؟.
فمن خلال الإجابة عن هذين السؤالين سنتمكن من الوقوف على مناطق القصور من أجل محاولة تفاديها، و بالتالي تمكن القضاء المغربي من كسب الرهان الملقى على عاتقه،و بعبارة أخرى تمكن القضاء المغربي من تطبيق مدونة الأسرة ن تطبيقا سليما، و محافظا على الفلسفة التي جاءت بها المدونة الجديدة، و المتمثلة في تحقيق المساواة و العدل، و المحافظة على السلم الأسري، في اتجاه إعداد مجتمع سليم و قوي، يسود فيه الاحترام بين كل مكوناته.
و من خلال ما سبق يظهر لنا تصميم هذا الموضوع الذي سيكون على الشكل التالي:
الفصل الأول: الغاية من إحداث قضاء أسري متخصص.
الفصل الثاني: تجسيد أهداف قضاء الأسرة في الواقع.
الفصل الأول: الغاية من إحداث قضاء أسري متخصص.
في هذا الفصل سنتحدث عن الأهداف المتوخى تحقيقها من خلال إحداث القضاء الأسري ( المبحث الأول)، كما سنتطرق فيـه إلى التنظيم الهيكلـي لهذا القضاء، و ذلك لأن معرفـة هذه الهيكلة ستمكننا من معرفة الأجهزة المعنية بتحقيق هذه الأهداف (المبحث الثاني).
المبحث الأول : فوائد إحداث قضاء متخصص في قضايا الأسرة.
يمكن تقسيم أهداف قضاء الأسرة إلى ، أهداف مباشرة و أهداف غير مباشرة:
المطلب الأول: الأهداف المباشرة.
أهم ما يرجـى تحقيقـه من القضاء المتخصص نجد سرعة البت ( الفقرة الأولى )، ثم التسهيل علـى التسهيل على المتقاضين ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: سرعة البت في القضايا.
من أهم المبادئ التـي نقف عليها بمجرد استقراء المدونة ، نجد حرص المشرع على الإسراع فـي البت، و ذلك من خلال وضع أجال محددة يجب على القضاء احترامها.
فالمادة 45 من المدونة أوجبت على الزوج إيداع المبلغ الذي تحدده المحكمة لفائدة الزوجـة و الأولاد داخل أجل 7 أيام و إلا اعتبر الزوج متراجعا عن طلب الإذن بالتعدد، و نجد أيضا المادة 83 التي تلزم الزوج بإيداع المبلغ الذي تحدده المحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما كمستحقات للزوجة و للأطفال و إلا اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق.
كما نجد المادة 97 من مدونة الأسرة التي تنص على أن الفصل في دعوى الشقاق يجب أن يتم داخل أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب.( 6 )
وفي التطليق لعدم الإنفاق نجد المادة102 من مدونة الأسرة التي تنص في فقرتها الثانيـة على أن المحكمة عليها أن تحدد للزوج أجلا لا يتعدى ثلاثين يوما حتى ينفق خلاله و إلا طلقت المحكمة عليه إلا في حالة وجود ظرف قاهر و استثنائي.
و في الفقرة الثالثة مـن نفس المادة تنص علـى أنه إذا امتنع الزوج عن الإنفاق و لم يثبت العجز تطلق المحكمة الزوجة حالا.
و فـي نفس الإطار و احتراما لنفس الفلسفـة التي يرجى منها الإسراع في البت نجد المادة 112 من مدونة الأسرة بالنسبة للتطليق بسبب الإيلاء و الهجر، فالمحكمة ملزمة بالبت بعد أشهر من تاريخ رفع الزوجة طلب التطليق إلى المحكمة.
و في نفس السياق، نجد المادة 113 من م أ التي حددت الأجل الأقصى في دعاوى التطليـق باستثناء حالة الغيبة في أجل أقصاه ستة أشهر.
إن تحديد آجال من شأنه أن يخلق في نفوس المتقاضيين ارتياحا، و يشجعهم على اللجوء إلى القضاء، لأن التجربة أثبتت أن المساطـر الطويلة لا تبعث على الارتياح و تدخل اليأس في نفوس الأشخاص، كما أنها تفقد الناس الثقة في مرفق القضاء (7).
غير أن هذه السرعة ستظل مجرد حبر على ورق في غياب جهاز قضائـي متخصص، من هنا تبرز الغاية من إحداث قسم قضاء الأسرة، فبسبب كون اختصاصـه مقصور علـى القضايا الأسرية ، فسيكون بإمكان المسئولين عليه وضع تنظيم داخلي يتوافق مع هذه السرعة.
الفقرة الثانية: التسهيل على المتقاضيين.
إذا كان النظام القضائي السابق بشأن الأحوال الشخصيـة لم يهتم بجمع شتات أقسامها، فإن التوجيهات الملكية حثت على إدماج جميع الأقسام بقسم واحد حتى يتم تسهيل المأمورية على المتقاضين بشأن كافة النزاعات الأسرية، سواء تعلقت بقيام رابطـة الزواج أو انفصامها أو شؤون القاصرين أوالتوثيق أو قضايا الحالـة المدنيـة، و ذلك من أجل تفعيل نصوص المدونـة و جعل الآجال المسرة بها قابلة لأن تكون آجالا محترمة، و نافذة و ليس شكلية فقط.(8)
إن التسهيل على المتقاضيين لا يشمل فقط جمـع شتات قضاء الأسرة فـي قسـم واحد بل يتعدى إلى التيسير على المتقاضيين من كل النواحي، كالتيسير في ميدان الإثبات، هذا الجانـب الذي كان يشكل عقبة كبيرة في مواجهة الزوجة خاصة في دعوى التطليق، بحكـم أن المشاكـل الزوجية قلما يطلع عليها الغير حتى يشهد عليها، و قد تنبـه المشرع لذلك، حيث فتح المجال لكل وسائـل الإثبات بما فـي ذلك الاستماع إلى الشهود فـي غرفـة المشورة، و هذا ما جاءت به المادة100من مدونة الأسرة التي تنص على أنه:
" تثبت وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود، الذين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة...".
بل أن هذا التيسير بلغ إلى حد اعتماد مسطرة الشقاق التي لا تكلف الزوجة أي إثبات بـل ينوب الحكمان عن الزوجين في استقصاء أسباب الخلاف و بذل الجهد لإنهاء النزاع.
إن إقرار قضاء أسري مستقل، ليس الغرض منه السرعة في البت و التسهيل علـى المتقاضيين فقط، و إنما يتعدى ذلك إلى أهداف غير مباشرة تتجلى في تحقيق العدل و الإنصاف و الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك.
المطلب الثاني: الأهداف الغير مباشرة
لقضاء الأسرة.
كما قلنا سابقا فإن الأهداف غيـر المباشرة لقضاء الأسرة تتجلـى فـي تحقيـق العدل والإنصاف ( الفقرة الأولى )، و الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: العدل و الإنصاف.
إن روح مدونة الأسرة و إقرار قضاء مستقل تتجلى في تحقيق العدل و الإنصاف، و تحقيق المبادئ التي تسعى المدونة إلى تكريسها رهين بوجود قضاء فعال و نزيه و عدم تحيزه لصالح أحـد الأطراف، فنصوص عديدة وردت في المدونة تسعى إلى تحقيق هذا الهدف، مذو من بينها نجد المادة 41 ، التي تحث المحكمة على احترام الشروط الإسثتنائية للتعدد.
و من بينها أيضا، نجد ترسيخ دور القضاء في عملية الفرقة أنواعها، و حتى علـى مستوى الطلاق، إذ نجد ضرورة مراقبة القضاء لعملية الطلاق منذ بدايتها إلى نهايتها و هذا يظهر من خلال المواد من 78 إلى 89 إذ تواكب المحكمة العمليـة منذ تقديم الطلـب إلى محاولة الصلح و تحديد المستحقات و توثيق رسـم الطلاق حتـى إصدار قرار معلل قابل للطعن وفق الإجراءات العادية، بل أكثر من ذلك فقـد أوكل المشرع النظـر في التطليق و الطلاق علـى حد السواء للمحكمة التي تتكون من ثلاثة قضاة لتوفير ضمانات أكثر.
و على اعتبار كون مدونة الأسرة تسعى إلى إنصاف المرأة، و حمايـة كرامـة الرجـل و ضمان حقوق الطفل، فإن هذا الأخير أيضا تم إنصافه بأن أصبح مـن التزامات القضاء تقديـر تكاليف سكنى المحضون مستقلة عن النفقة و أجرة الحضانة و غيرها، و هو ما أقرته المادة168 من مدونة الأسرة، مع مراعاة مصلحة المحضون في إسناد الحضانة (المادة 170 من مدونة الأسرة).( 9 )
الفقرة الثانية: الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك.
يتجسد مبدأ الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك من خلال تفعيل مسطرة الصلح.
رغم أن الطلاق الموقع من أحد الزوجين مباشرة مرهون بالإذن القضائي، و بالرغم من أن القصد من هذا الإذن هو الحد من اللجوء للطلاق إثناء العازمين عليه و إصلاح ذات البين بينهما،فإن هذا الإجراء المحدث بمقتضى تعديل 1993 ، لم يقدم عمليا، خدمات تذكـر للأسرة، و ذلك لعدة اعتبارات من بينها كثرة الملفات بما لا يسمح للقضاء بإفراد الوقت الكافي لكل ملف و محاولة التعرف على أسباب الخلاف الحقيقية، و إيجاد حل لها.
من جهة أخرى ، و بالنظر لعدم توفر الأجهزة و الأطر الكافيـة القادرة علـى ردم الخلاف و إيجاد الحلول بطريقة عملية متينة، نجد مهمة القضاء في هذا الشأن محدودة جدا، بالتالي تنحصر مسطرة الصلح في أحيان كثيرة في محاولات سطحية( 10 ).
و لقد أولى مشرع مدونة الأسرة لمسطرة الصلح أهميـة كبرى حفاظا على كيان الأسرة من التفكك، و تتدخل في مسطرة الصلح ثلاث مؤسسات تتمثل في:
٭- القاضي.
٭- الحكمين.
٭- مجلس العائلة.
فالمدونة الحالية وسعت من الصلح و أعطت القضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلـح دون قيد أو شرط، بل توسعت إلى أبعد مـن ذلك إذ فتحت المجال لكل من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين ( المادة 82 من مدونة الأسرة )، و بذلك منحت القضاء حرية تامة، الغرض منها هو الإصلاح و إنقاذ الأسرة.
و مما يدعم توجه المشرع في الحفاظ على هذا الكيان أن المحكمة تقوم بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما في حالة وجود أطفال.
بعدما قمنا بالاحاطة بأهم الأهداف التي توخاها مشرع مدونة الأسرة، سننتقل إلى التطرق لتنظيم الجهاز الذي سيتولى تحقيق هذه الأهداف.
المبحث الثاني: التنظيم الهيكلي لقضاء الأسرة.
في هذا المبحث سنتكلم عن الأعضاء الذين يكونون القضاء الأسري ، على اعتبار أن معرفة اختصاصات القضاء الأسري بصفة دقيقة ، تتطلب معرفة دقيقة لمختلف الأعضاء المكونيـن لهذا القضاء، و هكذا سنتكلم فـي ( المطلب الثاني ): عن التنظيـم الحالي أي التنظيم المستحدث بعد صدور القانونين 72/03 و 73/03 ، أما ( المطلب الأول ): فسنخصصـه للحديث عـن التنظيم الذي كانت قبل صدورهما، و ذلك لأن معرفة ما هو كائن ، لا تتم إلا بمقارنته بنا كان.
المطلب الأول: التنظيم قبل صدور القانونين
72/03 و 73/03.
سبق لنا أن أشرنا في المقدمة إلى أن إحداث أقسام خاصة بالأسرة تم قبل صدور القانون 73/03 ، المتعلق بتعديل التنظيم القضائي، و بالتالي فإننا عندما قلنا أننا سنتكلم عـن التنظيـم السابق لصدور القانونين 72/03 و 73/03، كنا نقصد التنظيم الذي وضع بعد إحداث هذه الأقسام، و ليس ما كان قبل ذلك.
و هكذا كان هذا القسم يتكون من: رئيس قسم القضاء الأسري و هو قاضي، و مـن رئيس شعبة الأسرة و هو منتدب قضائي، و قاضي التوثيق و شؤون القاصرين بجميع آلياته، نائب
وكيل الملك و كتابـة النيابة العامة، الصندوق، مكتب الإرشاد، مكتب التبليغ و التنفيذ، مكتب النسخ، مكتب العدول ( 11).
و سنقوم بالتعريف ببعض هذه الأجهزة نظرا لأهميتها:
-أول من سنتكلم عنه هو مؤسسة قاضي التوثيق: و هي مؤسسـة إسلاميـة المنشأ، و الملاحظ أن القاضي يكون دائما ذكرا، نظرا لبعض المهام الملقاة على كاهله و التي لها صبغة دينية تشترط فيها الذكورة( 12)،و المقصود بهذه المؤسسة هو تلك الإدارة القضائية التي تعنـى بتوثيـق الحقوق و المعاملات و إثبات التصرفات و الوقائع وفق الشكل و المضمون الذي يحدده القانون.
و تتكون هذه المؤسسة من قاضي أو عدة قضاة، و من عدول ، و من نساخ، و من أعوان توثيـق، و من مساعدين عاملين بمكتب العدول و مقارهم، و إنما تنسب المؤسسة عادة إلى قاضي منفرد مع أنها تتكون من كل ما ذكر، لأن القاضي هو الرئيس المباشر لها، و المشرف على إدارتها، و لهذا عندما يتم الكلام عن مؤسسة التوثيق يقصد بها خصوصا المهام لتي يمارسها قاضي التوثيق بصفته هذه، و نحن عندما سنتكلم عن اختصاصات هذه المؤسسـة سنتعامل معها بهذا المعنى، أي سنتكلم عنه فقط و بانفصال عما ذكر.
و يعين قضاة التوثيق بقرار لوزير العدل لمدة 3 سنوات قابلة لتجديد، و يعينون من بين رجال السلك القضائي، دونما اعتبار لدرجتهم أو رتبتهـم، و ترتبط اختصاصاتهـم بدوائر نفوذ المحاكم الابتدائية (13).
- قاضي شؤون القاصرين: هو القاضي المكلف بشؤون المحاجر سواء كان الحجر للصغر أو للسفه أو للعته، أو المحكوم عليه الذي ينفد عقوبـة جنائيـة، حيث يفقـد أهليـة الأداء لمدة
تنفذ العقوبة، و هو قاضي من قضاة المحكمة الابتدائية يعين حسب المادة182 من ق.م.م للقيام
بهذه المهمة لمدة ثلاث سنوات بقرار من وزير العدل الذي يراعـي فـي اختياره المعرفـة بأحكام الأحوال الشخصية ( 14).
و قد يلاحظ البعض أن هذا القسم له تشكيلة خاصة به تختلف عن باقي غرف المحكمـة الابتدائية، الشيء الذي يضمن له استقلاليته و خصوصيته، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود نص قانوني يمنع باقـي الغرف من التدخل في اختصاصـه، كما أن اختصاصات أعضائه لم تكن محددة تحديدا كافيا، مما يفتح المجال للتأويل، زيادة على تعدد الاختصاصات الملقاة على بعض أعضاء هذا الجهاز و غير ذلك مـن المشاكـل، هذا ما حاول قانـون مدونـة الأسـرة، و كذا القانونيين 72/03و73/03 تجاوزه، و هو ما سنلاحظه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني:التنظيم بعد صدور القانونين
72/03و73/03.
لقد أتى قانون 73/03 المتعلق بتعديل التنظيم القضائـي زيادة علـى حصر اختصاصات قضاء الأسرة بمقتضى قانونـي جد مهم يتمثل في منع الغرف الأخرى من النظر في القضايا الخاصة بأقسام قضاء الأسرة بحيث نص علـى ما يلـي: « يمكن لكل غرفة أن تبحث و تحكم في كـل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة».
كما أضاف القانون 73/03 المتعلق بتعديل قانون المسطرة المدنيـة عناصر جديدة إلى الجهاز القضائي المتعلق بالأسرة و انطلاقا مما سبق عملت وزارة العدل على وضع التنظيم الهيكلي لقضاء الأسرة و الذي يتكون مما يلي( 15):
- رئيس القسم و الذي يشرف على ما يلي:
1- هيئة الحكم ك وهي المكلفة بقضايا الأحوال الشخصية و الميراث و كل ما لـه علاقـة
برعاية و حماية الأسرة، و قضايا الحالة المدنية، و قضايا الكفالة.
2- قاضي الأسرة المكلف بالزواج.
3- القاضي المكلف بالتوثيق.
4- القاضي المكلف بشؤون القاصرين.
5- كتابـة الضبط: و التي تتكون من كتابة ضبط القسم، الصندوق، مكتب الإرشادات،
مكتب الاستقبال، مكتب النساخة.
- ممثل النيابة العامة ، و كتابة ضبط النيابة العامة.
- كما تم إحداث قاضيا خاصا بتنفيذ الأحكام.
و يلاحظ أن هذه الهيكلة حاولت تجميع كل الأجهزة التي لها علاقة بالأسرة فـي جناح واحد .
و سنحاول إعطاء بعض التوضيحات حـول أعضاء هذا القسم، مـن خلال التعريـف بالأعضاء الجدد، و إظهار ما تم تغيره في الأعضاء الموجودين سابقا.
يوجد في كل قسم من أقسام الأسرة، رئيس بالإشراف على هذا القسم، و كذا تصريـف القضايا، و هو غالبا قاضي من الدرجة الثانية أو الثالثة.( 16)
و إلى جانبه يوجد ممثل النيابة العامة، و قد يرى البعض أن هذا ليس بجديد، فالهيكلة السابقة
أيضا تحتوي على وكيل الملك، لكن الفرق يمكن في حجم الاختصاصات التي أوكلت له، و كـذا الصفة التي أصبح يتدخل بها في قضايا الأسرة، صحيح أنه لم توكل له مهمة القيام بمحاولة الصلح على عكس نظيره المصري (17)، إلا أن هذا لا يقلل من مكانته داخل قسم قضاء الأسرة(18).
وإذا كان ضم الهيئة الثلاثية إلى هذا القسم اعتبر خطوة إيجابيـة و محمودة لما فيها مـن تجميع لشتات القضاء الأسري، غير أن هذا التجميع في نظرنا يصعب تحقيقـه علـى المستـوى العملي، نظرا لعدم وجـود نص قانوني يمنـع باقـي أقسام قضاء الأسرة – الموزعين على أرجاء المملكة- من النظر في القضية إذا ما رفعت القضيـة بقسم قضاء الأسرة بالرمانـي مثلا، و كان ينبغي الاستفادة من المشرع المصري في هذا الصدد بحيث أنـه أشار في قانونـه الأسري في المادة العاشرة منه إلى انعقاد الاختصاص بنظر دعاوى النفقة و الحضانة و كل القضايا المترتبـة علـى التطليق أمام المحكمة الابتدائية التي تنظر الطلاق أو التطليق، و أوجب على المحاكم الأخرى إحالـة قضايا النفقة و الحضانة و غير ذلك من القضايا المطروحة أمامها إلى المحكمة الابتدائية التي تنظـر الطلاق أو التطليق(19)، و هذا ما كرسه المشرع المصري من خلال مشروع محاكم الأسرة(20).
كما أن الهيكلة الجديدة تميزت بإضافة عضو جديد إلى قسـم قـضاء الأسرة، و نقصـد القاضـي المكلف بالزواج، هذا القاضي أعطيت له اختصاصات جد مهمـة سنتعرض لها لاحقا، وهذا القاضي حسب
ما جاء في الفصل 179 من ق.م.م المعدل بمقتضى القانون 72/03،هـو أحد قضاة المحكمة الابتدائية يتم تعينه لهذه المهمة من قبل وزير العدل لمدة ثلاث سنوات.
كما تم الاحتفاظ أيضا بقاضي التوثيق ضمن هذه الهيكلة، و الملاحظ هو التقليص مـن حجـم اختصاصاته، وهو ما سنلاحظه عند تدارس اختصاصات القضاء الأسري.
كما تم الاحتفاظ أيضا بالقاضي المكلف بشؤون القاصرين، و قد تم الاحتفاظ بنفس كيفيـة تعينـه، و الخاضعة للفصل 182 من ق.م.م، كما تم تدقيق اختصاصاته، بحيث أصبحت محددة ومحصورة في الأمور المتعلقة بشؤون القاصرين فقط، عكس ما كان عليه الأمر سابقا، و خاصة إذا كانت المحكمة بمدينة صغيـرة،
حيث كانت تسند له إلى جانب مهمته الأصلية مهام أخرى كالتوثيق، و إصدار الأحكام في القضايا المعروضة على المحكمة (21).
و رغبة في ضمان فعالية القضاء، قام المشرع بالتنصيص على إحداث قاضي مكلف بمتابعة التنفيذ، و ذلك بمقتضى القانون 72/03 الذي عدل مجموعـة من فصول ق.م.م ، ومـن بينها الفصل429 حيث أضيفت له فقرة جديدة تنص على ما يلي: « يكلف قاضي بمتابعـة إجراءات التنفيذ، يعين من طرف رئيس المحكمة الابتدائية باقتراح من الجمعية العامة» ، و ما يلاحظ علـى هذه الفقرة هو أن مهام قاضي التنفيذ ليست مقصورة على قسم قضاء الأسرة، بل تتعداه إلى سائر
الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية، و كان الأفضل إحداث قاض مكلف بالتنفيذ خاص بهذا القسم فقط، نظرا لخصوصية القضايا الأسريـة، التي تتطلب عناية أكبر من أجل ضمان تنفيذها، و نظرا لحساسيتها.
بعد أن تعرفنا على هيكلة قسم قضاء الأسرة، سننتقل إلى الفصل الثاني، مـن أجل التعرف على الاختصاصات الموكولة إلى هذا القسم.
ليست هناك تعليقات