Header Ads

الرقابة على المقاولة العمومية

منذ أمد ليس بالقصير ظهر بوضوح تحول فكرى وعملي حيال موضوع دور الدولة في المجال الاقتصادي ومحاولتها إحكام قبضتها على الأنشطة الاقتصادية لمواجهة كل التحديات التي يفرضها الواقع الاقتصادي الدولي والمحلي،خاصة في ظل  ما أفرزته الحربين الكونيتين من نتائج كان لها الوقع الكبير على اقتصاديات  دول العالم،ورغبة أغلب هده  الدول في الاستفادة واستدراك ما فاتها في المجال الاقتصادي،هدا ما جعل الدول تغيير من نهجها في الميدان
الاقتصادي  وبذلك  عملت على تنظيم وتوجيه وتخطيط كل ما من شأنه أن يشكل حافزا نحو بناء اقتصاد قوي ومتكامل،بل أصبحت تتدخل فيه بشكل مباشر وتمارس أنشطة صناعية وتجارية عن طريق المقاولة العمومية التي أصبحت أداة لتنفيذ المخططات والمساهمة في تنظيم وخلق انسجام اقتصادي ،وتنفيذ سياسة الدولة في المجال الصناعي والتجاري،فإنشاء المقاولات العمومية كان نتيجة لتطبيق سياسة الاقتصاد المختلط الذي تعتمد تقنياته على إشراك القطاعين العام والخاص في شركة واحدة، وتكون مساهمة الدولة في المقاولة العمومية إما بشكل مباشر،أو غير مباشر أو بصفة حصرية أو مشتركة ولعل هذه المساهمة في رأس المال هي التي تخول للدولة حق ممارسة الرقابة على المقاولة العامة، وتستهدف الدولة من وراء هذه الرقابة ضمان التوازن بين استقلالية وفعالية المقاولة العامة والحرص على احترام مبادئ التسيير السليم وتحقيق التناسق والانسجام ضمانا للمصلحة العامة التي تظل الشغل الشاغل للدولة ،فنتيجة لتعدد طرق تحقيق  هده ألأخيرة تلجأ الدولة إلى التنويع من تدخلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،ودلك بإنشاء مرافق عامة تغطي حاجة المواطنين لمصلحة ما.
لكن إنشاء المقاولة العمومية لابد أن تواكبه إجراءات عملية مصاحبة، سواء منها المتعلقة بالتأسيس أو تلك المتعلقة بمتابعة سيرها العادي،فمن خلال هدا الموضوع سوف نحاول التطرق لرقابة الدولة على المقاولات العمومية، وتهم هذه الرقابة الجانب الإداري والمالي باعتبارهما حجر الزاوية في نجاح أو فشل أي مقاولة عمومية،بالإضافة إلى الرقابة القضائية  والسياسية  التي تشكل الدعامة الأساسية لتقوم  هده المقاولات بالوصول إلى تحقيق الهدف الأساسي الذي أنشأت من أجله  .
انطلاقا من هدا التقديم يمكن طرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد ساهمت رقابة الدولة على المقاولات العمومية في بلورة الدور المفروض أن تقوم به؟
وعليه سوف نتناول الموضوع انطلاقا من  التصميم التالي:
المبحث ألأول:الرقابة الإدارية و المالية على المقاولات العمومية
المطلب ألأول:الرقابة الإدارية
المطلب الثاني:الرقابة المالية
المبحث الثاني:الرقابة القضائية والسياسية على المقاولات العمومية
المطلب ألأول:الرقابة القضائية
المطلب الثاني:الرقابة السياسة
المبحث ألأول:الرقابة الإدارية و المالية على المقاولات العمومية

من خلال هدا المبحث سوف نحاول أن  نتناول الرقابة الإدارية(المطلب ألأول) والرقابة الادارية(المطلب الثاني)

المطلب ألأول:الرقابة الإدارية


تشكل الرقابة الإدارية التي تمارس من قبل السلطات الإدارية المختصة على المقاولات العمومية عنصرا مهما في إنجاحها،وتشمل هده الرقابة المقاولات العمومية التي تتخذ شكل مؤسسات عامة ذات طابع صناعي أو تجاري وكذلك الشركات العامة ،وشركات الاقتصاد المختلط ،ثم المقاولات ذات الامتياز. و تتغير هذه الرقابة حسب شكل المقاولة العامة فبالنسبة للمؤسسات العامة التي تتخذ شكل مؤسسة عمومية تكون الرقابة الإدارية متجسدة في تعيين كبار المسؤولين عنها ،وذلك في تركيبة المجلس الإداري لهذه المؤسسات،وقد جاء القانون التنظيمي ألأخير الذي أقره مجلس الوزراء بتاريخ 7 فبراير 2012،تحت رقم 12.02 والمتعلق  بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور ليحدد المقاولات والمؤسسات العمومية  التي يختص بهام مجلس الوزراء والأخرى التي يختص بها مجلس الحكومة، حيث يصل عدد التعيينات التي تدخل في اختصاص مجلس الحكومة٬ إلى أزيد من 500 تعيين،فيما يختص مجلس الوزراء بالتعين في حوالي 39 مقاولة ومؤسسة عمومية إستراتيجية1 .  ومن جهة أخرى فإن مبادئ اللامركزية المرفقية تدفع بالسلطة المركزية إلى إجراء رقابتها على الهيئات اللامركزية.
أما بالنسبة للمقاولات العامة التي تتخذ شكل شركة ،فإنها تخضع لرقابة السلطات العامة من خلال تعيين الدولة لمندوب الحكومة المكلف بمراقبة تسيير الشركة،ناهيك عن تبعية الأجهزة المسيرة لتلك الشركات للدولة (الجمعية العامة للمساهمين /المجلس الإداري)حيث يتم بواسطة هذه الأجهزة توجيه نشاط الشركات بما يحقق السياسة العامة للدولة في الميدان الاقتصادي.

المطلب الثاني:الرقابة المالية

إن مساهمة الدولة في رأسمال المقاولات العمومية بشكل جزئي أو كلي يفرض عليها متابعة هده المساهمة بشكل دقيق،حيث يختص بممارسة هذا الحق وزير المالية باعتباره المسؤول عن تنفيذ السياسة المالية للدولة،وذلك طبقا للظهير الشريف رقم

 


      1-القانون التنظيمي الجديد رقم 12.02





1.03.195(1) الصادر في 11 نوفمبر 2003 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 69.00 الخاص بالمراقبة المالية للدولة على المنشات العامة وهيئات أخرى2-،وتأتي المقاولات و المؤسسات العمومية والمكاتب والشركات ذات الامتياز وكذا الشركات والهيئات المستفيدة من المساعدة المالية التي تمنحها الدولة أو الجماعات العمومية على رأس الأولويات.
يأتي وزير المالية على رأس الجهاز المركزي الذي يخضع له كل المراقبين الماليين والمحاسبين العموميين ويمارس بالإضافة إلى اختصاصاته التقليدية الحق في المصادقة على الميزانية والحسابات الختامية والسنوية وتمديد أو تقليص المساهمات المالية.ويتدخل في مساعدته للقيام بهذه المهام مراقبو الدولة المكلفين بالأداء ناهيك عن بعض الهيئات الأخرى كما هو الحال بالنسبة لمندوب الحكومة.طبقا لمقتضيات القانون 69.00. ولعل هذا التنظيم يتشابه مع نظيره في فرنسا فيما يخص المراقبة،حيث يمارسها وزير المالية الذي يتمتع في هذا المجال بسلطة التدخل في مجموعة من قرارات الوصاية الإدارية أو التقنية التي يتخذها بالمشاركة مع الوزير المعني بالأمر،كما يمارس سلطات خاصة عن طريق هيئة مراقبة الدولة أو المكلفين بمهمة المراقبة المالية.ونذكر على سبيل المثال لجنة مراجعة الحسابات والتي تقابلها في المغرب لجنة التدقيق التي نص عليها القانون 69.00 المتعلق برقابة الدولة المالية على المنشات العامة.
وتتحدد مهمة الرقابة المالية للوزير المكلف بالمالية على المقاولات العمومية طبقا لأحكام القانون في قيامه بتحديد كيفيات تطبيق هذا القانون بالنسبة إلى كل مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات العامة.ويحدد لهذه الغاية إجراءات تحضير الميزانيات والبيانات التوقيعية لمدة متعددة السنوات وإقرارها والتأثير عليها وطريقة مسك محاسبة الأمر بالصرف والمساعي الواجب على مراقب الدولة القيام بها وكذا السجلات والحاملات الأخرى المتعين مسكها من لدن الخازن المكلف بالأداء كما يقوم وزير المالية بمراقبة الوثائق التي يتم بمقتضاها توقع وتقييم وترخيص عمليات الاستغلال والتمويل والخزينة وعمليات الاستثمار برسم السنة المحاسبية المالية.




1- الظهير الشريف رقم 1.03.195الصادر في 11 نوفمبر 2003
2-قانون رقم 69.00 يتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى


المبحث الثاني:الرقابة القضائية والسياسية على المقاولات العمومية

تعتبر المحاكم المالية  التي جاءت في القانون التنظيمي رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية بتاريخ 13 يونيو 2002  1. هيأت عليا للرقابة على المال العام تناط بها مهام مراقبة تنفيذ الميزانية العامة،فيما تلعب السلطة التشريعية دورا حاسما في المراقبة السياسية،من خلال هدا المبحث سنحاول التطرق إلى الرقابة القضائية(المطلب ألأول)،والرقابة السياسية من خلال(المطلب الثاني).


المطلب ألأول:الرقابة القضائية
تم الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة دستورية،ودلك عقب التعديل الدستوري 13 شتنبر 1996 من أجل جعل المجلس الأعلى للحسابات يلعب دوره كاملا كمؤسسة عليا للرقابة،كما خصص التعديل الدستوري الجديد الباب العاشر للمجلس ألأعلى للحسابات باعتباره الهيأة العليا  للرقابة على المال العام وبصفته هيأة قضائية، مما يجعله عمليا في قلب  دائرة القضاء، ويجعل أمر  حماية المال العام من اختصاصه،ويكتسي عمل المجلس الأعلى للحسابات فيما يتعلق بمالية الدولة،والمجالس الجهوية للحسابات بخصوص المالية المحلية، أهمية كبيرة في ممارسة الرقابة القضائية  على  عمل المقاولات العمومية،ونص الدستور المغربي الجديد في الفصل 147 على أن المجلس ألأعلى للحسابات هو الهيأة العليا للمراقبة المالية بالمملكة 1.
وتتجسد  اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات أساسا في  مراقبة حسابات مرافق الدولة وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاولات التي تملك الدولة أو المؤسسات العمومية رأسمالها كليا أو بصفة مشتركة بين الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، إذا كانت هذه الأجهزة تتوفر على محاسب عمومي.

كما يلزم المحاسبون العموميون للأجهزة العمومية بأن يقدموا سنويا إلى المجلس، الحسابات أو البيانات المحاسبية وفق الكيفيات المقررة في النصوص الجاري بها العمل، كما يبث في الحساب أو البيان المحاسبي بقرار تمهيدي ثم بقرار نهائي. وعلاوة على اختصاصه في مجال تصفية الحسابات والبت فيها، يمارس المجلس الأعلى للحسابات وظيفة قضائية اتجاه كل شخص يتدخل دون أن تكون له صفة محاسب عمومي، في تدبير الأموال العامة سواء عن طريق التحايل على القانون أو عن جهل، فيصبح بالتالي محاسبا بحكم الواقع. 2
1-دستور سنة 1996،ودستور 2011
2-تقرير المجلس الأعلى للحسابات الموجود بالموقع الإليكتروني للمجلس

كما يمارس وظيفة قضائية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية اتجاه كل شخص أو موظف أو عون أحد الأجهزة العمومية الخاضعة لرقابة المجلس، يقترف إحدى المخالفات المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية وذلك في حدود دائرة اختصاص كل واحد منهم. ويتعرض المعنيون بالأمر للعقوبات المقررة لتلك المخالفات.
ويعمل أيضا  على مراقبة تسيير المرافق والأجهزة العمومية التي تندرج ضمن دائرة اختصاصاته لتقييم جودته ويقدم، إن اقتضى الأمر ذلك، اقتراحات حول الوسائل الجديرة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته. وتهم المراقبة كافة مظاهر التدبير.
ويمكن للمجلس القيام بمهام تقييم المشاريع العمومية بغية التأكد من المنجزات المحققة، وبلوغ الأهداف المسطرة لكل مشروع، بالنظر إلى الوسائل المرصودة له.1
وتقوم المجالس الجهوية والمجلس ألأعلى للحسابات بانجاز تقارير دقيقة ومفصلة عن السير العام لكل المؤسسات والهيئات التي تستفيد من مالية الدولة،وتحرص على تقديم توجهاتها إلى المؤسسات والمقاولات العمومية وباقي الهيئات فيما يخص الاختلالات  التي تعرفها،لكن وعلى الرغم من المجهودات المبذولة  في هدا الصدد إلا أنه تلقى انتقادات كثيرة ناتجة عن عدم إخراجه لبعض الملفات التي شابها الفساد إلى  الرأي العام، وتقديم المسؤولين عنها  إلى القضاء من جهة،ومن جهة أخرى فان الحيز الكبير من  تقاريره وتوصياته ظلت دون تفعيل وطي الكتمان فيما مضى،وجاء حادث  اعتقال كل من  بنعلو مدير مكتب المطارات السابق،وبرق الليل الذي كان  يشغل منصب مدير للمواد البشرية ،على خلفيات تقارير المجلس ألأعلى للحسابات.
المطلب الثاني:الرقابة السياسة

يقوم البرلمان بممارسة الرقابة السياسية على المقاولات العمومية،هده الرقابة يمكن تقسيمها إلى ثلاث أقسام رئيسية:
1- الرقابة أثناء إحداث المقاولات العمومية : إن القرار ألأخير في أمر  إحداث المقاولات  والمؤسسات العمومية التجارية والصناعية والإدارية  يعود إلى البرلمان،بمقتضى الفصل 71 من دستور 2011 ،الذي ينص بالإضافة إلى المواد ألأخرى على أن البرلمان هو المختص بالتشريع  في مجال إحداث المقاولات العمومية ، فإحداث هذا النوع من المقاولات له أهمية قصوى على صعيد الاقتصاد الوطني والمحلي، لكن قد تفقد هذه الأهمية قوتها كون أن الممارسة المغربية تؤكد على أن مساهمة  البرلمان  في وضع القانون مساهمة متواضعة.1
 


د.محمد ألأعرج"التنظيم القانوني للمؤسسات العمومية التجارية والصناعية بالمغرب" طبعة 2002


2-الرقابة أثناء المصادقة على القانون المالي : يملك البرلمان بمقتضى دستور 2011 صلاحية اعتماد القانون المالي الذي يخصص بعض الاعتمادات  للمؤسسات العمومية التجارية والصناعية،فقد نص الفصل 75 على أن  البرلمان هو المخول له إقرار أمر   إصدار  قانون المالية ،مع وجود قيود لا يحق بموجبها للبرلمان  اقتراح تخفيض الموارد العمومية أو إحداث نفقات جديدة أو الزيادة فيها.

3- الرقابة عن طريق اللجان البرلمانية : تعد اللجان  البرلمانية الأداة الرئيسية لتمكين البرلمان  من الاطلاع على سياسة الحكومة ومناقشتها قبل تحديد الموقف السياسي منها في الجلسة العامة ، كما يعد هذا النوع من الرقابة أهم وسيلة للاطلاع على مختلف أوجه النشاط التقني و الإداري للمقاولات العمومية ،و يمكن أن تجسد الرقابة الفعالة نظرا لطابع التخصص الذي يكتسيه عمل هذه اللجان ونظرا لما لها من حق البحث و التقصي.
4- الرقابة عن طريق الأسئلة الشفوية و الكتابية : تمكن هذه الأسئلة من الاطلاع على أنشطة الحكومة وأيضا على أنشطة المقاولات العمومية الخاضعة لوصاية العديد من الوزارات ، ورغم أهميتها إلا أنها لا تمكن من الاطلاع على مختلف الأحوال المالية للمقاولات العمومية وهي منصوص عليها في الدستور.
5- الرقابة من خلال مناقشة الحساب الختامي : تتولى الحكومة إيداع الحساب الختامي لدى مجلس النواب في السنة الثانية الموالية لسنة تنفيذ الميزانية على أبعد تقدير، مشفوعا بتقرير المجلس الأعلى للحسابات، حيث يصادق مجلس النواب على الحساب الختامي بقانون يسمى قانون التصفية وهو بيان متضمن لحساب النفقات المصروفة فعلا والواردات المستخلصة فعلا أثناء سنة مالية منصرمة ، الا أن هذه الرقابة تفتقد لأية فعالية بفعل تجميدها من طرف الحكومة

 


د.محمد ألأعرج"التنظيم القانوني للمؤسسات العمومية التجارية والصناعية بالمغرب" طبعة 2002






المراجع:

القانون التنظيمي الجديد رقم 12.02

قانون رقم 69.00 يتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى

الظهير الشريف رقم 1.03.195الصادر في 11 نوفمبر 2003

دستوري 1996،2011

تقرير المجلس الأعلى للحسابات الموجود بالموقع الإليكتروني للمجلس


د.محمد ألأعرج"التنظيم القانوني للمؤسسات العمومية التجارية والصناعية بالمغرب" طبعة 2002


ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.