أي استقلال للمغرب وواجهته المتوسطية تحت قبضة الإسبان؟
ذكرى استقلال المغرب مناسبة للرجوع بالذاكرة الجماعية المغربية إلى مرحلة سابقة من الجهاد والمقاومة ضد المستعمر الفرنسي والإسباني، وهي ذكرى كذلك للترحم على شهداء الوطن. لكنها كذلك مناسبة لتذكير كل من نسى أو تناسى وجود مناطق مغتصبة من ترابنا العزيز. ففي الجهة الشمالية لازالت اسبانيا مستولية على مدينتي سبتة ومليلية وعلى جزر أخرى تطوق بها شواطئنا على البحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر الشريان
الحيوي للاستعمار ومصالحه الآنية والمقبلة، ونخص بالذكر : جزر ملوية أو الجعفريات الثلاث وتقع على بعد أربع كيلومترات من الشاطئ المغربي قرب راس الماء، وجزيرة النكور التي تقع على شاطئ الحسيمة، وكذلك جزيرة بادس وتوجد وسط الطريق الرابط بين سبتة ومليلية وتبعد بحوالي 120 كلم من جبل طارق و160 كلم من مالقة، وكذلك جزيرة البوران وجزيرة تورة – ليلى – المعدونس.
كيف يمكننا أن نحتفل بذكرى استقلال المغرب ونحن نعلم بأن المستعمر خرج من الوطن ليدخل من الجيوب؟ كيف يمكن لنا أن نتحدث عن النصر والهزيمة اليوم وعلى بعد كيلومترات قليلة لا زال المستعمر الإسباني يعبث بحسناواتنا سبتة وامليلية، دون أن نحرك ساكنا؟ إلى متى هذا الصمت؟ إن كنا قد بعناهما في سوق النخاسة، فليصرح مسؤولينا بذلك. إن كنا لازلنا نعتبرهما جزءا من وطننا، فماذا فعلناه لاسترجاعهما؟ ثم من يستفيد من بقاء دار لقمان على حالها؟
في الحقيقة مع ضعف الحس الوطني وغلبة المصلحة الشخصية وعبث بعض المسئولين بمصالح الناس، لا أحد يسأل عما تبقى من أراضينا فالكل يستفيد: فاسبانيا تستغل فقر المغاربة المادي وتلاشي قيم المواطنة عندهم، كما تستفيد من تخلف المناطق الشمالية وضعف بنياتها التحتية وغياب حكامة جيدة في التسيير والتدبير. المواطن المغربي الذي يسكن داخل أو بجوار المناطق المغتصبة يستفيد بدوره من المجهود الذي تقوم به إسبانيا داخل هذه المناطق، من حقوق إجتماعية واقتصادية. ويستفيد من الفوضى العارمة على حدود المدينتين. فالمستعمر الإسباني ممثلا بجماركه ينظر متفرجا في الفوضى من الجهة الخارجة عن سيطرته والتابعة للجمارك المغربية. لخمسين سيارة يستغرق العبور ثلاث ساعات. فالجمارك المغربية لا تقوم بتنظيم المواطنين أثناء العبور، بل تساهم في خلق جو من الفوضى من خلال بعض السماسرة الذين بتواطؤ مع بعض رجال الشرطة الجمركية (على حد تصريحاتهم)، يعدونك مقابل بعض الدراهم، بتجاوز أزمة الزحام وختم الجوازات في بضع دقائق أو ثواني دون أن تتحرك من سيارتك وبدون ملئ ورقة الخروج من الأراضي المغربية. في وقت يطول فيه وقوف مواطنين آخرين يرفضون التعامل بهذه الطريقة أو لا يستطيعون أن يؤدوا الثمن لهؤلاء السماسرة. لتجاوز كذلك أزمة ازدحام السيارات يجد لك منظم السيارات طريقا فوق البحر مقابل أجر. وهناك من يبيع لك الأوراق البيضاء الخاصة بالشرطة الجمركية المتعلقة بالخروج والدخول من الأراضي المغربية المستقلة متوجها إلى خارج الوطن، ولإخراج البضائع والسلع المهربة هناك ثمن كذلك. فتجد مشاكل ومعيقات كثيرة لتجاوز الجمارك المغربية أكثر من الجمارك الإسبانية. عندما سألت جمركيا مغربيا لماذا تتفانون في مراقبة المغاربة المتوجهون لسبتة السليبة ونحن في بلدنا وهذه مدينتنا، فكيف ندخلها بمراقبة مغربية؟ وكيف تسهرون على أمن الإسبان؟ أجابني الجمركي: "لست أدري، فنحن بهذه الطريقة نعترف بالتواجد الإسباني، لكننا نقوم بهذا العمل لمراقبة المجرمين والهاربين من الوطن".
فالجمارك المغربية تقوم بأكثر مما تقوم به الجمارك الإسبانية. فهي تشعرها بالأمان وتدفعها للبقاء أكثر بالمنطقة وتشرعن وجودها من خلال مراقبة مواطنيها بتلك الصورة وكأنهم يتوجهون لخارج الوطن. لماذا لا يتم تخصيص مكاتب خاصة بالمهاجرين، مادمنا في منطقة عبور دولية، وفي نفس الوقت تخصيص مكاتب وطنية فقط لمراقبة الهاربين والمجرمين والمهربين للأموال وأشياء أخرى؟ لماذا لا يتم تشجيع وتسهيل مرور المغاربة المقيمين ببلدهم المغرب إلى مدينتى سبتة ؟ أليس في ذلك دعم للقضية الوطنية حيث سيسهل على المغاربة وأطفالهم التعرف على مدينتهم وتكبر في وجدانهم؟ لماذا لا تخصص رحلات خاصة لأبناء المدارس لها؟ لماذا لا يتم توزيع بعض الوثائق للتذكير بمغربة المدينة؟ لماذا لا يتم إنشاء على قرب من الجمارك متحفا خاصا بتاريخ المدينة ومكتبة توثق لها، كما هو الحال بالنسبة للحدود الأمريكية المكسيكية التي طالما طالبت المكسيك ب"نيو مكسيكو" كمنطقة تابعة لها وليس للتكساس في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تراجع الإحساس بهذه المدينة وتراجعت كذلك بعض المكتسبات، مثل سهولة دخول سكان المنطقة المجاورة للمدينة فقط بناء على بطاقات التعريف الوطنية عوض الجوازات. والطريف في الأمر، أن مواطنينا المغاربة يحرصون دون وعي منهم في تكريس هذا الوضع. فمثلا إذا كانت القوانين المتعلقة بتنقل الأفراد في "مجال شنغن" تفرض جوازات سفر على كل أفراد العائلة حتى الطفل الرضيع، فإن هذه النظام لا يمكن تطبيقه على أرض مغربية مغتصبة. إلا أن المراقب لسلوك المغاربة يرى أن المغربي يسارع في إعطاء الجواز الخاص بالأطفال حتى ولو لم يطلب منه، افتخارا منه على أنه قادر على الإستجابة لكل المعايير المطلوبة في المهاجر المغربي على المقاس الأوربي. وهو بذلك لا يعلم بأنه يعترف بسبتة ليس فقط كجزء من إسبانيا بل كذلك كجزء من أوروبا. وإسبانيا بكل فخر واعتزاز تضع على مدخل المدينة سبورة حديدية كبيرة وعالية، كتب عليها أن مدينة سبتة تابعة للمجموعة الأوربية، وفي هذا ترهيب وإعلام بوضعية المدينة القانونية وترسيخ لأسبنة المدينة، مستعملة في ذلك سياسة الجزر والعصا، مع الإستمرار في تجاهل مطالبنا المشروعة وتكريس سياسة الأمر الواقع بأساليب مختلفة، آخرها زيارة العاهل الإسباني للمدينتين المحتلتين، مواصلة في ذلك سياسة جس النبض وترقب رد الفعل ودراسة رد الفعل وهكذا....
إسبانيا مهما طال بها الأمد تبقى في حرج من أمرها وفي قلق دائم لأنها فوق أرضنا وبعيدة عن أراضيها، لكننا نحن المسؤولين عن استمرار تواجدها، إذ نشعرها بالراحة والأمان. وهي كذلك تكبل أيدينا بمساعداتها ودعمها المادي لجمعياتنا ولمشاريعنا التنموية وأحيانا لأبحاثنا العلمية وتظاهراتنا الثقافية، لدرجة أصبحنا نميز بين الإسباني المستعمر والإسباني الشريك، بل في أحيان كثيرة بدأنا ننسى الإسباني المستعمر ونضرب على يد المستعمر الشريك. ألفناه لدرجة أدخلناه بيوتنا، ومدارسنا وجامعاتنا وبدأنا نطلب وده ليرضى علينا. فأصبح أي عمل لا يحضر فيه الإسباني والأجنبي عموما وكأنه غير ذي قيمة وأهمية ، مع أن تحريك الطاقات الوطنية بطريقة وطنية وبفكر وطني، يجعلنا بمنأى عن كل تطبيع مع أعداء الوطن والوحدة الترابية لبلدنا. فالخطير في الأمر أن نألف الوضع ونتعود عليه، فيتم بعد ذلك تطبيع العلاقات دون رجوع المناطق المغتصبة. ولعل ما لاحظته وأنا لأول مرة فوق شواطئ الحسيمة وعلى مقربة من جزيرة النكور، حيث ينفطر قلبك وأنت ترى الصخرة بقرب الرمال بعشرة أمتار ولا تستطيع قدماك أن تطأها، بل أكثر من ذلك، تعود سكان الحسيمة على هذا الوضع لدرجة أصبح الأمر عاديا بالنسبة لهم.
كما أن المكانة المتقدمة التي أحرزها المغرب في علاقته بالمجموعة الأوربية، تجعله غير قادر على مواجهة إسبانيا المحمية بها . إذ أن المخاطب الآن ليس إسبانيا لكن المجموعة الأوربية، التي لن تسمح بمس الوحدة الترابية لإسبانيا ولحدودها. فإسبانيا تستفيد استراتيجيا من مدينة سبتة وتفيد المجموعة الأوربية التي هي عضوة رئيسية في الحلف الأطلسي، الذي يبحث عن قواعد بحرية مهمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ملتقى الحضارات وبؤرة الصراع.
لذلك لا يمكن الحديث اليوم على الإتحاد من أجل المتوسط أو التعاون الأورو متوسطي دون الفصل في القضايا العالقة وعلى رأسها الأراضي المغتصبة. لا يجب أن يكون المغرب متسرعا أو قلقا، فهو يملك وضعية جيوستراتيجية مهمة، إلا أن قوته وأهميته مرتبطة باسترجاع المدينتين والجزر المغربية. لأن ذلك يقلص من قيمته الإستراتيجية. فإذا كانت اسبانيا تملك أهم نقطة في الواجهة البحرية على البحر الأبيض المتوسط، ولها موطأ قدم على الحدود البحرية في المحيط الأطلسي، فأي أهمية استراتيجية تبقى للمغرب وأي قيمة اقتصادية تبقى كذلك له مادامت تمتص بمعداتها المتقدمة خيراته السمكية. فبفضل المغرب أحرزت على تلك القيمة لدى المجموعة الأوربية. فنحن الذين أعطيناها وضعية جد متقدمة لدى المجموعة الأوربية وهي الحارس الرئيسي لمصالحه الإستراتيجية والإقتصادية بالمغرب.
لكننا نأمل في التغيير. وهذا التغيير بدأنا نلمحه ونراه على مقربة منا. فالمغرب بدأ يهتم بالمناطق الشمالية وخاصة الحدودية بالقرب من جزيرة "ليلى/ثورة" ومدينة سبتة المحتلة. وأنت في طريقك إلى مدينة سبتة ترى الإنجاز الرائع الذي عرفته المنطقة من طريق سيار وخط للسكة الحديدية وميناء طنجة المتوسط محملا بالأطنان من البضائع والقناطر والمركبات السوسيو إقتصادية، كما يمكنك أن تلمح التغييرات الإيجابية التي عرفتها المناطق المجاورة لمدينة سبتة. الميناء المتوسطي الذي يعتبر أكبر ميناء في حوض البحر الأبيض المتوسط في سفح جبل موسى المطل على جزيرة "ليلى/ثورة" وذلك ليكون المنفد لمنتجات المنطقة الصناعية المقرر إقامتها في مدينة الفنيدق القريبة من مدينة سبتة المحتلة. تدشين الملك محمد السادس لأول قاعدة بحرية بمنطقة القصر الصغير على مضيق جبل طارق ولا تبعد سوى بعشر كيلومترات من جزيرة "ليلى/ثورة" وب 25 كلم من مدينة سبتة المحتلة. وكذلك الطريق السريع الذي يربط السعيدية بطنجة الذي سوف يفك العزلة عن المناطق الجبلية. كل هذا يثلج الصدر ، ويعد بمستقبل أفضل لهذه المنطقة.
سبتة وامليلية شرفنا وكرامتنا، مجدنا وعراقتنا تستباح أعراضها أمام أعيننا، وجراحها تلتقي مع جراح جزرنا المغربية المنسية . ثم بعد ذلك نحتفل بالإستقلال؟ عن أي استقلال نتحدث وأراضينا مغتصبة؟ كيف يمكن أن يهدأ لنا بال وهي سليبة؟ ومرور الزمن على الاحتلال ليس في صالح المغرب ولا في صالح القضية على الإطلاق حيث أن المستعمر يتحين كل الفرص لتعزيز بقائه وتمركز نفوذه مستعملا كل الوسائل ومسخرا كل الإمكانات الظاهر منها والخفي. وكل تماطل وتهادن أو تقصير من جانب المغرب لا يزيد الأمر إلا تعقيدا وصعوبة بالنسبة إلينا وتشجيعا للمستعمر الذي يتوسع أكثر فأكثر على حساب أراضينا. ويجب اعتبار أن استقلال المغرب لم ولن يكون تاما وكاملا إلا باسترجاع ما تبقى مغتصبا من ترابه، خصوصا بعدما حصلت كل الشعوب والأمم على استقلالها باستثناء البعض القليل منها ، فمن العار كل العار أن يبقى المغرب الشهم آخر معقل للاستعمار بعدما كان سدا منيعا في وجه الغزاة والطامعين. وكلما وجهنا أيادي الإتهام للجزائر في تواطئها مع البوليزاريو، تصفنا بالتخاذل والجبن لعدم استرجاع سبتة ومليلية. كيف ذلك، وشجاعة وبسالة أبناء المغرب يشهد لهم بها العدو والصديق ؟
وعليه فيجب على المغرب وضع خطة محكمة واستراتيجية مدققة لمواجهة التحديات المفروضة علينا والمطالبة باسترجاع الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني. ويجب عليه أن لا يرضى بالفتات ولا بالشظايا فعليه كما كان دائما وعلى حد قول الشاعر أن يعيش عزيزا أو أن يموت كريما..........
عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود
واطلب العز في لظى وذر الذ ل ولو كان في جنان الخلود.
Post a Comment