قراءة في القانون المنظم للعمالات و الأقاليم 79.00 عرف التنظيم الإقليمي عدة محطات أساسية و يعود أول نص قانوني نظم العمالات والأقاليم إلى ش...
قراءة في القانون المنظم للعمالات و الأقاليم 79.00
عرف التنظيم الإقليمي عدة محطات أساسية و يعود أول نص قانوني نظم العمالات والأقاليم إلى شتنبر 1963 الذي بقي لفترة طويلة دون تغيير، مما أفرز في تطبيقه عدة سلبيات لم تساير تطور المغرب، ولم تتكيف مع المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الجديدة، إضافة إلى هيمنة السلطة المحلية على جل أشغالها و تنفيذ قراراتها الإدارية والمالية، ولتجاوز هذا الجمود ولكي تصبح العمالات والأقاليم في نفس مرتبة الجماعات الحضرية والقروية والجهات فقد، بادر المشرع إلى إصدار قانون جديد رقم 79.00 يهدف إلى جعل العمالات و الأقاليم بالفعل مؤسسة وسيطة بين الدولة و المواطنين و فضاء مهما لتطبيق آليات الحكامة وأن هذه المؤسسة تحتضن مؤسسة أخرى قائمة بذاتها وهي الوالي أو العامل الذي يتوفر على وظائف رائدة في ميدان التنمية المحلية.
ولقد جاء القانون رقم 79.00 المنظم للعمالات والأقاليم بمستجدات مهمة تساهم في خدمة الحكامة وخصوصا على المستوى المحلي ويرمي إلى تأهيل ووضع الجماعة الوسيطة ومساواتها مع باقي الجماعات الترابية الأخرى، وجعلها تساير وثيرة التغيرات التي يعرفها مغرب اليوم، بواسطة إدخال عدة تغييرات عميقة على تحسين نظام المنتخب وعقلنة تسيير المجلس وتوسيع مجال اختصاصات مجالس العمالات والأقاليم وكذلك على مستوى الجهاز التنفيذي والوصايا، وكذا دعم آليات التعاون والشراكة .
1 ) فمن حيث تحسين وضعية المنتخب الإقليمي، تعد إدارة الشأن العام المحلي بواسطة مجالس منتخبة انطلاقا من أهمية العنصر البشري كأساس لتجسيد مضامين الحكامة وما تنطوي عليه من مضمون ديمقراطي يتمثل في تطبيق الديمقراطية في مجال الإدارة من جهة، والسمو بالعمل الجماعي إلى درجة يتحقق معها الفعالية والمردودية وجودة الخدمات، فإن المشرع أدخل على نظام المنتخب عدة إصلاحات تروم تعزيز وضعية هذه الفئة من المنتخبين ومن دعم لحقوقها وتوضيح لواجباتها حرصا على تطوير شروط تدبير شؤون العمالة والأقاليم من جهة أخرى .
تتميز العمالات والأقاليم بازدواجية طابعها القانوني والإداري، مما يجعل منها وحدات غير ممركزة تساهم فيها المصالح الخارجية باختصاصاتها إلى جانب كونها وحدات ترابية لامركزية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ويسهر على تدبيرها جهازان أساسين :
- جهاز تداولي منتخب يدعى مجلس العمالة أو الإقليم.
- جهاز معين يمثله الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم.
وبهذا الصدد فقد تضمن قانون 79.00 مقتضيات من شأنها تقوية مركز رئيس مجلس العمالة أو الإقليم، فبالإضافة إلى دوره في رئاسة جلسات مجلس العمالة أو الإقليم، والتي كان منصوص عليها في ظل النظام السابق، ثم إضافة مقتضيات جديدة بمقتضى المادة 39 من القانون 79.00 والتي تتعلق في تمثيليته للعمالة أو الإقليم بصفة رسمية في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية والقضائية
وهذه التمثيلية، تجعل رئيس مجلس العمالة أو الإقليم في وضعية أفضل من تلك التي كان عليها في ظل قانون 12 شتنبر 1963.
كما أصبح بإمكان رئيس مجلس العمالة أو الإقليم التوفر على رئيس الديوان ومكلفان بمهمة لمساعدته في أداء مهامه، إضافة إلى حقه في استعمال مصالح الدولة بالعمالة أو الإقليم للقيام بالمهام المنوطة به.
كما أن رئيس مجلس العمالة أو الإقليم، يساهم في عملية تنفيذ مقررات المجلس، عن طريق إبداء الرأي للعامل قبل اتخاذ تدابير التنفيذ، رغم أن هذا الأخير غير ملزم بإتباع هذا الرأي .
وهذا الوضع لا يتناسب مع وضعية رئيس مجلس العمالة أو الإقليم باعتباره منتخب محلي، يعبر عن إرادة المواطنين.
ويشترط في رئيس مجلس العمالة أو الإقليم توفره على مستوى تعليمي يعادل على الأقل مستوى نهاية الدروس الابتدائية، وذلك حسب ما ورد في الباب الثالث من القانون 79.00 والذي يتعلق بالنظام الأساسي، حيث يتضمن نفس الالتزامات والواجبات والإجراءات الواردة في قانون التنظيم الجماعي 78.00 المعدل والمتمم بالقانون 17.08.
2 ) أما في ما يخص دور الوالي أو العامل، انطلاقا من المقتضيات القانونية الجديدة المتعلقة بظهير 79.00 وخاصة الإضافات التي أدخلت عليه، فإن الوالي أو العامل يستمد المكانة المتميزة التي يحتلها داخل تنظيم العمالة أو الإقليم انطلاقا من ازدواجية وظيفته، فمن جهة يعتبر سلطة مركزية يتولى بموجبها تدبير شؤون العمالة أو الإقليم، ومن جهة أخرى يمارس مهام سلطة غير ممركزة إذ يقوم بمراقبة الجماعات الترابية بما فيها العمالات والأقاليم .
ويتولى الوالي أو العامل ممارسة مجموعة من الاختصاصات على مستوى العمالة أو الإقليم، اختصاصات تتعلق بتنفيذ مقررات مجالس العمالات والأقاليم، بحيث تنص المادة 45 من القانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات و الأقاليم، على أن الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم ، يتولى تنفيذ مقررات المجلس، و ذلك باتخاذ التدابير التالية :
- ينفذ الميزانية و يضع الحساب الإداري.
- يتخذ القرارات لأجل تحديد سعر الرسوم،وتعرفة الواجبات،ومختلف الحقوق طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل .
- يبرم صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات.
- يحافظ على أملاك العمالة أو الإقليم ويديرها، ولهذه الغاية يسهر على مسك جداول إحصاء أملاك العمالة أو الإقليم و تحيين سجل محتوياتها و تسوية وضعيتها القانونية ويتخذ كل الأعمال التحفظية المتعلقة بحقوق العمالة أو الإقليم.
- ينجز أعمال الكراء والبيع والاقتناء والمبادلة وكل معاملة تهم الملك الخاص للعمالة أو الإقليم .
- يتخذ التدابير المتعلقة بتدبير الملك العمومي للعمالة أو الإقليم.
- يعمل على حيازة الهبات و الوصايا الممنوحة للعمالة أو الإقليم.
- يبرم إتفاقية التعاون و الشراكة و التوأمة .
والجديد الذي جاء به قانون تنظيم العمالات و الأقاليم، وهو إلزامية إطلاع رئيس مجلس العمالة أو الإقليم من قبل الوالي أو العامل على تنفيذ مقررات المجلس وذلك بطريقة منتظمة، و يتولى الوالي أو العامل فضلا عن ذلك بمبادرة منه أو بطلب من الرئيس، جمع أعضاء المكتب ورؤساء اللجان لإخبارهم بتنفيذ مقررات المجلس، أو لتهيئ المسائل التي ستعرض عليه الدراسة .
والجدير بالذكر، أن المشرع أحدث نوع من الرقابة التي يمارسها مجلس العمالة أو الإقليم على الوالي أو العامل ، بحيث تخصص جلسة خلال الدورات العادية بطلب من الرئيس ليقدم الوالي أو العامل أجوبة عن الأسئلة التي يطرحها عليه الأعضاء، حول المسائل التي تدخل في اختصاص المجلس.
كما أن المادة 47 من القانون 79.00 تنص على توجيه طلب إلى الوالي أو العامل قصد مطابقة تدابير التنفيذ مع المقررات المتخذة من قبل مجلس العمالة أو الإقليم، وذلك بمقتضى مقرر يصوت عليه بالأغلبية المطلقة الأعضاء المزاولين مهامهم، ويوجه للوالي أو العامل طلب معلل من أجل مطابقة التدابير المعنية مع مقرراته، وإذا لم يتلقى المجلس أي جواب داخل أجل ثمانية أيام، تبتدئ من تاريخ تبليغ هذا الطلب، جاز له التصويت على ملتمس في هذا الشأن يوجه إلى وزير الداخلية.
ويتوفر وزير الداخلية على أجر شهر يبتدئ من تاريخ تسلم الملتمس المذكور لإجابة المجلس، و إذا لم يرد أي جواب أو في حالة ما إذا كان الجواب غير مقنع، أمكن لمجلس العمالة أو الإقليم إحالة الأمر على المحكمة الإدارية داخل أجل ثلاثين يوما، تبتدئ من تاريخ انصرام الأجل المحدد للجواب أو من تاريخ الإجابة غير المقنعة .
3) أما من حيث الاختصاصات المتاحة لمجالس العمالات و الأقاليم ، فالقانون 79.00 جاءت مواده المنظمة لاختصاصات مجالس العمالات و الأقاليم أكتر تفصيلا و وضوحا من الظهير 1963 حيت تم تدعيم الدور الذي تلعبه العمالة أو الإقليم في إنعاش التنمية القروية ودعم برامج التجهيز بالجماعات القروية وإنعاش التضامن بين الجماعات المكونة للعمالة أو الإقليم و تقليص الفوارق التنموية بينهما، فضلا عن تقوية الدور الموكول لهذه الجماعة الترابية في ميدان العمل الاجتماعي والثقافي وإنعاش التضامن لفائدة المناطق أو الفئات المحرومة ...، كل هاته الاختصاصات تصب في قالب واحد وهو التنمية، وذلك عن طريق حكامة ترابية تتوخى التدبير الجيد للشؤون الإقليمية بشكل فعال يخلق الثورة ويساهم في حل مختلف الإشكاليات الاجتماعية فقد تم تخصيص الفصل الأول من الباب الرابع من القانون 79.00 المتعلق بالتنظيم الإقليمي لاختصاصات العمالة أو الإقليم .
جاء القانون الجديد المتعلق بتنظيم العمالات و الأقاليم بهيكل مغاير في تصنيف الاختصاصات ، عما كان عليه الأمر في ظل القانون السابق لسنة 1963 ، حيث صنف الاختصاصات المنوطة بمجلس العمالة أو الإقليم إلى" اختصاصات ذاتية " و" اختصاصات منقولة" و"استشارية".
فبعد أن أصبح تنظيم العمالات والأقاليم أحد العوامل الحاسمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في إطار مواجهة التحولات العميقة التي يعرفها تدبير الشأن المحلي، ولإرساء سياسة جديدة للتدبير، تم منح اختصاصات مهمة و مفصلة شيئا ما لمجالس العمالات و الأقاليم .
أ - فالبنسبة " للاختصاصات الذاتية " والتي نصت عليها مقتضيات المادة 36 من القانون 79.00 فإن المجلس يتكلف بالشؤون المتعلقة بالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية المتعلقة بالعمالة أو الإقليم وكذلك برامج التجهيز والتنمية إضافة إلى الأعمال المتعلقة بالبث في إحداث مقاولات وشركات الاقتصاد المختلط، ذات الفائدة للعمالة أو الإقليم أو المساهمة فيها، إضافة إلى كل الأعمال الخاصة بإنعاش التشغيل طبقا للتوجهات والأهداف الوطنية.
ويتكلف مجلس العمالة أو الإقليم بإبرام اتفاقيات التعاون أو الشراكة مع الإدارات العمومية أو الجماعات المحلية والهيئات العمومية أو الخاصة، والفاعلين الاجتماعيين، وكذلك توقيع اتفاقيات التوأمة و التعاون اللامركزي و الانخراط والمشاركة في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية، و كل أشكال التبادل مع الجماعات الترابية الأجنبية.
أما فيما يخص باقي "اختصاصات مجلس العمالة أو الإقليم" فيتعلق جزء منها بالشؤون المالية وأملاك العمالة أو الإقليم، بحيث يتكلف المجلس بدراسة الميزانية والحساب الإداري، وكذلك فتح حسابات خصوصية وإعتمادات جديدة، رفع مبالغ الاعتمادات وتحويلها من فصل إلى فصل، و تحديد سعر الرسوم و تعرفة الواجبات ومختلف الحقوق التي تقبض لفائدة العمالة أو الإقليم، إضافة إلى التقرير في الاقتراضات والضمانات، والمحافظة على ممتلكات العمالة أو الإقليم، وتأهيلها و صيانتها، والاقتناءات والتفويتات والمعاوضات والإكتراءات و كل المعاملات المتعلقة بالملك الخاص التابع للعمالة أو الإقليم، والاحتلال المؤقت للملك العمومي .
أما "الاختصاصات المتعلقة بالمرافق العمومية والتجهيزات العمومية" فإن مجلس العمالة أو الإقليم يتكلف بإحداث المرافق العمومية و تحديد طرق تدبيرها ، و كذلك إنجاز و صيانة الطرق التابعة للعمالة أو الإقليم، والبث في إحداث المرفق العمومي للنقل بين الجماعات و تحديد طرق تدبيره.
أما "الاختصاصات المتعلقة بالشؤون الاجتماعية و الثقافية و التعمير و البيئة "، فإن المجلس مكلف بإنجاز برامج الإسكان أو إعادة هيكلة النسيج الحضري، والسكن غير اللائق بالوسط الحضري والقروي، ويقوم أيضا بالمحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي و الثقافي والفني، إضافة إلى إنعاش الرياضة وكل أعمال التضامن الاجتماعي أو ذو طابع إنساني، كما يهتم أيضا بالسهر على حماية شؤون البيئة .
ب - أما فيما يتعلق "بالاختصاصات التي يمكن نقلها من الدولة إلى مجلس العمالة أو الإقليم"، فتتجلى في الميادين الآتية:
- التعليم الثانوي والتقني: إحداث وصيانة الاعداديات والثانويات والمعاهد المتخصصة .
- الصحة : إحداث و صيانة المستشفيات و المراكز الصحية .
- التكوين المهني .
- تكوين موظفي الجماعات الترابية والمنتخبين المحليين .
- البنيات التحتية و التجهيزات، وبرامج التنمية والاستثمار التي تهم العمالة أو الإقليم .
جـ - أما فيما يتعلق بالاختصاصات الاستشارية فإن مجلس العمالة أو الإقليم يقدم اقتراحات وملتمسات وإبداء الرأي للدولة ولأي شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام، حول الأعمال الواجب القيام بها لإنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمالة أو الإقليم.
خاتـــــــــــــــــمــــة
من خلال ما سبق يتضح لنا أن المرجعية القانونية للحاكمة الترابية على المستوى الإقليمي تهدف بالأساس إلى تدارك مكامن الضعف الذي كان يطبع ظهير 1963، لذا فقد أسند عدة اختصاصات تنموية لمجالس العمالات و الأقاليم و ذلك لتحقيق نوع من المساواة مع نظيرتها الأخرى .ونعني بذلك الجماعات الحضرية و القروية و الجهات، كما يندرج ذلك في إطار إعادة تنظيم علاقة الدولة بالجماعات الإقليمية،وذلك حتى يتسنى لهاته الأخيرة المساهمة بشكل أكبر في تنشيط الاقتصاد الإقليمي وإنعاش الاستثمارات و توفير فرص الشغل وخلق بنية تحتية مهمة، و بذلك أصبحت الجماعات الإقليمية كأحد المحاور الرئيسية للتدخلات الاقتصادية إما بطريقة مباشرة أو بشراكة مع الجماعات العمومية الأخرى .
ليست هناك تعليقات