المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

سلطات الجماعات المحلية في نزع الملكية من أجل المنفعة

 سلطات الجماعات المحلية في نزع الملكية من أجل المنفعة  مقدمــة:   الفصل الأول: الجماعات...


 سلطات الجماعات المحلية في نزع الملكية من أجل المنفعة 


مقدمــة:
 الفصل الأول: الجماعات المحلية ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة المفاهيم والأدوار:

 المبحث الأول: تعريف عمليات نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ومفهوم المنفعة العامة       والرقابة عليها وشروطها.
 المطلب الأول: تعريف عمليات نزع الملكية لأجل المنفعة العامة
 المطلب الثاني: مفهوم المنفعة العامة
 الفرع الأول: مفهوم المنفعة العامة في الشريعة الإسلامية
 الفرع الثاني: مفهوم المنفعة العامة في القانون الوضعي
المطلب الثالث: الرقابة على شرط المنفعة العامة


المطلب الرابع: شروط تطبيق مسطرة المنفعة العامة
المطلب الخامس: قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية
المبحث الثاني: دور الجماعات المحلية في نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
المطلب الأول: المجالس الجماعية و مجالس العمالات و الأقاليم
المطلب الثاني: الجهــات
المطلب الثالث: مجموعة التجمعات الحضرية
الفصل الثاني: نزع الملكية من أجل المنفعة العامة بين المساطير القانونية والواقع المحلي
المبحث الأول: الجماعات المحلية وعمليات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
 المطلب الأول: مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
  الفرع الأول:  المرحلة الإدارية
  الفرع الثاني: المرحلة القضائية
المطلب الثاني : التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
  الفرع  الأول : ضوابط  التعويض    
  الفرع الثاني:  امتدادات وعوائق التعويض
المبحث الثاني: نزع الملكية من أجل المنفعة العامة بين سلطة الوصاية وإمكانيات                         الجماعات المحلية
المطلب الأول: نزع الملكية من أجل المنفعة العامة و سلطة الوصاية
  الفرع الأول: المؤيدون لتدخل سلطة الوصاية
  الفرع الثاني: غيرالمؤيدون لتدخل سلطة الوصاية
المطلب الثاني: نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وإمكانيات الجماعات المحلية.
  الفرع الأول: محدودية إمكانيات الجماعات المحلية.
  الفرع الثاني: الإمكانيات التي توفرها القوانين المنظمة للجماعات المحلية.

خـــاتمة






مقدمة:
 باسم المنفة العامة, أصبحت الجماعات المحلية ؛المؤسسة الدستورية المنتخبة, المسؤولة عن التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية المحلية و الجهوية.
 فبحكم القانون ,أصبح للجماعات المحلية مرافق و تجهيزات عمومية محلية , و أنشطة اقتصادية متعددة.
 و لأجل تد بير و تنمية هذه المرافق و الأنشطة, فإن اختصاصاتها تصطدم أحيانا أمام مصلحة لكنها هذه المرة, خاصة, و محمية دستوريا؛ " حق الملكية و حرية المبادرة الخاصة مضمونان" ( الفصل 15 من الدستور 1996).
 لكن ككل المجتمعات فهذا الحق – حق الملكية – " للقانون أن يحد من مداها و ممارستها إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الإقتصادي و الإجتماعي للبلاد "."( الفصل 15 من الدستور 1996).
 فقانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة, قانون رقم 7.81 ( ظهير 06 ماي 1982)       " يخول حق نزع الملكية  إلى .. الجماعات المحلية.." ( الفصل 03 من قانون 7.81).
 هذا الحق  يخول باسم المنفعة العامة , هذه الأخيرة التي تتطور بتطور المجتمع و أنشطته و معتقداته و مؤسساته , لكن مهما تطور مفهوم المنفعة العامة فهو رهين بضرورة الموازنة ما بين المصلحة العامة و الخاصة ( الفصل الأول ).
 إن المقررات الصادرة عن الجماعات المحلية(مرسوم المنفعة العامة -الوزير الأول-ومقرر التخلي حسب الجهة؛ رئيس المجلس الجماعي أو العامل بالنسبة لمجالس العمالات و الأقاليم)  لنزع ملكية الخواص العقارية, عليها أن تحترم منطق الموازنة. و إلا تعرضت للنقض بسبب الشطط في استعمال السلطة, بل و في حالات أداء تعويضات إضافية ؛ كحالات الإعتداء المادي, خصوصا وأن الجماعات المحلية على اختلاف مؤسساتها,تشكو من قلة الموارد المالية للوفاء بالتزاماتها و ممارسة اختصاصاتها (الفصل الثاني ).
 لكن كيف يمكن تصور ممارسة الجماعات المحلية سلطة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة بسلطة فوقية و قبلية وصية عليها ؟.
وهل محدودية الإمكانيات المالية للجماعات المحلية مرتبط بضعف الموارد أم لغياب استراتجية عمل للنهوض بكل ما له علاقة بالمنفعة العامة المحلية ؟.
هل للجماعات المحلية سلطة أصلية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة أم أن هناك سلطات متداخلة؟
 ذلك ما سوف نحاول أن نستحضره من خلال هذا العرض.

الفصل الأول: الجماعات المحلية ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة المفاهيم والأدوار:
لا مناص قبل الخوض في تفاصيل الإجراءات الجوهرية التي تستند عليها مسطرة نزع الملكية بكافة حيثياتها، من التطرق إلى الإطار المفاهيمي والقانوني لهذه المسطرة، وعليه ارتأينا دراسة هذا الفصل عبر مستويين، خصصنا (المبحث الأول) لتعريف عمليات نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ومفهوم المنفعة العامة والرقابة عليها وشروطها، في المقابل سوف نتطرق خلال (المبحث الثاني) إلى دور الجماعات المحلية في مجال نزع الملكية وذلك عبر تسليط الضوء على الفاعلين الأساسيين على مستوى اللامركزية الترابية في تدبير الشأن المحلي العام.
 المبحث الأول: تعريف عمليات نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ومفهوم المنفعة العامة والرقابة عليها وشروطها.
لأخذ صورة مفاهيمية دقيقة وشاملة حول طبيعة نظام نزع الملكية، نرى أنه لا بد من إعطاء بداية ـ في مطلب أول ـ تعريف لعمليات نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ثم التطرق في ـ مطلب ثان ـ لمفهوم المنفعة العامة، فإبراز الإطار العام للرقابة على المنفعة العامة ـ المطلب الثالث ـ عقب ذلك سوف ننتقل إلى دراسة شروط نزع الملكية في ـ مطلب رابع ـ لنختم دراسة هذا المبحث بإعطاء نظرة موجزة للأساس القانوني لنظام نزع الملكية لأجل المنفعة العامة.
المطلب الأول: تعريف عمليات نزع الملكية لأجل المنفعة العامة
نزع الملكية للمنفعة العامة قرار يحرم بمقتضاه صاحب الملك العقاري من ملكية العقار جبرا عنه لتخصيصه للمنفعة العامة مقابل تعويض مادي ومنطقي، هذا الإجراء يعتبر بمثابة اعتداء صارخ على الملكية الفردية تمليه ضرورة ومقتضيات تحقيق المنفعة العامة.[1]
وعليه يمكن للجماعات المحلية أن تطبق مسطرة نزع الملكية لاقتناء عقارات يستوجبها إنجاز مشاريع اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية ذات منفعة عامة يصعب أو يستحيل اقتناؤها بالتراضي، يكمن هذا الامتياز في إجبار ملاكي العقارات، وغيرهم ممن بيدهم حقوق في العقارات اللازمة لمشاريع المزمع إنجازها على التخلي عن ملكية عقاراتهم وحقوقهم لفائدتها، برضاهم أو رغما عن إرادتهم في حالة وجود مانع قانوني أو واقعي يحول دون إبرام هذا التراضي. [2]
المطلب الثاني: مفهوم المنفعة العامة
إن مفهوم المنفعة العامة عرف تغييرا مواكبا لتطور المجتمعات وينبغي بالتالي رصد هذا التغيير انطلاقا من بعض القوانين والاجتهاد القضائي، وخاصة موقف القضاء الفرنسي والمصري، باعتبارهما من أصحاب السبق في هذا المجال.
والمغرب بصفته بلدا إسلاميا، عرف تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، ولكون هذه الأخيرة تعتبرا مصدرا من مصادر القانون المغربي، ينبغي بادئ ذي بدء التعرض لمفهوم المنفعة العامة على ضوء الشريعة الإسلامية (الفرع الأول) ثم مفهوم المنفعة العامة في القانون الوضعي(الفرع الثاني).
الفرع الأول: مفهوم المنفعة العامة في الشريعة الإسلامية
أثيرت بالمغرب قضية نزع الملكية من أجل المنفعة العامة في إطار مدى تطابقها مع أحكام الشريعة الإسلامية أثناء مناقشة مشروع اتفاقية الجزيرة الخضراء، وكذا أثناء إعداد ظهير 1914، ومادام الله هو خالق كل شيء وأن العبد مستخلف، فيحق بناء على أحكام الشريعة الإسلامية  التي تهدف إلى التضامن بين جماعة المسلمين والتعاون وتحث على الإنفاق في سبيل الله ومساعدة المستضعفين، أن تنزع الملكية ما دام القصد هو إسعاد المسلمين في استعمال ما نزع في القصد المعلن، ومن أبرز الدلائل على جواز نزع الملكية في الشريعة الإسلامية قصد تحقيق أهداف يستفيد منها كل مسلم ما وقع في عهد الرسول ص وبعده، فقد روي أن الرسول ص دخل المدينة المنورة، فتزاحم الأنصار لاستضافته فامسكوا بزمام ناقته، فقال لهم "دعوها إنها مأمورة" حتى توقفت في مكان معين فقال "هذا منزلنا"، وكان يوجد به مربد لبيع التمر في ملك يتيمين، وبه حديقة ومسيل لمياه الأمطار، وقبور للمشركين، فتم نزع الملك ودفع المقابل إلى ولي اليتيمين لكونهما محجورين وخصص لبناء المسجد، علما أن المسجد كان يشكل المقر الرئيسي للقيام بأمور الدين والدنيا. [3]
إن المنفعة العامة لا يضحى بها حتى من أجل فئة معينة، فطبيعة البشر هي تمني الأحسن، ففي هذا العصر، لا نزاع في أن مصلحة المسلمين تتطلب بناء العديد من المرافق  والمشاريع، فكيف يمكن تنمية المجتمع الإسلامي إذا رفض ملاك الأراضي المعنية تفويتها بالمراضاة تعنتا لعدم عمق إيمانهم بمبادئ الشريعة الإسلامية.
وإذا كان العلماء قد ضيقوا نطاق تطبيق مسطرة نزع الملكية أثناء استشارتهم لإعداد قانون نزع الملكية بالمغرب وأن حالات نزع الملكية التي أفتوا بها تتعلق بالمساجد، فالعلماء لا شك أنهم تخوفوا من سلب ملكيات المسلمين بدون مقابل عادل أكيد ويجب تفهم موقفهم في إطار مرحلة تاريخية لها دلالتها لأنه لم يكن في الماضي مطروحا إنجاز مشاريع من غير الطرق والمساجد، هذه الأخيرة كانت تكون على العموم مرفقا عاما بواسطته تسير أمور الناس.
وإذا كان هذا هو  حال مفهوم المنفعة في الشريعة الإسلامية في موضوع نزع الملكية، فما هو حال ذلك في القانون الوضعي؟

الفرع الثاني: مفهوم المنفعة العامة في القانون الوضعي
إن نزع الملكية من طرف السلطة العامة أو من تفوض له ذلك، في إطار النصوص القانونية التي تنظمه يهدف دائما إلى تحقيق مشروع ما يتسم بطابع المنفعة العامة، فتكون هذه الأخيرة تبعا لذلك مناطا لنزع الملكية وتدور معه وجودا وعدما، وفكرة المنفعة العامة مرادفة لفكرة المصلحة العامة ومناقضة تماما لفكرة المصلحة الخاصة، ويمكن تعريف الأعمال التي تستهدف المنفعة العامة بأنها الأعمال التي ترمي إلى خدمة المجتمع، سواء كان بطريق مباشر أو غير مباشر.
وإذا كان المشرع قد علق نزع الملكية على شرط المنفعة العامة إلا أنه لم يعرفها أو يحدد لها ضوابط معينة تاركا للإدارة حرية تحديدها، والإدارة في تحديد شرط المنفعة العامة تتمتع بسلطة تقديرية تتمثل في وجهين أساسيين:

 الوجه الأول: حرية الإدارة في اختيار العقار المناسب دون تدخل من جانب القضاء الإداري في هذا  التقدير.
الوجه الثاني: حرية الإدارة في تقدير المساحة المطلوب نزع ملكيتها لتنفيذ المشروع، فلا يجوز للأفراد مجادلة الإدارة في هذا الشأن بالقول أنها نزعت ملكية مساحة أكثر من القدر المناسب والملائم للمشروع، وباستقراء معظم القوانين الوضعية تبين أن من أقدم النصوص التي استعملت مفهوم المنفعة العامة هو القانون المدني الفرنسي الصادر سنة 1804 بعد أن كان التصريح العالمي لحقوق الإنسان والمواطن قد استعمل مفهوم المنفعة العامة في فصله 17 وكان كلا النصين إذ هما أجازا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة قررا وجوب أداء تعويض عادل حتى لا يؤدي إلى حرمان المواطن من حقه دون مقابل، إلا أن التعويض لم يكن كافيا للاستناد إلى ذلك المفهوم لإنجاز أي نوع من المشاريع. ذلك أنه اقترن آنذاك بنزع الملكية من أجل تكوين الملك العمومي وتنفيذ الأشغال العمومية وهو ما كان يساير أكثر الضرورة العامة على اعتبار أن تلك المشاريع تشكل حاجة ملحة بالنسبة للجماعة، ونظرا لعدم دقة مفهوم المنفعة العامة، قد عرف تطورا نتيجة تدخل الدولة وتفسير الاجتهاد القضائي...وبالنسبة للمشرع المغربي، فمما لاشك فيه أن واضعي ظهير 31/4/1914 حول نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت قد تأثروا بتلك القوانين وبالتفسير القضائي لمفهوم المنفعة العامة ولا سيما أن مشروع قانون في الموضوع كان قد تم عرضه على البرلمان الفرنسي سنة 1911، وبذلك تفادوا تحريف المنفعة العامة، وبقي الباب مفتوحا حتى تتمكن السلطة العامة أو من تخوله حق نزع الملكية من إنجاز أشغال معينة دون أن تكون بالضرورة تتوفر على خصائص محددة، كما أن ظهير  13/4/1951 احتفظ بجوهره فيما جاء به الظهير السابق، في حين أن القانون الجديد رقم 81/07 لم يسر على منوالهما، إذ اكتفى بالتصريح فقط أن نزع الملكية لا يتم إلا إذا أعلنت المنفعة العامة بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح من الوزير المعني بالأمر، كما أشار في فصله الثالث إلى أشغال أو عمليات معلن أنها ذات منفعة عامة دون سرد أمثلة لها، ولقد أحسن القانون الجديد صنعا عندما تحاشى التعرض حتى لمجرد أمثلة تفاديا لكل ما من شأنه تقييد مفهوم المنفعة العامة.
لكنه يلاحظ عمليا، أن مفهوم المنفعة العامة لم يعد يعرف قيودا معينة محددة مسبقا أمام تداخل عدة عوامل منها التطور الذي تعرفه مختلف المجتمعات الذي أفرز حاجيات جديدة تتطلبها حياة السكان كلا أو جزءا والدور الذي أصبح يلعبه الخواص في التنمية بشكل أو بآخر وسعي المواطنين والقانون إلى مزيد من الرقابة على الأموال العامة وتزايد عمق مراقبة القضاء لأعمال الإدارة، كل هذا أصبح يؤدي إلى صعوبة تعريف المنفعة العامة  تعريفا دقيقا وهو آخذ في الاتساع. [4]
المطلب الثالث: الرقابة على شرط المنفعة العامة
إذا كان القضاء عموما والقضاء الإداري على وجه الخصوص مطالب بعدم التضييق على الإدارة وبإيجاد حلول مرضية للتوفيق بين الرغبة في ممارسة السلطة العامة المخولة لها وضرورة  تمكين الأفراد من الحرية، فإن الإدارة مطالبة بأن تضع نفسها في أفضل الظروف والأحوال للقيام بهذا التقدير وأن تجريه بروح موضوعية بعيدا عن البواعث الشخصية ودافع الانتقام، وفي ظل هذا التصور يمكن القول بعدم إمكان وضع مقاييس محددة مسبقا لمراقبة حالات انحراف الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية والأمر موكول أولا وأخيرا للاجتهاد القضائي، وباستقراء أحكام القضاء سواء قضاء مجلس الدولة الفرنسي ـ باعتباره الرائد في هذا الميدان ـ أو القضاء الإداري المصري ـ الذي لا يقل أهمية عن القضاء الفرنسي ـ أو قضاء المجلس الأعلى المغربي، يمكن القول أن القضاء الإداري في البلدان الثلاثة من خلال مراقبته لشرط المنفعة العامة لذي تعتمد عليه الإدارة في نزع الملكية لم يغير من الشرط الجوهري اللازم لنزع الملكية، وهو توافر منفعة عامة تبرز هذا الإجراء، ذلك أن هذه المنفعة تعتبر المبرر المشروع للسماح للإدارة بنزع الملكية. [5]
كما أن المشرع حينما سمح بالمساس بحق الملكية، كلما دعت إلى ذلك ضرورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنه من ناحية أخرى ظل منسجما مع مبدأ تقديس حق الملكية وصيانتها، ولذلك، فإن مسطرة نزع الملكية لا تتوقف عند حدود المرحلة الإدارية، بل تمتد إلى المرحلة القضائية، وهي مرحلة دقيقة تم ضبطها قانونا، بغية إنصاف المنزوعة ملكيتهم وحمايتهم من كل تعسف.
وهكذا تعد الرقابة القضائية إحدى أهم الضمانات الأساسية للأفراد المنزوعة ملكيتهم، وقد جعل منها المشرع رقابة متميزة بشساعة نطاقها وتعدد آلياتها، كما تتغير خلالها الوضعية القانونية لأطراف الدعوى، هذا فضلا إلى تعدد أصناف الدعاوي والجهات القضائية المختصة التي تشكل هرم القضاء الإداري بالمغرب، خاصة بعدما خول القانون رقم 90-41 للمحاكم الإدارية الاختصاص بالنظر في النزاعات المتعلقة بنزع الملكية ولرئيسها صفة القاضي مستعجلات في ميدان نقل الحيازة ورفع الاعتداء المادي.
وطالما أن نزع الملكية يتم استنادا إلى مقرر إعلان للمنفعة العامة الذي يصدر عن الوزير الأول في شكل مرسوم، فإن الطعن في مشروعية هذه المقررات لا يتم إلا أما الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
وتشكل دعوى الإلغاء، بصفة عامة، ضمانة أساسية لتحقيق مشروعية تصرفات الإدارة وخضوعها لحكم القانون، ذلك أن رجل الإدارة في ممارسته للاختصاصات المنوطة به يجب ألا يخضع في تصرفاته وقراراته لما تمليه عليه الأهواء، وإنما يلزم أن يستند في كل ما يصدره من قرارت وما
يمارسه من نشاط، إلى أسباب واقعية تسوغ له ذلك.ولما كانت الوقائع هي مدار المنازعة في كل قرار إداري، بل هي أساس كل منازعة، وحولها تدور الرقابة القضائية على القرار الإداري، فإنه لا يكفي لتحقيق فعالية تلك الرقابة الوقوف بها عند التحقق من صحة الوقائع المادية، وإنما يلزم أن يكون لهذه الوقائع وجود قانوني، أي أن يكون تكييف الإدارة لهذه الوقائع وجود قانوني، أي أن يكون تكييف الإدارة لهذه الوقائع تكييفا يفتقد ونية المشرع حتى تصلح سببا لحمل قرارها. 
اعتبارا لذلك كان لزاما على القاضي الإداري أمام عجز وسائل الرقابة العادية عن استيعاب هذه التطورات وملاحقتها، أن يطور رقابته لتستجيب لتلك التغيرات، وذلك حتى يستطيع إعادة التوازن إلى نصابه ليوفر الحماية لحقوق الأفراد ويمنع الجور والحيف على حرياتهم، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية ابتدع مجلس الدولة الفرنسي العديد من النظريات في إطار توسيع رقابته على القرارات الإدارية،ومن أبرزها نظرية الموازنة، ليواجه بها حالات امتناعه عن رقابة الوقائع في قرارات المنعة العامة في مجال نزع لملكية، بل وليتجاوز نطاق هذه الحالات لينفذ إلى صميم التقدير الإداري ذاته، وسلط رقابته على مجالات جديدة للعمل الإداري، لهذا تعد نظرية الموازنة  إنجازا جديدا من إنجازات مجلس الدولة الفرنسي، الذي يرجع له الفضل في إرساء أساس قواعد القانون الإداري، سيما في الجانب المتعلق بالرقابة على الاختصاص التقديري للإدارة.
غير أن القضاء الإداري المغربي بالرغم من تأثره التاريخي بنظيره الفرنسي، ظل إلى عهد قريب متشبثا بأساليب الرقابة التقليدية على القرارات الإدارية بما فيها قرارات نزع الملكية، ولم تعرف اجتهادات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أحكاما تغير من مدى رقابتها لهذه القرارات إلى حدود سنة 1992، وذلك بصدور قرارها الشهير في قضية الشركة العقارية "ميموزا"، الذي شكل بداية التخلي عن المفهوم القديم للرقابة على القرارات الإدارية الصادرة بنزع الملكية،وتجاوزه إلى رقابة أكثر عمقا. [6]

المطلب الرابع: شروط تطبيق مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة
لا يمكن للسلطة العامة أو من يقوم مقامها اللجوء إلى نزع الملكية إلا إذا توافرت ثلاث شروط أساسية وهي:
الشرط الأول: نزع الملكية مرتبط بالمنفعة العامة
ومقتضى هذا الشرط أن المنفعة العامة هي مناط نزع الملكية ويدور معها وجودا أو عدما وعلى هذا
الأساس فإن الجماعة المحلية التي ترغب في نزع الملكية لإحداث مشروع ما، يتعين قبل سلوكها لمسطرة نزع الملكية واتخاذ مقرر في الموضوع عليها في المقام الأول أن تتأكد بأن المشروع الذي ترغب في إنجازه يستجيب لمعيار المنفعة العامة وإلا تعرض مقررها المتجسد في شكل مرسوم إلى النقض بسبب الشطط في استعمال السلطة ولذلك نص الفصل 6 من قانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية على أنه يخول نزع الملكية إلى الدولة والجماعات المحلية..للقيام بأشغال أو عمليات معلن أنها ذات منفعة عمومية"
غير أن نزع الملكية واسع النطاق ومتطور ويصعب ضبطه وتحديده نتيجة لتطور مفهوم الدولة الحديث بحيث أصبحت تتدخل في كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية بهدف تطوير المجتمع ورفاهيته.
الشرط الثاني: نزع الملكية مرتبط بالأملاك العقارية.
ومقتضى هذا الشرط أن حق نزع الملكية لا ينصب إلا على الأملاك العقارية المملوكة للأفراد والأملاك الخاصة التابعة للدولة مما يعني أن نظام نزع الملكية نظام عاري خالص لا يطبق مطلقا على المنقولات  غير أنه لا يجوز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر كالمساجد والكنائس وكذا المقابر، والعقارات التابعة للملك العام والمنشآت العسكرية تطبيقا لمقتضيات الفصل 4 من قانون نزع الملكية.
الشرط الثالث: حق نزع الملكية بثبت للسلطة العامة أو من يقوم مقامها.
جاء في الفصل الثالث من قانون نزع الملكية ما يلي:
"يخول حق نزع الملكية إلى الدولة والجماعات المحلية وإلى الأشخاص المعنويين الآخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام أو الخاص أو الأشخاص الطبيعيين الذين تفوض إليهم السلطة العامة حقوقها للقيام بأشغال أو عمليات معلن أنها ذات منفعة عامة"

أ‌-        الدولة
 هي شخص معنوي عام يثبت لها أصلا حق نزع الملكية فهي تمارس هذا الحق بواسطة بعض أجهزتها الوزارية التي تتمتع بسلطات واسعة في مجال بالمقارنة مع ما سواها نتيجة الاختصاصات الموكولة إليها.
إن السلطة الإدارية المختصة بنزع الملكية تختلف بحسب الجهة التي سوق تؤول إليها ملكية العقارات المنزوعة ملكيتها وتبعا لذلك، يمكن حصر السلطات المختصة بنزع الملكية على الشكل الآتي:
-       وزارة التجهيز والنقل ووزارة الطاقة والمعادن، إذا كان نزع ملكية العقارات لفائدة الملك العمومي للدولة كإنشاء السدود والقناطر والمطارات واستغلل مواد منجمية...إلخ
-       وزارة الفلاحة إذا كانت العقارات المراد نزع ملكيتها تهم الملك الخاص الغابوي مثل تشجير الأرض المنزوع ملكيتها.
-       مديرية الأملاك المخزنية التابعة لوزارة المالية إذا كانت العقارات المنزوعة ملكيتها تهم الملك الخاص للدولة كبناء إعدادية أو مدرسة أو مستشفى ونحو ذلك.



ب- الجماعات المحلية
هي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، واستنادا إل الفصل 2 من المرسوم التطبيقي لقانون رقم 81.7 المتعلق بنزع الملكية فإنه يحق لرئيس المجلس الجماعي أن يتخذ قرار نزع الملكية إذا كان القائم بنزع الملكية جماعة خضرية أو قروية أو أي شخص يفوض إليه هذا الحق.
غير أنه لا يجوز للجماعة أن تتخذ قرار التخلي أو نزع الملكية إلا بناء على مقرر المجلس الجماعي تطبيقل لأحكام البند 6 من المادة 37 من الميثاق الجماعي إذ نص على ما يلي: "يسهر (المجلس الجماعي على تدبير الأملاك الجماعية والمحافظة غليها وصيانتها ولهذه الغاية:
"يبت في الاقتناءات والتفويتات والمعاوضات والاكتراءات وكل المعاملات المتعلقة بعقارات الملك الخاص".
وعلى هذا الأساس فإن عبارة "كل المعاملات المتعلقة بعقارات الملك الخاص" الوارد في النص تفيد أيضا العمليات العقارية وموضوع نزع الملكية.

ج- الأشخاص المعنويين الآخرين الجاري عليهم القانون العام والخاص أو الأشخاص الطبيعيين.
- الأشخاص المعنويين الجاري عليهم القانون العام.
هي الأشخاص المعنوية العامة المتمثلة أساس في المؤسسة العمومية.
وقد عرف فقه القانون الإداري المؤسسة العمومية بأنها "مرفق عام يدار بواسطة منظمة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية العامة التي تكفل له الاستقلال الإداري والمالي تحت وصاية السلطة المركزية".
هذا، ويحق للمؤسسة العمومية نزع الملكية لأجل المنفعة العامة دون حاجة إلى التفويض من السلطة العامة الوصية عليها في حالة ما إذا كانت هذه النصوص القانونية المؤسسة لها تسمح بذلك.


-      الأشخاص المعنويين الجاري عليهم القانون الخاص أو الأشخاص الطبيعيين
من المعلوم أن المرفق العام إما يدار مباشرة من الدولة أو من قبل مؤسسات العمومية، وأحيانا قد تتنازل السلطة العامة أو من يقوم مقامها كالجماعات الحضرية أو القروية إلى أحد الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات أو الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) من أجل إدارة بعض المرافق الاقتصادية واستغلالها بواسطة عقود امتياز أو القيام بأشغال عامة بواسطة مقاولات  عن طريق صفقات عمومية.
والظاهر هنا أن تمتع أشخاص القانون الخاص بحق نزع الملكية يبدو إلى حد ما أمرا غير طبيعي لكن يمكن تبريره ما دام أن نزع الملكية في هذه الحالة لا يخدم مصلحة الملتزم بقدر ما هي تخدم مصلحة السلطة العامة ولحسابها خصوصا أن العقارات المنزوعة ملكيتها ستلحق في آخر المطاف بالملك الخاص للدولة أو من يقوم مقامها وذلك إما عاجلا بإلغاء عقد الامتياز إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك أو آجلا عند انقضاء مدة الامتياز.
وكل هؤلاء الأشخاص لا يحق لهم نزع الملكية إلا بناء على تفويض من السلطة العامة.
كما يجب أن يصرح بالتفويض داخل المرسوم وإلا عد نزع الملكية باطلا من أساسه.[7]


المطلب الخامس: قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية
بعد مرور ثلاثة أشهر وثلاثين سنة على سريان ظهير 3/4/1951 صدر الظهير الشريف رقم 54-81-1 بتاريخ 6/5/1982 بتنفيذ القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت والذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 22/12/1980.
وقد أعقبه بتاريخ 16/4/1983 مرسوم تحت رقم 382-82-2 بشأن تطبيق القانون رقم 81/7.
فما هي الأسباب التي دعت إلى إصدار هذا التشريع الجديد؟
لقد أبانت الممارسة العملية اليومية أن مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة قد أصبحت مسطرة كثيرة التعقيد سواء في مرحلتها الإدارية أو القضائية وأن سبب هذا التعقيد يعود بالأساس للنصوص القانونية نفسها، فمن جهة أولى، فقد أظهرت التجربة لأنه لا فائدة تجنى من بعض الإجراءات الإدارية الواجبة الاتباع. ومن جهة ثانية، فقد كان هناك حطأ في المنهاج الذي اتبعه المشرع في نقل الملكية من أجل المنفعة العامة، وكان من الطبيعي جدا أن يتدخل المشرع من جديد ليصلح ما أبانت عنه التجارب السابقة.
وفي هذا الصدد بادر المشرع إلى وضع بعض القواعد الجديدة أهمها:
أ‌-        الاستغناء عن إلزامية بعض الإجراءات الإدارية.
لقد نص الفصل 12 من ظهير 13 أبريل 1951  ومن قبله الفصل 10 من ظهير 1914 على وجوب إتباع مسطرة أولية تقتضي بالتفاوض مع المالك أو المفترض أنهم ملاك من أجل نقل الملكية بطريقة ودية، وتتم هذه المسطرة عادة باستدعاء جميع المعنيين بالأمر ملاكا كانوا أو أصحاب الحقوق العينية كالمنتفعين، أو من لهم حق سطحية على العقار وكذا أصحاب الحقوق الشخصية كالمكترين للعقار أو لجزء منه، وكذلك السلطة نازعة الملكية أومن يقوم مقامها للحضور أمام السلطات المحلية لمحاولة التفاوض من أجل اقتناء العقار المرغوب فيه بصفة رضائية، وتقوم
السلطة المذكورة بتحري محضر رسمي بشأن كل اتفاق شامل أو جزئي يتم بين الأطراف المعنية، ومن البديهي أن مثل هذه الاتفاقات ـ إذا ما تمت ـ من شأنها أن تسرع بنقل الملكية وتخنزل بذلك الإجراءات الموالية وخاصة ما اتصل منها بالمسطرة القضائية.
ولقد ابانت الممارسة العملية عن فشل هذا الإجراء إذا انتهى الأمر في نهاية المطاف إلى القيام بمسطرة روتينية لا أقل ولا أكثر بعدما تم إفراغها من مهمتها التوفيقية وأضحت قاصرة على الدور المنوط بها في سبيل إنهاء المسطرة عن طريق المراضاة مما يتحقق معه تخفيف العبء عن المحاكم المختصة.
ولأجل ما سبق، فقد استغنى المشرع في القانون الجديد عن إلزامية اللجوء إلى مسطرة الاقتناء بالتراضي، وترك لنازع الملكية الخيار في أن بسلكها أو يستغني عنها حسب ما تمليه الظروف وملابسات كل حالة على حدة.


ب‌-     تغيير نظرة المشرع إلى مسطرة نزع الملكية.
 بالنسبة لظهير 31/8/1914 وكذا ظهير 3/4/1951، فإن إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة سواء في مرحلتها الإدارية أو القضائية تتخذ في غالب الأحيان في مواجهة الملاك أو أصحاب الحقوق العينية أو الحقوق الشخصية التي تنقل العقار مباشرة، لذلك كان من اللازم البحث عن هؤلاء الأشخاص واحدا تلو الآخر والاتصال بهم بكيفية مباشرة وهو ما كان يجعل إجراءات نزع الملكية تتعثر لسنوات طوال وكثيرا ما تزيد الأمور تعقيد بوفاة أحد المالكين أو المنتفعين من نفس الحقوق، حيث تبدأ المسطرة من جديد في مواجهة الورثة بعد أن يترك لهم الوقت الكافي لإثبات صفتهم بالطرق المحددة قانونا.
أما بالنسبة للقانون الجديد، فإن الإجراءات الإدارية والقضائية المذكورة أصبحت تباشر من حيث المبدأ في مواجهة العقارات موضوع نزع الملكية وليس في مواجهة أصحاب الحقوق العينية والشخصية الواردة على تلك العقارات.[8]




[1] .المساطر القانونية لتدبير أملاك الجماعات الحضرية والقروية، ج 1، محمد شوراق، ص 87

[2] .دليل أملاك الجماعات المحلية، المديرية العامة للجماعات المحلية، سلسلة دليل المنتخب، ص18.

[3] قضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة، وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهادات المجلس الأعلى ص 210.

[4] القضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة، وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهادات المجلس الأعلى ص 210.
[5] . القضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة، وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهاداات المجلس الأعلى ص 215.
[6] مرجع سابق ص 159.
[7]. المساطر القانونية لتدبير أملاك الجماعات الحضرية والقروية، ج 1، محمد شوراق، ص 87
[8] قضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة، وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهادات المجلس الأعلى ص 144.


تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات