المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

الإطار العام لتدخل المجالس الجهوية للحسابات

دور المجالس الجهوية للحسابات في حماية المال العام المحلي رسالة لنيل الماستر في تدبير الإدارة المحلية            إعداد الطالب   ...


دور المجالس الجهوية للحسابات
في حماية المال العام المحلي

رسالة لنيل الماستر في تدبير الإدارة المحلية

           إعداد الطالب                                                        إشراف الأستاذ:
           جاعى الحجوجي                                               الدكتور سعيد جفري      
               
  

السنة الجامعية: 2009-2010
يعتبر المغرب إحدى الدول التي راهنت منذ السنوات الأولى من الاستقلال على الخيار اللا مركزي باعتباره الأسلوب الأكثر نجاعة، وذلك من خلال فسح المجال لوحدات ترابية لا مركزية لتضطلع بمسؤولية تدبير الشؤون المحلية، بكل أبعادها إلى جانب السلطة المركزية .[1]
وفي هذا الصدد، وحرصا منه على حماية المال العام المحلي من التبذير وسوء الاستعمال، أولى المشرع المغربي منذ فجر الاستقلال أهمية خاصة لتقنية التدقيق والرقابة على هذا المال، حيث بادر إلى تغيير مجموعة من القوانين التي تحكم المالية العامة[2].
 في نفس السياق تم إخضاع الجماعات المحلية وهيئاتها لعدة أنواع من الرقابة والتدقيق تتعدد بتعدد الأجهزة  الممارسة لها.[3]
من هنا فإن التفكير في ضرورة إسناد هذه الرقابة إلى جهاز محايد، وبالتالي منحها للقضاء باعتباره الهيئة الوحيدة، التي تقدم كل الضمانات المطلوبة لحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات.[4]
هكذا نص دستور1996بمقتضى الفصل الثامن والتسعون على إحداث مجالس جهوية، يعهد إليها ممارسة الرقابة العليا على حسابات وتسيير الجماعات المحلية والهيئات التابعة لها، محيلا على القانون الجديد تحديد  اختصاصات  هذه  المجالس وطريقة عملها، وتطبيقا للمقتضيات الدستورية ، صدر القانون رقم  99-62  بسن مدونة للمحاكم المالية بتاريخ يونيو 2002. [5]الذي شكل نقلة نوعية لنظام الرقابة ببلادنا، وذلك من خلال اقتراح مفاهيم جديدة ضمن رؤية مستقبلية ذات بعد شمولي لآليات المراقبة، من شأنها أن تجعل مختلف مكونات المنظومة الرقابية الوطنية وحدة متكاملة ومتناسقة.
وبالرجوع إلى القانون رقم 99 -62  المتعلق بمدونة المحاكم المالية. (المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات)، نلاحظ أنه خصص الكتاب الثاني منه للمجالس الجهوية للحسابات ( المواد من  116 إلى 164) بحيث تناول في الباب الأول الاختصاصات والتنظيم. فيما تناول في الباب الثاني الاختصاصات والمساطر. وقد خصص الباب الثالث لمقتضيات عامة ومختلفة.
وللإحاطة بالإطار العام  لتدخل المجالس الجهوية للحسابات ارتأينا الوقوف أولا على أسباب ودواعي إحداث المجالس الجهوية للحسابات في علاقتها بالجماعات المحلية (المبحث الأول) على أن نتطرق في خطوة ثانية إلى مختلف المقتضيات القانونية المتعلقة بتنظيم وتسيير هذه المجالس (المبحث الثاني).




المبحث الأول:
الجماعات المحلية وإحداث المجالس الجهوية للحسابات
إن تبني مبدأ  لا مركزية الرقابة العليا على الأموال العمومية من خلال إحداث مجالس جهوية للحسابات، جاء نتيجة تظافر مجموعة من العوامل تمثلت بالأساس في تنامي الوعي بأهمية الجماعات المحلية، و بالأدوار المختلفة التي أصبحت تضطلع بها لأجل تحقيق التنمية  الشاملة والمستديمة. (مطلب أول)، إضافة إلى المحدودية التي أبانت عنها، أجهزة المراقبة الكلاسيكية ذات النزعة المركزية (مطلب ثان).
المطلب الأول:
 تطور الدور الاقتصادي للجماعات المحلية
يدخل إحداث المجالس الجهوية للحسابات ضمن إطار مسلسل تقوية سياسة اللامركزية واللاتركيز الإداري ببلادنا، تلك السياسة التي تخول للجماعات المحلية دورا مهما في تدبير  الشؤون العمومية ما فتئ حجمه يتزايد   باستمرار.[6]
فقد أضحت الجماعات المحلية إلى جانب الدولة والقطاع الخاص شريكا رئيسيا في التنمية الاقتصادية، إضافة إلى كونها تشكل المحيط الذي يمكن البحث في إطاره عن تطبيق وانجاز خطة تنموية متكاملة، لاسيما مع تزايد اختصاصاتها وتطور مواردها المالية.


الفرع الأول:
التوسع المضطرد للاختصاصات المحلية
أصبح الاهتمام بالجماعات المحلية، كإطار ملائم للتنمية يتزايد باستمرار،  إذ باتت تشكل في الغالبية العظمى من الدول أحد الركائز الرسمية للعمل والتدبير الاقتصادي والاجتماعي على المستوى المحلي  حيث بدأ الحديث عن الجماعة المقاولة كخيار استراتيجي لمواجهة تحديات العولمة.
وهكذا تم نقل الجماعة من مجرد أداء الخدمات الإدارية إلى التدخل الاقتصادي كتعبير عن تصور جديد للتنمية مع بداية السبعينات[7]. وبدأ المحلي يظهر كمستوى للتنظيم مؤهل للتحفيز والإبداع لأجل الانخراط في مسلسل التجديد التنمية للهياكل والبنى.
ويبدو أن المشرع المغربي بدوره قد واكب هذه المتغيرات، وأصبح يعي تمام الوعي بأهمية الدور الاقتصادي للجماعات المحلية باعتبارها رافد أساسي للتنمية، يظهر ذلك جليا من خلال الاختصاصات الكبرى التي منحها لهذه الأخيرة، في شتى المجالات ذات البعد التنموي.[8]
 إذ لا ينكر أحد أن الاختصاصات المخولة  للمجالس الجماعية هامة جدا وذلك ليس بالنظر إلى تنوع المهام المنوطة بالمسؤولين والمنتخبين والإداريين، بل كذلك لتشعب المواضيع والميادين التي تتناولها.[9]
فتبعا لمقتضيات المادة 35 من القانون رقم  00. 78 الذي تم تعديله بموجب القانون رقم 08-17  الصادر بتاريخ 18 فبراير   2009  و المتعلق بالتنظيم الجماعي. "يفصل المجلس الجماعي بمداولاته في قضايا الجماعة، ولهذه الغاية يتخذ التدابيراللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
وقد تم  توزيع هذه الاختصاصات على عدة ميادين تشمل بالأساس إعداد الميزانية والتصويت عليها، ووضع مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية  للجماعة، ووضع برامج تجهيز هذه الأخيرة على أساس الوسائل المتوفرة أو عرض الاقتراحات الكفيلة بتفعيل التنمية  المحلية على الإدارة مع المساهمة في مقاولات الاقتصاد المختلط التي تعد إحدى الآليات الحديثة في مجال التدخل  الاقتصادي للجماعة.[10]
وقد استطاعت  المجالس الجماعية بفضل هذه الاختصاصات المساهمة، بنصيب وافر في إنعاش الاقتصاد المحلي وتنشيط مسلسل التنمية، فعلى سبيل المثال بلغت مداخيلها ونفقاتها برسم سنة 2003 حوالي 20.860 مليون درهم.[11]
على صعيد آخر، انتقل حجم المشاريع المنجزة من قبل المجالس الجماعية في إطار تنفيذ مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2000-2004، من  5526 مشروع سنة 2002 إلى 8290 مشروع سنة 2004، في حين وصل عدد المشاريع المرتقبة برسم سنة 2004 إلى 14.013 مشروع.[12]


الفرع الثاني :
التطور الكمي للموارد المالية المحلية
تعتبر الضرائب والرسوم المحلية على المستوى المالي المقارن الأداة التمويلية الذاتية الأساسية في تغطية النفقات[13].
ومن هذا المنطلق، حظي موضوع إصلاح الضرائب والرسوم المحلية باهتمام كبير من طرف المشرع المغربي لاسيما وان الموارد المالية للجماعات المحلية، ظلت غير كافية لمواجهة حاجياتها المتزايدة ومواكبة التطور الذي عرفته اختصاصاتها.
وقد تمثلت أولى بوادر إصلاح النظام الجبائي المحلي في مجيء قانون 23  ابريل 1984 (كإطار عام للإصلاح الجبائي  للدولة). الذي أكد في فصله الأول على ضرورة النهوض  بالموارد المالية للجماعات المحلية، والعمل على استقرارها مع مراعاة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار العدالة الاجتماعية[14].
وتنفيذا لتوجيهات قانون الإطار، صدر القانون رقم  89 – 30  بتاريخ  21  يونيو  1989 حددت بموجبه الضرائب والرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيآتها، وذلك بهدف تنمية الموارد الجبائية للجماعات وضمان مسايرتها لمتطلبات الحاجيات المحلية.
وقد تمكنت المجالس الجماعية بفضل القانون الجديد من الرفع من حجم مواردها المالية الخاصة. فعلى سبيل المثال انتقلت حصة الجماعات من عائدات الضريبة على القيمة المضافة من  6.56 مليار درهم  لسنة 2000 إلى 8.18 مليار درهم سنة 2004.[15] وهو تقدم ملموس سيسمح لا محالة لهذه  المجالس بتحسين أوضاعها المالية وبالتالي توفير  البنيات الاستقبالية لمشاريع التنمية المحلية.
غير أن ما يمكن الإشارة إليه، أن نسبة النمو في الموارد المحلية لم تساير نسبة نمو الميزانيات الجماعية التي عرفت ارتفاعا ملحوظا وذلك نتيجة لضعف نسبة الموارد الذاتية، الأمر الذي اضطرت معه الوحدات الترابية اللامركزية إلى اللجوء للموارد الاستثنائية وخاصة الإعانات العمومية والقروض.
وهذا التنوع  في موارد التمويل. لا يجب أن يخفي ضعف مساهمة الموارد الذاتية الجماعية في دعم الميزانيات المحلية، في مقابل حضور قوي لإمدادات الدولة بمختلف أشكالها، مما طرح راهنية تحيين المنظومة الجبائية في مستوياتها الوطنية و المحلية في اتجاه الأخذ بعين الاعتبار المهام الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية والتي لازالت تبحث عن مداخيل استقلالها المالي[16]. وهو الأمر الذي أدى بالمشرع المغربي إلى سن القانون الجديد المتعلق بجبايات الجماعات المحلية.
وهكذا وأمام مجموعة الصعوبات والعوائق التي كانت تواجه القانون القديم 89 – 30 في التطبيق بشكل يخل بمبدأ المردودية ويحول دون تحقيق مقاصد التنمية المحلية المنشودة، فقد أضحى إصلاح الجبايات المحلية أمرا مطروحا بإلحاح ومحط مطالبة من طرف  الباحثين والملزمين ومختلف الفاعلين على المستوى المحلي. نظرا للوضعية التي توجد عليها الجبايات المحلية. هكذا تعزز النظام الجبائي المحلي بصدور القانون رقم  06. 47 بتاريخ 30 نونبر 2007.[17]
إن تفعيل دور الجماعات في مجال التنمية يستوجب إصلاح النظام الجبائي، و المالي والمحاسبي للجماعات المحلية، في اتجاه تبسيطه وتحسين تدبيره والرفع من مردوديته.[18]
ويتجلى ذلك من خلال التقليص العددي للرسوم المحلية. من خلال إلغاء مجموعة من الرسوم وهي على العموم رسوم ذات مردودية ضعيفة. وهي ثمانية رسوم لم تتجاوز 30  مليون درهم سنويا. ثم ضم بعض الرسوم التي تؤسس على نفس المادة الضريبية. حيث يتعلق الأمر بأربعة رسوم. وهو ما جعل العدد يتقلص من 40 ضريبة ورسم إلى 17 رسما في القانون رقم 89 – 30.[19]
فالرقابة على المال العام المحلي، أصبحت لا تعني الاهتمام فقط بالجوانب ذات الأهمية والاقتصار على مجالات معينة دون غيرها، ولكن هناك مجالات بالنظر إلى الرهانات المالية التي تمثلها، والدور المحوري الذي تلعبه  في مسلسل التنمية المحلية. يجب أن تكون محل متابعة خاصة من طرف مجالس جهوية  للحسابات. وفي هذا الإطار تعتبر عقود تدبير المرافق العمومية والصفقات العمومية والأملاك الجماعية. من أهم المجالات التي يجب أن ينصب عليها الاهتمام من طرف قضاة المحاكم المالية على المستوى المحلي .
وهو ما حدا بالمشرع الفرنسي، إلى إعطاء ممثل الدولة في المحافظات والجهات صلاحية طلب رأي الغرفة الجهوية للحسابات في عقود التدبير المفوض والصفقات العمومية التي تبرمها الجماعات المحلية، إذ حسب المادة  III. 47 من القانون 92 – 125 بتاريخ  6  فبراير 1992 الاتفاقيات المتعلقة بالصفقات العمومية أو بتفويضات للمرفق العام يمكن نقلها من طرف ممثل للدولة في المحافظة إلى الغرفة الجهوية، ويخبر السلطة الترابية بذلك[20] وقد أحسن المشرع المغربي صنعا. عندما جعل من اختصاص المجالس الجهوية للحسابات مراقبة تسيير المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره.[21]
ذلك ما من شأنه،  مساعدة الجماعات المحلية على الاطلاع على كيفية تنفيذ بنود العقد الذي يربطها مع المقاولة صاحبة الامتياز، أو غير ذلك من عقود  التدبير المفوض للمرافق العامة المحلية.
وتحتل الصفقات  العمومية كذلك مكانة متميزة كوسيلة لتنفيذ الاعتمادات المقررة في مختلف مجالات تدخل الجماعات المحلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتتم مراقبة جميع الجوانب المتعلقة بالصفقات العمومية، في إطار ممارسة المجالس الجهوية للحسابات لاختصاصاتها المتعلقة بالتدقيق والبت في الحسابات. كما تعمل هذه المجالس في نفس الإطار على التأكد من عدم تحايل بعض الآمرين بالصرف على المقتضيات التي تفرض اللجوء إلى الصفقات العمومية، وذلك عن طريق  اللجوء إلى  سندات الطلب التي لا تتطلب اللجوء إلى المنافسة بنفس الكيفية المقررة للصفقات العمومية.[22]
وفي هذا الإطار نجد أن الغرف الجهوية للحسابات في فرنسا تصرح بالعجز في حق
المحاسبين العموميين الذين يؤدون مبالغ بناء على سندات طلب. في حين أن حجم هذه المبالغ يفرض اللجوء إلى إبرام صفقة عمومية.كما تعتبر الأملاك الجماعية مصدرا أساسيا للموارد المالية للجماعات المحلية وأداة رئيسية لتحقيق مشاريع التنمية المحلية، سواء تعلق الأمر بالعقارات أو المنقولات.
ونظرا لأهمية الأملاك الجماعية سواء كانت عامة أو خاصة عقارية أو منقولة، ونظرا للمشاكل المتعددة المرتبطة بها سواء من جانب التدبير أو من جانب الإطار القانوني، فإنه أصبح من اللازم على القضاء المالي المحلي أن يولي عناية واهتمام خاصين لهذه الأملاك.
ويتمثل تدخل المجالس الجهوية للحسابات في هذا المجال على مراقبة وفحص مختلف عمليات الاقتناء، والتخلي، والمعاوضة والصيانة التي تقوم بها الجماعات المحلية، خاصة منها تلك التي تنصب على الأملاك العقارية. إذ بالإضافة إلى مراقبة الجوانب الشكلية والمسطرية المقررة في مختلف النصوص التشريعية والتنظيمية، كما يجب أن تنصب المراقبة على مدى فعالية عمليات الاقتناء أو البيع أو المعاوضة التي قامت بها الجماعات المحلية. من حيث ثمن التفويت أو الملك المتبادل أو ثمن الاقتناء. ففي مجال كراء الأملاك الخاصة الجماعية -على سبيل  المثال- يلاحظ أن العديد منها مكترى بثمن جد منخفض ودون مراعاة قواعد المنافسة، كما أن العديد من العقود تعرف تجديدا ضمنيا وإن لم يكن منصوصا عليه رغم  انتهاء المدة المحددة. ودون أن تعرف السومة الكرائية أية زيادة لصالح الجماعات المحلية المالكة[23].

المطلب الثاني:
محدودية دور الأجهزة الرقابية الكلاسيكية
تعتبر آلية المراقبة البعدية على المالية المحلية، بواسطة المجالس الجهوية للحسابات. الشرط الموضوعي الأولي لضمان مراقبة فعلية وشفافة على الموارد العمومية المحلية ذلك أن مركزية الهيئة  العليا للرقابة المالية. لم تساعد على ضمان الشمول والفعالية في الشأن الرقابي المالي المحلي.[24]
الفرع الأول:
 دور الأجهزة الرقابية ذات الطابع الإداري
لقد أضحى الاهتمام الجهوي للمراقبة القضائية. من خلال المجالس الجهوية للحسابات مطلبا ملحا بالنظر للانتقادات المتراكمة، في الوقت الذي تعتبر فيه اللامركزية خيارا استراتيجيا يراهن عليه لمواجهة المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية،بل وحتى السياسة منها[25].
وينسجم اعتماد المجالس الجهوية للحسابات، مع الخيار اللامركزي الذي  انخرط  فيه المغرب منذ السنوات الأولى للاستقلال سواء في أبعاده المحلية أو الجهوية. بحيث حدد القانون رقم 96/47 المتعلق بتنظيم الجهات، تطبيقا للمقتضيات الدستورية اختصاصات هذه المجالس على الصعيد الجهوي، إذ نصت المادة 48 على أن "يتولى المجلس الجهوي للحسابات وفقا لأحكام الفصل 98 من الدستور مراقبة  حسابات الجهة وهيأتها وكيفية قيامها

بتدبير شؤونها تطبيقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل"[26].
إن إقرار الامتداد الجهوي للمجلس الأعلى للحسابات. يرتبط أساسا بالدور المنوط بالتنظيم الجهوي للدولة، فالتطور الإداري على المستوى الجهوي. يشكل في الحقيقة الإطار المناسب لإقرار مجالس جهوية للحسابات، كما أن الخصوصيات العامة للإطار الجهوي تعمل هي الأخرى على التأثير في الدور المنوط بهذه المجالس.[27]
وهكذا لوحظ على أن عدة فروع من المنظومة الرقابية ذات الطابع الإداري تواجه مشاكل وصعوبات في الرقابة على المال العام ، والمحافظة عليه وكذا متابعة طرق ووسائل تدبير الشأن العام المحلي.
فبالنسبة لمراقبة المفتشية العامة للمالية وعلى الرغم من المزايا التي تتمتع بها من قبيل صلابة تكوين المفتشين، وتقنية التفتيش المفاجئ التي تجعل المحاسبين والآمرين بالصرف في ترقب مستمر لزيارة المفتشين، إلا أنها تعاني بدورها من بعض المشاكل في مقدمتها عدم قدرة البرنامج السنوي على تغطية التراب الوطني، إذ يكتفي فقط باختيار  بعض النماذج التي ستخضع لعملية التمحيص. إضافة إلى هجرة المفتشين إلى مرافق أخرى خاصة المقاولات العمومية التي تحتاج إلى خبرتهم المالية مما يضعف من وجود المورد البشري. وتحول المفتشية إلى هيأة لتكوين  الأطر المهاجرة بدل أن تكون هيأة عليا للمراقبة[28]. وكانت محكمة الحسابات الأوروبية  قد لاحظت منذ سنة 1994، عدم فعالية التدقيق الذي تقوم به المفتشية العامة للمالية، لأنها ليست هيأة مستقلة للرقابة وبالتالي غير مؤهلة لتدقيق البرامج التي يمولها الاتحاد الأوروبي في المغرب.[29]
نفس الشيء يذكر بالنسبة لمراقبة المفتشية  العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية المحدثة بمقتضى مرسوم رقم 100.94. 2 الصادر في 16 يونيو 1994. والتي  أنيطت بها مهمة المراقبة  والتحقق من التسيير  الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة   لوزارة الداخلية والجماعات المحلية وهيأتها، فعلى الرغم من توفره على موارد بشرية وأطر كفئة فقد ظل نشاطه محدودا على مستوى إخضاع الجماعات المحلية وهيآتها للرقابة والتدقيق الكفيل بحماية المال العام.[30]
وتخضع الجماعات المحلية بالمغرب وهيآتها. إلى نظام للوصاية تمارسه الدولة من خلال وزارة الداخلية بشكل رئيسي ووزارة المالية. كما تشمل هذه الرقابة الأعمال والقرارات الصادرة عن هذه الأجهزة.
وهكذا تضمنت القوانين الثلاث المنظمة للجهات والعمالات والأقاليم، والجماعات الحضرية والقروية، وهيئات مختلف أصناف هذه الجماعات أبواب تتعلق بالوصاية على أعمال هذه الجماعات وهيآتها.
 وإذا كان الاتجاه الذي اعتمده المشرع المغربي في نظام الوصاية الإدارية قد تم تبريره بسبب غياب المراقبة البعدية أو اللاحقة.[31]
وبغض النظر عن عدم فعالية المراقبة السابقة في تتبع تنفيذ ما تمت المصادقة عليه، فإن خلق المجالس الجهوية للحسابات غلب كل هذه المعطيات السابقة. فالمسؤوليات الجديدة التي أصبح يتحملها المنتخبون وخاصة رؤساء المجالس في مواجهة المحاكم المالية الجهوية، والدور الرقابي والتقييمي الذي أنيط  بهذه الأخيرة.
كل هذا أصبح لا يتناسب مع مفاهيم من قبيل الحلول والملاءمة. إذ لا  يتصور أن تتم مساءلة رئيس جماعة  حضرية أو قروية عن الكيفية  التي يدير بها شؤون جماعته وكيفية استخدامه للموارد المالية المتوفرة إذا كان الاستعمال وهذا التدبير تشارك في التقرير فيه أجهزة وسلطات أخرى هي بالضرورة ليست مسؤولة لا أمام السكان الذين انتخبوه ولا أمام الأجهزة السياسية والقضائية  التي عليه تقديم الحساب أمامها، أي الهيئة التداولية المعنية والمجلس الجهوي للحسابات المختص[32].
ففي فرنسا تم خلق الغرف الجهوية للحسابات، كتعويض على حذف الرقابة السابقة على قرارات الجماعات المحلية، ومن أجل إناطة مراقبة المالية والتدبير المحليين بأجهزة متخصصة ومحايدة. في حين تم الاحتفاظ بالرقابة المسبقة للسلطات المركزية على أهم القرارات الصادرة عن الجماعات المحلية، ذات الطابع المالي بالخصوص.




الفرع الثاني:
دور الأجهزة الرقابية ذات الطابع القضائي
إن التطوير المجالي لمؤسسة المجلس الأعلى للحسابات يعمل على المساهمة المباشرة في تثبيت  أسس الديمقراطية على المستويين المحلي والجهوي.
وعلى هذا الأساس، لم تستطع مختلف فروع المنظومة الرقابية مواكبة الخيار اللامركزي بحيث عجزت عن متابعة، وتأهيل طرق التدبير المحلي بمختلف مستوياته المالية والمحاسبية، وهو ما ترجم  على أرض الواقع بتسجيل خروقات عكست قصور الهيئات الرقابية، عن الاضطلاع بمهام مراقبة حسن تدبير المال العام من قبل الجماعات المحلية، بدءا بمراقبة صحة الالتزام  بالنفقات التي يتولاها  القابض الجماعي إلى جانب متابعة التصرفات المالية للآمرين بالصرف، مرورا بمراقبة أجهزة  الوزارات الوصية. وصولا إلى المراقبة القضائية المتمثلة في المجلس  الأعلى للحسابات. هذا مع ذكر سلطة الوصاية  التي لم  تفلح رغم تعدد تدخلاتها في إيقاف النزيف المالي والتدبيري عموما[33]. فمؤسسة القابض التي تقوم بدور مزدوج. حيث وظيفة المحاسب  العمومي والمراقب المالي يجعلها لا ترقى  إلى مستوى مؤسسة  رقابية تساهم في الحفاظ على المال العام المحلي.
في هذا السياق  ينحصر دور القابض المالي[34]، في الاهتمام أساسا بالجانب  القانوني وبالخصوص أثناء إنجاز وتنفيذ النفقة العمومية. حيث يركز على مدى ملاءمة النفقة للقوانين والمسار ويغفل أهمية البحث عن  فعاليتها ومردوديتها أي التركيز على رقابة المشروعية. وهنا تبدو رقابة القابض المالي رقابة الشكل، في حين يتم إغفال دوره الأصلي كمحاسب عمومي ملزم بتقديم حسابات التسيير سنويا إلى المجلس الأعلى للحسابات[35].
ثم إن عملية تنفيذ الميزانية المحلية، التي يقوم بها كل من الأمر بالصرف والقابض الجماعي خاصة فيما يتعلق بالتنفيذ الإداري، الذي يقوم به الأول والتقييد المالي والمحاسبي الذي يقوم به الثاني، تعطي بعض الامتيازات للآمر بالصرف على حساب  القابض حيث  لاتمارس عليه رقابة أقوى كالتي تمارس على القابض. وهذا يوضح لنا الخلل في مسؤوليتهما من حيث النوع والهدف[36].
إضافة إلى ذلك، تأتي المجالس الجهوية للحسابات استكمالا للامتداد الجهوي للمراقبة القضائية، ذلك أن إحداث المحاكم الإدارية يعتبر الإطار القانوني الموازي والمكمل  لاختصاص هذه المجالس، فالأولى تنظر في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالاختصاص المحلي في جانبه الإداري والمالي. أما الثانية فتقوم بمهمة المراقبة على التنفيذ المالي والموازني للجماعات  المحلية. لذلك فإن ظروف و شروط ممارسة المحاكم  الإدارية لاختصاصاتها القانونية ترتبط في ذات الآن بالدور الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات[37]، خاصة وان الرقابة المالية بواسطة المجالس الجهوية للحسابات تفترض رقابة ثانية موازية لها. وهي رقابة المشروعية المنوطة أساسا بالمحاكم الإدارية.
لهذا فإن خلق مجالس جهوية للحسابات على غرار المحاكم الإدارية يتجه نحو تحقيق انسجام التنظيم الإداري والقضائي بالمغرب، لاسيما عبر إسناد  اختصاصات رقابية لجهاز قضائي مستقل مؤهل أكثر من غيره لتتبع التدبير المالي المحلي تفعيلا للاستقلال المالي والتدبيري الذي يفترض أن تنعم بهما الوحدات الترابية اللامركزية.[38]
المبحث الثاني:
 اختصاصات المجالس الجهوية للحسابات
تتولى المجالس الجهوية للحسابات في حدود ودائرة اختصاصاتها مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وتسييرها وفقا لمقتضيات الفصل  98  من الدستور، وقد فصل القانون  99– 62. هذه الاختصاصات في المادة 118 من مدونة  المحاكم المالية حيث نصت، على أن تمارس المجالس الجهوية للحسابات اختصاصات ذات طابع  قضائي وأخرى ذات طابع إداري (المطلب الأول). ووفقا للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في المادة 119 من مدونة المحاكم المالية. كما أن كل مجلس  جهوي للحسابات يمارس اختصاصات  في إطار بنية معينة وفي ظل مساطر وإجراءات صارمة لتسهيل مهمتها . (المطلب الثاني).
المطلب الأول:
الاختصاصات الإدارية والقضائية للمجالس الجهوية للحسابات
تقوم المجالس الجهوية للحسابات بممارسة الرقابة القضائية. على المحاسبين العموميين، والمراقبة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية (الفرع الأول). كما أسندت إليها مهمة الرقابة الإدارية في مجال القرارات المتعلقة بميزانية الجماعات المحلية،  ورقابة التسيير وممارسة الرقابة على استخدام الأموال العمومية على الصعيد المحلي (الفرع الثاني).
الفرع الأول:
الاختصاصات القضائية
وتتجلى هذه الاختصاصات في مهمة البت والتدقيق في حسابات المحاسبين العموميين، من جهة ثم التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية من جهة أخرى، ويتميز المجال الأول  بكونه يشكل جوهر وأساس اختصاصات المجلس الجهوي، إذ يعتبر  من النظام العام مادام المحاسبون العموميون ملزمون  بتقديم  حساباتهم في آجال معينة للتدقيق والبت فيها، في حين تتوقف ممارسة المجلس لاختصاصاته في المجال الثاني، على تحريك الدعوى من طرف وكيل الملك.
 الفقرة الأولى: التدقيق والبت في حسابات المحاسبين العموميين
يعد اختصاص النظر في الحسابات المسند إلى المجالس الجهوية  للحسابات من الاختصاصات القضائية شأنها في ذلك شأن المجلس الأعلى للحسابات، إلا أن الأولى تمارس هذا الاختصاص في نطاق جغرافي محدود وفقا لمقتضيات[39] الفصل 98 من الدستور  المغربي لسنة 1996.
وهكذا يمارس المجلس الجهوي للحسابات في حدود دائرة اختصاصه، رقابة على المحاسبين العموميين[40] بالجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمقاولات التي تملك رأسمالها كليا، أو التابعة للجماعات المحلية التي تتوفر على محاسب عمومي وفقا لمقتضيات المادة 126 من مدونة  المحاكم المالية، التي تنص على أن "يقوم المجلس الجهوي في حدود دائرة اختصاصه. بالتدقيق و البت في حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاولات التي تملك رأسمالها كليا جماعات محلية وهيآتها ومؤسسات عمومية تخضع لوصاية الجماعات المحلية والتي تتوفر على محاسب عمومي".
ولتمكين هذه المجالس من ممارسة هذا الاختصاص على أكمل وجه فإن المشرع ألزم المحاسبين العموميين بتقديم حساباتهم سنويا إلى هذه المجالس.
ومن هذا المنطلق، يلزم على المحاسبين العموميين بالجماعات المحلية وهيئاتها بتقديم حسابات هذه الأجهزة سنويا إلى المجلس الجهوي. وذلك وفق الكيفيات والآجال المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. كما يلزم على محاسبي الأجهزة الأخرى التي تجري عليها رقابة المجلس الجهوي بأن يقدموا بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات، وكذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها.
وفي هذا السياق، يضع المحاسب العمومي عند اختتام عمليات السنة المنصرمة حساب تسييره، ويتضمن هذا الحساب في شكل تفصيل للميزان النهائي تنفيذ ميزانية الجماعة أو الهيئة، كما يشتمل في أعمدة منفصلة على مداخيل وأداءات الميزانية المحلية، والحسابات الخصوصية وعلى حسابات الخزينة".[41]
وهكذا يبرز هذا الحساب ويظهر الوضعية المالية التي كانت توجد عليها الجماعة أو الهيئة في نهاية السنة.
وتشمل الرقابة القضائية كذلك التصريح بالتسيير بحكم الواقع[42]. الذي يعتبر من بين المسؤوليات المترتبة على مراقبة وثائق التسيير والتي قد تؤدي إلى تحميل المسؤولية اما الى  الأعوان وإما إلى المنتخبين الجماعيين.[43]
وحسب المادة 130 من القانون  99-62 هناك طريقتين لتحريك مسطرة التدبير بحكم الواقع يتمثل الأول في صلاحية وكيل الملك أن يحيل في حدود اختصاصاته، العمليات التي قد تشكل تسييرا بحكم الواقع وذلك إما تلقائيا أو بطلب من وزير الداخلية أو الوالي أو العامل وذلك في حدود  الاختصاصات المخولة ، أو وزير المالية أو الخازن الجهوي أو الإقليمي أو الممثل القانوني للجهاز العمومي المعني أو المحاسب  العمومي.
إن إجراءات البت والتحقيق المتعلقة باختصاص النظر في الحسابات المتبعة أمام المجلس الجهوي للحسابات، هي نفسها المتبعة أمام المجلس الأعلى للحسابات في إطار ممارسته لنفس الاختصاص وفقا للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد 27  إلى 40 من مدونة المحاكم المالية. وذلك من حيث ترتيب المسؤولية على كل من الأمر بالصرف والمراقب والمحاسب عن العمليات التي أنجزوها أو أشروا عليها خلال فترة ممارسة مهامهم، وكذا كيفية الإدلاء بالحساب أو الوضعية المحاسبية وترتيب العقوبات في حالة عدم احترام الآجال  القانونية المقررة  لتقديم الحسابات أو الوثائق المثبتة والتي تتخذ شكل غرامة مالية يصل مبلغها الأقصى إلى ألف درهم بالإضافة  إلى الغرامة التهديدية (500 درهم) عن كل شهر من التأخير[44]. علما بأن هناك إمكانية تطبيق هاتين العقوبتين في حالة  رفض تقديم التبريرات والتوضيحات التي يحتاجها المستشار المقرر بالمجلس الجهوي للحسابات، كما نشير كذلك على أن مسؤولية  المحاسب العمومي أمام المحاكم المالية في مادة النظر في الحسابات، قد تثار أيضا إذا ما ثبت قيامه بعمليات قبض الموارد ودفع  النفقات وحيازة أو استعمال الأموال أو القيم أو مشاركته في تلك العمليات  بصفته مسيرا بحكم الواقع تجاوز دائرة اختصاصه[45]. فيأمر المجلس بتقديم حسابه وتطبق عليه المقتضيات المسطرية الواردة في المواد من 29 إلى 40 المتعلقة بإجراءات التدقيق والبت في حسابات المحاسبين العموميين.[46]
الفقرة الثانية: التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
على خلاف التشريع الفرنسي، حيث أنيط الاختصاص المتعلق بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بمحكمة مالية وطنية مرتبطة بمجلس الحسابات وهي محكمة التأديب  المتعلق بالميزانية والشؤون المالية[47]. جعل المشرع المغربي هذا الاختصاص من أهم مجالات التدخل القضائي للمجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات.
فبالإضافة إلى التدقيق والبت في حسابات الجماعات المحلية وهيآتها، تقوم  المجالس
الجهوية للحسابات بمهمة قضائية تمارسها في مجال التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون
المالية بالنسبة لكل مسؤول أو موظف أو مستخدم يعمل في:
- الجماعات المحلية وهيئاتها.
- المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات والهيئات.
- كل الشركات التي تملك فيها الجماعات المحلية، أو الهيئات على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية الأسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.[48]
ويجب أخذ عبارة "كل مسؤول أو موظف أو مستخدم يعمل...." بمفهومها الواسع وذلك إسوة بنص القانون ذاته الذي يخضع كل من الوالي والعامل لاختصاص المجلس الجهوي، في الحالات التي يعملان فيها باعتبارهما آمرين بالصرف لجماعة محلية أو هيئة. على الرغم أنه لا يمكن أن نقول أنهما يعملان في أحد الأجهزة المذكورة.
 وفي حالة ارتكاب الموظف أو المسؤول، لإحدى المخالفات التي ميزها المشرع بين المخالفات، التي يمكن أن يرتكبها كل أمر بالصرف أو آمر بالصرف مساعد أو مسؤول وكذلك موظف يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم.[49]
وقد تم تقسيم المخالفات التي تؤدي إلى إثارة المسؤولية أمام المجالس الجهوية في مجال التأديب المالي. بحسب المتدخلين في تهيئة وإنجاز مختلف العمليات المالية والمحاسبية
الخاصة بالأجهزة الخاضعة لرقابة هذه المجالس.
أولا: الآمرون بالصرف
حددت المادة 54 من القانون 99-62 المخالفات التي يمكن أن تؤدي إلى إثارة مسؤولية الآمرين بالصرف  أو الآمرين المساعدين بالصرف أو المسؤولين وكل موظف أو
عون يعمل لحساب هؤلاء أو تحت سلطتهم في:
- مخالفة قواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها وصرفها.
- عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية.
- مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير  شؤون الأعوان والموظفين.
- مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها .

- مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد بها إليهم عملا بالنصوص التشريعية الجاري بها العمل.
- مخالفة قواعد تدبير ممتلكات الأجهزة الخاضعة لرقابة المجالس الجهوية.
- التقييد  غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز الاعتمادات.
- إخفاء المستندات أو الإدلاء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو غير صحيحة.
  - عدم الوفاء تجاهلا  أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل بالواجبات المترتبة عليها قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة.
- حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.
-  إلحاق ضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات ، وذلك بسبب الإخلال  الخطير في المراقبة  التي هم ملزمون بممارستها أو من خلال الاعتقاد أو التقصير المتكرر في القيام بمهامهم الإشرافية.
 وقد أحسن المشرع المغربي بهذا التفصيل. وذلك تفاديا لكل التباس قد يحصل في تفسير عبارة "مخالفة  قواعد الالتزام بالنفقات العمومية والأمر بصرفها" لأن أغلب نفقات الجماعات المحلية تخص إما الأعوان والموظفين أو الأشغال والتوريدات والخدمات التي تتم عن طريق الصفقات العمومية.
ثانيا: المراقبون الماليون
لقد نصت المادة 55 على أنه يخضع للعقوبات المنصوص عليها كل مراقب  الالتزام  بالنفقات. وكل مراقب مالي وكذا كل موظف أو عون  يعمل تحت امرة مراقب الالتزام  بالنفقات أو المراقب المالي أو يعمل لحسابهما. إذا لم يقوموا بالمراقبات التي هم ملزمون بالقيام بها، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها على الوثائق المتعلقة بالالتزام بالنفقات. وعلى الوثائق المتعلقة بالمداخيل إن كان من اختصاصهم وذلك لأجل التأكد من:        -  توفر الاعتمادات.
-   توفر المنصب المالي.
-         احترام القواعد النظامية المطبقةعلى التوظيفات والتعيينات والترقيات في الدرجة.
-          مطابقة مشروع الصفقة للنصوص التنظيمية  المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية.
  ولاسيما الإدلاء بالشهادة الإدارية أو بالتقرير المتعلق بتقديم الصفقة الذي يبرر طريقة إبرام الصفقة.
-         مطابقة لحقيقة الأشغال أو  التوريدات أو الخدمات لقواعد طلب المنافسة المطبقة على الجهاز المعني بالأمر.
-         مشروعية القرارات المتعلقة باقتناء العقارات وبالاتفاقيات  المبرمة مع الغير وبمنح الإعانات المالية.
-         صفة الأشخاص المؤهلين بمقتضى النصوص التنظيمية المعمول بها للتوقيع على اقتراحات الالتزام بالنفقات.
-         كون مبلغ الالتزام المقترح يشمل مجموع النفقة التي تلتزم بها الإدارة.
ثالثا: المحاسبون العموميون
حسب المادة 56 من القانون 99-62 يخضع للعقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل المتعلق بالتأديب المالي من نفس القانون كل محاسب عمومي، وكذا كل موظف  أو عون  يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه، إذا لم يمارسوا أثناء مزاولة مهامهم المراقبات التي هم ملزمون بالقيام بها طبقا للنصوص التنظيمية المطبقة عليهم والتي تتعلق ب:
-         صفة الآمر بالصرف.
-         توفر الاعتمادات.
-         صفة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة بها.
-         تقديم الوثائق المثبتة التي يتعين عليهم طلبها قبل أداء النفقات طبقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل.
ويتعرضون كذلك لنفس العقوبات:
-         إذا لم يقوموا بمراقبة مشروعية تحصيل وتنزيل المداخيل الموحدة في صناديقهم.
-         إذا أخذوا المستندات  أو أدلوا للمجلس بوثائق مزورة أو غير صحيحة.
-         إذا حصلوا لأنفسهم  أو لغيرهم على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.
وعلى سبيل المقارنة، وخلافا للنظام الفرنسي الذي استثنى رؤساء الجماعات المحلية بمختلف فئاتها ومساعديهم من أية مسؤولية في مجال التأديب المالي، فقد عمد المشرع المغربي إلى إخضاع كافة المتدخلين في العمليات المالية على صعيد الجماعات المحلية، منتخبين كانوا أو معنيين،  للسلطة التأديبية المنوطة بالمجالس الجهوية للحسابات.[50]
وبالنظر إلى كون مهمة مراقبة الالتزام بالنفقة، أو مهمة المحاسب العمومي في مجال المالية المحلية يقوم بها القابض المالي. فإن مقتضيات المادة 99 و 56  من مدونة المحاكم المالية تطبق على القباض الماليين، على عكس المالية العامة التي يتم خلالها الفصل بين المراقب للالتزام بالنفقات والمحاسب العمومي. ولهذا كان على واضعي المدونة أن يميزوا بين كل ما هو مرتبط بمالية الدولة أي المالية العامة وكل ما هو مرتبط بالمالية المحلية أي مالية الجماعات المحلية وهيئاتها[51].
فضلا عن الاختصاص القضائي، تمارس المجالس الجهوية للحسابات  اختصاصات أخرى ذات طابع إداري.
الفرع الثاني:
 الاختصاصات الإدارية
تتوزع الاختصاصات الإدارية[52] للمجالس الجهوية للحسابات بين مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية ومراقبة التسيير، إلى جانب مراقبة استعمال الأموال العمومية. وعلى عكس الإجراءات  ذات الطابع القضائي فإن المجلس عندما يمارس هذه الاختصاصات فإنه لايصدر أحكاما  وإنما تقارير أو يبدي آراء فيما يعرض عليه، وذلك بعرضه تقارير على مسؤولي الأجهزة موضوع الرقابة قصد إبداء أرائهم أو تقديم كل الوثائق التي يرون ضرورة  في تقديمها. كما تكون هذه التقارير والآراء موضوع مداولة من طرف المجلس قبل صياغتها بصفة نهائية، وتتمثل هذه الاختصاصات في:
-         مراقبة  الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية  ومراقبة التسيير واستخدام الأموال العمومية.
الفقرة الأولى: مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية
يمكن اعتبار الميزانية المحلية بمثابة " البيان التقديري لما يجوز للهيئة العامة المحلية إنفاقه، وما ينتظر أن تجبيه من المال خلال فترة معينة من الزمن".[53]
وهكذا تعتبر الميزانية أهم قرار تتخذه المجالس التداولية للجماعات المحلية، وذلك باعتبار الميزانية الإطار الذي ترصد فيه الأموال اللازمة لتنفيذ عمل هذه الجماعات سواء تعلق الأمر بالاستثمار أو التسيير، وبالتالي يكون لأي توقف أو عرقلة في تنفيذ الميزانية أثر مباشر وفوري على سير المرافق العمومية المحلية والخدمات التي تقدمها للمواطنين.
وعلى خلاف فرنسا، حيث تم تخويل الغرف الجهوية للحسابات صلاحية المراقبة المتعلقة بالميزانية كتعويض لحذف المراقبة المسبقة على قرارات وأعمال الجماعات  المحلية و على رأسها الميزانية، جعل المشرع المغربي من المجالس الجهوية للحسابات أجهزة مساعدة لسلطات الوصاية في حل المشاكل التي قد تطرأ عند تنفيذ ميزانيات الجماعات المحلية، وخاصة مشكل رفض المصادقة على الحساب الإداري.[54]
ففي مجال مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية الخاصة بالجماعات المحلية هيأتها، يلاحظ أن عرض كل قضية يمكن أن تدخل ضمنه يعد من الاختصاص الذي أوكله المشرع وخوله إلى سلطة الوصاية. وهكذا يمكن لهذه الأخيرة أن تعرض على أنظار المجالس الجهوية للحسابات كل قضية تمس مسألة تنفيذ الميزانية. وذلك إما في شخص وزير الداخلية أو الوالي أو العامل. وعلى عكس النموذج الفرنسي نجد أن المشرع المغربي، لم يحدد الحالات التي يجب على سلطة الوصاية أو ممثلها اللجوء إلى رأي المجلس وذلك باستثناء حالة عدم المصادقة على الحساب الإداري.
وعلى هذا الأساس، يبقى الاختصاص عاما لم تفصل فيه المدونة ولم تحدد القضايا التي يمكن أن تعتبر أو تدخل ضمن المجال المذكور. عكس ما فعله المشرع الفرنسي الذي حدد الحالات التي تدخل ضمن تنفيذ الميزانية بالتفصيل. اللهم إذا استثنينا تفصيلا واحدا شمل الحساب الإداري المادتان 143 و 144 من القانون 99 - 62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية. حيث يقوم وزير الداخلية أو الوالي أو العامل. في حالة  عدم المصادقة مجلس تداولي على مشروع الحساب الإداري يعرضه على أنظار المجلس الجهوي للحسابات بصفة تلقائية، إما بطلب من الأمر بالصرف أو بطلب من الطرف الرافض لمشروع الحساب الإداري. ويبدي عندئذ المجلس رأيه حول شروط تنفيذ ميزانية  الجماعة المعنية داخل أجل أقصاه شهرين يبتدئ من تاريخ عرض الأمر عليه، والذي يبلغه إلى الجهة التي عرضت المسالة عليه، وهذا أيضا خلافا للتشريع الفرنسي الذي أوجب على المجلس إبداء رأيه داخل أجل أقصاه ثلاثين يوما.
ولا ترتبط إشكالية رفض الحسابات الإدارية بمعطيات بنيوية أو خلل في آليات العمل الجماعي فحسب، بل ترتبط أيضا بمستوى العلاقات السياسية داخل المجالس المنتخبة، نتيجة هشاشة التكتلات الحزبية، مما قد يعقد مأمورية المجالس الجهوية للحسابات في دراسة الحسابات الإدارية المتنازع بشأنها.
وإذا كان مجال مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية قد جاء في مدونة المحاكم المالية بصيغة عامة وشاملة باستثناء الإجراء المتعلق بالحساب الإداري، فإنه يفتح المجال للاجتهاد لتحديد الإجراءات التي يمكن اعتمادها في الحالات التي لم توضحها المدونة كما هو الشأن بالنسبة لحالة عدم التصويت على مشروع ميزانية الجماعة أو الهيئة في الآجال القانونية  المحددة لها، أو الحالة التي يمكن للمجلس التداولي أن يرفضها على الرغم من احترام آجال التصويت.[55]
غير أن التساؤل المطروح، يتعلق بمضمون المساهمة التي يقدمها المجلس لحل الإشكالية التي تواجهها سلطة الوصاية منذ سنوات، والمتمثلة في رفض المصادقة على الحسابات الإدارية من طرف بعض المجالس التداولية، ومعلوم أن هذا الرفض لا يكون في جميع الحالات مرتبطا بعدم احترام القواعد القانونية ، بل قد يرتبط بتقدير عناصر الملاءمة من طرف ممثلي السكان المنتخبين، فإذا كان بإمكان المجلس البت في قضايا مرتبطة باحترام القوانين والأنظمة المؤطرة لعمل الجماعات المحلية، فكيف سيكون موقفه من المسائل المتعلقة بالملاءمة، وبالتالي هل يمكن لجهاز مفروض فيه الحياد والاستقلال  التدخل في التقدير الخاص  بمنتخبين تدفعهم الاعتبارات السياسية أكثر من الاعتبارات القانونية. إذ يبدو أن الأمر يتعلق برغبة المشرع في إضفاء صبغة شرعية على مواقف سلطات الوصاية  من إشكالية رفض المصادقة على الحسابات الإدارية، وذلك من خلال جعل هذه المواقف تستند
إلى آراء أجهزة مستقلة متمثلة في المجالس الجهوية للحسابات.[56]
 الفقرة الثانية:  مراقبة التسيير واستخدام الأموال العمومية
يعتبر هذا الاختصاص الإداري من أهم الاختصاصات التي أسندت للمحاكم المالية عموما،  بالنظر لكونه يتجاوز تطبيقات المشروعية القانونية على مستوى العمليات المالية، ليقف بالأساس على جودة التسيير بناء على مؤشرات المردودية في علاقتها بالأهداف المعلنة.
وهكذا نصت المادة 147 من القانون 99-62 على أن المجلس الجهوي يراقب تسيير الأجهزة المشار إليها في المادة 148. وذلك لأجل تقدير هذا التسيير من حيث الكيف والإدلاء عند الاقتضاء باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته، وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه التسيير، بما في ذلك تقييم مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة وكذا  تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المعتمدة مما يحيل إلى المعايير المرتبطة بالفعالية والنجاعة والاقتصاد.
كما تشمل هذه المراقبة مشروعية وصدق العمليات المنجزة وكذا الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة، وفي نفس الإطار يتأكد المجلس الجهوي من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها واستخداماتها، وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة. كما يمكن للمجلس أن يقيم مشاريع هذه الأجهزة قصد التأكد من مدى تحقيق الأهداف المحددة لكل مشروع انطلاقا مما تم إنجازه وبالنظر إلى الوسائل المستعملة.[57]
 ويظهر أن المشرع المغربي من خلال تنصيصه على رقابة التسيير، قد سار على النموذج الفرنسي، فقد أدت ممارسة رقابة التسيير من طرف الغرف الجهوية  للحسابات بمقتضى المادة 87 من قانون 2  مارس  1982، إذ جعل من الغرف الجهوية  للحسابات الساهر على مشروعية طرق التسيير في مرحلة أولى إضافة إلى الجهوية المكلفة بالوقوف على نجاعة هذا التسيير.[58]
وتعتبر مراقبة التسيير ذات أهمية بالغة بالنسبة لمجموع المراقبات الأخرى التي قد تمارس على الجماعات المحلية وأجهزتها سواء من طرف  المجالس الجهوية للحسابات  أو من طرف  الهيئات الإدارية أو القضائية الأخرى، فبفضل مراقبة التسيير وحدها. من خلال  فحص شروط وظروف إبرام الصفقات العمومية، والتدقيق في كيفية التصرف في بعض الاعتمادات مثل تلك المخصصة للدراسات والإعانات، وكذا فحص كيفيات ومصادر تمويل المرافق العمومية، يمكن التعرف على الوضعية الحقيقية لمالية جماعة محلية معينة وكيفية تدبيرها.
فالاقتصار على مراقبة مدى احترام قواعد الشرعية من طرف الجماعات المحلية ومؤسساتها، لا يمكن حتما من ضمان تسيير محلي فعال وشفاف واقتصادي. ففي فرنسا، أصبحت عدد من الجماعات في وضعية صعبة. دون أن يكون ذلك قد نتج عن عدم احترام القواعد المنظمة لعملها بما في ذلك قاعدة التوازن المالي، فتدخل المجالس الجهوية للحسابات عن طريق مراقبة التسيير يسمح بتفادي تفاقم الصعوبات المالية للأجهزة العمومية المحلية، كما يمكن من اكتشاف المخالفات في الوقت المناسب وقبل أن يلحقها التقادم.[59]
 ولفرض احترام تقديم الحسابات والوثائق المحاسبية إلى المجلس الجهوي  من قبل الأجهزة الخاضعة لمراقبته. تضمنت المادة 150 عقوبات مالية في حالة تسجيل تأخير في تقديم هذه الحسابات طبقا للآجال القانونية المقررة .
 كما تم تمتيع المسؤولين عن هذه الأجهزة بحق التعليق على الملاحظات الأولية  للمستشارين داخل  أجل شهرين، (المادة 80) أو تلك الصادرة عن الرئيس في شكل رسائل بالإجابة عليها في أجل لا يقل عن شهر، (المادة 82).
غير أنه إذا كانت المدونة قد أخضعت جميع أوجه التسيير الخاص بالجماعات المحلية وهيأتها إلى مراقبة المجلس الجهوي للحسابات. فإنها لم تحدد الإجراءات الواجب اتباعها أثناء هذه المراقبة، عكس ما فعله المشرع الفرنسي الذي حدد هذه الإجراءات وطرق اتباعها وآجالها ذلك وفق القانون المنظم للوحدات الترابية. وليس وفق القانون المنظم للغرف الجهوية للحسابات.
ومن المستجدات التي جاءت بها مدونة المحاكم المالية، تلك المتعلقة بمراقبة استخدام الأموال العمومية، فقد أحسن المشرع صنعا عندما نص على هذه المراقبة.
ذلك أن ميزانيات جميع أصناف الجماعات المحلية، تتضمن فقرات خاصة بالاعتمادات المتعلقة بالإعانات والمساعدات التي تقدمها هذه الجماعات إلى الجمعيات بالخصوص.
وقد نصت  المادة 154 من القانون  99-62 على أن المجلس الجهوي يراقب استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات، باستثناء تلك المذكورة في المادة 148 أي تلك الخاضعة لمراقبة التسيير. والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيف ما كان شكلها، من طرف جماعة محلية أو هيئة أو من أي جهاز خاضع لرقابة المجلس  الجهوي. و حسب نفس المادة، فإن الهدف من هذه المراقبة هو التأكد من أن الجهاز المعني قد استخدم الأموال العمومية التي تلقاها بالطرق المحددة والأوجه المتوخاة  من المساهمة أو المساعدة، ويستنتج من هذه المادة أيضا أن المقاولات و الشركات التي لا تملك فيها الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية المحلية أغلبية الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار، أصبحت تخضع لرقابة المجلس الجهوي للحسابات على الأقل في الجانب المتعلق بالتأكد من استعمال المساهمات العمومية  في الأوجه المحددة من طرف الهيئات المسيرة للأجهزة العمومية  المساهمة.
 ولأجل القيام بهذه المراقبة، ألزمت المادة 155 من القانون 99 -62 الأجهزة التي تستفيد من مساهمات ومساعدات الأجهزة العمومية المحلية. بأن تقدم للمجلس الجهوي الحسابات المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية الأخرى التي تلقتها وذلك طبقا للكيفيات المحددة في التشريع المعمول به.
إذ تخضع الأجهزة المسؤولة بهذا الاختصاص لنفس الإجراءات المطبقة على مستوى مراقبة التسيير. من حيث تقديم الحسابات وإبداء الرأي حول الملاحظات والتقارير الخاصة، سواء بالنسبة للمسؤولين عن هذه الأجهزة أو السلطات الوصية.

المطلب الثاني:
 بنية ومساطر عمل المجالس الجهوية للحسابات
إن الدور المنوط بالمجالس الجهوية للحسابات كجهاز قضائي محلي يتولى اختصاص مراقبة مالية الجماعات المحلية، يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة بنية هذا الجهاز القضائية والإدارية من جهة (الفرع الأول). ثم طبيعة المسطرة وضوابط العمل المتبعة أمامها من جهة أخرى (الفرع الثاني).
الفرع الأول:
تأليف المجالس الجهوية للحسابات
 يتكون  المجلس الجهوي للحسابات من قضاة يؤلفون مع قضاة المجلس الأعلى  للحسابات هيئة موحدة، خاضعة للنظام الأساسي المنصوص عليه في الكتاب  الثالث من مدونة المحاكم المالية[60]، إلى جانب هيئة إدارية أخرى مساعدة.
الفقرة الأولى: التأليف الإداري
إلى جانب الهيئة القضائية، وعلى شاكلة المجلس الأعلى للحسابات، تم تزويد المجالس الجهوية للحسابات بجهاز إداري يساهم هو الآخر في تسييرها. ويوجد على رأس هذا الجهاز الإداري الكتابة العامة المنظمة  بموجب المادة 123، إذ يسهر الكاتب العام للمجلس الجهوي على أن يقدم الحسابات في الآجال القانونية، ويساعد الرئيس في تحضير البرامج وتنسيق أشغال المجلس، وتنظيم جلسات الهيآت التابعة لها، كما أنه يتولى تحت سلطة الرئيس تسيير كتابة الضبط والمصالح الإدارية التابعة للمجلس.
وتتمثل وظيفة الكاتب العام قي ثلاث نقاط رئيسية وهي:
- العمل على أن تقدم الحسابات إلى المجلس الجهوي في الآجال القانونية وإخبار وكيل الملك بكل تأخير.
- مساعدة الرئيس في تحضير أشغال المجلس الجهوي وتنسيق أشغاله.
- تسيير كتابة الضبط والمصالح الإدارية للمجلس الجهوي تحت إشراف الرئيس.
وقد حددت المادة 124 من القانون 99-62 مهام كتابة الضبط في:
 -  تسجيل الحسابات والوثائق المحاسبية الأخرى الواردة إلى المجلس الجهوي.
- توزيع هذه الحسابات والوثائق على القضاة وفق البرنامج السنوي لأشغال المجلس.
-  حفظ الحسابات والوثائق الأخرى.
-  تبليغ أحكام وإجراءات المجلس الجهوي.
- الإشهاد بصحة نسخ ومختصرات الأحكام القضائية.
وتعتبر هذه المهام التي أنيطت بكتابة الضبط ذات أهمية بالغة، إذ أن هذه الكتابة  هي التي ستتولى استقبال وحفظ وتوزيع المادة الأولية والأساسية لعمل المجلس الجهوي المتمثلة في الحسابات والوثائق المحاسبية الأخرى. ومن جهة  أخرى تتدخل هذه الكتابة في جزء هام من مسطرة البث في الحسابات والقضايا الأخرى المعروضة على المجلس الجهوي. خاصة
تبليغ الأحكام وإجراءات المجلس وما يرتبط بذلك من آجال الطعن وغيرها.
غير أن هذه الأهمية لم يوازيها اهتمام من جانب المشرع. بفرض حد أدنى من الشروط فيمن يتولى الإشراف على كتابة الضبط والعمل بها، ما عدا التنصيص على أداء اليمين القانونية قبل الشروع في مزاولة المهام دون الحديث عن مستوى تعليمي معين، أو أقدمية أو درجة معينة.
ويمكن تقسيم المجلس الجهوي إلى فروع بمقتضى المادة 125، حيث تضمنت إمكانية تقسيم المجلس الجهوي إلى فروع بأمر من الرئيس الأول يحمل تأشيرة وزير المالية والوزير المكلف بالوظيفة العمومية.
ولم يشترط المشرع فيمن سيشغل منصب رئيس الفرع أية شروط معينة ما عدا أن يكون من قضاة الدرجة الثانية، وهي في الواقع أدنى درجة في النظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية، من ناحية أخرى، وما عدا المشاركة في إعداد وتهييء البرنامج السنوي لأشغال المجلس بجانب الرئيس. فإن القانون لم يحدد أية مهام أخرى لرئيس الفرع.
وفي هذا الإطار يلزم فيمن يشغل منصب رئيس الفرع إلى جانب الكفاءة لممارسة مهام المراقبة كباقي القضاة. التوفر أيضا على قدرات  في مجال التأطير والتدبير.
ومن جهة أخرى لم يتم تحديد المعايير التي على أساسها يمكن تقسيم المجلس الجهوي إلى فروع، بل اقتصر الأمر الصادر عن الرئيس الأول على التنصيص على تقسيم كل مجلس جهوي إلى فرعين، ودون أن يتم الأخذ بعين الاعتبار تخصيص فرع خاص بالقضايا التي تهم التأديب المتعلق بالميزانية، والشؤون المالية، كما هو مقرر بالنسبة إلى المجلس الأعلى للحسابات.

الفقرة الثانية: التأليف القضائي
على خلاف المشرع الفرنسي، الذي يميز بين قضاة مجلس الحسابات وقضاة الغرف الجهوية للحسابات. من حيث وجود نظامين أساسيين متميزين لكل فئة، أحسن المشرع المغربي صنعا، عند ما وضع نظاما أساسيا موحدا يسري على جميع قضاة المحاكم المالية سواء كانوا يعملون بالمجلس الأعلى للحسابات أو بالمجالس الجهوية للحسابات.[61]
وحسب المادة 199 من القانون  99-62 يتكون المجلس الجهوي للحسابات من قضاة من بينهم رئيس المجلس ووكيل الملك المستشارون إذ يحتل الرئيس مكانة بارزة في تنظيم وتسيير المجلس الجهوي، إذ أناط به المشرع سلطة الإشراف العام على المجلس وتنظيم أشغاله، وترؤس جلساته وكذا إمكانية ترؤس جلسات الفروع التي يمكن أن يقسم إليها المجلس (المادة 120 )،[62] إذ يتوفر الرئيس على صفتين، صفة القاضي الذي يمكنه المشاركة في جميع أشغال المجلس سواء كانت ذات طابع قضائي أو إداري، ثم صفة السلطة الإدارية المسيرة لأجهزة المجلس.
كما أنه هو الذي يحدد البرنامج السنوي لأشغال المجلس الجهوي، بمشاركة رؤساء الفروع بتنسيق مع وكيل الملك، فيما يخص المسائل المتعلقة بالاختصاصات القضائية للمجلس، ويقوم أيضا بتوزيع الأشغال على المستشارين.
ومن أهم الصلاحيات التي يتوفر عليها الرئيس تحديد البرنامج السنوي لأشغال المجلس. ويهدف هذا البرنامج إلى توزيع القضاة والمساعدين على مختلف الملفات والقضايا المعروضة على المجلس، أخذا بعين الاعتبار ضرورة احترام عدد من المتطلبات كالقيام بعمليات المراقبة الإلزامية. مثل البت في الحسابات المقدمة من طرف المحاسبين العموميين  أو أخذ بعين الاعتبار الوضعية المالية، أو وضعية التسيير في بعض الجماعات بناء على الملاحظات المستنتجة من عمليات مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية أو مراقبة التسيير.[63] كما يجب الأخذ بعين الاعتبار طلبات البحث والتقصي، الموجهة تلقائيا من طرف الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين إلى المجلس الجهوي، وذلك  إما من أجل فرض احترام القاعدة القانونية في تدبير محلي، أو من أجل احترام القاعدة القانونية في تدبير محلي أو من اجل  التفادي المسبق لنفقات غير ضرورية، وغير مقيدة وقد تكون ذات آثار لا يمكن تحملها من  طرف ميزانية الجماعة المحلية أو المؤسسة العمومية المعنية[64].
وعملية وضع البرنامج السنوي لأشغال المجلس ليست بالأمر السهل، وذلك أن هذه العملية تتطلب الإيصال المنتظم للوثائق المحاسبية والمالية من الجماعات المحلية، والهيئات الخاصة لرقابة المجلس وكذلك القدرة على التوقع والتوفر على وسائل للتنفيذ تكون ملائمة.
وتتطلب مهمة الإشراف العام المنوطة بالرئيس، التوفر على قدرات وكفاءة عالية سواء في العمل القضائي، أو في مهام التخطيط  والتدبير اليومي لعمل المجلس الجهوي. أما بالنسبة لوكيل الملك فقد أناط به المشرع، ممارسة مهام النيابة العامة لدى المجلس الجهوي في المسائل القضائية ويساعده في ذلك نائب أو عدة نواب (المادة 121)، وذلك بإيداع مستنتجاته وملتمساته. ويرسل التقارير بصفة دورية إلى الوكيل العام لدى المجلس الأعلى
للحسابات لاطلاعه على سير أعمال النيابة العامة.[65]
وعلى خلاف النظام الفرنسي، حصر المشرع المغربي صلاحية تدخل وكيل الملك في الاختصاصات القضائية للمجلس الجهوي. دون الاختصاصات ذات الطابع الإداري خاصة مراقبة التسيير، إذ حسب الفقرة الأولى من المادة 122، لا يحق لوكيل الملك ممارسة مهام النيابية العامة عن طريق إيداع المستنتجات والملتمسات، إلا في المسائل القضائية المسند النظر فيها إلى المجلس الجهوي.
ويبدو أن حصر صلاحيات وكيل الملك في المسائل القضائية، لا يجد تبريرا منطقيا إذ يمكنه كما هو الأمر بالنسبة لمندوب الحكومة لدى الغرفة الجهوية للحسابات بفرنسا، أن يلعب دورا هاما في الاختصاصات ذات الطابع الإداري أيضا خاصة مراقبة التسيير،  وذلك بمراقبة والتحقق مما إذا كانت الملاحظات المقدمة من طرف القاضي المقرر، منبثقة عن أسباب ووقائع  كافية لتبرير صياغتها.
وكما هو الأمر في المحاكم العادية، فإن وكلاء الملك لدى المجالس الجهوية يوجدون تحت مراقبة الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، الذي يتولى تنسيق عمل النيابة العامة على مستوى جميع المحاكم المالية، ويقوم كل وكيل للملك باطلاع الوكيل العام بواسطة تقارير عن سير أعمال النيابة العامة.
ومن جهة أخرى، ومن أجل مواجهة الحاجيات التي تتطلبها المجالس الجهوية للحسابات، وتقوية القدرات البشرية للمجلس الأعلى للحسابات، فقد ارتفع عدد القضاة بشكل ملحوظ  في سنة 1998، إذا انتقل من 78 سنة  1998 إلى 209 سنة 2004  أي بنسبة  179 %.[66]
ولضمان استقامة القاضي المالي، وترسيخ حياده التام أثناء أدائه لمهامه ألزمه المشرع بجملة من الالتزامات، بحيث يؤدي بمجرد تنصيبه في مركزه الأول اليمين بأن يخلص في أدائه لمهامه، وبأن يحافظ على سير المداولات وان يتصف بالنزاهة والاستقامة التي تفرضها عليه طبيعة وظيفته، كما منع عليه حق الانتماء السياسي والانخراط في المنظمات النقابية نظرا لتأثير الاعتقادات الإيديولوجية والالتزامات السياسية على نزاهته وحياده.
ومما يجب الإشارة إليه، أن القضاة الذين تم توظيفهم لهم تكوين عالي وتخصصات متنوعة، مما يعتبر مكسبا هاما للمحاكم المالية التي تعتزم توجيه رقابتها نحو مراقبة وتقييم جودة التدبير العمومية، وهكذا فمن أصل 123 قاضيا ، 26  %  لهم تكوين أساسي في الحقوق أو الاقتصاد و 47%  منهم يتوفرون على تكوين تقني.[67]
الفرع الثاني :
ضوابط عمل المجالس الجهوية للحسابات
تخضع المجالس الجهوية للحسابات أُثناء قيامها بمهامها الرقابية، إلى ضوابط ومساطر قانونية تتعلق بالبت والتحقيق، مع إمكانية المراجعة والطعن في قراراتها.


الفقرة الأولى: مساطر البت والتحقيق
تختلف المساطر المتعلقة بالبت والتحقيق المتبعة أمام المجالس الجهوية للحسابات  حسب الاختصاصات المسندة لهذه الأخيرة.
فبالنسبة للمسطرة والبت والتحقيق المتعلقة باختصاص النظر في الحسابات، فإن نفس الإجراءات المتبعة أمام المجالس الجهوية للحسابات هي نفسها المتبعة أمام المجلس الأعلى للحساسات.[68]
هكذا بعد توصل المجلس الجهوي بالحسابات، يقوم الرئيس طبقا للبرنامج السنوي لأشغال المجلس، بتوزيعها على المستشارين المقررين ويتمتع المستشار المقرر بصلاحيات واسعة للتحقيق في الحسابات، حيث يمكنه أن يلزم كل من الأمر بالصرف والمراقب والمحاسب العمومي أو أي مسؤول آخر بتقديم جميع التوضيحات أو التبريرات التي يراها المستشار ضرورية، كما خول القانون للمستشار المقرر الانتقال إلى مقرات الأجهزة الخاضعة للمراقبة. وأماكن إنجاز الأشغال للقيام بجميع التحريات التي يراها ضرورية لاستكمال التحقيق[69]. ولايقوم القاضي المقرر بصياغة تقريره النهائي، إلا بعد عرض ملاحظاته على الآمر بالصرف أو المراقب والمحاسب العمومي أوعلى جميعهم أو على البعض منهم حسب الأحوال، ويتوفر هؤلاء على أجل شهرين لتقديم إجاباتهم على ملاحظات القاضي المقرر، ويمكن تمديد هذا الأجل بشكل استثنائي من طرف رئيس المجلس.[70]
ويعقد المجلس الجهوي للحسابات، أو أحد فروعه جلسات للبت في الحسابات. وتبدأ هذه الجلسات بالاستماع إلى التقرير الذي يقدمه المستشار المقرر، والى الآراء التي يبديها المستشار المراجع حول  الاقتراحات التي يتضمنها التقرير، كما يتم الاستماع إلى مستنتجات ممثل النيابة العامة الذي  ينوب عنه رئيس الهيئة في تلاوتها إذا تغيب أو عاقه عائق. وبعد ذلك تتم مناقشة الاقتراحات الواردة في تقرير التحقيق، ولا تتداول الهيئة في هذه  الاقتراحات إلا بعد انسحاب ممثل النيابة العامة إذا كان حاضرا وكذا كاتبا  الضبط. وتكون نتيجة المداولة اتخاذ إجراء معين في شأن كل اقتراح من الاقتراحات الواردة في التقرير، كما يمكن للهيئة أن تؤجل اتخاذ قرارها وتأمر بإجراء بحث تكميلي .[71]
 ويختلف مآل مسطرة البت في الحسابات، من طرف المجلس الجهوي حسب ما إذا كانت هناك مخالفات من جانب المحاسب العمومي من عدم ذلك. ففي الحالة الأخيرة يبت المجلس بقرار نهائي، أما في حالة وجود مخالفة فإننا نصبح أمام ما يعرف بمسطرة القرار المزدوج، وهي أيضا  من خصائص المسطرة المطبقة أمام المحاكم المالية. فعند ثبوت مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 37 من القانون 99-62 ، يأمر المجلس الجهوي بواسطة المحاسب العمومي بواسطة حكم تمهيدي، بتقديم تبريراته كتابة أو عند عدم تقديمها بإرجاع المبالغ التي يصرح بها المجلس كمستحقات للجهاز العمومي المعني، وذلك داخل أجل يحدده المجلس بشرط إلا يقل عن ثلاث أشهر، ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم التمهيدي، وعند انصرام الأجل المحدد، يمكن للمجلس اتخاذ كل إجراء مناسب في انتظار البت في القضية بحكم نهائي في أجل أقصاه سنة ابتداء من صدور الحكم التمهيدي[72].
وإذا كان الحكم التمهيدي يبلغ فقط إلى المحاسب العمومي. من أجل تقديم مبرراته فإن الحكم النهائي يبلغ فضلا عن المحاسب العمومي، إلى كل من سلطة الوصاية ووكيل الملك والخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم والممثلين القانونيين للأجهزة العمومية المعنية.[73]
ويكون منطوق الأحكام  النهائية للمجلس الجهوي إما:
1–كون المحاسب بريء الذمة وإذا كان الأمر يتعلق بمحاسب لم يعد يقوم بهذا العمل، يتضمن الحكم أيضا إذن بإرجاع ضمانه المالي ورفع اليد عن التقييدات المترتبة على ممتلكاته.
2 – وجود فائض في حساب المحاسب لسد عجز ظن أنه موجود بالالتجاء إلى السلطات الإدارية لاسترجاع ما دفعه بعد تقديم التبريرات المطلوبة.
3 – وجود عجز حيث يحدد الحكم مبلغ العجز، ويتم تحصيل هذا العجز طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها لفائدة الخزينة، أو عند الاقتضاء لفائدة الجماعة المحلية أو الهيئة الجماعية أو المؤسسة العمومية المعنية.
أما في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية، فإن وكيل الملك يحتكر صلاحية تحريك الدعوى في مجال التأديب المالي. فحسب المادة 138 من القانون 99-62 "يرفع القضية إلى المجلس الجهوي وكيل الملك من تلقاء نفسه أو بطلب من الرئيس، ويؤهل كذلك لرفع القضية إلى المجلس الجهوي، بواسطة وكيل الملك وبناء على تقارير الرقابة والتفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة وزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية:"
وتتميز مسطرة التحقيق في قضايا التأديب المالي، بالدور الهام الذي يلعبه وكيل الملك إذ يرجعه إليه بناء على ما يتوصل إليه من معلومات ووثائق، إما المتابعة، وفي هذه الحالة يلتمس من رئيس المجلس تعيين قاض مكلف بالتحقق. وفي نفس الآن يخبر الأشخاص المعنيين بالمتابعة طبقا للكيفيات المقررة في الفصول من 37 إلى  39 من قانون المسطرة المدنية. كما يخبرهم بإمكانية استعانتهم بمحام مقبول لدى المجلس الأعلى. وفي الوقت ذاته يخبر وزير الداخلية ووزير المالية. وإما حفظ القضية بمقرر معلل يبلغ إلى الجهة التي عرضت عليه القضية إذا ظهر له عدم وجود داع للمتابعة  ويحق لوكيل الملك التراجع عن قرار  الحفظ، في حال توصله بما يفيد وجود أسباب للمتابعة، وحسب المادة 59 من القانون  99-62  يمكن للمستشار المقرر القيام بجميع التحقيقات والتحريات لدى الأجهزة العمومية، أو الخاصة. للاطلاع على جميع الوثائق والاستماع  إلى جميع الأشخاص الذين يظهر أن مسؤوليتهم قائمة ، وإذا لم يستمع الشخص أو الأشخاص المتابعون، وكذا الشهود في طور التحقيق لطلبات المستشار المقرر. سواء تعلق الأمر بتقديم وثائق أو مستندات  أو الاستجابة للاستدعاءات الموجهة إليهم أو الإدلاء بالشهادة. فإنه في هذه الحالات جميعها يوضع المستشار المقرر الأمر إلى رئيس المجلس، الذي يمكنه أن يفرض على المعنيين بالأمر بموجب أمر غرامات تتراوح ما بين 500 و 2000 درهم حسب  المادة 69   من القانون 99-62.
كما يقوم المستشار المقرر، باطلاع وكيل الملك على مجريات التحقيق الذي يكون سريا وبعد أن يستكمل التحقيق يقوم المستشار المقرر بتوجيه ملف القضية بما في ذلك ملف التحقيق الذي قام به إلى وكيل الملك الذي يتوفر على أجل  15 يوما يبتدئ من تاريخ  توصله بملف القضية وذلك من أجل وضع ملتمساته.[74]
وبعد  هذه المراحل يصبح الملف بين يدي رئيس المجلس، الذي ترجع إليه صلاحية تقدير جاهزية القضية للبت من عدمها، وبالتالي بإدراجها في جدول جلسات المجلس أو الفروع المختص في حالة وجود فروع، ويستدعي المعني بالأمر قبل تاريخ  انعقاد الجلسة بخمسة عشر يوما على الأقل. 
وفي إطار مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية، فإن صلاحية تحريك مسطرة المراقبة تعود إلى سلطة الوصاية بشكل أحادي، بل حتى عندما يتعلق الأمر برفض المصادقة على الحساب الإداري، فإن أمر عرض المسألة على المجلس الجهوي يبقى من اختصاص سلطة الوصاية، إذ أن الأمر بالصرف للجماعة أو الهيئة المعنية يمكنه فقط أن يطلب من السلطة المذكورة عرض المسألة على المجلس الجهوي، ونفس الأمر بالنسبة للطرف  الرافض للحساب الإداري.
وفي حال طلب رأي المجلس الجهوي، سواء تعلق الأمر برفض المصادقة على الحساب الإداري أو بأي إجراء يتعلق بتنفيذ الميزانية، يعين رئيس المجلس بمجرد عرض القضية عليه مستشارا مقررا يتولى التحقيق في الملف داخل أجل شهر [75]. ويجوز لهذا المستشار الاستعانة بقضاة آخرين ومدققين من أجل إنجاز مهمته، كما يمكنه القيام بجميع التحريات التي يراها مفيدة سواء بالاطلاع على المستندات أو بالانتقال إلى عين المكان أن اقتضى الحال ذلك.[76]
وإذا كان المشرع قد أعطى للمستشار المقرر الصلاحيات اللازمة من أجل تكوين رأي موضوعي ومؤسس، فإن أجل شهر يبدو قصيرا جدا، فإن الغاية من فرض آجال قصيرة إرجاع الأمور إلى نصابها في مجال تدبير الميزانية والتدبير المالي للأجهزة العمومية المحلية.
وعند انصرام أجل الشهر المخصص للمستشار المقرر، يقدم هذا الأخير تقريره مشفوعا بالرأي الذي يقترحه، وبعد ذلك يتداول المجلس ويصدر رأيه الذي يبلغ إلى الجهة التي عرضت القضية، وهذه الجهة هي في جميع الأحوال سلطة الوصاية أو ممثليها على صعيد الجهة أو العمالة أو الإقليم، كما يبلغ هذا الرأي إلى الممثلين القانونين للجماعات المحلية أو الهيئات أو الأجهزة الأخرى المعنية.
وبناء على الآراء التي يبديها المجلس، يقرر وزير الداخلية أو الوالي أو العامل الإجراءات التي يجب اتخاذها. كما يقوم عند الاقتضاء ببرمجة مبلغ الفائض عن السنة المالية المعنية.
وعلى عكس الاختصاصات ذات الطابع القضائي وكذا مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية. يتمتع المجلس من خلال برنامجه السنوي بتعيين الهيئات والأجهزة التي ستكون موضوع مراقبة التسيير[77]،  ومن خلال  هذا البرنامج يقوم رئيس المجلس بتعيين المستشار أو المستشارين الذين يتولون القيام بعمليات المراقبة. ويتوفرون لهذه  المهمة على سلطات وصلاحيات واسعة، إذ يؤهلون "للاطلاع على كافة الوثائق أو المستندات المثبتة الكفيلة بتزويدهم بمعلومات حول تسيير هذه الأجهزة والاستماع إلى الأشخاص الدين يرون أن إفادتهم ضرورية"[78].
وحسب المادة 80 من القانون 9-62 توجه الملاحظات التي يسجلها القضاة القائمون بالمراقبة مسؤولي الأجهزة المعنية الذين يتوفرون على أجل شهرين من أجل الإدلاء بردودهم أو تقاريرهم التي يوجهونها إلى رئيس المجلس.
وحسب المادة 82 تتشكل هيئة المجلس الجهوي التي تتداول في تقارير مراقبة التسيير من خمسة أعضاء من ضمنهم الرئيس والقاضي الذي قام بالمراقبة، وبناء على نتائج المداولة وعلى ما تؤدي إليه الأبحاث والتحريات التكميلية، وكذا بناء على ما يمكن أن تتضمنه تعقيبات وردود مسؤولي الأجهزة موضوع المراقبة، يقوم المستشار المقرر حسب المادة 83 بإعداد تقرير خاص يتداول المجلس بشأنه كما تنص على ذلك مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 84. وحسب نفس المادة  فإنه في حالة اكتشاف مخالفات تتعلق بالتأديب المالي، أو عناصر مكونة  لتسيير بحكم الواقع يخبر وكيل الملك بذلك، أما في حالة اكتشاف مخالفات قد تستوجب عقوبة جنائية أو تأديبية فتطبق مقتضيات المادة 11 ، والتي تنص على إخبار وزير العدل أو السلطة التي لها حق التأديب.
وتنتهي  مسطرة مراقبة التسيير، بتوجيه رئيس المجلس الجهوي للتقارير الخاصة التي تداول بشأنها المجلس إلى وزير  الداخلية أو الوالي والعامل في حدود الاختصاصات المخولة لهم بموجب النصوص المطبقة، والى الوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم، الذين يمكنهم الإدلاء بملاحظتهم والتعبير عن آرائهم داخل أجل يحدده الرئيس على أن لا يقل عن شهر[79].
الفقرة الثانية: طرق الطعن في أحكام المجالس الجهوية للحسابات
يمكن الاعتراض على القرارات النهائية التي تصدرها المجالس الجهوية للحسابات، إما بطلب استئنافها أمام المجلس الأعلى للحسابات وإما بتقديم طلب مراجعتها.
وهكذا فإن القرارات أو الأحكام  النهائية التي يصدرها المجلس الجهوي للحسابات سواء في إطار النظر في الحسابات، أو التأديب المتعلق بالميزانية، و الشؤون المالية هي قابلة  لاستئنافها أمام المجلس الأعلى للحسابات[80] .
وللإشارة،  فإن طلب الاستئناف يوقف التنفيذ ما لم يكن حكم المجلس الجهوي مشمولا بالنفاذ المعجل، وفي هذا السياق يلزم على طالب الاستئناف إيداع عريضة لدى كتابة الضبط بالمجلس الجهوي  خلال الثلاثون يوما الموالية  لتاريخ تبليغ الحكم النهائي، ويشترط أن يتم تقديم عريضة الاستئناف طبقا للكيفيات والإجراءات المنصوص عليها في الفصلين  141 و  142 من قانون المسطرة المدنية، باستثناء مقتضيات  الفقرة الثالثة من الفصل 142 التي لايمكن تطبيقها.
أما الأطراف التي يحق لها التقدم بطلب الاستئناف فقد حددها المشرع في :
-         المحاسب العمومي أو ذوو حقوقه إما بصفة شخصية أو بواسطة وكيل.
-          وزير الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود الاختصاصات المخولة لهم.
-  النيابة العامة لدى المجلس الجهوي.
-         الممثل القانوني للجهاز العمومي المعني.
وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 47 من القانون 99–62 على أنه إذا رأت الهيئة أن طلب الاستئناف لا يستوفي جميع الشروط الشكلية، أصدرت قرارا نهائيا بعدم القبول، مما يعني ضرورة احترام الشروط الشكلية.
بعد تقديم عريضة الاستئناف، توجه كتابة الضبط بالمجلس الجهوي ملف الاستئناف إلى كتابة الضبط  بالمجلس الأعلى للحسابات، ويمكن بطلب من هذا الأخير أن يضاف إلى ملف الاستئناف الحساب موضوع الحكم المطعون فيه، كما يمكن له أن يأمر بأن ترسل إليه جميع المستندات التي يراها ضرورية .
بعد تسجيل عريضة الاستئناف، يوجه الرئيس الأول مباشرة ملف الاستئناف إلى رئيس الغرفة المختصة بالبت في طلبات استئناف الأحكام النهائية الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات[81]، حيث يقوم هذا الأخير بتعيين مستشار مقرر يكلف بالتحقيق.[82]
وبمبادرة من المستشار والمقرر، يتم تبليغ نسخة من العريضة إلى الأطراف المعنية الأخرى، أي الأطراف التي يحق لها تقديم طلب الاستئناف خاصة الممثلين القانونيين للأجهزة العمومية المعنية. وتتوفر هذه الأطراف على اجل ثلاثين يوما يبتدئ من تاريخ تبليغها عريضة الاستئناف. وذلك من أجل إيداع مذكراتها الجوابية لدى كتابة ضبط المجلس الأعلى للحسابات إضافة إلى كل الوثائق والمستندات المدعمة.[83]
ويتمتع المستشار المقرر بصلاحيات واسعة في التحقيق، إذ بإمكانه أن يأمر الأطراف المعنية بتقديم جميع التوضيحات أو التبريرات، كما يمكنه القيام بجميع التحريات سواء من خلال الوثائق أو بالانتقال إلى عين المكان.
وحسب المادة 47  فإن على هيئة الحكم أن تبت ، أولا في الشكل وذلك بالتأكد من أن طلب الاستئناف يستوفي جميع الشروط الشكلية وإلا أصدرت قرارا نهائيا بعدم القبول. أما إذا كان هذا الطلب مستوفيا جميع الشروط الشكلية قبلته الهيئة وبتت في الجوهر. غير أنه في حالة  اكتشاف عنصر جديد فقد نظمت المادة 135 من القانون 99-62 طلب مراجعة الأحكام النهائية الصادرة عن المجلس الجهوي. حيث يحق للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه بصفة شخصية أو بواسطة وكيل، بعد انصرام الأجل المحدد  للاستئناف، وقد خول نفس الحق  إلى كل من وكيل الملك، ووزير الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود الاختصاصات المخولة لهم تطبيقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، والوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة  أو العمالة  أو الإقليم والممثل القانوني للجماعات المحلية أو الهيئات أو المؤسسات العمومية المعنية.
ويمكن القول بأن طلب أو دعوى المراجعة بأنها الدعوى التي تهدف إلى "إعادة فحص من طرف نفس القاضي لقراره الذي أصبح نهائيا وذلك بسبب اكتشاف عنصر جديد". ونظرا لكون المسطرة  أمام المحاكم المالية مسطرة كتابية، ولكون الوثيقة المكتوبة  هي الحجة المقبولة أمام هذه لمحاكم، فإن اكتشاف عنصر جديد غالبا ما يكون في شكل وثيقة تكون سببا لإعادة النظر في الحكم الصادر عن المجلس الجهوي.
وتتمثل دعوى المراجعة في طلب محاسب مصرح بعجز في حسابه أو محكوم عليه  بغرامة مراجعة حكم يدينه ، وذلك بتقديمه لوثائق كانت موجودة قبل صدور الحكم ولكن لم يحصل عليها المحاسب إلا بعد أن أصبح هذا الحكم نهائيا، هذه الوثائق التي لو قدمت للقاضي عند البت لكان بالإمكان تغييره  لحكمه. وفي هذه النقطة بالذات يتميز طلب المراجعة عن الاستئناف الذي يطلب عن طريقه المحاسب من قاضي المحكمة مصدرة الحكم إصلاح هذا الحكم الذي يعتقد المحاسب أنه خاطئ، مدعما طلبه بنفس العناصر القانونية والواقعية التي كان في متناول القاضي مصدر الحكم الاطلاع عليها.
ويجب أن يتضمن طلب المراجعة الذي يودع بكتابة ضبط المجلس الجهوي الصادر الحكم عنه عرضا للوقائع والوسائل التي يحتج بها الطاعن. إضافة إلى نسخة من الحكم المطعون فيه وكذا الحجج والتبريرات المستند إليها في عريضة الطعن.
وتطبق قاعدة الحكم المزدوج أيضا على مسطرة طلب المراجعة، إذ يبت المجلس الجهوي في مرحلة أولى بحكم تمهيدي يبلغ إلى الأطراف المعنية لتقديم توضيحاتها وتبريراتها داخل اجل يحدده المجلس، وبعد فحص الوسائل المقدمة وكذا الاطلاع على مستنتجات النيابة العامة، يبت للمجلس في مرحلة ثانية بحكم نهائي[84].




خاتمة الفصل الأول
إن المتتبع للمسار التاريخي لتبلور الرقابة المالية القضائية بالمغرب، يجد أنه تم اعتماد الرقابة العليا للمالية العامة بصورة تدريجية، إذ تم الانتقال من اللجنة الوطنية للحسابات الى حين انشاء المجالس الجهوية للحسابات .
 وفي ظل القصور الذي أبانت عنه تدخلات الأجهزة العليا للرقابة على المال العام. وعدم مواكبتها للخيار اللامركزي بحيث عجزت عن متابعة وتأهيل طرق تدبير الشأن العام المحلي.
هكذا أناط المشرع بالمجالس الجهوية للحسابات عددا هاما من الاختصاصات، تجعل منه فاعلا أساسيا في الرقابة  على المال العام المحلي وتطوير أداء الجماعات المحلية. وتتوزع هذه الاختصاصات بين اختصاصات ذات طبيعة قضائية تتوخى زجر المخالفات خاصة  في إطار التأديب  المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، واختصاصات ذات طبيعة إدارية تتوخى تقويم الاختلالات وتقديم  التوصيات التي  من شأنها الرفع من كفاءة الأجهزة العمومية خاصة في إطار مراقبة  التسيير. إضافة إلى إبداء الرأي في الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية، ولممارسة هذه الاختصاصات تم تزويد المجالس الجهوية ببنية إدارية تتألف من رئاسة المجلس، والنيابة العامة، والمستشارين، والكتابة العامة، وكتابة للضبط، وتشكيلات المجلس خاصة الفروع التي يمكن أن يقسم إليها.
غير أن هذه الاختصاصات التي تمارسها المجالس الجهوية تتقاطع في كثير من الأحيان وبنسب متفاوتة مع الوظائف المنوطة بأجهزة أخرى ، أو تخضع لرقابة هذه الأجهزة خاصة في المجالات ذات الصبغة القضائية.
 وفي هذا الإطار فإن المشرع لم يأخذ بعين الاعتبار هذه الوضعية. وذلك بوضع آليات تمكن من التنسيق بين مختلف الأجهزة المتدخلة في مراقبة تدبير الشأن العام المحلي، وذلك من أجل تفادي التناقض في نتائج عمليات المراقبة التي يمكن أن تقوم بها أجهزة متعددة. إذ تمكن هذه الآليات من تفادي الازدواجية في المهام وترشيد المجهودات بعدم مراقبة نفس الأجهزة وبالتالي توسيع نطاق المراقبة إلى أكبر عدد من الوحدات الترابية.




[1]  -  عرف المغرب أول تجربة لامركزية سنة 1960 بمقتضى ظهير  23  يونيو 1960 يهم التنظيم الجماعي، بعد ذلك صدر ظهير  30 شتنبر 1976 الذي يشكل انطلاقة حقيقية لسياسة اللامركزية، هذا الأخير عرف بدوره تغييرا بمقتضى  ظهير 13  أكتوبر 2002 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي سيعرف آخر تعديل له سنة 2009.بموجب قانون17-08.
[2]  -  في هذا الإطار يمكن ذكر قانون المحاسبة العمومية لسنة 1958 ثم 1967. ثم إحداث مجموعة من أجهزة الرقابة  أهمها: اللجنة الوطنية للحسابات  1960، والمفتشية   العامة للمالية، ومراقبة الالتزام بالنفقات 1969 و 1976.
[3]  -  بالنسبة للرقابة الممارسة على الجماعات المحلية يمكن ذكر مراقبة صحة الالتزام بالنفقة مراقبة سلطة الوصاية، مراقبة المفتشية العامة  للمالية.
[4]  - إبرار (عائشة): "المجالس الجهوية للحسابات، دراسة مقارنة"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام"، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق، الدار البيضاء، السنة الجامعية  1998 /1999، ص68 .
[5]  - الظهير الشريف رقم : 124 – 02 – 1 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423  (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 99 – 62  المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[6]  -  التقرير السنوي عن أنشطة المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2004/ 2003، ص 36.
[7] -  (Hassan) HAOUAT : « l’administration du développement au Maroc «  édition orientale Oujda,  1994 , p. 120-130.
[8]  -  وفي هذا السياق تأتي الرسالة الملكية الموجهة إلى الجمعية العامة للمجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية في دورتها في السابعة بالرباط،  24  إلى  27  ابريل 2001 والواردة في تقرير  لجنة التشريع والعدل حول  مشروع قانون 99 -62.
[9] - اكريلان(صالح الدين)، "الميثاق الجماعي : قراءة تحليلية"، الطبعة الأولى ، مطبعة سافوار برنت،  2009، ص 30.
[10] - المواد من (35 – 45) من القانون  00. 78 المتعلق بالميثاق الجماعي بتاريخ 3 أكتوبر  2002.
[11]  -  المصدر : اللامركزية في ارقام" وزارة الداخلية  ، المديرية العامة للجماعات المحلية،  2004، ص 11.
[12]  -  نفس المصدر السابق، ص 14.
[13]  -  اسعد (ع المجيد) : " مالية الجماعات المحلية بالمغرب"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1995، ص 135.
[14]  -  السعيدي مزروع (فاطمة): "الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب"، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء 2004، ص 241.
[15]  -  حنين (محمد): "تدبير المالية العمومية الرهانات والاكراهات"، دار القلم للطباعة والنشر، الرباط ، الطبعة الأولى ، 2005، ص 183.
[16]  -  حيمود (محمد) : " إشكالية تقييم التدبير المالي المحلي، مقاربة نقدية على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة"، أطروحة دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني ،عين الشق، كلية الحقوق الدار البيضاء،  2002، ص 185.
[17]  -  الظهير الشريف رقم 195- 07 -1  الصادر في 19 ذي القعدة 1428 الموافق لـ 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون رقم  06 – 47 المتعلق بالجبايات المحلية.
[18]  -  مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح أشغال الملتقى الجماعات المحلية بأكادير دجنبر 2006.
[19]  - جفري( سعيد): "الجبايات المحلية على ضوء التوجه الإصلاحي الجديد"،  أشغال اليوم الدراسي حول الإدارة المحلية والمنظم بجامعة الحسن الأول ، كلية الحقوق، سطات مارس  2007.
[20]  -  هذه المقتضيات تم تضمينها في المادة 1 – 234  L من مدونة  المحاكم المالية يراجع:
- Jean Yves Bertucci et Alain Dayelle, « l’examen des connexions relatives aux marchés en à des délégation de services publié ». AJDA du 20 mars 1995 , p. 200.
[21]  -  البند الثاني من المادة 118 من القانون  99 – 62.
[22] - حسب المادة 72 من  الرسوم المنظم للصفقات العمومية يمكن القيام بناء على سندات طلب. باقتناء توريدات يمكن تسليمها في الحال.
[23]  -  (ميلود) بوخال : " اختلال الإطار القانوني والتنظيمي لأملاك الجماعات المحلية": تخلف التشريع المغربي في مجال تحديد الملكية العامة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 6 ، ص 54.
[24]  -   جفري (سعيد): الرقابة على المالية المحلية"، م.س، ص 35.
[25] - حيمود (محمد): مرجع سابق ، ص 177.
[26]   -  انظر الظهير الشريف رقم 84. 97. 1 صادر في ذي القعدة  1417 (2  ابريل  1997) بتنفيذ القانون رقم  47 – 96 المتعلق بتنظيم الجهات ج.ر عدد 4470 بتاريخ 4/3/1997.     
[27]  -  جفري (سعيد) : مرجع سابق،ص  360.
[28] -  الخبشي (عبد العزيز) : "بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية "، المجلة المغربية للإدارة و التنمية، عدد 50 ماي يونيو 2003، ص 27.
[29]  - براو (محمد): "الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية، مساهمة في التأصيل الفقهي للرقابة القضائية على المال العام". الطبعة الأولى، طوب بريس ، الرباط، غشت 2004، ص 38.
[30]  -  انظر  الظهير الشريف رقم 84. 97. 1 صادر في 23  ذي القعدة  1417 (2  ابريل  1997)، المتعلق بتنظيم الجهات ج.ر عدد 4480 بتاريخ : 4 – 3 – 1997.
[31]  - تراجع توصيات المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية.
[32]  - مجيدي (محمد): "دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية"، أطروحة  لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق جامعة محمد الخامس، اكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية،  2006/2007، ص 193.
[33]  -  حيمود (محمد): مرجع سابق ،ص177.
[34]  -  هذا الجهاز منظم بموجب مرسوم رقم 577. 76. 2 المؤرخ في  30 شتنبر 1976 ، منشور بالجريدة الرسمية ، عدد 3335، مكرر بتاريخ فاتح أكتوبر 1976.
[35]  - خدري (إدريس): "الفحص والتدقيق والتقويم   الجهوي"، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، عدد: 45، 2001 ، ص: 99.
[36]  - امويني (نعيمة): "إشكالية الرقابة المالية المحلية مؤسسة القابض كنموذج"، المجلة المغربية للإدارة  المحلية والتنمية ، عدد 34، أكتوبر 2000، ص 122.
[37]  -  حيمود (محمد) : مرجع سابق، ص: 179.
[38]  -  أديبا (محمد عالي): "إشكالية الاستقلال المالي للجماعات المحلية بالمغرب"، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء،ـ السنة الجامعية 200- 2001، ص 8 .
[39] -   تنص المادة 119 من القانون 99 – 62  المتعلق بمدونة المحاكم المالية على ما يلي: يتألف المجلس الجهوي من قضاة يسري عليهم النظام الأساسي الخاص المنصوص عليه في الكتاب الثالث من هذا القانون وهم:
-          رئيس المجلس الجهوي
-          وكيل الملك
-          المستشارون
-          ويتوفر المجلس الجهوي للحسابات على كتابة عامة وعلى كتابة للضبط.
[40]  -  وحسب الفقرة الثالثة من الفصل الثالث من المرسوم الملكي رقم 66-330 بتاريخ 21  ابريل  1976 بسن نظام  عام للمحاسبة العمومية " يعتبر محاسبا عموميا كل موظف أو عون مؤهل للقيام باسم منظمة عمومية بعمليات المداخيل= =والنفقات او تناول السندات إما بواسطة أموال أو قيم معهود إليه بها وإما بتحويل داخلي لحسابات وإما بواسطة محاسبين عموميين آخرين أو حسابات خارجية للمتوفرات التي يأمر بترويجها أو مراقبتها".
[41]  -  أنظر الفصل 114 من المرسوم رقم 576. 76. 2 بتاريخ 30 شنبر  1976 بسن نظام  محاسبة الجماعات المحلية وهيآتها ، ج.ر ، عدد 3335 مكرر.  المعدل بموجب ظهير الشريف رقم 02 . 09 . 1  المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها  الصادر في  22 صفر  1430  الموافق لـ 18 فبراير 2009 ، الجريدة الرسمية عدد 5711.
[42]  -  يعتبر محاسبا بحكم الواقع " كل شخص يباشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة عمليات قبض الموارد ودفع النفقات وحيازة واستعمال أموال أو قيم ملك أحد الأجهزة العمومية الخاضعة الرقابة المجلس أو من يقوم دون أن تكون له صفة محاسب عمومي بعمليات تتعلق بأموال  أو قيم ليست ف يملك الأجهزة المذكورة ولكن المحاسبين العموميين يكلفون وحدهم بإنجازها وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل"، أنظر المادة 41  من قانون 99 -62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية وكذا الفصل 10 من المرسوم المتعلق بسن نظام لمحاسبات الجماعات المحلية وهيئاتها.
[43]  -  انظر  الخبشي (عبد العزيز): "بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية"، المجلة المغربية للإدارة و التنمية، عدد 50 ،  2003، ص 30.
[44]  -  المادة 29 من قانون  99 -62  المتعلق بمدونة  أعمال المالية.
[45]  -  بناء على المادة 41 من القانون رقم 99 -62.
[46]  -  انظر براو (محمد) : مرجع سابق، ص 114.
[47] - Jean-Yves Bertucci et Alain Doyelle : « L’apurement des gestions de fait », op. cit. p. 245.
[48]  -  أنظر الفقرة الرابعة من المادة 118 من القانون رقم 99 – 92.
[49]  -  المادة 54 من نفس القانون.
[50]  -  اشركي (محمد)، "المحاكم المالية وديوان المظالم، الضمير المالي والضمير الإنساني"، مجلة ديوان المظالم العدد الثاني، يونيو 2005، ص 23.
[51] - الخبشي (عبد العزيز)، نفس المرجع السابق،ص  31.
[52]  -  على الرغم من كون هذه الرقابة تعتبر هي الأخرى رقابة قضائية بالنظر الى الجهاز الذي يشرف عليها. إلا أنها في جوهرها تبقى رقابة إدارية لتعلقها بالتنفيذ الإداري للعمليات المالية العمومية ولاعتمادها على مسطرة إدارية لا على إجراءات قضائية.
[53]  -  جفري (سعيد): مرجع سابق ، ص 59.
[54]  -  مجيدي (محمد) : "دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير آراء الجماعات  المحلية" ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية الحقوق ، الرباط، السنة الجامعية ،  2006/2007 ، ص 71.
[55]  -  الخبشي (عبد العزيز): مقال سابق، ص  33.
[56]  -  مجيدي (محمد): مرجع سابق، ص 74.
[57]  -  مجيدي (محمد): نفس المرجع السابق، ص  77.
[58] - Voir : Bruner (Nicolas) « les chambres régionales des comptes en France : une institution essentielle pour assurer la transparence de la vie locale », REMALD, N° 12., 1995, p. 57-58.
[59] -  Jean  Yves Bertucci et Alain : « Les demandes, 22 motivées d’examen de gestion «  AJDA N° 12, 1996, p. 104.
[60]   – التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2003-2004 ، ص 42
[61]  – للاطلاع أكثر على حقوق وواجبات قضاة المحاكم المالية ، انظر الباب الثالث من مدونة المحاكم المالية .
[62]  - تقرر أن يقسم كل مجلس جهوي إلى فرعين  المادة الأولى من أمر الرئيس الأول رقم 06. 491 الصادر في 16 مارس  2006 بتحديد عدد فروع المجالس الجهوية ج ؤ ، عدد 5420 بتاريخ 11 ماي 2006.
[63] -   Descheensker Christien : « le contrôle de la gestion des collectivités territoriales par les CRC » le courrier juridique des finances N° 93,  1998 , p31.-
[64]  -  مجيدي (محمد): "دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية"، مرجع سابق، ص 27.
[65]  -  انظر المادة  121-122 ، من القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
[66]  -  المصدر : التقرير السنوي لأنشطة المجلس الأعلى للحسابات 2003 و  2004 ، ص 100.
[67]  -  نفس المصدر .
[68]  -  المواد من  27  الى 40 من القانون  99 -62.
[69]  -   الفقرة الأخيرة من المادة 30 من القانون 99 – 62.
[70]  -  المادة 31 من القانون  99 – 62.
[71]  -  المادة 36 من القانون  99 – 62.
[72]- الفقرتان الثانية  والثالثة من المادة 37 من القانون  99-62.
[73]- المادة 130 من القانون 99-62.

[74]المادة 123 من قانون المسطرة الجنائية
[75]  -  الفقرة الأولى من المادة 144 من القانون 99-62
[76]الفقرات الثلاثة الأخيرة من المادة من  القانون 99-62.

[77]  -  نصت الفقرة الأولى من المادة 153 على أنه "يجوز لوزير الداخلية أو الوزير المكلف بالمالية أن يطلب من المجلس الجهوي إدراج قضية تتعلق بتسيير الأجهزة الخاضعة لرقابته في برنامجه السنوي".
[78]  -  الفقرة الثانية من المادة 151 من القانون 99-62.
[79]  - المادة 152 من القانون  99-62.
[80]  -  المادتين  1324 و 140  من القانون 99 – 62.
[81]  -  الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون 99 . 62.
[82]  -   الفقرة الرابعة من المادة 48 من القانون  99 -62.
[83] -  الفقرة  الخامسة من نفس المادة.
[84]  -  مجيدي (محمد) : مرجع سابق ، ص 48.
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات