الفصل الثاني : نحو مقاربة جديدة لتحسين علاقة الإدارة بالمكلف
الفصل الثاني : نحو مقاربة جديدة لتحسين علاقة الإدارة بالمكلف
الإدارة الجبائية كإحدى الإدارات المتخصصة تحتاج دائما إلى إصلاحات نظرا لهامها الدقيقة بصدد تعاملها مع المواطنين والأفراد بصفتهم مكلفين بالضريبة، فهي في حاجة ماسة وملحة إلى تحسين العلاقات بينها وبين هؤلاء المواطنين من أجل راحتهم وتسهيل كل مهامهم في الاتصال وتلطيف العلاقة بينهما حتى يشعر هؤلاء المواطنون بالرضاء بالضريبة وبدفعها عن طيب خاطر دون انعكاسات نفسية سيئة وحتى يتم أيضا تسهيل مهمة الإدارة الجبائية أيضا في
تحصيل مستحقاتها دون عناء أو منازعات، لذلك بات من الضروري البحث عن أساليب لتحسين هذه العلاقة التي تشكل أحد مستويات تفعيل النظام الجبائي بصفة عامة، لأنه كلما كانت العلاقة بين الطرفين يطبعها التباعد كلما تضاءلت حظوظ نجاح هذا النظام في الوصول إلى تحقيق أهدافه، فالواقع الحالي أبان وكشف عن قصور وعجز في معالجة ظاهرة الغش الضريبي لأسباب سبق ذكرها في مسار هذا البحث، ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يمكن محاربة الغش الضريبي بتوفر الإدارة الجبائية على موارد بشرية تتمتع بالكفاية العلمية والفنية والتقنية الكفيلة بضبط العمليات الضريبية عبر مقاربات علمية جديدة، غير المقاربة الزجرية وحدها التي أبانت عن محدوديتها؟ وهل باعتمادها على أساليب "منجماتية" موازية للتدبير القانوني للضريبة؟ تؤسس لصدق إقرار ضريبي ذاتي، ولوفاء حقيقي بالالتزام الضريبي سواء عن طريق الحوار الهادف إلى تعميق المسؤولية الضريبية، وسيادة الوعي بأهمية هذه الضريبة، وبإرجاع ثقة المكلفين بربحية عائدات الضرائب عليه وذلك عبر الإنفاق العام وتحري الشفافية فيه، إضافة إلى اعتماد منظور جديد للمراقبة والعقاب عبر توجيههما وتنويع فلسفتهما.
تحصيل مستحقاتها دون عناء أو منازعات، لذلك بات من الضروري البحث عن أساليب لتحسين هذه العلاقة التي تشكل أحد مستويات تفعيل النظام الجبائي بصفة عامة، لأنه كلما كانت العلاقة بين الطرفين يطبعها التباعد كلما تضاءلت حظوظ نجاح هذا النظام في الوصول إلى تحقيق أهدافه، فالواقع الحالي أبان وكشف عن قصور وعجز في معالجة ظاهرة الغش الضريبي لأسباب سبق ذكرها في مسار هذا البحث، ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يمكن محاربة الغش الضريبي بتوفر الإدارة الجبائية على موارد بشرية تتمتع بالكفاية العلمية والفنية والتقنية الكفيلة بضبط العمليات الضريبية عبر مقاربات علمية جديدة، غير المقاربة الزجرية وحدها التي أبانت عن محدوديتها؟ وهل باعتمادها على أساليب "منجماتية" موازية للتدبير القانوني للضريبة؟ تؤسس لصدق إقرار ضريبي ذاتي، ولوفاء حقيقي بالالتزام الضريبي سواء عن طريق الحوار الهادف إلى تعميق المسؤولية الضريبية، وسيادة الوعي بأهمية هذه الضريبة، وبإرجاع ثقة المكلفين بربحية عائدات الضرائب عليه وذلك عبر الإنفاق العام وتحري الشفافية فيه، إضافة إلى اعتماد منظور جديد للمراقبة والعقاب عبر توجيههما وتنويع فلسفتهما.
وتبعا لما سبق سوف نحاول معالجة هذا الفصل انطلاقا من مبحثين نخصص كل منهما إلى :
المبحث الأول : تقوية وسائل عمل الإدارة الضريبية ودعم قنوات الاتصال بينها وبين المكلف.
المبحث الثاني : اعتماد منظور جديد للمراقبة والعقاب.
نظرا للانعكاسات السلبية التي تترتب عن الغش الضريبي، يكون من اللازم التفكير في التدابير الناجعة، التي من شأنها الحد من هذه الظاهرة، خاصة وأن المغرب في أمس الحاجة للرفع من قدراته المالية، حتى يتمكن من مواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهكذا فتقوية الإدارة الضريبية من أجل ضمان مراقبة فعالة (المطلب الأول)، ودعم جسور التواصل بين الإدارة والمكلف (المطلب الثاني)، يعدان مطلبان أساسيان لمحاصرة هذه الظاهرة.
نعتقد أن عملية إصلاح الإدارة الجبائية، يجب أن يبقى ورشا مفتوحا للاستجابة إلى المتطلبات الجديدة للفئة العريضة من المكلفين، واستيعاب الوسائل الجديدة التي تمكن من تحسين أداء الإدارة الجبائية وسرعة إنجاز العمليات المتصلة بالفرض الضريبي، ومن بين الأوراش التي يجب أن توليها الإدارة العامة للضرائب بالمغرب الأهمية القصوى الموارد البشرية سواء على مستوى الكمي أو على المستوى الكيفي (الفقرة الأولى)، وكذا ضرورة الاهتمام بالتجهيزات المادية وتطوير نظام المعلوميات (الفقرة القانية).
تعاني غالبية الدول النامية من مشكلة ندرة الكفاءة لدى الموظفين وقلة عددهم، ولهذه الحالة أسباب عديدة أهمها ضعف المرتبات في الوظيفة العمومية، لذلك يفضل المختصون في الأمور الضريبية ولوج العمل في القطاع الخاص، ومن استمر في الوظيفة العمومية فإنه إما أن يحافظ على سمعته الشخصية ويضحي بالرفاهية أو أن يقبل الرشوة لتحسين وضعيته المادية.[1]
فالمطلب الأساسي هو البحث عن كفاءات تتوفر فيها الأمانة الوظيفية، والنزاهة الحقة (أولا)، وهو ما سيساعدهم التكوين المستمر والتحفيز على بلوغ هذا الهدف (ثانيا).
إن من بين أهم ما تعتمد عليه الإدارة في تقدمها هو اختيار الأكفاء في كافة المجالات الإدارية، فإلى القيادة يرجع الدور الكبير والأساس في العملية الإدارية، هذا الدور جعل البعض يعتبره من بين أهم القضايا الأساسية المطروحة في البلاد النامية، كما أن بعض الدول تعتبره من بين العناصر الأساسية، وكذا من مظاهر التسيب والإهمال والتماطل وإهدار الطاقات والإمكانات، ويتم ربط ذلك طبقا بضعف القيادات الإدارية[2] وندرة الكفايات وقلة عددهم، خاصة في بعض التخصصات كالمحاسبة.
فالإدارة هي وسيلة لتحقيق أهداف معينة، والتي تتحقق بإمكانات مادية وبشرية، فمقتضى حركة الإدارة العملية هو تأكيد منطق الكفاية للقدرة على البحث عن الأساليب الفنية والإنسانية التي يمكن أن تحقق قدر ممكن من الإنتاجية في ظروف لائقة.
والإدارة الجبائية باعتبارها إحدى الإدارات العامة في الدولة ينطبق عليها كذلك هذا القول إذ أنها تحتاج لسير أعمالها إلى عدد كافي من الموظفين والعاملين، وهذا العدد يعرف تزايدا بطبيعة الحال نظرا لتزايد أعداد المكلفين وكذلك تزايد المهام الملقاة على كاهل هذه الإدارة، وقد وصل عدد موظفي مديرية الضرائب بالمغرب إلى حوالي 4869 موظف وموظفة[3] سنة 2003 موزعين على المديرية المركزية التي يبلغ عدد العاملين بها حوالي 809 سنة 2002 أي بنسبة 16.45،وولاية الدار البيضاء الكبرى التي تحتضن حوالي 1176 موظف سنة 2002 بنسبة 23.91% (وقد وصل مجموع الموارد الجبائية التي أنجزوها حوالي 23272 درهم) وباقي العاملين موزعين على باقي المدن.[4]
ورغم هذا الحكم الهائل من الموظفين، فإنه إذا ما قورن مع الموظفين التابعين للإدارة الضريبية في الدول الأخرى، فإنه يبقى ضعيفا، فعدد موظفي الضرائب في فرنسا مثلا وصل سنة 1985 حوالي 35420 موظفا، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد بلغ سنة 1982 حوالي 83825 موظفا، أما في مصر فإن عدد موظفي مصلحة الضرائب ووفقا لموازنة الجهاز الإداري عام 1990/1991 هو 24849 موظفا.[5]
وعموما يمكن القول أن مديرية الضرائب بالمغرب لازالت في حاجة إلى المزيد من الأطر سواء في إطار المنازعات الجبائية أو في باقي الإدارات الأخرى، فإنه من شأن توفر العناصر القيمة ذات الكفاءة المالية والخبرة الواسعة، التي يحققها ارتفاع مستوى تأهيلها وتدريبها يعد عامل أساسي لقيام الإدارة الجبائية بدورها على أثم وجه، الشيء الذي يعبر على مدى ارتباط الإدارة بكفاءة الإمكانيات البشرية، فالتطور الاقتصادي ينجر عنه زيادة المكلفين بالضريبة والملفات المعروضة للدراسة، فبات من الضروري تدعيم الجهاز الإداري بالإمكانيات البشرية التي تعد الركيزة الأساسية لرفع الإدارة الجبائية إلى إنجاز مهامها على أكمل وجه، هذه الإمكانيات تبقى محدودة كميا إذا كان النقص في الجانب العددي للأعوان الإداريين نوعيا إذا كان النقص في الكفاءة والتأهيل المهني.[6]
لا أحد يجادل بأن من الأهداف الأساسية لتكوين وتدريب الموظفين تنمية قدراتهم التي تكون الإدارة في حاجة ماسة إليها، وهكذا كنا دائما نجد بأن هناك في أغلب الأحيان فجوة متسعة بين متطلبات الوظيفة العمومية وبين مؤهلات وقدرات الموظفين بفعل أسباب ودواعي متعددة ومختلفة يعود جانب مهم منها إلى الماضي، حيث لجأ المغرب منذ بداية الاستقلال إلى توظيف أعداد كبيرة من الموظفين الذي لا يتوفرون على أية خبرة ميدانية ولا على مستوى عال من الثقافة، وهو ما حدى بالمسئولين إلى استصدار قوانين جديدة تهدف إلى الرفع من المستوى العلمي والعملي لهذه الأطر بحيث أصبح يتعين على كل مرشح يرغب في ولوج سلك المفتشين الماليين أن يكون حاصلا على شهادة دبلوم الدراسات العليا في القانون أو الاقتصاد إضافة إلى مرحلة التكوين النظري أو التطبيقي التي تصل إلى سنتين[7] حيث يتم تزويد المتدربين بالمعلومات والأساليب المختلفة المتجددة عن طبيعة أعمالهم الموكولة لهم وتحسين وتطوير قدراتهم ومهاراتهم.
وهذا الأمر يبقى طبيعيا نظرا للطبيعة التقنية لإختصاصات مديرية الضرائب والطابع المعقد للضريبة.
وحتى يمكن التحكم في تدبير الشأن الجبائي بفعالية كبرى من حيث إنماء مردودية الجبايات ومكافحة للغش الضريبي كليا أو جزئيا، خاصة وأن العصر يشهد انفجار ذكيا في الاحتيال وإبداع في صور الغش الضريبي التي تتزايد أشكاله بسرعة مذهلة، لتتمكن الإدارة العامة للضرائب في خلق مهارات وكفاءات بشرية بمصالحها، سواء المحلية أو المركزية عمدت إلى نهج سياسة التدريب والتكوين حيث قسمت إستراتيجية التكوين إلى :[8]
- تكوين أولي : يتبع عملية التوظيف ويرتكز على تكوين نظري ابتدائي لصالح الأطر.
- تكوين مستمر : يتم الإعلان عنه عند تغير جذري في بعض النصوص القانونية للضرائب أو عند اعتماد وسائل معلوماتية جديدة أو عند انتشار الموظفين.
- تكوين عرضي : تسهر على تنظيمه إدارة الشؤون الإدارية.
- تكوين مكتبي.
أما عن فعالية مديرية الضرائب بتحفيز موظفيها فيرتبط ذلك عن طريق إشباع حاجياتهم المادية والمعنوية، إذ يظل المحور الأساسي للتحفيز والعنصر الأكيد لتحريك قدرات الموظفين نحو الزيادة في عطاءاتهم، وغرس لديهم روح المردودية، إذ أنه على الرغم من تسيير الإدارة الجبائية بالمغرب كمؤسسة عصرية إلا أن طرق التفكير والتدبير المتعمدة لدى بعض مسيرها مازالت تحمل ترسبات الفضاء السوسيو – سياسي التقليدي، وهذا من شأنه أن يقف في وجه التقدم الإداري بالمغرب، وللقضاء على هذا النوع من التفكير لابد من تحسين العلاقة ما بين الإدارة وموظفيها، بحيث تصبح الإدارة كمشغل عصري ومحفز، ويصبح الموظف مواطنا يضع نصب عينيه ترشيد الاختيارات الجبائية.
ومن جهتها فإن الإدارة يجب أن تتبنى نظاما للتحفيز[10] يعتمد على هدفين :
- التحفيز حسب الاستحقاق، وذلك لتشجيع الموظفين حتى تكون لهم قيم مضاعفة واضحة ومستمرة - كما أن تبني فكرة مرونة الموارد البشرية كفيل بأن يجعل كل موظف قادر على أن يبرهن على كفاءات ويطلق العنان لمبادراته التي قد تعطي حلولا مهمة ناجعة، وبذلك نصل بالإدارة المغربية إلى أن تصبح إدارة فعالة ومنتجة[11].
وعموما يمكن القول أنه بتكوين الموظف الضريبي وتحفيزه يشكلان أساس الإندماج في سياسة تدبيرية فعلية ومحور تغير وتجديد بإدارة الضرائب، الأمر الذي سيساعد على تقليص نسب الغش الضريبي، بل إن الموظف الكفء الخاضع للتكوين والتدريب يستطيع إقناع المكلف بأهمية الجباية في تحقيق التنمية وبالتالي يطمأنه بأن الإدارة الجبائية تبتغي من أمواله ومن دفع ضرائبه تصفية نتيجة اقتصادية شاملة تعود بالنفع على الجميع.
لا يستطيع أحد أن يجادل في أهمية إدخال نظام المعلوميات إلى إدارة الضرائب[12]، فلا يمكن لأية إدارة أو مرفق أو مقاولة بغض النظر عن حجمها الاقتصادي والمالي الاستغناء عنها في الوقت الراهن، وخاصة مديرية الضرائب التي تقوم في السنة بأكثر من أربعة مليون عملية تتعلق بتحديد وعاء الضرائب وحساب مبالغها ومراقبتها وتحصيلها، بل إن فائدة استعمال الوسائل المعلوماتية ظاهرة للعيان، فهي تمكن أعوان الإدارة الضريبية من ربح وقت ثمين في نقل المعطيات المضمنة في تصاريح الملزمين وترتيبها والتفرغ لمهام المراقبة والعلاقات مع المكلفين بالضريبة، كما تسمح بالضبط التقني لجميع الوثائق، وتنسيق وظيفة الإدارة الضريبية على المستوى الوطني، والمساهمة في تحسين العلاقة مع المكلفين من خلال تقديم خدمات في المستوى اللائق وفي أسرع وقت- كالملزم الذي يريد أن يتعرف على وضعيته الضريبية-، ويسمح كذلك بتجنب ارتكاب الأخطاء المادية والحسابية والمساهمة في التعجيل في فض المنازعات الجبائية وحسن تتبع ملفات المكلفين، وتحسين ظروف العمل بالنسبة للعاملين بالإدارة الضريبية، بحيث يمكنهم الحاسوب من التخلص من استعمال كثرة الأوراق وربح الوقت في مصالحة الملفات وتخزين المعلومات[13]، لذلك ووعيا من الإدارة الجبائية بأهمية ودور المعلوميات فقد بادرت إلى تزويد فرق الأبحاث ومكاتب الإدارة الضريبية بمركز للمعلوميات يساعدها في عملية تحديد المكلفين ومحاربة الغش الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، وفي اعتقادي أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا وجدت أطر متخصصة في ميدان المعلوميات والفعل على خلق مراكز جهوية ومحلية للمعلوميات، لأن تزويد إدارة الضرائب بمركز للمعلوميات لا يعني فقط اقتناء الآلات الإلكترونية الأكثر تطورا أو تعقيدا بأثمان باهضة بل مدى ما تتوفر عليه هذه الإدارة من كفاءات بشرية يمكن لها أن تستغل هذه الأجهزة بكفاءة عالية وبأسلوب معقلن[14]، وفي سبيل تحقيق ذلك صار لزاما على السلطات العامة أن تعمل على الزيادة في عدد الأطر العليا المتخصصة في ميدان التدبير والبرمجة[15]، والعمل على تكوين باقي الأطر الأخرى وأن تزيد معرفتهم بميدان المعلومات.
ولكن، يتعين أن نشير إلى حدود ومشاكل الأجهزة محل البحث :
· ينبغي ألا ننتظر من الإعلاميات مكافحة جميع أوجه الغش الضريبي. توجد أجهزة إلكترونية ولا توجد عقول إلكترونية. وبالتالي تنحصر مهمة الجهاز على المعلومات التي يحتوي عليها فقط.
· يفترض الجهاز الإلكتروني وجود فنيين يختص بعضهم بترجمة القوانين والتعليمات الضريبية إلى معادلات رياضية يفهم رموزها الجهاز المستعمل حسب لغته (البرمجة) وينصرف البعض الآخر إلى مراجعة وتنقيح المعلومات حسب التطورات المتعلقة بالضريبة وبالمكلف (وإلا سوف يستمر الجهاز بإرسال إنذارات لشخص لم يعد خاضعا للضريبة لسبب أو لآخر) ويهتم البعض الآخر بكيفية استخدام الأجهزة. والواقع أن هذه الصعوبة ليست كبيرة إذ يمكن تكوين الفنيين خلال فترة قصيرة نسبيا لا تتجاوز السنتين.
· إن تغطية الإدارة بنظام الإعلاميات تستوجب الاعتمادات المالية اللازمة. بطبيعة الحال، يتوقف الأمر على نوعية الجهاز ومقدرته. هنالك أجهزة لا تكلف كثيرا يمكن للمالية المغربية تحملها بسهولة وهنالك أجهزة أخرى لم تستطع الدول المتقدمة أن تشتريها واكتفت باستئجارها خلال أشهر حساب الضريبة.
· الجهاز الإلكتروني يشكل خطورة قد تمس الحرية الشخصية للمواطن، لذا ينبغي استخدامه لأغراض ضريبية فقط وإلا ستكون مخلفاته وخيمة خاصة وأن بإمكان أي موظف في الإدارة الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بالمركز المالي لأي مكلف أينما وجد بالمغرب خلال دقائق معدودات.[16]
وخلاصة القول إذا أرادت إدارة الضرائب كسب رهان المستقبل، فلابد أن نعيد النظر في هيكلة الإدارة الضريبية وتبسيط النماذج الإدارية وطريقة تدبير وتكوين وتوفير التجهيزات المادية المعلوماتية، وتضع سياسة تواصلية مع الملزمين وهذا ما سنحاول الوقوف عنده في المطلب الثاني من هذا المبحث.
إن تلطيف العلاقة بين المكلف بالضريبة والإدارة الجبائية لجعل هذه الأخيرة في خدمة المكلف، يشكل أحد مستويات تفعيل النظام الجبائي وتحديثه، وهو ما يستدعي من جهة العمل على إرساء حوار جبائي بين طرفي هذه العلاقة، على أساس توعية المكلف بحقوقه وواجباته والاهتمام بمشاكله والصعوبات التي تعترضه حتى يتمكن من استيعاب تلك الحقوق والواجبات، وحتى يشعر أنه ليس أمام إدارة عدوة بل أمام جهة يتفاعل معها وتساعده وتعمل إلى جانبه (الفقرة الأول)، ومن جهة أخرى يستدعي العمل على إقناع المكلف بأهمية الجباية في تحقيق التنمية التي يستفيد منها أفراد المجتمع بما فيهم المكلف لتوعيته بالمساواة الاجتماعية لعدم الوفاء بالواجب الضريبي (الفقرة الثانية).
الهدف الأساسي من سياسة التواصل هو إقامة رأسمال من الثقة يرتكز على قيم الإدارة ورأسمال من اللياقة يجعل المواطن ينظر إلى الإدارة بنوع من الاحترام والقبول، وهذا الأمر يتطلب بالدرجة الأولى تحسين الاستقبال بمديرية الضرائب (أولا)، وتوفير الإعلام الضريبي (ثانيا).
إن مسألة الاستقبال هذه تلعب دورا مهما في إرساء العلاقات ما بين الإدارة والمكلفين[17]، وتحقيق ما اصطلح عليه بالمقترب الزبوني، فهو على حد تعيير بعض المؤلفين لا ينحصر في مجرد الابتسامة السطحية النمطية(sourire stéréotypé)، وإنما هو العمل على تقديم الخدمة المطلوبة من لدن المكلف وتوجيهه بدقة وعناية نحو المصلحة المختصة وتوضيح ما غمض عليه بدل تركه تائها في خضم القواعد المتشبعة والمتضاربة أحيانا.[18] لذلك يعد الاستقبال وعدا بالاتصال الحسن، وبقابلية التفاهم، إنه الاستقبال البسيط والإنساني والذي يتحتم فيه على المسؤول الإداري أن يأخذ وقته الكافي للاستماع، لفهم الطرف الآخر، وأن لا يقاطعه وأن يدعي أنه يعلم كل شيء، وأن من أمامه لا يفقه شيئا.[19]
إن مسألة الاستقبال ظلت بعيدة عن مفهوم المشرع لزمن طويل، في الوقت الذي يلاحظ فيه بأن التشريع الفرنسي لاحظ أهمية الاستقبال ونص عليه في قانون البلديات لسنة 1884[20]، حيث سمح هذا القانون بالاطلاع على الوثائق الجماعية، ثم قانون 1987 وكذا قانون 22 أبريل 1905 المتعلق بالاطلاع على ملفات الموظفين، إضافة إلى النصوص الحديثة والكثير المنظمة لعملية الاستقبال.
كذلك اهتمت فرنسا بوضع إعلان حقوق حقوق المكلف الشهير « la charte du contribuable » حيث اهتمت فيها أساسا بنوع العلاقة التي من الضروري أن تسود بين الإدارات الضريبية والممولين، فأكدت أنه من حق الملزم أن يطالب باحترام حريته الشخصية، وباحترام حقه في الدفاع عن نفسه[21]. ومن أجل جعل المعلومة في متناول المكلف بالضريبة، فإن الإدارة الضريبية في كل سنة تقوم بفتح مراكز لاستقبال المكلفين لإعلامهم بالمستجدات الضريبة المتعلقة بضريبة الدخل على مستوى الإدارات التابعة لمديرية الضرائب وكذلك الجماعات ودور العجزة ومقرات السلطة المحلية ومراكز المستشفيات الجهوية التي يتم زيارتها من طرف أعوان الإدارة الضريبية لمساعدة المكلفين على ملأ إقراراتهم الضريبية.[22]
والخلاصة الأساسية التي تخرج بها هو أن إدارة الضرائب في فرنسا تعتمد جميع وسائل الاتصال لإنجاح حملتها الضريبية، الشيء الذي يؤدي إلى تحقيق سياسة التواصل لمعظم أهدافها.[23]
وبرجوعنا إلى المغرب نجد أن عملية الاستقبال بالإدارات الضريبية[24] ظلت تتسم بغيات الانسجام والتعاون مع المكلف، وقد حاولت وزارة المالية اتخاذ بعض المبادرات حينما تم الحديث عن ميثاق التدبير الذي رفعت شعاره آنذاك، والذي تضمن مجموعة من المبادئ غايتها خلق إدارة فاعلة.[25] لكنه مع ذلك يبقى من الصعب الحديث عن علاقات عمومية تتميز بالفاعلية والوضوح.
ومع مطلع سنة 2000 أكدت الحاجة إلى تقريب الإدارة في المواطن، وبذلك تم خلق مكاتب للاستقبال على صعيد البنيات الجهوية كخطوة أولى في انتظار توسيع هذه المكاتب لتشمل مختلف الإدارات المحلية، لكن الواقع العملي لهذه المكاتب وضح محدوديتها، ذلك أن حسن الاستقبال لا يعني شرح المصالح الموجودة داخل الإدارة، وإنما يعني الاستماع إلى المكلف والبحث معه في مشاكله مع محاولة إيجاد الحلول وفق مصلحته الخاصة، دون الضرر بالمصلحة العامة، وهذه المسألة وإن كانت غاية عند إحداث هذه المكاتب، فإنها من الناحية العملة ظلت مجرد شعار باهت.
لذلك يتحتم على المصالح الإدارية أن تجعل استقبال المواطنين وإرشادهم من أولى الأولويات، وذلك لن يتم إلا من خلال خلق بنيات متخصصة في الاستقبال والمساعدة الجبائية، ويقترح لتحقيق هذه الغاية خلق وحدات استقبال على صعيد كافة فروع مديرية الضرائب تتكلف بتقديم المنشورات والنصائح الضريبية وإعطاء البيانات الكافية للمكلفين مع تدعيم هذه الوحدات بأحداث وسائل الاتصال وأن تشرف غليها أطر مؤهلة.
للتعامل مع المكلفين ذلك أن الموظف الضريبي وجب عليه أن يتمتع في هذا المجال على إشاعة البشاشة[26]في وجه الملزم وإظهار الترحيب والمساندة والتفهم، والاهتمام بأوضاع الممول.
انطلق العلماء في استخدام مصطلح حق الاتصال منذ عام 1969 على يد الأستاذ "جان دروسي" " Jean Druhay" رئيس المعهد الدولي للاتصال، والذي أكد أن الحق في الاتصال أوسع من الحق في الإعلام حيث يشمل حق الفرد في أن يسمع ويسمع وأن يعلم ويتعلم[27] ومع ذلك يبقى الحق في الإعلام الضريبي من الحقوق الأساسية للمكلف في إطار علاقته بالإدارات خاصة الضريبية، وهو حق من الأهمية بمكان فهو يمنح للمكلف ميزة التعرف على حقوقه ووجباته وبالتالي تلافي الكثير من المشاكل والصعوبات التي تثور من جراء عدم معرفة المكلفين بالكثير من حقوقهم وإلتزماتهم كما يضمن للإدارة السهولة والراحة في مباشرة مهامها[28]. لكن أمام عدم انتشار الواسع للجريدة الرسمية وكذا وسائل الأخبار الجبائية إضافة إلى كثرة النصوص الجبائية وتعقدها، يبقى المكلف بعيدا من المجال الجبائي والذي يعنيه.
إعلام المكلفين يتطلب من الإدارة الجبائية سياسة رشيدة تعمل على إحداث نوع من الدراسة والمعرفة لدى المكلف بالضريبة ويتم ذلك من خلال :
· تحقيق التواصل وإخبار المكلف من خلال البرامج الإذاعية والتلفزية[29]، ونشر مقالات بالصحف الوطنية تتطرق إلى مواضيع جبائية والقيام بالتوعية ضد الخطأ والغش الضريبي.
· نشر مجلة خاصة بإعلام المكلفين بكافة المعطيات الضريبية (التفسيرات للقوانين وقوانين المالية والدوريات الإدارية...) وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات المعرفية والاجتماعية لدى المكلفين، خصوصا ونحن نعرف أن أغلب الدوريات الصادرة عن مديرية الضرائب والتي تتم بناءا عليها شرح المقتضيات القانونية تصدر عن طريق الجرائد الناطقة باللغة الفرنسية الشيء الذي يجعل فهمها يقتصر على فئة محدودة من المكلفين، فالعدد الأكبر من المكلفين بالضريبة في المغرب لا يحسنون فهم اللغة الفرنسية.
وعموما يمكن القول أنه على الإدارة الجبائية تجنيد مختلف الوسائل العصرية من وسائل مرئية التي يتم فيها برمجة موائد مستديرة وحصص تخص المجال الجبائي، ووسائل الإعلام والاتصال الأخرى كالوسائل المكتوبة من إشهارات دورية تبرز دور الجباية وتنظيم ندوات إعلامية وأبواب مفتوحة على الجباية والتي يتم فيها تفسير وشرح الإجراءات والغموض الذي يميز بعض النصوص القانونية لإزالة التأويلات المستعصية الفهم، وبذلك يتم تفسير نظرة المكلف اتجاه ارتكاب المخالفات مما يجعله ملتزما بواجباته الجبائية على الوجه الصحيح ويساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية...[31]
إن الإصلاح الحقيقي للنظام الضريبي يبدأ بتوافر أجواء الثقة بين المكلفين والإدارية الجبائية،والوصول إلى ذلك يتطلب إشراك جميع الفعاليات في اتخاذ القرار على المستوى الجبائي حيث يساهم الكل في خدمة الصالح العام، فالغش الضريبي يدل وجود خلل على مستوى علاقة الدولة ممثلة في الإدارة الجبائية بالخاضع للضريبة.[32] الشيء الذي يحتم معرفة الأسباب التي تضطر المتملص إلى اللجوء إلى هذا العمل، فنجد من بين هذه الأسباب محدودية الوعي الجبائي لدى أغلب المكلفين، لذلك كان من إقناع المكلف بأهمية الواجب الضريبي من الأهداف الأساسية التي لا محيدة عنها بالنسبة للإدارة الجبائية، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق التوعية ونشر فكرة التضامن الضريبي بين أفراد المجتمع والعمل على إذكاء روح المواطنة الجبائية لدى المكلف ودعوته إلى المساهمة بأخلاقيات نزيهة في الواجب الجبائي وإقناعه كذلك بأهمية الضريبة في تمويل المشاريع العامة الاقتصادية والاجتماعية التي يستفيد منها أفراد المجتمع ومنهم المكلف نفسه.
وحتى يكون للإدارة الجبائية دور في نشر الثقافة الجباية لابد لها من الإستعانة بوسائل الإعلام، نظرا لتأثيرها الكبير على المواطنين ودورها في إبلاغهم بطريقة سهلة وملائمة للقوانين والمعلومات وكل التوضيحات التي تتطلبها النصوص الجبائية، في الحدود المفيدة وبالأسلوب الذي يفهمه الجميع.
ففي فرنسا مثلا، للملزم أن يقتضي في أي مكان كتيبات الإدارة الجبائية الفرنسية، تبين فيها للملزمين طرق وضع التصريحات، مع توضيح مختلف الإجراءات والنصوص القانونية الخاصة بمختلف الحالات وبمختلف الضرائب، وذلك كله بأسلوب واضح وسهل وخال من كل تعقيد، كذلك الأمر بالنسبة للإذاعات الفرنسية التي تقدم برامج خاصة حول مشاكل الجبايات، فيتمكن الملزم الاستفسار من خلالها، وطلب المزيد من المعلومات، وطرح الأسئلة مباشرة عبر أجهزة الهاتف، لكي يتولى الإجابة عنها اختصاصيون في الميدان الجماعي يساعدون على حل مختلف المشاكل[33].
ومن جانب آخر يجب الإشارة إلى أنه لا يمكن للمكلف أن يستجيب تلقائيا للواجب الضريبي خاصة وأن الضريبة لها حمولة تاريخية سلبية[34]، حيث فرضت دون مشروعية وثم تحصيلها قهرا، دون مراعاة لمقدرة الملزم. بل استخدمت في بعض الأحيان لتكسير شوكة البعض مما أسس لثقافة ضريبية سلبية متمثلة في أن الضريبية لا يدفعها إلا ضعيف ولا يمتنع عنها إلا قوي. وإذا كانت هذه الثقافة قد سادت ردحا في الزمن، فإن بينة الضريبة حاليا تغيرت في عهد الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات الدستورية، حيث أصبحت الضريبة لا تفرض إلا بقانون محدد، ولا تجبى ولا تحصل إلا وفق إجراءات قانونية مضبوطة مع ضمانات للمكلف تحميه من كل شطط، لكن هذا المعطى الجديد لا يكفي لمحو الصورة الأولى للضريبة، بل لابد من تعبئة توعوية بمدى أهمية دور الضريبة في الاستثمارات العمومية، خاصة على مستوى البنيات التحتية والفوقية، وبناء مرافق عمومية حديثة، مما سيعود على المكلفين بالنفع المستقبلي لما دفعوه من ضرائب، إضافة إلى دور الضريبة في إعادة توزيع الدخل الإجمالي الوطني، وهو ما سيساهم نسبيا في خلق التوازنات الاجتماعية[35]، وهذه المهمة (التوعية) ليست منوطة بالإدارة الجبائية فقط وإنما بالمجتمع كذلك يمارسها بواسطة مؤسساته المتعددة والتي تمثلها كل من الأسرة المدرسة، الجمعيات، النقابات، دور الشباب، والأحزاب السياسية إضافة إلى المؤسسات الدينية التي تلعب دور هاما في توعية الضمير الديني الذي يعتبر رقبيا على الفرد في أفعاله وتصرفاته.
رغم تجريم الغش الضريبي فإن التقارير الرسمية وغير الرسمية لازالت تؤكد استفحال الظاهرة على مستوى الممارسة، وإن كانت القوانين والأنظمة متطورة، وهذا يطرح إشكاليات جديدة حول الرقابة ونجاعتها وحول العقاب وفعاليته، لذلك هل يمكن اعتماد هذه الأساليب لمحاربة هذه الظاهرة، علما بأن مقاومة هذه الأخيرة ليست بالأمر الهين، ذلك أنه كلما تطورت وسائل التصدي إلا وتطورت بموازاتها تقنيات الغش، الأمر الذي يجعل من أي محاولة للقضاء على هذه الظاهرة هي محاولة نسبية يبقى الهدف من وراءها محاولة التخفيف قدر الإمكان من هذه الآفة الخطيرة التي تعاني منها جل الأول، وهكذا فإنه لتوخي إصلاح أمثل وضمان مقاومة ناجعة للغش الضريبي يتطلب ذلك تفعيل النظام الرقابي (المطلب الأول) ونهج سياسة عقابية عبر تنويعها وتركيزها في الاتجاه الصحيح الذي يؤتي جدواه (المطلب الثاني).
قبل الحديث عن سبيل تفعيل المراقبة الجبائية في محاربة الغش الضريبي، والتي سنخصص لها – الفقرة الثانية- من هذا المطلب، لا بأس أن نتطرق في (الفقرة الأولى) إلى مفهوم وآليات هذه الرقابة.
سنخصص في هذه الفقرة لمفهوم الرقابة الجبائية كمرحلة أولى على أن تسترسل الحديث عن آليات هذه الرقابة كمرحلة ثانية.
بعد دخول نصوص الإصلاح الضريبي حيز التطبيق، أصبح النظام الجبائي المغربي -كغيره من النظم الضريبية المعاصرة- يعتمد مبدأ التصريح الضريبي، واستنادا على هذا المبدأ، أصبحت الإدارة الضريبية مدعوة للتقيد بما جاء في التصريح المدلى به في طرف المكلف، فلا يمكن أن تقوم بتأسيس الضريبة، دون الاعتماد على العناصر المتوفرة في التصريح، وإطلاق العنان لتقديراتها، كما لا يمكنها تغيير الأساس الضريبي لمجرد تواجد شكوك لديها حول صحة التصريح، غير أن حجية هذا الأخير ليست مطلقة، بل هناك ما يقابلها: حتى الإدارة في مراقبته وفحصه للتأكد من صحة وصدق عناصره وتصحيح أساسه، إذا ما ثبت أن هناك اغفالات واخلالات تشويه، وبالتالي فالمراقبة الجبائية هي النتيجة الطبيعية لنظام جبائي قائم على التصريح، فهي تقوم بصفة أوتوماتيكية باعتماد هذا الأخير أي نظام التصريح الذي ينبني على حرية المكلف بالتبليغ عن أرباحه ومداخله. إذن فالمراقبة الجبائية هي ضرورة قانونية سياسية وضرورة اقتصادية إذ تعمل على تحقيق المساواة بين الجميع أمام الضريبة، وفي نفس الوقت تعتبر ضمانة لتحقيق المنافسة بين المقاولات باعتبارها مقابل لنظام جبائي تصريحي.[36]
إن أولى التساؤلات التي تتبادر إلى ذهننا ونحن على مشارف نهاية هذا البحث هي كالتالي لماذا المراقبة الجبائية؟ ما هي أسس وأبعاد وجودها؟.
إن أسس المراقبة الجبائية كثيرة ومتعددة، فمنها ما هو قانوني اقتصادي، مالي، اجتماعي... هكذا، فهي تجد أساسها القانوني في نصوص الدستور وبالضبط منه الفصل 17 الذي كرس عدة مبادئ دستورية أهمها المساواة أمام القانون والمساواة أمام التكاليف العامة وهذا المبدأ له أهمية كبرى خصوصا وأن القطاع الدستوري يولي له أهمية بالغة وقد كرسه عبر عدة قرارات. كما كرس هذا الفصل مبدأ أخر وهو مبدأ ضرورة الضريبة وذلك اقتداء بنظيره الفرنسي، ويجد هذا المبدأ سنده في القوانين الأساسية التي تنص على ضرورة الموارد الضريبية لتمويل النفقات العامة ما يضفي الشرعية على مسطرة مراقبة الدخول ومحاربة الغش الضريبي دون المس بالحريات الفردية.[37]
كما أن المراقبة الجبائية تساهم في التنمية الاقتصادية من خلال تأثيرها على المقاولات الخاضعة لها في اتجاه التنظيم وضبط العلاقات الاقتصادية، ومعرفة هذه المؤسسات من الداخل، مما يمكن الدولة من الوقوف على جميع الحقائق والمعلومات، التي من شأنها توجيه الإدارة نحو القطاعات الاقتصادية المتطورة والقطاعات التي تجني أرباحا حقيقية وتساعدها على اتخاذ القرارات المفيدة لصالح بعض القطاعات، وذلك كله بفضل بنك المعطيات الذي يتم خلقه بواسطة التحقيقات والمعلومات التي حصلت عليها بمناسبة مراقبتها لمختلف المكلفين.[38]
وإذا كان هدف كل نظام جبائي هو إعادة توزيع الدخول، فإن المراقبة الجبائية تبقى إحدى الوسائل الفعالة للتأكد، عمليا من تدفق هذه المداخيل بين القطاعات، بالوقوف في عين المكان على حقيقة العمليات التي تتم بين المكلف وغيره من العملاء (على شكل عمليات تجارية)، أو العمال (على شكل أجور) أو المؤسسات العمومية (المساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي) فالمراقبة بإمكانها إذن إعادة التوازن في الوضعية الجبائية المالية المتميزة بتفاوت كبير في توزيع الدخول.
أما على المستوى المالي،فيمكن للمراقبة الجبائية أن تساهم في توفير موارد مالية هامة للدولة، نتيجة وصول الإدارة الجبائية – عن طريقها – إلى اكتشاف مداخيل وأرباح لا تطالها الضريبة.
وتبقى محاربة الغش الضريبي أساسا محوريا للمراقبة الجبائية، ونقول محوريا، لأنه يضم في طياته مختلف الأهداف والأسس التي سبق وأن تطرقنا إليها، لأنه بمحاربة الغش الضريبي نصل إلى توفير المنافسة المشروعة، وبالتالي انطلاق الاقتصاد الوطني في مناخ ملائم، وبمحاربة الغش الضريبي ، نضمن نوعا من الانضباط لدى المؤسسات الخاضعة لمراقبة وميلها للتنظيم. وبمكافحة الغش الضريبي نساهم في تقليص الضغط عن طريق توسيع الأوعية الضريبية غير الخاضعة للضريبة، وأيضا، بمكافحته تتوفر الخزينة العامة على موارد مالية مهمة.
ومعلوم أن محاربة هذه الآفة كانت من بين أهم الغايات التي جاء من أجلها الإصلاح الضريبي، ويشهد على ذلك، الفصل الأول من القانون الإطار[39] الذي نص – من بين ما نص عليه – على "اتخاذ التدابير العملية لتلافي أعمال الغش، والتملص في ميدان الضرائب والقضاء عليها، في إطار مسطرة قانونية، تضمن حقوق الملزمين"، مما يجعلنا نعي بأن المراقبة الجبائية تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الإسهام في القضاء على أعمال الغش في ميدان الضرائب، عبر الكشف عن مختلف أساليبه – التي ما فتئت تتطور- ومعاقبة المكلفين الذين سولت لهم أنفسهم مخالفة القوانين الجبائية، هذه العقوبات التي أصبحت أكثر شدة من أجل تحسين شروط مكافحة الآفة المذكورة، كما يشهد على ذلك قانون مالية المزدوج 1996- 1997[40]، الذي قام بتجريمها.
وعموما يمكن القول أن من أهم أهداف الرقابة الجبائية نجد :
· مكافحة الغش والتهرب الضريبي لأنه يحمل في طياته مختلف الأهداف والأسس التي سبق والتطرق إليها.
· تحقيق مبدأ المساواة أمام الضريبة عمر تكريس وتفعيل الفصل 17 من الدستور.
خول المشرع للإدارة شكلين من أشكال المراقبة. وهما حق الإطلاع وحق المراقبة بمفهومه الضيق الذي يراد به التحقق من المحاسبة.
1- حق الإدارة الضريبية في الاطلاع :
حق الاطلاع هو إمكانية قانونية تسمح للإدارة الجبائية بمعرفة كل الوثائق المستعملة من طرف جميع الخاضعين للضريبة للإطلاع على تصريحاتهم المكتوبة والموجهة للإدارة الجبائية ويدخل ضمن هذا الحق حق تدقيق وفحص ومراجعة قرارات المكلفين، فحق الاطلاع[42] يتمثل في الصلاحية التي تتمتع بها الإدارة الضريبية في الحصول على المعلومات التي من شأنها أن تفيد في ربط ومراقبة الضريبية وذلك عن طريق الإطلاع على أصل الوثائق المتضمنة لجميع المعلومات أيا كانت طبيعتها والتي تساعد الإدارة في تحديد أسس الضريبة ومراقبتها[43]. فالإدارة من خلال فحصها ودراسة مختلف التصريحات التي أدلى بها الملزمون يمكنها الوقوف على مدى صحتها ومطابقتها للواقع فإن اقتنعت بصحة المعلومات الواردة ضمن هذه الإقرارات ربطت الضريبة وتم إبلاغ المكلف بمبلغها والآجال القانونية المحددة لاستخلاصها، أما إذا اتضح لها العكس بادرت إلى المطالبة بتقديم إيضاحات حول هذا الموضوع.
عموما تحق الاطلاع يعتبر سلطة متميزة تتوفر عليها الإدارة وبواسطتها يمكن الحصول من أشخاص معنيين على جمع المعلومات التي تفيدها في ربط ومراقبة الضريبة بالنسبة لمكلف ما.[44]
2- التحقق من المحاسبة :
تتمثل هذه الرقابة في انتهاج مجموعة الطرق والأساليب والكيفيات التي تساعد على التأكد من صحة وتنظيم المحاسبة وإيجاد الأخطاء التي تجردها من معيار النزاهة وفقا لقواعد وأسس عملية وعملية، فالإدارة تلجأ إلى هذا الأسلوب للتأكد في عين المكان من حقيقة البيانات التي تتضمنها إقرارات الممول وصحتها، ومن حقيقة الأموال المدرجة في الأصول.
والتحقق من المحاسبة يتم وفقا شروط[45] وهي كالتالي :
· أن تتم إجراءات التحقيق من قبل مأمور محلف له على الأقل رتبة مفتش مساعد ومعتمد للقيام بمراقبة الضرائب.
· توجيه إشعار إلى الشخص المعني بذلك.
· أن يكون موجها برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل قبل 15 يوما من التاريخ المحدد لإجراء المراقبة.
إن الرقابة الجبائية كأداة لمحاربة الغش الضريبي لا يمكن تحقيقها أو تجسيدها على أرض الواقع إلا من خلال معالجة السلبيات والصعوبات والنقائص التي تحيط بها سواء من المحيط الداخلي أو الخارجي وذلك من أجل تحقيق الأهداف المنشودة ألا وهي التقليل من تعاظم وتفاقم ظاهرتي الغش والتهرب الضريبي والحد من آثارهما الوخيمة على المجتمع.
ومن أهم الوسائل الكفيلة بتحسين الرقابة تظل أفضل آلية، اقتراح عقلنة اختبار الملفات القابلة للفحص، حيث يتم ذلك من خلال اقتراح الفحص بالأسبقية للشركات المعلنة للإفلاس ففي المغرب عدد كبير من الشركات ولمدة طويلة تصرح بإفلاسها دون أن تتم مراقبتها، وفي هذه الحالة يجب أن تتحرك شكوك الإدارة الجبائية باتجاه القيام بفحص نظامي وشامل للوضعية المالية لهذه الشركات، كما يمكن أن تتم هذه العقلنة من خلال تقليص الفترة ما بين فحص وآخر حتى يمكن إخضاع المقاولة للرقابة بشكل منتظم بهدف التقليل من احتمالات الهروب من الفحص، ويمكن أن نقترح في هذا الإطار المدة الفاصلة بين فحص وآخر خمس أو ست سنوات[46] إلا أن الملاحظ هنا أن القانون الضريبي المغربي حدد مهمة الإدارة في إطار مسطرة الفحص بالاقتصار فقط على فحص المحاسبة والتدقيق في عملياتها من حيث الشكل دون التطرق أو التوسع في مراقبة عمليات التدبير لتقديرها ومراقبه ملائمتها مع مصلحة المقاولة، أما بفرنسا فالقانون الضريبي الفرنسي رغم أنه أقر مبدأ عدم التدخل في عمليات تدبير المقاولة فالقضاء والمشرع قد تطور وتعمق في مفهوم العمل غير المادي للتدبير وميز بين الخطأ في التدبير والتعسف في استعمال الحق، وبخصوص حق الاطلاع نجده كذلك يصطدم بإكراهات تتعلق أساسا بالمهن الحرة والنشاط البنكي الذي يفترض فيه التمسك بالسر المهني، وقد حاول الاجتهاد القضائي خصوصا بفرنسا التوفيق بين حق الاطلاع كوسيلة لمحاربة الغش الضريبي وبين ضرورة احترام الحياة الخاصة كشرط لحماية الحريات الفردية.
ومن جهة أخرى إذا كانت الرقابة الجبائية تعتبر العنصر المهم والفعال لأي إدارة جبائية وذلك للدور تلعبه في كشف التلاعبات وطرق الغش المختلفة واسترداد القيم المستحقة فإن ذلك لا يعني إمكان استخدام هذه الوسيلة من طرف الإدارة كيفما شاءت وفي أي وقت وإنما لابد من إحاطة هذه الوسيلة بنظام وإطار محكم يضمن من خلاله المكلف حقه في مراقبة سليمة دون أدنى تعسف من جانب إدارة الضرائب لذلك كان طبيعيا أن تتعالى الأصوات من أجل تحسين جودة الرقابة الجبائية، وقد شكل الجمع الوطني حول المالية في 26 نونبر 1999 مناسبة لإصدار مجموعة من التوصيات في هذا المجال فبمقتضى أعمال الجمع الوطني اقترح المشاركون في هذا الورش مجموعة من الاقتراحات تهم مكانة ودور الرقابة الجبائية في النظام الضريبي المغربي.[47]
وقد ركزت كل المداخلات على ان الرقابة الجبائية يجب أن :
· تكون متسعة وشاملة لأكبر عدد ممكن من المكلفين، وذلك بهدف تأمين :
· أكبر قدر ممكن من المساواة الضريبية
· منافسة نزيهة بين الفاعلين الاقتصاديين.
· تجاوز رقابة العقوبة إلى رقابة تساعد المكلف في اتجاه احترام ضماناته وحقوقه وفي نفس الوقت احترام مصالح الخزينة.
إن المكلفين بأداء الضرائب يعتبرون قانون زجر الغش الضريبي يتسم بعدم العدالة مادام أن متابعة من ارتكب جرائم الغش الضريبي غير إلزامية، وهذا ما قد يدفع الشخص الإجرائي المختص بتحريك الدعوى العمومية بشأن هذه الجرائم إلى اختيار متابعة من يريد، وترك من يريد، وهذا ما جعل من هؤلاء أن يعتبر العقاب في حالة ارتكاب جرائم الغش الضريبي ما هو إلا ضريبة بسيطة قد تغنيهم عن الأموال الهائلة التي يمكن أن يدفعونها للخزينة العامة وإذا كان الأمر بهذا الشكل، وأما انعدام فعالية القانون المذكور، فالنتيجة المنطقية في هذه الحالة تستلزم على المشرع الضريبي المغربي إعادة النظر فيه، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تسديد العقوبات (الفقرة الأولى) والتفكير في إبداع وسائل أكثر ردعا لكل من سولت نفسه التهرب من الضريبة، كالتشهير بالمتهرب، وفضحه في الأوساط المالية والسياسة والاجتماعية، وحرمانه من بعض الحقوق السياسية والاقتصادية (الفقرة الثانية).
إن وجود نظام عقابي فعال شرط ضروري، ليس فقط بالنسبة لمرتكبي مخالفات الغش، بل أيضا لثني باقي الأشخاص الذين يحتمل ارتكابهم لمثل هذه الأفعال، كما أنه ضروري كذلك بالنسبة للمكلفين الشرفاء لضمان بقاءهم وفق ما يمليه القانون.
ولكي تكون فعالة، يجب على العقوبات أن تكون ملائمة وأن يتم تنفيذها حيث جاء في تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية L’OCDE -العقوبات تكون لها مصداقية حيث يصبح المكلف في وضعية أسوأ -بعد تطبيق العقوبة عليه من تلك التي سيكون عليها لو امتثل للقانون-[49] غير أن محاربة الغش الضريبي في المغرب، وان كان لزاما انطلاقه من بناء سرح قانوني لأجرءة العقاب ضد كل متهرب فإن المنظومة الضريبية في هذا البلد ظلت فارغة من أي محتوى لنص العقاب، وحتى مشروع قانون الإطار للإصلاح الجبائي سنة 1984 الذي نص فعله 27 على أنه "سيجعل من الغش في مجال الضرائب جنحة يعاقب عليها القانون الجنائي" لم توافق عليه اللجنة البرلمانية المكلفة لدراسة المشروع ليصدر بالتالي قانون الإطار خاليا من إمكانية للحبس تطال المتهرب من الضريبة، والحذف الذي طال هذا الفصل حضي بإجماع تام لأعضاء اللجنة البرلمانية مما يعكس ذلك قوة اللوبيات التي تسعى دائما إلى قبر أي مشروع قانون لا يتماشى ومصالحها الخاصة وهكذا انتظرنا أكثر من 10 سنوات ليتم اعتبار الغش الضريبي جريمة يعاقب عليها القانون بغرامات مالية وحبسية.
إلا أن الملاحظ هنا هو سيادة العقوبات ذات الطابع المالي، بحيث يطغى الهاجس المالي على الرغبة في فرض احترام القانون في حين تبقى العقوبات الجنائية فارغة من محتواها ومشروع عنها صفة الصرامة[50] وبالتالي يمكن القول أن يتوفر المغرب على ترسانة قانونية زجرية قوية وصارمة، وأن لا يكتفي المشرع بإقرار عقوبات زجرية بسيطة سواء تعلق الأمر بالعقوبات السالبة للحرية أو العقوبات المالية، فإن هذا الأمر سيكون له الأثر الفعال في تحقيق الغرض التشريعي المتوخى منها، وإلا فلا معنى لتجريم فعل أو وجود قانون جنائي بدون زجر[51]. وهذا التدخل التشريعي يقتضي من جانب توخي جميع الضمانات الأساسية التي يتطلبها الدفاع مقابل تبسيط المساطر لمحاربة الغش الضريبي، لأنه بدون هذه الازدواجية لا يمكن أن تتحقق العدالة بين المكلفين بأداء الضرائب والدولة التي هي في حاجة إليها.
ولكن العدالة لا تتحقق بهذا الشكل إلا إذا أعاد تشريعنا الضريبي النظر في الزجر الذي بناه على العود إلى ارتكاب جريمة الغش الضريبي بعد مرور خمس سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة الضريبية الأولى[52]، لأن العود في مفهوم القانون الجبائي يعني أنه يعتبر ظرفا من ظروف تشديد العقوبة وليس شرطا من شروط تطبيق هذه العقوبة أو تخفيفها.[53]
إن المغزى من فلسفة العقاب هو الحد أو التقليل من الآثار السلبية للغش الضريبي سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أو حتى على مستوى العدالة التوزيعية للأعباء الضريبية بين كافة المكلفين، لكن بوقوفنا على حدود إجراءات تجريم الغش الضريبي وصعوبة تطبيقها[54]نتساءل خصوصا أمام ضعف النظام الجبائي الحالي عموما والإدارة الضريبية على وجه الخصوص في ردع الغش الذي بلغ أرقاما خيالية، عن قدرة هذه الإدارة في تحصيل الضرائب الصادرة عنها، وهل تتوفر على سلطات واسعة، وناجعة لجباية المبالغ الضريبية المستحقة لفائدة الخزينة وهو الأمر الذي يؤكد لنا أن المقتضيات القانونية الحالية لا ترقي إلى صباغة توجه وإستراتيجية في إطار محاربة الغش الضريبي لدى فالتفكير في وسائل معمول بها في الدول الضريبية المتقدمة كالحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والتشهير في الأوساط المالية وتشديد العقاب إن طبقت بالمغرب قد تأتي بنتائج إيجابية.
إذا كانت بعض الدول الأوروبية المتقدمة –سويسرا و السويد مثلا-تتبني اتجاه الليونة والمرونة في فرض العقوبات المالية والحبسية على المتهربين طالما يحضر الوعي الجبائي عند أغلب مكلفيها فإن الأمر عكس ذلك في بعض دول متقدمة أخرى كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بل أن هذه الأخيرة تعتبر المكلف المتهرب من أداء واجباته الجبائية بمثابة خيانة وطنية ويحرم بالتالي من حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أما في الدول التي هي سائرة في طريق النمو نجد على سبيل المثال القانون الضريبي المصري في المادة 181[55]،اعتبر جريمة التهرب من أداء الضريبة جريمة مخلة بالشرف والأمانة وتخالف تولي المناصب والوظائف العامة. وفي المغرب نجد أن فقدان الأهلية الانتخابية حسب مقتضيات القانون الانتخابي الجديد لم يتضمن حالة الغش والتهرب الضريبي ذلك أن المادة 5 منه ذكرت فاقدي الأهلية الانتخابية بسبب وظائفهم في الفقرة الأولى، والمتجنسون بالجنسية المغربية خلال السنوات التالية لحصولهم عليها، وذلك في الفقرة الثانية، أما الفقرة الثالثة من نفس المادة وإن ذكرت من بين الأفراد الفاقدي الأهلية الانتخابية الأفراد المحكوم عليهم نهائيا بإحدى العقوبات التي تم تحديدها على سبيل الحصر[56]، كالعقوبة الجنائية (أ) فان الفقرة (ب) من نفس الفقرة لم تتضمن أي عبارة تخص الغش أو التهرب الضريبي.
وهكذا يمكن كذلك حرمان المتهرب في الضريبة من ولوج المنافسة على الصفقات العمومية[57]، ومن تولي ندير الشأن العام سواء فيما يتعلق بالانتخابات المحلية التي تهم الجماعات المحلية أو الانتخابات التشريعية كما يمكن حرمانه حتى من تولي تسير بعض الهيآت الخاصة والغرف المهنية، والتعاونيات والجمعيات، إضافة إلى إمكانية سحب جواز السفر أو المنع من السفر.[58]
وبغض النظر عن كل هذه المقتضيات إلا أنه ثمة من يعتقد أن المتابعة الجنائية في الميدان الضرائب لا تقود إلى أية نتيجة، وفي المقابل هناك من يشدد على عقوبة الحبس في الميدان الضريبي، على اعتبار أن الغش يساهم في إيذاء جميع المواطنين بدون استثناء، فإن كان السارق يعاقب بالحبس يتعين من باب أولى أن يتحمل المتهرب نفس العقوبة[59]، إلا أنه ببساطة حينما تغيب الديمقراطية لا يطبق القانون الضريبي على الجميع، ولا يتم تجريم الغش الضريبي بشكل صريح، بل يتم التساهل مع المتملصين وإعفائهم من جزء من مستحقاتهم الضريبية مقابل أداء جزء سير من تلك المستحقات، كلها حالات عاشها المغاربة ويعيشونها بشكل مكتف ويومي على كافة المستويات.[60]
إن التشهير بالمتهربين من الضريبة سيؤدي بهم لا محالة إلى عدم تقدمهم بأي مجال من مجال تسير الشأن العام، لأنهم إن فعلوا ذلك سيكونون موضع سخرية واستهجان وتكذيب من طرف مختلف شرائح المجتمع، فطالما أنه تهرب من أداء الأموال العامة الواجبة عليه ضريبيا فبطبيعة الحال لا يمكن أن يؤتمن على تدبير الأموال العامة بكل عقلانية في إطار تسيره للشأن العام، وإذا كانت هذه الفكرة معمول بها في أغلب الدول المتقدمة طالما أن المكلفين بأداء الضرائب في هذه البلدان يحضر فيهم بشكل كبير الوعي والمواطنة الجبائيين، فإن الأمر يختلف كليا في دولة سائرة في طريق النمو كالمغرب، إذ نجد عدم وجود رغبة في زجر الغش الضريبي لكون الساهرين على تطبيق المنظومة الجبائية هم بأنفسهم يريدون محاباة لمصالحهم الخاصة فبدون توفر إرادة سياسية قوية تساهم في حل المشكل فإن الأمر سيزداد لا محالة إلى زيادة تفاقم ظاهرة الغش الضريبي. لذلك كان بأخذ الآليات وأنواع أساليب العقاب المعمول بها في الدول المتقدمة لأجل ردع المتملص من الضريبة أن تحقق عدة إيجابيات منها التركيز على التعليم والتأطير الأخلاقي وتكريس الترابط الاجتماعي وغيرها، وإن اقتضى الحال حتى تبني وسائل أخرى من شأنها إحراج المتملص داخل أسرته وفي علاقاته الاجتماعية مع أفراد المجتمع.
لذلك فالشهير حتى يؤتي جدواه ويكون عبرة لكل من سولت له نفسه التهرب من أداء التزاماته الجبائية يجب أن يتمثل في الإعلان عن كل متهرب: اسمه ونسبه ومركزه القانوني، وعنوان سكناه والمبلغ الذي فوته أو كان سيتهرب من أدائه إلى خزينة الدولة، وذلك عبر نشرة إعلامية خاصة بمديرية الضرائب، بالإضافة إلى وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة، لخلق ما يسمى ب "الاتصال المتبادل ذي الصدى" بين الإعلاميين والجمهور، الذي يعتبر طرفا أساسيا في عملية التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وذلك ليكون على بنيته من جهة ومن جهة أخرى لإذكاء بروح المقاومة للمتهربين.[61]
وعموما يمكن القول أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعيشها المغرب الآن (العهد الجديد ودولة الحق والقانون، سياسات الانفتاح الاقتصادي) بما يوحي برياح تغيير جذرية على كافة الأصعدة، تستدعي إعادة النظر في قانون تجريم الغش الضريبي بالشكل الذي يمكن معه التصدي بخرم لجميع مظاهرة والتي ترقي إلى مثابة الخيانة الوطنية، وذلك بتوسيع دائرة التجريم لتشمل جميع المخالفات التي تستهدف التملص كليا أ جزئيا من الضريبة، وكذلك بإقرار عقوبات حقيقية رادعة في إطار إجراءات مرنة ومبسطة بالموازاة مع مجموعة من التدابير الأخرى الموازية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة في محاربة هذه الظاهرة.
كخلاصة لهذا الفصل يمكن التأكيد على أن جودة العلاقة الضريبية بين إدارة الضرائب والمكلف، تنعكس مباشرة على الأداء المالي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، فكلما كانت هذه العلاقة منظمة بنصوص قانونية تضمن توازنها، ومؤطرة من قبل إدارة ضريبة تسعى لتحقيف الرضائية، كلما أدى ذلك إلى إقناع المكلف وتشجيعه على المساهمة في التكاليف الضريبية كواجب وطني.
فتوازن العلاقة الضريبية أصبح يحتاج إلى بذل مجهودات من قبل الإدارة الجبائية في نشر الوعي الجبائي، ودعم التواصل الجيد بينهما والحد من التوترات أو المشاكل التي تعيق تعاونهما، وفي الحقيقة هي مهمة ليست منوطة بالإدارة الجبائية فقط، وإنما تستوجب وجود إستراتيجية واضحة المعالم تعمل على إشراك مختلف الأطراف (المجتمع المدني بكل مكوناته) وهذا بشرط تقوية المواطنة والتواصل الجبائيين عسى أن نصل إلى الإحترام الطوعي لقواعد القانون الجبائي على غرار بعض الدول الأنجولوساكسونية.
[4] - أي حوالي 2701 موزعين على المدن التالية الرباط 527- فاس 242 – طنجة 237 القنيطرة 212- مكناس 206 – وجدة 210- مراكش 220- أكادير 153- سطات 151- الجديدة 144، هذه الأرقام مأخوذة من محمد شكيري، مرجع سابق ص 328.
[7] - الفصل الثالث من المرسوم الملكي رقم 118- 66 بتاريخ 28 فبراير 1967 والذي يعتبر بمثابة القانون الأساسي لهينة المفتشية العامة للمالية.
[8] - تتوفر مديرية الضرائب في فرنسا على خمس مدارس متفرغة لتكوين أطر إدارة الضرائب نذكر منها مثلا : المدرسة الوطنية للضرائب ومقرها بمدينة كلبرمون فيراند Clermont- Ferrand والمدرسة الوطنية للقطاعات الخارجية للخزانة أما عن كيفية تكوين المفتشين الرئيسيين للإدارة الضريبية في فرنسا، فيتم عبر دورة تكوينية تتم على ثلاث فترات :
- تدريب نظري لمدة ثلاث أسابيع في الخدمة أو القطاع، وفي خلال الأسبوعين التاليين يتم شرح دور المفتش في الفحص أو التحقيق الحسابي.
- تدريب عملي لمدة سبعة أسابيع في الخدمات والقطاعات الضريبية، حيث يقوم المفتش المتدرب بصحبة أحد المفتشين القدامى بعدة فحوص وتحقيقات وبصفة خاصة الفحوص الحسابية، وأثناء هذه الفترة يطلب من المفتش المتدرب إعداد تقرير كامل كما يقوم بإعداد تقرير سنوي عند ما يرسم في إدارة الضرائب.
وتختم هذه الدورة التكوينية بعروض ممثلي الإدارة العامة للضرائب، يعرضون فيها بطريقة تفصيلية اتجاهات الإدارة فيما يتعلق بممارسة أعمالهم، رابح رتيب، مرجع سابق ص 92.
- زيادة المكافئات المالية عند منع كل غش أو تهرب، لكن دون حيف ولا تعسف وإذا ما ثبت أي اختلال في هذا الاتجاه، كأن يتصيد المكلفين للوقوع في الغش والتهرب لكشفهم فيما بعد بغية الحصول على المكافئة تعرض إلى العقوبة، وسحبت منه المكافأة.
- ترقية المأمور الضريبي المتوفر على سجل وظيفي يشهد له بالكفاية في تدبير الشأن الضريبي، والأمانة والإخلاص الصادق في الجباية وحسن العلاقة بالملزمين بالكلمة الطيبة.
[11] - محمد عياد، الإدارة الجبائية بين التحديث وإكراهات الضبط الداخلي ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزجوج 72-73، يناير-أبريل، ص 104.
[12] - لقد أعطت الإعلاميات نتائج إيجابية على الصعيد الضريبي خاصة في البلدان الصناعية ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يذكر الأستاذ ماركاريز A. MARGAIRAZأن مراجعة تصريحات بعض المكلفين (الأفراد والشركات) عن طريق الأجهزة الإلكترونية سمحت للدولة بالحصول على مداخيل إضافية قدرها 839 مليون دولار بالنسبة للأفراد 957 مليون دولار بالنسبة للشركات علما أن تلك المراجعة لم تتداول جميع المكلفين بل عينة منهم فقط.
A. MARGAIRAZ : la fraude fiscale et ses succédanés ;comment on échappe a l'impôt?blonay (suisse);1987 CO p: 56
[13] - إبراهيم مهم، "المنازعات الجبائية بالمغرب – محاولة لتحقيق التوازن بين الملزم والإدارة الضريبية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، وحدة التكوين والبحث :المالية العامة، جامعة الحسن الثاني – عين الشق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- الدار البيضاء السنة الجامعية 2005 – 2006 ص 176.
[14] - إن مستوى الموارد البشرية المؤهلة للمعالجة المعلوماتية، لا تتعدى عدد 200 تقني في المعلوميات وبالتالي فإن أغلب موظفي في إدارة الضرائب غير مؤهلينا لاستيعاب التقنيات الإعلامية.
[15] - تمثل الأطر التقنية التي تختص بتدبير الأنظمة من مهندسي بين دولة ومهندسين تطبيقيين وإعلاميين متخصصين ومحليين نسبة 3.60% من مجموع العاملين تبعا لدراسة شرتها مديرية الضرائب سنة 1996 وهي نسبة ضعيفة جدا بالمقارنة مع بعض الدول الأوربية إلا أنها ما فتئت بتزايد بفعل الاعتماد المتنامي على الوسيلة المعلوماتية باقي معالجة المعطيات الضريبية (المصدر) مديرية الضرائب راجع أيصا محمد شكيري، القانون الضريبي المغربي مرجع سابق ص 229.
[17]- Abdelhak Akla: la changement : une urgence pour une administration asthénique ; REMALD ; N° 27 avril – juin 1999 p ; 73
[20]-. Conseil des prélèvement obligatoires : la fraude au prélèvement obligatoires et son contrôle.Mars 2007 op.cit.
[21] - عبد الغني خالد، "المسطرة في القانون الضريبي المغربي" مطبعة دار النشر المغربية، الداراليضاء،2002 ص 5.
[22] - EL-hassane katir : administration fiscale et communication : l'exemple de la France ; revue du droit Marocain; n6-07/2004 , p :24
- كندا مثلا تضع الوزارة المختصة "Revenu canada impôt" مكاتب استعلامات متخصصة في تقديم المعلومات والإرشادات حول كيفية ملء التصريحات وعبر ذلك من اتمام بعض الشكليا المتصلة بأداء الضريبة وكيفية استردادها وغير ذلك، كما تقوم بتنظيم حملات توعية خاصة لفائدة بعض الأشخاص المعاقين والمسنين وتضع رهن إشارتهم مصلحة هاتفية مركزية تقدم خدماتها بالمجان لفائدتهم بالإضافة إلى مراكز موسمية للمساعدة الجبائية موزعة في مختلف أنحاء البلاد :les centres saisonniers d'aide fiscale (C.S.A.F) تتواجد بداخل البيانات العمومية والمراكز التجارية، وتقدم هذه المراكز خدماتها أثناء فترة إعداد التصريحات باللغتين الفرنسية والإنجليزية وقد وصل عدد هذه المراكز سنة 1985 حوالي 130 مركز.
- أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن المديرية الفيدرالية (I. R. S) تكلف 5% من العاملين بها بمهمة المساعدة بصفة دائمة ونضع رهن إشارة المكلفين مصلحة خاصة يمكن الاتصال بها هاتفيا وبالمجان لطلب المعلومات tax = payer service إضافة إلى وجود هيئة متخصصة مجانية تسمى volunteer income tax Assistance تضم في عضويتها 41 ألف متطوع موزعون على سبعة آلاف (7000) مكتب لتقديم المساعدات للمكلفين : فتيحة لمعاشي، مرجع سابق ص 317- 318.
[24] - إن الواقع العملي للاستقبال بالدارة العمومية عموما والإدارة الجبائية خصوصا لا يوازي الاهتمام المتزايد بعملية الاستقبال من خلال الخطب الرسمية : استقبال سيئ عند مدخل سؤال يضع قطيعة مع تقاليدنا مثل : إلى أين أنت ذاهب ؟ فالمر تفق دخيل وغير مرغوب فيه ، عليه أن يرتجل عرضا قصيرا ليبرر حضوره بالمكان، إلا أن ذلك لا يعفيه من سماع رد ، أن عليه أن يرجع في وقت لاحق
Mohamed A.benabellah : les rapports entre l'administration et les citoyens , Renard- Double 4-5 juillet-najah AL Jadida 1993 , p : 11 .
[27] - د. جعفر عبد السلام علي، القانون الدولي لحقوق الإنسان – دراسة في القانون الدولي والشريعة الإسلامية الطبعة الأولى 1999 دار الكتاب المصري القاهرة – ودار الكتاب اللبناني بيروت ص 169.
[29] -ثم الاعتماد في فرنسا على الوسائل السمعية والبصرية لإعلام المكلفين وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية وفي هذا الإطار نشير :
1- على مستوى المذياع والتلفاز : يقوم المدير العام للضرائب بإخبار السواد الأعظم من المكلفين من خلال برامج إذاعية وتلفزية متخصصة يتم بثها على الهواء في مختلف القنوات الخاصة والمحلية وكذلك القنوات الوطنية.
2- بواسطة الهاتف : حيث يتم تخصيص أرقام هاتفية خاصة تابعة لإدارة الضرائب لمن يريد احتساب حصيلة الضريبة وكذلك الإجابة على أسئلة المكلفين والحصول على معلومات عامة مرتبطة بكيفية تصفية الضريبة وكيفية أداء الدين الضريبي.
3- الإنترنيت : هذه الوسيلة تمكن :
* الحصول على نماذج الإقرارات الضريبية والمنشورات التفسيرية المتعلقة بها، حيث أصبح بإمكان المكلفين ملأ الإقرارات الضريبية المتعلقة بهم وهم في منازلهم وإرسالها إلى المصالح المختصة.
* طرح أسئلة على المصالح المختلفة التابعة لمديرية الضرائب ترسل إلى الصندوق الإلكتروني لهذه المصالح.
* احتساب مبلغ الضريبة
* الحصول على المعلومات الضرورية لملأ الإقرارات الضريبية.
4- الصحافة المكتوبة : وتخصص هذه الأخيرة عدة مقالات إخبارية لشريحة المكلفين بالضريبة، كما تقوم بمعالجة القضايا المرتبطة بالنظام الضريبي سواء في الصحف الوطنية أو الصحف الجهوية، للمزيد من الاطلاع راجع
El-hassane katir. Op.cit. P 24.
[32] - إدريس فلكي، المسكوت عنه في المالية العامة، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، عدد 13 دجنبر 2001 ص 82.
[34] - نسوق هنا أمثلة : انتفاضة فاس 1873(حركة الدباغين)- انتفاضة انولتان في يوليوز 1894 ضد الضريبة الفلاحية-استقلال الولايات الأمريكية عن التاج البريطاني في عام 1776 والثورة الفرنسية ل 23 غشت 1789 .
[37] - Michel bouvier ; Marie Christine Escalant ; Jean pierre lassale : finance publique : L.G.D.J 7 ème édition .p: 592.
[38] - تتوفر الإدارة الجبائية على معلومات تهم تداول نقل العقارات حسب القيم التجارية ومعرفة الاستهلاكات في إطار عملية الإنتاج الصناعي، وكذا تداول السلع وغيرها مما يسعف مفتش الضريبة التدقيق في وضع الجداول، وضبط عمليات المراقبة والاختصاص، لذلك يتوجب على هذا الأخير أن يكون مطلعا عالما بأسرار الإنتاج والتسيير وآليات سوق العمل وتداول المنتجات والخدمات كمعطيات تقنية وفنية لضبط المراقبة وتدقيق المراجعة، ولا بد أن يكون مطلعا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في عملية الإنتاج الصناعي والنشاط المهني والتجاري وغيره، حتى يكون على بنية من أمره وبالتالي تصبح له الإمكانية في إقناع المكلف في حالة ما إذا كانت تبريراته واهية أو غير مضبوطة، فيما إذا كانت حججه واقعية لا يشوبها شك أم لا .
[39] - الصادر بظهير عدد 1- 83- 38 بتاريخ 21 رجب 1404 (23 أبريل 1984)، بتنفيذ قانون الإطار رقم 3- 83 المتعلق بالإصلاح الجبائي المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3731/2 ماي 1984.
[40] الصادر بظهير رقم 77. 96. 1 (12 صفر 1417) 29 يونيو 1996) بتنفيذ القانون المالي رقم 8.96 للسنة المالية 96/97. هذا بالرغم من الانتقادات التي وجهت للقانون أعلاه كونه أظهر مرونة كبيرة في تحديده للأفعال المجرمة وما تستوجبه من جزاءات جنائية، ويبدوا ذلك من خلال اقتصاره على ما يستعمل من وسائل محظورة في مجال كل من الضريبة على الشركات، والضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل، دون غيرها من الضرائب التي تشكل مرتعا خصبا للغش الضريب، كضريبة التسجيل مثلا- أنظر المبحث الثاني من الفصل الثاني من القسم الأول-.
[41] - Bouchaib azale: le contrôle fiscale au Maroc ; Mémoire pou l'obtention du diplôme des Etudes supérieures approfondies an finances publiques ; Université Hassan 2 , faculté de droit Casablanca , année université 1999/2000- p:5.
[42] - قد عرف المغرب حق الاطلاع لأول مرة سنة 1940 بمقتضى ظهير 3 فبراير 1940 والمعدل بمقتضى ظهير رقم 129- 63- 1 في غشت 5 1963 عندما كان خاضعا للحماية الفرنسية ثم عرف تطورات بعد ذلك.
[43] - المادة 214 من المدونة العامة للضرائب وتتمثل هذه الوثائق في وثائق المصلحة او الوثائق المحاسبة الموجودة في حوزة إدارات الدولة أو الجماعات المحلية والمؤسسات العامة، وكل هينة خاضعة لمراقبة الدولة دون امكانية الاعتراض على ذلك بحجة السر المهني، السجلات والوثائق التي تفرض مسكها القوانين أو الأنظمة الجاري بها العمل وكذا جميع العقود والمحررات والسجلات والملفات الموجودة في حوزة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يزاولون نشاطا خاضعا للضرائب والواجبات والرسوم.
[45] - المادة 42 من قانون الضريبة على القيمة المضافة والمادة 33 من قانون الضريبة على الشركات والمادة 150 من قانون الضريبة على الدخل.
وهكذا خلصنا في هذا القسم الثاني أنه بعد التحليل والتمحيص استقر بحثنا على أن أسباب الغش الضريبي هي عديدة وتختلف باختلاف صور الغش، حيث منها ما هو متعلق بمحدودية الضرائب،واختزالها لتدبير الشأن الضريبي في المقاربة الزجرية، ومنها ما هو متعلق بمحدودية التواصل بين هذه الأخيرة والمكلفين بالضرائب، الأمر الذي يساهم في تفاقم تشنج العلاقة بينهما.ولقد تبث لدينا أيضا أنه لا يكفي أن نوفر للمكلف وسائل الدفاع عن حقوقه من تعسف الإدارة الضريبة حتى نضمن علاقات ضريبية سليمة بين الإدارة الجبائية والمكلف بل يجب الانطلاق في سبيل تحسين تلك العلاقة من إصلاح للإدارة الجبائية نفسها عبر تقوية وسائلها البشرية والمادية أولا ثم الاهتمام بتوسيع قنوات الحوار والتواصل بين الطرفين عبر مبادرات ملموسة ومجهودات منتظمة متناسقة ومتكاملة لإزالة الفتور القائم في العلاقة بين الطرفين والناتج عن غياب ثقافة للعلاقات العامة بالإدارة المغربية ككل.
وبالرغم من أهمية الوسائل السابقة الذكر في إمكانية الحد من ظاهرة الغش الضريبي، فهي تظل غير قادرة على محاصرة الظاهرة إذ ينبغي التنبيه إلى ضرورة إعادة الاعتبار للدولة، عبر فرد إرادتها السياسية تعمل من خلالها على التوفيق بين المردودية الجبائية والعدالة الجبائية.
[46] - Abdellah Eboukri : limites du control a la fraude fiscale : in fraude fiscale sous la direction de yahia Safi et autres ; op.cit : p: 129.
[47] - Mohamed Bekkali : le control fiscale : objectifs et outils : assisses nationales sur la fiscalité au Maroc ; 26 Novembre 1999 publicité des finances , Février 2002 , p: 129-132.
[51] - محمد التغدويني : إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي ، الطبعة الثانية سنة 2005 ، ص: 43.
[52] - تجب الإشارة في هذا المعنى إلى أن المشرع الجنائي ينطلق في التجريم من الأفعال الأشد خطورة ، ثم الأقل فالأقل، في حين أنه عكس الآية في تحريم الغش الضريبي الذي انطلق فيه من المخالفة إلى الجنحة، وهذا ما جعله لا يميز بين شروط تطبيق العقوبة فيه وبين ظروف تشديد هذه العقوبة.
[56] - المادة 5 من الفرع الثاني الخاص بفقدان الأهلية الانتخابية من القانون الانتخابي رقم 97- 9 المتعلق بمدونة الانتخابات الصادر بتنفيذ الظهير رقم 83- 97- 1 في 23 من ذي القعدة 1417 (2 أبريل 1997) المنشور بالمجلة المغربية للإدارة والتنمية سلسلة نصوص ووثائق الطبعة الأولى سنة 1997
[60] - عبد السلام أديب، "الزيادات في الأسعار تهدد بظهور توترات تضخمية على المدى المتوسط في المغرب" مقالة وزارة الجريدة الإلكترونية الحوار المتمدن العدد 1392 بتاريخ 2005/7/12 http : www. Ahewar. org
التعليقات على الموضوع