إن النقاش حول تجاوز إشكال الإفراط في مركزية القرارات وبيروقراطية سلطة التدبير الممركز، أضحى اليوما نقاشا ثانويا بعدما ذخل المغرب في مسلسل...
إن النقاش حول تجاوز إشكال الإفراط في مركزية القرارات وبيروقراطية سلطة التدبير الممركز، أضحى اليوما نقاشا ثانويا بعدما ذخل المغرب في مسلسل اصلاحات بنيوية فرضتها عدة متغيرات،أهمها التعديل الدستوري لسنة 2011،ورغبة المغرب في ايجاد حل لقضية الصحراء في اطار السيادة المغربية.
وقد اضحى النقاش اليوم حول من غايات وتمظهرات الحكامة الجيدة في تدبير شؤون المسألة الجهوية ومواكبته لدينامية التجديد وقضايا التحديث المجتمعية والكونية، التي سعى المغرب المعاصرإلى تطويرها كخيار إستراتيجي بديل عرف مخاض بناء المتلاحق والمتكامل على مستوى ترسيخ المفهوم وتعميق الوظائف، وجعل الجهة القاعدة الأساسية في بناء تنموي ومجتمعي مندمج يأخذ بعين الاعتبار العنصر البشري كنواة ورافعة اساسية في انجاح ورش الجهوية المتقدمة،كما يعتمد أيضا على الخصوصية الديمغرافية والجغرافية والاقتصادية ..... وملائتمها مع البرامج والمقتراحات المحلية لخلق قطبية تراعي التقائية البرامج وتكامل الجهات،ضمن صيرورة اصلاحية انتقالية تكون بمثابة قطيعة مع الممارسات السلبية التي كانت سائدة،وتستثمر بعض التجاربالناجحةالتي كرست الديمقراطية المحلية كبديل صائب لتجاوز معضلة التسيير المركزي والدفع بعملية تسييره على نطاق واسع يناسب ضرورة التنمية الجهوية ويسمح بتحقيق نمو متوازن ومنسجم لمختلف الفئات الإجتماعية بكل مجموع التراب الوطني . و يمكن القول بأن نظام الجهة قد جاء لكي يخفف من حدة التفاوتات الجهوية التي تتميز بعدم التكافؤ والتوازن، لذا فإنها ليست وحدة إدارية لامركزية بل هي إطار إداري لعدم التركيز فرضتها ظروف معينة وبالتالي جاءت لكي تقوم بدور الوسيط بين الدولة والجماعات المحلية. إن الاهتمام بالتنظيم الجهوي في المغرب لم يقف عند هذا الحد، بل ظلت السلطات العمومية تولي العناية والاهتمام للتنمية الجهوية على صعيد المخططات التي تلت صدور ظهير 16 يونيو 1971، إذ أن الجهة حسب هذا الظهير يراد بها مجموعة من الأقاليم التي ترتبط بينها أو يحتمل أن ترتبط بينهاعلى الصعيد الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي علاقات كفيلة لتقوية نموها والتي تقتضي من جراء ذلك القيام بتهيئة عامة فيها، وتؤلف إطار عمل اقتصادي يباشر داخله إجراء دراسات وإنجاز برامج قصد تحقيق تنمية منسجمة ومتوازنة لمختلف أجزاء المملكة.
بالإضافة إلى ذلك جاء خطاب الملك الراحل على أعضاء المجلس الاستشاري للمنطقة الوسطى الشمالية بتاريخ 24 أكتوبر 1984 الذي أعطى تصورا جديدا للجهوية في المغرب إذ حدد الخطوط العريضة لتطوير التنظيم الجهوي و تم التأكيد على ضرورة تبني نظام جهوي جد متقدم يتوفر على الاختصاصات التشريعية والتنفيذية .
إذ أصبحت الجهة بالمغرب تتوفر على إطار دستوري بعد مراجعة 1992 وقانوني ومؤسساتي الذي يحدد المجال الذي من شأنه أن تتولى الجهة باعتبارها جماعة محلية مسؤولياتها المحددة بموجب القانون وذلك في ميدان التنمية المحلية وإنعاش الاقتصاد المحلي.
وباعتبار الجهوية بأشكالها ودرجاتها واحدة من أهم آليات اللامركزية والديمقراطية المحلية فإن الحكم الذاتي الذي يندرج في هذا الإطار يحمل طابعا خاصا بالنظر لسياق كل دولة، الأمر الذي يتطلب مراجعة وإصلاحا مؤسساتيا حسب شروط كل دولة مع مراعاة الضوابط والمرتكزات المتعارف عليها.
أما بالنسبة للجهوية بفرنسا فقد نص دستور 1958 على أن الجماعات الترابية للجمهورية تتكون من الجماعات المحلية و الأقاليم، بالإضافة إلى أقاليم ما وراء البحار، تاركا الحرية للمشرع لإحداث جماعات ترابية أخرى بناء على قانون عادي. حيث حدد قانون 2 مارس 1982 ثلاث مستويات للإدارة، الجماعات والأقاليم والجهات باعتبارها دوائر إدارية للدولة، وجماعات ترابية لا مركزية.
ولعل أهمية الموضوع تكمن في كون أن الجهوية هو النقاش المطروح حاليا في الساحة والذي ينبغي المساهمة فيه بشكل فعال ليكون مبني على رؤية شمولية قائمة على أسس ديمقراطية متوافق حولها وإرادة سياسية تؤسس على تقاسم السلطة مع تقييم الوضع الحالي وتحليل حصيلة المراحل السابقة، وحصر ما تم تحقيقه على مختلف المستويات .
فما هو إذن مسار الجهوية بالمغرب و فرنسا ؟ و ما هي أوجه الشبه و الإختلاف بينهما ؟ و ما هي آفاق الجهوية بالمغرب بمقاربة الحكم الذاتي ؟
ليست هناك تعليقات