Header Ads

كيف يساهم الإصلاح الإداري في تحسين التدبير العمومي؟

 كيف يساهم الإصلاح الإداري في تحسين التدبير العمومي؟ 
مقدمة عامة :

الإصلاح الإداري، التنمية الإدارية، التخطيط الإداري كلها مصطلحات ومرادفات تستخدم في دراسات الإدارة العامة، من أجل حل المشكلات والرفع من الكفاءة وتحسين التدبير وتحقيق الأهداف بما يتلاءم مع السياسة العامة للدولة .
ويرتبط الإصلاح الإداري بتطوير الجهاز الإداري خاصة إذا كان الإصلاح مستمرا ومواكبا للتطورات والمستجدات .
وكلمة إصلاح تعني أن هناك وضع خاطئ يستدعي إصلاحه من خلال إحداث تغيير جدري يؤدي لإدخال تحسينات على مستوى التدبير والتسيير .
وبذلك فالإصلاح الإداري يشمل كافة الإدارات العمومية المركزية وغير المركزية، والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، وذلك من أجل الرفع من مستوى التدبير .
ولتحقيق هذه الغاية يجب أن يعمل الإصلاح



على مواصلة الجهد التغييري لوضع مختل قائم وتعويضه بآخر محله ينهض بالقدرة الفعلية للإدارة من أجل المساهمة في تحسين أداء الإدارة وبالتالي تدبير الشأن العمومي .

وقد عرف مجموعة من الباحثين في مجال الإدارة، الإصلاح الإداري بأنه عملية سياسية تهدف لإصلاح العلاقات إما بين الجهاز البيروقراطي والعناصر الأخرى لمجتمع ما أو داخل البيروقراطية نفسها أي إما إصلاحات داخلية أو خارجية .
أما روفايل توزمان فعرف الإصلاح الإداري على أنه ببساطة تغيير مظاهر في الجهاز البيروقراطي وتطوير العلاقات بين الهياكل والوظائف الجديدة والهادفة لزيادة مقدرة الجهاز الإداري على تحقيق تدبير عمومي يتلاءم مع الأهداف والغايات .
أما المجلة الدولية للعلوم الإدارية فقد عرفت الإصلاح الإداري على أنه كل برنامج أو نشاط يهدف لإدخال تغييرات إدارية في أجهزة القطاع العام من أجل تحسين التسيير .
بعد الاستعراض السريع لمفاهيم الإصلاح الإداري، سيتم التطرق إلى ماهية الإصلاح من خلال مفهومين أساسيين هما المفهوم الذاتي والمفهوم الفوقي والجدري للإصلاح .
الأول : المفهوم الذاتي :
أي أن الإدارة تقوم بالإصلاح بذاتها، من خلال تصحيح أخطاءها عن طريق التقييم والرقابة والمتابعة العملية ولتحسين العمل وتنظيم الخطوات الإدارية .
فالنشاط الإداري هو نشاط إصلاح يفترض نظريا أن الإدارة العامة في الدولة الحديثة هي نفسها الإصلاح الإداري، أي أن الإصلاح نشاط مستمر وتلقائي وذلك بتصحيح الأخطاء بعد اكتشاف مصادر الخلل فيها، من خلال الإحساس بضرورة التغيير والتطوير هذا من جهة، ومن جهة أخرى، النظام الاجتماعي وقدرته على التأقلم مع التغيرات والإصلاحات .
أما المفهوم الثاني : وهو المفهوم الفوقي للإصلاح :
والذي يأخذنا إلى فكرة الإصلاح من خارج الأجهزة الإدارية وذلك بعد الإحساس بأن هناك خطأ ما يتطلب تصحيحه. الإصلاح الفوقي أي أنه يأتي من خارج الأجهزة بناء على الإحساس بالحاجة إلى الإصلاح الإداري الناجم عن ملاحظة المجتمع بفئاته المختلفة، وبذلك تجبر الأجهزة الإدارية على نهج عدة إصلاحات وذل ك ل :

← عجز الجهاز الإداري عن تحقيق رؤية مستقبلية لمواجهة المشاكل وتوفير الاحتياجات المتوقعة .
← عجز الإدارة العامة عن القيام بواجبها العادي في الظروف الاستثنائية .

عدم قدرة الجهاز الإداري على التعرف على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة مما يؤدي إلى تبديد تلك الموارد في غياب للوسائل العملية للتعامل معها .

ويمكن التطرق كذلك، إلى الإصلاح الإداري في عدة توجهاتعالمية وهي الإصلاح الإداري في المنظور الغربي ثم في الإصلاح الماركسي ثم في الدول النامية .
الإصلاح الإداري - الفكر الغربي : 
فالإصلاح الإداري في الفكر الغربي يعني التغيير المستمر في هيكل تنظيم الدولة، وبذلك فالإصلاح في الثقافة الفرنسية يتصف بالبرغماتية كون التنظيم الإداري لا يعتمد على حقائق مطلقة بل على نظريات وافتراضات قابلة للاختبار ومن تم تقرير فعاليتها ومدى قابليتها للتطبيق أي أن الفكر الإداري الغربي يقبل الصواب ويحتمل الخطأ .
وفي إطار الإصلاح جرى العرف التنظيمي الإداري في الدول الغربية على إنشاء وحدات متخصصة في التنظيم الإداري وأساليب العمل على أعلى مستوى في الدولة، وذلك للقيام بدراسات مستمرة للهيكل التنظيمي للدولة وإبداء ملاحظاتها واقتراحاتها فيما يتعلق بأوجه التغيير اللازم إحداثه دون أن تكون هذه الإصلاحات جذرية ومفاجئة، وذلك بعد نقاش طويل تساهم فيه فئات عديدة من الشعب .
الإصلاح الإداري – الفكر الماركسي :

أما الفكر الماركسي، فالإصلاح الإداري فيه يكون جذريا يتبع بتوعية ثقافية إدارية من أجل تثبيته في المجتمع، إلى أن يتم تحويل هذا الإصلاح إلى اتجاه سلوكي فعلي وثابت (عكس التجربة الغربية التي تبقى فيها الدعوى للتغيير وإحداث الإصلاح والتي لا تكون جذرية)، فالإصلاح في النظام الماركسي والذي تقوده قيادات الحزب الشيوعي القادرة على بدأ مشروع إصلاحي فورا وتنفيذه ماديا وعمليا بشكل مفاجئ، سريع وجذري ثم يلي تغيير الإصلاح حملات للتعريف به على المستوى الثقافي والتقني ليتم التأقلم مع مستجداته والعمل بها .


الإصلاح الإداري عند الدول النامية :


إن الإصلاح الإداري في الدول النامية يعبر عن ظاهرة حتمية لأن الجهاز الإداري بالأساس، عاجز عن القيام بدوره ووظيفته والأهداف التنموية المتوخاة منه، لدى فالإصلاح الإداري في الدول النامية له دور سد الفجوة بين آمال السياسة العامة الوطنية وبين الإمكانيات العملية والعلمية المتوفرة .
إن الإصلاح هو الشرط الأساسي لبلوغ التنمية خاصة في الدول النامية حديثة العهد بالاستقلال، كون الجهاز الإداري القائم بهذه الدول يتسم بالضعف وانخفاض الكفاءة مقارنة مع طموح هذه الدول .

بذلك فعملية الإصلاح تعتبر بمثابة حتمية من حتميات إدارة التنمية كون الجهاز الإداري القائم أبان عن عجزه عن تحقيق السياسة العامة بكفاءة وبالتالي استدعى الشروع في مشروع إصلاحي .


وعمومـــــــا فإن القيام بتطوير الإدارة وتنميتها بما يتلاءم والظروف الداخلية من جهة والمستجدات الدولية من جهة أخرى، يعتبر مؤشرا للتنمية، خاصة وأن التجارب أثبتت أن الإدارة هي محرك التنمية فيها، فلا يمكن التخطيط للتنمية الاقتصادية ورسم الخطط الإستراتيجية للتنمية بدون وجود جهاز إداري كفء يحسن التدبير والتخطيط، فمنذ بداية القرن 20 بدأ الإحساس بضرورة الإصلاح الإداري والرفع من فاعليتها ومردوديتها لما لها – الإدارة – من ارتباط وثيق بالاقتصاد الاجتماعي والتنموي، لدى فإن فعالية الإدارة لا تتوقف عند نوعية وأعداد العاملين بها بل هي ترتبط بالأساس بمدى ترشيد وعقلنة الهياكل الإدارية ووسيلة للتسيير والتدبير العمومي الذي تنهجه الحكومات ليس فقط على المستوى الداخلي بل كذلك على المستوى الخارجي أو في إطار الانخراط في النظام العالمي – العولمة – والتي بلا شك لها انعكاس واسع على الدولة وأجهزتها الإدارية . 


فكان الإصلاح الإداري أحد الرهانات الكبرى وأهم الخيارات الإستراتيجية التي تعطي للبلد أو الدولة القوام لمواجهة التحديات والإكراهات التي تحول دون تحقيق تنمية اجتماعية اقتصادية وإدارية . 

ومن هنا يمكن صياغة إشكالية مركزية تنطوي على التساؤل التالية : 

كيف يساهم الإصلاح الإداري في تحسين التدبير العمومي؟

ومن خلالها نستخرج التساؤلات التالية :

ماهي مبررات ودوافع الإصلاح الإداري؟

ما هي تجليات الإصلاحات الإدارية التي نهجها المغرب؟

ثم ما هي المعيقات التي تحول دون بلوغ الإصلاحات الهدف منها؟

وما هي سبل تجاوزها؟

المبحث الأول : السياسة العامة للإصلاح الإداري كتقنية للتدبير العمومي :


أضحى الإصلاح الإداري حتمية وضرورة تفرضها عوامل داخلية نابعة من الإرادة المجتمعية, و خارجية مرتبطة بالإنخراط في المنظومة الدولية, فماهي إذن مبررات وتجليات هذا الإصلاح . 

المطلب الأول : دوافع ومبررات الإصلاح الإداري :

أولا-تقادم الأساليب المتبعة في التدبير الكلاسيكي :


إن اعتماد الإدارة المغربية في معاملاتها على أساليب وطرق تدبيرية متجاوزة، أصبح يشكل عائقا كبيرا أمامها لتحسين مردوديتها وجودة خدماتها المقدمة للمرتفقين، خاصة وأن جل الإدارات في الدول النامية بشكل عام، تعاني من الانغلاق تجاه تجارب الدول الأخرى في ميدان الإدارة، وبالتالي عدم الاستفادة من التكنولوجيا العالمية والبحث العلمي والمستجدات في مجال الإدارة الذي يمكنه أن يساهم في تقدم وازدهار هذه الأخيرة .

وقد بدأت التقنيات الإدارية تتقادم خاصة بعد الثورة التكنولوجية التي شهدتها الدول المتقدمة، فكان لزاما على هذه الدول ومنها المغرب أن تستبدل الطرق والأساليب المتبعة والتي أبانت عن قصورها، واستبدالها بالتقنيات المتطورة كالحاسوب والأساليب التكنولوجية الأخرى التي من شأنها ترشيد عمليات اتخاذ القرارات داخل الإدارات وبالتالي الرقي بمستوى حسن تدبير هذه الإدارات .


وقصد بلوغ هذه الغاية، فقد عمل المغرب بالأساس، على تجاوز التقنيات التي كان يعتمدها وإنشاء بنيات أخرى كفيلة باحتضان التكنولوجيا والأساليب المتقدمة بما يتماشى ومتطلبات الإصلاح الإداري . فبدل اعتماد الإدارة على تقنيات متقادمة قد تضيع الوقت والجهد وتزيد من التكاليف، فإن الهدف من الإصلاح الإداري هو توفير وسائل وتقنيات أخرى أبانت عن نجاعتها في تجارب أخرى وفي دول أخرى متقدمة بما يخدم صالح المؤسسات العمومية، فكان إدراج الحاسوب في جميع مستويات الهرم الإداري أبرز تقنية حديثة 

ومتطورة يتم العمل بها داخل الإدارة كبديل عن أي تقنية أخرى أو أسلوب في العمل أبان عن تقادمه . هذا من جهة وسائل عمل الإدارة والتي كان من الضروري استبدالها بما يخدم أكثر. كما أن الأطر الإدارية التي تعمل داخل الإدارة المغربية أصبح ضروريا تزويدها بأطر ذات مستويات تعليمية عالية من خريجي معاهد وجامعات، كون الاقتصار فقط على الأطر ذات الخبرة والتمرس الإداري وتكليفها بمهام المسؤولية أصبح أسلوبا متجاوزا في تدبير الإدارات العمومية، خاصة وأن هذه الشريحة من الموظفين تتميز بطابعها التقليدي المفرط في التسيير، لدى وفي إطار تحديث الإدارة وتجاوز الممارسات التي لا تخدم الإصلاح، فإن إعطاء الفرصة للشباب وخريجي الجامعات والمعاهد الحاصلين على شهادات ودبلومات متخصصة، يعتبر بمثابة خطوة جريئة لتجاوز اعتماد تسيير الإدارة على أطر تقليدية وبالمقابل تشجيع الأطر الشابة التي تتميز 
بمبادئ التسيير والتدبير الحديثة إضافة على قدرتهم الكبرى على التأقلم والمرونة مع الإصلاحات التي تنصب على الإدارة .

أما بخصوص، أساليب الإدارة في التواصل مع الجمهور، فهي الأخرى تعاني من عدة نقائص أبانت عن عدم فعاليتها ونجاعتها فكان اعتمادها يستدعي استبدالها بطرق وأساليب أخرى تتماشى مع دواعي الإصلاح الإداري، فبالرجوع لخطاب صاحب الجلالة في 12 أكتوبر 1999 بالدار البيضاء، فإنه أشار إلى ضرورة فتح وتقريب الإدارة من المواطنين بل الأكثر من ذلك الملامسة الفعلية والميدانية لمشاكلهم . فإذا كانت الإدارة من قبل تعرف حاجزا بينها وبين الجمهور الشيء الذي كان يحول دون تواصل حقيقي يجمع بين الإدارة والمرتفق، خاصة وأن النمط التقليدي والعقلية السلطوية المتسلطة كانت هي السائدة إضافة إلى القمع والمحسوبية وسوء تعامل بعض المسؤولين المخزنيين مع المواطنين كرس النفور من التعامل مع 
الإدارة لدى المواطنين وبالتالي فالشعور بالضعف أمام تصرفات الإداريين السلطوية يتحول إلى تخوف ونفور من اللجوء إلى الإدارة والتعامل مع المسؤولين فيها . 

لذلك فإن إتباع الإدارة لأساليب قمعية وممارسات سلطوية تجاه المواطنين أصبح يتطلب تغييرا جذريا لهذا الأسلوب، والدليل على ذلك ما جاء به خطاب صاحب الجلالة كما سبق الإشارة إليه خاصة وأن الأساليب التي كانت متتبعة أبانت عن قصورها وتقادمها، وعدم ملاءمتها للوضع الحقوقي والاقتصادي للمغرب .

لدى فقد تم العمل على إعادة النظر في أسلوب ممارسة السلطة وتطوير إطار اللاتركيز الإداري باعتباره بديلا عن الأساليب الإدارية المتقادمة .

ثانيا- ­تزايد الاهتمام بضرورة تحسين التدبير العمومي :


إن الإصلاح هو إحداث تغيرات مستمرة في هيكل تنظيم الدولة، والإدارة بذلك جزء من الدولة، وإصلاح الإدارة جزء من عمليات التغيير التي تشمل كافة هياكل التنظيم إلى جانب مجالات أخرى يشملها التغيير كالاقتصادي، الاجتماعي والسياسي والفكري .

فالإصلاح الإداري يجب أن ينبني على مبدأ التجربة والخطأ وتغيير النظرة بين الصواب والخطأ نحو التنظيم الإداري من فترة لأخرى .

فالإدارة بدورها، معرضة لنجاح بعض التجارب وفشل أخرى وتبني بعض الأساليب الحديثة مقابل تقادم أخرى، واعتماد ممارسة بعض الأساليب وتغييرها لعدم مسايرتها للطموحات والاستطلاعات .

لدى فإن مبررات ودوافع الإصلاح الإداري ليست مجرد مسايرة للتحديث بل أصبحت ضرورة قصوى، قد تكون لها نتائج عكسية وسلبية إذا لم يتم اللجوء للإصلاح كلما أبانت الأساليب المتبعة عن قصورها .

ويمكن القول بأن دوافع الإصلاح تكون داخلية أو خارجية أي بفعل دوافع نابعة من الإدارة نفسها، أو لدوافع دولية مرتبطة أساسا بالعولمة أو بمؤسسات دولية .

فما هي دوافع ومبررات الإصلاح الداخلية والخارجية؟

أ- الدوافع الداخلية : إن الإصلاح الإداري جاء نتيجة لعدة تطورات ثقافية واجتماعية وسياسية عرفها المغرب، حيث أصبح المجتمع المدني واعيا بضرورة الإصلاح، بل الأكثر من ذلك أصبح يدافع عن مشروع إصلاحي شامل، 
خاصة وأن الإدارة مطالبة هي الأخرى على جانب الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية بالمساهمة في تدبير الشأن العام و تسخير أحدث التقنيات والوسائل الحديثة للتواصل مع جمهور المرتفقين .

إن مبادرة الإصلاح تكون إما من الداخل، أي أن تكون بمبادرة من العاملين داخل الإدارة قصد تغيير سلوك أو ممارسة أبانت عن عدم صلاحياتها، وإما أن يكون الإصلاح من الخارج وهنا يكون الإصلاح عبارة عن عملية فوقية تصدر من أعلى الهرم السياسي أي من القيادة العليا للمجتمع وبذلك يكون الإصلاح ذاتيا من خلال مبادرة الحكومة بذاتها بتصحيح أخطاءها عن طريق التقييم والمتابعة ونهج الوسائل العملية لتحسين أساليب العمل وتنظيم الخطوات العملية للإدارة .

ومن تم فالإصلاح الإداري بمفهومه الذاتي يتخذ طابعا تلقائيا ومستمرا وذلك راجع بالأساس لتفشي وتنامي وظهور أو تفاقم بعض الأوضاع التي تستدعي الشروع في مبادرة الإصلاح، وهذه المبررات والدوافع الداخلية الرامية للإصلاح الإداري يمكن إجمالها في بعض نقط كالتالي :

فحيث ان عملية الإصلاح الداخلية، هي مجموعة من العمليات التقويمية الهادفة إلى تنمية الجهاز الإداري للدولة، فإن دوافع الإصلاح تبتدأ من مرحلة :

1- الإحساس بضرورة التغيير ، والإصلاح يتم بعد ذلك 
نقل هذا الوعي والإحساس إلى عناصر التنفيذ في الجهاز الإداري للدولة ليتعود كل من يتقاطع مع هذه الإجراءات الإصلاحية على الوضع الجديد ( الأطر، الإداريين وباقي شرائح المجتمع من مرتفقين ). وبالتالي فإن مراحل الإصلاح شقين، مرحلة الإحساس بالحاجة 
إلى الإصلاح الإداري، ومرحلة تنفيذ التغيير . وبذلك فإن أول داعي ومبرر للإصلاح الإداري يرتبط بظهور عوارض واختلالات تؤدي إلى خلق الإحساس 
بالحاجة إلى الإصلاح، وبذلك فالإصلاح الإداري هو إحساس اجتماعي قبل أن يكون إحساس إداري، ففي مجتمع يتصف بالتبلد الفكري فإن أفراده لا يشعرون بالأعراض المرضية التي تستدعي التدخل لعلاجها، وفي هذه الحالة قد تظهر مؤثرات خارجية تتدخل لتحرك الإحساس بهذه العوارض بل والمبادرة في تقديم العلاجات جاهزة. (كما سيتم التطرق إليه لاحقا ).

بالإضافة على تنامي الإحساس بضرورة الإصلاح الإداري من داخل الإدارة نفسها، فإن هناك عدة مشاكل تقنية داخلية للإدارة تعتبر هي الأخرى من المبررات الداعية لإصلاح الإدارة نذكر منها :

2- تضخم ظاهرة البيروقراطية داخل الإدارة : ( مبرر للإصلاح الإداري )

باعتبار التعريف السائد للبيروقراطية وهو البطء والروتين وتعقد المساطر والإجراءات المتبعة داخل الإدارات، فإن هذه الظاهرة تتمثل في عدة مظاهر، تستدعي تجاوزها عن طريق سن إصلاحات جوهرية للتخلص من هذه الأسباب والتي هي كالتالي :

← يتمسك الإداريين بحرفية القوانين واللوائح باعتبارها مصدر قوة في مواجهة المتعاملين مع الإدارة بدل تكريس هذه المساطر والقوانين لخدمة المواطن والسهر على مصلحته .

← تعدد مستويات التنظيمات الإدارية، أي التدرج الإداري مما أفضى إلى خلق فجوة عميقة بين القمة والقاعدة وبالتالي فإن جل القرارات المتخذة غالبا ما تتخذ في إطار تواصلي غير ملاءم .

← ضعف تفويض السلط، والمركزية الشرعية عند اتخاذ القرارات الإدارية يؤدي إلى تأخر اتخاذ القرارات وكذا تكدس الأعمال نتيجة انتظار الموافقة من الجهات العليا، وما يسببه ذلك من ضياع للوقت لا مبرر له، الشيء الذي يكرس نوعا من عدم الرضى في نفوس العاملين بالإدارة وكذا المتعاملين معها .

وبالتالي فإن هذه الممارسات تزكي الإحساس بأن الإصلاح يعتبر الحل الوحيد للتخلص من الرتابة والجمود، من خلال تبني نظام إصلاحي .

3- تعقد الإجراءات وتعدد المساطر الإدارية : إن التدبير العمومي، يعاني من عدة مشاكل وإكراهات تستدعي نهج سياسة للإصلاح تحترم فيها مجموعة من المبادئ التي من شأنها أن تدعم حسن تسيير الإدارات والمؤسسات العمومية، إلا أن انتشار بعض الممارسات اللأخلاقية يزيد من الإحساس بأن إصلاح الإدارة لا يعتبر مجرد اختيار بل هو إجراء يجب اللجوء إليه، 
ويمكن جرد هذه الممارسات فيما يلي :


← استغلال النفوذ ممارسة تستدعي إعادة النظر وسن عدة إصلاحات : إن القانون والدستور يضمن للمواطن أيا كان المساواة في الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الإدارة، إلا أن استغلال النفوذ واستفحال ظاهرة الوساطة والمحسوبية والزبونية به يجعلنا أمام تناقض صارخ لمبدأ العدالة 
الاجتماعية .

← الرشوة: والرشوة تعني الاتجار بالخدمات التي تقدمها الإدارة العمومية مبدئيا بدون مقابل وبذلك المساس بمبدأي المجانية والمساواة .

إلا أن المثير في الأمر هو أن هذه الممارسة أصبحت تجد مكانها بين فئة عريضة من أفراد المجتمع باعتبارها ممارسة تسهل التعامل مع الإدارة وكذا تجاوزا لرتابة وتعقد المساطر الإدارية، لكن المبالغة من جهة وارتفاع الوعي من جهة أخرى وتناقض هذه الممارسة مع المبادئ الأساسية للقانون، كانت كلها عناصر تزكي الإحساس والحاجة إلى إصلاح إداري يعمل على القضاء على هذا النوع من الممارسات التي من شأنها المساس بحسن التسيير والتدبير العمومي للإدارة . 

ب- الدوافع الخارجية للإصلاح الإداري :

بعد الحرب العالمية الثانية بادرت الدول المتقدمة بتقديم مساعدات إلى الدول السائرة في طريق النمو في صيغة برامج ومشاريع، بقصد مساندتها في تجاوز الأزمات التي كانت تواجه كافة الميادين إلا أن الهدف الحقيقي لهذه الدول كان هو بسط النفوذ . وكانت مساعدات هذه الدول بغض النظر عن المالية، خطط وبرامج ومشاريع انطلقت منذ 1950 حيث عملت الدول المتقدمة على تقديم مساعدات في مختلف الميادين وذلك لدعم وتطوير إمكانيات الدول النامية في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، وبذلك فإن الإصلاح الإداري وإن كانت له دوافع داخلية نابعة 
من واقع الإدارة الداعي لضرورة التغيير، فإن العوامل الخارجية هي الأخرى تعتبر مبررا قويا لنهج سياسة الإصلاح .

1- دور المنظمات الدولية في الإصلاح الإداري وعلى رأسها PNVD 1996 برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مجال التنمية الإدارية والذي جاء بعدة إصلاحات إدارية وتقنية على المستوى الكمي والكيفي، في إطار برنامج تحديث الإدارة المغربية والمتمثل في تعزيز اللامركزية بواسطة عدم التمركز وتبسيط التسيير وعقلنة تدبير الوسائل البشرية ، وقد تضاعفت أعداد المؤسسات الدولية 
الرامية للتعاون الدولي والتنمية   المستديمة في المجال الإداري حيث تم تخصيص ما يعادل 58% من مصادر هذه المنظمة لخدمة هذا البرنامج التنموي .
وقد عملت منظمة الأمم المتحدة على الزيادة في الإمكانات المرصدة للمساعدات التقنية للبرنامج الإنمائي وتم التركيز أكثر على الاهتمام بالمجال الإداري نظرا لأن هذه الفترة كانت لحظة الوعي بإلزامية التنمية في هذا المجال .

كما أن تزايد الأزمات المالية في بداية الثمانيات يعتبر هو الآخر داعيا بديهي لتزايد الاهتمام بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها الإدارية لما لها من وضع محوري داخل منظومة التنمية باعتبار أن أي عجز إداري من شأنه تأخير تنفيذ المشاريع التنموية وعدم النجاعة في تقديم خطط تنموية ورسم السياسات الإنمائية وتنفيذها طبقا للأهداف الإصلاحية المبرمجة .

وتجاوزا لهذا العجز أو الاختلال الذي قد يتسبب عن عجز في البنيات المجتمعية، فقد تم الشروع في العمـــل على صياغة برنامج شامل يتعاون مع برنامــج منظمة الأمم المتحدة للتنمية الخاص بالإصلاح الإداري في إطار برنامج دعــــــم « البرنامج الحكومي للإصلاح الإداري»، أي عقد تعاون بين الحكومة المغربية ومنظمة الأمم المتحدة قصد مؤازرة الحكومة لتحديث الجهاز الإداري وتحسين تدبيره ومردوديته .

وبذلك ساهم البرنامج في دعم القدرات التدبيرية ومواكبة عمليات الإصلاح على المستوى الترابي وبذلك كان للبرنامج الإصلاحي هذا أن طور المؤهلات العملية والتدبيرية من خلال الحلقات التكوينية للمنظمة، وقد تم صرف ما يناهز 260.000.00 دولار أمريكي وهي الحصة التي تم صرفها من ميزانية البرنامج لتزويد العمل الإداري بالآليات والوسائل اللازمة، أي بنسبة 15% من الميزانية الإجمالية للمشروع و36% من حصة مساهمة حكومة المغرب في هذا المشروع .

وبهذا فإن برنامج الأمم المتحدة للتنمية عمل جنبا إلى جنب مع الحكومة المغربية سعيا في تحديث القطاعات العامة وإصلاح الإدارة .

كل هذه المشاريع والإصلاحات التي مست القطاع الإداري بالمغرب كانت بفعل عوامل خارجية وردود فعل غير ذاتية، إلا أنها كانت المحفز والدافع لإقامة مشروع مجتمعي وإصلاحي للوضع القائم .

2- دور المؤسسات المالية الدولية في الإصلاح الإداري :

بعد التحولات التي طرأت على الأدوار والمهام المناطة بالإدارة، وحيث لم تعد تقتصر على تطبيق السياسات الحكومية وتنفيذ قراراتها، بل أصبح لها دور اتخاذ القرارات وتحديد المخططات والعمل على تنفيذها في إطار الخطط الإنمائية لدى فالإصلاح الإداري، والاهتمام بحسن التدبير العمومي لم يعد ينحصر فقط على حكومات الدول، بل أصبح مسؤولية مشتركة بين   باقي الدول المتقدمة لدعم الدول النامية، وهكذا فقد عمل البنك الدولي على منح عدة مساعدات لدعم تحسين نظام الإدارة، من خلال مشروع التنمية الشاملة الرامي لإحداث تغيير مجتمعي وشامل لجل القطاعات، خاصة بعد تقرير البنك الدولي الذي كان نزولا عند رغبة جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني لسنة 1995 بإصدار تقرير مفصل وموضوعي حول وضعية المغرب، والذي جاء بعدة ملاحظات صريحة حول وضع الإدارة المغربية والتي تعرف عدة ممارسات وسياسات لها انعكاسات سلبية ناتجة بالأساس عن تركيز الثروة والسلطة الشيء الذي يستدعي بدون شك لضرورة نهج سياسة إصلاحية علاجية وتقويمية للوضع الداخلي لإدارة المغرب .

وللتركيز أكثر على ما جاء به تقرير البنك الدولي المنصب على تشخيص دقيق لوضع الإدارة المغربية يمكن التعرض للملاحظات التالية :

← روتينية الإدارة المغربية من حيث التسيير المتبع في الوظيفة العمومية، إضافة إلى فائض العاملين في الإدارة من جهة وسوء توزيعهم حسب المناصب المناسبة من جهة أخرى، انعدام الشفافية في الرواتب + ضعف الحوافز .

← ضبابية وجمود ورتابة المساطر المالية من حيث عمليات الميزانية إضافة إلى تعدد المتدخلين وتجاوز الاختصاصات وما لذلك من تأخير وعرقلة تسيير المشاريع والمخططات .

← مركزية القرارات من خلال تجميع سلطات اتخاذ القرارات، أي مركزية داخلية بالوزارات . ← البيروقراطية كعامل يعرقل أي مبادرة استثمارية داخلية 
أو خارجية .

وفي نفس الإطار فقد عمل صندوق النقد الدولي على تقديم تمويلات هامة للدول السائرة في طريق النمو، وكذا تأطيره لهذه الدول لتجاوز المعيقات والإكراهات والظواهر السلبية، التي قد تعترض مسيرة النمو عند هذه البلدان، ومن بينها المغرب، حيث يعمل الصندوق على :
- مساندة الدول في تطبيق سياساتها الماكرواقتصادية بما يخدم مصالحها التنموية .

- إصلاح أنظمتها الأساسية .

- توفير الصندوق للتمويلات المالية اللازمة في حالة مواجهة هذه الدول لأي ظروف مفاجئة .

- مساعدة الدول على تقييم الإصلاحات وتقويمها . وفيما يخص المغرب، فقد سهر صندوق النقد الدولي على تنفيذ والتزام المغرب ببرنامج التقويم الهيكلي، لمواجهة الأزمات التي عرفها المغرب إبان فترة الثمانينات وذلك من خلال دعم سياسة التقويم الهيكلي والنهوض بالقطاعات التنموية التي تعاني من مشاكل سواء مالية أو تدبيرية، وعلى رأسها ما يعاني منه 
واقع الإدارة بالمغرب، لدى فإن الإصلاح الإداري ضرورة والتزام من المغرب رغبة منه في تحسين طرق التدبير . 

3- العولمة مبرر خارجي للإصلاح الإداري : إن سياسة الإصلاح الإداري هي نتاج لعدة عوامل مترابطة ومتراصة لا يمكن نهجها في معزل عنها، فدوافع الإصلاح سواء كانت داخلية أو خارجية، لا يمكن تحريكها إلا من خلال محرك عالمي يحرك جل العالم وفي كافة الميادين، وهذا المحرك أو هذه الظاهرة هي العولمة، حيث يتم الانتقال من الحديث عن الثنائية 
القطبية إلى النظام العالمي الجديد والذي أفرز ما يعرف بالعولمة أي الشفافية والدمقرطة وحقوق الإنسان ومجموعة من المبادئ والتي لا يمكن العمل بها دون إقرار إصلاحات جوهرية وجذرية تمس المجالات الحيوية لأي بلد .

وبذلك فإن العولمة تسمى إلى تدبير آثارها عن طريق تشكيل وتغيير المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإداري بصفة جذرية .

وكذا من خلال العلاقة الموجودة بين العولمة والتحديث أي متطلبات التحديث في ميدان التسيير والتدبير خاصة (المستوى الإداري ). وبهذا فإن الدول مجبرة على الانخراط في موجة العولمة كرة الثلج)، وذلك قصد احتلال مكانة داخل المنظومة الدولية وكذا التلاؤم مع التحولات الدولية الاجتماعية والاقتصادية وما تستدعيه المنافسة الدولية من توفر 
بنيات دينامية، ذات مستوى وكفاءة عالية في التسيير والتدبير الإداري قادرة على مواجهة التأثيرات الدولية واتخاذ القرارات المصيرية . العولمة وتكريس حقوق الإنسان : باعتبار العامل البشري هو محرك التنمية إما باعتباره مهما في إنتاجها أو في استهلاكها، لدى فحقه بالتمتع بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والإدارية أمر أساسي، لدى فقد تم فرض مبادئ حقوق الإنسان على الدول خاصة وأن وضع الإنسان ومدى احترام حقوقه ينعكس 
إيجابا على عملية التنمية الإدارية .

← العولمة وتفعيل الديمقراطية الإدارية . ← بعد أن أظهرت الإدارة التقليدية – الكلاسيكية قصورها، وعجزها في مواجهة التحديات ومعالجة القضايا 
الأساسية التي بدأت تعاني منها كانخفاض المردودية وتدني الجودة وسوء التدبير والتسيير .

ومرد ذلك هو تهميش العاملين في التنظيم وعدم إشراكهم الفعلي في عمليات التخطيط والتدبير والتنسيق ...

وبالمقابل فإن متطلبات العولمة والانفتاح والشراكة في مختلف الميادين يفرض القيام بإصلاحات إدارية تسهل الاستفادة والتعامل بين الدول .

لذا فإن تفعيل الديموقراطية الإدارية من خلال إشراك العاملين في العملية الإدارية وإعطاءهم المزيد من الاهتمام وتحميلهم المسؤولية وخلق لديهم نوع من الرقابة الذاتية .

ويتمثل الإصلاح الإداري من خلال تفعيل الديموقراطية الإدارية عبر :

- خلق مناخ سياسي ومجتمعي مهيأ لإحداث تغيرات جذرية في البنيات الإدارية .

- الاعتماد في تحقيق التنمية الإدارية على قدرات الإدارة الذاتية .

- حل الإشكالات الإدارية بطرق عقلية بعيدة عن البيروقراطية .

كل هذه الإجراءات، تجعلنا أمام ضرورة نهج إصلاحات إدارية جذرية يفرضها الواقع الدولي كشرط للانخراط في الركب الدولي .

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.