الجهوية من خلال النموذج الفرنسي
الجهوية من خلال النموذج الفرنسي
بعد الحرب العالمية الثانية تبنت العديد من الدول
الأوروبية خيار الجهوية الموسعة غير أن اختلاف الجهوية اختلف من بلد لآخر، انطلاقا
من الخصوصيات والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والثقافية
والديمقراطية. ونظرا للعلاقات الخاصة التي تربط المغرب بفرنسا ارتأينا أخد النموذج
الفرنسي في مجال الجهوية بهدف تقريب الصورة وإعطاء فكرة حول محاسن وسلبيات الجهوية.
يعتبر دستور الجمهورية الخامسة انعكاسا طبيعيا للتطور
التاريخي للنظام السياسي والاداري بفرنسا، وتجسيدا للقيم العليا للدولة
الديمقراطية، كما يعتبر ضمانة لاحترام أسس الجمهورية، التي تسعى إلى تحقيق مجموعة
من القيم والمبادئ، كمبدأ المساواة، والتضامن، وعلوية القانون، واحترام الخصوصيات
المحلية، والمحافظة على الوحدة الوطنية، بما يحول دون أية مطالبة بتخويل بعض
الجهات أنظمة خاصة، ذات بعد سياسي، كما هو الحال في التجربة الإيطالية والاسبانية
.
فالجهة في فرنسا لم تصل إلى صف الجماعة إلا بعد تطور
مكثف، انطلقت في البداية كمشروع يبغي إيجاد إطار قانوني إقليمي لعدم تمركز مصالح
الدولة، ولكن بعد تضافر الضرورات الاقتصادية المتصلة مباشرة بسياسات التخطيط
وإعداد التراب، ظهرت الجهة كجهاز بسيط للإدارة المحلية، ثم انتقلت بعد ذلك في سنة
1972 إلى إطار اللامركزية محدودة، قبل أن تصبح بموجب قانون رقم 213 الصادر في 02
مارس 1982 بمثابة جماعة ترابية حقيقية كالجماعات الحضرية والقروية والمقاطعات.
ومنذ هذا التاريخ، عرف تطور الجهة اندفاعا سريعا حتى صار عددها سنة 1985 حوالي 22
جهة، إضافة إلى الجهات الأربع لما وراء البحار .
وتميز عهد الرئيس "جيسكار ديستان" منذ 1976
لمعارضة فكرة الجهوية بدعوى أن من شأنها بعثرة فرنسا سياسيا، ومع صعود اليسار إلى
الحكم بقيادة "فرنسوا ميتران" سنة 1981، قد فتح ملف الجهوية من جديد.
الفقرة الأولى: التنظيم الإداري الجهوي الفرنسي.
عرف التنظيم الجهوي الفرنسي في ظل القانون 02 مارس 1982
تحولات جذرية، ارتقت بالجهة إلى مصاف الجماعات المحلية بحكم القانون، ومنحت
لأجهزتها المنتخبة- (المجلس الجهوي- رئيس الجهة)- صلاحيات واسعة، في مقابل تقليص
تلك الممنوحة للأجهزة المعنية (ممثل الدولة) وهو العكس الذي يوجد في التنظيم
الإداري للجهة بالمغرب بحيث يتمتع الوالي أو العامل بصلاحيات أقوى عن رئيس الجهة،
في حين تم تمتيع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالنظر إلى تركيبته المختلطة صلاحيات
استشارية.
وتتكون الجهة بفرنسا من تنظيم ثلاثي الهياكل وهي كالتالي:
1) المجلس
الجهوي:
يشكل المجلس الجهوي من المستشارين الجهويين، الذين يتم
انتخابهم بالاقتراع العام المباشر، بموجب قانون 10 يوليوز 1985، على أسس التمثيلية
النسبية، ووفقا للاقتراع اللائحي والتمثيل النسبي لمدة ستة سنوات. يمارس المجلس
دورا استشاريا (باعتبار الاستشارة إلزامية)، حول المشاكل الاقتصادية وإعداد
التراب، كما يساهم في إنجاز دراسات التهيئة الجهوية وإعداد وتنفيذ برنامج التهيئة.
ويعتبر رئيس المجلس الجهوي منذ قانون 02 مارس 1982
السلطة التنفيذية للجهة والأمر بالصرف وهو الأمر كذلك الذي لا يعمل به المغرب بحيث
يعتبر الوالي أو العامل هو الأمر بالصرف، رئيس المجلس الجهوي في النموذج الفرنسي
هو الذي تستدعي الأعضاء للجلسات ويرأسها، وينفذ المداولات، ويدير المرافق، كما
يمكنه تفويض بعض صلاحياته لنوابه أو لأعضاء المجلس الآخرين، يمارس هذا التفويض تحت
رقابة وعلى مسؤوليته وهو قابل دائما للرجوع عنه .
إن القانون رقم 213 الصادر في 02 مارس 1982 والمتعلق
بالحقوق والحريات قد اعتبر في الفصل 59 الجهة كجماعة ترابية يديرها مجلس جهوي
منتخب بالاقتراع العام المباشر، وقد تم توسيع اختصاصاته لتشمل ميادين التنمية
الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والعلمية وإعداد التراب وضمان المحافظة
على الهوية في إطار احترام وحدة واستقلال المقاطعات والجهات، بحيث لا يذوب شخصها
في الجهة.
2) ممثل
الدولة:
تقلص دور الدولة في ظل قانون 2 مارس 1982 في مجال
التنفيذ، كما عرف الدور الرقابي لممثل الجهة بدوره تقليص في المجال الإداري من
خلال حرمانه من سلطة الوصاية السابقة على مقررات المجلس الجهوي، بحيث أصبح رؤساء
المجالس يتمتعون بسلطة التنفيذ، وأصبح دور ممثلي الدولة في الجهة يقتصر على إحالة
المداولات والقرارات والأعمال والاتفاقيات التي يراها مخالفة للشرعية المحكمة
الإدارية للنظر فيها، حيث أصبح منحصرا في الاختصاصات التالة:
- إدارة
المصالح الخارجية للدولة.
- يتخذ
القرارات في كل المسائل التي من اختصاص الدولة.
- يمارس
الاختصاصات ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية.
وفيما يخص مجال المراقبة المالية، فإن الاختصاص أصبح
موكولا للمجالس الجهوية للحسابات، التي أصبحت تمارس الرقابة على القرارات المالية
للجهة.
3) المجلس
الاقتصادي والاجتماعي الجهوي:
يتشكل هذا المجلس من تركيبة مختلطة (ممثلين عن الهيئات
والنشاطات ذات الطابع الاقتصادي والثقافي والمهني والتربوي والرياضي في الجهة)،
حدد مرسوم 06 فبراير 1992.
ويشارك المجلس الاقتصادي والاجتماعي الجهوي في تسيير
القضايا الجهوية عبر إبداء آرائه الاستشارية بشكل إلزامي فيما يلي:
- الوثائق
المتعلقة بإعداد وتنفيذ البرنامج الوطني داخل الجهة، وكذا البيان السنوي لكيفية
تنفيذه، علاوة على كل الوثائق المرتبطة بالتخطيط وتصاميم التهيئة.
- وثائق
الميزانية لإبداء الرأي حول التوجهات العامة الجهوية.
كما يمكن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الجهوي إبداء
رأيه، إدا طلب منه ذلك في الصلاحيات المخولة للجهة.
الفقرة الثانية: مجالات اختصاص الجهات بفرنسا.
عرفت اختصاصات الجهات بفرنسا في ظل قانون 02 مارس 1982،
توسعا مهما ليشمل الاختصاصات التالية:
- التنمية
الاقتصادية.
- التخطيط
وإعداد التراب والتعمير.
- التربية
والتكوين والثقافة والبيئة.
- الشباب
والرياضة والأنشطة الترفيهية.
هكذا يلاحظ أن المشرع الفرنسي قد حرر الجهة من القيود
القانونية التي كانت تحد من نشاطها، وذلك عبر تقليص دور الدولة وممثلها
Le préfet في مجال التنفيذ
والرقابة، وعليه وسعيا نحو تكريس استقلالية الجهة تم إلغاء الوصاية السابقة على
مقررات المجالس الجهوية.
بقانون 02 مارس 1982، تكون التجربة الفرنسية قد دخلت
منعطفا جديدا في هذه المرحلة التي سيعرفها التطور في الاتجاه الإيجابي السليم،
وإذا كانت الفوارق الجهوية لا زالت موجودة في فرنسا فإن حثها قد تقلصت بشكل مثير
ولم تعد كما كانت خلال فترة الخمسينيات والستينيات.
وبالتالي فإن بناء المغرب لنظام الجهوية تقتضي معه دراسة
التجربة الفرنسية والوقوف على أهم النقط التي قد تفيد المغرب في هذا الصدد أي بناء
نموذج جهوي مغربي، يعني في نفس الوقت عدم التأثر الكبير بأي تجربة لأن خصوصيات
المغرب تفرض بناء نموذج خاص به.
Post a Comment