القسم الثاني : تدبير استراتيجية معقلنة لمحاربة الغش الضريبي عبر تحسين علاقة الإدارة بالمكلف
لقد حاولنا من خلال ما سبق أن نشير إلى أن الغش الضريبي وبالرغم من الغموض
الذي يدور حول تحديد مفهومه ومهما تعددت أسبابه وصوره بشتى أشكالها وأعقد تقنياتها،
يبقى آفة اجتماعية تهدد اقتصاد الدولة، وداء ينخر ميزانيتها ليحرمها من موارد هي
في أمس الحاجة إليها.
وإذا كان المشرع قد سعى جاهدا إلى إيجاد تدابير منها وقائي وآخر زجري
لمحاصرة هذه الآفة، ومعاقبة كل من تسول له نفسه التهرب من أداء الضريبة فإن
الإدارة الجبائية بالمغرب هي بدورها تعمل في هذا الاتجاه، إلا أن ما يمكن أن يؤخذ
على هذه الأخيرة هو محدودية مواردها البشرية والمادية، واختزالها لتدبير الشأن
الضريبي في المقاربة الزجرية، فبدت إدارة ضعيفة مرتكبة لتعسف ضريبي متعدد الجوانب،
لتكرس في ذهنية المكلف أنها تسعى لاختلاس أمواله، يضاف إلى ذلك عدم إتباع سياسة من
العلاقات العامة ما بين هذه الإدارة وموظفيها وما بينها والمكلفين بأداء الضرائب،
الأمر الذي ساهم أكثر على استمرار المواجهة السلبية بين أطراف هذه العلاقة، وهو ما
يؤدي كنتيجة حتمية إلى المزيد من الغش الضريبي، خاصة وأن هذا الأخير جاء بأعباء من
نوع جديد على الإدارة الجبائية، وأصبح يعتمد على وسائل متطورة، الأمر الذي أدى إلى
عدم تمكن الجهاز الإداري من معالجته اعتمادا فقط على المقاربة القانونية التي
تضمنها التشريع الضريبي، وهو الأمر كذلك الذي أحدث ما يسمى بالفجوة أو الفراغ في
المنظومة الضريبية، وغيب بالتالي الضبط الضريبي، مما أصبح معه لزاما ابتكار
مقاربات عصرية، تكون روافض أساسية ورئيسية إلى جانب المقاربة القانونية تساعد
بدورها على تلطيف وتحسين علاقة الإدارة الجبائية بالمكلف بأداء الضرائب عبر
التواصل معه، تأطيره، وتكريس لديه الوعي والمواطنة الجبائيين لخلق ممانعة اجتماعية
للغش الضريبي.
وعليه، فإننا نتساءل هل استطاعت الهيئات السياسية بالمغرب، التي يعد النظام
الجبائي نتاج عملها، أن تضمن فاعليه هذا الأخير في الحد من ظاهرة الغش الضريبي،
سواء بدعم إمكانات مديرية الضرائب، بالشكل الذي يوازي حجم المهام الملقاة على
عاتقها، أو بالتعامل بحزم وصرامة في مجال الوقاية وزجر الغش، وهل استطاعت أن تكرس
وعيا جبائيا لدى المكلفين عبر دعم التواصل بين هؤلاء والإدارة الجبائية، وهل
استطاعت أيضا أن تكريس مبدأ المساواة أمام الاقتطاع الجبائي، ذلك أن المساس بهذا
المبدأ، ينمي الإحساس لدى المكلفين بالضرائب بالحيف الجبائي مما يدفعهم حسب
الإمكانيات المتاحة لهم إلى الغش.
تلكم إن هي أهم الأفكار الأساسية التي تضمنا هذا القسم والتي سنحاول تسليط
الضوء عليها عن طريق تقسيمه إلى فصلين.
- الفصل الأول : سنتطرق فيه لأهم الأسباب التي تؤدي إلى
محدودية العلاقة بين الإدارة الجبائية والمكلف وذلك عبر مبحثين، نعالج في الأول
الإكراهات ومحدودية الإدارة الضريبية أمام الغش الضريبي نظرا لضعف إمكانياتها
البشرية والتجهيزية، بينما نعالج في المبحث الثاني تحليل لأزمة التواصل بين أطراف
هذه العلاقة، خصوصا لدى الإدارة الجبائية نظرا لأنها تتحمل القسط الأكبر من
المسؤولية.
- الفصل الثاني : سينصب على ذكر أهم الآليات والمقاربات
العصرية لتحسين العلاقة بين الإدارة الضريبية والمكلف وذلك عبر مبحثين، نتناول في
الأول لوسائل بناء إدارة عصرية وكيفية تحقيق التواصل بينها وبين المكلف، بينما
سنسلط الضوء في المبحث الثاني على أهم الطرق والحلول لاعتماد منظور جديد للرقابة
والعقاب.
التعليقات على الموضوع