الجماعات المحلية وإحداث المجالس الجهوية للحسابات إن تبني مبدأ لا مركزية الرقابة العليا على الأموال العمومية من خلال إحداث مجالس جهوية ل...
الجماعات المحلية وإحداث
المجالس الجهوية للحسابات
إن تبني
مبدأ لا مركزية الرقابة العليا على الأموال
العمومية من خلال إحداث مجالس جهوية للحسابات، جاء نتيجة تظافر مجموعة من العوامل
تمثلت بالأساس في تنامي الوعي بأهمية الجماعات المحلية، و بالأدوار المختلفة التي
أصبحت تضطلع بها لأجل تحقيق التنمية الشاملة
والمستديمة. (مطلب أول)، إضافة إلى المحدودية التي أبانت عنها، أجهزة المراقبة
الكلاسيكية ذات النزعة المركزية (مطلب ثان).
المطلب الأول:
تطور الدور الاقتصادي للجماعات المحلية
يدخل إحداث
المجالس الجهوية للحسابات ضمن إطار مسلسل تقوية سياسة اللامركزية واللاتركيز
الإداري ببلادنا، تلك السياسة التي تخول للجماعات المحلية دورا مهما في تدبير الشؤون العمومية ما فتئ حجمه يتزايد باستمرار.[1]
فقد أضحت
الجماعات المحلية إلى جانب الدولة والقطاع الخاص شريكا رئيسيا في التنمية
الاقتصادية، إضافة إلى كونها تشكل المحيط الذي يمكن البحث في إطاره عن تطبيق
وانجاز خطة تنموية متكاملة، لاسيما مع تزايد اختصاصاتها وتطور مواردها المالية.
الفرع الأول:
التوسع المضطرد للاختصاصات
المحلية
أصبح الاهتمام
بالجماعات المحلية، كإطار ملائم للتنمية يتزايد باستمرار، إذ باتت تشكل في الغالبية العظمى من الدول أحد
الركائز الرسمية للعمل والتدبير الاقتصادي والاجتماعي على المستوى المحلي حيث بدأ الحديث عن الجماعة المقاولة كخيار
استراتيجي لمواجهة تحديات العولمة.
وهكذا تم نقل
الجماعة من مجرد أداء الخدمات الإدارية إلى التدخل الاقتصادي كتعبير عن تصور جديد
للتنمية مع بداية السبعينات[2]. وبدأ
المحلي يظهر كمستوى للتنظيم مؤهل للتحفيز والإبداع لأجل الانخراط في مسلسل التجديد
التنمية للهياكل والبنى.
ويبدو أن
المشرع المغربي بدوره قد واكب هذه المتغيرات، وأصبح يعي تمام الوعي بأهمية الدور
الاقتصادي للجماعات المحلية باعتبارها رافد أساسي للتنمية، يظهر ذلك جليا من خلال
الاختصاصات الكبرى التي منحها لهذه الأخيرة، في شتى المجالات ذات البعد التنموي.[3]
إذ لا ينكر أحد أن الاختصاصات المخولة للمجالس الجماعية هامة جدا وذلك ليس بالنظر إلى
تنوع المهام المنوطة بالمسؤولين والمنتخبين والإداريين، بل كذلك لتشعب
المواضيع والميادين التي تتناولها.[4]
فتبعا
لمقتضيات المادة 35 من القانون رقم 00. 78
الذي تم تعديله بموجب القانون رقم 08-17 الصادر بتاريخ 18 فبراير 2009
و المتعلق بالتنظيم الجماعي. "يفصل المجلس الجماعي بمداولاته في قضايا
الجماعة، ولهذه الغاية يتخذ التدابيراللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية".
وقد تم توزيع هذه الاختصاصات على عدة ميادين تشمل
بالأساس إعداد الميزانية والتصويت عليها، ووضع مخطط التنمية الاقتصادية
والاجتماعية للجماعة، ووضع برامج تجهيز
هذه الأخيرة على أساس الوسائل المتوفرة أو عرض الاقتراحات الكفيلة بتفعيل
التنمية المحلية على الإدارة مع المساهمة
في مقاولات الاقتصاد المختلط التي تعد إحدى الآليات الحديثة في مجال التدخل الاقتصادي للجماعة.[5]
وقد
استطاعت المجالس الجماعية بفضل هذه
الاختصاصات المساهمة، بنصيب وافر في إنعاش الاقتصاد المحلي وتنشيط مسلسل التنمية،
فعلى سبيل المثال بلغت مداخيلها ونفقاتها برسم سنة 2003 حوالي 20.860 مليون درهم.[6]
على صعيد آخر،
انتقل حجم المشاريع المنجزة من قبل المجالس الجماعية في إطار تنفيذ مخطط التنمية
الاقتصادية والاجتماعية 2000-2004، من
5526 مشروع سنة 2002 إلى 8290 مشروع سنة 2004، في حين وصل عدد المشاريع
المرتقبة برسم سنة 2004 إلى 14.013 مشروع.[7]
الفرع الثاني :
التطور الكمي للموارد المالية
المحلية
تعتبر الضرائب
والرسوم المحلية على المستوى المالي المقارن الأداة التمويلية الذاتية الأساسية في
تغطية النفقات[8].
ومن هذا
المنطلق، حظي موضوع إصلاح الضرائب والرسوم المحلية باهتمام كبير من طرف المشرع
المغربي لاسيما وان الموارد المالية للجماعات المحلية، ظلت غير كافية لمواجهة
حاجياتها المتزايدة ومواكبة التطور الذي عرفته اختصاصاتها.
وقد تمثلت أولى
بوادر إصلاح النظام الجبائي المحلي في مجيء قانون 23 ابريل 1984 (كإطار عام للإصلاح الجبائي للدولة). الذي أكد في فصله الأول على ضرورة
النهوض بالموارد المالية للجماعات المحلية،
والعمل على استقرارها مع مراعاة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار
العدالة الاجتماعية[9].
وتنفيذا
لتوجيهات قانون الإطار، صدر القانون رقم
89 – 30 بتاريخ 21
يونيو 1989 حددت بموجبه الضرائب
والرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيآتها، وذلك بهدف تنمية الموارد الجبائية
للجماعات وضمان مسايرتها لمتطلبات الحاجيات المحلية.
وقد تمكنت
المجالس الجماعية بفضل القانون الجديد من الرفع من حجم مواردها المالية الخاصة.
فعلى سبيل المثال انتقلت حصة الجماعات من عائدات الضريبة على القيمة المضافة
من 6.56 مليار درهم لسنة 2000 إلى 8.18 مليار درهم سنة 2004.[10] وهو
تقدم ملموس سيسمح لا محالة لهذه المجالس
بتحسين أوضاعها المالية وبالتالي توفير
البنيات الاستقبالية لمشاريع التنمية المحلية.
غير أن ما
يمكن الإشارة إليه، أن نسبة النمو في الموارد المحلية لم تساير نسبة نمو
الميزانيات الجماعية التي عرفت ارتفاعا ملحوظا وذلك نتيجة لضعف نسبة الموارد
الذاتية، الأمر الذي اضطرت معه الوحدات الترابية اللامركزية إلى اللجوء للموارد
الاستثنائية وخاصة الإعانات العمومية والقروض.
وهذا التنوع في موارد التمويل. لا يجب أن يخفي ضعف مساهمة
الموارد الذاتية الجماعية في دعم الميزانيات المحلية، في مقابل حضور قوي لإمدادات
الدولة بمختلف أشكالها، مما طرح راهنية تحيين المنظومة الجبائية في مستوياتها
الوطنية و المحلية في اتجاه الأخذ بعين الاعتبار المهام الاقتصادية والاجتماعية
للجماعات المحلية والتي لازالت تبحث عن مداخيل استقلالها المالي[11]. وهو
الأمر الذي أدى بالمشرع المغربي إلى سن القانون الجديد المتعلق بجبايات الجماعات
المحلية.
وهكذا وأمام
مجموعة الصعوبات والعوائق التي كانت تواجه القانون القديم 89 – 30 في التطبيق بشكل
يخل بمبدأ المردودية ويحول دون تحقيق مقاصد التنمية المحلية المنشودة، فقد أضحى
إصلاح الجبايات المحلية أمرا مطروحا بإلحاح ومحط مطالبة من طرف الباحثين والملزمين ومختلف الفاعلين على
المستوى المحلي. نظرا للوضعية التي توجد عليها الجبايات المحلية. هكذا تعزز النظام
الجبائي المحلي بصدور القانون رقم 06. 47
بتاريخ 30 نونبر 2007.[12]
إن تفعيل دور
الجماعات في مجال التنمية يستوجب إصلاح النظام الجبائي، و المالي والمحاسبي
للجماعات المحلية، في اتجاه تبسيطه وتحسين تدبيره والرفع من مردوديته.[13]
ويتجلى ذلك من
خلال التقليص العددي للرسوم المحلية. من خلال إلغاء مجموعة من الرسوم وهي على
العموم رسوم ذات مردودية ضعيفة. وهي ثمانية رسوم لم تتجاوز 30 مليون درهم سنويا. ثم ضم بعض الرسوم التي تؤسس
على نفس المادة الضريبية. حيث يتعلق الأمر بأربعة رسوم. وهو ما جعل العدد يتقلص من
40 ضريبة ورسم إلى 17 رسما في القانون رقم 89 – 30.[14]
فالرقابة على
المال العام المحلي، أصبحت لا تعني الاهتمام فقط بالجوانب ذات الأهمية والاقتصار
على مجالات معينة دون غيرها، ولكن هناك مجالات بالنظر إلى الرهانات المالية التي
تمثلها، والدور المحوري الذي تلعبه في
مسلسل التنمية المحلية. يجب أن تكون محل متابعة خاصة من طرف مجالس جهوية للحسابات. وفي هذا الإطار تعتبر عقود تدبير
المرافق العمومية والصفقات العمومية والأملاك الجماعية. من أهم المجالات التي يجب
أن ينصب عليها الاهتمام من طرف قضاة المحاكم المالية على المستوى المحلي .
وهو ما حدا
بالمشرع الفرنسي، إلى إعطاء ممثل الدولة في المحافظات والجهات صلاحية طلب رأي
الغرفة الجهوية للحسابات في عقود التدبير المفوض والصفقات العمومية التي تبرمها
الجماعات المحلية، إذ حسب المادة III. 47 من القانون 92 – 125 بتاريخ
6 فبراير 1992 الاتفاقيات المتعلقة
بالصفقات العمومية أو بتفويضات للمرفق العام يمكن نقلها من طرف ممثل للدولة في المحافظة
إلى الغرفة الجهوية، ويخبر السلطة الترابية بذلك[15] وقد
أحسن المشرع المغربي صنعا. عندما جعل من اختصاص المجالس الجهوية للحسابات مراقبة
تسيير المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره.[16]
ذلك ما من
شأنه، مساعدة الجماعات المحلية على
الاطلاع على كيفية تنفيذ بنود العقد الذي يربطها مع المقاولة صاحبة الامتياز، أو
غير ذلك من عقود التدبير المفوض للمرافق
العامة المحلية.
وتحتل
الصفقات العمومية كذلك مكانة متميزة
كوسيلة لتنفيذ الاعتمادات المقررة في مختلف مجالات تدخل الجماعات المحلية
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتتم مراقبة
جميع الجوانب المتعلقة بالصفقات العمومية، في إطار ممارسة المجالس الجهوية
للحسابات لاختصاصاتها المتعلقة بالتدقيق والبت في الحسابات. كما تعمل هذه المجالس
في نفس الإطار على التأكد من عدم تحايل بعض الآمرين بالصرف على المقتضيات التي
تفرض اللجوء إلى الصفقات العمومية، وذلك عن طريق اللجوء إلى
سندات الطلب التي لا تتطلب اللجوء إلى المنافسة بنفس الكيفية المقررة
للصفقات العمومية.[17]
وفي هذا
الإطار نجد أن الغرف الجهوية للحسابات في فرنسا تصرح بالعجز في حق
المحاسبين العموميين الذين يؤدون مبالغ
بناء على سندات طلب. في حين أن حجم هذه المبالغ يفرض اللجوء إلى إبرام صفقة
عمومية.كما تعتبر الأملاك الجماعية مصدرا أساسيا للموارد المالية للجماعات المحلية
وأداة رئيسية لتحقيق مشاريع التنمية المحلية، سواء تعلق الأمر بالعقارات أو
المنقولات.
ونظرا لأهمية الأملاك الجماعية سواء
كانت عامة أو خاصة عقارية أو منقولة، ونظرا للمشاكل المتعددة المرتبطة بها سواء من
جانب التدبير أو من جانب الإطار القانوني، فإنه أصبح من اللازم على القضاء المالي
المحلي أن يولي عناية واهتمام خاصين لهذه الأملاك.
ويتمثل تدخل
المجالس الجهوية للحسابات في هذا المجال على مراقبة وفحص مختلف عمليات الاقتناء،
والتخلي، والمعاوضة والصيانة التي تقوم بها الجماعات المحلية، خاصة منها تلك التي
تنصب على الأملاك العقارية. إذ بالإضافة إلى مراقبة الجوانب الشكلية والمسطرية
المقررة في مختلف النصوص التشريعية والتنظيمية، كما يجب أن تنصب المراقبة على مدى
فعالية عمليات الاقتناء أو البيع أو المعاوضة التي قامت بها الجماعات المحلية. من
حيث ثمن التفويت أو الملك المتبادل أو ثمن الاقتناء. ففي مجال كراء الأملاك الخاصة
الجماعية -على سبيل المثال- يلاحظ أن
العديد منها مكترى بثمن جد منخفض ودون مراعاة قواعد المنافسة، كما أن العديد من
العقود تعرف تجديدا ضمنيا وإن لم يكن منصوصا عليه رغم انتهاء المدة المحددة. ودون أن تعرف السومة
الكرائية أية زيادة لصالح الجماعات المحلية المالكة[18].
المطلب
الثاني:
محدودية دور
الأجهزة الرقابية الكلاسيكية
تعتبر آلية
المراقبة البعدية على المالية المحلية، بواسطة المجالس الجهوية للحسابات. الشرط
الموضوعي الأولي لضمان مراقبة فعلية وشفافة على الموارد العمومية المحلية ذلك أن
مركزية الهيئة العليا للرقابة المالية. لم
تساعد على ضمان الشمول والفعالية في الشأن الرقابي المالي المحلي.[19]
الفرع الأول:
دور الأجهزة الرقابية ذات الطابع الإداري
لقد أضحى
الاهتمام الجهوي للمراقبة القضائية. من خلال المجالس الجهوية للحسابات مطلبا ملحا
بالنظر للانتقادات المتراكمة، في الوقت الذي تعتبر فيه اللامركزية خيارا
استراتيجيا يراهن عليه لمواجهة المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية،بل وحتى السياسة
منها[20].
وينسجم اعتماد
المجالس الجهوية للحسابات، مع الخيار اللامركزي الذي انخرط فيه المغرب منذ السنوات الأولى للاستقلال سواء
في أبعاده المحلية أو الجهوية. بحيث حدد القانون رقم 96/47 المتعلق بتنظيم الجهات،
تطبيقا للمقتضيات الدستورية اختصاصات هذه المجالس على الصعيد الجهوي، إذ نصت
المادة 48 على أن "يتولى المجلس الجهوي للحسابات وفقا لأحكام الفصل 98 من
الدستور مراقبة حسابات الجهة وهيأتها
وكيفية قيامها
بتدبير شؤونها تطبيقا للنصوص التشريعية
الجاري بها العمل"[21].
إن إقرار
الامتداد الجهوي للمجلس الأعلى للحسابات. يرتبط أساسا بالدور المنوط بالتنظيم
الجهوي للدولة، فالتطور الإداري على المستوى الجهوي. يشكل في الحقيقة الإطار
المناسب لإقرار مجالس جهوية للحسابات، كما أن الخصوصيات العامة للإطار الجهوي تعمل
هي الأخرى على التأثير في الدور المنوط بهذه المجالس.[22]
وهكذا لوحظ
على أن عدة فروع من المنظومة الرقابية ذات الطابع الإداري تواجه مشاكل وصعوبات في
الرقابة على المال العام ، والمحافظة عليه وكذا متابعة طرق ووسائل تدبير الشأن
العام المحلي.
فبالنسبة
لمراقبة المفتشية العامة للمالية وعلى الرغم من المزايا التي تتمتع بها من قبيل
صلابة تكوين المفتشين، وتقنية التفتيش المفاجئ التي تجعل المحاسبين والآمرين
بالصرف في ترقب مستمر لزيارة المفتشين، إلا أنها تعاني بدورها من بعض المشاكل في
مقدمتها عدم قدرة البرنامج السنوي على تغطية التراب الوطني، إذ يكتفي فقط
باختيار بعض النماذج التي ستخضع لعملية
التمحيص. إضافة إلى هجرة المفتشين إلى مرافق أخرى خاصة المقاولات العمومية التي
تحتاج إلى خبرتهم المالية مما يضعف من وجود المورد البشري. وتحول المفتشية إلى
هيأة لتكوين الأطر المهاجرة بدل أن تكون
هيأة عليا للمراقبة[23].
وكانت محكمة الحسابات الأوروبية قد لاحظت
منذ سنة 1994، عدم فعالية التدقيق الذي تقوم به المفتشية العامة للمالية، لأنها
ليست هيأة مستقلة للرقابة وبالتالي غير مؤهلة لتدقيق البرامج التي يمولها الاتحاد
الأوروبي في المغرب.[24]
نفس الشيء
يذكر بالنسبة لمراقبة المفتشية العامة
للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية المحدثة بمقتضى مرسوم رقم 100.94. 2
الصادر في 16 يونيو 1994. والتي أنيطت بها
مهمة المراقبة والتحقق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح
التابعة لوزارة الداخلية والجماعات
المحلية وهيأتها، فعلى الرغم من توفره على موارد بشرية وأطر كفئة فقد ظل نشاطه
محدودا على مستوى إخضاع الجماعات المحلية وهيآتها للرقابة والتدقيق الكفيل بحماية
المال العام.[25]
وتخضع
الجماعات المحلية بالمغرب وهيآتها. إلى نظام للوصاية تمارسه الدولة من خلال وزارة
الداخلية بشكل رئيسي ووزارة المالية. كما تشمل هذه الرقابة الأعمال والقرارات
الصادرة عن هذه الأجهزة.
وهكذا تضمنت
القوانين الثلاث المنظمة للجهات والعمالات والأقاليم، والجماعات الحضرية والقروية،
وهيئات مختلف أصناف هذه الجماعات أبواب تتعلق بالوصاية على أعمال هذه الجماعات وهيآتها.
وإذا كان الاتجاه الذي اعتمده المشرع المغربي في
نظام الوصاية الإدارية قد تم تبريره بسبب غياب المراقبة البعدية أو اللاحقة.[26]
وبغض النظر عن
عدم فعالية المراقبة السابقة في تتبع تنفيذ ما تمت المصادقة عليه، فإن خلق المجالس
الجهوية للحسابات غلب كل هذه المعطيات السابقة. فالمسؤوليات الجديدة التي أصبح
يتحملها المنتخبون وخاصة رؤساء المجالس في مواجهة المحاكم المالية الجهوية، والدور
الرقابي والتقييمي الذي أنيط بهذه
الأخيرة.
كل هذا أصبح لا يتناسب مع مفاهيم من
قبيل الحلول والملاءمة. إذ لا يتصور أن
تتم مساءلة رئيس جماعة حضرية أو قروية عن
الكيفية التي يدير بها شؤون جماعته وكيفية
استخدامه للموارد المالية المتوفرة إذا كان الاستعمال وهذا التدبير تشارك في
التقرير فيه أجهزة وسلطات أخرى هي بالضرورة ليست مسؤولة لا أمام السكان الذين
انتخبوه ولا أمام الأجهزة السياسية والقضائية
التي عليه تقديم الحساب أمامها، أي الهيئة التداولية المعنية والمجلس
الجهوي للحسابات المختص[27].
ففي فرنسا تم
خلق الغرف الجهوية للحسابات، كتعويض على حذف الرقابة السابقة على قرارات الجماعات
المحلية، ومن أجل إناطة مراقبة المالية والتدبير المحليين بأجهزة متخصصة ومحايدة.
في حين تم الاحتفاظ بالرقابة المسبقة للسلطات المركزية على أهم القرارات الصادرة
عن الجماعات المحلية، ذات الطابع المالي بالخصوص.
الفرع الثاني:
دور الأجهزة الرقابية ذات
الطابع القضائي
إن التطوير
المجالي لمؤسسة المجلس الأعلى للحسابات يعمل على المساهمة المباشرة في تثبيت أسس الديمقراطية على المستويين المحلي والجهوي.
وعلى هذا
الأساس، لم تستطع مختلف فروع المنظومة الرقابية مواكبة الخيار اللامركزي بحيث عجزت
عن متابعة، وتأهيل طرق التدبير المحلي بمختلف مستوياته المالية والمحاسبية، وهو ما
ترجم على أرض الواقع بتسجيل خروقات عكست
قصور الهيئات الرقابية، عن الاضطلاع بمهام مراقبة حسن تدبير المال العام من قبل
الجماعات المحلية، بدءا بمراقبة صحة الالتزام
بالنفقات التي يتولاها القابض
الجماعي إلى جانب متابعة التصرفات المالية للآمرين بالصرف، مرورا بمراقبة
أجهزة الوزارات الوصية. وصولا إلى المراقبة
القضائية المتمثلة في المجلس الأعلى
للحسابات. هذا مع ذكر سلطة الوصاية التي
لم تفلح رغم تعدد تدخلاتها في إيقاف
النزيف المالي والتدبيري عموما[28].
فمؤسسة القابض التي تقوم بدور مزدوج. حيث وظيفة المحاسب العمومي والمراقب المالي يجعلها لا ترقى إلى مستوى مؤسسة رقابية تساهم في الحفاظ على المال العام
المحلي.
في هذا
السياق ينحصر دور القابض المالي[29]، في
الاهتمام أساسا بالجانب القانوني وبالخصوص
أثناء إنجاز وتنفيذ النفقة العمومية. حيث يركز على مدى ملاءمة النفقة للقوانين
والمسار ويغفل أهمية البحث عن فعاليتها ومردوديتها
أي التركيز على رقابة المشروعية. وهنا تبدو رقابة القابض المالي رقابة الشكل، في
حين يتم إغفال دوره الأصلي كمحاسب عمومي ملزم بتقديم حسابات التسيير سنويا إلى
المجلس الأعلى للحسابات[30].
ثم إن عملية
تنفيذ الميزانية المحلية، التي يقوم بها كل من الأمر بالصرف والقابض الجماعي خاصة
فيما يتعلق بالتنفيذ الإداري، الذي يقوم به الأول والتقييد المالي والمحاسبي الذي
يقوم به الثاني، تعطي بعض الامتيازات للآمر بالصرف على حساب القابض حيث لاتمارس عليه رقابة أقوى كالتي تمارس على
القابض. وهذا يوضح لنا الخلل في مسؤوليتهما من حيث النوع والهدف[31].
إضافة إلى
ذلك، تأتي المجالس الجهوية للحسابات استكمالا للامتداد الجهوي للمراقبة القضائية،
ذلك أن إحداث المحاكم الإدارية يعتبر الإطار القانوني الموازي والمكمل لاختصاص هذه المجالس، فالأولى تنظر في تطبيق
المقتضيات القانونية المتعلقة بالاختصاص المحلي في جانبه الإداري والمالي. أما
الثانية فتقوم بمهمة المراقبة على التنفيذ المالي والموازني للجماعات المحلية. لذلك فإن ظروف و شروط ممارسة
المحاكم الإدارية لاختصاصاتها القانونية
ترتبط في ذات الآن بالدور الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات[32]، خاصة
وان الرقابة المالية بواسطة المجالس الجهوية للحسابات تفترض رقابة ثانية موازية
لها. وهي رقابة المشروعية المنوطة أساسا بالمحاكم الإدارية.
لهذا فإن خلق
مجالس جهوية للحسابات على غرار المحاكم الإدارية يتجه نحو تحقيق انسجام التنظيم
الإداري والقضائي بالمغرب، لاسيما عبر إسناد
اختصاصات رقابية لجهاز قضائي مستقل مؤهل أكثر من غيره لتتبع التدبير المالي
المحلي تفعيلا للاستقلال المالي والتدبيري الذي يفترض أن تنعم بهما الوحدات
الترابية اللامركزية.[33]
[2] - (Hassan) HAOUAT :
« l’administration du développement au Maroc « édition orientale
Oujda, 1994 , p. 120-130.
[3] - وفي
هذا السياق تأتي الرسالة الملكية الموجهة إلى الجمعية العامة للمجموعة العربية
للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية في دورتها في السابعة بالرباط، 24 إلى
27
ابريل 2001 والواردة في تقرير لجنة
التشريع والعدل حول مشروع قانون 99 -62.
[4] - اكريلان(صالح الدين)،
"الميثاق الجماعي : قراءة تحليلية"، الطبعة الأولى ، مطبعة سافوار
برنت، 2009، ص 30.
[8] - اسعد
(ع المجيد) : " مالية الجماعات المحلية بالمغرب"، مطبعة النجاح
الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1995، ص 135.
[9] -
السعيدي مزروع (فاطمة): "الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب"،
مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء 2004، ص 241.
[10] - حنين
(محمد): "تدبير المالية العمومية الرهانات والاكراهات"، دار القلم
للطباعة والنشر، الرباط ، الطبعة الأولى ، 2005، ص 183.
[11] - حيمود
(محمد) : " إشكالية تقييم التدبير المالي المحلي، مقاربة نقدية على ضوء
التوجهات الرقابية الحديثة"، أطروحة دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة
الحسن الثاني ،عين الشق، كلية الحقوق الدار البيضاء، 2002، ص 185.
[12] -
الظهير الشريف رقم 195- 07 -1
الصادر في 19 ذي القعدة 1428 الموافق لـ 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون
رقم 06 – 47 المتعلق بالجبايات المحلية.
[14] - جفري( سعيد): "الجبايات المحلية على ضوء
التوجه الإصلاحي الجديد"، أشغال
اليوم الدراسي حول الإدارة المحلية والمنظم بجامعة الحسن الأول ، كلية الحقوق،
سطات مارس 2007.
- Jean
Yves Bertucci et Alain Dayelle, « l’examen des connexions relatives aux
marchés en à des délégation de services publié ». AJDA du 20 mars 1995 ,
p. 200.
[17] - حسب المادة 72 من الرسوم المنظم للصفقات العمومية يمكن القيام
بناء على سندات طلب. باقتناء توريدات يمكن تسليمها في الحال.
[18] -
(ميلود) بوخال : " اختلال الإطار القانوني والتنظيمي لأملاك
الجماعات المحلية": تخلف التشريع المغربي في مجال تحديد الملكية
العامة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 6 ، ص 54.
[21] - انظر
الظهير الشريف رقم 84. 97. 1 صادر في ذي القعدة
1417 (2 ابريل 1997) بتنفيذ القانون رقم 47 – 96 المتعلق بتنظيم الجهات ج.ر عدد 4470
بتاريخ 4/3/1997.
[23] -
الخبشي (عبد العزيز) : "بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة
الممارسة على مالية الجماعات المحلية "، المجلة المغربية للإدارة و التنمية،
عدد 50 ماي يونيو 2003، ص 27.
[24] - براو (محمد): "الوجيز في شرح قانون
المحاكم المالية، مساهمة في التأصيل الفقهي للرقابة القضائية على المال
العام". الطبعة الأولى، طوب بريس ، الرباط، غشت 2004، ص 38.
[25] -
انظر الظهير الشريف رقم 84. 97. 1
صادر في 23 ذي القعدة 1417 (2
ابريل 1997)، المتعلق بتنظيم
الجهات ج.ر عدد 4480 بتاريخ : 4 – 3 – 1997.
[27] - مجيدي (محمد): "دور المجالس الجهوية
للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية"، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق جامعة محمد
الخامس، اكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية، 2006/2007، ص 193.
[29] - هذا
الجهاز منظم بموجب مرسوم رقم 577. 76. 2 المؤرخ في 30 شتنبر 1976 ، منشور بالجريدة الرسمية ، عدد
3335، مكرر بتاريخ فاتح أكتوبر 1976.
[30] - خدري (إدريس): "الفحص والتدقيق
والتقويم الجهوي"، المجلة المغربية
لقانون واقتصاد التنمية، عدد: 45، 2001 ، ص: 99.
[31] - امويني (نعيمة): "إشكالية الرقابة
المالية المحلية مؤسسة القابض كنموذج"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 34، أكتوبر 2000، ص
122.
[33] - أديبا
(محمد عالي): "إشكالية الاستقلال المالي للجماعات المحلية بالمغرب"،
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء،ـ السنة الجامعية 200-
2001، ص 8 .
ليست هناك تعليقات