القسم الأول : الإطار النظري العام للغش الضريبي

يعد الغش الضريبي ظاهرة قديمة قدم الضريبة، فهو يرتبط بها وجودا وعدما، غير أن أهمية وجوده في الأنظمة الضريبية يختلف من دولة لأخرى، وهو يترجم العلاقة غير المتكافئة بين الاقتطاع الضريبي وما تقدمه الدولة من خدمات للأفراد والجماعات،إلا أنه ومن جانب آخر وبالرغم من قدم ورساخة هذه الظاهرة في جل المجتمعات فقد احتار الفقه في الوصول إلى تعريف شامل ودقيق لها، حيث إن هناك عدة تصورات لمقاربة هذه الظاهرة، حتى أن بعض الكتاب اعتبر الغش الضريبي عبارة عن صور متعددة الأشكال والمفردات، الأمر الذي يجعل من
الصعب فهم الظاهرة واستيعابها خصوصا مع وجود مفهوم متداخل مع مفهوم الغش الضريبي وهو التهرب الضريبي.
إن هذه الظاهرة المعقدة ليست سوى نتاج وتراكم لمجموعة من العوامل والأسباب الموزعة بين ما هو قانوني ،اقتصادي، اجتماعي، ونفسي.
فهناك دراسات أكدت على أن تعقد القوانين والتشريعات الضريبية وعدم استقرارها هي من الدوافع التي تساعد المكلفين على الغش الضريبي، كما أن ارتفاع الضغط الضريبي يشكل ذريعة لدى المكلفين لإتباع طرق ملتوية لإخفاء أنشطتهم حتى لا تتعرض للضريبة، لكن في المقابل ينبغي التذكير أن عدة دراسات أثبتت عدم صحة هذا الطرح، فمشكلة الغش الضريبي حسب هذه الدراسات تتعلق بالفرصة المتاحة لمكلف دون آخر، ذلك أن الموظف لا يستطيع التملص من أداء الضريبة إن كان عبؤه الجبائي مرتفعا، نظرا لكونه يخضع لتقنية الحجز عند المنبع.
 هذا ونجد أن العامل النفسي يلعب دورا كبيرا في استفحال ظاهرة الغش الضريبي طالما أن أغلب المكلفين يعتبرون أن مال الدولة هو مال مباح، وبالتالي عندما يسرقونه يظنون أنهم لا يقومون بعمل إجرامي، حتى أنهم عندما يدفعون قسطا من دخلهم في شكل ضريبة يشعرون دائما بالاستياء اتجاه الإدارة الضريبية، لأن نظرتهم إليها هي نظرة عداء ، معتقدين بذلك أنها دائما ما تحاول أن تغتصبهم في أموالهم، ومن هنا ونظرا لأهمية الغش الضريبي وآثاره المتعددة قامت جميع الدول بدراسة أسباب وعوامل هذه الظاهرة وذلك لإيجاد حلول تساعد على التقليص من حدتها.
ونظرا لتعدد ضحايا الغش الضريبي بدءا بالإضرار بخزينة الدولة عبر تقليص موارد جبائية كانت لتكون فيها، وكذا المساس بالمنافسة الشريفة بين المقاولات والشركات وعدم تحقيق العدالة الجبائية والاجتماعية بين جميع المكلفين، وانتهاء بالمساس بهيبة و مصداقية الدولة قام المشرع المغربي بتجريم هذه الظاهرة من خلال القانون المالي المزدوج لسنة 1996-1997 رغم أنه كانت هناك محاولات سابقة لتجريم الغش الضريبي أهمها قانون الإطار لسنة 1984 التي تمت المصادقة عليه بدون المادة 27 التي تجرم الغش الضريبي.
وبعض النظر عن بواعث هذا القانون(96-97) فإن هذا الأخير يطرح إشكالا في حد ذاته نظرا للصيغة غير الجدية التي يتسم بها، وهو ما يجعلنا نتساءل عن سبب تسامح الدولة في مسألة الغش الضريبي وكذا عن السبب الكامن وراء تباطئها في الإعلان عن قانون لتجريم الغش طوال العقود السابقة بالرغم من سيادة وعي وقناعة بخطورة هذه الظاهرة.
تلكم إذن هي أهم الأفكار الأساسية التي يتضمنها هذا القسم والتي سنحاول تسليط الضوء عليها عن طريق تقسيمه إلى فصلين:
الفصل الأول: سنتناول تعريف الغش الضريبي وتحليل الأسباب المؤدية إليه وذلك عبر مبحثين، نعالج في الأول مفهوم الغش الضريبي وتمييزه عن مختلف التصرفات والأوضاع الأخرى المشابهة له، على أن نتطرق في المبحث الثاني لدراسة أهم وأبرز الأسباب والدوافع العامة الكامنة وراء ممارسة هذا السلوك، كما سنقوم بإبراز أهم تجليات هذه الظاهرة.

الفصل الثاني: سينصب على دراسة الآثار الواضحة للغش الضريبي وإبراز موقف المشرع المغربي من هذه الظاهرة  وذلك عبر مبحثين: نتناول في الأول الأبعاد والآثار المالية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، المترتبة عن ممارسة الغش الضريبي، على أن نسلط الضوء في المبحث الثاني على موقف المشرع المغربي من هذه الظاهرة، مركزين تحليلنا على مرحلتين مهمتين، الأولى هي قانون الإطار لسنة 1984 والثانية هي القانون المالي المزدوج لسنة 1996-97.

ليست هناك تعليقات