مقدمة إشكالية الغش الضريبي و انعكاساته على علاقة الإدارة

مقدمة :
عرفت الضريبة تطورا كبيرا في الفكر المالي الحديث، فقد انتقلت من الهدف المالي داخل الدولة الدركية إلى وسيلة فعالة لتشجيع النمو الاقتصادي أو مساعدة أصحاب الدخل المحدود، فبعدما تزايدت أنشطة الدولة، أصبحت الضريبة آلية للتدخل في جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
 وقد كان لهذا التطور أن ظهرت عدة أساليب تهدف إلى مخالفة الواجب الضريبي، ونجد من بينها الغش الضريبي الذي يعتبر أحد أكبر مظاهر السخط  والتمرد على الفرض الضريبي، فهو ظاهرة من الظواهر الأكثر انتشارا في اقتصاديات الدول الحديثة، ويؤثر سلبا على مداخيل هذه الدول، وبالتالي على أنشطتها ووظائفها المتعددة.
وتعدد المظاهر التي تخلفها ظاهرة الغش الضريبي حتى أصبحت الدول حاليا تقوم بسياسة من أجل مواجهتها.
وبالنسبة للمغرب نجده يعتمد بشكل كبير على الدخول الضريبية، وأي مخالفة لهذه الأخيرة ستنعكس اقتصاديا واجتماعيا عليه، إذ أن آثاره تمتد لتشمل ظهور عجز في الميزانية العامة للدولة، وما يترتب عنه في نقص في تمويل المرافق العامة ومؤسسات الإنتاج، والإخلال بالتوازنات الاقتصادية والاجتماعية كحدوث انخفاض في مستوى الادخار والاستثمار، وما يترتب على ذلك من تأثير سلبي على التوزيع المجالي للأنشطة الإنتاجية بين مختلف القطاعات الاقتصادية والمنافسة الحرة وعلى مستوى الإنتاج وعلى توزيع العبء الضريبي بين المكلفين، فالغش الضريبي يؤدي إلى تشويه جميع الوسائل ويقضي على جميع القيم الأخلاقية، كما يتحطم تحت وطأته مبدأ العدالة بمفهومه الشامل مما يؤدي بالتالي إلى هبوط الإنتاج داخل الدولة.
ومعلوم أن لهذه الظاهرة أسباب عديدة وجذور عميقة اجتماعية واقتصادية وتقنية ونفسية، وهي إن كانت ترجع في مجملها إلى عمل المكلف بالضريبة باعتباره المستفيد الأساسي من هذه العملية، فإن للإدارة الجبائية دورا هاما في انتشار ظاهرة الغش الضريبي بسبب وجود عدة تغيرات تعتري إطارها التنظيمي والتي من شأنها أن تحول دون التعدد المعرفي لفائدة أطرها، كما أن التقصير الذي يطبع جانبها الوظيفي يحد من فعالية عملها الإداري والتقني ويفتح الباب أمام المكلفين لممارسة الغش الضريبي بمختلف أنواعه وأشكاله، وما يساعد على تفاقم خطورة هذا الأخير هو عدم وجود وسائل ردع جنائية فعالة، حيث لم يتم اعتبار الغش الضريبي جريمة يعاقب عليها القانون ماليا وحبسيا إلى مع القانون المالي 1996 – 1997 حتى أنه بعد إخراجه نجد لا يعمل به، لأن العبرة ليست بالنصوص بل بتطبيقها وبلورتها على أرض الواقع.
كما أن تقدير أهمية هذه الظاهرة في المغرب أو في أية دولة نامية يعد من الصعوبة بمكان إن لم نقل من المستحيل، إذ أن الحديث عن الغش الضريبي مازال يعتبر من المحظورات بسبب ارتباطه بعدة عوامل سياسية وثقافية، فكثير ما يتم إحاطة هذا الموضوع بسياج من الكتمان التام لدرجة يتخيل إليك أن أنظمتها لا تعاني بتاتا من مخلفات هذه الظاهرة، بالرغم من كونها أصبحت تتخذ في نسقها الاقتصادي والمالي أبعادا اقتصادية واجتماعية جد خطيرة، ففي المغرب إذ ما استثنينا بعض المحاولات التي قام بها بعض الفقهاء والباحثين وبعض المقالات التي تصدر هنا وهناك، فإننا لا نكاد نعثر بهذا المجال من دراسات وإحصائيات وذلك خلافا لما هو عليه في بعض الدول المتقدمة والتي اعتمدت أسلوب الشفافية في تعاملها مع هذه المعطيات.
كل هذه العوامل زادت من استفحال ظاهرة الغش الضريبي، وبالتالي انعكست سلبياته على علاقة الإدارة الجبائية بالمكلف، الأمر الذي قد يصعب على هذه الأخيرة إقناع المكلف بعدالة النظام الضريبي.
أهمية الموضوع :     
تكمن أسباب اختيارنا لهذا الموضوع في أهميته وراهنيته، حيث يعتبر موضوعا يناقش ظاهرة أصبحت تؤرق وظائف الدول الحديثة سواء منها المتقدمة أو التي هي سائرة في طريق النمو، وبالبنسبة للمغرب بدوره لا يخرج عن التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة خصوصا وأنه يقوم بمجموعة من الإصلاحات على الصعيد المالي عامة وعلى الصعيد الجبائي خاصة، وما صدور مدونة الضرائب إلا لتكريس تلك الإصلاحات.
لذلك فإن أهمية هذا الموضوع "إشكالية الغش الضريبي وانعكاساته على علاقة الإدارة بالمكلف" تكمن في ثلاث نقاط محورية:
1-     يمكن القول أن هذا الموضوع أصبح مستهلكا وأن الدراسات التي تناولته هي متعددة سواء منها الأكاديمية أو الرسمية أو من خلال تقارير المؤسسات العالمية الدولية، ولكنها تجمع على عدم وضوح وضبط إحصاءات هذه الظاهرة، بل أكثر من ذلك أن هاته الدراسات أغفلت جانبا يتمثل في العلاقة ما بين المكلف بالضريبة والإدارة الجبائية، لذلك حاولنا من خلال هذا البحث المتواضع ملامسة هذا الجانب المهم  والأساسي بالنسبة لهاته الظاهرة.
2-     تعتبر المداخل الجبائية أساس تمويل ميزانية الدولة في المغرب، وأمام انتشار ظاهرة الغش الضريبي ستنعكس سلبا على نشاط الدولة، ويجعلها بالتالي تلتجئ إلى الدين العمومي.
3-     من خلال محاربة هذه الظاهرة يمكن للإدارة الجبائية أن تحسن علاقتها مع المواطن المكلف، وإلا سيؤثر ذلك على جانب المردودية المالية والمنافسة الاقتصادية، والعدالة الجبائية.
صعوبات البحث :
لاشك أن القيام بدراسة موضوع الغش الضريبي وانعكاساته على علاقة الإدارة بالمكلف، يضع أمام الباحث عدة إشكاليات تتمثل في ضرورة تدليل مختلف العقبات التي تعترض سبيله خاصة تلك التي تتعلق بعدم توفر الإحصاءات الرسمية التي تتعلق بتحديد حجم الأموال التي تفتقدها الخزينة العامة سنويا نتيجة ممارسة هذا السلوك، بل حتى في الدول الأوروبية لم تستطيع تناول ظاهرة الغش الضريبي بالأرقام رغم إلزامها بذلك من طرف الاتحاد الأوروبي في سنة 2006، الأمر الذي يؤكد لنا صعوبة الإحاطة بهذه الظاهرة بالإحصاءات سواء منها الرسمية وغير الرسمية.
المنهج المعتمد :
حاولنا دراسة هذا البحث من خلال الدراسة التحليلية والنقدية لتدبير الشأن الضريبي، لكشف مكامن الأسباب الحقيقية التي أفرزت ظاهرة الغش الضريبي وتجلياتها، وذلك للقضاء عليها في إطار خطة تعتمد تدبيرا "منجماتيا" وتواصليا عصريا، الأمر الذي تطلب من استخدام عدة مناهج على النحو التالي :
أ‌.   المنهج التاريخي: ومن خلاله يمكن رصد تطورات الظاهرة وتطور التشريعات التي تجرمها ذلك منذ الاستقلال، ومرورا بمرحلة السبعينات، ومرحلة التقويم الهيكلي تم صدور قانون الإطار والقوانين التطبيقية حيز التنفيذ، لتنتهي إلى قانون المالية المزدوج لسنة 1996 /1997.
ب‌.     المنهج المقارن: لمقاربة الأساليب التي استعملت لمعالجة الغش الضريبي في بعض الدول المتقدمة، وبالتالي مقارنة نتائجها وآثارها.
ت‌.     المنهج الوظيفي : وذلك توظيفا للآليات والوسائل التي تم ابتداعها خاصة في إطار علم الإدارة، والتي نرى ضرورة استخدامها في تدبير الشأن الضريبي حتى لا يبقى مختزلا في المقاربة القانونية الصرفة المعتمدة على الآلية التحكمية ومن ثم الزجرية.
ج‌.                         المنهج القانوني : من خلاله استطعنا تشخيص الوضعية القانونية لمحاربة هذه الظاهرة.
هذه بعض المناهج بالإضافة إلى مناهج أخرى تم توظيفها في بحثنا المتواضع لأن هذا الأخير يتطلب في دراسته، مناقشته من جميع الجوانب.
الإشكالية :
كان لانتشار ظاهرة الغش الضريبي أن أدت إلى اللاتوازن في علاقة الإدارة الجبائية بالمكلف، فمن جهة يرى هذا الأخير في الإدارة الضريبية على أنها عدوة له، تريد دائما أن تغتصبه في أمواله، ومن جهة أخرى ترى هذه الإدارة في المكلف أنه يحاول قدر استطاعته أن يتهرب من أداء التزاماته الجبائية، وبالتالي هو شخص غير موثوق فيه :
فكيف – إذن – يمكن للإدارة الضريبية محاربة ظاهرة الغش الضريبي والحد منها؟ وفي نفس الوقت تحسين العلاقة ما بين الطرفين؟.
إن هذه الإشكالية المحورية تفرض علينا التعامل مع مجموعة من الأسئلة نجملها فيما يلي :
-       ما هو مفهوم الغش الضريبي؟ وكيف نميزه عن بعض المفاهيم المشابهة له كالتهرب الضريبي؟
-       ما هي أسباب الغش الضريبي بالمغرب؟
-       ثم ما هي أهم الآثار لهذه الظاهرة على جميع المستويات المالية منها والاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
-  هل نجح المشرع المغربي في تجريم هذه الظاهرة؟ أم مازالت هناك تغيرات في قوانيننا الجبائية وجب تداركها والعمل على توفير المناخ الملائم لها؟
-  وما هي الإستراتيجية التي يجب اعتمادها لمحاربة الغش الضريبي بالمغرب؟ وهل بالإمكان تجاوز معضلة الغش الضريبي الذي يعتبر بالتأكيد سمة من سمات التخلف وعقبة حقيقية أمام تحقيق تنمية مستدامة تعتمد بالأساس على تسخير الموارد المالية والبشرية الوطنية؟
-  وأخيرا ما مدى فعالية ونجاعة الآليات والمقاربات التي تم اعتمادها في هذا البحث المتواضع في محاربة هذه الظاهرة؟.
خطة البحث
مما هو جدير بالذكر أن البحث في "مشكلة الغش الضريبي وانعكاساته على علاقة الإدارة بالمكلف" في إطار التداخل العلمي وخاصة العلوم الإدارية على وجه طلاق، يجب أن يكون من السعة والعمق بحيث يسمح بتحليل ومناقشة كافة الحلول البديلة وانتقاء أكثرها نفعا وأمثلها مردودية وأكملها واقعية.
على هذا الأساس وانطلاقا من كل ما سبق، فإن خطة البحث التي سنعتمدها ستكون على الشكل التالي :
-                     القسم الأول: الإطار النظري العام للغش الضريبي

-      القسم الثاني : الغش الضريبي : نحو تدبير إستراتيجية معقلنة لمحاربته عبر تحسين علاقة الإدارة بالمكلف.

ليست هناك تعليقات